أحمد الظرافي
12-24-2008, 05:10 PM
خرافة ضرب الحجاج للمسجد الحرام
في باب (شعاع من التاريخ) من مجلة العربي - العدد (532) - مارس 2003 كتب الدكتور سليمان مظهر مقالا تحت عنوان (كيف ضرب الحجاج المسجد الحرام ؟) ولأن الكاتب علماني النزعة - وهو أساسا صحفي جوال كان يكتب الاستطلاعات لمجلة العربي وليس باحثا في التاريخ – كما أعتقد - وليس لديه علم بالتاريخ الحقيقي والتاريخ المزيف، ولاسيما حول الدولة الأموية والحجاج بن يوسف، فقد كرر الكاتب في مقاله تلك الفرية التي تنسب للحجاج بن يوسف الثقفي وهي ضرب المسجد الحرام بالمنجنيق متعمدا لقتل عبد الله بن الزبير، وذلك اعتمادا على ما جاء في كتاب الأخبار الطوال، الذي كتبه عام 227 هجرية، أحمد بن داود الدينوري، وقد أورد الكاتب ذلك وكأنه هو التاريخ الحقيقي. فقد زعم الكاتب " إن التاريخ الذي خط سطوره المؤرخون العرب القدامى من أمثال أحمد بن داود الدينوري هو مرآة حية لأحداث الماضي كما هي أحداث الحاضر"
فرد عليه أحد الباحثين في نفس المجلة العدد 538 ، 1/09/2003 ، مصححا وكاشفا زيف ما أثير من لغط وشبهات حول الحجاج بن يوسف، وخاصة حول ضربه للمسجد الحرام وحول قطع رأس ابن الزبير .
وأنا إذ أشكر المعقب على تعقيبه الرائع ودفاعه – ليس عن الحجاج – وإنما عن الحقيقة، مع تحفظي على ما جاء فيه من نقد لاذع للصحابي عبد الله بن الزبير
وألصق لكم ههاهنا ذلك التعقيب وهو تحت عنوان:
متى يعاد الاعتبار للحجاج? (http://javascript<b></b>:Read_Art('http://www.alarabimag.com/arabi/data/2003/9/1/Art_62050.xml'))
بقلم زياد دياب
لم يكن بنو أمية في صراع مع علي بن أبي طالب بمعنى الصراع الحقيقي، وإنما خلاف على وجهات النظر في الفتنة الكبرى التي أعقبت استشهاد عثمان بن عفان رضي الله عنه, والكتابات التي كثرت عن الخلاف بين علي ومعاوية أكثرها غير صحيح, وغالباً ما يأخذ المؤرخون المحدثون والكتّاب بالمعلومات التاريخية السلبية دون تدقيق أو تمحيص أو دراسة أو نقد علمي أو تحليل تاريخي للأحداث, إذ نجد مثلاً مؤرخين حياديين نقلوا الحقيقة والواقع ولم يأت أحد على ذكرهم أو استشهد بأقوالهم وكأن المثقف أو القارئ العربي لا يصدق من الروايات إلا التي تطعن في تاريخنا وفي شخصياتنا وكأننا نحب ألا نسمع الحقيقة أو نقرأ الرأي الآخر..!
