تاج الوقار
12-07-2008, 05:37 PM
http://alfadela.net/fup/uploads/images/3aae224cf1.gif
الرِّحلــــــة
http://alfadela.net/fup/uploads/images/858fcc49bc.gif
" أبي، هلْ سترَى بيتَ اللهِ؟ "
خرجتْ تلكَ الكلماتُ مِنْ بينِ شِفاهِ طِفلي الصغيرِ، وهوَ يتشبثُ بِي وسطَ دموعِ إخوتِهِ، وحبستُ دمعةً كادتْ تنسابُ شوقاً إلى اللقاءِ، وأنا أجيبُه بالإيجابِ..
لا أحدَ يستطيعُ فَهْمَ مشاعرِي، أريدُ أنْ أصرخَ وأُخبِرَ الكونَ أنِّي سأحجُّ ، أنِّي سأُكْمِلُ أركانَ إسلامِي ، أنِّي ذاهبٌ لألبِّيَ نداءَ ربِّي..وصلتُ إلى المطارِ وأنا سابحٌ وسطَ مشاعِري، أتمِّمُ إجراءاتِي ، ولمْ أفُقْ إلا على صوتِ النداءِ: " يُرجَى مِنَ المسافِرينَ على الرحلةِ رقمِ 640 المتوجهةِ إلى المملكةِ العربيةِ السعوديةِ التوجهَ إلى البوابةِ 10 " قمتُ وأنا فاقدُ الإحساسِ بما حَوْلي ، مِن شِدَّةِ وجْدِي وشوقِي..
أتحسَّسُ إِحْرامِي وأَنا أتَنَهَّدُ..ركبتُ الطائِرةَ وأنا أعُدُّ الدقائقَ حتَّى شَارَفْنا الميقاتَ، نويتُ كما نوى الحبيبُ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ:" لبَّيَكَ اللهُمَّ حجاً وعُمرةً ،، اللهُمَّ هذه حجةٌ لا رياءَ فيها ولا سمعةً " سأحجُّ قارِناً ( قارنَ الحجِ والعمرةِ بإحرامٍ واحدٍ ونيةٍ واحدةٍ ) إنْ شاءَ اللهُ..
وَأَلقيتُ نظرةً على كُتَيِّبِ مناسِكِ الحَجِّ لأتأكدَ ، فرأيتُ تنبيهاً على عدمِ التلفُّظِ بالنيةِ ، بلْ يكونُ محلُّها القلبُ..منَ الآنِ لا يجوزُ لي إزالةُ شعرٍ مِنْ جَسَدي أو تقليمُ أظافرِي أو استعمالُ الطيبِ ،، ولا لبسُ المخيط ِأو تغطيةُ وجهِي ورأسِي بمُلاصقٍ ،كما لا يحلُّ قتلُ الصيدِ البرِّي :" يَآأَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيد وأَنْتُم حُرُمٌ.. ""أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعَاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً.."
هبطْنا في مطارِ جِدة، ومنظرُ المُحرِمينَ مَهيبٌ، والمكانُ يكسوهُ بياضُ الإحرامِ ، والآذانُ لا تسمعُ سوى صدى التلبيةِ ، والألسنةُ لا يشغلُها غيرُ الذكرِ..كدتُ أنْ أصرخَ: "عَجِّلوا فأنا في اشتياقٍ "."اليومُ هوَ السابعُ مِنْ ذي الحجّةِ ، غداً تبتدؤ مناسكُ الحجِّ ، لذا فإنَّ الاعتمارَ سيكونُ اليومَ إنْ شاءَ اللهُ.."تلكَ كانتْ كلماتُ مرشدِنا ، أوَ هلْ يعلمُ أنِّي لا أقْوى الانتظارَ؟؟
http://alfadela.net/fup//uploads/images/fupce47c4d40e.jpg
العمرةُ ( السابعُ منْ ذِي الحِجَّةِ )
وصلْنا إلى مكةَ ، تركتُ أمتعَتِي بالفندقِ، وذهبتُ مسرعاً إلى بيتِ اللهِ ،، وما أدراكُم ما بيتُ اللهِ؟؟بيتُ اللهِ مأوى المُحِبِّينَ ، ومهْوى أفئدةِ المسلمِينَ..أمشي وأنا أسابقُ نفسِي ، أريدُ رؤيتَه ، رؤيةَ ما حلمتُ بهِ مذْ وعيتُ على الدُنيا..
