عزام
12-25-2008, 02:44 PM
بقلم د. محمد عباس
ليس غريبا ذلك العرض الإسرائيلي الشيطاني بإنشاء مسخ لدولة اسمها فلسطين، لا تحمل من مقومات الدولة إلا اسمها، دولة بلا حدود متصلة، وبلا جيش، إلا ذلك الجيش الذي يحارب الأمة ويطارد المجاهدين، دولة بلا سماء، وحتى باطن الأرض لا تملكه، دولة بلا اقتصاد، يستنزف الإسرائيليون ثرواتها، لكي ينعموا بالرفاهية بينما يعيش أبناء البلاد حياة الخدم والرقيق، ويكون دور الحاكم فيها دور مروض العبيد، الذي لا تقدر قيمته إلا بقدر عدد العبيد الذين يستطيع أن يروضهم. ويكون دور المثقفين ورجال الإعلام وبعض الصحافيين هو دور القوادين الذين يزينون الخنوع والاستسلام للأمة، كما يزين القواد الزنا لبغيّ. يفصلون الأمة عن ثقافتها، وحضارتها، ودينها، بدعاوى الحداثة والحضارة، وهم في ذلك الوضع المهيض، يشبهون خادمة بئيسة، بل جارية وضيعة، تزداد قيمتها أمام قريناتها من الجواري كلما عن لسيدها أن يغتصبها، فاغتصاب مولاها شرف تتيه به علي الأخريات، ودليل علي أنها تحدثت وتحضرت.
ليس غريبا ذلك العرض الإسرائيلي الوقح، لأنه هو بذاته، هو الذي يمارس ضد الأمة الإسلامية كلها منذ خمسة قرون علي الأقل، هو بذاته، بنفس الوقاحة والبشاعة، وكأنما فلسطين هي النموذج المصغر، والأمة الإسلامية هي النموذج الأكبر، وفيما عدا الحجم، فالتطابق كامل.منذ خمسة قرون كانت الدولة الإسلامية الكبرى تتخلي تحت وطأة الضربات الهائلة للغرب الصليبي و المكائد اليهودية عن سيادتها للعالم وريادتها له . ولولا أن قيض الله الدولة العثمانية للدفاع عن هذه الأمة لكنا الآن كالهنود الحمر، بقايا شراذم .
حتي ذلك الوقت كنا أقوياء، وكنا سادة العالم، وكنا متحضرين، رغم ما تحفل به كتابات المستشرقين و أذنابهم بعكس ذلك.
كنا لا نسمح لسفن الغرب أن تعبر مضيق باب المندب من اليمن إلى خليج السويس لأنهم سيمرون قرب بحر جدة وهو من الحرم ، فكان البحر الأحمر كله عندهم حرم لا يدخله إلا مسلم! وكانت سفن العثمانيين تتسلم بضائع التجار الفرنجة عند اليمن وتنقلها لهم إلى خليج السويس وتسلمهم إياها في المتوسط.
وحتي القرن السابع عشر ، كان السلطان عبد المجيد يسمى البحر المتوسط البحيرة العثمانية ، فسأله صحافي إنجليزي إذا كان المتوسط وشاطئه الشمالي كله لأهل الصليب بحيرة عثمانية؟ فما البحر الأسود الذي يحيط به ملك الإسلام وجيوش الخلافة العثمانية فعلاً ؟ ، فقال السلطان العثماني: البحر الأسود هو مسبح قصري!.
في عام 1452 كان محمد الفاتح قد حقق أمل المسلمين، وتم علي يديه إنجاز النبوءة النبوية بفتح القسطنطينية، والتي كانت معقل تجييش الجيوش ضد بلاد المسلمين، واستيقظت أوروبا علي الخطر، و إزاء عجزها عن مواجهة الدولة الإسلامية في الشرق، فقد شددت الحصار علي امتدادها في الغرب، فسقطت الأندلس بعد فتح القسطنطينية بأربعين عاما، سقطت وانتهي فيها الإسلام بعد أن ظل يحكم فيها ثمانية قرون، كان البابا هو الذي يقود الحملات وهو الذي يخطط ويقرر، بل وهو الذي يقسم بلاد المسلمين بين المستعمرين، فانطلقت جحافل الصليبيين الثملة بأول نصر حاسم ونهائي علي المسلمين لكي تحاصر العالم الإسلامي كله. انطلقت من مختلف بلاد أوروبا، ومن روسيا.
نحن لم نسئ إليهم .. كنا دائما نحترم جميع أنبيائهم ونؤمن بأديانهم لكنهم أبدا لم يحترموا نبينا وما اعترفوا بديننا بل إن تقدمهم الحضارى الذى اعتمدوا علينا فيه لم يغذه بعد ذلك ويستحثه ويستنفره سوى السعى المحموم بالحقد الأسود الهادف لتدميرنا ومنذ القرن الخامس عشر وهم يحاولون محاصرتنا اقتصاديا كى يضعفونا عسكريا ثم يمحقونا ..
إن افتقاد النظرة الشاملة للتاريخ تصيبنا بالعماء عن فهم الحاضر وتمنعنا من إنقاذ المستقبل..
والغرب ( الصليبيون ) منذ مؤتة يفكرون بنفس الطريقة ويسيرون نفس المسار ومهما فشلوا، فإنهم يعاودون الكرة المرة تلو المرة حتى ينجحوا.. المأساة أن ما كانت الحضارة الإسلامية والدولة الإسلامية تطلبه دائما هو أن نبقى فى بلادنا التى حررناها من استعمارهم أحرارا نتعايش معهم فى سلام..
أما هم فكان مبتغاهم طيلة الزمان أن يعيدوا احتلال بلادنا وأن يقضوا على ديننا..
وعندما أدرك الغرب عجزه عن إبادتنا فقد تآمر الصليبيون مع المغول علينا – وذلك ثابت فى التاريخ رغم التعتيم عليه..
