مشاهدة النسخة كاملة : منهج النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة من خلال السيرة الصحيحة
السلام عليكم
نبدأ بعون الله بنشر كتاب جديد ومهم عن منهج النبي صلى الله عليه وسلم الدعوي
عزام
منهج النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة من خلال السيرة الصحيحة
د. محمد أمحزون
بسم الله الرحمن الرحيم (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) هود : 112 .
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد :
فإن أعظم نعمة من الله ـ تبارك وتعالى ـ على العبد أن يهيىء له الأسباب ليكون من حملة هذا الدين ، وداعية إلى الله بإذنه ؛ إذ أن وظيفة الدعاة هي نفسها وظيفة الرسل ـ عليهم صلوات الله وسلامه ـ ومنزلتهم تلي منزلة المرسلين التي هي أشرف المنازل وأسمى المقامات ؛ لأن غايتهم هي :إعلاء كلمة الله عز وجل في الأرض ؛ التي بها صلاح الأنفس والمجتمعات وسعادتها في الدارين .
ولما كان الداعية إلى الله تعالى من صفوة الخلق وخيرهم وأحبهم إلى الله عز وجل ؛ كانت كلمته هي أحسن كلمة تقال في الأرض : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فصلت : 33 .
على أن الدعوة إلى الله عز وجل هي سبب خيرية هذه الأمة : (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) آل عمران : 110 ، وبها إستحقت القوامة على العالمين : (لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) البقرة 143 ، وهي مناط الفلاح في الدنيا والآخرة : (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) آل عمران : 104 .
والدعوة قوامها : العلم النافع ، والعمل الصالح ، وسلامة القصد والغاية ، والفهم الصحيح ، والبصيرة في الدين ، ومعرفة حال المخاطبين والمدعوين ، والصلابة والجرأة في الحق ، والجدال بالتي هي أحسن .
إن وظيفة البلاغ المبين تقتضي الإستقامة على المنهج : (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) هود : 112 ، لأن مضمون الدعوة وجوهرها لا يتغير ، وحقائقها ومبادئها لا تتبدل ؛ بل هي راسخة ثابتة على إختلاف الزمان والمكان والظروف والأشخاص .
لكن الخلط بين المنهج والطريقة ، وبين الجوهر والأسلوب ، وبين الموضوع والكيفية ؛ أوقع بعض الدعاة في نتائج خاطئة ؛ مما ترتب عليه تحريف وتمييع في مضمون وجوه الدعوة .
ولأجل ذلك ينبغي الفصل بين المنهج والوسيلة ؛ فتعدد طرق وأساليب البلاغ سنة ربانية ، لكن شرط الإتحاد في الأهداف والإتفاق على الأصول والثوابت التي تعدّ مرجعية للمنهج .
ومن جهة أخرى : فإن وسائل الدعوة لا يحكم عليها إلا بعد عرضها على الشروط الشرعية ؛ هل المقصد المتوسل إليه مقصد شرعي صحيح ؟ وهل هو باقٍ لم يسقط ؟ وهل درجة الإفضاء كافية ؟ وهل يترتب على هذا التوسل مفسدة مساوية لمصلحته أو أعظم منها ؟ فمتى وجدت هذه الشروط جميعها في وسيلة ما ؛ حكم بصحة هذه الوسيلة ، ومتى تخلفت هذه الشروط أو بعضها ؛ حكم ببطلانها1 (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftn1) .
ومن المعلوم أن وسائل إما توقيفية ، أو إجتهادية .
فإن أريد بوسائل الدعوة : منهج الأنبياء الثابت في الدعوة إلى الله تعالى كضرورة البدء بالعقيدة ، ونبذ الشرك بمختلف صوره ، والبراءة من أعداء الدين ؛ فلا شك أن وسائل الدعوة بهذا المعنى توقيفية ، أي لا جدال فيها للإجتهاد .
وإن أريد بوسائل الدعوة : أساليب الدعوة إلى الله عز وجل ، وطرق تبليغ الدين ؛ كالبرامج الإعلامية المعتمدة على الصوت والصورة مثل : شريط الفيديو ، والحاسب الآلي ، وكإنشاء المدارس والمكتبات والجمعيات ، والمجلات والصحف ، وإستعمال الآلات والمخترعات الحديثة المنتشرة في هذا العصر ؛ فلا شك أن وسائل الدعوة بهذا المعنى ليست توقيفية ، بل هي خاضعة للإجتهاد والنظر حسبما يحقق المصلحة ، شريطة إعمال الفكر وإطالة النظر في إطار الضوابط الشرعية1 (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftn2).
أما بالنسبة لجوهر الدعوة : فإن غفلة بعض الدعاة عن حقيقة الإيمان وحدِّ الإسلام ، وعن مقتضى ((لا إله إلا الله)) أدى إلى أن أشتبه عليهم الأمر ، حيث لبَّست عليهم الأنظمة التي تحكم بغير ما أنزل الله ، أو تحكم ببعض الكتاب وتكفر ببعض ، وفي الوقت نفسه تدَّعي الإسلام ، وتظهر إحترام العقيدة ، ولا تمانع في إقامة شعائر التعبد ، فصعب عليهم تبعاً لذلك التفريق بين أهل الإيمان والمنافقين .
كما أن دعاة آخرين لجأوا في ظل إنتشار الفساد في المجتمعات الإسلامية ، وفي ظل سيطرة الحكومات العلمانية إلى الغلو ، وإلى تكفير الحكام وعامة المسلمين على السواء .
وهكذا فإن الشبهات من ناحية ، والأوضاع المزرية من ناحية ثانية ، وما عليه هؤلاء وأولئك من قلة العلم الشرعي والجهل بالضوابط الشرعية التي تحدد بها المسارات والمواقف ، أدى إلى إفراز مناهج مختلفة وتوجهات متباينة ، كرَّست الخلاف والفرقة في ساحة العمل الإسلامي .
فالمشاهد اليوم2 (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftn3) أن أصحاب الدعوة ينقسمون ـ في الغالب ـ إلى فرق وجماعات ، كل فريق تجتذبه آراء وإجتهادات .
فمنها : فريق فطن إلى أصل القضية ومكمن الداء ، فأراد أن يصحح الأصول ، ويجلي بدهيات الدين ، ويربط ذلك بالعمل وضرورته ، لكنه سلك في ذلك حرفية عقيمة في الفهم ، ونبرة موغلة في التطرف ، ظاناً ذلك هو منهج العزيمة والإستقامة ؛ فوقع في طامة تكفير عامة المسلمين من المخالفين لآرائه وطروحاته . فنفر بذلك من بدعة ((الإرجاء)) ليقع في بدعة شر منها وهي بدعة ((الخروج)) ، وسدَّ على نفسه منافذ الإتصال بالناس وإيصال الحق لقلوبهم ، [ ووقع نتيجة لذلك في خطأ التلازم بين تكفير الحاكم الذي لا يحكم بما أنزل الله ، وبين تكفير أعيان عوام المسلمين ، كما نادى بوجوب الخروج على الحاكم فوراً ، وأن لا طريق إلى ذلك إلا الجهاد بالقوة والسلاح ، رغم عدم الإعداد والقدرة على ذلك ] .
وفريق آخر : إنطلق في دعوته بدون منهج واضح ، فلم يتناول القضية بالتأصيل العلمي بل بالتهويش العاطفي ، فكان أن وُوْجِهَ بأصول وقواعد لا يملك مثلها ، ولا يستطيع رَدَّها ، ففر من الإبتلاء إلى الإحتواء ،ومن التغيير إلى التبرير ، وأخذ يسند هذا الواقع المنحرف ويأصله بنظريات بدعية ، ووجد في مذهب المرجئة بغيةً وسنداً فنسي مهمته الأساس ، وهي : تغيير هذا الواقع لا تبريره3 (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftn4) .
وتحت ضغط الأعداء ماديّاً وإعلامياً ، أخذ هذا الفريق يتنازل شيئاً فشيئاً عن كثير من مبادئه ومنطلقاته العقائدية الرئيسة . فأصبح أمر العقيدة ليس أساسيّاً .
وقد كثر الحديث عند هؤلاء عن : ((مصلحة الدعوة)) و ((الضرورة الشرعية)) ، وصارت مثل هذه الأمور تقال كثيراً وتبرر بها بعض المواقف . لكنها لم تقم على الدراسة الشرعية الأصولية التي تحدد ضوابطها وشروطها . وهذا النقص الكبير في الدراسة والتقعيد جعل مواقف هذا الفريق خاطئة ، وليست مبنية على أسس واضحة ومدروسة4 (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftn5) .
وفريق ثالث : ينتسب إلى منهج السلف ، لكنه يطرح أطروحات ويأتي بحلول يعلم سلفاً أنها مخالفة لمنهج السلف الشمولي ، ولن تؤدي إلى تحقيق أهداف ومقاصد الدعوة الإسلامية مثل : حصر الإسلام ودعوته في طلب العلم ـ ويُقْصد بالعلم علماً معيناً ـ والمنع من التكتل والإجتماع على الأهداف والوسائل التي يرجى بها تحقيق غايات الدعوة الإسلامية ، ومعاداة تلك التكتلات والتحذير منها والتشكيك في أهدافها ، وتصوير الجماعات الإسلامية وكأنها العدو الأول والخطر الأكبر ، وجعل محاربتها أولى الأولويات . وبمقابل يرفع شعار الولاء للأنظمة الفاسدة ، وتأصيل ذلك بأنه معتقد السلف ـ حاشاهم ذلك ـ .