ها قد تراءَى ليَ البيتُ الآنَ ،، يا إلهِي!!قدمايَ مُتيبِّستانِ ، دمعاتِي تتوالَى، وجسدِي ينتفضُ ، سقطتُ على ركبتيَّ وأجهشتُ بالبكاءِ ثمّ خرَرْتُ ساجداً لربِّ هذا البيتِ..
رفعتُ رأسي وأنا أعانقُ البيتَ بعينيَّ وكلِّي رغبةٌ في أنْ أحتضنَ هذا البيتَ وأُدخلَه بينَ أضلُعي،، ما أحلمَ ربِّي حينَ بلَّغَني !! اللهمَّ أتمِمْ عليَّ بالقبولِ..
تقدمتُ رويداً وسط َالزحامِ ، حاولتُ الوصولَ إلى الحجرِ الأسودِ لكنِّي لم أستطع ولم أُرِدِ المزاحمةَ خشيةَ الإيذاءِ، بدأتُ الشوطَ الأولَ بمحاذاتِهِ وأشرتُ إليهِ وسمَّيتُ وكبّرتُ ثمَّ بدأتُ بالرَّمَلِ ( الإسراعِ في المشيِ معَ تقارُبِ الخطواتِ ) في الأشواطِ الثلاثةِ الأولى..
كنتُ أدعو وأدعو وأدعو وقدْ بلّلَ الدمعُ لحيَتِي، في كلِّ شوطٍ أشعرُ أنِّي قدْ تبدَّلتُ ـ أنَّ الطُّهرَ بدأَ يجتاحُني..أتممتُ الطوافَ وأنا أتمنَّى أنْ يطولَ ويطولَ ثم يمَّمْتُ شَطْرَ المقامِ _ مقامِ إبراهيمَ عليهِ السلامُ_ وأخذتُ أتأمَّلُهُ وأنا أتخيلُهُ_عليهِ السلامُ_واقفاً يبني الكعبةَ وإسماعيلُ يساعدُهُ، وكأني أسمعُ دعاءَهما:
"رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ"وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوّابُ الرَّحِيمُوَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوّابُ الرَّحِيمُوَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ
[http://alfadela.net/fup//uploads/images/fup0636235ec7.jpg
وجهتُ وجهِي نحوَ الكعبةِ وأنا أتلُو: " واتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى" وجعلتُ المقامَ بينَنا ثمّ كبّرتُ وبدأتُ ركعتَيِ الطوافِ .."الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ" كلُّ حرفٍ ألفظُهُ أستشعرُ معناهُ ،يا أللهُ !! ما هذهِ الحلاوةُ؟؟ حلاوةُ ذِكرٍ ، حلاوةُ طاعةٍ ، حلاوةُ صلاةٍ..سلّمتُ وشربتُ مِنْ ماءِ زمزمَ كما فعلَ الحبيبُ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ..
واتجهتُ صوبَ المَسعى.._لأنِّي قارِنٌ فإنَّ سعيي للحجِّ وليسَ للعُمْرَةِ ، وبإمكاني تأخيرُهُ معَ طوافِ الإفاضَةِ_بدأتُ مِنْ جَبَلِ الصّفا تالِياً: " إِنَّ الصَّفَا والْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ""أبدأُ بِما بدأَ اللهُ بهِ"ثمَّ رقيتُ على الصَّفَا حتَّى استقبلتُ الكعبةَ وأخذتُ أدعو اللهَ وأُثني عليهِ كمَا فعلَ الحبيبُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ( لا إلهَ إلا اللهَ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ , لهُ الملكُ ولهُ الحمدُ وهوَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ . لا إلهَ إلا اللهَ وحدَهُ ، أنجزَ وعدَهُ ، ونصرَ عبدَهُ ، وهزمَ الأحزابَ وحدَهُ )
ثمَّ نزلتُ منَ الجبلِ وبدأتُ السعيَ حتَّى وصلتُ إلى (الأبطحِ) _المسافةِ بينَ العلمَينِ الأخضَرَينِ_ فركضتُ ؛ لأنَّ النبيَّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم سعى بينَ الصّفا والمروةِ وهوَ يقولُ : (لا يُقطعُ الأبطحُ إلا شَدًّا) أيْ : إلا عَدْواً..أحببتُ هذا الركضَ لأنِّي تذكَّرتُ أنِّي قرأتُ أنَّ الرسولَ أمرَ صحابتَهُ بالرَّكضِ حتّى يرَى المشركُون مدى قوَّتِهم ..