كانت فلسطين هي الهدف منذ استعاد المسلمون العرب فلسطين العربية من الرومان بعد معركة أجنادين وقد نجحوا فى تحقيقه فى الحروب الصليبية ثم نجح العرب المسلمون فى تحريرها مرة أخرى.. بعد حطين تحطمت جيوشهم لكن هدفهم لم يتحطم ولولا بزوغ شمس الدولة العثمانية فى هذا الوقت بالذات لاستطاعوا بعد إنهاك العرب واستنزافهم فى الحروب الصليبية وحروب المغول، لكن الدولة العثمانية تكفلت بحماية الإسلام والمسلمين فى الشرق فانطلقوا هم من الغرب..
يلخص الدكتور محمد عمارة في كتابه : " الجديد في المخطط الغربي تجاه المسلمين" - دار الوفاء الأمر بقوله:
إذا كنا بصدد الحديث عن الجديد في مخططات الغرب تجاه المسلمين ، فيحسن أن نذكر بعض التواريخ التي تفسر لنا أمورا كثيرة .. .. فبالطبع إن الصراع بين الشرق والغرب صراع قديم، وغزوة الإسكندر الأكبر احتلت " الشرق " قبل الميلاد ، وهزمت الدولة الفارسية التي كانت أبرز القوى الموجودة ، ونعلم أن هذه الغزوة ( الإغريق ثم الرومان ) زحفت إلى مختلف بقاع الشرق ( شمال إفريقيا ومصر والشام والحبشة واليمن ،وكادت أن تصل إلى وسط شبه الجزيرة العربية في غزوة الفيل ، والتي ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفس عامها ) . ونعلم أن الفتوحات الإسلامية كانت في جوهرها حروب تحرير الشرق من هذه الغزوة الإغريقية الرومانية ، حتى إن شعوب الشرق- وهى على دياناتها القديمة - وقفت تحت راية الفتوحات الإسلامية تحريرا لهذا الشرق من ذلك الاحتلال ، ونعلم أيضا أنه لم تكن هناك فتوحات إسلامية دار فيها الحرب والقتال بين جيش إسلامي وبين شعب من شعوب البلاد التي فتحها المسلمون ، فعندما جاء المسلمون إلى مصر كانت حربهم مع الروم ، ونفس الشيء كان في الشام ،(..)..
ويواصل الدكتور عمارة:
إذن فالحرب في الفتوحات الإسلامية كانت تدور ضد بقايا وصور الهيمنة والغزوة الإغريقية الرومانية ، ولم تكن بين المسلمين وبين شعوب البلاد التي فتحها المسلمون (..).. وعندما حررت المنطقة ، جاء الغرب مرة ثانية في ظل الحروب الصليبية ج كي يستعيد ، فكان الصراع وكأنه موجات . . فجاء الغرب منذ 1096 ميلادية(..).. في 1492 م سقطت غر ناطة وأخرج المسلمون من بلاد الأندلس . سقوط غر ناطة لم يكن نهاية مطاف الضغوط الغربية ضد عالم الإسلام ؟ لأن صحوة وتجديد العثمانيين لعسكرية الدولة جعلت الغرب منذ خمسمائة عام يخطط التخطيط الآتي :
فقد قرر أن يلتف حول عالم الإسلام ويطوقه عن طريق رأس الرجاء الصالح (..).. فقد سقطت غر ناطة 1492 ، في نفس العام ، وفى أغسطس بالتحديد بدأت رحلة كولمبس (..).. كان يقصد الالتفاف حول العالم الإسلامي ، (..).. فجاءت بعده حملة فاسكوداجاما الذي اكتشف رأس الرجاء الصالح في عام 1497 ( الاكتشاف كان جديدا ب النسبة لهم ) ، كل هذا بعد 5 سنوات فقط من سقوط غرناطة .
عندما ذهب البرتغاليون إلى الهند ، كانت إسلامية ، وكانت تحكم حكما إسلاميا في ذلك التاريخ ، ولم يكن الوعي غائبا عند حكامنا المماليك وإنما كانوا يدركون أنها حركة التفاف حول العالم الإسلامي ، ليس فقط لتحويل طرق التجارة ( وهو باب من أبواب الذبول الاقتصادي للعالم الإسلامي ) ، وإنما كانوا يدركون المخاطر الاستراتيجية التي يبتغيها الغرب ؟ ولذلك لم يكن غريبا أن تخرج الجيوش المملوكية من مصر لتقاتل البرتغاليين في الهند في ذلك التاريخ ، وهزمت الجيوش ، المملوكية في 1504 أي بعد اكتشاف رأس الرجاء الصالح بأقل من 7 سنوات.
(..)..لم تنته قصة التفاف البرتغاليين لبلاد المسلمين بعد هذا الانتصار الذي حققوه ، فنجد الفليبين التي كانت بلادا إسلامية ( كانت مانيلا اسمها أمان الله ) ، ذهب إليها ماجلان ( الذي ندرسه على أنه مكتشف ) ليحارب الإسلام والمسلمين ، ومات هناك 1521 ميلاديا في قتال ضد المسلمين .
بعد هذأ الالتفاف بدأت مرحلة ضرب قلب العالم الإسلامي ، والتواريخ خير شاهد ، فنجد بونابرت الذي جاء إلينا في عام 1798 ثم فريزر في 1807 والجزائر احتلت في 1830 ، ثم عدن 1838 م ، ثم تونس 1881 م، ثم مصر 1882أم ، ثم ليبيا 1911 ، ثم المغرب 1912 ، ثم عموم البلوى في سايكوس بيكو التي قسمت ما بقى من عالمنا العربي 1916 ، ثم الذروة عند سقوط الرمز ( الدولة العثمانية) في 1924 . إذن صراع الغرب مع الإسلام منذ خمسمائة عام على طرد الإسلام من أوربا ، وعلى بدء هذه الغزوة الصليبية التي بدأت بالالتفاف حول العالم الإسلامي حتى جاء بالعشرينات وعلي أعتاب الحرب العالمية الأولى، حيث أعلن سقوط كافة أنحاء العالم الإسلامي تقريبا أمام الهيمنة الغربية . هذأ الصراع لم ينته عند هذا الحد ، بل دخلنا في إطار الصراع حول الهوية ، وتلك هي المعركة القائمة حتى هذأ التاريخ .