بالنسبة لموقف الأمويين من ابن الزبير واضح عندما اجتمعت الكلمة لمعاوية وبايعه أهل المدينة قال لابنه ناصحاً (يا بني إني كفيتك الشدّ والترحال ووطأت لك الأمور وذللت لك الأعداء وجمعت لك ما لم يجمعه أحد. فانظر أهل الحجاز فإنهم أصلك, وانظر أهل العراق فإن سألوك أن تعزل عنهم كل يوم عاملاً فافعل فإنّ عزل عامل أسهل من أن يُشهر عليك مائة ألف سيف, وانظر أهل الشام فليكونوا بطانتك وغيبتك.. وإني لست أخاف أن ينازعك في هذا الأمر إلا أربعة من قريش: الحسين بن علي وعبدالله بن عمر وعبدالله بن الزبير وعبدالرحمن بن أبي بكر. فأما ابن عمر فإنه رجل قد وقدته العبادة فإذا لم يبق أحد غيره بايعك. وأما الحسين بن علي فهو رجل ضعيف ولن يتركه أهل العراق حتى يخرجوه فإن خرج وظفرت به فاصفح عنه فإن له رحماً ماسّة وحقاً عظيماً وقرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأما ابن أبي بكر فإن رأى أصحابه صنعوا شيئاً صنع مثله ليس له همّة إلا في النساء, وأما الذي يجثم لك جثوم الأسد ويراوغك مراوغة الثعلب فذاك ابن الزبير فإنه خبّ خبّ فإذا شخص لك فالبد له إلا أن يلتمس منك حلماً فإن فعل فاقبل واحقن دماء قومك ما استطعت..).
فضائل الحجاج
وما إن سيطر ابن الزبير على مكة وأعلن نفسه خليفة وتمرد على الدولة وعصى الطاعة وانفكّ عنه أخوه مصعب والتحق بالعراق وذلك زمن عبدالملك بن مروان الذي بعث بجيش بقيادة الحجاج بن يوسف إلى مكة ليخضع ابن الزبير ولكن بلطف ودون إراقة الدماء. والمداخلة تبدأ من هنا ضرب الحجاج مكة أو المسجد الحرام! ولي عدة ملاحظات حول هذا الموضوع:
1 - الحجاج لم يضرب المسجد الحرام لأن الكاتب عندما يذكر أنه ضرب الكعبة إنما يؤكد على عنف الحجاج والشك في إسلامه ويؤلب الناس عليه, إنما هو ضرب مكة وأمكنة تجمع الناس حول ابن الزبير لأنه أعلن نفسه خليفة بوجود خليفة وهذا لا يصح شرعاً.
2 - لم يضرب الحجاج مكة والناس في الحج كما يذكر المقال وتوحي الصورة المرافقة للمقال بذلك وإنما العكس فقد توقف الحجاج عن الضرب أثناء الحج (انظر الطبري ج6 ص175), والطبري شيخ المؤرخين.
3 - كان على الحجاج أن يفعل ما فعل من واجب الدفاع عن هيبة الدولة وعدم السماح لأي متمرد بالتجرؤ على السلطة وهو حق وواجب شرعي. ولم يكن كما يقول عنه المؤرخون والناس بالطاغية والظالم الغاشم إنما كانت له فضائل كثيرة فقد سيّر الجيوش لفتح آسيا حتى الصين غرباً وروسيا شمالاً عدا عن تعمير الأرض والقضاء على المتمردين وازدهار العراق والسند وبلاد ما وراء النهر وكان يحسن اختيار الرجال وكان في عهده إذا اعتدي على امرأة تقول يا حجاج فيلبي دعوتها. وبعهده وبفضله وبمشورته تمت الفتوحات الكبرى وتعريب الدواوين وضرب النقود الإسلامية وتنظيم الخراج وتنقيط المصاحف, وكان رجل دولة من الطراز الأول في الإخلاص والأمانة والحرص على سلامة ومصلحة الدولة والبيت الحاكم, وقد مات ولم يترك سوى مصحفه المنقط وسلاحه وبضع مئات من الدراهم فقط (انظر تاريخ بني أمية نبيه عامل ص236ط دمشق) صحيح أن الحجاج مشهور بشدته وحزمه في معاملة العُصاة وحلمه وعفوه عمن يستسلم لأمر الدولة أيضا فقد عفا عن الذين حاربوه في البصرة ودير الجماجم.