انتَهى الشوطُ الأولُ على الصّفا ، فرقيتُ جبلَ المروةِ ودعوتُ وأثنيتُ ثم نزلتُ للشوطِ الثاني حتى أكملتُ الأشواطَ السبعةَ..انتهيتُ منَ العمرةِ وأنا أُحلّقُ في سعادةٍ كبيرةٍ وانطلقتُ إلى الفندقِ للراحةِ..
يومُ التَّروِيَةِ ( الثامنُ منْ ذِي الحِجَّةِ) مِنَى
ابتدأَ ذلكَ اليوم منذُ صلاةِ الفجرِ، استيقظْنا للصلاةِ ثمَّ ذهبْنا بعدَ الشروقِ إلى مِنى ، كنتُ أتمنّى سرعةَ الوصولِ حتّى أرى ذاكَ المكانِ الذي يُقامُ فيهِ النُسُكُ..وصلْنا ومنظرُ الخيامِ مِنْ بعيدٍ يثيرُ الرّهبةَ في النفسِ ، صلَّينا الظهرَ والعصرَ والمغربَ والعشاءَ قصراً دونَ جمعٍ ، ثمَّ فجرَ اليومِ التالي، وانتظرْنا حتى طلوعَ الشمسِ ثمَّ ذَهبنا إلى عرفةَ..
يومُ عرفةَ ( التاسعُ مِنْ ذِي الحِجَّةِ ) جبلُ عرفةَ
هُنا بِحقٍّ انسابتْ أدمُعِي ، المنظرُ يدعو إلى الصمتِ ، والرهبةُ تجبرُكَ على السُّكوتِ ، َتَلَّفتْ حَوْلَكَ فَلَنْ تَرَ إلا راكعاً أو ساجداً أو داعياً أو ذاكراً أو باكياً..هنا رجلٌ يبكِي ويدعُو بلغةٍ غيرِ مفهومةٍ ، يا ألله!!ما أعظمَكَ !!لا تخفى عليكَ اللغاتُ ، ولا تَرُدُّ الدعواتِ,,تركتْ عينايَ كلَّ ما حولِي وانعزلتُ عنهم بكلِّ جوارحِي ، وارتفعتْ يدايَ وقبلَهُما قلبِي إلى ربِّ عرفةَ..سُبْحـــــــــــــــــــــــ ـانَكَ يا أللهُ !!دعوتُ والدموعُ منهمرةٌ ..وذكرتُ والنفسُ للربِّ منكسرةٌ" لا إلهَ إلا اللهَ وحدَهُ لا شريكَ لهُ , لهُ الملكُ ولهُ الحمدُ وهوَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ "" لا إلهَ إلا اللهَ وحدَهُ لا شريكَ لهُ , لهُ الملكُ ولهُ الحمدُ وهوَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ "" لا إلهَ إلا اللهَ وحدَهُ لا شريكَ لهُ , لهُ الملكُ ولهُ الحمدُ وهوَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ "مرّ الوقتُ سريعاً بعدَ أنْ صلَّينا الظهرَ والعصرَ جمعَ تقديمٍ بأذانٍ واحدٍ وإقامتَينِ، وانتبهتُ على غروبِ الشمسِ..
