مقاوم
11-27-2008, 03:48 AM
تغييرات أوباما محتملة.. وتطوير المقاومة واجب
أ. نبيل شبيب
المرحلة المقبلة لمسار المقاومة حاسمة والحسم رهن بمتابعة تطويرها
http://qawim.net/images/stories/logoqawim/_exb.pngيلفت النظر في كثير مما كتب بأقلام عربية عن فوز أوباما انتشار المبالغة الكبيرة فيما ينتظر منه، ليس فيما يتعلق بالوضع الأمريكي المنهار فقط، بل فيما يتعلق بالقضايا العربية والإسلامية أيضا، وقليلون انتبهوا بعد أيام من فوزه الانتخابي إلى موقفه العدائي في قضية فلسطين عندما عين واحدا من أبرز المؤيدين للسياسات والممارسات الإسرائيلية (إيمانويل رام)، في أهم منصب مؤثر على قرارات الرئاسة الأمريكية، وهو منصب "مدير الموظفين في البيت الأبيض" والذي يوصف عادة بكبير مستشاري الرئيس الأمريكي.
بين التفاؤل.. والواقعية:
للمبالغة "العربية" بالتفاؤل تجاه أوباما أسباب عديدة، منها المقبول ومنها المرفوض، وأهمها:
1- يخلف أوباما أسوأ رئيس أمريكي بالمنظور الأمريكي والعالمي، وليس بمنظور القضايا العربية والإسلامية فقط، فبات كثير من التوقعات تجاه أوباما ينشر من زاوية "لن يصدر عنه أسوأ مما صنع سلفه!".
2- باستثناء مواقفه السلبية من قضية فلسطين (يهودية الدولة الإسرائيلية.. والقدس هي العاصمة الموحدة الإسرائيلية) لم يصدر عن أوباما خلال معركته الانتخابية ما يبيّن معالم واضحة لسياساته تجاه المنطقة الإسلامية، إنما بقي في نطاق المعالم العامة أو "الرؤى" التي تذكر برؤيا بوش الابن، مثل الانسحاب من العراق، ويقابله التركيز على أفغانستان، أو مثل الحوار المحتمل مع إيران، ويقابله تأكيد ضرورة الاستغناء عن نفط الخليج. وغياب الوضوح يجعل من يعلّقون مواقفهم الذاتية على سياسات الآخرين لا سيما الدولة الكبرى، يقعون تلقائيا في مطبّ التفاؤل، ثم لا يصحون إلا بعد أن يحدث ما يثبت العكس.
3- فوز أوباما غير اعتيادي في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية نظرا إلى كونه أسود البشرة، وابن أسرة من الطبقة العاملة، وزاد على ذلك بنظر كثيرين أن أباه "حسين" الكيني كان مسلما. ويبدو أن هذه المواصفات تثير التوقعات أن تميل سياساته لصالح الأقليات المظلومة في بلده، وهنا يوجد من يستطرد بعيدا ويرى في ذلك ما يرجح سياسات أفضل في التعامل مع الدول النامية عموما، فهي في "الأسرة الدولية" أشبه بالأقليات المظلومة في "الأسرة الأمريكية". وهذا قياس فاسد، ويقوم على معطيات غير سليمة، ولعل التوقع الأرجح هو ما يعبر عنه تسليم إدارة معركته الانتخابية كلية لأحد الساسة اليهود (ديفيد إكسلرود) المعروفين عبر عدة عقود مضت بالسعي لتكوين "تحالف داخلي بين اليهود والسود الأمريكيين"، فمن أراد الاستطراد بقياسٍ ما لأرضية الأوضاع العالمية، فذاك هو المعيار الأصح.
4- أهم أسباب التفاؤل وأخطرها هو ذلك الاعتياد المتفشي عند "أقلام نخبوية"، أن ينطلق كثيرون -وليس الجميع- في البلدان العربية والإسلامية من نفسية التبعية الانهزامية التي ترى أن المخرج من مشكلاتنا الكبرى لا بد أن يعتمد على وجود قوة دولية نربط أنفسنا بها، أو نرتمي على أعتابها.. عساها تمارس سياسة عادلة، ولهذا باتت كل انتخابات أمريكية ترتبط بخيبة أمل راحلة، واصطناع أمل زائف قادم. ونقطة الانهزامية هذه بالذات هي النقطة التي تتناقض تناقضا مطلقا مع روح المقاومة الضرورية والمشروعة، ومع ممارستها واستمرارها، ومع مواصفات طريقها ومراحل تطويرها.
ليس السؤال الذي يجب طرحه بعد فوز رئيس أمريكي بغالبية أصوات ناخبين أمريكيين:
ما الذي سيفعله بقضايانا.. وهل يشملها شعار "التغيير" الذي رفعه؟..
بل السؤال الصحيح المفروض فرضا علينا هو:
ما الذي علينا صنعه ليجد ذاك الرئيس (وسواه) معطيات، تدفعه دفعا، أو ترغمه قسرا، على الإقرار بحقوقنا والخشية من قدراتنا، فيمتنع عن ممارسات عدوانية تجاه بلادنا وشعوبنا وقضايانا.
حدود ممارسة "التغيير" في عهد أوباما:
إذا كان وصول أوباما إلى السلطة يعني أن تغييرا كبيرا سيقع على الساحة الأمريكية والدولية وفي نطاق العلاقات الأمريكية والدولية مع بلادنا العربية والإسلامية، فإن المطلوب من المقاومة التطوّر الدائم على كل حال، ومن ذلك ما يرتبط بالتفاعل السليم مع تطوّر جديد على الساحة الدولية. وبهذا المنظور ينبغي التعامل مع "توقعات التغيير" مع أوباما -عموما.. وليس على صعيد المقاومة فقط- عبر عدة خطوات أساسية:
1- تحديد الاحتمالات الراجحة لمعالم التغيير ومواطن تأثير ذلك على القضايا العربية والإسلامية.
