فخر الدين الرازي
11-28-2008, 04:05 PM
قال الإمام الرازي في " تفسيره " : " احتج من أثبت الأعضاء والجوارح لله تعالى بقوله تعالى : { مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ } في إثبات يدين لله تعالى ، بأن قالوا:ظاهر الآية يدل عليه ، فوجب المصير إليه ، والآيات الكثيرة واردة على وفق هذه الآية ، فوجب القطع به .
واعلم أن الدلائل الدالة على نفي كونه تعالى جسماً مركباً من الأجزاء والأعضاء ، قد سبقت إلا أنا نذكر ههنا نكتاً جارية مجرى الإلزامات الظاهرة ؛
فالأول : أن من قال إنه مركب من الأعضاء والأجزاء ، فإما أن يثبت الأعضاء التي ورد ذكرها في القرآن ولا يزيد عليها ، وإما أن يزيد عليها ، فإن كان الأول لزمه إثبات صورة لا يمكن أن يزاد عليها في القبح ، لأنه يلزمه إثبات وجه بحيث لا يوجد منه إلا مجرد رقعة الوجه لقوله :{كُلُّ شَيء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ}[ القصص : 88 ] ويلزمه أن يثبت في تلك الرقعة عيوناً كثيرة لقوله : { تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا } [ القمر : 14 ] وأن يثبت جنباً واحداً لقوله تعالى : { ياحسرتا على مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ الله } [ الزمر : 56 ] وأن يثبت على ذلك الجنب أيدي كثيرة لقوله تعالى : { مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا } [ يس : 71 ] وبتقدير أن يكون له يدان فإنه يجب أن يكون كلاهما على جانب واحد لقوله صلى الله عليه وسلم : « الحجر الأسود يمين الله في الأرض »-لعل الإمام يقصد حديث:"وكلتا يديه يمين"- وأن يثبت له ساقاً واحداً لقوله تعالى : { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } [ القلم : 42 ] فيكون الحاصل من هذه الصورة ، مجرد رقعة الوجه ويكون عليها عيون كثيرة ، وجنب واحد ويكون عليه أيد كثيرة وساق واحد ، ومعلوم أن هذه الصورة أقبح الصور ، ولو كان هذا عبداً لم يرغب أحد في شرائه ، فكيف يقول العاقل إن رب العالمين موصوف بهذه الصورة .
وأما القسم الثاني : وهو أن لا يقتصر على الأعضاء المذكورة في القرآن ، بل يزيد وينقص على وفق التأويلات ، فحينئذ يبطل مذهبه في الحمل على مجرد الظواهر ، ولا بد له من قبول دلائل العقل .
الحجة الثانية في إبطال قولهم : أنهم إذا أثبتوا الأعضاء لله تعالى ، فإن أثبتوا له عضو الرجل فهو رجل، وأن أثبتوا له عضو النساء فهو أنثى ، وإن نفوهما فهو خصي أو عنين ، وتعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً .
الحجة الثالثة : أنه في ذاته سبحانه وتعالى ، إما أن يكون جسماً صلباً لا ينغمز البتة فيكون حجراً صلباً ، وإما أن يكون قابلاً للانغماز فيكون ليناً قابلاً للتفرق والتمزق . وتعالى الله عن ذلك .
الحجة الرابعة : أنه إن كان بحيث لا يمكنه أن يتحرك عن مكانه ، كان كالزَمِن المقعد العاجز ، وإن كان بحيث يمكنه أن يتحرك عن مكانه كان محلاً للتغيرات ، فدخل تحت قوله : { لا أُحِبُّ الآفلين } [ الأنعام : 76 ] .
الحجة الخامسة : إن كان لا يأكل ولا يشرب ولا ينام ولا يتحرك كان كالميت ، وإن كان يفعل هذه الأشياء ، كان إنساناً كثير التخمة محتاجاً إلى الأكل والشرب والوقاع ، وذلك باطل .
الحجة السادسة : أنهم يقولون : إنه ينزل كل ليلة من العرش إلى السماء الدنيا ، فنقول لهم : حين نزوله هل يبقى مدبراً للعرش ويبقى مدبراً للسماء الدنيا حين كان على العرش ، وحينئذ لا يبقى في النزول فائدة ، وإن لم يبق مدبراً للعرش فعند نزوله يصير معزولاً عن إلهية العرش والسموات .
الحجة السابعة : أنهم يقولون إنه تعالى أعظم من العرش ، وإن العرش لا نسبة لعظمته إلى عظمة الكرسي ، وعلى هذا الترتيب حتى ينتهي إلى السماء الدنيا ، فإذا كان كذلك كانت السماء الدنيا بالنسبة إلى عظمة الله كالذرة بالنسبة إلى البحر ، فإذا نزل فإما أن يقال : إن الإله يصير صغيراً بحيث تسعه السماء الدنيا ، وإما أن يقال : إن السماء الدنيا تصير أعظم من العرش ، وكل ذلك باطل .