http://alfadela.net/fup//uploads/images/fupb6da49d519.jpg
مزدلفةُ (ليلُ العاشرِ منْ ذِي الحِجَّةِ)
توجهْنا إلى مزدلفةَ ، وأنا أتأملُ ،، سبحانَ اللهِ ، هذهِ الصحراءُ الجدباءُ لا تُعمَّرُ إلا في هذا الوقتِ منَ السنةِ..صليْنا المغربَ والعشاءَ جمعاً وقصراً ، وبقِينا حتى الفجرَ، غفَوتُ قليلاً دونَ أنْ أشعرَ ، وأفَقتُ على أذانِ المُرشِدِ ،، صلَّيتُ الفجرَ ، ثمَّ أكْثَرْتُ مِنَ الذِّكْرِ والدُّعاءِ ، والتقطتُ سبْعَ حصَوَاتٍ للرَّمْيِ ، ثمَّ انطلقْنا إلى مِنى ، فاليوم يومُ النحرِ ..
يوم ُالنحرِ (العاشرُ مِنْ ذِي الحِجَّةِ)
لبّيكَ اللهُمّ لبّيكَلبَّيكَ لا شريكَ لكَ لبّيكَإنَّ الحمدَ والنّعمةَ لكَ والملكَلا شريكَ لكَ
صوتُ التّلبيةِ يعلُو ويعلُو وقلبِي يدُقُّ فرَحاً وسعادةً ، وصلْنا إلى جمرةِ العقبةِ القريبةِ منْ مكةَ لرَمْيِ الجمارِ، معَ كلِّ حصاةٍ أُكَبِّرُ وأرمِي وأنا أرى بعينِ خيالِي ذُلَّ الشيطانِ يومَ أنْ رَجَمَهُ إبراهيمُ _عليهِ السلامُ_ حينَ وسوسَ إليهِ عندَما أمرَهُ اللهُ بذبحِ إسماعيلَ..ثمَّ ذهبتُ للحَلقِ بعدَ أنْ تأكّدتُ أنَّ الحَمْلةَ قدْ ذبحَتِ الهَدْيَ _فذبحُ الهديِ للقارِنِ والمُتَمَتِّعِ_ حتى أتحلّلَ منَ الإحرامِ..ثمَّ ذهبتُ إلى الفندقِ لأغتسلَ وأتطيبَ وألبسَ ملابسِي لقولِ عائشةَ رضِيَ اللهُ عنْها : "كنتُ أُطَيِّبُ النبيَّ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لإحرامِهِ قبلَ أنْ يُحْرِمَ ولِحِلِّهِ قبلَ أنْ يطوفَ بالبيتِ"وتوجهتُ إلى الحَرَمِ للطوافِ والسَّعيِ..
أيامُ مِنَى (الحادي عشرَ والثاني عشرَ والثالث عشرَ مِنْ ذي الحِجَّةِ)
تلكَ أيامٌ لذِكرِ اللهِ ، كلُّ يومٍ عندَ زوالِ الشمسِ نذهبُ إلى رميِ الجِمارِ بِدءاً مِنَ الجمرةِ الصُّغْرى وحتَّى الكُبٍرى (العَقَبَةِ) ، كلُّ جمرةٍ سبعُ حَصَوَاتٍ ..أيامٌ روحانيةٌ ، وسعادةٌ وجدانيةٌ..
الحمدُ للهِ ، الحمدُ للهِ ، الحمدُ للهِ ..
آخرُ المطافِ
قالَ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : "لا ينفرُ أحدٌ حتّى يكونُ آخرُ عهدِه بالبيتِ"
ثمَّ كانَ آخرُ المطافِ طوافَ الوداعِ ، وما أصعبَها مِنْ لحظاتٍ ، لنْ أقولَ أنَّ قلبِي انفطرَ ؛ لأنِّي تركتُهُ هُنَاكَ، ولنْ أقولَ أنِّي بكيتُ ؛ لأنَّ عيني جَفَتِ البكاءَ ، أسألُكَ يا أللهُ ألّا يكونَ هذا آخرُ عهدِي ببيتِكَ..