على أن هذا الفريق لا يملك منهجاً واضحاً وشاملاً للتغيير وتطبيق شرع الله ؛ فلا تبنّى الدعوة بشمولها ، وخاطب الأمة وحركها بمنهج يستوعب جميع طاقتها ، ولا هو أفسح المجال لمن يسعى إلى ذلك ويعاون على البر والتقوى . فالأسس المهمة في عملية التغيير الشامل ـ وأهمها قيام جماعة الدعوة بنظامها الذي يحقق معنى الجماعة ـ يعتبر في نظره بدعة .
وعلى العموم : ظل هذا الفريق جامداً على مسائل فرعية يتبناها ويرتب عليها الولاء والبراء والسنة والبدعة5 (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftn6).
إن الهدف الشرعي من وجود أي جماعة إسلامية ، والمبرر الوحيد لوجودها وبقائها : هو خضع ومغالبة الكفر بكل فصائله وأنواعه ؛ لتكون كلمة الله هي العليا في الأرض . ولا يتأتى ذلك إلا بالمعرفة الصحيحة ، والتربية الطويلة ، وإمتداد الإعداد والتخطيط ، والعمل المنظم .
ولا يمكن تحقيق ذلك الهدف إلاّ في إطار منهج واضح المعالم ، يحدد مسار الطريق بدقة ووضوح ، وبمنأى عن إضطراب التصورات وتداخل الأهداف بالوسائل ، وإختلاط المراحل ، ونسيان الغاية الأهم في سبيل تحقيق مصالح جزئية ضيقة ، أو إستعجال الثمرة باللجوء إلى القوة قبل الأوان ، أو إتباع الهوى والجمود على مسائل فرعية وجزئية بسبب ضيق الأفق وعقلية البعد الواحد .
إن غياب المنهج الإسلامي للتغيير بشكله الشمولي ، وإفتقار معظم الحركات الإسلامية إلى البرامج التربوية الصارمة ، وإلى النظرة العلمية العميقة لطبيعة الصراع الذي تخوضه ، وإنحصار همِّ بعضها في تحقيق مكاسب محدودة عن طريق المشاركة في الإنتخابات والدخول في المجالس النيابية ، ودخول البعض الآخر في صراعات وصدامات غير محسوبة العواقب مع الأنظمة الحاكمة ؛ كل ذلك أدى إلى تخلخل البناء .
ومما لا ريب فيه أن حسم الخلاف بين المناهج المتباينة في ساحة العمل الإسلامي غير ممكن بدون العودة إلى المنهج النبوي في التغيير ؛ وهو المنهج الذي إرتضاه الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم في دعوته منذ البعثة النبوية حتى إلتحاقه بالرفيق الأعلى .
1 (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftnref1) ـ أنظر : عبد الله التهامي : الوسائل وأحكامها في الشريعة الإسلامية ، ص 19 .
1 (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftnref2) ـ أنظر : عبد الله التهامي : الوسائل وأحكامها في الشريعة الإسلامية ، ص 18 ، 19 ، 20 .
2 (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftnref3) ـ نشير في الصفحات التالية ـ إلى نماذج من العاملين في حقل الدعوة الإسلامية ، مع بيان بعض الأخطاء التي وقعوا فيها .
3 (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftnref4) ـ سفر الحوالي : ظاهرة الإرجاء في الكفر المعاصر : المقدمة (بتصرف) .
4 (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftnref5) ـ للإطلاع والتوسع في هذا الموضوع أنظر كتاب : ((الإسلاميون وسراب الديمقراطية)) وهي دراسة شرعية أصولية لعبد الغني بن محمد الرحال .
5 (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftnref6) ـ أنظر : حوار مع الشيخ عبد المجيد الريمي عن هموم الدعوة ، ص 60 ـ 67 .
أتابع بإذن الله
في المقال ذكر ثلاث فرق فقط لأصحاب الدعوة هل هي توطئة فقط لما بعدها؟ إذ هو ذكر المخطيء منهم ولم يذكر السيء والحسن
أتابع بإذن الله
في المقال ذكر ثلاث فرق فقط لأصحاب الدعوة هل هي توطئة فقط لما بعدها؟ إذ هو ذكر المخطيء منهم ولم يذكر السيء والحسن
نعم لم انقل كل المقدمة نظرا لطولها وفي التتمة ارشاد للدعوة الحقيقية بنظر الكاتب
الفرق الثلاث المذكورة هي
1- فرقة تكفير المجتمعات كمثل جماعة التكفير والهجرة
2- فرقة التمييع ودعاة الفضائيات
3- فرقة سلفيي ولاة الامر...
وتتجلى خصائص المنهج النبوي في أنه :
1 ـ منهج مسدد بالوحي في منطلقاته وأهدافه ، وثوابته وأصوله ، وأسسه ومرتكزاته .
2 ـ منهج شامل ومتكامل يستقصي جميع قضايا الدعوة وعملاً وفكراً وسلوكاً ، وعقيدة وشريعة . كما يضبط السلوك ويحكم الحركة أثناء التعامل مع واقع الأمور وحقائق الأشياء .
3 ـ منهج يُعلَّم الداعية كيف يتعامل مع الواقع بالمعرفة العميقة والفحص الدقيق لإستقراء المناط الحقيقي ليتنزل عليه حكمه الصحيح لإصابة الحكم الشرعي المطالب به إزاء هذا الواقع .
علماً بأن هذا المنهج هو الإطار الوحيد الذي لا يملك أي داعية ـ يبتغي النجاة في الدنيا والآخرة ـ أن يخرج عليه ، لما يؤدي إليه هذا الإطار من تأصيل متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم التي هي صمام الأمن من الزيغ والإنحراف ، وما يؤدي إليه من مقاصد شرعية ومصالح معتبرة تسدد خطوات الدعاة للوصول إلى هدفهم المنشود ، وهو التمكين لدين الله في الأرض .
ولما كانت السيرة النبوية هي التطبيق الواقعي لمنهج النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله ، فمن البديهي بلورة أسس وعالم هذا المنهج من خلال وقائعها وأحداثها .
ومن ضروريات هذا المنهج : أن يُعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتلقى الوحي من الله تعالى ، ويسير في دعوته على منهج قدَّره الله له ، وهيأ له سلوكه ، وأحكمَ أسبابه ، وفق حكمة بالغة قد لا يستطيع الدعاة إكتشاف بعضها ، فضلاً عن إدعاء موافقتها .
فتسلسل الأحداث من بداية الوحي إلى دار الأرقم ، إلى الصدع بالدعوة ، إلى الحصار في شعب أبي طالب ، إلى دعوة القبائل وطلب النصرة منها ، ثم الهجرة وما تلاها : من بدر ، إلى أُحد ، إلى يوم الأحزاب ، ثم من الحديبية والفتح إلى تبوك ، وما تخلل ذلك من أحداث ومواقف ؛ إنما كانت تسير في الأصل وفق تدبير رباني ولطف إلهي : الوحي ينزل آمراً وموجهاً ، وأحياناً معاتباً ، وأحياناً أخرى محذراً ، والنبي صلى الله عليه وسلم يسير واثقاً ومصمماً : ((أنا عبد الله ورسوله ، لن أخالف أمره ولن يضيعني))1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=235881#_ftn1) ، والصحابة رضي الله عنهم واثقون كل الثقة ، بل مؤمنون كل الإيمان بقيادته وتوجيهه صلى الله عليه وسلم ، عالمون أن متابعته والإعتصام بهديد هي قضية إيمان أو كفر ونفاق .
فإذا وقعت حالة شاذة كيوم الحديبية ؛ إذ جرى من بعضهم شيء من التردد أو مراجعة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فإن ذلك يبقى في ذاكرتهم الحية خطأ عظيماً لا يُنسى ، حتى قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ((فما زلت أصوم وأتصدق وأعتق من الذي صنعت ؛ مخافة كلامي الذي تكلمت به يؤمئذٍ ، حتى رجوت أن يكون خيراً))2 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=235881#_ftn2) .
أما السائرون على الطريق بعده صلى الله عليه وسلم : فهم مهما بلغوا من العلم والفهم وتجريد المتابعة إنما يترسمون الخُطى ، ويسددون ويقاربون وفق الاصول الكلية والقواعد التأصيلية .
وإذا كان الوحي قد إنقطع ، والدعاة لا يستطيعون تفسير بعض أحداث السيرة على حقيقته وحكمته ؛ فإن هذا يحتم السير على أصولها الواضحة وقواعدها القطعية ، وأن نحذر كل الحذر من مزالق الإنحراف عن الخط الصحيح الذي رسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فلقد حلت العقوبة الرادعة محل العتاب الرباني بالنسبة للجيل الأول ، وأصبحت الأحداث والنكبات هي وحدها التي تربي الأمة وتصحح مسارها .