الحجة الثامنة : ثبت أن العالم كرة ، فإن كان فوق بالنسبة إلى قوم كانت تحت بالنسبة إلى قوم آخرين وذلك باطل ، وإن كان فوق بالنسبة إلى الكل ، فحينئذ يكون جسماً محيطاً بهذا العالم من كل الجوانب ، فيكون إله العالم على هذا القول فلكاً من الأفلاك .
الحجة التاسعة : لما كانت الأرض كرة ، وكانت السموات كرات ، فكل ساعة تفرض الساعات فإنها تكون ثلث الليل في حق أقوام معينين من سكان كرة العوارض ، فلو نزل من العرش في ثلث الليل وجب أن يبقى أبداً نازلاً عن العرش ، وأن لا يرجع إلى العرش البتة .
الحجة العاشرة : أنا إنما زيفنا إلهية الشمس والقمر لثلاثة أنواع من العيوب:
أولها : كونه مؤلفاً من الأجزاء والأبعاض.
وثانيها : كونه محدوداً متناهياً.
وثالثها : كونه موصوفاً بالحركة والسكون والطلوع والغروب .
فإذا كان إله المشبهة مؤلفاً من الأعضاء والأجزاء كان مركباً ، وإذا كان فوق العرش كان محدوداً متناهياً ، وإن كان ينزل من العرش ويرجع إليه كان موصوفاً بالحركة والسكون ، فهذه الصفات الثلاثة إن كانت منافية للألهية وجب تنزيه الإله عنها بأسرها ، وذلك يبطل قول المشبهة ، وإن لم تكن منافية للألهية فحينئذ لا يقدر أحد على الطعن في إلهية الشمس والقمر .
الحجة الحادية عشرة : قوله تعالى : { قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ } [ الإخلاص : 1 ] ولفظ الأحد مبالغة في الوحدة ، وذلك ينافي كونه مركباً من الأجزاء والأبعاض .
الحجة الثانية عشرة : قوله تعالى:{ والله الغني وَأَنتُمُ الفقراء } [ محمد : 38 ] ولو كان مركباً من الأجزاء والأبعاض لكان محتاجاً إليها وذلك يمنع من كونه غنياً على الإطلاق ، فثبت بهذه الوجوه أن القول بإثبات الأعضاء والأجزاء لله محال ".
واعلم أن الدلائل الدالة على نفي كونه تعالى جسماً مركباً من الأجزاء والأعضاء ، قد سبقت إلا أنا نذكر ههنا نكتاً جارية مجرى الإلزامات الظاهرة ؛
فالأول : أن من قال إنه مركب من الأعضاء والأجزاء ، فإما أن يثبت الأعضاء التي ورد ذكرها في القرآن ولا يزيد عليها ، وإما أن يزيد عليها ، فإن كان الأول لزمه إثبات صورة لا يمكن أن يزاد عليها في القبح ، لأنه يلزمه إثبات وجه بحيث لا يوجد منه إلا مجرد رقعة الوجه لقوله :{كُلُّ شَيء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ}[ القصص : 88 ] ويلزمه أن يثبت في تلك الرقعة عيوناً كثيرة لقوله : { تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا } [ القمر : 14 ] وأن يثبت جنباً واحداً لقوله تعالى : { ياحسرتا على مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ الله } [ الزمر : 56 ] وأن يثبت على ذلك الجنب أيدي كثيرة لقوله تعالى : { مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا } [ يس : 71 ] وبتقدير أن يكون له يدان فإنه يجب أن يكون كلاهما على جانب واحد لقوله صلى الله عليه وسلم : « الحجر الأسود يمين الله في الأرض »-لعل الإمام يقصد حديث:"وكلتا يديه يمين"- وأن يثبت له ساقاً واحداً لقوله تعالى : { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } [ القلم : 42 ] فيكون الحاصل من هذه الصورة ، مجرد رقعة الوجه ويكون عليها عيون كثيرة ، وجنب واحد ويكون عليه أيد كثيرة وساق واحد ، ومعلوم أن هذه الصورة أقبح الصور ، ولو كان هذا عبداً لم يرغب أحد في شرائه ، فكيف يقول العاقل إن رب العالمين موصوف بهذه الصورة .
وأما القسم الثاني : وهو أن لا يقتصر على الأعضاء المذكورة في القرآن ، بل يزيد وينقص على وفق التأويلات ، فحينئذ يبطل مذهبه في الحمل على مجرد الظواهر ، ولا بد له من قبول دلائل العقل .