وانتهتْ رحلتِي ، وما أروعَها منْ رحلةٍ !!أخذتُ أقلِّبُ مذكِّراتِي وأمنيتِي أنْ تُعادَ الكرَّةُ..جمعَنِي اللهُ وإيَّاكُم على صعيدِ عرفاتٍ
هــــــــــــــــــــ هنا (http://alfadela.net/fup//view.php?file=e7966184be) ــــدِيَّتي إليكُم
الرِّحلــــــة
http://alfadela.net/fup/uploads/images/858fcc49bc.gif
" أبي، هلْ سترَى بيتَ اللهِ؟ "
خرجتْ تلكَ الكلماتُ مِنْ بينِ شِفاهِ طِفلي الصغيرِ، وهوَ يتشبثُ بِي وسطَ دموعِ إخوتِهِ، وحبستُ دمعةً كادتْ تنسابُ شوقاً إلى اللقاءِ، وأنا أجيبُه بالإيجابِ..
لا أحدَ يستطيعُ فَهْمَ مشاعرِي، أريدُ أنْ أصرخَ وأُخبِرَ الكونَ أنِّي سأحجُّ ، أنِّي سأُكْمِلُ أركانَ إسلامِي ، أنِّي ذاهبٌ لألبِّيَ نداءَ ربِّي..وصلتُ إلى المطارِ وأنا سابحٌ وسطَ مشاعِري، أتمِّمُ إجراءاتِي ، ولمْ أفُقْ إلا على صوتِ النداءِ: " يُرجَى مِنَ المسافِرينَ على الرحلةِ رقمِ 640 المتوجهةِ إلى المملكةِ العربيةِ السعوديةِ التوجهَ إلى البوابةِ 10 " قمتُ وأنا فاقدُ الإحساسِ بما حَوْلي ، مِن شِدَّةِ وجْدِي وشوقِي..
أتحسَّسُ إِحْرامِي وأَنا أتَنَهَّدُ..ركبتُ الطائِرةَ وأنا أعُدُّ الدقائقَ حتَّى شَارَفْنا الميقاتَ، نويتُ كما نوى الحبيبُ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ:" لبَّيَكَ اللهُمَّ حجاً وعُمرةً ،، اللهُمَّ هذه حجةٌ لا رياءَ فيها ولا سمعةً " سأحجُّ قارِناً ( قارنَ الحجِ والعمرةِ بإحرامٍ واحدٍ ونيةٍ واحدةٍ ) إنْ شاءَ اللهُ..
وَأَلقيتُ نظرةً على كُتَيِّبِ مناسِكِ الحَجِّ لأتأكدَ ، فرأيتُ تنبيهاً على عدمِ التلفُّظِ بالنيةِ ، بلْ يكونُ محلُّها القلبُ..منَ الآنِ لا يجوزُ لي إزالةُ شعرٍ مِنْ جَسَدي أو تقليمُ أظافرِي أو استعمالُ الطيبِ ،، ولا لبسُ المخيط ِأو تغطيةُ وجهِي ورأسِي بمُلاصقٍ ،كما لا يحلُّ قتلُ الصيدِ البرِّي :" يَآأَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيد وأَنْتُم حُرُمٌ.. ""أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعَاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً.."
هبطْنا في مطارِ جِدة، ومنظرُ المُحرِمينَ مَهيبٌ، والمكانُ يكسوهُ بياضُ الإحرامِ ، والآذانُ لا تسمعُ سوى صدى التلبيةِ ، والألسنةُ لا يشغلُها غيرُ الذكرِ..كدتُ أنْ أصرخَ: "عَجِّلوا فأنا في اشتياقٍ "."اليومُ هوَ السابعُ مِنْ ذي الحجّةِ ، غداً تبتدؤ مناسكُ الحجِّ ، لذا فإنَّ الاعتمارَ سيكونُ اليومَ إنْ شاءَ اللهُ.."تلكَ كانتْ كلماتُ مرشدِنا ، أوَ هلْ يعلمُ أنِّي لا أقْوى الانتظارَ؟؟
http://alfadela.net/fup//uploads/images/fupce47c4d40e.jpg
العمرةُ ( السابعُ منْ ذِي الحِجَّةِ )
وصلْنا إلى مكةَ ، تركتُ أمتعَتِي بالفندقِ، وذهبتُ مسرعاً إلى بيتِ اللهِ ،، وما أدراكُم ما بيتُ اللهِ؟؟بيتُ اللهِ مأوى المُحِبِّينَ ، ومهْوى أفئدةِ المسلمِينَ..أمشي وأنا أسابقُ نفسِي ، أريدُ رؤيتَه ، رؤيةَ ما حلمتُ بهِ مذْ وعيتُ على الدُنيا..