ثم إذا كان الله تعالى ربَّى الجيل الأول أيضاً بالأحداث كما في أحد : (قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ) آل عمران : 165 ، فما يتوقع الدعاة في هذا العصر ؟! .
إنه لا يصح بحال من الأحوال الأخذ بجزئية من جزئيات المنهج التربوي الحركي للسيرة دون معرفة ملابسات تلك الجزئية وما يحيط بها ضمن المنهج بكامله ، فيقع الشطط والزيغ عن الطريق من أصله .
فكما أنه من الإيمان رد المتشابه إلى المحكم من نصوص الشرع ، فكذلك يجب رد الملتبس إلى الواضح من وقائع السيرة ، ولا ينبغي قطعاً فصل التربية الحركية عن التربية الإيمانية .
فعلى سبيل المثال : لا يجوز الإعراض عن مواقف النبي صلى الله عليه وسلم الواضحة القاطعة من الكفار والمشركين والإستدلال فقط أنه ـ في مرحلة من مراحل دعوته تختلف عما نحن فيه ولملابسات وأسباب خاصة ، وفي حدود لا تمس العقيدة والدعوة في شيء بل تخدمها ـ دخل في جوار مشرك ، أو حالف إحدى القبائل أو وادعها في مرحلة القوة ، ثم يتخذ بعضهم من هذه الجزئية نقطة البدء في خطٍّ لا نهاية له من التنازلات والركون إلى المرتدين والمنافقين تحالفاً وتناصراً وعملاً وهدفاً ، أو أن نلجأ في مرحلة الإستضعاف تحت ضغط ردود الأفعال ، وعدم السيطرة على المشاعر والإنفعالات وإستدراج الأعداء إلى المواجهة والصدام قبل وجود القاعدة الإسلامية الصلبة الواعية بالشكل المطلوب .
والذين يفعلون ذلك ليسوا أبداً سائرين على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته ، ولا مقتدين بسيرته ، ومن ثم سيكلنا الله عز وجل إلى أنفسنا ، ومن وُكل إلى نفسه فلن يتوقع نصراً ولا مدداً .
ولنعلم أن منهج الدعوة إلى الله تعالى كما سار فيه النبي صلى الله عليه وسلم هو حلقات محكمة متناسقة ، يأخذ بعضها برقاب بعض ، إبتداءً من بدء الدعوة ، وإنتهاءً بإكتمال نزول الشريعة ، ومروراً بتلك الأحداث كلها .
ومن ضروريات سير الدعوة : أن نترسم تلك الخطى متابعين سيرها التدريجي المحكم ، مع مراعاة تغير وسائل وأدوات العصر من ناحية ، ومع البعد عن التفسير الحرفي أو المنحرف لمفهوم المرحلية من ناحية ثانية .
ومن اللافت للنظر أن هذه الدعوة تختلف عن كل دعوة وحركة ؛ فهي نبتة فريدة يجب أن تنشأ تنشئة حسنة ، فتنمو في تربة نقية ، وتسقى بماء المتابعة الدائمة والصبر الجميل ، وإن طريقها الشاق الطويل لا يقطع بالقفزات المهلكة ، ولا يمكن إختصاره بالإنحرافات القاتلة1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=235881#_ftn3) ، وإنما يلتمس عبر المنهاج الذي رسمه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مسدداً بالوحي ، وقوامه الوسطية والإعتدال والتوازن الدقيق بين الإحجام والإقدام ، فلا نستسلم لوقع ردود الأفعال التي تدفع إلى إتخاذ المواقف المتسرعة غير المحسوبة ، ولا نميع مواقفنا ونستسلم في منتصف الطريق تحت ضغط العروض والإغراءات وأنصاف الحلول التي تعصف بالدعوة إلى غير رجعة .
إن قوة المنهج تتجلى في : الصمود أمام الإغراءات والعروض ، وأمام التحديات العاطفية والإنفعالات . على أن الإصلاح لا يتم في ليلة واحدة ، والخير يسترسل مع بذل الجهد والصبر وفقاً لسنة الله في التدرج والنماء ، ومعالم الحق لا بد لها من أطوار تمهد لها . وواجب الدعاة في هذا العصر أن يلتمسوا الهدى في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وفي منهجه الدعوى علماً ، وتربية ، وتخطيطاً ، وتنظيماً .
لأجل هذا رأيت الحاجة ماسة إلى إعداد دراسة عن منهج النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة من خلال النظر في سيرته صلى الله عليه وسلم فكان هذا الكتاب بعنوان : ((منهج النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة من خلال السيرة الصحيحة)) .
1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=235881#_ftnref1) ـ البخاري : الجامع الصحيح ، كتاب الجزية والموادعة . (ح 3182) ج4 ص 70 . وأحمد : المسند ، ج4 ص 325 واللفظ له .
2 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=235881#_ftnref2) ـ أحمد : المسند ، ج4 ص 325 .
1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=235881#_ftnref3) ـ أنظر : محمد سرور زين العابدين : دراسات في السيرة : مناقشة شبهات المتحالفين مع العلمانين والمرتدين ، ص 21 ـ 23 (بتصرف يسير) .
بوركت أستاذ عزام
الكلام قيّم ماشاء الله
بانتظار التالي
بوركت أستاذ عزام
الكلام قيّم ماشاء الله
بانتظار التالي
وفيكم بارك الله
من يشارك ويعلق هنا سيخضع لامتحان لاحقا فانتبهوا !!!!!!!!
ربما لن يعلق أحد بعد هذا التصريح!
عن نفسي أحب الامتحانات ومرحبا بالامتحان هنا وفي دورة إخراج الأمة أيضا، لكن إذا تكرمت حضرتك ليكن بعدما انتهي من امتحاني بالاسبوع القادم لأستطيع التركيز في المذاكرة بإذن الله
وجزاك الله خيرا على الموضوعات النافعة... أثابك الله ونفعنا بما نقرأ
ربما لن يعلق أحد بعد هذا التصريح!
عن نفسي أحب الامتحانات ومرحبا بالامتحان هنا وفي دورة إخراج الأمة أيضا، لكن إذا تكرمت حضرتك ليكن بعدما انتهي من امتحاني بالاسبوع القادم لأستطيع التركيز في المذاكرة بإذن الله
وجزاك الله خيرا على الموضوعات النافعة... أثابك الله ونفعنا بما نقرأ
وجزاك الله خيرا مثله
عزام
3- خطة البحث ومنهجه
خطة البحث :
وقد تم تقسيم البحث إلى المقدمة ، وبابين رئيسين ، وخاتمة .
فأما الباب الأول فعنوانه : الفترة المكية . وتحته أربعة فصول :
الفصل الأول : خصائص الفترة المكية في مجال المعرفة :
وقد جرى الكلام فيه في ثلاثة مباحث عن :
العلم بالعقيدة
والعلم بالسنن الربانية
والعلم بمقاصد الهجرة وأهدافها .
الفصل الثاني : خصائص الفترة المكية في مجال التربية :
جرى الكلام فيه في خمسة مباحث عن :
التربية بالأحداث
التربية بأعمال القلوب
التربية بالأخلاق
تكوين القاعدة الصلبة نتيجة للتربية الشاملة
الثبات على المبدأ ورفض المساومة عليه .
الفصل الثالث : خصائص الفترة المكية في مجال التخطيط :
والكلام فيه في ثلاثة مباحث عن :
الخطة النبوية في المرحلة الأولى من الفترة المكية (الدعوة السرية)
الخطة النبوية في المرحلة الثانية من الفترة المكية (الدعوة الجهرية)
الخطة النبوية في المرحلة الثالثة من الفترة المكية.
الفصل الرابع : خصائص الفترة المكية في مجال التنظيم :
والكلام فيه في ثلاثة مباحث أيضاً عن :
الدعوة السرية
تربية الفرد في إطار الجماعة
إدارة الدعوة .
والباب الثاني بعنوان : الفترة المدنية . وتحته أيضاً أربعة فصول مثل فصول الباب الأول :
الفصل الأول : خصائص الفترة المدنية في مجال المعرفة :
وفيه ثلاثة مباحث :
الحركة العلمية
العلوم التي عني بها المسلمون
فقه أحكام الشريعة .
الفصل الثاني : خصائص الفترة المدنية في مجال التربية :
وفيه ثلاثة مباحث :
التربية بالأحداث
التربية بأعمال القلوب
التربية بالأخلاق .
الفصل الثالث : خصائص الفترة المدنية في مجال التخطيط :
وفيه أربعة مباحث:
خطة مراحل تشريع الجهاد
خطة إدارة الصراع في مواجهة المشركين
البعد الإستراتيجي لخطة النبي صلى الله عليه وسلم في مواجهة الروم البيزنطيين والتمهيد لفتح بلاد الشام
مراعاة الظروف المتغيرة في رسم الخطط الأمنية والإقتصادية .
الفصل الرابع : خصائص الفترة المدنية في مجال التنظيم :
وفيه خمسة مباحث:
التنظيمات الإجتماعية
التنظيمات الإدارية والسياسية
التنظيمات الحربية
التنظيمات المالية
التنظيمات العمرانية .
ــ ثم خاتمة البحث وفيها خلاصته وزبدته .
ــ وألحقت بالبحث فهرساً للمصادر والمراجع وآخر للموضوعات .