4 - كان الحجاج متعلماً مثقفاً لم يؤمن بالأباطيل والخرافات فلم يقبل أقوال رجاله يوم رمى مكة وإرعاد السماء فقال لهم (أنا ابن نجد وأعرف صواعقها) لأن ابن الزبير أحدث الفتنة وفرّق صفوف الجماعة فهو يستحق العقاب, ولو عاذ بالكعبة, ونال عقابه, وعفا عمن استسلم إليه وكان رحيماً بهم, وكل ما ذكر عنه حول هذا الموضوع إنما كان من روايات تكره الحجاج. أما ما قيل عن ضرب الكعبة وحريقها فقد التبس الأمر عند الكاتب فقد حوصرت مكة زمن الحصين بن نمير السكوني وزمن الحجاج, وذكر المؤرخون أن (أهل الشام قذفوا البيت بالمنجنيق وحرقوه بالنار) وهذا ادعاء تاريخي لا يثبت أمام التحقيق السليم وذلك لأسباب عدّة نذكرها:
1 - لا يذكر أبو مخنف زعيم المدرسة العراقية أي شيء عن هذا الحريق أو أسبابه ومبرراته علماً أنه يكره الأمويين (انظر الطبري ج5 - ص498).
2 - يذكر الطبري: (كان جماعة ابن الزبير يوقدون حول الكعبة فأقبلت شرارة هبّت بها الريح فاحترقت ثياب الكعبة واحترق خشب البيت) ويذكر الطبري عن عروة بن أذينة (قدمت مكة مع أمي يوم احترقت الكعبة وقد خلصت إليها النار ورأيتها مجردة من الحريق فقلت ما أصاب الكعبة, فأشاروا إلى رجل من أصحاب عبدالله بن الزبير فقالوا هذا, احترقت بسببه أخذ قبساً في رأس رمح له فطيّرت الريح به فضربت أستار الكعبة, بين الركن اليماني والأسود).
3 - رواية أخرى تقول على لسان المدائني في كتاب الأغاني (إن ابن الزبير نفسه هو الذي أخذ القبس وكان السبب في احتراق الكعبة وسبب ذلك ان ابن الزبير سمع أصواتاً بالليل فوق الجبل فخاف أن يكون أهل الشام قد وصلوا إليه وكانت ليلة ظلماء شديدة صعبة ورعد وبرق فرفع ناراً على رأس رمح لينظر إلى الناس فأطارتها الرياح فوقعت على أستار الكعبة فاحترقت).
4 - وقيل إن جماعة من أصحاب ابن الزبير حرقوا أستار الكعبة ليوغروا صدور الناس بالحقد على أهل الشام ويثيروا الناس عليهم ويحدثوا الفوضى في جيش الشام.
5 - حتى ابن الزبير نفسه لم يكن خليقاً بأن يكون خليفة فقد فارقه أخوه مصعب وهو أحق بالمناصرة له, ثم تخلّى عنه الخوارج وفارقوه لعدم ثقتهم به, وادعائه الخلافة وأطماعه الشخصية مما جعل الناس ينفضّون عنه. وعدم مرونته في المفاوضات ولم يكن على قدر من الدهاء في وقت يحتاج إلى دهاء في معاملة بني أمية. وكان بإمكانه أن يحقن الدماء ويمنع الفتنة ولكن لم يفعل فمات وماتت فكرته وثورته وجماعته معاً مما يدل على هشاشة في معارضته وإعلانه الخلافة في وقت يحتاج فيه ابن الزبير وغيره إلى الدبلوماسية والمراوغة وفن السياسة التي افتقدها ابن الزبير وأجادها عبدالملك والحجاج.
6 - وبما أن التاريخ الأموي كتب في زمن العباسيين وأغلب المؤرخين في ذلك الوقت كانوا يكنّون الكره لبني أمية فمن الأرجح أن يكون هذا التاريخ قد زوّر وكتبت أحداث لم تكن موجودة. فأنا أشك أن الحجاج قد قطع رأس ابن الزبير أصلاً لأنه لم يوجد مؤرخ أو شاهد عصر كتب الحقيقة أو كتب الأحداث لصالح بني أمية وإلاّ لو وجد هذا المؤرخ لكان للتاريخ شأن آخر!.