2- مقارنة أوضاعنا الراهنة وإمكاناتنا مع متطلبات تعامل قويم مع المتغيرات واستخلاص القرارات القويمة تبعا لذلك.
3- اتخاذ الإجراءات العملية لتأخذ تلك القرارات طريقها إلى أرض الواقع، مع الاحتفاظ بالوعي الكافي والمرونة التطبيقية للتعديل والتطوير نحو الأفضل والأجدى باستمرار.
ما هي إذن معالم التغيير المنتظر في عهد أوباما؟.. وحدود الحديث هنا هو ما يرتبط مباشرة بالقضايا العربية والإسلامية، سيان هل أنصف عهده الإنسان الأمريكي وتصالح مع الأوروبي واعترف بمواقع الروسي والصيني والهندي.. أو لم يفعل؟..
باختصار شديد: الثابت أن أوباما سيضطر في برنامج تغييره المالي والاقتصادي إلى العمل للخروج من حمأة الحروب التي استهدفت أقطارا إسلامية، وورّط سلفه فيها الأمريكيين والعالم، ولكن لا يبدو حتى الآن أن أوباما سيتخذ الخطوة الحاسمة والشاملة، وهذا ما يعنيه "نقل" التركيز العسكري وغير العسكري للحروب من الساحة العراقية إلى الساحة الأفغانية، إضافة إلى العمل من أجل دعم تحالف دولي على هذه الأرضية، والحصيلة بمنظوره هي تخفيف الأعباء المالية والعسكرية عن كاهل الدولة الأمريكية، دون انقطاع مسيرة تثبيت أقدام الهيمنة، أما "ثمن التحالف" فيتركز على مشاركة قوى دولية أخرى في "ثمار" تلك الهيمنة عالميا، لا سيما في عموم المنطقة الإسلامية، بينما سيبقى تركيز واشنطن على الإمساك بجميع خيوط التعامل العدواني في قضية فلسطين المحورية تحديدا.
الفارق بين عهد أمريكي أفل نجمه وآخر بزغ نجمه يكمن في الدرجة الأولى في أسلوب الإخراج لهذا التغيير، وهذا ما يرمز إليه الاستعداد للحوار مع دولة كإيران، جنبا إلى جنب مع التصريح بعدم القبول بتطوير الطاقة النووية السلمية الإيرانية، ولم يذكر في هذا التصريح، الأول بعد فوزه الانتخابي، شيئا عن المخاوف من تسلح نووي، أي أنّه حدد الهدف بوضوح وهو أن تطوير التقنية النووية في إيران مرفوض، والحوار المباشر المحتمل ساحة للمساومة، بما في ذلك الاستعداد لدعم دور إيراني إقليمي مهيمن بشروط.
تعديل أسلوب الإخراج يعني أن بسمة أوباما الديبلوماسية تحل مكان عنجهية بوش الابن وفريقه، وأن هيمنة القوى الدولية بزعامة أمريكية تحل مكان زعامة انفرادية ظهرت استحالتها وتفامت عواقب قبح وجهها وممارساتها، ويفسح ذلك "التغيير في الإخراج" المجال مجددا أمام تسويق محلي لعلاقات "الصداقة" العربية-الأمريكية لا سيما في الخليج وحول فلسطين، ولعلاقات "الصداقة" الإسلامية-الأمريكية، لا سيما في باكستان وحول أفغانستان (وفي مناطق أخرى أيضا كالقرن الإفريقي والشمال المغاربي) .
وما يبدو "تغييرا" في عهد أوباما يبدو بالنسبة إلى التعامل مع القضايا العربية والإسلامية كقضية فلسطين "عتيقا وقديما" عند مقارنته بعهود أسلافه من الرؤساء الأمريكيين من الحزب الديمقراطي، فما يمكن تحقيقه تحت عنوان التغيير في السنوات المقبلة لا يختلف كثيرا عما تحقق في عهودهم، مثل كسر "الحاجز النفسي" و"العنصر القومي العربي" وسواه في محطة "كامب ديفيد" في عهد كارتر، ومثل كسر "حواجز التفريط العلني" و"تقويض الإجماع الفلسطيني على هدف التحرير" في محطة "أوسلو" في عهد كلينتون، ولا يخفى أن كل جديد على الساحة الفلسطينية جرى على خلفية هجمة عسكرية، في عهود سائر الرؤساء الأمريكيين السابقين أيضا، من الحزبين الديمقراطي والجمهوري على السواء، وقد شملت الهجمات لبنان ووصلت إلى العراق بعد كامب ديفيد، وشملت لبنان وأفغانستان ووصلت إلى احتلال العراق بعد أوسلو.
إن هدف المرحلة الاخيرة على طريق تصفية قضية فلسطين سواء تحت عنوان "خارطة الطريق" أو "رؤيا الدولتين" أو "كابوس أنابوليس" هو أهم هدف يرتبط بالقضايا العربية والإسلامية، يمكن أن يسعى أوباما إليه على نهج كارتر وكلينتون، وهو الاحتمال الأرجح من سواه، بغض النظر عن كل ما يمكن أن يصنعه بخطوة إلى الأمام وأخرى إلى الوراء، في قضايا أخرى، ما بين أفغانستان والسودان.
المقاومة.. والمهام الأصعب:
ما دام التعامل مع الأخطار الخارجية لا يجد الإعداد أصلا أو لا يجد ما يكفي من الجهات الرسمية التي تحمل مسؤولية الدفاع عن الأوطان والبشر والحقوق والثروات، يبقى العبء الأكبر من التعامل مع المتغيرات على عاتق المقاومة. ومن يتحدث منذ فترة من هذا المنطلق عن "ثقافة المقاومة" لا ينبغي أن يغفل عن أن الأرض الإسلامية كانت هي المستهدفة بسياسات الهيمنة الأمريكية منذ فترة طويلة، وقد بلغ استهدافها أخطر مراحله عبر عسكرة مسيرة الهيمنة في سنوات بوش الابن الثمانية.. وليس السبع الأخيرة بعد تفجيرات نيويورك وواشنطون.