منهج البحث :
وقد كان من منهج البحث ما يأتي :
ــ تم إعتماد الروايات الصحيحة والحسنة وتقديمها على غيرها فيما يتعلق بقضايا العقيدة والشريعة وهو الغالب في هذه الدراسة .
ــ النظر إلى تعدد الطرق بإدراج الروايات التي لها أصول في الصحيح ، أو التي تتعدد مخارجها فتعتضد وتقوى بذلك .
ــ عدم التشدد في الروايات المتعلقة بالعمران : كالخطط ، ووصف الصناعات والحرف وما شاكل ذلك ، أو المتعلقة بتعيين الولاة وعمال الصدقات ، أو المتعلقة بوصف ميادين القتال والطرق المسلوكة في الغزوات والرايات ونحو ذلك ..
وهذا المنهج إتبعه علماء الحديث ، حيث روي عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله قوله : ((إذا روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام والسنن والأحكام تشددنا في الأسانيد ، وإذا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل الأعمال وما لا يضع حكمًا أو يرفعه تساهلنا في الأسانيد))1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&p=235967#_ftn1) .
1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&p=235967#_ftnref1) ـ الخطيب : الكفاية في علم الرواية ، ص 212 . وأنظر تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة : (شروط الرواية المقبولة) ج1 ، ص 94 ـ 100 .
بانتظار البداية بارك الله بك أستاذ عزام
4- خصائص الفترة المكية في مجال المعرفة
المبحث الأول : العلم بالعقيدة .
المبحث الثاني : العلم بالسنن الربانية .
المبحث الثالث : العلم بمقاصد الهجرة وأهدافها .
تمهيد :
لقد كان أول ما نزل من آي القرآنالكريم خمس آيات كانت إستهلالاً للرسالة الخاتمة الخالدة ، وهي الآيات التي إفتُتحت بها سورة العلق : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ {1} خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ {2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ {3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ {4} عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) العلق : 1ـ 5 .
وبهذه الآيات وضع الله تعالى معالم الرسالة الإسلامية الخالدة في عمومها المطلق وشمولها الأعم ، مبينًا أنها رسالة العلم والمعرفة والعقل ، وهي أعظم نعم الله تعالى على الإنسان2 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=235833#_ftn1) . وبهذه الآيات البينات ، وما تضمنته من الإشادة بالقراءة والكتابة والعلم ، أبان الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم ولامة الإسلام أن المعرفة بوسائلها : من قراءة وكتابة وتعلُّم ؛ هي الأسلوب الأمثل لتبليغ الرسالة .
وبهذه الآيات أُعطيت الأمة مفاتيح الإصلاح والتقدم والرقي ؛ لتعلم أنه لا إصلاح ولا مدنية ولا حضارة بغير علم ومعرفة ؛ فالجهل ـ وهو نقيض العلم ـ لا يأتي إلا بالشر والفساد والتخلف ، كما أن الهداية إلى معرفة الحق وإعتناقه والحرص على إقامة معالمه والدعوة إليه لا يكون إلا مع العلم ، ولا يكتب للعلم النمو والإنتشار إلا إذا سجله القلم ونشره وأعلن عنه1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=235833#_ftn2) .
على أن العلم لا يسلك إلى القلوب سليقة وطبعاً ، أو يتلقاه الناس غريزة وفطرةً ، وإنما يخضع للقوانين التي أودعها الله عز وجل في الوجود ، ولسنن الله في نظام الحياة .
والكشف عن هذه السنن يقوم على : التعلم ، والبحث ، والتدبر ، وإعمال الفكر ، وإستقراء الظواهر ، مما يقود إلى إماطة اللثام عن قوانين المادة وسنن الإجتماع ، للإفادة من ذلك في بناء صرح الحضارة الإنسانية ضمن التوجيهات والضوابط والحدود الإلهية .
ومن اللافت للنظر أن إستفتاح الوحي بهذه الآيات البينات فيه دلالة واضحة أن العلم في دائرة سنن الله في الحياة يعد من أهداف الأمة الإسلامية في تبليغها رسالة الإسلام ؛ ((لأن العلم هو العنوان الأعظم على خلود هذه الرسالة ، وهو العنصر الحيوي في تكوين حقيقتها الهادية الراشدة ، وهو الآية الكبرى على صدقها وصدق رسولها صلى الله عليه وسلم))2 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=235833#_ftn3) .
ولا شك أن هذه المنزلة الرفيعة التي منحها الإسلام للعلم ، حفزت المسلمين بأمر وتشجيع من رسول الله صلى الله عليه وسلم على طلب العلم طلبًا موصولاً دائمًا .
ولهذا الغرض كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتمع بأصحابه في دار الأرقم بن أبي الأرقم ، يقرئهم القرآن ويفقههم في الدين3 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=235833#_ftn4) .
كما كان يقوم بعضهم بإقراء بعض مثلما كان يفعل خبَّاب بن الأرت حيث كان يختلف إلى فاطمة بنت الخطاب وزوجها سعيد بن زيد رضي الله عنهما يقرئهما القرآن من الرقاع4 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=235833#_ftn5) .
بل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصين أشد الحرص على معرفة كتاب الله مثلما يفعل إبن أم مكتوم الأعمى رضي الله عنه ؛ حيث كان يأتي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يستقرئه القرآن ويلح عليه في ذلك . وهو الذي نزلت بسببه : (عَبَسَ وَتَوَلَّى {1} أَن جَاءهُ الْأَعْمَى)5 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=235833#_ftn6) عبس : 1ـ 2 .
المبحث الأول : العلم بالعقيدة .
في الفترة الأولى التي قضاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة منذ بعثته إلى أن هاجر إلى المدينة ، عني القرآن المكي أولاً بإصلاح العقيدة وتخليصها من شوائب الوثنية وتهذيب النفوس بتجريدها من رذائل الصفات ، حتى تجتمع القلوب على توحيد الله عز وجل ، وتمحي من النفوس آثار الجاهلية .
كما عني القرآن المكي في هذه الفترة بتعميق الإيمان في النفوس وبيان أبعاده القلبية والقولية والعملية ، والتركيز على مقتضيات لا إله إلا الله ، التي تعني بنقل الإنسان من تقاليد وأعراف الجاهلية إلى أصول الإسلام وأحكامه في نواحي الحياة المختلفة .
وكان من حكمة الله تعالى أن جعل لترسيخ هذه العقيدة ـ على أهميتها وخطورتها ـ المدة الكافية ، وهي الفترة المكية ؛ حيث ظل الوحي ينزل بمكة ثلاثة عشر عامًا ليوضح معاني ومقاصد هذه العقيدة ضمن التطبيق العملي في واقع الحياة .
ولم يعرض التشريع القرآني ولا النبوي في هذه الفترة لشيء من التشريعات العملية إلا ما له إرتباط بالعقيدة ؛ كتحريم ما لم يذكر إسم الله عليه من الذبائح : (وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) الأنعام : 121 ، أو كان عبادة تربطهم بالله عز وجل وتوجههم إلى الخير : (وَأَنْ أَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) الأنعام : 72 .
توحيد الله عز وجل في ربوبيته :
جاء القرآن المكي موضحاً لنوع آخر من التوحيد هو توحيد الربوبية ، ومن مقتضياته : أن الإحياء والإماتة ، والرزق ، والنفع ، والضر وتدبير شؤون الخلق ، والتشريع من تحليل وتحريم ، من خصائص رب العالمين . وقد أفصح القرآن المكي عن ذلك في مواضع كثيرة ؛ من ذلك قوله تعالى : (إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) الدخان : 8 ، وقوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) الإسراء : 30 ، وقوله تعالى : (وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ) الزمر : 8 ، وقوله تعالى : (أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) الأعراف : 54 ، وقوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ) يونس : 3 .
وقد بيّن القرآن الكريم أن العلّة في إتخاذ اليهود والنصارى أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ، هي بما أعطوهم من حق التشريع في التحليل والتحريم وأطاعوهم فيه ، كما في قوله تعالى : (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) التوبة : 31 .
وقد علَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه تجريد هذا النوع من التوحيد ، فنفوا حسًّا وواقعاً كل ما يضاد توحيد الربوبية من إعتقاد متصرف مع الله عز وجل في أي شيء من تدبير الكون ؛ حيث إستقر في قلوبهم إلى درجة اليقين أن الله عز وجل هو الحيي المميت ، وأنه هو الضار النافع ، وأنه هو الرزاق ذو القوة المتين ، وأنه هو المدبر المشرع بيده كل شيء .
كما رسخ في قلوبهم بفعل التوجيهات القرآنية والنبوية أن المخلوقات البشرية إن هي إلا أدوات لقدر الله ، وأنها حين تضرهم فهي تضرهم بشيء قدَّره الله عليهم ؛ وحين تنفعهم فإنما تنفعهم بشيء قد كتبه الله لهم ، فلا ملجأ ولا منجا من الله إلا إليه .
