تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : اخراج الامة المسلمة



عزام
11-17-2008, 07:57 AM
اخراج الامة المسلمة

من فضلكم ان نعتبر هذا الموضوع كمحاضرة او دورة فكرية اقدمها هنا فلا تملئوه بالمشاركات الطويلة او الاسئلة خارج الموضوع بل حاولوا قدر الامكان ان تكتفوا بالاسئلة والتصويبات والاقتراحات البسيطة.
معظم ما سأكتبه مستوحى من كتاب المفكر الإسلامي الكبير الدكتور ماجد عرسان الكيلاني "الامة المسلمة" (مفهومها-مقوماتها- اخراجها) مطعما بتوجيهات مفكرين آخرين مثل الدكتور عبد الكريم بكار والدكتور عبد الكريم زيدان.
ابرز الافكار التي اعجبتني في هذا المفهوم
1- خلافا للاحزاب الاسلامية المعاصرة الي تركز فقط على ناحية معينة من الإسلام فان إخراج الأمة المسلمة يتبنى منهجا شاملا يركز على الأمة حكاما وشعوبا وليس فقط على استرجاع الخلافة كما يركز حزب التحرير مثلا حيث ان من مساوىء طرح هذا الحزب انه يبدو إمام الناس كساع إلى السلطة ولو اننا نعرف ان مقصده ليس كذلك.
2- يحاول شرح رسالة الإسلام الحضارية وهذا مفهوم مهم قلما يتطرق اليه الدعاة إذ يركزون على فهم الإسلام كرسالة للخلاص الفردي دون ان يعتنوا بالرسالة الحضارية التي يقدمها الإسلام للعالم. فالعالم اليوم يتبنى أنظمة لها مفاهيم جماعية مثل الاشتراكية والشيوعية والديمقراطية والرأسمالية والعلمانية فهو بحاجة لنظام قادر على منافستهم ومقارعتهم وليس فقط نظاما فريدا على مستوى الشخص.
3- خلافا ايضا لمعظم طروحات إسلاميي اليوم التي تركز على ان مصائبنا ابتدأت من سقوط الخلافة العثمانية فالكاتب يركز ان جذور المشكلة بدأت منذ سقوط الخلافة الراشدة وتولي الامويين الحكم وتحويلهم الخلافة إلى ملك عضوض.
وقد يطرح سؤال: لماذا اخراج الامة المسلمة وليس الامة الاسلامية.. والجواب ان الكاتب فرق بين الاصطلاحين كما سنرى.
الفرق بين الأمة الإسلامية والأمة المسلمة
يكشف البحث في المصادر الإسلامية أن لـ((الأمة)) في التاريخ الإسلامي مفهومين : مفهوم نظري في القرآن والسنة ؛ وهو مفهوم يقدم النموذج الذي يجب أن تكون عليه الأمة ؛ وقد اخترت في هذا البحث أن أُطلق عليه اسم ((الأمة المسلمة)) ، ومفهوم عملي يمثله كيان ((الأمة)) الذي برز عبر العصور الإسلامية ابتداء من عصر الرسول صلى الله عليه وسلم حتى الوقت الحاضر ، وقد إخترت أن أُطلق عليه اسم ((الأمة الإسلامية )) .
وتبين وقائع التاريخ أن المفهوم العملي للأمة قد تطابق مع المفهوم النظري لزمن معين ـ هو عصر الرسول وعصر الخليفتين أبي بكر وعمر ـ ثم أخذ في الإبتعاد تدريجياً حتى انتهى إلى مخالفته تماماً مثبتاً بذلك ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال :

ــ ((تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين ، أو ست وثلاثين ، أو سبع وثلاثين ، وإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاما))4 ـ سنن أبي داود ، ج4 ، ص 98 رقم 4254 .
ــ ((خير أُمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم . (قال عمران راوي الحديث : فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة) ، ثم إن بعدكم قوماً يشهدون ولا يستشهدون ، ويخونون ولا يؤتمنون ، وينذرون ولا يفون ، ويظهر فيهم السمن))5 (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftn1) .5 ـ صحيح البخاري ، كتاب فضائل الصحابة .
وهذا يعني ـ بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ أن ((الأمة الإسلامية)) لم تكن طوال التاريخ ((أمة مسلمة)) راشدة ، وإنما أخذت ـ منذ وقتٍ مبكر ـ بالإنحراف عن نموذج الأمة في القرآن والسنة حتى خالفته تماماً ؛ وإن مؤسسات التربية الإسلامية في العصور التي تلت عصر النبوة والخلاة الراشدة تركت ـ أو أُجبرت على ترك ـ ((فقه)) إخراج الأمة المسلمة ، وما يتطلبه هذا الإخراج من نظم وتشريعات ومؤسسات تقي الأمة من التسلط وتحميها من عوامل المرض وأخطار الوفاة . ثم نسيت هذا الهدف ، ثم انحسرت لتقصير على تربية الفرد الصالح ـ غير المصلح الذي يُهيأ منذ الطفولة للإنتقال إلى الآخرة دون التدرب على عبور محطة الدنيا . وهذا النموذج في التربية هو الذي ورثته مؤسسات التربية الإسلامية في العصور الحديثة حيث ما زالت هذه المؤسسات تعمل على أساس أنه : ((إذا صلح الفرد صلحت الأمة)) . وما زالت مؤسسات التربية الإسلامية التقليدية والحركات العاملة في ميدان العمل الإسلامي تتقبل هذه المقولة وتتعامل معها وكأنها آية من آيات الكتاب ، وليس كفرضية من الفرضيات البشرية التي قد تثبت أو لا تثبت بالاختبار والتجريب في مختبر الآفاق والأنفس . فكانت النتيجة العملية لهذه الممارسات التربوية الخاطئة هي تكدس الأفراد المسلمين في أكوام بشرية ليس لديها علوم محددة عن ((فقه)) بناء الأمم وتنسيق المقدرات البشرية والمادية . ولذلك أصبحت لعبة سهلة في أيدي قوى الإحتلال الخارجي التي ما زالت تصنع من شظايا الأمة المسلمة المتوفاة مزقاً من الكيانات المهيضة التي تطلق عليها اسم -الأمم الإسلامية ـ وتحدد لها ((جنسياتها)) و((ثقافاتها)) ومحاور ((الولاء)) فيها طبقاً لنظريات عصبية متخلفة وتصمم لها تطبيقاتها الخاوية الضعيفة في شؤون السياسة والإدارة والإجتماع .
والمحصلة النهائية لجهل المؤسسات التربوية الإسلامية بإخراج الأمة المسلمة هي أن هذه المؤسسات ما زالت تعمل على إعداد أفراد صالحين ـ غير مصلحين ـ لتقذف بهم إلى بيئاتٍ غير صالحة حيث تدخل فضائلهم الفردية في صراع مع علاقات إجتماعية غير فاضلة إلى أن ينتهي بهم الأمر إلى الازدواجية في السلوك وإلى التلاوم والتأكل ثم الوقوع ضحية الانفعالات والانفجارات التلقائية والجهاد المرتجل أو المصطنَع الذي كثيراً ما ينتهي بهم إلى الانتحار الاجتماعي1 (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftn2) أو السحق تحت ضغط الإحباطات والنكسات دون أن ينتبه أحد إلى أن المطلوب هو ((فقه)) جديد ـ أو علم جديد ـ يتكامل فيه علم إخراج الأمة الإسلامية وعوامل صحتها ومرضها وموتها وبعثها إلى آخر ما يتعلق بها . من هذه الحاجة ولدت الأفكار التي تضمنها هذا البحث مستهدفة الإسهام في استكشاف ـ فقه إخراج الأمة الإسلامية ـ وبلورة أصوله وتنبيه الباحثين الإسلاميين إلى دخول ميدانه في ضوء الغايات العليا التي ترشد إليها توجيهات القرآن الكريم والسنة الشريفة والشؤون المتجددة في الآفاق والأنفس . والله سبحانه يتولانا بالهداية والتعليم فإنه لا علم لنا إلا ما علمنا ولا فهم لنا إلا ما فهمنا ، إنه نعم المولى ونعم النصير .

منال
11-17-2008, 07:50 PM
السلام عليكم

أتابع بإذن الله هذا الموضوع القيّم..... بارك الله في حضرتك


والمحصلة النهائية لجهل المؤسسات التربوية الإسلامية بإخراج الأمة المسلمة هي أن هذه المؤسسات ما زالت تعمل على إعداد أفراد صالحين ـ غير مصلحين ـ لتقذف بهم إلى بيئاتٍ غير صالحة
ما هي المؤسسات التربوية الإسلامية؟

عزام
11-17-2008, 09:02 PM
السلام عليكم

أتابع بإذن الله هذا الموضوع القيّم..... بارك الله في حضرتك
ما هي المؤسسات التربوية الإسلامية؟

وفيك بارك الله أختي منال
المقصود والله اعلم هو المساجد والمدارس والجامعات
نتابع معكم في شرح الكتاب حيث يوضح الكاتب
1- ان الأمة المسلمة تمثلت على الأرض مع سيدنا إبراهيم عليه السلام الذي كان بنفسه امة كاملة وتعرض لابتلاءات كبيرة حتى يكون على قدر مسؤولية حمل الرسالة ومن ثم بعد وفاته عليه السلام انقسمت ذريته إلى قسمين:

قسم المسجد الأقصى متمثلا بإسحاق عليه السلام وذريته ورسالته الأساسية الدعوة والنشر
قسم المسجد الحرام متمثلا بإسماعيل عليه السلام ورسالته الأساسية التربية والتزكية
(هذا التقسيم في نوعية الرسالة ليس ملزما لمن لم تعجبه الفكرة بل هو اجتهاد شخصي للكاتب)
2- يؤكد الكاتب ان مفهوم الأمة المسلمة لا يمكن ان يكون عنصريا ويعطي أدلة على ذلك ان مؤمن آل فرعون وزوجة فرعون والسحرة كانوا مؤمنين في حين كان قارون كافرا.
3- يؤكد الكاتب ان منهج الأمة المسلمة يبنى على طاعة الله والتواضع للخلق والتخلي عن أغلال الموروثات البالية. كما جسدته وصية رب العالمين لقوم موسى عليه السلام عند دخولهم الأرض المقدسة.
ظهور الأمة المسلمة
بدأ الإعداد لظاهرة "الأمة المسلمة" برسالة إبراهيم الذي وصفه القرآن الكريم : (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) النحل ـ 120 .
ولقد جاء مفهوم "الأمة المسلمة" كحلقة في سلسلة الرسالات السماوية التي توازت مع تطور المجتمعات البشرية.
· فحين بدأ الاجتماع البشري بطور الأسرة جاءت الرسالة أسرية كرسالة آدم عليه السلام.
· وحين انتقل الناس إلى طور القبيلة والقرية جاءت الرسالات قبلية وقروية كرسالات صالح وهود.
· وحين انتقلت المجتمعات إلى طور ـ القوم ـ جاءت الرسالات قومية كرسالة نوح عليه السلام.
وانتقال المجتمعات البشرية من طورٍ إلى طور كان يتسم لفتراتٍ طويلة جداً بالتناقص والاضطراب والتمزق بين قيم ومفاهيم الطور السابق المتحدرة من "الآباء" وبين قيم ومفاهيم الطور الجديد الذي يدلف إليه "الأبناء" . ولذلك كان عمل الرسالات هو القضاء على التناقض والاضطراب والتمزق المذكور ثم تسهيل الانتقال إلى الطور الجديد وتنظيمه .
ثم جاء طور "الأمة" حينما بدأت الحدود الإقليمية تتهدم وبدأ انسياح الأقوام والشعوب بعضهم على بعض ، ولكنه انسياح سلبي مدمر اتخذ طابع الغزو والعدوان على الأبدان والنفوس والعقول والممتلكات كما تمثل في الفراعنة والأشوريين والكلدانيين وغيرهم . فجاءت الرسالات الموازية لهذا الطور ابتداء من ـ إبراهيم عليه السلام ـ بمفهوم "الأمة" وهو مفهوم فكري ـ نفسي يستمد محتواه من روابط الفكر والعقيدة ويتخطى روابط الدم والأرض السابقة. ولقد سبق اختيار إبراهيم عليه السلام للبدء بالإعداد لإخراج الأمة المسلمة اختبار لقدرته على القيام بهذه المهمة ومدى استعداده لتقديم تكاليفها ومتطلباتها، وإلى هذا الاختبار يُشير القرآن الكريم بقوله تعالى :
(وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) البقرة ـ 124 .
والكلمات التي ابتلي بها إبراهيم عليه السلام هي الحوادث التي اختبره الله بوساطتها وهي :
· استعداده للتضحية بنفسه .
· استعداده للهجرة والتخلي عن روابط الأسرة والدم والوطن .
· استعداده لمحاربة العقائد القائمة ورموز الثقافة المعاصرة المتخلفة .
· استعداده للتضحية بولده وأسرته .
وتُشير الآيات القرآنية إلى أن إبراهيم عليه السلام اجتاز هذه الاختبارات بنجاح وأنه استحق رتبة الإمامة للناس ، وأنه سألها لذريته من بعده فجاءه الجواب بالموافقة مع الاشتراط إلى أن هذه الإمامة عهد لا يناله الظالمون المقصرون من ذريته الذين لا يقومون بتكاليفها ويفشلون باختباراتها .
ثم مضى إبراهيم مصحوباً بأبنائه وأسرته في التمهيد لإخراج "الأمة المسلمة" فابتدأ بتحديد موطنها ومؤسساتها حيث اختار لها موطناً منطقة وسطاً تقع في ملتقى المواصلات العالمية وتفاعل الحضارات وهي منطقة تمتد من بلاد الشام عبر دلتا مصر والحجاز . كذلك أقام مؤسستين تربويتين : الأولى : للتربية والتزكية وهي الكعبة والمسجد الحرام ، والثانية ؛ للدعوة والنشر وهي المسجد الأقصى . ثم انقسمت الأسرة إلى جواز المسجدين ليقوم كل فريق بالإشراف على المهمة الموكلة إليه في منطقته وإعداد الأجواء لفكرة "الأمة" الجديدة . وإلى هذا الإعداد الإبراهيمي كانت الإشارة القرآنية التالية :
(وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) البقرة ـ 132 .
ثم كانت الانطلاقة الأولى لإخراج "أمة الرسالة" برسالة موسى التي جرى التمهيد لها برحيل يوسف وأسرة يعقوب إلى مصر وإشاعة جو من الثقافة الملائمة للأمة التي يراد إخراجها . وكان الخروج ـ أو الهجرة ـ بالمؤمنين بالرسالة الجديدة مروراً بشمالي منطقة المسجد الحرام والتوجيه إلى منطقة المسجد الأقصى لتطهير أرض "أمة الرسالة" التي رسم حدودها إبراهيم ولبدء الدعوة والنشر فيها .
عالمية الرسالة
وكانت جماعة المهاجرين هذه تحمل في تشكيلها صفة العالمية وتعدد الأجناس . وليس صحيحاً أنها اقتصرت على جنسٍ واحد هو سلالة إسرائيل الدموية . فالقرآن يشير إلى أن أتباع موسى كان فيهم (رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ) وأنه قال في اجتماع يرئسه فرعون : (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ) وأن فرعون رد على هذا الرجل : (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) سورة غافر 27 ـ 29 . ويروي القرآن كذلك قصة السحرة ـ أو الإعلاميين عند فرعون ـ الذين ، حين رأوا الآيات البينات ، تحدوا فرعون حين هددهم بالصلب وتقطيع الأعضاء وقالوا له : (فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) سورة طه ـ 72 .
ويذكر القرآن أيضاً أن دعوة موسى دخلت دوائر القصر الفرعوني حتى ضمت زوجة فرعون التي ضحت بنعيم القصر ودعت الله أن يعوضها قصراً بدله في الجنة .
وفي المقابل يروي القرآن الكريم أن عصابة فرعون التي عارضت دعوة موسى قد ضمت في قيادتها مترفاً عاتياً من قوم موسى ومن سلالة إسرائيل الدموية هو قارون الذي وقف مع فرعون صفاً واحداً : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ، إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ) غافر ـ 23 ، 24 . ويضيف القرآن تفاصيل دقيقة عن قارون هذا فيقول : (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ) وأنه كان لديه : (مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ) . وأن قومه قالوا له حين أظهر البطر والطغيان : (لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ، وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) . فرد عليهم بصفاقة وصلف : (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي) أي خبرة بأعمال التجارة والاستثمار ، وأنه استمر في طغيانه حتى نزل به عقاب الله وخسفه فدمرت قصوره وهلكت نفسه . القصص 76 ـ 78 .
وإذا كان القرآن يسمي الخارجين مع موسى بني إسرائيل فلأن المدلول القرآني لـ"بنو" و"آل" يعني أتباع المعتقد لا سلالة الدم كما ذكر ذلك الطبري في تفسيره نقلاً عن الصحابة والتابعين الذين قالوا : إن آل الرجل هم أتباعه ، وقومه هم من على دينه . ونقل الطبري عن ابن عباس أنه قال : في الآية هم المؤمنون من آل إبراهيم وآل عمران وآل ياسين وآل محمد . يقول الله عز وجل : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ)1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&p=231815#_ftn1) .
منهج الامة المسلمة: طاعة الله والتواضع للخلق والتخلي عن اغلال الموروثات البالية.
ولقد ذكر القرآن الكريم المنهج الذي زود الله به المهاجرين مع موسى ليعيشوا طبقاً لتوجيهاته في ـ منطقة الأمة المسلمة ـ من ذلك قوله تعالى :
(وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَـذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) البقرة ـ 58 .
والدخول سجداً إشارة إلى الثقافة والممارسات ونمط العيش الذي يجب أن يكونوا عليه في أرض "أمة الرسالة" ـ أرض ما حول الأقصى ـ . وهي أن تكون الممارسات كلها مستوحاة من معاني السجود . وهو هنا طاعة الله والتواضع للخلق . أما (وَقُولُواْ حِطَّة) فهو إشارة إلى الثقافة والقيم المتجددة التي تتميز بالنقد الذاتي ـ أو التوبة حسب التعبير القرآني ـ ، والاستعداد الدائم لأن "تحط" الأمة عنها أغلال الموروثات الاجتماعية وآصارها التي تعيق التكيف مع الشؤون المتجددة والخلق الجديد الذي تبرزه المشيئة الإلهية باستمرار . ولذلك قال الطبري في تفسيره ـ وقولوا حطة ـ أي : قولوا الذي يحط عنكم خطاياكم وهو قولا لا إله إلا الله وتطبيقاتها . ومعنى : (نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ) لا نؤاخذ الذين يجنبون طريق السجود إذا استغفروا . (وسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) : أي نزيد الذين يحسنون القيام بوظيفة ـ أما الرسالة ـ نعمة واستقرارا .

أبو طه
11-18-2008, 04:36 AM
ما شاء الله.
بحث جميل وممتع أخي عزام..
بارك الله فيك.

لكنني لم أفهم التقسيم الذي ذكره الأخ الكاتب من تفريق بين أمة الدعوة والرسالة وأمة التربية والتزكية.
ما السبب الذي دعاه إلى هذا التقسيم وما دليله عليه؟

عزام
11-18-2008, 08:06 AM
ما شاء الله.
بحث جميل وممتع أخي عزام..
بارك الله فيك.
لكنني لم أفهم التقسيم الذي ذكره الأخ الكاتب من تفريق بين أمة الدعوة والرسالة وأمة التربية والتزكية.
ما السبب الذي دعاه إلى هذا التقسيم وما دليله عليه؟
لم يعط ادلة من القرآن الكريم بل قام باستقراء الاحداث وربطها ببعض.. فأمة بني اسرائيل ارتحلت الى الارض المقدسة وكلفت بنشر الدعوة واقامة دولة الاسلام (على يد داوود وسليمان عليهما السلام) وظهر فيها الانبياء الكثر بينما امة بني اسماعيل عليه السلام كلفت بالتعبد واستضافة الناس في الحج.
"وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود"
ويبقى ان التقسيم غير ملزم كما قلت سابقا
خاصة ان مفهوم الامتين سيجتمع ويتوحد مع الرسول صلى الله عليه وسلم.

منال
11-18-2008, 06:24 PM
تسجيل متابعة
بانتظار الدرس الجديد بارك الله في حضرتك

عزام
11-18-2008, 06:33 PM
توحد الأمتين


في هذا المقطع سيشرح لنا الكاتب الانحرافات التي طالت الأمتين: امة الرسالة والدعوة وأمة التزكية والتربية وكيف جاءت الرسالة المحمدية لتوحيدهما من جديد.

فأمة الرسالة والدعوة تحولت الى امة عنصرية مع اليهود
وجاء عيسى عليه السلام ليعالج هذا المرض فأوضح ان الرسالة عالمية وليست حكرا على جنس معين دون ان يجعل من هذه العالمية امة موحدة متضامنة (ربما لأنه لم يتسنى له اقامة دولة لها شرائع) انما مجموعة افراد مؤمنين.
طبعا اشتبكت هذه المفاهيم مع عنصرية اليهود فنشأ الانقسام في امة الرسالة والدعوة بين امتين: امة النصارى وامة اليهود وانحرفت الفئتان عن الحق.
انحراف النصارى كان بتحويلهم الدين من إتباع تعاليم المسيح الى عبادته فتحولوا من الولاء للمبادىء الى الولاء للأشخاص. كذلك انصرفوا عن رعاية المجتمع الى شؤون غيبية غرقوا في بحورها.
بالمقابل تحولت امة التربية والتزكية الى امة سدنة ومنتفعين متاجرين بالدين لمصالحهم حيث تحول البيت الحرام الى مركز تجاري بدلا من ان يكون مركزا دينيا تربويا.
وجاء الرسول صلى الله عليه وسلم كي يصحح مسار هذه الطوائف المنحرفة ويعيدها الى الاصل بعيدا عن العنصرية والعصبية والغرق في الغيبيات عبر تركيزه على المبادىء العقدية المشتركة وعبر اعادة الربط بين مكانة كل من المسجدين.
نتابع معكم
عزام
ولكن آثار البيئة التي نشأ فيها أتباع موسى ـ بيئة الثقافة الفرعونية ـ فعلت فعلها في هذه الانطلاقة الأولى لأمة الرسالة. ومن هذه الآثار أن أتباع موسى حين كانوا في طريقهم إلى أرض أمة الرسالة تأثروا بالتراث الديني الفرعوني الذي كان يقوم على عبادة العجل "أبيس". كذلك تأثروا بأخلاق أهل الزراعة فحنوا إلى الراحة وإلى تقاليد الطعام المصري من البقل والقثاء والبصل والثوم والعدس . وظهرت فيهم أيضاً آثار بيئة الاستبداد الفرعوني وما تفرزه في أخلاق المحكومين من ضعف الإرادة ونكوص عن التضحية وضجر من المسؤولية .
ولكن أخطر هذه الآثار التي ظلوا يعانون منها حتى الوقت الحاضر هي تأثرهم بـ"العنصرية" الفرعونية وتطوير "عنصرية" خاصة بهم وقفت حائلاً بينهم وبين الخروج إلى روابط أخوة الرسالة التي يقتضيها الطور الجديد ثم أبقتهم حبيسي روابط الدم التي تعود إلى الأطوار الماضية بعد أن طلوها بطلاء ديني تحت اسم جديد هو "شعب الله المختار" . ولقد نتج عن ذلك إغلاق باب الانتماء إلى الأمة الجديدة أمام غير ذرياتهم، وتعطيل وظيفة المؤسسات التربوية في الأرض المباركة .
ثم جاء عيسى عليه السلام لإصلاح ما أصاب نواة الأمة الوليدة ولإخراجها من مفهوم "القومية" إلى مفهوم "عالمية أمة الرسالة" فاستخلص نفراً من الحواريين الذين تخلوا عن مفهوم "شعب الله المختار" ومضوا في الدعوة إلى ـ العالمية ـ بشكل أفراد لا بشكل "أمة". أما بقية الجماعات الإسرائيلية فقد ظلت حبيسة الأغلال والآصار الاجتماعية والفكرية التي ورثتها عن بيئة الفراعنة وطورها الأحبار الإسرائيليون بعد أن ألبسوها لباساً توراتياً. ولذلك ناصبوا دعوة عيسى عليه السلام العداء وتسببوا في مزيدٍ من تمزيق "الأمة" الوليدة وانقسامها إلى قسمين رئيسيين أطلقوا عليهما اسم "اليهود" واسم "النصارى" .
وكما فعلت آثار البيئة الفرعونية فعلها في دعوة موسى ، كذلك فعلت آثار البيئة الرومانية فعلها في ـ النصرانية ـ . وأخطر هذه الآثار ما قام به مترفو المجتمعات الرومانية من تحويل محور الدعوة الجديدة من الولاء لـ"الرسالة" إلى الولاء لـ"الشخص" الذي جاء بالرسالة بعد أن أسبغوا عليه الصفات التي كان الرومان يسبغونها على آلهتهم التثليثية ، وبذلك أخرجوا الدعوة الجديدة من ميدان الاجتماع البشري : ميدان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إلى هامش تصورات غيبية لا صلة لها بالوجود القائم .
أما الفرع الثاني من أسرة إبراهيم ـ فرع إسماعيل ـ فقد عملت بهم أيضاً عوامل البيئة المحلية القاحلة ، فتحولوا من "أمة رسالة وتربية" تضحي بالنفس والمال لتربية الوافدين وتزكيتهم إلى "أمة سدنة" حولت الرسالة إلى نوعٍ من الاستثمار السياحي الذي يدر عليهم المال ويوفر لهم الجاه .
ثم كانت الانطلاقة العملية الثانية التي قادها محمد صلى الله عليه وسلم في الفرع الثاني من أسرة إبراهيم والمقيمة في منطقة المسجد الحرام . فبلورت مفهوم "الأمة" واصبح الشعار المميز لرسالتها ولما يزل مصطلحاً متميزاً لا يقابله في اللغات الأخرى مصطلح مواز. كذلك أصبح اسم "الأمة" مصدراً اشتقت منه أسماء مؤسسات الرسالة الجديدة والعاملين فيها والممارسات الجارية مثل : "الإمامة" و"الإمام" للصلاة أو الحكم ، و"آمّين البيت الحرام" أي الحج ، و"آمين" أي مقتدين . لذلك كانت ترجمة هذا المصطلح تشويهاً لمحتواه ومن الواجب أن يبقى كما هو في أصله العربي في أية ترجمة كانت .
ولقد كان جوهر هذه الانطلاقة الجديدة تصحيح الاعوجاج الذي لحق بالمنهج الذي مهد له إبراهيم وبدأه موسى وعيسى ، ثم استئناف المسيرة المستقيمة لهذا المنهج نحو غاياته العليا . ولذلك ركزت توجيهات الرسالة الجديدة على ما يلي :
1. إصلاح ما انحرف من منهاج إبراهيم عليه السلام ، وذلك بدعوة فرع ذرية إسماعيل من قريش وفروعها إلى التخلص من طابع "أمة السدنة" ونوازع التكسب بالمقدسات ، وما أدخلته حمية العصبيات القبلية من مظاهر الشرك والوثنية . ثم دعوة فرع ذرية إسحق من اليهود والنصارى للتخلص من طابع "شعب الله المختار" . وما رافقه من تشويهات لأصول العقيدة والرسالة لصالح المترفين وأرباب الجاه والسلطان والكهانة ، ثم دعوة الفريقين للاجتماع في صفوف "أمة الرسالة" الجديدة لاستئناف المهمة الأساسية ، مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله بين الناس كافة .
2.القضاء على الانشقاقات التي حدثت في ذرية إبراهيم وتسببت في تقسيم نواة "الأمة المسلمة" إلى يهود ونصارى وما تلا هذا الانشقاق من انشقاقات أخرى تتنافى مع الغاية الكبرى التي بدأها ـ إبراهيم ـ لإخراج "أمة الرسالة" التي تعمل على جمع البشرية كلها على منهاج واحد في الفكر والاجتماع فتتوثق روابطها ويرقى نوعها وتعود إلى سابق عهدها أمة واحدة ورباً واحداً . ولتحقيق هذا الهدف تكررت الدعوة في القرآن إلى أهل الكتاب للإقبال إلى ـ كلمة سواء ـ أي منهج موحد مستقيم أساسه "ملة إبراهيم الحنيف" : (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ . يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ . هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ . مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) آل عمران 64 ـ 68 . (وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ . فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ . قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ . أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ. تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) البقرة 135 ـ 141 .
3. اتخاذ الخطوات العملية التي تسهل هذه الوحدة المنشودة بين الانشقاقات التي أصابت مفهوم الرسالة بعد إبراهيم عليه السلام . ومن أجل هذه الوحدة كان تحويل قبلة الصلاة نحو أول بيت بناه إبراهيم ، وكان الحج إليه ليكون مؤسسة للتربية العالمية ، وكانت حادثة الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى لإعادة الربط بين رسالة المسجدين وتكامل دورهما في التربية والدعوة والتعليم . ولترسيخ هذه المعاني كان الحديث عن تجربة قوم موسى في منطقة المسجد الأقصى ـ في مطلع سورة الإسراء ـ ليكون هذا الحديث تحذيراً لـ"أمة الرسالة" الجديدة لئلا تقترف ما اقترفته سابقتها من ـ أمة موسى ـ التي غفلت عن الوظيفة الأساسية للمقيمين حول المسجد الأقصى ، وانحرفت لاستغلال بركات المنطقة الجغرافية والطبيعية في الترف والشهوات والمفاسد والصراعات ، وبذلك استحقوا أن يبعث الله عليهم عباداً أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار ودمروا مؤسسات اللهو الدنيوي التي ألهتهم عن وظيفة الدعوة وتبليغ الرسالة . وهذا ما فهمه أبو بكر الصديق حين حذر جيوش الفتح الإسلامي التي وجهها إلى منطقة ما حول الاقصى من الانحراف عن أهداف الرسالة الإسلامية فقال : "إنكم تقدمون الشام وهي أرض شبيعة ، وإن الله ممكنكم حتى تتخذوا فيها مساجد فلا يعلم أنكم إنما تأتونها تلهياً ، وإياكم والأشر"1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231953#_ftn1) .