ومع تجنب المبالغات لا ينبغي التقليل من شأن إنجازات كبرى حققتها المقاومة في الأرض الإسلامية رغم الظروف المعيقة والعقبات الذاتية والخارجية. لم يقتصر ذلك على استنزاف القدرة المالية الأمريكية وهي العنصر الأساسي الحاكم في الولايات المتحدة الأمريكية، بل يمكن النظر من زاوية أخرى للقول إن إنجازات المقاومة انطوت واقعيا على تقديم خدمة جلّى لصالح الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، وللعالم، لا تختلف كثيرا عما كان من جانب مقاومة الجهاد الأفغاني في "عصره الذهبي" تجاه دول المعسكر الشرقي والعالم.
كيف؟..
إن الولايات المتحدة الأمريكية التي أنهكتها العجرفة العسكرية واستنزفتها المقاومة تقف الآن أمام مفترق طرق لإصلاح نفسها والتخلص من نتوءات وهم الزعامة الانفرادية، والالتفات إلى أوضاع الأمريكيين داخليا ما بين الفقر المدقع والثراء الفاحش، مع قابلية توظيف إمكاناتها لخدمة الأسرة الدولية بدلا من محاولة استعبادها، ونحسب أن هذه العوامل كانت من وراء ارتفاع نسبة الناخبين وميلهم إلى أوباما اقتناعا بشعاراته المدروسة، بغض النظر عن سياساته المقبلة.
وإن العالم الذي سبق أن تخلّص من كابوس الشيوعية على أبواب الخلاص من كابوس الهيمنة الانفرادية الأمريكية، وقد يتخلص أيضا من كابوس استبداد الرأسمالية المتوحشة، ونحسب أن هذا من وراء الإفراط في التفاؤل تجاه ما يمكن أن يساهم أوباما عالميا فيه، بغض النظر ما إذا كان سيصنع ذلك أم لا.
وبالمقابل.. بغض النظر عن مسارات المقاومة، وما أحاط ببعض أشكالها وممارساتها من ضباب حقيقي أو مفتعل، أو وقعت فيه من أخطاء جسيمة وطفيفة، يبقى الإنجاز أعظم مضمونا وأبعد تأثيرا من زلات القدم والانحرافات، وجميع ذلك يحتاج إلى المراجعة والتقويم باستمرار، فلا علاقة له بغياب رئيس غربي أو ظهور آخر على المسرح.
وبالمقابل فإن من أخطر ما يمكن أن تقع فيه المقاومة في المرحلة الراهنة أن توهمها أصوات التفاؤل المبالغ فيه، ويوهمها الغرور المحتمل مع رصد الإنجازات المتحققة، فينتشر الاعتقاد بأنها حققت "جل" أهدافها وبات تحقيق المزيد مسألة زمن فحسب.
ليس هذا ما يجب أن يستفاد من دروس تاريخية لا تنقطع، مثل ما آل إليه "الجهاد الأفغاني" بعد عصره "الذهبي"، وضياع حصيلة جولات عديدة سابقة للمقاومة في أواخر عهود الاستعمار التقليدي، بدءا بالجزائر وفلسطين، وصولا إلى كشمير والفيليبين.
ومع إضافة ملاحظة أنّ حقب غياب العنجهية واستخدام الأساليب الديبلوماسية كانت دوما التربة الأخصب لانتشار التراخي وتعاظم أوهام الوصول فعلا إلى النصر، يمكن القول إن المقاومة المشروعة تقف الآن على أبواب مرحلة أخطر مما سبقها، وتتطلب من التغيير التطويري أضعاف ما يقال بالمقابل، بحق ودون حق، عن تغيير ما "قد" يحدثه أوباما بوصوله إلى رأس السلطة في الدولة الوريثة للاستعمار التقليدي والوريثة أيضا لممارسات الدولة السوفييتية الشيوعية المنهارة.
كلمة التغيير من جانب المقاومة لا تعني تغيير مبدأ المقاومة القائم على ثوابت، يتلاقى فيها ما يوجبه الإسلام على أهله، وما تستثيره الوطنية عند أبناء الوطن المشترك، وما تفرضه القومية على من ينطلق من رابطتها، فضلا عما يتطلبه العمل للعدالة من كل من يأبى الركون للظلم والعدوان.. وجميع ذلك مع ما يقرره أيضا الثابت دون تزييف من نصوص القانون الدولي الحديث لجنس الإنسان في عالمنا المعاصر.
أمثلة على التطوير التغييري المطلوب:
إنّ التغيير التطويري المطلوب هو ما يعنيه شرط أساسي دائم من شروط استمرار المقاومة حتى تحقق أهدافها المشروعة. فالمطلوب من المقاومة باستمرار، رصد المتغيرات حولها، والتلاؤم معها، تلاؤما يضاعف قدرتها على العطاء، ويزيد اقترابها من تحقيق الأهداف البعيدة.