ولم يكن هدف الغرب طرد الإسلام من أوروبا فقط كما يقول الدكتور عمارة في كتابه الهام، بل كان القضاء علي الإسلام نفسه.
لقد أعلن البابا كليمنت الخامس ( 1305- 1314) أن وجود مسلم على الأرض المسيحية يعتبر "إهانة لله" … وأن المسلمين فى الممالك الأوروبية " وكر الوباء متوهجة التلوث مصدر الطاعون العضال والجراثيم القذرة " وبهذا المنطق أبادوا المسلمين فى صقلية وجنوب إيطاليا فى بداية القرن الرابع عشر … وفى نهاية القرن الخامس عشر سقطت آخر قلعة إسلامية فى أوروبا عندما سقطت غرناطة فدقت أجراس الكنائس فى شتى أرجاء أوروبا ابتهاجا بالنصر المسيحى على الكفار، ثم لم تلبث محاكم التفتيش أن بدأت وعلى مدى 300 سنة بتخيير المسلمين بين الموت بأبشع الطرق أو التنصر أوالاستعباد أو الرحيل…
وكان من بين الخطط التى اعتزمها "دالبوكيرك" أحد قواد حملاتهم الصليبية التي لم تنقطع قط تحويل مجرى نهر النيل ليحرم مصر من أراضيها الخصبة فيتم هلاكها وإخضاعها، وقد كتب إلى ملك البرتغال يستدعى صناعا مهرة ليقوموا بفتح ثغرة بين سلسلة التلال الصغيرة التى تجرى بجانب النيل فى الحبشة ولكنه توفى سنة1515 ثم أحبط مواصلة الخطط فى هذا الاتجاه انضمام مصر بالفتح إلى الدولة الإسلامية الكبرى منذ عام 1517.
و دالبوكيرك هذا هو نفس الرجل الذى وقف من قبل على أبواب ملقا الحصينة يقول لبحارته إننى مقتنع كل الاقتناع بأنه منذ اللحظة التى تنتزع فيها تجارة التوابل من أيدى العرب تنهار القاهرة ومكة إلى الأبد.. كانت البرتغال أسبق دول أوربا فى هذا المجال فقد استطاع فاسكو ديجاما أن يدور حول أفريقيا ويكتشف الطريق إلى الهند مارا براس الرجاء الصالح، ولم تمض غير أعوام قليلة حى أصبحت أصغر دولة أوروبية تبسط سلطانها على مساحات أوسع من الإمبراطورية الرومانية فى عظمتها الغابرة.
وخشيت البرتغال أن تلحق بها دول أخرى فسعت إلى البابا ليمنحها مرسوما يقضى بتمليك البرتغال جميع القارات والبحار والجزر التى يكتشفها البرتغاليون فى الطريق إلى الهند وأقر هذا المرسوم ثلاثة بابوات آخرون، وافقوا على تلك الهبة العجيبة.
فلما نشطت أسبانيا فى مجال التهام أطراف العالم الإسلامي كان عليها أن تسلك طريقا آخر غير طريق البرتغال، ومن ثم تبنت مشروع كريستوفر كولمبس للوصول إلى الهند بطريق الإبحار غربا وقد استطاع كولمبس أن يعبر المحيط الأطلسى متجها إلى الغرب حتى وصل إلى اليابسة واكتشف دنيا جديدة عرفت فيما بعد باسم أمريكا، ولكنه ظل حتى آخر لحظة من حياته يؤكد أنه نزل فى شرق آسيا وأنه إذا واصل السير غربا فسوف يبلغ نهر الكنج ببلاد الهند وهذا ما أثار مخاوف البرتغال حيث بات مرسوم البابا عديم القيمة مادام الوصول إلى الهند أصبح ممكنا عبر الطريق الغربى، وهبت البرتغال إلى السلاح تدافع عن حقوقها فى الهند، ولكن البابا تدخل فى النزاع وقسم العالم مناصفة بين ملك أسبانيا وملك البرتغال فشطر خريطة العالم شطرين متساويين بالمرسوم الصادر فى مايو سنة 1493 بحيث تكون جميع البلاد الواقعة غرب الجزر الخضراء ملكا لأسبانيا وجميع البلاد الواقعة فى شرقها ملكا للبرتغال..
بقي أن نقول أن الذي مول رحلة كولومبس كانت ملكة أسبانيا، و أن هدف الرحلة، كان الوصول إلي الهند، واستغلال مناجم الذهب فيها، لتمويل حملة صليبية جديدة علي العالم العربي. عندما بدأ الاحتلال الأسبانى للفليبين التى غيروا اسمها تمجيدا للملك فيليب الثانى كانت العاصمة اسمها أمان الله وكان الحاكم الفليبينى المسلم هو راجا سليمان عام 1565 ميلادية. وكان المسلمون يشكلون 90% من سكان الفليبين كما كان الإسلام منتشرا فى المنطقة كلها.. سرعان ما دخلت بريطانيا إلي المعمعة وبدأت مخططها الكبير للاستيلاء علي الهند.