1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231953#_ftnref1) ـ عبد الله بن المبارك المروزي : كتاب الزهد والرقائق ، تحقيق عبد الرحمن الأعظمي ، (بيروت : مؤسسة الرسالة ، بلا تاريخ) ص 141 .
* ـ شبيعة : مشبعة بالخيرات .
الأشر : البطر .

منال
11-18-2008, 06:50 PM
انحراف النصارى كان بتحويلهم الدين من إتباع تعاليم المسيح الى عبادته فتحولوا من الولاء للمبادىء الى الولاء للأشخاص. كذلك انصرفوا عن رعاية المجتمع الى شؤون غيبية غرقوا في بحورها.

ممكن تفصيل لهذه النقطة؟




بالمقابل تحولت امة التربية والتزكية الى امة سدنة ومنتفعين متاجرين بالدين لمصالحهم حيث تحول البيت الحرام الى مركز تجاري بدلا من ان يكون مركزا دينيا تربويا.

هل يمكن اجتماع الأمرين معا؟ أم لكل تخصص ميدان؟





وكما فعلت آثار البيئة الفرعونية فعلها في دعوة موسى ، كذلك فعلت آثار البيئة الرومانية فعلها في ـ النصرانية ـ . وأخطر هذه الآثار ما قام به مترفو المجتمعات الرومانية من تحويل محور الدعوة الجديدة من الولاء لـ"الرسالة" إلى الولاء لـ"الشخص" الذي جاء بالرسالة بعد أن أسبغوا عليه الصفات التي كان الرومان يسبغونها على آلهتهم التثليثية ، وبذلك أخرجوا الدعوة الجديدة من ميدان الاجتماع البشري : ميدان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إلى هامش تصورات غيبية لا صلة لها بالوجود القائم .


هل خصص المترفون كما بالآية " وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا"؟

عزام
11-19-2008, 01:42 PM
هل يمكن اجتماع الأمرين معا؟ أم لكل تخصص ميدان؟

تقصدين جمع نية الحج مع نية التجارة؟
في الامر تفصيل بيانه فيما يلي
وضحت؟
عزام


انواع الرياء

1- عمل فيه رياء خالص:

إن العمل تارة يكون رياءً خالصًا، بحيث لا يُراد به سوى مراآة المخلوقين لغرض دنيوي كحال المنافقين في صلاتهم، وهذا الرياء الخالص لا يكاد يصدر من مسلم في فرض الصلاة والصيام ولكن قد يصدر منه في الصدقة الواجبة أو الحج وغيرهما من الأعمال الظاهرة أو التي يتعدى نفعها، فإن الإخلاص فيها عزيز، وهذا العمل لا يشك مسلم أنه حابط وأن صاحبه يستحق المقت من الله والعقوبة.

وهو العمل الذي لا يُراد به وجه الله بحال من الأحوال، وإنما يراد به أغراض دنيوية وأحوال شخصية، وهي حال المنافقين الخلص كما حكى الله عنهم:
· "وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً".
· "ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله".
· "فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون".
2- عمل لله مع رياء:

وتارة أخرى يكون العمل لله ويشاركه الرياء، فإن شاركه في أصله، فالنصوص الصحيحة من السنة تدل على بطلان هذا العمل وحبوطه ثوابه.

· · عن شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدَّق يرائي فقد أشرك، وإن الله يقول: أنا خير قسيم لمن أشرك بي شيئاً، فإن جدة عمله قليله وكثيره لشريكه الذي أشرك به، أنا عنه غني".
· · وعن أبي سعيد بن أبي فضالة الصحابي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم لا ريب فيه، نادى منادٍ: من كان أشرك في عمل عمله لله عز وجل فليطلب ثوابه من عند غير الله عز وجل، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك".
· · وخرج الحاكم من حديث ابن عباس: "قال رجل: يا رسول الله: إني أقف الموقف وأريد وجه الله، وأريد أن يُرى موطني، فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلت: "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً".
3- عمل يخالطه غير الرياء:

إن العمل إذا خالطه شيء غير الرياء لم يبطل بالكلية، فإن خالط نية الجهاد مثلا نية أخرى غير الرياء، مثل أخذ أجرة للخدمة أو أخذ شيء من الغنيمة أو التجارة نقص بذلك أجر المجاهد ولم يبطل بالكلية. كمن يريد الحج وبعض المنافع، والجهاد والغنيمة، ونحو ذلك، فهذا عمله لا يحبط، ولكن أجره وثوابه ينقص عمن نوى الحج والجهاد ولم يشرك معهما غيرهما.
روى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة إلا تعجلوا ثُلُثي أجرهم من الآخرة ويبقى لهم الثلث، وإن لم يصيبوا غنيمة تمَّ لهم أجرهم». [مسلم 6091]
· وروي عن عبد الله بن عمرو كذلك قال: "إذا أجمع أحدكم على الغزو فعوضه الله رزقاً، فلا بأس بذلك، وأما أن أحدكم إن أعطي درهماً غزا، وإن مُنع درهماً مكث، فلا خير في ذلك".
4- عمل خالص لله ثم تطرأ عليه نية الرياء:

إذا كان أصل العمل لله وحده ثم طرأت عليه نية الرياء، فإن كان خاطرًا ودَفَعهُ فلا يضره بغير خلاف بين العلماء، فإن استرسل معه، فهل يَحبطُ عمله أم لا يضره ذلك ويُجازى على أصل نيته؟ في ذلك اختلاف بين العلماء من السلف، قد حكاه الإمام أحمد وابن جرير الطبري، ورجَّحا أن عمله لا يبطل بذلك، وأنه يجازي بنيته الأولى، وهذا القول مروي عن الحسن البصري وغيره، وذكر ابن جرير الطبري أن هذا الاختلاف إنما هو في عمل يرتبط آخره بأوله كالصلاة والصيام والحج فأما ما لا ارتباط فيه كالقراءة والذِّكر وإنفاق المال، ونشر العلم، فإنه ينقطع بنية الرياء الطارئة، ويحتاج إلى تجديد نية. [جامع العلوم والحكم]

ويستدل لهذا القول بما خرجه أبو داود في "مراسيله" عن عطاء الخرساني أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن بني سَلَمَة كلهم يقاتل، فمنهم من يقاتل للدنيا، ومنهم من يقاتل نجدة، ومنهم من يقاتل ابتغاء وجه الله، فأيهم الشهيد؟ قال: كلهم، إذا كان أصل أمره أن تكون كلمة الله هي العليا".
5- عمل لله يصاحبه ثناء الناس:

إذا كان عمل المسلم عملا خالصًا لوجه الله تعالى ثم ألقى الله له الثناءَ الحسن في قلوب المؤمنين بذلك، ففرح المسلم بفضل الله ورحمته واستبشر به لم يضره ذلك.

روى مسلم عن أبي ذر قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت الرجلَ يعملُ العمل من الخير، ويَحْمَدُهُ الناس عليه؟ قال: «تلك عاجل بُشرى المؤمن». [مسلم 2462]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله، الرجل يعمل العمل فيُسِِرُّه، فإذا اطلع عليه، أعجب، فقال: "له أجران: أجر السر وأجر العلانية".

عزام
11-19-2008, 01:51 PM
ممكن تفصيل لهذه النقطة؟


تقصدين نقطة انحراف النصارى؟
نعم هي واضحة
1- لقد فاقت محبتهم للشخص محبتهم لمنهج هذا الشخص حتى ان احد الادباء الاجانب يقول
النصرانية انحرفت من دين يتبع تعاليم المسيح الى دين يعبد المسيح.
2- اما غرقهم في الغيبيات فواضح ايضا ذلك انهم دخلوا في امور لا يستوعبها العقل البشري وقسموا ذات الله الى ثلاثة اقانيم ويكفي انهم لم يحسموا الخلاف العقائدي حول طبيعة المسيح عليه السلام الا بعد ثلاثة قرون من رفع المسيح عليه السلام في مجمعي خليقدونية ونيقية. (بل هو موجود الى الآن). كما نذكر انهم كانوا يختلفون حول جنس الملائكة في الوقت الذي كان فيه السلطان محمد الفاتح يحاصر القسطنطينية.

عزام
11-19-2008, 01:57 PM
هل خصص المترفون كما بالآية " وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا"؟

وكما فعلت آثار البيئة الفرعونية فعلها في دعوة موسى ، كذلك فعلت آثار البيئة الرومانية فعلها في ـ النصرانية ـ . وأخطر هذه الآثار ما قام به مترفو المجتمعات الرومانية من تحويل محور الدعوة الجديدة من الولاء لـ"الرسالة" إلى الولاء لـ"الشخص" الذي جاء بالرسالة بعد أن أسبغوا عليه الصفات التي كان الرومان يسبغونها على آلهتهم التثليثية ، وبذلك أخرجوا الدعوة الجديدة من ميدان الاجتماع البشري : ميدان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إلى هامش تصورات غيبية لا صلة لها بالوجود القائم

نعم صدقت هو ذاك
ذلك ان المترفين لا يناسبهم في كل عصر واوان اي دعوة اجتماعية اصلاحية تنشد العدل والمساواة ورفع الغبن والظلم والاحتكام الى شرع الله فحوروا ميدان الرسالة المسيحية الى امور غيبية لا تضرهم ولا تؤثر على مصالحهم رافعين شعارا نسبوه الى المسيح عليه السلام "دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله" وهو مفهوم مفترى ومكذوب أو محورعلى اضعف تقدير.