في باب (شعاع من التاريخ) من مجلة العربي - العدد (532) - مارس 2003 كتب الدكتور سليمان مظهر مقالا تحت عنوان (كيف ضرب الحجاج المسجد الحرام ؟) ولأن الكاتب علماني النزعة - وهو أساسا صحفي جوال كان يكتب الاستطلاعات لمجلة العربي وليس باحثا في التاريخ – كما أعتقد - وليس لديه علم بالتاريخ الحقيقي والتاريخ المزيف، ولاسيما حول الدولة الأموية والحجاج بن يوسف، فقد كرر الكاتب في مقاله تلك الفرية التي تنسب للحجاج بن يوسف الثقفي وهي ضرب المسجد الحرام بالمنجنيق متعمدا لقتل عبد الله بن الزبير، وذلك اعتمادا على ما جاء في كتاب الأخبار الطوال، الذي كتبه عام 227 هجرية، أحمد بن داود الدينوري، وقد أورد الكاتب ذلك وكأنه هو التاريخ الحقيقي. فقد زعم الكاتب " إن التاريخ الذي خط سطوره المؤرخون العرب القدامى من أمثال أحمد بن داود الدينوري هو مرآة حية لأحداث الماضي كما هي أحداث الحاضر"
فرد عليه أحد الباحثين في نفس المجلة العدد 538 ، 1/09/2003 ، مصححا وكاشفا زيف ما أثير من لغط وشبهات حول الحجاج بن يوسف، وخاصة حول ضربه للمسجد الحرام وحول قطع رأس ابن الزبير .
وأنا إذ أشكر المعقب على تعقيبه الرائع ودفاعه – ليس عن الحجاج – وإنما عن الحقيقة، مع تحفظي على ما جاء فيه من نقد لاذع للصحابي عبد الله بن الزبير
وألصق لكم ههاهنا ذلك التعقيب وهو تحت عنوان:
متى يعاد الاعتبار للحجاج? (http://javascript<b></b>:Read_Art('http://www.alarabimag.com/arabi/data/2003/9/1/Art_62050.xml'))
بقلم زياد دياب
لم يكن بنو أمية في صراع مع علي بن أبي طالب بمعنى الصراع الحقيقي، وإنما خلاف على وجهات النظر في الفتنة الكبرى التي أعقبت استشهاد عثمان بن عفان رضي الله عنه, والكتابات التي كثرت عن الخلاف بين علي ومعاوية أكثرها غير صحيح, وغالباً ما يأخذ المؤرخون المحدثون والكتّاب بالمعلومات التاريخية السلبية دون تدقيق أو تمحيص أو دراسة أو نقد علمي أو تحليل تاريخي للأحداث, إذ نجد مثلاً مؤرخين حياديين نقلوا الحقيقة والواقع ولم يأت أحد على ذكرهم أو استشهد بأقوالهم وكأن المثقف أو القارئ العربي لا يصدق من الروايات إلا التي تطعن في تاريخنا وفي شخصياتنا وكأننا نحب ألا نسمع الحقيقة أو نقرأ الرأي الآخر..!