الحجة الثانية في إبطال قولهم : أنهم إذا أثبتوا الأعضاء لله تعالى ، فإن أثبتوا له عضو الرجل فهو رجل، وأن أثبتوا له عضو النساء فهو أنثى ، وإن نفوهما فهو خصي أو عنين ، وتعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً .
الحجة الثالثة : أنه في ذاته سبحانه وتعالى ، إما أن يكون جسماً صلباً لا ينغمز البتة فيكون حجراً صلباً ، وإما أن يكون قابلاً للانغماز فيكون ليناً قابلاً للتفرق والتمزق . وتعالى الله عن ذلك .
الحجة الرابعة : أنه إن كان بحيث لا يمكنه أن يتحرك عن مكانه ، كان كالزَمِن المقعد العاجز ، وإن كان بحيث يمكنه أن يتحرك عن مكانه كان محلاً للتغيرات ، فدخل تحت قوله : { لا أُحِبُّ الآفلين } [ الأنعام : 76 ] .
الحجة الخامسة : إن كان لا يأكل ولا يشرب ولا ينام ولا يتحرك كان كالميت ، وإن كان يفعل هذه الأشياء ، كان إنساناً كثير التخمة محتاجاً إلى الأكل والشرب والوقاع ، وذلك باطل .
الحجة السادسة : أنهم يقولون : إنه ينزل كل ليلة من العرش إلى السماء الدنيا ، فنقول لهم : حين نزوله هل يبقى مدبراً للعرش ويبقى مدبراً للسماء الدنيا حين كان على العرش ، وحينئذ لا يبقى في النزول فائدة ، وإن لم يبق مدبراً للعرش فعند نزوله يصير معزولاً عن إلهية العرش والسموات .
الحجة السابعة : أنهم يقولون إنه تعالى أعظم من العرش ، وإن العرش لا نسبة لعظمته إلى عظمة الكرسي ، وعلى هذا الترتيب حتى ينتهي إلى السماء الدنيا ، فإذا كان كذلك كانت السماء الدنيا بالنسبة إلى عظمة الله كالذرة بالنسبة إلى البحر ، فإذا نزل فإما أن يقال : إن الإله يصير صغيراً بحيث تسعه السماء الدنيا ، وإما أن يقال : إن السماء الدنيا تصير أعظم من العرش ، وكل ذلك باطل .
الحجة الثامنة : ثبت أن العالم كرة ، فإن كان فوق بالنسبة إلى قوم كانت تحت بالنسبة إلى قوم آخرين وذلك باطل ، وإن كان فوق بالنسبة إلى الكل ، فحينئذ يكون جسماً محيطاً بهذا العالم من كل الجوانب ، فيكون إله العالم على هذا القول فلكاً من الأفلاك .
الحجة التاسعة : لما كانت الأرض كرة ، وكانت السموات كرات ، فكل ساعة تفرض الساعات فإنها تكون ثلث الليل في حق أقوام معينين من سكان كرة العوارض ، فلو نزل من العرش في ثلث الليل وجب أن يبقى أبداً نازلاً عن العرش ، وأن لا يرجع إلى العرش البتة .
الحجة العاشرة : أنا إنما زيفنا إلهية الشمس والقمر لثلاثة أنواع من العيوب:
أولها : كونه مؤلفاً من الأجزاء والأبعاض.
وثانيها : كونه محدوداً متناهياً.
وثالثها : كونه موصوفاً بالحركة والسكون والطلوع والغروب .
فإذا كان إله المشبهة مؤلفاً من الأعضاء والأجزاء كان مركباً ، وإذا كان فوق العرش كان محدوداً متناهياً ، وإن كان ينزل من العرش ويرجع إليه كان موصوفاً بالحركة والسكون ، فهذه الصفات الثلاثة إن كانت منافية للألهية وجب تنزيه الإله عنها بأسرها ، وذلك يبطل قول المشبهة ، وإن لم تكن منافية للألهية فحينئذ لا يقدر أحد على الطعن في إلهية الشمس والقمر .
الحجة الحادية عشرة : قوله تعالى : { قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ } [ الإخلاص : 1 ] ولفظ الأحد مبالغة في الوحدة ، وذلك ينافي كونه مركباً من الأجزاء والأبعاض .
الحجة الثانية عشرة : قوله تعالى:{ والله الغني وَأَنتُمُ الفقراء } [ محمد : 38 ] ولو كان مركباً من الأجزاء والأبعاض لكان محتاجاً إليها وذلك يمنع من كونه غنياً على الإطلاق ، فثبت بهذه الوجوه أن القول بإثبات الأعضاء والأجزاء لله محال ".