عزام
11-19-2008, 02:30 PM
اثر البيئة العربية على الدعوة الجديدة
يعود الكاتب ليبين لنا تأثير البيئة العربية على انطلاقة الرسالة المحمدية فيبين انه كان لها اثرين:
1- ايجابي: استعداد العرب للتضحية ووجود ملكة الشهامة والنخوة عندهم.
2- سلبي: نظرا لوجود قيم الولاء للقبيلة والعصبية.
وقد وحد الرسول صلى الله عليه وسلم بين مختلف عناصر الامة باتباعه الكثير من الاساليب التربوية ولكن "ثقافة" العصبية وقيمها عادت للإمساك بدفة المجتمع بعد الخلافة الراشدة.
وكان من نتيجة ذلك فشل المؤسسات التربوية بشقيها:
1- ركزت مؤسسات التربية الرسمية (ما يطلق عليه اليوم فقهاء السلطان) في مناهجهم على "ثقافة" القبلية التي توجه للدوران في فلك "الأشخاص" الأقوياء وتبرير ممارساتهم والإشادة بالمنجزات المنسوبة إليهم.
2- ركزت المؤسسات التربوية الخاصة على "تربية" فرد معطل الفاعلية ينسحب من تيار الحياة الجارية ويقف موقفاً سلبياً من تيار الاجتماع البشري ويظل طوال عمره يعاني من الظلم والفاقة منتظراً الرحيل إلى العدل والنعيم الآخرويين!! .
وكانت المحصلة لذلك كله هي حصر عمل المؤسسات التربوية والعلمية في "فقه العبادات" وتكرار نسخه واستظهاره جيلاً بعد جيل مما أفرز آلاف المجلدات في "فقه الطهارة" والحيض والنفاس والطلاق والعدة بينما لم يزد "الفقه" المتعلق بـ"العلوم السياسية" و"فقه الاجتماع البشري" و"النظم الإدارية والتشريعية" و"صلات الحاكم بالمحكوم" و"توزيع الثروات العامة" و"العمل الجماعي" عن أصابع اليدين.
عزام
من الإنصاف أن نقول إنه كما كان للبيئة المصرية أثرها في انطلاقة موسى عليه السلام ، فإنه كان للبيئة العربية أثرها في انطلاقة محمد صلى الله عليه وسلم . وهو أثر له جانبان : جانب إيجابي ، وآخر سلبي .
أما عن الجانب الإيجابي فإن البيئة العربية سهلت نجاح الرسول صلى الله عليه وسلم في تربية الإنسان المسلم على تعشق المثل الأعلى والتضحية في سبيله . ذلك أنها خلت من كثير مما كان في البيئة المصرية من ركام العقائد والثقافة والقيم التي كبلت أفهام أتباع موسى عليه السلام ، ولم يكن في الجزيرة العربية استقرار زراعي وازدهار اقتصادي مما يفرز حياة الترف والتثاقل إلى الأرض ، وإنما فرضت البيئة الصحراوية القاسية نوعاً من حياة الطوارىء والاستعداد الدائم للتضحية أمام الصعوبات والأخطار الطبيعية والبشرية القاتمة .
أما عن الجانب السلبي فإن قيم العصبية العربية ومحاور الولاء التي تفرزها لم تكن تصلح بحال للانتقال مع المسلم الجديد إلى المجتمع العالمي الجديد لأن هذه القيم والولاءات لا تسمح أبداً بتوسيع شبكة العلاقات الاجتماعية إلى ما وراء دائرة الولاء القبلي وتعتبر أولئك الذين يقيمون خارج الدائرة القبلية "أجانب" لا ولاء يربطهم بمجتمع القبيلة . ولذلك شكلت هذه القيم والولاءات العصبية عقبات ضخمة أمام تطبيق روابط الدائرة العالمية التي اتصف بها المجتمع الإسلامي الجديد وأثرت تأثيراً سلبياً في مستقبل الأمة المسلمة وحالت دون تطورها ونضج مؤسساتها . وحين كانت قيم العصبية القبلية هذه تضطر إلى التعايش مع قيم الإسلام العالمية كانت تركز على "الأشكال" دون "الأعمال" ، وعلى الشعائر الفردية دون المظهر الاجتماعي للعبادة ، و"تنفق" القيم الإسلامية لدعم ولاءاتها العصبية . ولذلك وصف القرآن الكريم أصحاب هذه القيم العصبية بأنهم (أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ). أي هم غير مؤهلين لـ"فقه" القيم التي أنزلها الله وإفراز النظم اللازمة للطور العالمي الذي وقفت البشرية على أعتابه وجاءت قيم الإسلام لترشدهم إلى عبوره .
ولذلك كان التحدي الأكبر الذي واجهه الرسول صلى الله عليه وسلم بعد هجرته إلى المدينة وشروعه في بناء أمة عالمية يتعايش فيها مختلف الأجناس والأعراق هو ـ قيم العصبية القبلية ـ ولقد اتخذت جهوده لمجابهة هذا التحدي مظاهر عدة منها :
· تزكية أعضاء الأمة المسلمة الجديدة من قيم العصبية القبلية باعتبارها قيماً نتنة بالية لا تصلح لهم بحال ، وتنظيم علاقاتهم طبقاً لقيم التقوى الملائمة لطور العالمية الجديد .
· التحذير من الردة إلى قيم العصبية القبلية وإدراج هذه الردة في قائمة الكبائر المخلدة في النار1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231730#_ftn1) .
· التنبيه إلى دور قيم العصبية في فتن المستقبل وما ستجره على الأمة المسلمة من كوارث ومذابح ودمار ، وهو ما تقدم تفصيلاته الأحاديث النبوية الواردة تحت ـ كتاب الفتن ـ في مصنفات الحديث المختلفة.
ولذلك كانت تزكية المجتمع المدني من قيم العصبية القبلية والانتقال به إلى ـ قيم التقوى ـ العالمية محوراً أساسياً من محاور التربية في صدر الإسلام . ولقد ظل التحذير من قيم العصبية أحد العناصر الرئيسية في منهاج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن لخص جهاده ضد الجاهلية العربية في خطبة فتح مكة فقال :
"إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء ، الناس من آدم ، وآدم من تراب"2 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231730#_ftn2) .
ولكن "ثقافة" العصبية وقيمها عادت للإمساك بدفة المجتمع بعد الخلافة الراشدة : أي بعد انقضاء جيل الصحابة الذي رباه الرسول ، الأمر الذي أدى إلى ظهور التناقض بين المبادىء الإسلامية الداعية إلى مساواة الشعوب والأجناس وبين التطبيقات السياسية والاجتماعية التي قسمت المسلمين إلى عرب وموالٍ وفتحت باب الانقسامات في الأمة المسلمة بنسبة التراجع الذي توالى من القيم الإسلامية العالمية إلى القيم الشعوبية والقبلية.
ولقد ابتدأت هذه الردة العصبية في الثقافة والقيم ابتداء من إمساك الأمويين بقيادة الدولة الإسلامية وحلول الملك محل الخلافة ـ كما يرى ابن تيمية ـ3 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231730#_ftn3). ثم توالت مضاعفات هذه الردة حتى أفرغت مفهوم "الأمة" من محتواه الإسلامي وأحلت محله محتوى العصبيات القبلية والشعوبية مما نال من وحدة الأمة المسلمة وفتح أمامها أبواب الفتن والانقسامات المتتالية .
كذلك حالت هذه الردة للثقافة القبلية والقيم العصبية دون تطور المؤسسات السياسية والإدارية والتشريعية الملائمة لطور العالمية فحالت دون رسوخ قيم الشورى والقيادة الجماعية ومسؤولية الحاكم أمام المحكومين ، وأنعشت الحكم المطلق والملكية الاقتصادية المطلقة والفردية والارتجال ، ولونت أشكال الإعلام والممارسات السياسية على جميع المستويات .
ولقد كان لهذه الردة العصبية آثارها في الشكل الذي اتخذته مؤسسات التربية الإسلامية ، إذ انحرفت هذه المؤسسات عن هدف "إخراج الأمة المسلمة" وتطويرها والارتقاء بمفهومها ومؤسساتها طبقاً للحاجات والتحديات ، وحل محل ذلك ظاهرتان :
1- إن مؤسسات التربية الرسمية لم تتوجه لتوليد العلوم والمعارف اللازمة لتنظيم شبكة العلاقات الاجتماعية وتطوير مؤسساتها بما يتفق مع الأصول الإسلامية في القرآن والسنة ، وإنما زاغت بتأثير قيم العصبيات القبلية لتركز في مناهجها على "ثقافة" القبلية التي توجه للدوران في فلك "الأشخاص" الأقوياء ولتبرير ممارساتهم والإشادة بالمنجزات المنسوبة إليهم .
2- تركيز المؤسسات التربوية التي لا تدور في فلك الدولة على "تربية" فرد معطل الفاعلية ينسحب من تيار الحياة الجارية ويجسد صورة "الدرويش" الذي يقف موقفاً سلبياً من تيار الاجتماع البشري ويظل طوال عمره يعاني من الظلم والفاقة منتظراً الرحيل إلى العدل والنعيم الآخرويين!! .
وكانت المحصلة لذلك كله هي حصر عمل المؤسسات التربوية والعلمية في "فقه العبادات" وتكرار نسخه واستظهاره جيلاً بعد جيل مما أفرز آلاف المجلدات في "فقه الطهارة" والحيض والنفاس والطلاق والعدة بينما لم يزد "الفقه" المتعلق بـ"العلوم السياسية" و"فقه الاجتماع البشري" و"النظم الإدارية والتشريعية" و"صلات الحاكم بالمحكوم" و"توزيع الثروات العامة" و"العمل الجماعي" عن أصابع اليدين . ومن أمثلتها ـ الأحكام السلطانية ـ للماوردي مع ما فيه من المآخذ والانتقادات المتعلقة بمحتوياتها التي تبرر إطلاق أيدي أصحاب السلطان ، وتعدد القيادات ، والاستيلاء على القيادة والمراكز بالقوة وغير القوة .


1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231730#_ftnref1) ـ صحيح البخاري ، باب الفتن . صحيح مسلم ، باب الإمارة .
مسند أحمد ، ج1 ، ص 409 ، 430 .
سنن النسائي ، كتاب البيعة ، وكتاب الزينة .
* ـ راجع ص 57 ـ 58 . للاطلاع على نص الحديث الذي ورد فيه أن الكبائر سبع آخرها ((التعرب بعد الهجرة)) وفي رواية ((المرتد أعرابياً بعد الهجرة)) . وعند النسائي : ((آكل الربا ، وموكله ، وكاتبه وشاهداه ، ـ إذا علموا ذلك ـ والواشمة ، والموشومة للحسن ، ولاوي الصدقة ، والمرتد أعرابياً بعد الهجرة ، ملعونون على لسان محمد يوم القيامة)) ، الجامع الصغير للسيوطي ، رقم 13 .

2 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231730#_ftnref2) ـ ابن هشام ، السيرة ، ج4 (القاهرة : مكتبة الكليات الأزهرية ، بلا تاريخ) ص 41 .

3 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231730#_ftnref3) ـ ابن تيمية ، الفتاوى ، كتاب قتال أهل البغي ، ج35 ، ص 19 ـ 20 .

al_muslim
11-19-2008, 04:50 PM
السلام عليكم
أخ عزام
موضوع رائع ويحوي منارات لتغيير الأمة إلى أحسن
هذا المقال جيد فالصواب فيه جيد
وحتى الخطأ فيه جيد لأنه يدفع إلى تساؤلات وبحوث نحن بحاجة إليها حاجة ملحة .
وفي هذا المقال كلام يدل على أخطاء مرت في كلامكم في موضوعنا السابق ، وخشيت أن أذكرها فتظن أنني أحب إثارة الخلاف
.

عزام
11-19-2008, 05:51 PM
السلام عليكم
أخ عزام
موضوع رائع ويحوي منارات لتغيير الأمة إلى أحسن
هذا المقال جيد فالصواب فيه جيد
وحتى الخطأ فيه جيد لأنه يدفع إلى تساؤلات وبحوث نحن بحاجة إليها حاجة ملحة .
وفي هذا المقال كلام يدل على أخطاء مرت في كلامكم في موضوعنا السابق ، وخشيت أن أذكرها فتظن أنني أحب إثارة الخلاف
.
بارك الله فيك اخي المسلم
تستطيع ان تكتب موضوعا جديدا تشرح فيه ما تشاء وتنتقد ما تشاء ولكن الافضل بدون ذكر اسمي والا سأعتبر هذا ترصدا. تذكر انك انت من رفض محاورتي ووضع الشروط على ذلك واتهمتني بما ليس في.
بأمكانك ايضا ان تعلق هنا ولكن تعليقات قصيرة لاني لا اريد ان احول الموضوع الى ساحة نقاش حامية يغلق هذا الموضوع على اثرها.
بارك الله فيك على حسن انصاتك.
وكما قلت مرارا... اي خلاف مع الاخوة هو زوبعة في فنجان وانا لا احمل على احد. وان شئتم اشرح لكم -في موضوع منفصل- وجهة نظري فيما حصل كي اشرح لكم اسباب انزعاجي التي ليست بالقطع اختلافنا في الموضوع انما قضية تكرار الاتهامات وتجاهل ردي عليها في كل مرة. واوضحت لكم لو شئت لفعلت معكم نفس الامر ولقلت انتم تكفيريون ولا اعتقد انكم تحبون هذه التهمة فقد كان الاخ طرابلسي يغلي منها حينما يكررها عليه عمر نجد بدون وجه حق.
رجاء تسوية الخلاف في موضوع منفصل
ومتابعة الحوار او نقد افكار الكتاب في موضوع منفصل ايضا.

منال
11-20-2008, 12:52 PM
جزاك الله خيرا أستاذ عزام



ولقد كان لهذه الردة العصبية آثارها في الشكل الذي اتخذته مؤسسات التربية الإسلامية ، إذ انحرفت هذه المؤسسات عن هدف "إخراج الأمة المسلمة" وتطويرها والارتقاء بمفهومها ومؤسساتها طبقاً للحاجات والتحديات ، وحل محل ذلك ظاهرتان :
1- إن مؤسسات التربية الرسمية لم تتوجه لتوليد العلوم والمعارف اللازمة لتنظيم شبكة العلاقات الاجتماعية وتطوير مؤسساتها بما يتفق مع الأصول الإسلامية في القرآن والسنة ، وإنما زاغت بتأثير قيم العصبيات القبلية لتركز في مناهجها على "ثقافة" القبلية التي توجه للدوران في فلك "الأشخاص" الأقوياء ولتبرير ممارساتهم والإشادة بالمنجزات المنسوبة إليهم .
2- تركيز المؤسسات التربوية التي لا تدور في فلك الدولة على "تربية" فرد معطل الفاعلية ينسحب من تيار الحياة الجارية ويجسد صورة "الدرويش" الذي يقف موقفاً سلبياً من تيار الاجتماع البشري ويظل طوال عمره يعاني من الظلم والفاقة منتظراً الرحيل إلى العدل والنعيم الآخرويين!! .