وكان الحكم الإسلامي قد استقر في الهند ورسخت أقدامه وقامت له دولة منذ أن بدأ السلطان الأفغاني المجاهد "محمود الغزنوي فتوحاته العظيمة في الهند سنة (392هـ = 1001م)، وامتد وجود الإسلام في الهند لأكثر من ثمانية قرون، حتي قضى الإنجليز علي الحكم الإسلامي عام 1858م وبعد ثورات هائلة للمسلمين تحالف معهم فيها الهندوس.. تمكن الإنجليز من القضاء علي الثورة وقاموا بالقبض على آخر ملك مسلم للهند وهو بهادر شاه ، وساقوه و أهل بيته مقيدين في ذلة وهوان، وفي الطريق أطلق أحد الضباط الرصاص من بندقيته على أبناء الملك وأحفاده، فقتل ثلاثة منهم، وقطعوا رؤوسهم.
ولم يكتف الإنجليز بسلوكهم المنحط بالتمثيل بالجثث، بل فاجئوا الملك وهو في محبسه بما لا يخطر على بال أحد خسة وخزيًا، فعندما قدموا الطعام للملك في سجنه، وضعوا رؤوس الثلاثة في إناء وغطّوه، وجعلوه على المائدة، فلما أقبل على تناول الطعام وكشف الغطاء وجد رؤوس أبنائه الثلاثة وقد غطيت وجوههم بالدم.
حاولت الهند مرات عديدة غزو أفغانستان أيضا، لكنها منيت بهزائم فادحة.
تصدرت بريطانيا – أفعى التاريخ الرقطاء- قيادة الحملة علي العالم الإسلامي، بعد أن هزمت أسبانيا و أزاحت البرتغال. ونجحت من موقعها الجديد في الهند أن تبث الخلافات والعصبيات في العالم الإسلامي، وباركت إنشاء الدولة الصفوية في إيران، وبثت الحية الرقطاء الفتن بين الدولة العثمانية السنية والدولة الصفوية الشيعية فانشغلا بالمعارك بينهما، بينما روسيا تلتهم بلادهما من الشمال في خراسان وبريطانيا تلتهمها من الجنوب في الهند.
حتى القرن الخامس عشر كانت إمارة مسكوفيا – وكان اسمها قد أصبح روسيا- مازالت تدفع الجزية للمسلمين، وكان إيفان الأول، جد إيفان الرابع – المسمي بالكبير- أجيرا يحكم موسكوفيا باسم المسلمين . وحتى ذلك الوقت لم تكن روسيا بعد كل التوسعات تتجاوز مساحة مصر، لكنها في خلال ثلاثة قرون أصبحت خمسة عشر ضعف مساحة مصر، جزء واحد من هذه الأجزاء يخص روسيا، والأربعة عشر جزء الأخرى هي أشلاء بلاد المسلمين.
والتقت القوتان الغازيتان علي تخوم أفغانستان، فالإنجليزالذين ابتدءوا سيطرتهم على الهند منذ القرن السادس عشر كانوا حريصين علي ألا تصل روسيا إلي المياه الدافئة، وكانوا يتحينون الفرص للانقضاض على أفغانستان من الجنوب الشرقي (الهند) بينما كان الروس يعدون العدة لاجتياحها من الشمال. وبذلك تحولت هذه البلاد إلى ساحة مفتوحة للصراع بين موسكو ولندن كان المتضرر الوحيد فيه الشعب الأفغاني المسلم. الذي استمر في مقاومته فنجح في الاحتفاظ بسيادته، وهزم بريطانيا مرات عديدة، وتصدي لروسيا حتي هزمها في القرن العشرين، أفلت الأفغان من الاختراق الذي شمل العالم الإسلامي كله، وظل صموده هذا أمرا غير مقبول من الغرب، حيث تواصل امبراطورية الشيطان الآن محاولة قهره.
كانوا – وما زالوا - يقطعون جسد الدولة الإسلامية كما تفعل الآن إسرائيل في فلسطين، والهند في كشمير وروسيا في الشيشان وخراسان و أمريكا في العالم كله، ففي نهاية القرن التاسع عشر كادت روسيا أن تتمكن من القضاء علي الدولة العثمانية من تجاه الغرب، ووصلت إلي عشرة أميال من عاصمتها، لولا تدخل الدول الأوروبية وبريطانيا التي كانت حريصة علي ألا تصل روسيا إلي المياه الدافئة للبحر المتوسط تماما كحرصها علي ألا تصل إليه من خلال أفغانستان و إيران. وكانت فرنسا وإيطاليا تقتسمان الدول العربية، وكانت بريطانيا تحتل مصر، وكانت أمريكا تنشئ الكلية الأمريكية في بيروت – الجامعة بعد ذلك في عام 1835 م، كي تبث سموم القومية في العالم العربي، وفي تركيا، وفي البلقان تمهيدا للقضاء النهائي علي الدولة الإسلامية. وهو ما حدث بعد ذلك بالفعل.
كانت الضربات هائلة، ومستمرة، ومخططة، وكان التشويه والكذب سائدين، وكانت أي مقاومة منا موصومة بالإرهاب، وكانوا يقاتلوننا كافة وكنا نواجههم قبيلة قبيلة، وبلدا بلدا، تماما علي عكس الأمر القرآني. كانت بلاد المسلمين تتفتت، وتتمزق، وكانت الحدود تصطنع، والفتن تزرع، وجيوش المسلمين لا تحارب إلا المسلمين، و إمبراطورية الشيطان التي تنقلت عاصمتها من روما إلي لشبونة إلي مدريد إلي باريس إلي لندن إلي واشنجتن تحاصرنا بلدا بعد بلد، تترك لنا مزقا مفتتة من الأرض لا نملك سماءها ولا ما تحت أرضها، وكانت تحول الحكام إلي مروضين للعبيد، والمثقفين إلي قوادين، يدفعون بالأمة إلي الرضا بالاغتصاب، والمذلة، باسم الحضارة والحداثة، ومقاومة الإرهاب..