الخوض في التفاصيل يذهب بكل صاحب قلم بعيدا عن جوهر الحديث، لا سيما وأن أهل المقاومة أدرى بشعابها، وأولى بتحديد التفاصيل المطلوبة في مواطنها المتعددة، حسبما يعايشونه مباشرة ويقدّرونه من إمكانات التغيير والتحرك، إنما يمكن ذكر خطوط عامة بشأن بعض الأمثلة ذات العلاقة بالموضوع، وفي مقدمتها على ضوء المعروف من مجالات "التغيير" المعلنة على لسان الرئيس الأمريكي الجديد المنتخب:
1- في ساحات المقاومة المسلحة بصورة مباشرة توجد قواعد أساسية ينبغي التزامها وقد عرفتها الأحداث التاريخية في معطيات مشابهة، منها مثلا:
- ما دام الاحتلال موجودا، كما في فلسطين والعراق والشاشان، بأي صورة وبأي حجم، يصبح كل توقف لمسيرة المقاومة تكريسا لبقائه وإن أخذ عنوان "اتفاقية أمنية.. أو.. خارطة طريق" كمثال.
- تصعيد هجمات الاحتلال والعدوان وإن تعددت العناوين يفرض تصعيد المقاومة، مثل "تحقيق الاستقرار والازدهار" كما في أفغانستان.
- الإعلان عن انسحاب ما كما يحتمل في العراق لا يغير من أسلوب أداء واجب المقاومة ما لم يكن محددا زمنيا، شاملا من الناحية الجغرافية والنوعية، خاليا من ذيول واستثناءات بحجة اتفاقات وتعاون، فإن توافرت جميع شروط "الإعلان" عن الانسحاب، لا يوجب ذلك على المقاومة التوقف المطلق، إنما أن يشمل "أداؤها" الاستعداد المشروط والمدروس لاتخاذ إجراءات تقتصر فقط على تسهيل ما يبدأ من إجراءات تنفيذية لعملية الانسحاب الكامل نفسها.
2- لا تزال المقاومة القويمة دون انحرافات ونتوءات (ولا يعني ذلك منظمة بعينها أو مقاومة قائمة على تصوّر بعينه) عاجزة أو مقصرة، عن الوصول بصورتها الحقيقية، منطلقاتٍ وأهدافا ووسائل، ليس إلى وسائل الإعلام فقط، إنما إلى الوعي الجماهيري أيضا، بل توجد أحيانا كتابات باللغات الأجنبية بأقلام أجنبية عن المقاومة الإسلامية في أفغانستان والعراق، أقرب إلى أداء المهمة مما يظهر بأقلام إسلامية ولغات البلدان الإسلامية، وهذا على النقيض مما يمكن رصده من انتشار واسع للترويج لتصورات منحرفة، تحت عنوان المقاومة، بات يساهم في تعميم الصورة السلبية عن المقاومة المشروعة وتعميم اسمها على من يستحق ومن لا يستحق حمله، وتصوير ذلك في صورة "انقسامات" في صفوفها.
3- لا بد من الانتقال خارج ساحات المقاومة من الحديث عن "ثقافة المقاومة" من أسلوب رفع الشعار إلى أساليب طرح منهجي متكامل ومتطور لما يعنيه هذا التعبير، من حيث المنطلقات والأسس، ومن حيث الأهداف والغايات، ومن حيث الوسائل والأساليب، ومن حيث الميادين الجغرافية والموضوعية.. ويتبين ما يعنيه هذا الواجب التطويري عند الإشارة -كمثال- إلى نجاح الهجمة المعادية في مختلف الميادين وليس عسكريا فقط، في نشر تصورات خاطئة وخطيرة من حيث الأساس، ومع ذلك فقد تسربت إلى حد لا بأس بها إلى "أبجديات" بعض الكتابات والممارسات تحت عنوان "ثقافة المقاومة".
ومن الأمثلة على ذلك اعتبار التعاون عبر الحدود (سواء بين المنظمات أو عبر دعمها أو حتى ما بين الحكومات وفصائل المقاومة) جريمة، كما لو كانت الحدود القطرية القائمة حاليا هي حدود بين شعوب متعادية، أو كأن المنطق أو القانون أو الأعراف أو المعتقدات يسمح باعتبار ذلك جريمة ولا يرى جريمة في "تعاون عدواني إجرامي وتسليح وقصف وغير ذلك" مما يجري عبر المحيطات ما بين جهات أجنبية عن المنطقة كلها، ومعادية بسياساتها وممارساتها علنا، وبين جهات داخل الأوطان، سيان هل تتحرك في ساحة قتال أو ساحة مساومات سياسية، وسيان هل حملت مهمة من مهام السلطة أو المعارضة أو لم تحمل.
لا ينبغي الاستمرار على توصيف المقاومة بمسميات عديدة، دون الحرص على تأكيد الأرضية المشتركة لها، والقاسم المشترك بينها، والوحدة الكاملة على صعيد أهدافها البعيدة، على امتداد الدائرة الحضارية الإسلامية. إن القول بمقاومة فلسطينية مثلا يعني أنها "مقاومة في فلسطين" -وهو التوصيف الأصح لغويا- أي أنها قائمة على أرض فلسطين مباشرة، وفي مواجهة الاحتلال والعدوان في فلسطين مباشرة، ولكنها ليست "فلسطينية" بمعنى تحميلها وحدها المسؤولية عن قضية فلسطين، ولا بمعنى احتكارها هي لتلك المسؤولية، مسؤولية جميع جوانب التعامل مع هذه القضية وما ينبني عليه ويمس مصير المنطقة بكاملها ومستقبل شعوبها دون استثناء. وشبيه ذلك يسري على مقاومة عراقية أو أفغانية، ويجب أن يسري على ما شاع من تسميات تنطلق من تصوّرات بعينها، وتساهم في التجزئة إذا امتنعت عن الانطلاق من الانفتاح على سواها من التصورات، والتكامل معها، ورفض استئصالها، فكل صورة من صور المقاومة المشروعة قطعة من الذات، وكل استئصال أو عداء "بينيّ" هو صورة من صورة التخريب لا المقاومة، والانتحار لا الفداء، والهدم لا البناء.