وحين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه هذه العقيدة ويربيهم عليها ، إنما كان ينشء بقدر الله ذلك اليقين القلبي الذي ينبثق منه السلوك العملي ؛ فليست العقيدة مفهوماً معرفيّاً ذهنياً تستوعبه الأذهان وكفى ، إنها على هذا النحو لا صنع شيئاً في عالم الواقع ، كالفلسفة في الأبراج العاجية لا تغير شيئاً في واقع الناس ، إنما هي عقيدة ترسخ وترسخ حتى تصبح يقيناً قلبياً تنطلق على هداه مشاعر القلب ، ويجري بمقتضاه السلوك العملي للإنسان1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=235833#_ftn7) .
وبهذه الصورة الناصعة آتت العقيدة ثمارها المباركة في مواقف الصحابة وهديهم ؛ فلم يخشوا إلا الله ، ولم يتوكلوا إلاّ عليه ، ولم يلتجئوا إلا إليه ، وصدعوا بالحق في وجه الباطل لا يخافون لومة لائم ؛ لأنهم علموا حق العلم أن كلمة الحق لا تقدم أجلاً ولا تأخر رزقاً .
تُرى : كم يحتاج الشاب المسلم الذي يعمل في حقل الدعوة من جلسة علمية ودرس وموعظة وتوجيه ليرسخ في قلبه إلى درجة اليقين أن الأرزاق والآجال بيد الله وحده؟ فهو المحيي المميت ، وهو الضار النافع ، وهو المعطي المانع ، وهو الذي بيده مقاليد كل شيء ، ذلك أن كثيراً من المسلَّمات العقدية تبقى بدهيات ذهنية تستقر في وقت السلم والأمن في الشعور ، ولكنها تهتز إذا تعرضت للشدة ومحك الإختبار ؛ لأنها ليست عميقة الجذور ، ولم تعد يقيناً قلبيًّا بمفعول التربية .
2 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=235833#_ftnref1) ـ محمد الصادق عرجون : محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ج1 ص 542 .
1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=235833#_ftnref2) ـ محمد الصادق عرجون : محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ج1 ص 543 .
2 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=235833#_ftnref3) ـ محمد الصادق عرجون : محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ج1 ص 545 .
3 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=235833#_ftnref4) ـ أنظر إبن هشام : سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، ج1 ص 367 . وإبن سعد : الطبقات الكبرى ، ج3 ، ص 347 .
4 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=235833#_ftnref5) ـ أنظر إبن هشام : سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، ج1 ص366 ـ 367 .
5 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=235833#_ftnref6) ـ أنظر الترمذي : السنن ، ج5 ، ص 103 ـ 104 ، وقال : حديث حسن .
1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=235833#_ftnref7) ـ أنظر : محمد قطب : واقعنا المعاصر : ص 488 .
ماشاء الله جميل الدرس بارك الله في الكاتب والناقل
وهذه الخلاصة واقعية
تُرى : كم يحتاج الشاب المسلم الذي يعمل في حقل الدعوة من جلسة علمية ودرس وموعظة وتوجيه ليرسخ في قلبه إلى درجة اليقين أن الأرزاق والآجال بيد الله وحده؟ فهو المحيي المميت ، وهو الضار النافع ، وهو المعطي المانع ، وهو الذي بيده مقاليد كل شيء ، ذلك أن كثيراً من المسلَّمات العقدية تبقى بدهيات ذهنية تستقر في وقت السلم والأمن في الشعور ، ولكنها تهتز إذا تعرضت للشدة ومحك الإختبار ؛ لأنها ليست عميقة الجذور ، ولم تعد يقيناً قلبيًّا بمفعول التربية .
رزقنا الله وإياكم إيمانا صادقا وقلبا سليما
بانتظار المبحث التالي
ماشاء الله جميل الدرس بارك الله في الكاتب والناقل
وهذه الخلاصة واقعية
رزقنا الله وإياكم إيمانا صادقا وقلبا سليما
بانتظار المبحث التالي
اكرمك الله
ما زلنا في مبحث العقيدة
عزام
5- توحيد الله في ألوهيته :
ولأن المعركة من نوح إلى محمد صلوات الله عليهما ، واحدة ، وقضيتها واحدة ، فقد جاء التعبير عن الرسالات جميعًا في القرآن الكريم بأنها كتاب واحد : (وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) البقرة : 213 .
فطبيعة دعوة الرسل جميعاً أنها دعوة واحدة إلى منهج التوحيد بكل فروعه وأنواعه ، وما يستلزمه ذلك من نبذ الشرك بكل صوره وألوانه : (يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ) الأعراف : 59 ، 65 ، 73 ، 85. وجاء في حديث علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله ))2 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&p=236360#_ftn1) .
وبناءً على ذلك : فإن الصراع بين الأنبياء الذين يحملون لواء لا إله إلا الله وبين الجاهلين ، أو الملأ ـ كما يسميهم القرآن الكريم ـ لا يرجع إلى البعثة النبوية فحسب ، وإنما تمتد جذوره إلى فجر البشرية . وقد أكّد القرآن الكريم هذه الحقيقة وهو يتنزَّل بقصص الأنبياء وقصص المكذِّبين من قبل في الفترة المكية : (وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ) فاطر : 25 .
أصلان يقوم عليهما الدين :
لقد دَلَّ إستقراء نصوص الكتاب والسنة أن هذا الدين يقوم على أصلين :
الأول : ألا يُعبد إلا الله ، بالمعنى الشرعي للعبادة ، ((وهي إسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة ))3 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&p=236360#_ftn2) .
الثاني : ألا يُعبد إلا بما شُرِّع على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ (فلا إله إلا الله ) لا تعني مجرد إقرار العبد بأنه لا خالق إلا الله ، وأن الله رب كل شيء ، كما كان المشركون عبّاد الأصنام مقرين بذلك : (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) لقمان : 25 ، والزمر : 38 ، لكنهم إتخذوا في واقع الأمر شركاء مع الله عز وجل يتقربون إليهم بالطاعات ، فلم ينفعهم هذا الإقرار ؛ ذلك أن التوحيد الحق يتضمن محبة الله عز وجل ، وتعظيمه ، وإجلاله ، والخضوع له ، والتسليم لأمره ، والإنقياد لطاعته في جميع شئون الحياة ، بدءاً بالعقيدة ، ثم العبادات وسائر المعاملات التي يتعرض لها الإنسان في حياته ؛ لأن تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله ((تنفي عن قلبه إلاهية ما سوى الحق ، وتثبت في قلبه إلاهية الحق ... بحيث يكون محبًّا لله ، معظمًا له ، عابداً له ، راجيًا له ، خائفًا منه ، محبًّا فيه ، مواليًّا فيه ، معاديًا فيه ، مستعيناً به ، متوكلاً عليه ... وأمثال ذلك مما هو من خصائص إلاهية الله سبحانه وتعالى ...))1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&p=236360#_ftn3) .
وعلى ذلك فإن هذا يعني : الإذعان للإسلام ، والخضوع له في التصور والفكر والسلوك ، في جميع نواحي الحياة ، كما في قوله تعالى : (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {162} لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) الأنعام : 162 ـ 163 .
ولا شك أن العرب ـ وهم أدرى وأعلم بلغتهم ـ يدركون بداهة أن لا إله إلا الله تعني طاعة الله وعبادته وحده لا شريك له .
ومعنى ذلك : نزع السلطان الذي يزاوله الأمراء والحكام وزعماء القبائل بمقتضى أهوائهم ومصالحهم ورده كلّه إلى الله عز وجل : (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ) يوسف : 40 .
يقول صاحب الظلال رحمه الله في تفسير هذه الآية : ((ولا نفهم هذا التعليل كما كان يفهمه الرجل العربي إلا حيث ندرك معنى العبادة التي يخص بها الله وحده .
إن معنى : عَبَد في اللغة : دان وخضع . ولم يكن معناه في الإصطلاح الإسلامي في اول الامر أداء الشعائر ، إنما كان هو معناه اللغوي نفسه . فعندما نزل هذا النص أول مرة (في الفترة المكية) لم يكن شيء من الشعائر قد فُرض حتى ينطلق اللفظ إليه ، إنما كان المقصود هو معناه اللغوي الذي صار هو معناه الإصطلاحي ؛ كان المقصود به هو الدينونة لله وحده ، والخضوع له وحده ، وإتباع أمره وحده ، سواءً تعلق هذا الأمر بشعيرة تعبدية ، أو تعلق بتوجيه أخلاقي ، أو تعلق بشريعة قانونية ؛ فالدينونة لله وحده في هذا كله هي مدلول العبادة التي خص الله سبحانه بها نفسه ولم يجعلها لأحد من خلقه .
وحين نفهم معنى العبادة على ها النحو ؛ نفهم لماذا جعل يوسف عليه السلام إختصاص الله بالعبادة تعليلاً لإختصاصه بالحكم؟
فالعبادة ـ أي الدينونة ـ لا تقوم إذا كان الحكم لغيره ، وسواء في هذا حكمه القدري القهري في حياة الناس وفي نظام الوجود ، وحكمه الشرعي الإرادي في حياة الناس خاصة ))2 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&p=236360#_ftn4) .
وبهذا المعنى كان العرب يدركون أنَّ (لا إله إلا الله) رفض للسلطان الوضعي الذي يغتصب أولى خصائص الألوهية وهي العبادة والطاعة ، وخروج على كل من يحكم بشريعة أو قوانين لم يأذن بها الله : (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ) الشورى : 21 .