ليس غريبا ذلك العرض الإسرائيلي الشيطاني بإنشاء مسخ لدولة اسمها فلسطين، لا تحمل من مقومات الدولة إلا اسمها، دولة بلا حدود متصلة، وبلا جيش، إلا ذلك الجيش الذي يحارب الأمة ويطارد المجاهدين، دولة بلا سماء، وحتى باطن الأرض لا تملكه، دولة بلا اقتصاد، يستنزف الإسرائيليون ثرواتها، لكي ينعموا بالرفاهية بينما يعيش أبناء البلاد حياة الخدم والرقيق، ويكون دور الحاكم فيها دور مروض العبيد، الذي لا تقدر قيمته إلا بقدر عدد العبيد الذين يستطيع أن يروضهم. ويكون دور المثقفين ورجال الإعلام وبعض الصحافيين هو دور القوادين الذين يزينون الخنوع والاستسلام للأمة، كما يزين القواد الزنا لبغيّ. يفصلون الأمة عن ثقافتها، وحضارتها، ودينها، بدعاوى الحداثة والحضارة، وهم في ذلك الوضع المهيض، يشبهون خادمة بئيسة، بل جارية وضيعة، تزداد قيمتها أمام قريناتها من الجواري كلما عن لسيدها أن يغتصبها، فاغتصاب مولاها شرف تتيه به علي الأخريات، ودليل علي أنها تحدثت وتحضرت.
ليس غريبا ذلك العرض الإسرائيلي الوقح، لأنه هو بذاته، هو الذي يمارس ضد الأمة الإسلامية كلها منذ خمسة قرون علي الأقل، هو بذاته، بنفس الوقاحة والبشاعة، وكأنما فلسطين هي النموذج المصغر، والأمة الإسلامية هي النموذج الأكبر، وفيما عدا الحجم، فالتطابق كامل.منذ خمسة قرون كانت الدولة الإسلامية الكبرى تتخلي تحت وطأة الضربات الهائلة للغرب الصليبي و المكائد اليهودية عن سيادتها للعالم وريادتها له . ولولا أن قيض الله الدولة العثمانية للدفاع عن هذه الأمة لكنا الآن كالهنود الحمر، بقايا شراذم .
حتي ذلك الوقت كنا أقوياء، وكنا سادة العالم، وكنا متحضرين، رغم ما تحفل به كتابات المستشرقين و أذنابهم بعكس ذلك.
كنا لا نسمح لسفن الغرب أن تعبر مضيق باب المندب من اليمن إلى خليج السويس لأنهم سيمرون قرب بحر جدة وهو من الحرم ، فكان البحر الأحمر كله عندهم حرم لا يدخله إلا مسلم! وكانت سفن العثمانيين تتسلم بضائع التجار الفرنجة عند اليمن وتنقلها لهم إلى خليج السويس وتسلمهم إياها في المتوسط.
وحتي القرن السابع عشر ، كان السلطان عبد المجيد يسمى البحر المتوسط البحيرة العثمانية ، فسأله صحافي إنجليزي إذا كان المتوسط وشاطئه الشمالي كله لأهل الصليب بحيرة عثمانية؟ فما البحر الأسود الذي يحيط به ملك الإسلام وجيوش الخلافة العثمانية فعلاً ؟ ، فقال السلطان العثماني: البحر الأسود هو مسبح قصري!.
في عام 1452 كان محمد الفاتح قد حقق أمل المسلمين، وتم علي يديه إنجاز النبوءة النبوية بفتح القسطنطينية، والتي كانت معقل تجييش الجيوش ضد بلاد المسلمين، واستيقظت أوروبا علي الخطر، و إزاء عجزها عن مواجهة الدولة الإسلامية في الشرق، فقد شددت الحصار علي امتدادها في الغرب، فسقطت الأندلس بعد فتح القسطنطينية بأربعين عاما، سقطت وانتهي فيها الإسلام بعد أن ظل يحكم فيها ثمانية قرون، كان البابا هو الذي يقود الحملات وهو الذي يخطط ويقرر، بل وهو الذي يقسم بلاد المسلمين بين المستعمرين، فانطلقت جحافل الصليبيين الثملة بأول نصر حاسم ونهائي علي المسلمين لكي تحاصر العالم الإسلامي كله. انطلقت من مختلف بلاد أوروبا، ومن روسيا.
نحن لم نسئ إليهم .. كنا دائما نحترم جميع أنبيائهم ونؤمن بأديانهم لكنهم أبدا لم يحترموا نبينا وما اعترفوا بديننا بل إن تقدمهم الحضارى الذى اعتمدوا علينا فيه لم يغذه بعد ذلك ويستحثه ويستنفره سوى السعى المحموم بالحقد الأسود الهادف لتدميرنا ومنذ القرن الخامس عشر وهم يحاولون محاصرتنا اقتصاديا كى يضعفونا عسكريا ثم يمحقونا ..
إن افتقاد النظرة الشاملة للتاريخ تصيبنا بالعماء عن فهم الحاضر وتمنعنا من إنقاذ المستقبل..
والغرب ( الصليبيون ) منذ مؤتة يفكرون بنفس الطريقة ويسيرون نفس المسار ومهما فشلوا، فإنهم يعاودون الكرة المرة تلو المرة حتى ينجحوا.. المأساة أن ما كانت الحضارة الإسلامية والدولة الإسلامية تطلبه دائما هو أن نبقى فى بلادنا التى حررناها من استعمارهم أحرارا نتعايش معهم فى سلام..
أما هم فكان مبتغاهم طيلة الزمان أن يعيدوا احتلال بلادنا وأن يقضوا على ديننا..
وعندما أدرك الغرب عجزه عن إبادتنا فقد تآمر الصليبيون مع المغول علينا – وذلك ثابت فى التاريخ رغم التعتيم عليه..