http://qawim.net/index.php?option=com_content&task=view&id=3973&Itemid=1291 (http://qawim.net/index.php?option=com_content&task=view&id=3973&Itemid=1291)
أ. نبيل شبيب
المرحلة المقبلة لمسار المقاومة حاسمة والحسم رهن بمتابعة تطويرها
http://qawim.net/images/stories/logoqawim/_exb.pngيلفت النظر في كثير مما كتب بأقلام عربية عن فوز أوباما انتشار المبالغة الكبيرة فيما ينتظر منه، ليس فيما يتعلق بالوضع الأمريكي المنهار فقط، بل فيما يتعلق بالقضايا العربية والإسلامية أيضا، وقليلون انتبهوا بعد أيام من فوزه الانتخابي إلى موقفه العدائي في قضية فلسطين عندما عين واحدا من أبرز المؤيدين للسياسات والممارسات الإسرائيلية (إيمانويل رام)، في أهم منصب مؤثر على قرارات الرئاسة الأمريكية، وهو منصب "مدير الموظفين في البيت الأبيض" والذي يوصف عادة بكبير مستشاري الرئيس الأمريكي.
بين التفاؤل.. والواقعية:
للمبالغة "العربية" بالتفاؤل تجاه أوباما أسباب عديدة، منها المقبول ومنها المرفوض، وأهمها:
1- يخلف أوباما أسوأ رئيس أمريكي بالمنظور الأمريكي والعالمي، وليس بمنظور القضايا العربية والإسلامية فقط، فبات كثير من التوقعات تجاه أوباما ينشر من زاوية "لن يصدر عنه أسوأ مما صنع سلفه!".
2- باستثناء مواقفه السلبية من قضية فلسطين (يهودية الدولة الإسرائيلية.. والقدس هي العاصمة الموحدة الإسرائيلية) لم يصدر عن أوباما خلال معركته الانتخابية ما يبيّن معالم واضحة لسياساته تجاه المنطقة الإسلامية، إنما بقي في نطاق المعالم العامة أو "الرؤى" التي تذكر برؤيا بوش الابن، مثل الانسحاب من العراق، ويقابله التركيز على أفغانستان، أو مثل الحوار المحتمل مع إيران، ويقابله تأكيد ضرورة الاستغناء عن نفط الخليج. وغياب الوضوح يجعل من يعلّقون مواقفهم الذاتية على سياسات الآخرين لا سيما الدولة الكبرى، يقعون تلقائيا في مطبّ التفاؤل، ثم لا يصحون إلا بعد أن يحدث ما يثبت العكس.
3- فوز أوباما غير اعتيادي في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية نظرا إلى كونه أسود البشرة، وابن أسرة من الطبقة العاملة، وزاد على ذلك بنظر كثيرين أن أباه "حسين" الكيني كان مسلما. ويبدو أن هذه المواصفات تثير التوقعات أن تميل سياساته لصالح الأقليات المظلومة في بلده، وهنا يوجد من يستطرد بعيدا ويرى في ذلك ما يرجح سياسات أفضل في التعامل مع الدول النامية عموما، فهي في "الأسرة الدولية" أشبه بالأقليات المظلومة في "الأسرة الأمريكية". وهذا قياس فاسد، ويقوم على معطيات غير سليمة، ولعل التوقع الأرجح هو ما يعبر عنه تسليم إدارة معركته الانتخابية كلية لأحد الساسة اليهود (ديفيد إكسلرود) المعروفين عبر عدة عقود مضت بالسعي لتكوين "تحالف داخلي بين اليهود والسود الأمريكيين"، فمن أراد الاستطراد بقياسٍ ما لأرضية الأوضاع العالمية، فذاك هو المعيار الأصح.
4- أهم أسباب التفاؤل وأخطرها هو ذلك الاعتياد المتفشي عند "أقلام نخبوية"، أن ينطلق كثيرون -وليس الجميع- في البلدان العربية والإسلامية من نفسية التبعية الانهزامية التي ترى أن المخرج من مشكلاتنا الكبرى لا بد أن يعتمد على وجود قوة دولية نربط أنفسنا بها، أو نرتمي على أعتابها.. عساها تمارس سياسة عادلة، ولهذا باتت كل انتخابات أمريكية ترتبط بخيبة أمل راحلة، واصطناع أمل زائف قادم. ونقطة الانهزامية هذه بالذات هي النقطة التي تتناقض تناقضا مطلقا مع روح المقاومة الضرورية والمشروعة، ومع ممارستها واستمرارها، ومع مواصفات طريقها ومراحل تطويرها.
ليس السؤال الذي يجب طرحه بعد فوز رئيس أمريكي بغالبية أصوات ناخبين أمريكيين:
ما الذي سيفعله بقضايانا.. وهل يشملها شعار "التغيير" الذي رفعه؟..
بل السؤال الصحيح المفروض فرضا علينا هو:
ما الذي علينا صنعه ليجد ذاك الرئيس (وسواه) معطيات، تدفعه دفعا، أو ترغمه قسرا، على الإقرار بحقوقنا والخشية من قدراتنا، فيمتنع عن ممارسات عدوانية تجاه بلادنا وشعوبنا وقضايانا.
حدود ممارسة "التغيير" في عهد أوباما:
إذا كان وصول أوباما إلى السلطة يعني أن تغييرا كبيرا سيقع على الساحة الأمريكية والدولية وفي نطاق العلاقات الأمريكية والدولية مع بلادنا العربية والإسلامية، فإن المطلوب من المقاومة التطوّر الدائم على كل حال، ومن ذلك ما يرتبط بالتفاعل السليم مع تطوّر جديد على الساحة الدولية. وبهذا المنظور ينبغي التعامل مع "توقعات التغيير" مع أوباما -عموما.. وليس على صعيد المقاومة فقط- عبر عدة خطوات أساسية:
1- تحديد الاحتمالات الراجحة لمعالم التغيير ومواطن تأثير ذلك على القضايا العربية والإسلامية.