ولذلك لم يكن يغيب عن المشركين ـ وهم يعرفون المدلول الحقيقي لدعوة لا إله إلا الله ـ ماذا تعني هذه الدعوة بالنسبة لأوضاعهم ومصالحهم وسلطانهم ، وإلى ذلك نَّبه ورقة بن نوفل بعد سماعه خبر نزول الوحي لأول مرة فقال : ((ليتني أكون حيًّا إذا يخرجك قومك)) ، فيسأله النبي صلى الله عليه وسلم في إستغراب : ((أومخرجي هم ؟!)) فيقول ورقة : ((لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي))3 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&p=236360#_ftn5) .
وأخرج الحاكم والبيهقي وأبو نعيم من حديث علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج في موسم الحج يدعو قبائل العرب إلى الإسلام ، عرض نفسه على بني شيبان إبن ثعلبة ، فدعاهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأنه عبده ورسوله ، وأن يؤووه وينصروه ليبلغ رسالة ربه ، فقال له المثنى بن حارثة الشيباني : وإني أرى هذا الأمر الذي تدعونا إليه يا أخا قريش مما تكره الملوك ، فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ((وإن دين الله عز وجل لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه))4 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&p=236360#_ftn6) .
2 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&p=236360#_ftnref1) ـ أخرجه البيهقي في شعب الإيمان ، رقم 4072 ج3 ، ص 462 . وقال الألباني : إسناده مرسل صحيح ، والحديث ثابت بمجموع شواهده . السلسلة الصحيحة ، ج4 ، ص 7 ـ 8 .
3 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&p=236360#_ftnref2) ـ إبن تيمية : العبودية ، ص 4 .
1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&p=236360#_ftnref3) ـ إبن تيمية : العبودية ، ص 48 .
2 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&p=236360#_ftnref4) ـ سيد قطب : في ظلال القرآن ، ج4 ، ص 1990 .
3 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&p=236360#_ftnref5) ـ البخاري : الجامع الصحيح ، كتاب بدء الوحي ، باب حدثنا يحيى بن بكير ، (ج4) ، ج1 ، ص 3 ـ 4 .
4 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&p=236360#_ftnref6) ـ أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة ، رقم 214 ، ج1 ، ص 371 ـ 380 . وقال إبن كثير في تاريخه : رواه الحاكم والبيهقي ، ج3 ، ص 144 . وقال الحافظ في الفتح : إسناده حسن ، ج7 ، ص 220 .
6- التوحيد قول وعمل :
إن شهادة أن لا إله إلا الله لم تكن مجرد كلمة تقال باللسان ، ولا يمكن أن تكون كذلك في مرحلة من مراحل الدعوة ، فضلاً عن مرحلة التأسيس التي هي أشق المراحل وأهمها ؛ وإلا فما معنى تلك المعاناة القاسية التي لقيها المسلمون من المشركين وما موجبها ؟! وإنما كانت هذه الشهادة نقلة بعيدة ومعلمًا فاصلاً بين حياتين لا رابطة بينهما : حياة الكفر ، وحياة الإيمان ، وما يستلزمه ذلك من فرائض وتعبدات ومشقات أعظم وأكبر من فريضة الصلاة والزكاة ونحوها .
ــ ومن ذلك : فريضة التلقي الكامل في التشريع والحكم وكل ميادين الحياة عن الله ورسوله ، ونبذ موازين الجاهلية وقيمها وأخلاقها وأعرافها وتشريعاتها .
ــ ومن ذلك : الولاء المطلق لله ورسوله ، والعداء الصارم للكفار ولو كانوا آباءً وإخواناً وأزواجًا وعشيرةً .
ــ ومن ذلك : فريضة الصبر على الأذى في الله الذي لا تطيقه إلا نفوس سمت إلى القمة ، تحمل الفرائض والواجبات حتى إن الواحد ليكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يُلقى في النار1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=238570#_ftn1) .
وهذا ما كان يعانيه بلال رضي الله عنه وهو يُلبس أدرع الحديد ويُسحب في رمضاء مكة وقت الظهيرة2 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=238570#_ftn2) ، وما كان آل ياسر يلقونه وهم يتعرضون لأشد بلاء شهدته أسرة مضطهدة3 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=238570#_ftn3) ، وغير ذلك كثير مما سجلته كتب السيرة والحديث .
إنَّ في إمكان أي إنسان أن يصلي ما شاء الله له وينفق ما شاء الله له ، دون أن يناله كبير مشقة ، ولكن أي إنسان هذا الذي يستطيع أن يخالف عادات وأعرافًا إجتماعية درج عليها المجتمع أجيالاً ويتحداه بمخالفتها ؟ .
فما بالك إذا كان الأمر ليس مجرد مخالفة عادة أو عرف ، وإنما هو مفاصلة كاملة ، ومنابذة تامة لكل عبادة جاهلية ، وقيمة جاهلية ، وعرف جاهلي ؟! ، ثم هو مع ذلك زجر قاطع للنفس عن شهواتها وملذاتها ومراقبة شديدة لها ؛ ولهذا كانت النماذج الكثيرة في الجيل الأول ممن يشهد ألاّ إله إلا الله ، فيعود من فوره إلى بيته ليحطم الأصنام التي طالما عبدها ، وليقطع العلائق التي طالما وثقها4 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=238570#_ftn4) .
وهكذا فهم المسلمون دلالة هذه الكلمة المتميزة ، كما فهمها الكافرون على حدٍّ سواء ، (لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ) الأنفال : 42 ؛ فهمها المسلمون فإلتزموا بما تفرضه عليهم من تبعات وتكاليف ، وقاومها الكافرون ؛ لأنهم فهموا مقتضاها وما يترتب عليها من ذهاب سلطانهم وتحطم كيانهم ، وتهافت أساطيرهم وأوهامهم .
إنه حتى على المنطق الجاهلي لا يصح للمرء أن يتصور شهادة بلا أثر في واقع الحياة ، وإلا أفكان الجاهليون يقتلون مواليهم ، ويعذبون أبناءهم وإخوانهم ، ويقطعون أرحامهم ؛ لمجرد كلمة تقال باللسان ، أو نظرية ذهنية في المعرفة؟!5 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=238570#_ftn5) .
كلاّ ، إن حقيقة العبادة لو كانت مجرد كلمة تقال باللسان ، أو هي الشعائر التعبدية فقط ؛ ما إستحقت كل ذلك الموكب من الرسل والرسالات ، وما إستحقت كل تلك الجهود المضنية التي بذلها الرسل ـ صلوات الله عليهم ـ وعلى رأسهم محمد صلى الله عليه وسلم .
إنما الذي إستحق كل هذا الثمن الباهظ : هو إخراج البشر جملةً من الخضوع للعباد ولأهوائهم إلى الإذعان لرب العباد ، في كل أمر وفي كل شأن .
ولأجل ذلك فإن كلمة التوحيد : لا إله إلا اللهُ إعلان إلهي عام لتحرير الإنسان في الأرض من العبودية لغيره ولهواه ، وذلك بإعلان العبودية لله وحده المتمثلة في إفراده بالطاعة .
على أنَّ سيادة الشريعة الإلهية وحدها ، وإلغاء القوانين البشرية التي تخدم فئة من الناس وهم الملأ ، كل ذلك لا يتم بمجرد التبليغ والبيان ؛ لأن المتسلطين على رقاب العباد المغتصبين لسلطان الله في الأرض لا يسلمون في سلطانهم بمجرد التبليغ والبيان6 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=238570#_ftn6) ، بل حتى الأفراد أنفسهم ، وهم الذين عبَّدوا أنفسهم لغير الله من الطواغيت والأنداد المختلفة والأصنام الفكرية ، ليس لدى أكثرهم إستعداد لترك ما ألفته النفس ، وسار عليه الآباء والأجداد ، ويعيش عليه المجتمع كله ، لمجرد التبليغ والبيان ، بل إن ما في نفوسهم من حواجز الكبر والعناد والتمرد لا يقل عن الحواجز الضخمة التي يضعها البشر المتألهون دون شعوبهم المستعبدة7 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=238570#_ftn7) .
وإزاء هذه الإعتبارات ، فإن هذا الإعلان العام لتحرير الإنسان في الأرض من كل سلطان غير سلطان الله بإعلان ألوهيته للعالمين : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) الزخرف : 84 ، لم يكن إعلاناً نظرياً فلسفياً سابياً ، وانما كان إعلاناً حركيًّا واقعيًّا وإيجابيًّا ، إعلانًا يراد به التحقيق العملي في صورة نظام يحكم البشر بشريعة الله ، ويخرجهم بالفعل من العبودية للعباد إلى العبودية لله وحده بلا شريك .
ومن ثمَّ لم يكن بدٌّ أن يتخذ هذا الإعلان شكل الحركة ـ أي الجهاد1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=238570#_ftn8) ـ إلى جانب شكل البيان ـ أي التبليغ2 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=238570#_ftn9) ، وهو ما جمعته آية سورة الحديد في قوله تعالى : (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) الحديد : 25 .