أضرب مثالا آخر ليس فقط إخراج جيل متأثر بعصبيات مثلا هناك بعض المؤسسات تدرس العلوم الشرعية دون إحداث أي أثر في المتلقي فهذا يدرس ليجيب في الامتحان وذاك يدرس لنيل شهادة موثقة ولا طلع درويش ولا متعصب بل لا يفهم ما تعلم أصلا ولم يؤهل للتأثير في المجتمع وتغيير حاله إلى الأفضل

عزام
11-20-2008, 01:36 PM
جزاك الله خيرا أستاذ عزام
أضرب مثالا آخر ليس فقط إخراج جيل متأثر بعصبيات مثلا هناك بعض المؤسسات تدرس العلوم الشرعية دون إحداث أي أثر في المتلقي فهذا يدرس ليجيب في الامتحان وذاك يدرس لنيل شهادة موثقة ولا طلع درويش ولا متعصب بل لا يفهم ما تعلم أصلا ولم يؤهل للتأثير في المجتمع وتغيير حاله إلى الأفضل
نعم للاسف فهذه المؤسسات التي حولت الدين الى حرفة ومهنة يعتاش الناس منها.. ادخلي اي مؤسسة من مؤسسات الاوقاف عندنا او الاحوال الشخصية تجدين ان الموظفين فيها يتعاملون كالسماسرة للاسف. وهذا يعيدنا الى مرض امة التربية والتزكية الاول الا وهو تحولهم من خدمة الدين الى سدنة ينتفعون ماديا من الدين.

عزام
11-23-2008, 07:18 PM
اهمية اخراج الامة المسلمة

الإطار العام الذي يحدد أهمية إخراج الأمة المسلمة ويحدد مكوناتها هو قوله تعالى :
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ . وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ . وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ . وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـئِكَ مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) الأنفال 72 ـ 75 .
هكذا يبدو واضحاً من الآية الأولى (رقم 72) أن التربية الإسلامية لا تتوقف عند إعداد "الأفراد المؤمنين" وإنما تتخذ من هذا الإعداد وسيلة لهدفٍ آخر هو إخراج "أمة المؤمنين" التي يتلاحم أفرادها عبر شبكة من الروابط الاجتماعية التي تندرج تحت أسماء : الهجرة ، والجهاد ، والإيواء ، والنصرة ، والتي تكون محصلتها النهائية هي ـ الولاية ـ أي أن يتولى كل عضو رعاية شؤون الأعضاء الآخرين . أما الأفراد المؤمنين الذين يبقون خارج ـ مهجر ـ الأمة المؤمنة فهؤلاء لا فاعلية لإيمانهم ولا روابط ولا ولاية بينهم وبين "أمة المؤمنين" .
ومع أن الآيات المذكورة أعلاه تتضمن ـ كما قلنا ـ أهمية إخراج الأمة المسلمة وتتضمن المكونات الرئيسة لهذه الأمة ، إلا أن الحديث في هذا الفصل سوف يقتصر على أهمية إخراج الأمة المسلمة ، بينما يؤجل الحديث عن مكوناتها إلى الباب الذي يليه .
أما مظاهر هذه الأهمية فهي كما يلي :
الأهمية الأولى:
هي ما تنبه إليه الآية الثانية ـ آية 73 من السورة ـ حول الأضرار التي تنجم عن عدم إخراج الأمة المسلمة . وتتمثل هذه الأضرار في ضررين رئيسيين هما:
1- هيمنة ـ قيم الكفر ـ في الأرض وإخراج "أمة الكفر" حيث لا يقتصر الكافرون على ممارسة كفرهم كأفراد متناثرين وإنما يتجمعون في أمة يوالي بعضها بعضاً. فإذا لم تقم "أمة الإيمان" فسوف تتولى "أمة الكفر" القيادة في الأرض وتهيمن على مقاليد التوجيه والتخطيط والتنفيذ في كل ما يتعلق بشؤون السلم والحرب سواء.
2- إن انتقال القيادة العالمية إلى "أمة الكافرين" سوف يؤدي إلى استغلال خزائن الله من المقدرات البشرية والمادية استغلالاً سيئاً ثم يكون من نتائج هذا الاستغلال السيىء ملء الأرض بالفتن والفساد الكبير: فتن في ميادين السياسة، وفساد في ميادين الاجتماع، وتشيع الصراعات والحروب الداخلية أو الإقليمية أو العالمية، وينتشر الفساد الكبير الذي يتمثل في الانهيارات الأخلاقية وشيوع التحلل والفواحش ، وانتشار الفلسفات والأفكار الهدامة وغير ذلك . ولو نظرنا غي أحداث التاريخ ـ الذي هو بعض مظاهر آيات الله في الأنفس ـ لوجدنا براهين بينة ناصعة لهذا التقرير الذي ساقته الآية عن نتائج إخراج "أمة المؤمنين" أو هيمنة "أمة الكافرين" . فحين أخرجت "الأمة المسلمة" وأحكمت روابط "الولاية" فيها كانت نتيجة ذلك هزيمة "أمم الكفر" التي مثّلتها آنذاك أمثال فارس والروم . أما حين انحسرت التربية الإسلامية لتقتصر على إعداد "الأفراد المسلمين" الذين يعتزلون الدنيا وينتظرون الرحيل إلى العدل الأخرويّ ، فقد نسي المسلمون أنفسهم ـ مفهوم الأمة المسلمة ـ واختفت مكوناتها من مناهج التربية وأنشطتها ، وتفككت الأمة المسلمة القائمة واحتلت مكانها أمم غير مؤمنة تسلمت القيادة العالمية وملأت الأرض بالفتنة والفساد الكبير ، وصار المسلم يشد الرحال إلى "أمم الكفر" ليتعلم في مؤسساتها كيفية إخراج الأمم وبناء المجتمعات على النمط الذي تحدده له هذه المؤسسات وأهدافها في التبعية والاستعمار ، وإشاعة الفتنة ، والفساد الكبير .
والأهمية الثانية
هي ما توجه إليه الآية الثالثة ـ آية 74 من السورة ـ حول الفوائد والمنافع التي تترتب على إخراج "الأمة المسلمة" وهي ثلاث فوائد :
1- تجسيد الإيمان في "جنسية" مميزة و"هوية" خاصة، وفي حضارة إسلامية لها ثقافاتها ونظمها الأجتماعية وتطبيقاتها في ميادين السلوك والقيم والعادات والتقاليد الممتدة عبر الزمان والمكان. ولذلك وصفت الآية بأن أفراد "الأمة المسلمة" المجاهدين المتآوين المتناصرين في مهجرٍ واحد "هم المؤمنون حقاً" . أما الأقليات الإسلامية المبعثرة هنا وهناك فهذه لا تدخل في وصف "المؤمنون حقاً" لأنها لا تتمكن من أن تعيش إيمانها في "جنسية متميزة" وتطبيقات اجتماعية لها ثقافتها ولغتها ونُظمها الاجتماعية والاقتصادية والتربوية، ولها قيمها وعاداتها وتقاليدها وأخلاقها. وبالتالي لا تفرز حضارة متميزة تنحدر عبر التاريخ وتشد إليها الرحال ليتعلم الناس في مؤسساتها التربوية والإدارية كيفية الحفاظ على النوع البشري ورقيه. وإنما تذهب جهود هذه الأقليات هدراً في روافد "أمة غير مسلمة" ثم تذوب وتختفي بعد جيلٍ أو جيلين. ولذلك لن يكون قبول حياة "الأقلية" إلا ضرورة مؤقتة حتى ينجح العمل الإسلامي الصائب في إيجاد مهجر تقوم فيه "أمة المؤمنين"، فإذا قامت صارت حياة الأقلية رضى بالاستضعاف في الأرض وظلماً للأنفس ووضعها في بيئات مرهقة للإيمان تهدد بذهابه والانتهاء بأصحابه إلى عقوبة الله. ولذلك حدد القسم الثاني من الآية الأولى العلاقة بين "الأمة المسلمة" و"الأقليات المسلمة" المتناثرة خارج ـ دار الهجرة ـ بأن أفرغ هذه العلاقة من ـ الولاء والولاية ـ أي عدم المسؤولية عن الأقليات إلا ما كان من نصرتها إذا تعرضت لاضطهاد ديني من قبل أمم لا تربطها بالأمة المسلمة من مواثيق ولا معاهدات. وإن الباحث ليلمح في هذه العلاقة السلبية بين "الأمة المسلمة" و"الأقليات المسلمة" خلق نوع من الأوضاع القلقة غير المريحة التي تجبر الأقليات المذكورة على الهجرة إلى مهجر "أمة المؤمنين".
2- الاستقرار الاجتماعي والاستقرار السياسي المشار إليهما بـ(لَّهُم مَّغْفِرَة) . فالمغفرة هي تجنيب الامة المسلمة عقوبات أخطاء الأمم. وعقوبات الامم في القرآن الكريم متنوعة منها ثوران الأحقاد الداخلية ، أو إشاعة الفتن والحروب في الداخل ، أو تسليط الغزاة من خارج : ـ (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) سورة الأنعام ـ 65 . ـ (بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ) الإسراء ـ 5 .
3- الازدهار الاقتصادي المصحوب بالتماسك الاجتماعي والعلاقات الكريمة بين طبقات الامة وأفرادها، والمحافظة على كرامة الأمة وعلى قيمها وأخلاقها في الداخل، وسمعتها التاريخية في الخارج. فـ"الأمة المؤمنة" رزقها "رزق كريم" يحفظ كرامات الأفراد رجالاً ونساء فلا تضطرهم لقمة العيش إلى التفريط بكراماتهم وحرماتهم ولا إلى تجارة الفواحش والمنكر . وهو "رزقٌ كريم" يحفظ كرامة الأمة التاريخية فلا يلطخ سمعتها ويصمها بعار الغزو والاستعمار والتسلط والاحتلال، وهو يحفظ كرامتها الحضارية فلا يضطرها إلى ممارسة الفضائح ونقض المواثيق والتآمر على الأصدقاء وإيثار المنافع المادية على علاقات الرقي الحضاري. وهو "رزق كريم" يحفظ كرامة الأمة الاجتماعية فلا تحتاج إلى تقدمة أعراضها ونسائها كراقصات ومغنيات في أماكن اللهو والفاحشة لتجلب السائحين وطالبي المتع المحرمة الضارة! وأخيراً هو "رزق كريم" يحفظ للأمة المسلمة كرامتها عند الله ويمنحها كرامة الدرجات العلى في الآخرة سواء في المنزلة أو المأوى .
الأهمية الثالثة
هي ما توجه إليه الآية الرابعة ـ آية 75 من السورة ـ من خلال الإشارة إلى أن ـ الأمة المسلمة ـ هي مجتمع مفتوح غير مغلق . فباب الهجرة إليه مفتوح ، والانضمام إليه له شرط واحد فقط هو الإيمان والمشاركة في حمل الرسالة ، ومع مراعاة روابط الأرحام بين المهاجرين في جميع الأزمان حتى لا يؤدي اختلاط المهاجرين بدون ضوابط إلى التفكك الاجتماعي . فالله عليم بقوانين الاجتماع السليم وغير السليم وبالنتائج الحسنة أو السيئة . وبسبب هذه الأهمية ـ لإخراج الأمة المسلمة ـ أدرك رجالات الأمة الإسلامية الأوائل أهمية إخراج "الأمة المسلمة" ومتطلبات العضوية فيها . من ذلك ما قاله عمر بن الخطاب حين قرأ قوله تعالى : (كنتم خير أُمة أُخرجت للناس) قال : "يا أيها الناس من سره أن يكون من تلكم الأمة فليؤدِ شرط الله فيها"1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=232213#_ftn1) .
الأهمية الرابعة
هي أهمية كبرى بالنسبة إلى التربية الحديثة والعاملين في ميادين التطوير التربوي في المجالين الإقليمي والدولي . والغفلة عن هذه الأهمية سوف تكون هدراً كبيراً لمصدر أساسي من مصادر ـ التربية الدولية Global Education ـ التي تتطلع المؤسسات التربوية العالمية إلى بنائها وإشاعتها . ذلك أن مفهوم "الأمة" يُلائم المرحلة الجديدة التي وقفت البشرية على أبوابها ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم ثم أصبحت معالم هذه المرحلة واضحة جلية في زمننا ـ زمن سرعة المواصلات والاتصال والتكنولوجيا ـ حيث انهارت مفاهيم "القوم " و"الشعب" ، وأخذت الحدود بين المواطن تتهدم ، والروابط الدموية تتمزق ، واختلطت البشرية اختلاطاً شديداً من خلال الأسفار العالمية ، والتجارة العالمية ، والتبادل الثقافي العالمي ، والزواج العالمي ، ووجدت المجتمعات الحديثة نفسها بلا روابط دموية ولا روابط جغرافية ، ولا روابط ثقافية واجتماعية . بل إنه لتعاد خلخلة المجتمع الواحد ، والمدنية الواحدة ، والحي الواحد ، والمؤسسة الواحدة ، والبناية الواحدة ثم تشكيل كل منها مرة كل يوم أو كل أسبوع من حيث الجنسيات والتجمعات البشرية حيث يرحل أُناس ويحل آخرون . في هذه الظروف الجديدة يجد الإنسان نفسه بحاجة إلى "أخوة" جديدة بدل أخوة الأسر والقبائل والأقوام التي تمزقت وتناثر أعضاؤها في أطراف الأرض ، وإلى بديل عن الروابط التقليدية التي تعود إلى أطوار الرعي والاستقرار الزراعي عندما كانت التحركات والعلاقات محدودة بحدود القوم والإقليم . ومن الطبيعي أن انتهاء فاعلية الروابط التقليدية أدى إلى انتهاء فاعلية القيم والمقاييس والأخلاق التي انبثقت عن هذه الروابط، ووضع البشرية أمام نوعين من الروابط والقيم والمقاييس لا ثالث لهما :
فإما العودة إلى علاقات الغابة وطور الكهوف.
وإما روابط "الأمة" الواحدة التي تعيش في "قرية الكرة الأرضية" الواحدة في ظل عقيدة واحدة وثقافة واحدة . وفي هذه الحال لا تجد البشرية نموذجاً لهذا النوع الثاني من الروابط إلا رباط "الأمة المسلمة" بمحتوياته الفكرية ـ النفسية وتطبيقاته الاجتماعية التي تتجاوز روابط الدم والأرض والمصالح المادية وتتجاوب كلياً مع حاجات الطور العالمي الذي دلفت إليه البشرية المعاصرة .