2- مقارنة أوضاعنا الراهنة وإمكاناتنا مع متطلبات تعامل قويم مع المتغيرات واستخلاص القرارات القويمة تبعا لذلك.
3- اتخاذ الإجراءات العملية لتأخذ تلك القرارات طريقها إلى أرض الواقع، مع الاحتفاظ بالوعي الكافي والمرونة التطبيقية للتعديل والتطوير نحو الأفضل والأجدى باستمرار.
ما هي إذن معالم التغيير المنتظر في عهد أوباما؟.. وحدود الحديث هنا هو ما يرتبط مباشرة بالقضايا العربية والإسلامية، سيان هل أنصف عهده الإنسان الأمريكي وتصالح مع الأوروبي واعترف بمواقع الروسي والصيني والهندي.. أو لم يفعل؟..
باختصار شديد: الثابت أن أوباما سيضطر في برنامج تغييره المالي والاقتصادي إلى العمل للخروج من حمأة الحروب التي استهدفت أقطارا إسلامية، وورّط سلفه فيها الأمريكيين والعالم، ولكن لا يبدو حتى الآن أن أوباما سيتخذ الخطوة الحاسمة والشاملة، وهذا ما يعنيه "نقل" التركيز العسكري وغير العسكري للحروب من الساحة العراقية إلى الساحة الأفغانية، إضافة إلى العمل من أجل دعم تحالف دولي على هذه الأرضية، والحصيلة بمنظوره هي تخفيف الأعباء المالية والعسكرية عن كاهل الدولة الأمريكية، دون انقطاع مسيرة تثبيت أقدام الهيمنة، أما "ثمن التحالف" فيتركز على مشاركة قوى دولية أخرى في "ثمار" تلك الهيمنة عالميا، لا سيما في عموم المنطقة الإسلامية، بينما سيبقى تركيز واشنطن على الإمساك بجميع خيوط التعامل العدواني في قضية فلسطين المحورية تحديدا.
الفارق بين عهد أمريكي أفل نجمه وآخر بزغ نجمه يكمن في الدرجة الأولى في أسلوب الإخراج لهذا التغيير، وهذا ما يرمز إليه الاستعداد للحوار مع دولة كإيران، جنبا إلى جنب مع التصريح بعدم القبول بتطوير الطاقة النووية السلمية الإيرانية، ولم يذكر في هذا التصريح، الأول بعد فوزه الانتخابي، شيئا عن المخاوف من تسلح نووي، أي أنّه حدد الهدف بوضوح وهو أن تطوير التقنية النووية في إيران مرفوض، والحوار المباشر المحتمل ساحة للمساومة، بما في ذلك الاستعداد لدعم دور إيراني إقليمي مهيمن بشروط.
تعديل أسلوب الإخراج يعني أن بسمة أوباما الديبلوماسية تحل مكان عنجهية بوش الابن وفريقه، وأن هيمنة القوى الدولية بزعامة أمريكية تحل مكان زعامة انفرادية ظهرت استحالتها وتفامت عواقب قبح وجهها وممارساتها، ويفسح ذلك "التغيير في الإخراج" المجال مجددا أمام تسويق محلي لعلاقات "الصداقة" العربية-الأمريكية لا سيما في الخليج وحول فلسطين، ولعلاقات "الصداقة" الإسلامية-الأمريكية، لا سيما في باكستان وحول أفغانستان (وفي مناطق أخرى أيضا كالقرن الإفريقي والشمال المغاربي) .
وما يبدو "تغييرا" في عهد أوباما يبدو بالنسبة إلى التعامل مع القضايا العربية والإسلامية كقضية فلسطين "عتيقا وقديما" عند مقارنته بعهود أسلافه من الرؤساء الأمريكيين من الحزب الديمقراطي، فما يمكن تحقيقه تحت عنوان التغيير في السنوات المقبلة لا يختلف كثيرا عما تحقق في عهودهم، مثل كسر "الحاجز النفسي" و"العنصر القومي العربي" وسواه في محطة "كامب ديفيد" في عهد كارتر، ومثل كسر "حواجز التفريط العلني" و"تقويض الإجماع الفلسطيني على هدف التحرير" في محطة "أوسلو" في عهد كلينتون، ولا يخفى أن كل جديد على الساحة الفلسطينية جرى على خلفية هجمة عسكرية، في عهود سائر الرؤساء الأمريكيين السابقين أيضا، من الحزبين الديمقراطي والجمهوري على السواء، وقد شملت الهجمات لبنان ووصلت إلى العراق بعد كامب ديفيد، وشملت لبنان وأفغانستان ووصلت إلى احتلال العراق بعد أوسلو.
إن هدف المرحلة الاخيرة على طريق تصفية قضية فلسطين سواء تحت عنوان "خارطة الطريق" أو "رؤيا الدولتين" أو "كابوس أنابوليس" هو أهم هدف يرتبط بالقضايا العربية والإسلامية، يمكن أن يسعى أوباما إليه على نهج كارتر وكلينتون، وهو الاحتمال الأرجح من سواه، بغض النظر عن كل ما يمكن أن يصنعه بخطوة إلى الأمام وأخرى إلى الوراء، في قضايا أخرى، ما بين أفغانستان والسودان.
المقاومة.. والمهام الأصعب:
ما دام التعامل مع الأخطار الخارجية لا يجد الإعداد أصلا أو لا يجد ما يكفي من الجهات الرسمية التي تحمل مسؤولية الدفاع عن الأوطان والبشر والحقوق والثروات، يبقى العبء الأكبر من التعامل مع المتغيرات على عاتق المقاومة. ومن يتحدث منذ فترة من هذا المنطلق عن "ثقافة المقاومة" لا ينبغي أن يغفل عن أن الأرض الإسلامية كانت هي المستهدفة بسياسات الهيمنة الأمريكية منذ فترة طويلة، وقد بلغ استهدافها أخطر مراحله عبر عسكرة مسيرة الهيمنة في سنوات بوش الابن الثمانية.. وليس السبع الأخيرة بعد تفجيرات نيويورك وواشنطون.