هذا ، وقد رسَّخ القرآن الكريم في قلوب الصحابة رضي الله عنهم العقيدة الصحيحة بهذا المفهوم ، وآتت تربية الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه ثمارها المباركة في هذا الجانب ، فلم يحتكموا إلا لله ، ولم يطيعوا ويتبعوا أحداً على غير مرضاة الله ، ولم يوالوا ويعادوا إلا في الله ، ولم يستغيثوا ويستعينوا إلا بالله ، إلى غير ذلك من حقائق ومعاني هذا الأصل العظيم التي قررها القرآن الكريم والسنة النبوية في الفترة المكية .
1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=238570#_ftnref1) ـ أنظر : سفر بن عبد الرحمن : ظاهرة الإرجاء في الفكر المعاصر ، ص 25 .
2 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=238570#_ftnref2) ـ أخرج ذلك إبن ماجه في المقدمة ، رقم 150 . وقال المحقق : قال البوصيري في زوائد إبن ماجه : إسناده ثقات ، ج1 ، ص 53 . وقال الحاكم في المستدرك : صحيح الإسناد ، ووافقه الذهبي : ج3 ، ص 384 .
3 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=238570#_ftnref3) ـ أنظر أحمد : المسند ، ج1 ، ص 62 . قال الهيثمي في مجمع الزوائد : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ، ج9 ، ص 293 . والحاكم في المستدرك على الصحيحين ، ج3 ، ص 388 ـ 389 ، ج3 ، ص 284 ، وقال : صحيح الإسناد ووافقه الذهبي .
4 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=238570#_ftnref4) ـ أنظر : سفر بن عبد الرحمن : ظاهرة الإرجاء ، ص 26 .
5 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=238570#_ftnref5) ـ أنظر : سفر بن عبد الرحمن : ظاهرة الإرجاء في الفكر المعاصر : ص 26 .
6 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=238570#_ftnref6) ـ أنظر : سيد قطب : في ظلال القرآن ، ج3 ، ص 1433 ـ 1434 .
7 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=238570#_ftnref7) ـ أنظر : سفر بن عبد الرحمن : ظاهرة الإرجاء في الفكر المعاصر : ص 31 ـ 32 .
1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=238570#_ftnref8) ـ أي الجهاد الشرعي الذي لا يستهدف الابرياء العزل ، وإنما يواجه الطغم الحاكمة بغير شرع الله بعد الإعداد على المدى الطويل وإمتلاك القدرة على المواجهة .
2 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=238570#_ftnref9) ـ أنظر : سيد قطب : في ظلال القرآن ، ج3 ، ص 1434 .
6هذا ، وقد رسَّخ القرآن الكريم في قلوب الصحابة رضي الله عنهم العقيدة الصحيحة بهذا المفهوم ، وآتت تربية الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه ثمارها المباركة في هذا الجانب ، فلم يحتكموا إلا لله ، ولم يطيعوا ويتبعوا أحداً على غير مرضاة الله ، ولم يوالوا ويعادوا إلا في الله ، ولم يستغيثوا ويستعينوا إلا بالله ، إلى غير ذلك من حقائق ومعاني هذا الأصل العظيم التي قررها القرآن الكريم والسنة النبوية في الفترة المكية .
نعم فالإيمان تصديق بالجنان، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان
بوركت أستاذ عزام بانتظار الدرس القادم
المنتظر
01-01-2009, 08:08 PM
لو حققنا طريق الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع جوانب الحياة وتأسينا به فقط لتغيرت
احوالنا إلى أحسن حال .
جزاك الله خيرا أخي وتابع هذه الدروس التي تحتاجها الامة اليوم اشد الحاجة
لو حققنا طريق الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع جوانب الحياة وتأسينا به فقط لتغيرت احوالنا إلى أحسن حال .
جزاك الله خيرا أخي وتابع هذه الدروس التي تحتاجها الامة اليوم اشد الحاجة
صدقت اخي الكريم
وبارك الله فيك على تعقيبك الذي تفضلت به والذي يلخص هدف الكتاب.
عزام
7- توحيد الله عز وجل في أسمائه وصفاته :
وكذلك جاء القرآن المكي مقرراً لتوحيد الأسماء والصفات ؛ فغالب الآيات تختم بصفات الله تعالى وأسمائه الحسنى ، لتأكيدها وترسيخها في النفوس ، كي يُعبد الله عز وجل بمقتضاها . مثل ذلك قوله تعالى : (قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً) الفرقان : 6 ، وقوله تعالى : (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) الأنعام : 18 ، وقوله تعالى : (فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) الأنعام : 96 .
ولما كان لتوحيد الاسماء والصفات شأن عظيم وأثر كبير في النفوس والقلوب ، ولا يصح إيمان عبد إلا بإيمانه بأسماء الله وصفاته ؛ فقد أمر الله عز وجل عباده أن يدعوه بها : (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) الأعراف : 180 . كما أمرهم أن ينزهوه عن مشابهة المخلوقين وعن تاويل صفاته وتحريفها ، وأن يؤمنوا بصفات جلاله ونعوت كماله كما جاءت في كتابه الكريم بلا كيف ، كما في قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) الشورى : 11 ، وكما في قوله تعالى : (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) طه : 110 .
وهنالك بُعْدٌ آخر في فهم الأسماء والصفات ، وهوة فقهها والشعور بآثارها القلبية والتعبد لله عز وجل بها ، وتحقيق ما تقتضيه من فعل المامورات وترك المنهيات ؛ إقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم الذين تعلموا منه الإيمان والعمل ؛ فعن جندب إبن عبد الله رضي الله عنهم قال : ((كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاورة3 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&p=239089#_ftn1) ، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن ، ثم تعلمنا القرآن فإزددنا به إيماناً))4 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&p=239089#_ftn2) .
فنظروا إلى كل إسم من أسماء الله بأن فيه حق من العبودية لله عز وجل على العباد يتعبدون لله سبحانه وتعالى به ، وهذا جَلِيٌّ وواضح من سيرهم ومواقفهم وأعمالهم5 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&p=239089#_ftn3) .
ويذكر إبن القيم رحمه الله مقتضيات وآثار هذه العبودية بقوله : ((لكل صفة عبودية خاصة هي من موجباتها ومقتضياتها ، أعني من موجبات العلم بها والتحقق بمعرفتها . وهذا مطرد في جميع أنواع العبودية التي على القلب والجوارح ؛ فعلم العبد بتفرد الله سبحانه وتعالى بالضر والنفع ، والعطاء والمنع ، والخلق والرزق ، والإحياء والإماتة ، يثمر له : عبودية التوكل عليه باطناً ، ولوازم التوكل وثمراته ظاهراً .
وعلمه بسمعه تعالى وبصره ، وعلمه أنه لا يخفى عليه مثقال ذرة ، وأنه يعلم السِّرَّ ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ؛ يثمر له : حفظ لسانه وجوارحه وخطرات قلبه عن كل ما لا يرضي الله ، وأن يجعل تعلق هذه الأعضاء بما يحبه الله ويرضاه ، فيثمر له ذلك : الحياء باطناً ، ويثمر له الحياء : إجتناب المحرمات والقبائح .
ومعرفته بغناه وجوده وكرمه وبره وإحسانه ورحمته ؛ توجب سعة الرجاء ، ويثمر له ذلك من أنواع العبودية الظاهرة والباطنة بحسب معرفته وعلمه .
وكذلك معرفته بجلال الله وعظمته وعزه ، يثمر له الخضوع والإستكانة والمحبة ، فرجعت العبودية كلها إلى مقتضى الأسماء والصفات ..))6 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&p=239089#_ftn4) .
ويقول إبن بطال رحمه الله عن طريقة العمل بالأسماء والصفات: ((فَليُمَرِّنِ العبد نفسه على أن يصح له الإتصاف بها))7 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&p=239089#_ftn5) .
ومن هذا يتبيَّنُ أن المقصود من توحيد الأسماء والصفات ليس مجرد المعرفة الذهنية فحسب ، وإنما الغاية منها : أَنْ نحققها علمًا وعملاً ، ونفهمها كما فهمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام لفظاً ومعنى ، وتعبدوا الله تعالى بها وعملوا بمدلولها في واقع الحياة8 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&p=239089#_ftn6) .
وهكذا تربى الجيل الأول ـ رضوان الله عليهم ـ على تعلم وفهم صفات الله وأسمائهالحسنى ، فعبدوه بمقتضاها ، وعرفوه حق معرفته ، وقدروه حق قدره ، فملئت قلوبهم بتعظيمه وإجلاله والخضوع له ، والتذلل لعظمته وكبريائه ، وإستشعار مراقبته في كل الأوقات ، فأصبح رضاه سبحانه وتعالى غاية قصدهم ونهاية آمالهم .
3 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&p=239089#_ftnref1) ـ غلام حزور : إذا قوي وإشتد . أبو البقاء العكبري : المشوف المعلم ، ج1 ص 190 .
4 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&p=239089#_ftnref2) ـ أخرجه إبن ماجه في السنن ، رقم 61 ، وقال المحقق في الزوائد : إسناده صحيح ، ج1 ، ص 23 .
5 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&p=239089#_ftnref3) ـ أنظر على سبيل المثال : الحلية لأبي نعيم ، وسير أعلام النبلاء للذهبي ، والإصابة لإبن حجر العسقلاني .