كانت فلسطين هي الهدف منذ استعاد المسلمون العرب فلسطين العربية من الرومان بعد معركة أجنادين وقد نجحوا فى تحقيقه فى الحروب الصليبية ثم نجح العرب المسلمون فى تحريرها مرة أخرى.. بعد حطين تحطمت جيوشهم لكن هدفهم لم يتحطم ولولا بزوغ شمس الدولة العثمانية فى هذا الوقت بالذات لاستطاعوا بعد إنهاك العرب واستنزافهم فى الحروب الصليبية وحروب المغول، لكن الدولة العثمانية تكفلت بحماية الإسلام والمسلمين فى الشرق فانطلقوا هم من الغرب..
يلخص الدكتور محمد عمارة في كتابه : " الجديد في المخطط الغربي تجاه المسلمين" - دار الوفاء الأمر بقوله:
إذا كنا بصدد الحديث عن الجديد في مخططات الغرب تجاه المسلمين ، فيحسن أن نذكر بعض التواريخ التي تفسر لنا أمورا كثيرة .. .. فبالطبع إن الصراع بين الشرق والغرب صراع قديم، وغزوة الإسكندر الأكبر احتلت " الشرق " قبل الميلاد ، وهزمت الدولة الفارسية التي كانت أبرز القوى الموجودة ، ونعلم أن هذه الغزوة ( الإغريق ثم الرومان ) زحفت إلى مختلف بقاع الشرق ( شمال إفريقيا ومصر والشام والحبشة واليمن ،وكادت أن تصل إلى وسط شبه الجزيرة العربية في غزوة الفيل ، والتي ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفس عامها ) . ونعلم أن الفتوحات الإسلامية كانت في جوهرها حروب تحرير الشرق من هذه الغزوة الإغريقية الرومانية ، حتى إن شعوب الشرق- وهى على دياناتها القديمة - وقفت تحت راية الفتوحات الإسلامية تحريرا لهذا الشرق من ذلك الاحتلال ، ونعلم أيضا أنه لم تكن هناك فتوحات إسلامية دار فيها الحرب والقتال بين جيش إسلامي وبين شعب من شعوب البلاد التي فتحها المسلمون ، فعندما جاء المسلمون إلى مصر كانت حربهم مع الروم ، ونفس الشيء كان في الشام ،(..)..
ويواصل الدكتور عمارة:
إذن فالحرب في الفتوحات الإسلامية كانت تدور ضد بقايا وصور الهيمنة والغزوة الإغريقية الرومانية ، ولم تكن بين المسلمين وبين شعوب البلاد التي فتحها المسلمون (..).. وعندما حررت المنطقة ، جاء الغرب مرة ثانية في ظل الحروب الصليبية ج كي يستعيد ، فكان الصراع وكأنه موجات . . فجاء الغرب منذ 1096 ميلادية(..).. في 1492 م سقطت غر ناطة وأخرج المسلمون من بلاد الأندلس . سقوط غر ناطة لم يكن نهاية مطاف الضغوط الغربية ضد عالم الإسلام ؟ لأن صحوة وتجديد العثمانيين لعسكرية الدولة جعلت الغرب منذ خمسمائة عام يخطط التخطيط الآتي :
فقد قرر أن يلتف حول عالم الإسلام ويطوقه عن طريق رأس الرجاء الصالح (..).. فقد سقطت غر ناطة 1492 ، في نفس العام ، وفى أغسطس بالتحديد بدأت رحلة كولمبس (..).. كان يقصد الالتفاف حول العالم الإسلامي ، (..).. فجاءت بعده حملة فاسكوداجاما الذي اكتشف رأس الرجاء الصالح في عام 1497 ( الاكتشاف كان جديدا ب النسبة لهم ) ، كل هذا بعد 5 سنوات فقط من سقوط غرناطة .
عندما ذهب البرتغاليون إلى الهند ، كانت إسلامية ، وكانت تحكم حكما إسلاميا في ذلك التاريخ ، ولم يكن الوعي غائبا عند حكامنا المماليك وإنما كانوا يدركون أنها حركة التفاف حول العالم الإسلامي ، ليس فقط لتحويل طرق التجارة ( وهو باب من أبواب الذبول الاقتصادي للعالم الإسلامي ) ، وإنما كانوا يدركون المخاطر الاستراتيجية التي يبتغيها الغرب ؟ ولذلك لم يكن غريبا أن تخرج الجيوش المملوكية من مصر لتقاتل البرتغاليين في الهند في ذلك التاريخ ، وهزمت الجيوش ، المملوكية في 1504 أي بعد اكتشاف رأس الرجاء الصالح بأقل من 7 سنوات.
(..)..لم تنته قصة التفاف البرتغاليين لبلاد المسلمين بعد هذا الانتصار الذي حققوه ، فنجد الفليبين التي كانت بلادا إسلامية ( كانت مانيلا اسمها أمان الله ) ، ذهب إليها ماجلان ( الذي ندرسه على أنه مكتشف ) ليحارب الإسلام والمسلمين ، ومات هناك 1521 ميلاديا في قتال ضد المسلمين .
بعد هذأ الالتفاف بدأت مرحلة ضرب قلب العالم الإسلامي ، والتواريخ خير شاهد ، فنجد بونابرت الذي جاء إلينا في عام 1798 ثم فريزر في 1807 والجزائر احتلت في 1830 ، ثم عدن 1838 م ، ثم تونس 1881 م، ثم مصر 1882أم ، ثم ليبيا 1911 ، ثم المغرب 1912 ، ثم عموم البلوى في سايكوس بيكو التي قسمت ما بقى من عالمنا العربي 1916 ، ثم الذروة عند سقوط الرمز ( الدولة العثمانية) في 1924 . إذن صراع الغرب مع الإسلام منذ خمسمائة عام على طرد الإسلام من أوربا ، وعلى بدء هذه الغزوة الصليبية التي بدأت بالالتفاف حول العالم الإسلامي حتى جاء بالعشرينات وعلي أعتاب الحرب العالمية الأولى، حيث أعلن سقوط كافة أنحاء العالم الإسلامي تقريبا أمام الهيمنة الغربية . هذأ الصراع لم ينته عند هذا الحد ، بل دخلنا في إطار الصراع حول الهوية ، وتلك هي المعركة القائمة حتى هذأ التاريخ .
