أم ورقة
12-13-2008, 05:36 AM
السيادة الغذائية أم الأمن الغذائي؟
يثير مبدأ السيادة الغذائية الكثير من النقاش، وخصوصاً في ما يتعلق بأولويته أو عدمها تجاه مبدأ الأمن الغذائي. مبدأ لا يزال موضع جدال، تتفاوت نسب تطبيقه من بلد لآخر، رغم تردّد الحديث عنه والإجماع على صحته منذ عام 1948
محمد محسن
يحق لشعوب البلدان النامية الاطمئنان حين ترسو سفن الأغذية المستوردة في موانئهم. لكن مشكلة هذا الاطمئنان أنه آني، في بلدان تمثّل المنتوجات الغذائية المستوردة والمصنّعة في الخارج حجر الزاوية في أمنها الغذائي. يشغل موضوع الأمن والسيادة السياسيين رؤساء الدول النامية الذين يحرصون على استمرار حكم أنظمتهم، بينما يبدو اهتمامهم بالسيادة الغذائية هامشياً، وخصوصاً حين تفرض الدول الكبرى على الأخرى الصغرى ثقافة الاستهلاك خطوةً أساسيةً نحو دخول العالم الجديد. لكن العالم الجديد يشهد تحولات كبيرة، وعلى أكثر من صعيد. من هنا، يبدو الحديث عن السيادة الغذائية أمراً هاماً.
حرص الخبراء والمختصون في مجالات الغذاء والاقتصاد، منذ بداية ندوة «السيادة على الغذاء مقابل التجارة الحرة: نحو إطار بديل متعدد الأطراف لحوكمة الزراعة»، على التفريق بين مبدأي السيادة الغذائية والأمن الغذائي.
وقد جمعت الندوة التي أقامها المنتدى الإقليمي لهيئات المجتمع المدني في غرب ووسط آسيا وشمال أفريقيا، ونظمتها مؤسسة هينرش بول وجمعية الخط الأخضر، والتي امتدت طوال أيام 5 و6 و7 كانون الأول 2008، في فندق كراون بلازا في بيروت، ممثلين عن جمعيات أهلية وبيئية، من دول عديدة، كلبنان، باكستان، قيرغيزستان، تونس، إيران، فرنسا، وإيطاليا، وخبراء ناقشوا مفهوم السيادة الغذائية، بعدما قدّمت له الناشطة الإيرانية مريم رحمانيان.
في البداية، فرّقت رحمانيان بين السيادة والأمن الغذائيين، فحصرت الأمن الغذائي بضرورة الحصول على الغذاء بشكل كاف، بينما شرحت السيادة الغذائية على أنها «حق الدول والأفراد في إنتاج الغذاء بأنفسهم، وذلك عبر النفاذ إلى التحكّم بموارد أساسية في هذا المجال، هي المياه والبذور والأرض».
قاد هذان التعريفان إلى اعتبار الأمن الغذائي مسألةً اجتماعية، فيما السيادة الغذائية ترتبط بالسياسة، وخصوصاً أنّها أصبحت مبدأً منصوصاً عليه في دساتير بعض الدول، بعدما نشأت في أميركا الوسطى بفعل حركة الفلاحين «فيا كامبيسينا»، التي طالبت باعتماد الفلاحين ومنتجي الغذاء لها.
أجمع الخبراء المشاركون على سلامة مبدأ السيادة الغذائية، لكن الاختلاف ظهر واضحاً حين تحدثوا عن آليات تطبيقه، كل وفق وجهة نظره.
ففيما تحدّث أحد المشاركين عن مشاكل تعترض تطبيق السيادة الغذائية في بعض الدول، دون إيضاحها، مقترحاً ألا يقتصر تطبيق هذا المبدأ على الفلاحين ومنتجي الغذاء، على اعتبار أن السيادة الغذائية منظومة متكاملة ينيغي أن يشارك السكان بكل قطاعاتهم ومستوياتهم في تطبيقها، تحدّث مشارك آخر عمّا هو أهم من مبدأ السيادة بذاته.
«قبل الحديث عمّا نأكل ونزرع، أو عمّا نقوم به كمزارعين أو كأصحاب أحواضٍ لتربية السمك، يجب طرح سؤال هو الأهم في هذا المجال: هل يصل الطعام إلى الجميع؟ بمعنى آخر، هل تطوير الإنتاج المحلي هو الأهم، أم الأهم منه هو توفير الطعام لجميع شرائح المجتمع المحلي وطبقاته؟».