6 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&p=239089#_ftnref4) ـ إبن القيم : مفتاح دار السعادة ، ج2 ، ص 90 .
7 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&p=239089#_ftnref5) ـ إبن حجر : الفتح ، ج11 ، ص 229 .
8 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&p=239089#_ftnref6) ـ أنظر : عبد العزيز الجليل : إن ربك حكيم عليم ، ص 11 .
وكذلك جاء القرآن المكي مقرراً لتوحيد الأسماء والصفات
جديدة عليّ هذه المعلومة ومفيدة للمذاكرة في مميزات السور المكية والمدنية
جزاك الله خيرا أستاذ عزام.... بانتظار الدرس الجديد
جديدة عليّ هذه المعلومة ومفيدة للمذاكرة في مميزات السور المكية والمدنية
جزاك الله خيرا أستاذ عزام.... بانتظار الدرس الجديد
وجزاك خيرا مثله
عزام
8- الإيمان باليوم الآخر :
ركز القرآن المكي على عرض قضايا الإيمان وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر ، عرضًا مفصلاً ومجملاً ؛ يتناول الملائكة وأعمالهم وصفاتهم ، والكتب وما فيها ، والنبيين ودعوتهم وقصصهم ، ومقادير الخلق ، وأحوال البرزخ ، ويوم القيامة ، وأحوال المنعمين والمعذبين ، وكيفية البعث وحشر الناس ومحاسبتهم ؛ بأسلوب معجز حتى لكأن الإنسان ينظر إلى يوم القيامة رأي عين : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ {68} وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ {69} وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ {70} وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ {71} قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ {72} وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ {73} وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ {74} وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الزمر : 68 ـ 75 .
على أن قضية الإيمان باليوم الآخر والحساب والجزاء من قضايا العقيدة الرئيسة التي جاء بها الإسلام ، والتي يقوم عليها بناء العقيدة بعد توحيد الله ؛ لما لها من أهمية في تهيئة النفوس وإعدادها للبذل في سبيل الحق والخير والصلاح الذي تعلم أنه مناط العوض والجزاء في اليوم الآخر .
ولأجل ذلك لم يناقش القرآن المكي قضية من القضايا بالتفصيل مثل عرضه لأمر الإيمان باليوم الآخر .
ولا شك أن الإهتمام الشديد بذكر اليوم الآخر في كتاب الله وتقريره في كل موضع ومناسبة ، وورود ذكره في القرآن بأسماء كثيرة ـ مع العلم أنه كلما كان للمسمى شأن عظيم كلما كثرت أسماؤه ـ يعطي الإنطباع ويوحي بخطورة هذا الأصل في تقويم حياة الإنسان وتوجيهه لعمارة الدنيا بالعلم النافع والعمل الصالح .
ولذلك ركز النبي صلى الله عليه وسلم على ربط أصحابه بعقيدة اليوم الآخر ، وعلَّمهم بقوله عدّة ثمرات منها : الإخلاص لله تعالى والصدق معه ، والحذر من الدنيا والزهد فيها ، والصبر على شدائدها ، والتزود بالأعمال الصالحة ، والإستعداد للجهاد في سبيل الله ، وتحمل الأذى والمشقة في سبيل ذلك1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&p=240757#_ftn1) .
مع العلم بأن الجهاد من حيث هو قمة العمل في الإسلام وذروة سنامه ، ووسيلة هذا الدين لتحقيق مهمته في الأرض وأهدافه العليا التي أراد الله عز وجل تحقيقها في عالم الإنس ، يحتاج إلى عقيدة إيمانية تعد بمثابة الوقود الذي يمدُّ النفوس بالصبر والصمود في معركتها مع الباطل والطغيان في واقع الحياة .
وقد كان الجيل الأول يدرك هذه الحقيقة إدراك من تعلمها وتربّى عليها ، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إليها ويغرسها في النفوس تمهيداً للمرحلة التالية وهي مرحلة إقامة الدولة الإسلامية .
وخلاصة القول : إن التوحيد هو الحقيقة الكبرى في الكون ؛ فالخالق تعالى واحد ، والكون بسننه ونواميسه واحد ، والإنسان في جوهره وغايته ووجوده واحد ، والكون بكامله يتجه إلى الله عز وجل إتجاهاً واحداً بالعبادة والطاعة : (وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) آل عمران : 83 . وكذلك ينبغي للإنسان أن يتجه إلى نفس الغاية والهدف ، وإلا حصل التصادم والتمزق والضياع في مسيرة حياته .
ولذلك نص القرآن المكي على قاعدة الوجود الكبرى وغاية الوجود الإنساني : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات : 56 ، وهي ترسم الإطار العام للعقيدة والدائرة الشاملة للحياة البشرية .
ولهذا لم يكن صدفة أن يقضي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثة عشر عامًا يحدث الناس عن قضية العقيدة ، ويربي أصحابه على تجريد التوحيد بأنواعه السالفة الذكر ، حيث رسخ في قلوبهم المعرفة الحقة بالله تعالى التي تقتضي الإستسلام التام له ، والطاعة المطلقة له ، وعدم التقديم بين يديه ، والرضا والتسليم بقضائه .
وكان صلى الله عليه وسلم مثالاً حيًّا للمؤمن الموحد الذي يُقتدى به في هذا الشأن .
ولأهمية العلم بالعقيدة على هذا النحو ؛ وجب ربط المسلمين وخاصة الدعاة إلى الله بهذا العلم الذي يعد من أولويات البناء في حقل الدعوة ؛ لأن المفاهيم الرئيسة في العقيدة إذا لم تكن صحيحة وأصابها الإنحراف ، فكل ما يستند إليها سيلحق بها ؛ إذ على فهمها يترتب فهم سائر الأحكام ، وإنطلاقاً منها توزن الأقوال والمواقف والأحداث .
فمثلاً : لا يمكن للداعية عرض الإنحرافات الجوهرية التي تعيش اليوم بين المسلمين ـ مما له تعلق بجوانب الإعتقاد ، مع بيان خطرها وتأثيرها والتحذير منها ـ حتى يكون ملمًّا بأركان توحيد الألوهية الثلاثة وهي : إفراد الله بالحكم ، وإفراد الله بالولاء ، وإفراد الله بالنسك .
على أن سورة الأنعام ـ وهي سورة مكية ويكاد موضوع التشريع يستغرقها ـ تستوعب هذه الأركان الثلاثة في قوله تعالى : (أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً) الأنعام : 114 ، وقوله تعالى (أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً) الأنعام : 14 ، وقوله تعالى : (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الأنعام : 162 .
فالجاهل بتوحيد الحكم وإفراد الله به يكون عاجزاً عن طرح قضية الحكم بغير ما أنزل الله ، وحكمه الشرعي ، وأهمية ردِّ الأمور كلها إلى شرع الله ؛ لأن هذا هو مقتضى الإسلام والتسليم ، وشرط الإيمان الذي لا يكون إلا به . وبذلك لا يكون مؤهلاً لتعليم الأفراد وتربيتهم على الولاء لشريعة الإسلام ، والحذر من تنقصها ، أو إعتقاد أفضلية غيرها ، أو مساواته لها ، أو جواز الحكم بغيرها ، بحيث يصبح الإيمان المطلق بشريعة الله قناعة راسخة لدى المخاطبين ، حتى لو فرضت عليهم النظم الوضعية الجاهلية .
ومن لا يعرف معنى الولاء والبراء لا يمكنه الحديث عن موالاة الكافرين والمنافقين ، وحكمها وتأثيرها على النفوس ، والخطر الزاحف بسببها سواء على مستوى الفرد أو الجماعة أو المجتمع ، والتركيز على ضرورة إستقلال الأمة المسلمة وتميزها ، وإستعلائها بإيمانها وشريعتها على الأوضاع والعقائد والنظم والمناهج الجاهلية.
ومثل هذا وذاك التركيز على توحيد النسك في بعض البلاد والأماكن التي جهل فيها الناس معنى الألوهية ، وصرفوا العبادة للشيوخ والأولياء ، وقدَّسوا الأضرحة أكثر من تقديس المساجد1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&p=240757#_ftn2) .
وعلى العموم ، فإن العلم بالعقيدة فريضة على كل مسلم ، فضلاً عن كل داعية ؛ لما لها من أهمية وإعتبار في معرفة المنطلقات والثوابت وتحديد الأهداف والغايات ، والتمييز بين الواقع الشركي والواقع الإيماني ، وتأصيل المنهج الشرعي لئلا تنحرف الدعوة عن أهدافها المرسومة .
تلك هي الخطوط الكبرى لهذه العقيدة التي ركز عليها القرآن المكي خلال ثلاثة عشر عامًا ، ووقف عندها لا يتجاوزها ، وكانت غايته تقريرها في النفوس ، بحيث تكون عقيدة إيجابية ثابتة مستقرة ، قائمة على العلم والعمل ، مبنية على الوعي والنظر والمعايشة .
1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&p=240757#_ftnref1) ـ أنظر : عبد العزيز الجليل : قل هو نبأ عظيم ، ص 99 ، 113 .
1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&p=240757#_ftnref2) ـ التجديد في الإسلام (التحرير) ، مجلة البيان ، عدد 2 ص 18 ـ 19 .