ومع تجنب المبالغات لا ينبغي التقليل من شأن إنجازات كبرى حققتها المقاومة في الأرض الإسلامية رغم الظروف المعيقة والعقبات الذاتية والخارجية. لم يقتصر ذلك على استنزاف القدرة المالية الأمريكية وهي العنصر الأساسي الحاكم في الولايات المتحدة الأمريكية، بل يمكن النظر من زاوية أخرى للقول إن إنجازات المقاومة انطوت واقعيا على تقديم خدمة جلّى لصالح الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، وللعالم، لا تختلف كثيرا عما كان من جانب مقاومة الجهاد الأفغاني في "عصره الذهبي" تجاه دول المعسكر الشرقي والعالم.
كيف؟..
إن الولايات المتحدة الأمريكية التي أنهكتها العجرفة العسكرية واستنزفتها المقاومة تقف الآن أمام مفترق طرق لإصلاح نفسها والتخلص من نتوءات وهم الزعامة الانفرادية، والالتفات إلى أوضاع الأمريكيين داخليا ما بين الفقر المدقع والثراء الفاحش، مع قابلية توظيف إمكاناتها لخدمة الأسرة الدولية بدلا من محاولة استعبادها، ونحسب أن هذه العوامل كانت من وراء ارتفاع نسبة الناخبين وميلهم إلى أوباما اقتناعا بشعاراته المدروسة، بغض النظر عن سياساته المقبلة.
وإن العالم الذي سبق أن تخلّص من كابوس الشيوعية على أبواب الخلاص من كابوس الهيمنة الانفرادية الأمريكية، وقد يتخلص أيضا من كابوس استبداد الرأسمالية المتوحشة، ونحسب أن هذا من وراء الإفراط في التفاؤل تجاه ما يمكن أن يساهم أوباما عالميا فيه، بغض النظر ما إذا كان سيصنع ذلك أم لا.
وبالمقابل.. بغض النظر عن مسارات المقاومة، وما أحاط ببعض أشكالها وممارساتها من ضباب حقيقي أو مفتعل، أو وقعت فيه من أخطاء جسيمة وطفيفة، يبقى الإنجاز أعظم مضمونا وأبعد تأثيرا من زلات القدم والانحرافات، وجميع ذلك يحتاج إلى المراجعة والتقويم باستمرار، فلا علاقة له بغياب رئيس غربي أو ظهور آخر على المسرح.
وبالمقابل فإن من أخطر ما يمكن أن تقع فيه المقاومة في المرحلة الراهنة أن توهمها أصوات التفاؤل المبالغ فيه، ويوهمها الغرور المحتمل مع رصد الإنجازات المتحققة، فينتشر الاعتقاد بأنها حققت "جل" أهدافها وبات تحقيق المزيد مسألة زمن فحسب.
ليس هذا ما يجب أن يستفاد من دروس تاريخية لا تنقطع، مثل ما آل إليه "الجهاد الأفغاني" بعد عصره "الذهبي"، وضياع حصيلة جولات عديدة سابقة للمقاومة في أواخر عهود الاستعمار التقليدي، بدءا بالجزائر وفلسطين، وصولا إلى كشمير والفيليبين.
ومع إضافة ملاحظة أنّ حقب غياب العنجهية واستخدام الأساليب الديبلوماسية كانت دوما التربة الأخصب لانتشار التراخي وتعاظم أوهام الوصول فعلا إلى النصر، يمكن القول إن المقاومة المشروعة تقف الآن على أبواب مرحلة أخطر مما سبقها، وتتطلب من التغيير التطويري أضعاف ما يقال بالمقابل، بحق ودون حق، عن تغيير ما "قد" يحدثه أوباما بوصوله إلى رأس السلطة في الدولة الوريثة للاستعمار التقليدي والوريثة أيضا لممارسات الدولة السوفييتية الشيوعية المنهارة.
كلمة التغيير من جانب المقاومة لا تعني تغيير مبدأ المقاومة القائم على ثوابت، يتلاقى فيها ما يوجبه الإسلام على أهله، وما تستثيره الوطنية عند أبناء الوطن المشترك، وما تفرضه القومية على من ينطلق من رابطتها، فضلا عما يتطلبه العمل للعدالة من كل من يأبى الركون للظلم والعدوان.. وجميع ذلك مع ما يقرره أيضا الثابت دون تزييف من نصوص القانون الدولي الحديث لجنس الإنسان في عالمنا المعاصر.
أمثلة على التطوير التغييري المطلوب:
إنّ التغيير التطويري المطلوب هو ما يعنيه شرط أساسي دائم من شروط استمرار المقاومة حتى تحقق أهدافها المشروعة. فالمطلوب من المقاومة باستمرار، رصد المتغيرات حولها، والتلاؤم معها، تلاؤما يضاعف قدرتها على العطاء، ويزيد اقترابها من تحقيق الأهداف البعيدة.
الخوض في التفاصيل يذهب بكل صاحب قلم بعيدا عن جوهر الحديث، لا سيما وأن أهل المقاومة أدرى بشعابها، وأولى بتحديد التفاصيل المطلوبة في مواطنها المتعددة، حسبما يعايشونه مباشرة ويقدّرونه من إمكانات التغيير والتحرك، إنما يمكن ذكر خطوط عامة بشأن بعض الأمثلة ذات العلاقة بالموضوع، وفي مقدمتها على ضوء المعروف من مجالات "التغيير" المعلنة على لسان الرئيس الأمريكي الجديد المنتخب:
1- في ساحات المقاومة المسلحة بصورة مباشرة توجد قواعد أساسية ينبغي التزامها وقد عرفتها الأحداث التاريخية في معطيات مشابهة، منها مثلا:
- ما دام الاحتلال موجودا، كما في فلسطين والعراق والشاشان، بأي صورة وبأي حجم، يصبح كل توقف لمسيرة المقاومة تكريسا لبقائه وإن أخذ عنوان "اتفاقية أمنية.. أو.. خارطة طريق" كمثال.