تساؤل بث الحماسة في الجلسة ودفع البعض إلى عرض أفضل ما في جعبته، إذ انتقل مشارك ثالث للرد على هذه النقطة الحساسة، مؤكداً «قلة أهمية مصدر الغذاء أمام أهمية القدرة على تأمينه قبل كل شيء»، لافتاً إلى نقطة لم يثرها أحد من الحاضرين «هل تناول أحد منا حق المواطن بالحصول على الأغذية بكلفة متاحة؟».
حضرت السياسة بقوة أثناء الحديث عن السيادة الغذائية، فارتباطهما العضوي برز واضحاً في التجربة الفلسطينية بعدما دعت إحدى المشاركات من فلسطين إلى «تناول حق الشعب الفلسطيني في النفاذ إلى أرضه واستثمارها، وكيف أنّه يناضل من أجلها، مؤكدةً ضرورة إشراك الشعوب في السيادة الغذائية، لأن الأهم هو تعلّق أهل الأرض بأرضهم». وفي التجربة اللبنانية أيضاً، بعدما نبّهت إحدى المشاركات من لبنان إلى مشكلة القنابل العنقودية، «التي تمنع فلاحي الجنوب اللبناني من زراعة أرضهم وحصاد إنتاجها».
كان موقف الخبراء تشاؤمياً، عطفوه على تسليمهم بـ«عدم القدرة على المشاركة في القرار، نظراً لضعف الإمكانات»، وبـ«فولكلورية الاجتماعات التي تعقد».
كانت النتيجة أنهم طرحوا خلال المنتدى الكثير من الأسئلة التي كان من المتوقع أن يجيبوا عنها، وعزوا ذلك إلى وعيهم «للفجوة بين طرح النظريات وإمكانات تطبيقها»، وخصوصاً أن أحد المتحدثين تساءل «ماذا تفعل لمن يريد أن يأكل التشيبس ويشرب الكولا؟ وهل يمكن لسيادة غذائية أن تحصل في دول غير سيّدة، يمنحها السيادة طرف أكبر وأقوى منها؟».
عدد الجمعة ١٢ كانون الأول ٢٠٠٨
يثير مبدأ السيادة الغذائية الكثير من النقاش، وخصوصاً في ما يتعلق بأولويته أو عدمها تجاه مبدأ الأمن الغذائي. مبدأ لا يزال موضع جدال، تتفاوت نسب تطبيقه من بلد لآخر، رغم تردّد الحديث عنه والإجماع على صحته منذ عام 1948
محمد محسن
يحق لشعوب البلدان النامية الاطمئنان حين ترسو سفن الأغذية المستوردة في موانئهم. لكن مشكلة هذا الاطمئنان أنه آني، في بلدان تمثّل المنتوجات الغذائية المستوردة والمصنّعة في الخارج حجر الزاوية في أمنها الغذائي. يشغل موضوع الأمن والسيادة السياسيين رؤساء الدول النامية الذين يحرصون على استمرار حكم أنظمتهم، بينما يبدو اهتمامهم بالسيادة الغذائية هامشياً، وخصوصاً حين تفرض الدول الكبرى على الأخرى الصغرى ثقافة الاستهلاك خطوةً أساسيةً نحو دخول العالم الجديد. لكن العالم الجديد يشهد تحولات كبيرة، وعلى أكثر من صعيد. من هنا، يبدو الحديث عن السيادة الغذائية أمراً هاماً.
حرص الخبراء والمختصون في مجالات الغذاء والاقتصاد، منذ بداية ندوة «السيادة على الغذاء مقابل التجارة الحرة: نحو إطار بديل متعدد الأطراف لحوكمة الزراعة»، على التفريق بين مبدأي السيادة الغذائية والأمن الغذائي.
وقد جمعت الندوة التي أقامها المنتدى الإقليمي لهيئات المجتمع المدني في غرب ووسط آسيا وشمال أفريقيا، ونظمتها مؤسسة هينرش بول وجمعية الخط الأخضر، والتي امتدت طوال أيام 5 و6 و7 كانون الأول 2008، في فندق كراون بلازا في بيروت، ممثلين عن جمعيات أهلية وبيئية، من دول عديدة، كلبنان، باكستان، قيرغيزستان، تونس، إيران، فرنسا، وإيطاليا، وخبراء ناقشوا مفهوم السيادة الغذائية، بعدما قدّمت له الناشطة الإيرانية مريم رحمانيان.