بالنسبة لموقف الأمويين من ابن الزبير واضح عندما اجتمعت الكلمة لمعاوية وبايعه أهل المدينة قال لابنه ناصحاً (يا بني إني كفيتك الشدّ والترحال ووطأت لك الأمور وذللت لك الأعداء وجمعت لك ما لم يجمعه أحد. فانظر أهل الحجاز فإنهم أصلك, وانظر أهل العراق فإن سألوك أن تعزل عنهم كل يوم عاملاً فافعل فإنّ عزل عامل أسهل من أن يُشهر عليك مائة ألف سيف, وانظر أهل الشام فليكونوا بطانتك وغيبتك.. وإني لست أخاف أن ينازعك في هذا الأمر إلا أربعة من قريش: الحسين بن علي وعبدالله بن عمر وعبدالله بن الزبير وعبدالرحمن بن أبي بكر. فأما ابن عمر فإنه رجل قد وقدته العبادة فإذا لم يبق أحد غيره بايعك. وأما الحسين بن علي فهو رجل ضعيف ولن يتركه أهل العراق حتى يخرجوه فإن خرج وظفرت به فاصفح عنه فإن له رحماً ماسّة وحقاً عظيماً وقرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأما ابن أبي بكر فإن رأى أصحابه صنعوا شيئاً صنع مثله ليس له همّة إلا في النساء, وأما الذي يجثم لك جثوم الأسد ويراوغك مراوغة الثعلب فذاك ابن الزبير فإنه خبّ خبّ فإذا شخص لك فالبد له إلا أن يلتمس منك حلماً فإن فعل فاقبل واحقن دماء قومك ما استطعت..).
فضائل الحجاج
وما إن سيطر ابن الزبير على مكة وأعلن نفسه خليفة وتمرد على الدولة وعصى الطاعة وانفكّ عنه أخوه مصعب والتحق بالعراق وذلك زمن عبدالملك بن مروان الذي بعث بجيش بقيادة الحجاج بن يوسف إلى مكة ليخضع ابن الزبير ولكن بلطف ودون إراقة الدماء. والمداخلة تبدأ من هنا ضرب الحجاج مكة أو المسجد الحرام! ولي عدة ملاحظات حول هذا الموضوع:
1 - الحجاج لم يضرب المسجد الحرام لأن الكاتب عندما يذكر أنه ضرب الكعبة إنما يؤكد على عنف الحجاج والشك في إسلامه ويؤلب الناس عليه, إنما هو ضرب مكة وأمكنة تجمع الناس حول ابن الزبير لأنه أعلن نفسه خليفة بوجود خليفة وهذا لا يصح شرعاً.
2 - لم يضرب الحجاج مكة والناس في الحج كما يذكر المقال وتوحي الصورة المرافقة للمقال بذلك وإنما العكس فقد توقف الحجاج عن الضرب أثناء الحج (انظر الطبري ج6 ص175), والطبري شيخ المؤرخين.
3 - كان على الحجاج أن يفعل ما فعل من واجب الدفاع عن هيبة الدولة وعدم السماح لأي متمرد بالتجرؤ على السلطة وهو حق وواجب شرعي. ولم يكن كما يقول عنه المؤرخون والناس بالطاغية والظالم الغاشم إنما كانت له فضائل كثيرة فقد سيّر الجيوش لفتح آسيا حتى الصين غرباً وروسيا شمالاً عدا عن تعمير الأرض والقضاء على المتمردين وازدهار العراق والسند وبلاد ما وراء النهر وكان يحسن اختيار الرجال وكان في عهده إذا اعتدي على امرأة تقول يا حجاج فيلبي دعوتها. وبعهده وبفضله وبمشورته تمت الفتوحات الكبرى وتعريب الدواوين وضرب النقود الإسلامية وتنظيم الخراج وتنقيط المصاحف, وكان رجل دولة من الطراز الأول في الإخلاص والأمانة والحرص على سلامة ومصلحة الدولة والبيت الحاكم, وقد مات ولم يترك سوى مصحفه المنقط وسلاحه وبضع مئات من الدراهم فقط (انظر تاريخ بني أمية نبيه عامل ص236ط دمشق) صحيح أن الحجاج مشهور بشدته وحزمه في معاملة العُصاة وحلمه وعفوه عمن يستسلم لأمر الدولة أيضا فقد عفا عن الذين حاربوه في البصرة ودير الجماجم.