ها قد تراءَى ليَ البيتُ الآنَ ،، يا إلهِي!!قدمايَ مُتيبِّستانِ ، دمعاتِي تتوالَى، وجسدِي ينتفضُ ، سقطتُ على ركبتيَّ وأجهشتُ بالبكاءِ ثمّ خرَرْتُ ساجداً لربِّ هذا البيتِ..
رفعتُ رأسي وأنا أعانقُ البيتَ بعينيَّ وكلِّي رغبةٌ في أنْ أحتضنَ هذا البيتَ وأُدخلَه بينَ أضلُعي،، ما أحلمَ ربِّي حينَ بلَّغَني !! اللهمَّ أتمِمْ عليَّ بالقبولِ..
تقدمتُ رويداً وسط َالزحامِ ، حاولتُ الوصولَ إلى الحجرِ الأسودِ لكنِّي لم أستطع ولم أُرِدِ المزاحمةَ خشيةَ الإيذاءِ، بدأتُ الشوطَ الأولَ بمحاذاتِهِ وأشرتُ إليهِ وسمَّيتُ وكبّرتُ ثمَّ بدأتُ بالرَّمَلِ ( الإسراعِ في المشيِ معَ تقارُبِ الخطواتِ ) في الأشواطِ الثلاثةِ الأولى..
كنتُ أدعو وأدعو وأدعو وقدْ بلّلَ الدمعُ لحيَتِي، في كلِّ شوطٍ أشعرُ أنِّي قدْ تبدَّلتُ ـ أنَّ الطُّهرَ بدأَ يجتاحُني..أتممتُ الطوافَ وأنا أتمنَّى أنْ يطولَ ويطولَ ثم يمَّمْتُ شَطْرَ المقامِ _ مقامِ إبراهيمَ عليهِ السلامُ_ وأخذتُ أتأمَّلُهُ وأنا أتخيلُهُ_عليهِ السلامُ_واقفاً يبني الكعبةَ وإسماعيلُ يساعدُهُ، وكأني أسمعُ دعاءَهما:
"رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ"وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوّابُ الرَّحِيمُوَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوّابُ الرَّحِيمُوَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ
[http://alfadela.net/fup//uploads/images/fup0636235ec7.jpg
وجهتُ وجهِي نحوَ الكعبةِ وأنا أتلُو: " واتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى" وجعلتُ المقامَ بينَنا ثمّ كبّرتُ وبدأتُ ركعتَيِ الطوافِ .."الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ" كلُّ حرفٍ ألفظُهُ أستشعرُ معناهُ ،يا أللهُ !! ما هذهِ الحلاوةُ؟؟ حلاوةُ ذِكرٍ ، حلاوةُ طاعةٍ ، حلاوةُ صلاةٍ..سلّمتُ وشربتُ مِنْ ماءِ زمزمَ كما فعلَ الحبيبُ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ..
واتجهتُ صوبَ المَسعى.._لأنِّي قارِنٌ فإنَّ سعيي للحجِّ وليسَ للعُمْرَةِ ، وبإمكاني تأخيرُهُ معَ طوافِ الإفاضَةِ_بدأتُ مِنْ جَبَلِ الصّفا تالِياً: " إِنَّ الصَّفَا والْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ""أبدأُ بِما بدأَ اللهُ بهِ"ثمَّ رقيتُ على الصَّفَا حتَّى استقبلتُ الكعبةَ وأخذتُ أدعو اللهَ وأُثني عليهِ كمَا فعلَ الحبيبُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ( لا إلهَ إلا اللهَ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ , لهُ الملكُ ولهُ الحمدُ وهوَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ . لا إلهَ إلا اللهَ وحدَهُ ، أنجزَ وعدَهُ ، ونصرَ عبدَهُ ، وهزمَ الأحزابَ وحدَهُ )
ثمَّ نزلتُ منَ الجبلِ وبدأتُ السعيَ حتَّى وصلتُ إلى (الأبطحِ) _المسافةِ بينَ العلمَينِ الأخضَرَينِ_ فركضتُ ؛ لأنَّ النبيَّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم سعى بينَ الصّفا والمروةِ وهوَ يقولُ : (لا يُقطعُ الأبطحُ إلا شَدًّا) أيْ : إلا عَدْواً..أحببتُ هذا الركضَ لأنِّي تذكَّرتُ أنِّي قرأتُ أنَّ الرسولَ أمرَ صحابتَهُ بالرَّكضِ حتّى يرَى المشركُون مدى قوَّتِهم ..