1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=232213#_ftnref1) ـ الطبري ، التفسير ، ج4 ، ص 43 ـ 44 .

وداد
11-24-2008, 06:45 PM
ث
م نسيت هذا الهدف ، ثم انحسرت لتقصير على تربية الفرد الصالح ـ غير المصلح الذي يُهيأ منذ الطفولة للإنتقال إلى الآخرة دون التدرب على عبور محطة الدنيا . وهذا النموذج في التربية هو الذي ورثته مؤسسات التربية الإسلامية في العصور الحديثة حيث ما زالت هذه المؤسسات تعمل على أساس أنه : ((إذا صلح الفرد صلحت الأمة)) .
في واقعنا اليوم أرى أنه ليست كل المؤسسات الإسلامية تتبع هذا النموذج من التربية....

وداد
11-24-2008, 06:59 PM
ث
م جاء عيسى عليه السلام لإصلاح ما أصاب نواة الأمة الوليدة ولإخراجها من مفهوم "القومية" إلى مفهوم "عالمية أمة الرسالة" فاستخلص نفراً من الحواريين الذين تخلوا عن مفهوم "شعب الله المختار" ومضوا في الدعوة إلى ـ العالمية ـ بشكل أفراد لا بشكل "أمة".
لم أفهم هذه النقطة...عيسى بعث الى بني اسرائيل ايضا وليس الى كل الامم التي كانت موجودة في الأرض ولم تنتشر دعوته الى بعد قرون وإن حرفت ...فكيف كانت الدعوة عالمية وكيف تكون بشكل أفراد لا بشكل أمة ...ثم ألم تبدأ دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام بشكل أفراد ايضا...

وداد
11-24-2008, 07:07 PM
هناك سؤال طرح علي ذات مرة وقد أجبت عنه الا أنه قيل لي أن الإجابة ناقصة..السؤال هو لماذا اختار الله عز وجل العرب لينزل عليهم رسالته ولماذا أنزل القرآن عربيا...

عزام
11-24-2008, 08:30 PM
ث
في واقعنا اليوم أرى أنه ليست كل المؤسسات الإسلامية تتبع هذا النموذج من التربية....
يقصد الكاتب ان التركيز يكون على العبادة والواحبات الفردية لا على اصلاح المجتمع.. يكون صالحا ولكن منعزلا وليس مصلحا ومتفاعلا مع المجتمع.

عزام
11-24-2008, 08:37 PM
ث
لم أفهم هذه النقطة...عيسى بعث الى بني اسرائيل ايضا وليس الى كل الامم التي كانت موجودة في الأرض ولم تنتشر دعوته الى بعد قرون وإن حرفت ...فكيف كانت الدعوة عالمية وكيف تكون بشكل أفراد لا بشكل أمة ...ثم ألم تبدأ دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام بشكل أفراد ايضا...
ما هو ان نظرت الى مفهوم بني اسرائيل يتبين لك انه ليس مفهوما عنصريا او قوميا بل المقصود به من هم على سنة يعقوب عليه السلام.. فالرسول بعث الى قومه جغرافيا وليس الى قومه عنصريا ودليل الكاتب على ذلك ان السحرة وامراة فرعون ومؤمن آل فرعون اعتبروا مع بني اسرائيل فيما ان قارون اعتبر مع فرعون. ثم لو كان المفهوم عنصريا لما كان موسى عليه السلام طلب من فرعون ان يؤمن بل لاكتفى ان يطلب منه ان يرسل قومه معه.. ولو كان جغرافيا لما حاول يوسف عليه السلام ان يهدي السجينين معه في السجن .. والامثلة كثيرة على ذلك.. فالمسيح عليه السلام اذن بعث ليصحح مرض العنصرية هذا عند اليهود. اما لم لم دعوته اممية فذلك لأنه لم ينشىء دولة او يؤسس شريعة ونظاما لدولة مستقبلية بل كانت دعوته على صعيد الافراد.

عزام
11-24-2008, 10:05 PM
هناك سؤال طرح علي ذات مرة وقد أجبت عنه الا أنه قيل لي أن الإجابة ناقصة..السؤال هو لماذا اختار الله عز وجل العرب لينزل عليهم رسالته ولماذا أنزل القرآن عربيا...
"لا يسأل عما يفعل وهم يسألون"
لكن لعلك تعنين ما بعض اوجه الحكمة ؟
السؤال الاول يرد عليه بذكر خصائص العرب التي ذكرها الكاتب
اما الثاني فقد يساعد هذا الرابط في بيانه
http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=33122 (http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=33122)

منال
11-25-2008, 03:30 PM
السلام عليكم
بوركت أستاذ عزام
باقي لي نصف المقالة الأخيرة لكن سأتابع خارج المنتدى بإذن الله وجزاكم الله خيرا

وداد
11-26-2008, 05:53 AM
نعم أقصد بعض أوجه الحكمة..وقد قرأت مقال القرآن والعربية بارك الله بك...

عزام
11-26-2008, 06:32 AM
نعم أقصد بعض أوجه الحكمة..وقد قرأت مقال القرآن والعربية بارك الله بك...
وفيك بارك الله
هناك حكمة اضافية وهي ان القرآن الكريم صنع امة من لا شيء تقريبا
فلو انزل على حضارة قوية مثل الفرس او الرومان لما بدت عظمة تأثير القرآن جلية
لذلك يقول سيدنا عمر رضي الله عنه ما معناه "نحن قوم اعزنا الله بالاسلام فان ابتغينا العزة بغيره اذلنا الله"
فمتى نستذكر هذه المقولة ونتوقف عن الإعتزاز بالنفط تارة وبامريكا تارة اخرى

عزام
11-27-2008, 09:48 AM
مكونات الأمة المسلمة : الأفراد المؤمنون
هذا المقطع هو الاهم في الكتاب كله اذا هو يستخرج من آية واحدة من القرآن الكريم كل مكونات الامة المسلمة وسبل اخراجها فيقول ان الإطار العام الذي يحدد المكونات الرئيسة لنموذج الأمة المسلمة هو قوله تعالى :
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْض) سورة الأنفال ـ 72 .
هذه هي مكونات الأمة المسلمة : أفراد مؤمنون ، وهجرة ، ومهجر ، وجهاد ورسالة ، وإيواء ، ونصرة ، وولاية1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231730#_ftn1) . ويمكن أن نمثل لهذه المكونات بالمعادلة الرياضية التالية : أفراد مؤمنون + هجرة وتجمع في مهجرٍ واحد + رسالة وجهاد + إيواء + نصرة = أُمة مسلمة ذات ولاء متبادل .
ومن ثم يبدأ بشرح المكون الأول ألا وهو الأفراد المؤمنون:


الأفراد المؤمنون

لا يهدف البحث هنا إلى استعراض ـ الأفراد المؤمنين ـ كفئة تحمل "معتقدات" معينة عن الخالق والمنشأ والحياة والمصير كما هو في مقررات العقيدة في المعاهد والكليات الشرعية . وإنما الهدف هو تقديم الأفراد المؤمنين كعنصر من عناصر الأمة المسلمة الملائمة للطور الحاضر : طور العالمية الذي جاءت الرسالة الإسلامية على أبوابه لتزود أهله بالقيم وشبكة العلاقات الاجتماعية التي تساعد على بقاء النوع البشري ورقيه. وانطلاقاً من هذا الهدف يركز البحث على ثلاثة موضوعات : الأول؛ أهمية الأفراد المؤمنين كعنصر من عناصر الأمة . والثاني ؛ أهمية "الهوية" و"الجنسية" و"الثقافة" الإيمانية في العالم المعاصر. والثالث ؛ دور التربية في بلورة محتوى الثقافة الإيمانية وتنشئة إنسان التربية الإسلامية عليها .
أهمية الأفراد المؤمنين كعنصر من عناصر الأمة :
تبدو أهمية ـ الأفراد المؤمنين ـ في أن هذا النوع من البشر هو الذي يحقق للأمة التوازن الاجتماعي والصحة النفسية . ذلك أن طبيعة الإنسان ـ كما يعرضها القرآن الكريم ويثبت ذلك ممارسات الإنسان على الأرض ـ تشير إلى أن تكوينه النفسي شبيه بتكوينه الجسدي ، أي يتكون من عناصر تتَّحد حسب نسب معينة وتفرز تركيباً معيناً يمثل حالة الصحة ، فإذا اضطربت نسب هذا التركيب ارتفاعاً أو هبوطاً دخل حالة المرض . والحالات التي يمر بها التكوين النفسي للإنسان هي حالات : الوسطية ، والطغيان ، والهوان ، وتمثل الحالة الأولى مظهر الصحة الذي يضمن للإنسان السلام . بينما تمثل الحالتان الثانية والثالثة مظهر المرض الذي يهدد سلامة الإنسان نفسه . وإلى هذه القابلية المرضية يشير قوله تعالى :
(وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفا) سورة النساء ـ 28 .
والإيمان بالله ـ بمفهومه الإسلامي ـ هو العامل الحاسم في تقرير حالات الصحة أو المرض المشار إليها . إذ إن إحساس الإنسان بالمسؤولية أمام الله يبقيه في منزلة ـ الوسطية ـ فيمنعه من "الطغيان" وتجاوز الحدود والاعتداء على وجود الآخرين إذا كان في حالة القوة والغنى ، ويقيه من "الهوان" والسكوت على استباحة الطاغين لحرماته إذا كان في حالة الضعف والفقر .
فإذا غاب ـ الإيمان بالله ـ من وجود الإنسان تذبذب بين مرضي الطغيان والهوان ، وتراءى له ـ عند المرض الأول ـ أنه مستغنٍ بنفسه لا حاجة له إلى غيره ، وأنه قادر على الإمساك بسنن الوجود واحداثه وضربه الفرح والفخر والبطر وادعى القدرة والعلم . أما في حالة ـ المرض الثاني ـ فإن الإنسان يصاب بالكفر واليأس والهبوط عن المنزلة الإنسانية بين المخلوقات ، ويتكرر الحديث الإلهي عن حالات المرض هذه ومضاعفاتها ، من ذلك قوله تعالى :
ـ (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُوسٌ كَفُورٌ . وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ) سورة هود 9 ـ 10 .
ـ (وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) سورة يونس ـ 12 .
ـ (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوساً) سورة الإسراء ـ 83 .
ـ (فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) سورة الزمر ـ 49 .
ـ (كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى . أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى) سورة العلق 6 ـ 7 .
ـ (قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ) سورة عبس ـ 17 .
ـ (إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) سورة إبراهيم ـ 34 .
ولقد أثبت تاريخ الإنسان على الأرض هذه التقريرات القرآنية ، فالأمم التي تكونت من أفراد ينقصهم عنصر الإيمان ضربتها المضاعفات المرضية المشار إليها . ففي حالة القوة والغنى انتشر بينها سرطان الطغيان وأفرز مضاعفات : عنصرية الدم الأزرق الملوكي ، والرجل الأبيض ، وشعب الله المختار ، والطبقية الهندية ، والعالم المتقدم ، والأرستقراطية ، والسادة ، والنازية ، والفاشستية ، والدارونية الاجتماعية ، والاستعمار .
أما في حالة الضعف والفقر فقد انتشر سرطان الاستضعاف والهوان وأفرز مضاعفات : البرابرة ، والعالم المتخلف ، والبروليتاريا العمالية ، والعبيد والرقيق ، والرجل الملون ، والشودرا المنبوذين ، والعائلة الوضعية ... وهكذا .
وظهرت لكل حالة مؤسساتها ونواديها وثقافاتها المزدوجة المتناقضة . والإنسان في كلا الحالتين خاسر مهدد البقاء ، محروم الحب والاطمئنان ، إلا في الفترات التي تسلح ـ خلالها ـ بالإيمان بالله ، وعمل بهذا الإيمان ، وتواصى بالحفاظ عليه ، والصبر على تكاليفه ومجابهة الأخطار التي تهدده . وإلى هذه الفترات يشير قوله تعالى : (وَالْعَصْرِ،إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ، وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ، وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ، وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) سورة العصر 1 ـ 3 .
ولكن الإيمان بالله لا يمد الإنسان بعافية "الوسطية" ويقيه من مرضي "الطغيان" و"الهوان" إلا إذا استمد محتواه من الاجتماع البشري وتجسدت تطبيقاته في قلب الاجتماع الإنساني . وأبرز هذه التطبيقات هي :
بلورة "هوية" الإنسان الحقيقية .
ومنحه "جنسية" إيمانية واحدة .
وتزويده بـ "ثقافة" واحدة ذات مؤسسات واحدة .
بلورة "هوية" الإنسان الحقيقية .
أما عن بلورة "هوية" الإنسان الأصلية فإن ـ آيات الله في الكتاب ـ تمد العاملين في مجال التربية بإطار عام لهذه الهوية يبين أن الإنسان مفطور على الصلاح والخير . ولكن فطرته هذه رقيقة ضعيفة يضر بها المرض فيفسد في الأرض ويسفك الدماء ، ولكن التربية الإيمانية تحصنه من قابلية المرض ومضاعفاته في الإفساد والشر. ولقد عانى علم النفس الحديث كثيراً حتى استشرف هذه الحقيقة عن طبيعة الإنسان . وهو استشراف ما زال في مراحل الحديث النظري ولما يأخذ طريقه إلى ميادين التطبيق العملي في التربية والسياسة والاجتماع والاقتصاد . ولقد قام ـ أبراهام ماسلو ـ رائد علم النفس الإنساني بأبحاث واسعة في ميدان البحث في الطبيعة الإنسانية وخلص إلى تعديلات كبيرة في معارف علم النفس عن الإنسان وانتهى إلى الإطار الذي يرسمه القرآن في هذا المجال . ومما قاله في هذا الشأن :
"إن غلطة فرويد الكبيرة ، والتي نحاول تصحيحها الآن ، هي أنه اعتقد أن العقل الباطن مجرد شر غير مرغوب به . ولكن العقل الباطني يحمل معه أيضاً جذور الإبداع ومتع السعادة ، والخير ، وقواعد الأخلاق ، والقيم الإنسانية . فنحن الآن نعلم أن هناك عقلاً باطناً صحياً سليماً مثلما أنّ هناك عقلاً باطنياً سيئاً وسقيماً .
وتقوم مدارس علم النفس الحديثة بدراسة هذا بطريقة كاملة ، كما أن المعالجين النفسيين بدأوا يضعون هذا المفهوم موضع التطبيق ..."1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231730#_ftn2) .
ويحددـ ماسلو ـ الإطار الحديث الذي توصل إليه علم النفس عن الطبيعة الإنسانية في الخطوط العريضة التالية :
ـ في داخل كل فرد طبيعة بيولوجية أساسية هي إلى درجة معينة طبيعة جوهرية وهي غير قابلة للتغير .
ـ كل طبيعة داخلية هي جزء متميز في كل فرد من ناحية ، ومن ناحية أخرى هي مشتركة في الجنس الإنساني كله .
ـ يمكن دراسة هذه الطبيعة علمياً واكتشافها والتعرف عليها .
ـ لا تبدو هذه الطبيعة الإنسانية شريرة بالأصل ، وإنما الحاجات الأساسية لها والعواطف الإنسانية الأساسية والطاقات الإنسانية الأساسية هي بالأصل محايدة وإيجابية وخيرة . أما النزعة إلى التخريب و"السادية" والقسوة والحقد وأمثال ذلك فيبدو أنها ليست أساسية وإنما هي ردود فعل عنيفة ضد الإحباطات والفشل في تحقيق الحاجات الأساسية .
ـ بما أن هذه الطبيعة الإنسانية الداخلية محايدة وخيرة فمن الأفضل استخراجها وتشجيعها أكثر من كبتها والضغط عليها ، وإذا سمح لها أن توجه حياتنا فسوف نعيش أصحاء ومنتجين وسعداء .
ـ وإذا تعرض جوهر الإنسان هذا للضغط أو الرفض فسوف يعتريه المرض بطريقة واضحة أحياناً وبطرقٍ ملتوية أحياناً أخرى ، وأحياناً في الحال ، وأحياناً فيما بعد .
ـ هذه الطبيعة الإنسانية ليست قوية وصلبة وليست معصومة عن الخطأ وإنما هي ضعيفة ورقيقة ومن السهل أن تتغلب عليها العادة والضغط الثقافي والاتجاهات الخاطئة2 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231730#_ftn3) .
ولقد أثبت تاريخ الإنسان على الأرض أن هذه الطبيعة الخيرة في الإنسان لا يستخرجها إلا الإيمان بالله وما يقتضيه هذا الإيمان من أعمال وتطبيقات .
الجنسية الإسلامية
وأما عن "الجنسية" فالقرآن واضح وصريح في اشتقاق جنسية الإنسان من "الأفكار" التي يدور في فلكها . فالذين يدورون في فلك ـ أفكار ـ الرسالة الإسلامية أسماهم "المؤمنين" ، والذين يكفرون ـ أي يحجبون ويخفون ـ أفكار الرسالة ويقفون عند "أفكار" خاطئة تقتصر على معالجة الرغبات العاجلة في محطة ـ الحياة الدنيا ـ يطلق عليهم اسم "الكافرين" ، والذين ينفقون "الأفكار" من أجل تعزيز ولاءاتهم لـ"الأشخاص" و"الأشياء" يُطلق عليهم اسم "المنافقين" .
والنموذج الأول ـ نموذج المؤمنين ـ هو الذي تشتق "جنسية" الإنسان المسلم منه وتتطلع التربية الإسلامية إلى تنشئته . ويشدد القرآن الكريم على هذه الجنسية ويربط بينها وبين الغاية من إخراج الأمة المسلمة والوظيفة التي أخرجت من أجلها . من ذلك قوله تعالى :
(وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) سورة الحج ـ 78 .
ويلحق بـ"جنسية" الإنسان المؤمن "طبقته" داخل الأمة المسلمة . وتتقرر هذه الطبقة طبقاً لدرجة ـ اتقائه ـ من الإصابة بمرض الطغيان أو الهوان ، وإلى هذا المقياس يشير قوله تعالى :
(إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) سورة الحجرات ـ 13 .
وبهذا المقياس تحددت في مجتمع النبوة طبقات الأمة المسلمة فظهرت طبقة "المهاجرين" و"طبقة الأنصار" و"طبقة الطلقاء" و"طبقة المنافقين" . وهذا مقياس لا اعتبار فيه لعامل القوة الذي يدور في فلك "الأشخاص" ولا لعامل الثروة الذي يدور في فلك "الأشياء" وإنما يقوم على أساس اتقاء مرضي الطغيان والهوان اللذين يدوران في فلك "أفكار" الرسالة الإسلامية .
ولقد ثبت تاريخ الحضارة الإسلامية أنه طالما ظلت "جنسية" الإنسان المسلم تستمد من (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ) فإن الأمة المسلمة ظلت تعيش لحمل الرسالة إلى الناس في الخارج ، وظلت "الطبقة العليا" مفتوحة لكل من "اتقى" مرضي الطغيان والهوان مهما كان أصله ولونه وغناه أو فقره . وحين تحولت لتشتق "الجنسية" من الولاء لـ"أشخاص" الحاكمين و"أشيائهم" و"أقاليمهم" توقفت عن حمل الرسالة واشتغلت بغيرها من أشياء الدنيا ومالكي هذه الأشياء وظهر فيها الأشراف والموالي والسادة والمستخدمين والمماليك .
ثقافة الإنسان المؤمن
وأما عن "ثقافة" الإنسان المؤمن فهي تعني ـ هنا ـ : القيم ونظم الحياة ، والإدارة ، والعادات والتقاليد ، والأخلاق ، والفنون التي تجسد الإيمان في تطبيقات عملية تميز حياة المؤمنين عما سواها ، وتحتل التفصيلات المتعلقة بهذه الثقافة جزءاً كبيراً من القرآن الكريم . من ذلك قوله تعالى :
(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ .وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ . فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ . أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ . الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) سورة المؤمنون 1 ـ 11 .
ومنها قوله تعالى :
(وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً .وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً . وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً . إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً . وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً .وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً . إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً . وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً .وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً . وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً . وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً . أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَاماً . خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً) سورة الفرقان 63 ـ 76 .
والحديث النبوي وتطبيقات السنة يحددان للثقافة والقيم الإسلامية قوائم سلوكية تصل إلى بضع وستين شعبة أو بضع وسبعين تتكون منها مجتمعة "ثقافة" إيمانية فعالة توجه النشاطات والممارسات وتقيم شبكة علاقات اجتماعية تبلغ بالأمة المسلمة مرتبة الجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231730#_ftn4) . كذلك قام لهذه "الثقافة" الإيمانية حدود مميزة منعتها من التداخل مع "الجنسيات" و"الثقافات" المستمدة من الانتماءات العرقية والإقليمية والمصالح المادية . والتوجيهات القرآنية في هذا الشأن كثيرة صارمة منها قوله تعالى :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ . قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) سورة التوبة 23 ـ 24 .


1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231730#_ftnref1) ـ لقد تكرر ذكر هذه المكونات الست في مواضع أخرى من القرآن الكريم وبصيغٍ أخرى . من ذلك قوله تعالى : (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) سورة الحج ـ 78 .


1 ـ Abraham Maslow , The Father Reaches of Human Nature P. 167.


2 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231730#_ftnref3) ـ Abraham Maslow , Toward a Psychology of Being , PP. 3 - 4.


1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231730#_ftnref4) ـ للإطلاع على شعب الإيمان راجع كتاب شعب الإيمان ، للبيهقي ، أو كتاب ـ الإيمان ـ لابن مندة .

عبد الله بوراي
11-27-2008, 11:43 AM
متابع معكم بارك الله فيك
واصل هذه الدرر
جزاك الله خيراً
تلميذكم
عبد الله

عزام
11-27-2008, 12:32 PM
متابع معكم بارك الله فيك
واصل هذه الدرر
جزاك الله خيراً
تلميذكم
عبد الله
وفيك بارك الله
انتبه ساسألك سؤالا في مرحلة ما
فعليك ان تكون مستعدا للاجابة :mad:

عبد الله بوراي
11-27-2008, 02:18 PM
وفيك بارك الله
انتبه ساسألك سؤالا في مرحلة ما
فعليك ان تكون مستعدا للاجابة :mad:
واصل ولا تفاصل
وعبد الله
جاهز
إن شاء الله
عبدالله

عزام
11-27-2008, 02:22 PM
واصل ولا تفاصل
وعبد الله
جاهز
إن شاء الله
عبدالله
وانت اختبرني بالامازيغي ان شئت
عساني اصير فطحلا
تنمرت

عبد الله بوراي
11-27-2008, 02:38 PM
في سورة العصر أخي
قُيد شرط الفوز بالنجاة
بثلاث
الأيمان
العمل
وصلاح العمل
والأخير
لايقف عنده الإنسان طويلاً
فقد نجد من إسمها حليمة ... مثلاً ... تقول أني مؤمنة وأنا أعمل بس في مكان مشبوه
بس كله عمل... !!!
فنقول لها إن شرط العمل هنا هو الصلاح ...أى العمل الصالح
وما ينطبق على حليمة .. ينطبق على ... أحمد .. وحمود
....

عزام
11-27-2008, 02:42 PM
بارك الله فيك اخي عبدالله
هذه سناتي اليها ان شاء الله عند الحديث عن اخلاق المكون الأول للامة الاسلامية الا وهو المؤمن.

منال
11-27-2008, 03:50 PM
وهذه الآية أيضا:
"يأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون"

ولي عودة لإكمال القراءة بإذن الله

منال
11-30-2008, 07:00 PM
جزاك الله خيرا أ. عزام بانتظار الدرس الجديد

لكن ما هذا الذي بالأحمر؟

ولقد أثبت تاريخ الإنسان على الأرض هذه التقريرات القرآنية ، فالأمم التي تكونت من أفراد ينقصهم عنصر الإيمان ضربتها المضاعفات المرضية المشار إليها . ففي حالة القوة والغنى انتشر بينها سرطان الطغيان وأفرز مضاعفات : عنصرية الدم الأزرق الملوكي ، والرجل الأبيض ، وشعب الله المختار ، والطبقية الهندية ، والعالم المتقدم ، والأرستقراطية ، والسادة ، والنازية ، والفاشستية ، والدارونية الاجتماعية ، والاستعمار .
أما في حالة الضعف والفقر فقد انتشر سرطان الاستضعاف والهوان وأفرز مضاعفات : البرابرة ، والعالم المتخلف ، والبروليتاريا العمالية ، والعبيد والرقيق ، والرجل الملون ، والشودرا المنبوذين ، والعائلة الوضعية ... وهكذا .

عزام
12-01-2008, 12:15 PM
وجزاك خيرا مثله

"Blue" blood

Blue blood is an English idiom (http://en.wiktionary.org/wiki/Category:English_idioms) recorded since 1834 for noble birth or descent; it is a translation of the Spanish phrase sangre azul, which described the Spanish royal family (http://en.wikipedia.org/wiki/Royal_family) and other high nobility who claimed to be of Visigothic (http://en.wikipedia.org/wiki/Visigothic) descent, while their subjects were largely of mixed descent (Iberian, Celtic, and Roman). There is no connection between the phrase and the actual blood color of nobility; however, in the ancient and medieval societies of Europe, much of the upper class (http://en.wikipedia.org/wiki/Upper_class) may have had superficial veins (http://en.wikipedia.org/wiki/Superficial_vein) that appeared blue through their untanned skin, in contrast with the working class (http://en.wikipedia.org/wiki/Working_class) of the time, mainly agricultural peasants

عزام
12-01-2008, 12:23 PM
White supremacy is the belief that white people (http://en.wikipedia.org/wiki/White_people) are superior to other racial groups (http://en.wikipedia.org/wiki/Race_(classification_of_human_being s)). The term is sometimes used specifically to describe a political ideology (http://en.wikipedia.org/wiki/Political_ideology) that advocates the social (http://en.wikipedia.org/wiki/Society) and political (http://en.wikipedia.org/wiki/Politics) dominance of whites.[1] (http://en.wikipedia.org/wiki/White_supremacy#cite_note-0#cite_note-0)
White supremacy, as with racial supremacism (http://en.wikipedia.org/wiki/Supremacism) in general, is rooted in ethnocentrism (http://en.wikipedia.org/wiki/Ethnocentrism) and a desire for hegemony (http://en.wikipedia.org/wiki/Hegemony)[citation needed (http://en.wikipedia.org/wiki/Wikipedia:Citation_needed)]. It is associated with varying degrees of racism as well as a desire for racial separation (http://en.wikipedia.org/wiki/Racial_separation). White supremacy has often resulted in anti-black (http://en.wikipedia.org/wiki/Black_people) racism and antisemitism (http://en.wikipedia.org/wiki/Antisemitism).