4 - كان الحجاج متعلماً مثقفاً لم يؤمن بالأباطيل والخرافات فلم يقبل أقوال رجاله يوم رمى مكة وإرعاد السماء فقال لهم (أنا ابن نجد وأعرف صواعقها) لأن ابن الزبير أحدث الفتنة وفرّق صفوف الجماعة فهو يستحق العقاب, ولو عاذ بالكعبة, ونال عقابه, وعفا عمن استسلم إليه وكان رحيماً بهم, وكل ما ذكر عنه حول هذا الموضوع إنما كان من روايات تكره الحجاج. أما ما قيل عن ضرب الكعبة وحريقها فقد التبس الأمر عند الكاتب فقد حوصرت مكة زمن الحصين بن نمير السكوني وزمن الحجاج, وذكر المؤرخون أن (أهل الشام قذفوا البيت بالمنجنيق وحرقوه بالنار) وهذا ادعاء تاريخي لا يثبت أمام التحقيق السليم وذلك لأسباب عدّة نذكرها:
1 - لا يذكر أبو مخنف زعيم المدرسة العراقية أي شيء عن هذا الحريق أو أسبابه ومبرراته علماً أنه يكره الأمويين (انظر الطبري ج5 - ص498).
2 - يذكر الطبري: (كان جماعة ابن الزبير يوقدون حول الكعبة فأقبلت شرارة هبّت بها الريح فاحترقت ثياب الكعبة واحترق خشب البيت) ويذكر الطبري عن عروة بن أذينة (قدمت مكة مع أمي يوم احترقت الكعبة وقد خلصت إليها النار ورأيتها مجردة من الحريق فقلت ما أصاب الكعبة, فأشاروا إلى رجل من أصحاب عبدالله بن الزبير فقالوا هذا, احترقت بسببه أخذ قبساً في رأس رمح له فطيّرت الريح به فضربت أستار الكعبة, بين الركن اليماني والأسود).
3 - رواية أخرى تقول على لسان المدائني في كتاب الأغاني (إن ابن الزبير نفسه هو الذي أخذ القبس وكان السبب في احتراق الكعبة وسبب ذلك ان ابن الزبير سمع أصواتاً بالليل فوق الجبل فخاف أن يكون أهل الشام قد وصلوا إليه وكانت ليلة ظلماء شديدة صعبة ورعد وبرق فرفع ناراً على رأس رمح لينظر إلى الناس فأطارتها الرياح فوقعت على أستار الكعبة فاحترقت).
4 - وقيل إن جماعة من أصحاب ابن الزبير حرقوا أستار الكعبة ليوغروا صدور الناس بالحقد على أهل الشام ويثيروا الناس عليهم ويحدثوا الفوضى في جيش الشام.
5 - حتى ابن الزبير نفسه لم يكن خليقاً بأن يكون خليفة فقد فارقه أخوه مصعب وهو أحق بالمناصرة له, ثم تخلّى عنه الخوارج وفارقوه لعدم ثقتهم به, وادعائه الخلافة وأطماعه الشخصية مما جعل الناس ينفضّون عنه. وعدم مرونته في المفاوضات ولم يكن على قدر من الدهاء في وقت يحتاج إلى دهاء في معاملة بني أمية. وكان بإمكانه أن يحقن الدماء ويمنع الفتنة ولكن لم يفعل فمات وماتت فكرته وثورته وجماعته معاً مما يدل على هشاشة في معارضته وإعلانه الخلافة في وقت يحتاج فيه ابن الزبير وغيره إلى الدبلوماسية والمراوغة وفن السياسة التي افتقدها ابن الزبير وأجادها عبدالملك والحجاج.
6 - وبما أن التاريخ الأموي كتب في زمن العباسيين وأغلب المؤرخين في ذلك الوقت كانوا يكنّون الكره لبني أمية فمن الأرجح أن يكون هذا التاريخ قد زوّر وكتبت أحداث لم تكن موجودة. فأنا أشك أن الحجاج قد قطع رأس ابن الزبير أصلاً لأنه لم يوجد مؤرخ أو شاهد عصر كتب الحقيقة أو كتب الأحداث لصالح بني أمية وإلاّ لو وجد هذا المؤرخ لكان للتاريخ شأن آخر!.