- تصعيد هجمات الاحتلال والعدوان وإن تعددت العناوين يفرض تصعيد المقاومة، مثل "تحقيق الاستقرار والازدهار" كما في أفغانستان.
- الإعلان عن انسحاب ما كما يحتمل في العراق لا يغير من أسلوب أداء واجب المقاومة ما لم يكن محددا زمنيا، شاملا من الناحية الجغرافية والنوعية، خاليا من ذيول واستثناءات بحجة اتفاقات وتعاون، فإن توافرت جميع شروط "الإعلان" عن الانسحاب، لا يوجب ذلك على المقاومة التوقف المطلق، إنما أن يشمل "أداؤها" الاستعداد المشروط والمدروس لاتخاذ إجراءات تقتصر فقط على تسهيل ما يبدأ من إجراءات تنفيذية لعملية الانسحاب الكامل نفسها.
2- لا تزال المقاومة القويمة دون انحرافات ونتوءات (ولا يعني ذلك منظمة بعينها أو مقاومة قائمة على تصوّر بعينه) عاجزة أو مقصرة، عن الوصول بصورتها الحقيقية، منطلقاتٍ وأهدافا ووسائل، ليس إلى وسائل الإعلام فقط، إنما إلى الوعي الجماهيري أيضا، بل توجد أحيانا كتابات باللغات الأجنبية بأقلام أجنبية عن المقاومة الإسلامية في أفغانستان والعراق، أقرب إلى أداء المهمة مما يظهر بأقلام إسلامية ولغات البلدان الإسلامية، وهذا على النقيض مما يمكن رصده من انتشار واسع للترويج لتصورات منحرفة، تحت عنوان المقاومة، بات يساهم في تعميم الصورة السلبية عن المقاومة المشروعة وتعميم اسمها على من يستحق ومن لا يستحق حمله، وتصوير ذلك في صورة "انقسامات" في صفوفها.
3- لا بد من الانتقال خارج ساحات المقاومة من الحديث عن "ثقافة المقاومة" من أسلوب رفع الشعار إلى أساليب طرح منهجي متكامل ومتطور لما يعنيه هذا التعبير، من حيث المنطلقات والأسس، ومن حيث الأهداف والغايات، ومن حيث الوسائل والأساليب، ومن حيث الميادين الجغرافية والموضوعية.. ويتبين ما يعنيه هذا الواجب التطويري عند الإشارة -كمثال- إلى نجاح الهجمة المعادية في مختلف الميادين وليس عسكريا فقط، في نشر تصورات خاطئة وخطيرة من حيث الأساس، ومع ذلك فقد تسربت إلى حد لا بأس بها إلى "أبجديات" بعض الكتابات والممارسات تحت عنوان "ثقافة المقاومة".
ومن الأمثلة على ذلك اعتبار التعاون عبر الحدود (سواء بين المنظمات أو عبر دعمها أو حتى ما بين الحكومات وفصائل المقاومة) جريمة، كما لو كانت الحدود القطرية القائمة حاليا هي حدود بين شعوب متعادية، أو كأن المنطق أو القانون أو الأعراف أو المعتقدات يسمح باعتبار ذلك جريمة ولا يرى جريمة في "تعاون عدواني إجرامي وتسليح وقصف وغير ذلك" مما يجري عبر المحيطات ما بين جهات أجنبية عن المنطقة كلها، ومعادية بسياساتها وممارساتها علنا، وبين جهات داخل الأوطان، سيان هل تتحرك في ساحة قتال أو ساحة مساومات سياسية، وسيان هل حملت مهمة من مهام السلطة أو المعارضة أو لم تحمل.
لا ينبغي الاستمرار على توصيف المقاومة بمسميات عديدة، دون الحرص على تأكيد الأرضية المشتركة لها، والقاسم المشترك بينها، والوحدة الكاملة على صعيد أهدافها البعيدة، على امتداد الدائرة الحضارية الإسلامية. إن القول بمقاومة فلسطينية مثلا يعني أنها "مقاومة في فلسطين" -وهو التوصيف الأصح لغويا- أي أنها قائمة على أرض فلسطين مباشرة، وفي مواجهة الاحتلال والعدوان في فلسطين مباشرة، ولكنها ليست "فلسطينية" بمعنى تحميلها وحدها المسؤولية عن قضية فلسطين، ولا بمعنى احتكارها هي لتلك المسؤولية، مسؤولية جميع جوانب التعامل مع هذه القضية وما ينبني عليه ويمس مصير المنطقة بكاملها ومستقبل شعوبها دون استثناء. وشبيه ذلك يسري على مقاومة عراقية أو أفغانية، ويجب أن يسري على ما شاع من تسميات تنطلق من تصوّرات بعينها، وتساهم في التجزئة إذا امتنعت عن الانطلاق من الانفتاح على سواها من التصورات، والتكامل معها، ورفض استئصالها، فكل صورة من صور المقاومة المشروعة قطعة من الذات، وكل استئصال أو عداء "بينيّ" هو صورة من صورة التخريب لا المقاومة، والانتحار لا الفداء، والهدم لا البناء.
http://qawim.net/index.php?option=com_content&task=view&id=3973&Itemid=1291 (http://qawim.net/index.php?option=com_content&task=view&id=3973&Itemid=1291)