ولم يكن هدف الغرب طرد الإسلام من أوروبا فقط كما يقول الدكتور عمارة في كتابه الهام، بل كان القضاء علي الإسلام نفسه.
لقد أعلن البابا كليمنت الخامس ( 1305- 1314) أن وجود مسلم على الأرض المسيحية يعتبر "إهانة لله" … وأن المسلمين فى الممالك الأوروبية " وكر الوباء متوهجة التلوث مصدر الطاعون العضال والجراثيم القذرة " وبهذا المنطق أبادوا المسلمين فى صقلية وجنوب إيطاليا فى بداية القرن الرابع عشر … وفى نهاية القرن الخامس عشر سقطت آخر قلعة إسلامية فى أوروبا عندما سقطت غرناطة فدقت أجراس الكنائس فى شتى أرجاء أوروبا ابتهاجا بالنصر المسيحى على الكفار، ثم لم تلبث محاكم التفتيش أن بدأت وعلى مدى 300 سنة بتخيير المسلمين بين الموت بأبشع الطرق أو التنصر أوالاستعباد أو الرحيل…
وكان من بين الخطط التى اعتزمها "دالبوكيرك" أحد قواد حملاتهم الصليبية التي لم تنقطع قط تحويل مجرى نهر النيل ليحرم مصر من أراضيها الخصبة فيتم هلاكها وإخضاعها، وقد كتب إلى ملك البرتغال يستدعى صناعا مهرة ليقوموا بفتح ثغرة بين سلسلة التلال الصغيرة التى تجرى بجانب النيل فى الحبشة ولكنه توفى سنة1515 ثم أحبط مواصلة الخطط فى هذا الاتجاه انضمام مصر بالفتح إلى الدولة الإسلامية الكبرى منذ عام 1517.
و دالبوكيرك هذا هو نفس الرجل الذى وقف من قبل على أبواب ملقا الحصينة يقول لبحارته إننى مقتنع كل الاقتناع بأنه منذ اللحظة التى تنتزع فيها تجارة التوابل من أيدى العرب تنهار القاهرة ومكة إلى الأبد.. كانت البرتغال أسبق دول أوربا فى هذا المجال فقد استطاع فاسكو ديجاما أن يدور حول أفريقيا ويكتشف الطريق إلى الهند مارا براس الرجاء الصالح، ولم تمض غير أعوام قليلة حى أصبحت أصغر دولة أوروبية تبسط سلطانها على مساحات أوسع من الإمبراطورية الرومانية فى عظمتها الغابرة.
وخشيت البرتغال أن تلحق بها دول أخرى فسعت إلى البابا ليمنحها مرسوما يقضى بتمليك البرتغال جميع القارات والبحار والجزر التى يكتشفها البرتغاليون فى الطريق إلى الهند وأقر هذا المرسوم ثلاثة بابوات آخرون، وافقوا على تلك الهبة العجيبة.
فلما نشطت أسبانيا فى مجال التهام أطراف العالم الإسلامي كان عليها أن تسلك طريقا آخر غير طريق البرتغال، ومن ثم تبنت مشروع كريستوفر كولمبس للوصول إلى الهند بطريق الإبحار غربا وقد استطاع كولمبس أن يعبر المحيط الأطلسى متجها إلى الغرب حتى وصل إلى اليابسة واكتشف دنيا جديدة عرفت فيما بعد باسم أمريكا، ولكنه ظل حتى آخر لحظة من حياته يؤكد أنه نزل فى شرق آسيا وأنه إذا واصل السير غربا فسوف يبلغ نهر الكنج ببلاد الهند وهذا ما أثار مخاوف البرتغال حيث بات مرسوم البابا عديم القيمة مادام الوصول إلى الهند أصبح ممكنا عبر الطريق الغربى، وهبت البرتغال إلى السلاح تدافع عن حقوقها فى الهند، ولكن البابا تدخل فى النزاع وقسم العالم مناصفة بين ملك أسبانيا وملك البرتغال فشطر خريطة العالم شطرين متساويين بالمرسوم الصادر فى مايو سنة 1493 بحيث تكون جميع البلاد الواقعة غرب الجزر الخضراء ملكا لأسبانيا وجميع البلاد الواقعة فى شرقها ملكا للبرتغال..
بقي أن نقول أن الذي مول رحلة كولومبس كانت ملكة أسبانيا، و أن هدف الرحلة، كان الوصول إلي الهند، واستغلال مناجم الذهب فيها، لتمويل حملة صليبية جديدة علي العالم العربي. عندما بدأ الاحتلال الأسبانى للفليبين التى غيروا اسمها تمجيدا للملك فيليب الثانى كانت العاصمة اسمها أمان الله وكان الحاكم الفليبينى المسلم هو راجا سليمان عام 1565 ميلادية. وكان المسلمون يشكلون 90% من سكان الفليبين كما كان الإسلام منتشرا فى المنطقة كلها.. سرعان ما دخلت بريطانيا إلي المعمعة وبدأت مخططها الكبير للاستيلاء علي الهند.