في البداية، فرّقت رحمانيان بين السيادة والأمن الغذائيين، فحصرت الأمن الغذائي بضرورة الحصول على الغذاء بشكل كاف، بينما شرحت السيادة الغذائية على أنها «حق الدول والأفراد في إنتاج الغذاء بأنفسهم، وذلك عبر النفاذ إلى التحكّم بموارد أساسية في هذا المجال، هي المياه والبذور والأرض».
قاد هذان التعريفان إلى اعتبار الأمن الغذائي مسألةً اجتماعية، فيما السيادة الغذائية ترتبط بالسياسة، وخصوصاً أنّها أصبحت مبدأً منصوصاً عليه في دساتير بعض الدول، بعدما نشأت في أميركا الوسطى بفعل حركة الفلاحين «فيا كامبيسينا»، التي طالبت باعتماد الفلاحين ومنتجي الغذاء لها.
أجمع الخبراء المشاركون على سلامة مبدأ السيادة الغذائية، لكن الاختلاف ظهر واضحاً حين تحدثوا عن آليات تطبيقه، كل وفق وجهة نظره.
ففيما تحدّث أحد المشاركين عن مشاكل تعترض تطبيق السيادة الغذائية في بعض الدول، دون إيضاحها، مقترحاً ألا يقتصر تطبيق هذا المبدأ على الفلاحين ومنتجي الغذاء، على اعتبار أن السيادة الغذائية منظومة متكاملة ينيغي أن يشارك السكان بكل قطاعاتهم ومستوياتهم في تطبيقها، تحدّث مشارك آخر عمّا هو أهم من مبدأ السيادة بذاته.
«قبل الحديث عمّا نأكل ونزرع، أو عمّا نقوم به كمزارعين أو كأصحاب أحواضٍ لتربية السمك، يجب طرح سؤال هو الأهم في هذا المجال: هل يصل الطعام إلى الجميع؟ بمعنى آخر، هل تطوير الإنتاج المحلي هو الأهم، أم الأهم منه هو توفير الطعام لجميع شرائح المجتمع المحلي وطبقاته؟».
تساؤل بث الحماسة في الجلسة ودفع البعض إلى عرض أفضل ما في جعبته، إذ انتقل مشارك ثالث للرد على هذه النقطة الحساسة، مؤكداً «قلة أهمية مصدر الغذاء أمام أهمية القدرة على تأمينه قبل كل شيء»، لافتاً إلى نقطة لم يثرها أحد من الحاضرين «هل تناول أحد منا حق المواطن بالحصول على الأغذية بكلفة متاحة؟».
حضرت السياسة بقوة أثناء الحديث عن السيادة الغذائية، فارتباطهما العضوي برز واضحاً في التجربة الفلسطينية بعدما دعت إحدى المشاركات من فلسطين إلى «تناول حق الشعب الفلسطيني في النفاذ إلى أرضه واستثمارها، وكيف أنّه يناضل من أجلها، مؤكدةً ضرورة إشراك الشعوب في السيادة الغذائية، لأن الأهم هو تعلّق أهل الأرض بأرضهم». وفي التجربة اللبنانية أيضاً، بعدما نبّهت إحدى المشاركات من لبنان إلى مشكلة القنابل العنقودية، «التي تمنع فلاحي الجنوب اللبناني من زراعة أرضهم وحصاد إنتاجها».
كان موقف الخبراء تشاؤمياً، عطفوه على تسليمهم بـ«عدم القدرة على المشاركة في القرار، نظراً لضعف الإمكانات»، وبـ«فولكلورية الاجتماعات التي تعقد».
كانت النتيجة أنهم طرحوا خلال المنتدى الكثير من الأسئلة التي كان من المتوقع أن يجيبوا عنها، وعزوا ذلك إلى وعيهم «للفجوة بين طرح النظريات وإمكانات تطبيقها»، وخصوصاً أن أحد المتحدثين تساءل «ماذا تفعل لمن يريد أن يأكل التشيبس ويشرب الكولا؟ وهل يمكن لسيادة غذائية أن تحصل في دول غير سيّدة، يمنحها السيادة طرف أكبر وأقوى منها؟».
عدد الجمعة ١٢ كانون الأول ٢٠٠٨