انتَهى الشوطُ الأولُ على الصّفا ، فرقيتُ جبلَ المروةِ ودعوتُ وأثنيتُ ثم نزلتُ للشوطِ الثاني حتى أكملتُ الأشواطَ السبعةَ..انتهيتُ منَ العمرةِ وأنا أُحلّقُ في سعادةٍ كبيرةٍ وانطلقتُ إلى الفندقِ للراحةِ..
يومُ التَّروِيَةِ ( الثامنُ منْ ذِي الحِجَّةِ) مِنَى
ابتدأَ ذلكَ اليوم منذُ صلاةِ الفجرِ، استيقظْنا للصلاةِ ثمَّ ذهبْنا بعدَ الشروقِ إلى مِنى ، كنتُ أتمنّى سرعةَ الوصولِ حتّى أرى ذاكَ المكانِ الذي يُقامُ فيهِ النُسُكُ..وصلْنا ومنظرُ الخيامِ مِنْ بعيدٍ يثيرُ الرّهبةَ في النفسِ ، صلَّينا الظهرَ والعصرَ والمغربَ والعشاءَ قصراً دونَ جمعٍ ، ثمَّ فجرَ اليومِ التالي، وانتظرْنا حتى طلوعَ الشمسِ ثمَّ ذَهبنا إلى عرفةَ..
يومُ عرفةَ ( التاسعُ مِنْ ذِي الحِجَّةِ ) جبلُ عرفةَ
هُنا بِحقٍّ انسابتْ أدمُعِي ، المنظرُ يدعو إلى الصمتِ ، والرهبةُ تجبرُكَ على السُّكوتِ ، َتَلَّفتْ حَوْلَكَ فَلَنْ تَرَ إلا راكعاً أو ساجداً أو داعياً أو ذاكراً أو باكياً..هنا رجلٌ يبكِي ويدعُو بلغةٍ غيرِ مفهومةٍ ، يا ألله!!ما أعظمَكَ !!لا تخفى عليكَ اللغاتُ ، ولا تَرُدُّ الدعواتِ,,تركتْ عينايَ كلَّ ما حولِي وانعزلتُ عنهم بكلِّ جوارحِي ، وارتفعتْ يدايَ وقبلَهُما قلبِي إلى ربِّ عرفةَ..سُبْحـــــــــــــــــــــــ ـانَكَ يا أللهُ !!دعوتُ والدموعُ منهمرةٌ ..وذكرتُ والنفسُ للربِّ منكسرةٌ" لا إلهَ إلا اللهَ وحدَهُ لا شريكَ لهُ , لهُ الملكُ ولهُ الحمدُ وهوَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ "" لا إلهَ إلا اللهَ وحدَهُ لا شريكَ لهُ , لهُ الملكُ ولهُ الحمدُ وهوَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ "" لا إلهَ إلا اللهَ وحدَهُ لا شريكَ لهُ , لهُ الملكُ ولهُ الحمدُ وهوَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ "مرّ الوقتُ سريعاً بعدَ أنْ صلَّينا الظهرَ والعصرَ جمعَ تقديمٍ بأذانٍ واحدٍ وإقامتَينِ، وانتبهتُ على غروبِ الشمسِ..
http://alfadela.net/fup//uploads/images/fupb6da49d519.jpg
مزدلفةُ (ليلُ العاشرِ منْ ذِي الحِجَّةِ)
توجهْنا إلى مزدلفةَ ، وأنا أتأملُ ،، سبحانَ اللهِ ، هذهِ الصحراءُ الجدباءُ لا تُعمَّرُ إلا في هذا الوقتِ منَ السنةِ..صليْنا المغربَ والعشاءَ جمعاً وقصراً ، وبقِينا حتى الفجرَ، غفَوتُ قليلاً دونَ أنْ أشعرَ ، وأفَقتُ على أذانِ المُرشِدِ ،، صلَّيتُ الفجرَ ، ثمَّ أكْثَرْتُ مِنَ الذِّكْرِ والدُّعاءِ ، والتقطتُ سبْعَ حصَوَاتٍ للرَّمْيِ ، ثمَّ انطلقْنا إلى مِنى ، فاليوم يومُ النحرِ ..