وكان الحكم الإسلامي قد استقر في الهند ورسخت أقدامه وقامت له دولة منذ أن بدأ السلطان الأفغاني المجاهد "محمود الغزنوي فتوحاته العظيمة في الهند سنة (392هـ = 1001م)، وامتد وجود الإسلام في الهند لأكثر من ثمانية قرون، حتي قضى الإنجليز علي الحكم الإسلامي عام 1858م وبعد ثورات هائلة للمسلمين تحالف معهم فيها الهندوس.. تمكن الإنجليز من القضاء علي الثورة وقاموا بالقبض على آخر ملك مسلم للهند وهو بهادر شاه ، وساقوه و أهل بيته مقيدين في ذلة وهوان، وفي الطريق أطلق أحد الضباط الرصاص من بندقيته على أبناء الملك وأحفاده، فقتل ثلاثة منهم، وقطعوا رؤوسهم.
ولم يكتف الإنجليز بسلوكهم المنحط بالتمثيل بالجثث، بل فاجئوا الملك وهو في محبسه بما لا يخطر على بال أحد خسة وخزيًا، فعندما قدموا الطعام للملك في سجنه، وضعوا رؤوس الثلاثة في إناء وغطّوه، وجعلوه على المائدة، فلما أقبل على تناول الطعام وكشف الغطاء وجد رؤوس أبنائه الثلاثة وقد غطيت وجوههم بالدم.
حاولت الهند مرات عديدة غزو أفغانستان أيضا، لكنها منيت بهزائم فادحة.
تصدرت بريطانيا – أفعى التاريخ الرقطاء- قيادة الحملة علي العالم الإسلامي، بعد أن هزمت أسبانيا و أزاحت البرتغال. ونجحت من موقعها الجديد في الهند أن تبث الخلافات والعصبيات في العالم الإسلامي، وباركت إنشاء الدولة الصفوية في إيران، وبثت الحية الرقطاء الفتن بين الدولة العثمانية السنية والدولة الصفوية الشيعية فانشغلا بالمعارك بينهما، بينما روسيا تلتهم بلادهما من الشمال في خراسان وبريطانيا تلتهمها من الجنوب في الهند.
حتى القرن الخامس عشر كانت إمارة مسكوفيا – وكان اسمها قد أصبح روسيا- مازالت تدفع الجزية للمسلمين، وكان إيفان الأول، جد إيفان الرابع – المسمي بالكبير- أجيرا يحكم موسكوفيا باسم المسلمين . وحتى ذلك الوقت لم تكن روسيا بعد كل التوسعات تتجاوز مساحة مصر، لكنها في خلال ثلاثة قرون أصبحت خمسة عشر ضعف مساحة مصر، جزء واحد من هذه الأجزاء يخص روسيا، والأربعة عشر جزء الأخرى هي أشلاء بلاد المسلمين.
والتقت القوتان الغازيتان علي تخوم أفغانستان، فالإنجليزالذين ابتدءوا سيطرتهم على الهند منذ القرن السادس عشر كانوا حريصين علي ألا تصل روسيا إلي المياه الدافئة، وكانوا يتحينون الفرص للانقضاض على أفغانستان من الجنوب الشرقي (الهند) بينما كان الروس يعدون العدة لاجتياحها من الشمال. وبذلك تحولت هذه البلاد إلى ساحة مفتوحة للصراع بين موسكو ولندن كان المتضرر الوحيد فيه الشعب الأفغاني المسلم. الذي استمر في مقاومته فنجح في الاحتفاظ بسيادته، وهزم بريطانيا مرات عديدة، وتصدي لروسيا حتي هزمها في القرن العشرين، أفلت الأفغان من الاختراق الذي شمل العالم الإسلامي كله، وظل صموده هذا أمرا غير مقبول من الغرب، حيث تواصل امبراطورية الشيطان الآن محاولة قهره.
كانوا – وما زالوا - يقطعون جسد الدولة الإسلامية كما تفعل الآن إسرائيل في فلسطين، والهند في كشمير وروسيا في الشيشان وخراسان و أمريكا في العالم كله، ففي نهاية القرن التاسع عشر كادت روسيا أن تتمكن من القضاء علي الدولة العثمانية من تجاه الغرب، ووصلت إلي عشرة أميال من عاصمتها، لولا تدخل الدول الأوروبية وبريطانيا التي كانت حريصة علي ألا تصل روسيا إلي المياه الدافئة للبحر المتوسط تماما كحرصها علي ألا تصل إليه من خلال أفغانستان و إيران. وكانت فرنسا وإيطاليا تقتسمان الدول العربية، وكانت بريطانيا تحتل مصر، وكانت أمريكا تنشئ الكلية الأمريكية في بيروت – الجامعة بعد ذلك في عام 1835 م، كي تبث سموم القومية في العالم العربي، وفي تركيا، وفي البلقان تمهيدا للقضاء النهائي علي الدولة الإسلامية. وهو ما حدث بعد ذلك بالفعل.
كانت الضربات هائلة، ومستمرة، ومخططة، وكان التشويه والكذب سائدين، وكانت أي مقاومة منا موصومة بالإرهاب، وكانوا يقاتلوننا كافة وكنا نواجههم قبيلة قبيلة، وبلدا بلدا، تماما علي عكس الأمر القرآني. كانت بلاد المسلمين تتفتت، وتتمزق، وكانت الحدود تصطنع، والفتن تزرع، وجيوش المسلمين لا تحارب إلا المسلمين، و إمبراطورية الشيطان التي تنقلت عاصمتها من روما إلي لشبونة إلي مدريد إلي باريس إلي لندن إلي واشنجتن تحاصرنا بلدا بعد بلد، تترك لنا مزقا مفتتة من الأرض لا نملك سماءها ولا ما تحت أرضها، وكانت تحول الحكام إلي مروضين للعبيد، والمثقفين إلي قوادين، يدفعون بالأمة إلي الرضا بالاغتصاب، والمذلة، باسم الحضارة والحداثة، ومقاومة الإرهاب..