يوم ُالنحرِ (العاشرُ مِنْ ذِي الحِجَّةِ)
لبّيكَ اللهُمّ لبّيكَلبَّيكَ لا شريكَ لكَ لبّيكَإنَّ الحمدَ والنّعمةَ لكَ والملكَلا شريكَ لكَ
صوتُ التّلبيةِ يعلُو ويعلُو وقلبِي يدُقُّ فرَحاً وسعادةً ، وصلْنا إلى جمرةِ العقبةِ القريبةِ منْ مكةَ لرَمْيِ الجمارِ، معَ كلِّ حصاةٍ أُكَبِّرُ وأرمِي وأنا أرى بعينِ خيالِي ذُلَّ الشيطانِ يومَ أنْ رَجَمَهُ إبراهيمُ _عليهِ السلامُ_ حينَ وسوسَ إليهِ عندَما أمرَهُ اللهُ بذبحِ إسماعيلَ..ثمَّ ذهبتُ للحَلقِ بعدَ أنْ تأكّدتُ أنَّ الحَمْلةَ قدْ ذبحَتِ الهَدْيَ _فذبحُ الهديِ للقارِنِ والمُتَمَتِّعِ_ حتى أتحلّلَ منَ الإحرامِ..ثمَّ ذهبتُ إلى الفندقِ لأغتسلَ وأتطيبَ وألبسَ ملابسِي لقولِ عائشةَ رضِيَ اللهُ عنْها : "كنتُ أُطَيِّبُ النبيَّ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لإحرامِهِ قبلَ أنْ يُحْرِمَ ولِحِلِّهِ قبلَ أنْ يطوفَ بالبيتِ"وتوجهتُ إلى الحَرَمِ للطوافِ والسَّعيِ..
أيامُ مِنَى (الحادي عشرَ والثاني عشرَ والثالث عشرَ مِنْ ذي الحِجَّةِ)
تلكَ أيامٌ لذِكرِ اللهِ ، كلُّ يومٍ عندَ زوالِ الشمسِ نذهبُ إلى رميِ الجِمارِ بِدءاً مِنَ الجمرةِ الصُّغْرى وحتَّى الكُبٍرى (العَقَبَةِ) ، كلُّ جمرةٍ سبعُ حَصَوَاتٍ ..أيامٌ روحانيةٌ ، وسعادةٌ وجدانيةٌ..
الحمدُ للهِ ، الحمدُ للهِ ، الحمدُ للهِ ..
آخرُ المطافِ
قالَ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : "لا ينفرُ أحدٌ حتّى يكونُ آخرُ عهدِه بالبيتِ"
ثمَّ كانَ آخرُ المطافِ طوافَ الوداعِ ، وما أصعبَها مِنْ لحظاتٍ ، لنْ أقولَ أنَّ قلبِي انفطرَ ؛ لأنِّي تركتُهُ هُنَاكَ، ولنْ أقولَ أنِّي بكيتُ ؛ لأنَّ عيني جَفَتِ البكاءَ ، أسألُكَ يا أللهُ ألّا يكونَ هذا آخرُ عهدِي ببيتِكَ..
وانتهتْ رحلتِي ، وما أروعَها منْ رحلةٍ !!أخذتُ أقلِّبُ مذكِّراتِي وأمنيتِي أنْ تُعادَ الكرَّةُ..جمعَنِي اللهُ وإيَّاكُم على صعيدِ عرفاتٍ
هــــــــــــــــــــ هنا (http://alfadela.net/fup//view.php?file=e7966184be) ــــدِيَّتي إليكُم