Different forms of white supremacy have different conceptions of whiteness (http://en.wikipedia.org/wiki/Whiteness), and not all white supremacist organizations agree on which group is their greatest enemy.[2] (http://en.wikipedia.org/wiki/White_supremacy#cite_note-1#cite_note-1) White supremacists frequently consider Jews (http://en.wikipedia.org/wiki/Jew) to be the gravest threat to their cause, because Jews are thought to be able to assimilate much more easily than other ethnic groups.[3] (http://en.wikipedia.org/wiki/White_supremacy#cite_note-2#cite_note-2)

عزام
12-01-2008, 12:27 PM
Colored is a North American (http://en.wikipedia.org/wiki/North_America) euphemism (http://en.wikipedia.org/wiki/Euphemism) once widely regarded as a polite description of black people (http://en.wikipedia.org/wiki/Black_people) (i.e., persons of sub-Saharan (http://en.wikipedia.org/wiki/Sub-Saharan) African ancestry (http://en.wikipedia.org/wiki/Ancestry); members of the "Black race (http://en.wikipedia.org/wiki/Race_(classification_of_human_being s))"). It should not be confused with the more recent term people of color (http://en.wikipedia.org/wiki/Person_of_color), which attempts to describe all "non-white peoples (http://en.wikipedia.org/wiki/White_people)", not just blacks.
The term "colored" appeared in North America during the colonial era (http://en.wikipedia.org/wiki/Colonial_era). A "colored" man halted a runaway carriage that was carrying President (http://en.wikipedia.org/wiki/President) John Tyler (http://en.wikipedia.org/wiki/John_Tyler) on March 4 (http://en.wikipedia.org/wiki/March_4), 1844 (http://en.wikipedia.org/wiki/1844). In 1863, the War Department established the "Bureau of Colored Troops (http://en.wikipedia.org/wiki/Bureau_of_Colored_Troops)." The first twelve Census (http://en.wikipedia.org/wiki/Census) counts in the U.S. enumerated "colored" people, who totaled nine million in 1900. The Census counts of 1910–1960 enumerated "negroes."

عزام
12-01-2008, 07:57 PM
8- أهمية "الهوية" و"الجنسية" و"الثقافة" الإيمانية في العالم المعاصر :
في الماضي أدت نظريات "هوية" الإنسان مثل "الدارونية الاجتماعية" و"التقسيمات العرقية" و"الأديان القائلة بطبقية الخلق" إلى ظهور سياسات الصراع والبقاء للأقوى ، والغزو ، والاستعمار ، وظهور ممارسات التسلط الطبقي ، وعدم المساواة ، والرق ، والاستئثار بمصادر العيش . وجميع هذه التطبيقات ما زالت تهيمن على السلوك البشري والعلاقات بين الأفراد والجماعات والشعوب وتملأ حياتهم بالقلق والاضطراب والشقاء والمآسي .
كذلك أدت صعوبة المواصلات وقصر مسافات السفر وضيق دائرة الحركة ـ في الماضي ـ إلى ظهور الحدود الإقليمية والقومية . فكان الإنسان لا يتحرك في الغالب إلا داخل حدود الإقليم . وكان الفرد يجد في المجتمع القائم على انتماءات الدم والعصبيات القبلية والإقليمية والقومية ما يشبع حاجته في الانتماء . ولذلك كانت هذه الإنتماءات هي المصادر الوحيدة لتحديد "الجنسية" وبلورة "الثقافة" . فكانت الإقامة الدائمة والتواصل الدائم يوفران نوعاً من القيم المحلية التي يمكن أن نسميها "قيم المصانعة" ، وهي قيم تقوم على خجل الناس بعضهم من بعض ومراعاة شؤون بعضهم بعضاً ، والتردد عن الإساءة لبعضهم بعضاً ، فإذا اشتدت الخلافات وانفجرت الخصومات كان للقيم المذكورة دورها في إصلاح العلاقات وترميمها . وهكذا تطور نوع من الثقافة والعادات والتقاليد التي تسهم في انسجام الأذواق محلياً ، وبذر بذور الخلاف عالمياً .
ثم جاء العصر الحاضر ـ عصر التكنولوجيا وقرية الكرة الأرضية ـ فأفرز ظاهرتين فريدتين :
الأولى : تزويد الإنسان بأدوات فاعلة يمكن استعمالها للدفاع عن الإنسان وبناء حياته ، أو لفناء الإنسان وتدمير مقومات حياته . والإيمان بالله هو العامل الحاسم في أحد الاستعمالين.
والظاهرة الثانية : هي انهيار الحدود بين الأقطار والقوميات والثقافات ، وتفتت القبائل والعائلات ، ووهنت روابط الدم والإقليم إلا في أماكن معزولة ومواقف هشة متسارعة الانهيار والانحسار ، ودخلت المجتمعات البشرية في طور جديد تتميز الحياة فيه بالإقامة الموقوتة والجوار الموقوت ، وانقلب التجانس الثقافي إلى "خلطة" مضطربة من الثقافات والتقاليد والعادات والقيم في المدينة الواحدة ، وأحياناً في البناية الواحدة ، مما ساعد على تمزق الروابط القائمة وتنافر الأذواق والتوتر في العلاقات في المواقف المختلفة ، ووجد الإنسان المعاصر نفسه يعيش في تجمعات وأكوام بشرية مجردة من الروابط والانتماءات ، إلا ما كان من روابط المصالح المتذبذبة والشهوات الآنية الموقوتة .
ولقد أفرزت هذه التغيرات المضطربة أزمات ثلاث : الأولى ؛ عدم ملاءمة "الهوية" الشائعة عن الإنسان . والثانية ؛ عدم ملاءمة "الجنسية" المحلية التقليدية . والثالثة ؛ انهيار نظم "الثقافة والقيم" المحلية القديمة .
أما عن الأزمة الأولى ؛
فإن "الهوية" التي طرحتها ـ وما زالت تطرحها ـ الدارونية الاجتماعية للإنسان والقائمة على أن البقاء للأقوى ، قد بررت عمليات القتل والجريمة سواء بين الأفراد والطبقات داخل كل مجتمع أو بين المجتمعات والمجتمعات الأخرى . ولا تقتصر مضاعفات هذه "الهوية" على شعوب العالم الثالث المتخلف تكنولوجياً وإنما تشمل العالم المتقدم تكنولوجياً الذي يتفوق في أدوات القتل والدمار . فالأفراد "الأمريكيون والأوروبيون" الذين يحاربون "الآسيويين والأفارقة" في جيوش تستولي على مصادر الثروة والطاقة هم أنفسهم الذين يعودون إلى بلادهم ليقتل بعضهم بعضاً من أجل ما في جيوبهم من جنيهات ودولارات .
وأما عن الأزمة الثانية ؛
فقد تحولت ـ الجنسية ـ المحلية إلى قيد خانق لحرية الفرد في التعبير والاختيار في الداخل ، وحريته في التنقل والعمل والإقامة في الخارج .
ففي الداخل قامت علاقات "الجنسيات" المستمدة من العصبيات العائلية والإقليمية والقومية على أساس هيمنة عصبية معينة على بقية العصبيات والاستئثار بالجاه والتملك مما تسبب في ظهور علاقات الريبة وعدم الثقة والخوف والتآمر وقيام المؤسسات البوليسية ودوائر التجسس والمخابرات لتقصي نشاطات خصوم العصبيات الحاكمة ومجابهتها .
وفي الخارج اشتعلت الصراعات الدولية وقامت علاقات الدول على المخادعة والتجسس والتآمر ثم الانتهاء إلى الصراع المكشوف والانفجارات العسكرية المدمرة .
وفي المجال الإقتصادي أشاعت "الجنسيات" المستمدة من العصبيات العائلية والإقليمية والقومية ، الاحتكار والترف في ناحية والحرمان والفقر في ناحية أخرى ، وتسببت بظواهر الاستعمار والعدوان ونهب ثروات الشعوب في الوقت الذي تضع الدول المستعمرة ـ بكسر الميم ـ الحواجز والعراقيل وقوانين السفر والإقامة التي تمنع أصحاب "الجنسيات" المستعمرة ـ بفتح الميم ـ والمغايرة من المساواة في فرص الإقامة ومصادر العيش الكريم .
لهذا كله صارت المجتمعات المعاصرة بحاجة إلى مفهوم جديد في "الجنسية" ، مفهوم لا تتحكم به عصبيات عرقية أو إقليمية أو مصالح مادية . ومن الإنصاف أن نقول إن شعوب أوربا وأمريكا قد نزعت عن "الجنسيات" فيها قيود السفر والعمل والإقامة وأحالتها إلى مجرد أدوات لـ"التعارف" ، تماماً كما يوجه قوله تعالى : (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) سورة الحجرات ـ 13 ، بينما يستمر "فقهاء الملوك والرؤساء" يسهمون في تعزيز سجون "الجنسيات" العصبية وقيودها ومضاعفاتها التي أدت إلى وفاة الأمة الإسلامية ومزقتها في الأرض كل ممزق .
وأما عن الأزمة الثالثة ؛
أي انهيار نظم "الثقافة والقيم" المحلية القديمة فقد صار الإنسان المعاصر يعاني مما يسميه علماء الاجتماع وعلماء النفس الإحباط وخيبة الأمل والإحساس بالإغتراب والشعور بالضعف والمعاناة من عدم الانسجام ومظاهر الشذوذ في الحياة والسلوك.
ولقد حلّت محل القيم المحلية المنهارة قيم جديدة يمكن أن نسميها ـ قيم المصلحة ـ وهي قيم تشبه مناديل الورق التي يستعملها الإنسان للحظات أو دقائق ثم يُلقي بها في سلة النفايات وبراميل القاذورات . لذلك أصبح المجتمع المعاصر يعاني من مظاهر التفكك والانحلال واللامبالاة وانهيار الصدقات والعلاقات دون أن يحسب الناس لبعضهم بعضاً كبير حساب . لهذا كله صارت المجتمعات المعاصرة بحاجة إلى مفهوم جديد في "الثقافة والقيم" التي توفر للإنسان حاجاته في الانتماء والتقدير أينما حل وأقام ، وتوفر له الأمن والاستقرار أينما سافر وعمل .
ولكن الحلول التي يطرحها المختصون لأزمة "الثقافة والقيم" ما زالت حلولاً متخلفة قاصرة ، بل إن بعضها ليزيد الطين بلاّت والويل ويلات . ومثال ذلك ما يقترحه ـ ألفن توفلر أحد مشاهير المفكرين المستقبليين في كتبه المختلفة مثل كتاب ـ صدمة المستقبل الذي طبع في سنة واحدة تسع طبعات بلع عددها 27 مليون نسخة ، كما ترجم إلى عدة لغات وما زال يُطبع ويُترجم بالكثافة والانتشار نفسيهما .
لقد عالج ـ توفلر ـ التغيرات الكاسحة التي تحدثها التكنولوجيا في شبكة العلاقات الاجتماعية على المستويات المحلية والعالمية ، واجتهد أن يضع شبكة علاقات جديدة لمجتمعات المستقبل . ولقد كان في تشخيصه دقيقاً عميق الحس ؛ فهو مثلاً يذكر أن التكنولوجيا الحديثة حولت المجتمعت الحديثة إلى من أسماهم ـ البدو الجدد الذين يركبون الطائرات بدل الجمال ، وينزلون في المطارات بدل المضارب ، وينامون في الفنادق بدل الخيام ، ويحملون الحقائب بدل ـ الأخراج والأكياس ـ وكذا ... وكذا ...
ولكن معالجته وحلوله جاءت بالطامات الكبرى ، فهو ـ مثلاً ـ يقترح "النسبية المطلقة" في القيم والأخلاق والسلوك ، ويدعو إلى تبرير جميع ألوان الشذوذ والانحراف ، وتدمير الأسر ، والروابط الاجتماعية ، وإلى إيجاد مؤسسات الأمومة ، وتفريخ الأطفال بالجملة ، والزواج المؤقت ، واستئجار الأرحام ، وبيع النطف ، والسماح بالأسر التي يكونها ذوو الشذوذ الجنسي ، وبالصدقات الموقوتة ، على أن يكون المحور التي تدور في فلكه كل هذه الظواهر المقترحة هو توفير الطاقات العاملة لمراكز الإنتاج والعمل1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=234447#_ftn1) .
ولو تعدينا ـ ألفن توفلر ـ إلى غيره من مشاهير المفكرين من أمثال : ثيودور روزاك ، ودانيال بل ، وفرتز شوماخر ، وديفيد بربل ، ورينه دوبو، لوجدنا أيضاً أن إبداعاتهم تقف عند تشخيص الأزمة القائمة في "الثقافة والقيم" . أما المعالجة والحلول فلا تتعدى صيحات التحذير واستنفار المختصين والدعوة إلى تضافر الجهود للبحث عن شبكة علاقات اجتماعية جديدة مع مراعاة الانفتاح على ثقافات العالم كله والاستعداد لتقبل البديل المنقذ المناسب2 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=234447#_ftn2) .
وهناك فريق ثالث يحمل اسم ـ الواقعيين ـ ، وهؤلاء يبررون الصراعات الداخلية والحروب الخارجية على أساس أن الحياة تنظمها قوانين البقاء للأقوى أو ما يُسمى بـ"الدارونية الاجتماعية" . وهذه فلسفات تبرر عمليات الصراع والقتل والتدمير وترك الإنسان المهزوم لمصيره في الهلاك إذا نزلت به الكوارث العسكرية والطبيعية والأزمات الإقتصادية3 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=234447#_ftn3) .
وحين نمعن النظر في الخارطة الفكرية للعالم المعاصر : عالم قرية الكرة الأرضية الذي استحالت فيه القارات إلى حارات ، والأجناس إلى عائلات ، والأقطار إلى بيوت ، لا نجد منقذاً إلا أن تتوجه البشرية إلى عنصر الإيمان بمفهومه الإسلامي لتستمد منه "هويتها" و"جنسيتها" و"ثقافتها" ، وليمدها بقيم التقوى التي تلازم ـ البدو الجدد حسب تسمية ألفن توفلر ـ أينما رحلوا وأينما حلوا ، وتشدهم إلى قوة أعلى هي معهم أينما كانوا ، تراقبهم ويراقبونها ، ويحسبون حسابها أينما كانوا ، قوة الله تعالى القائل :
(وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ) سورة الحديد ـ 4 .
(وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) سورة ق ـ 16 .


1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=234447#_ftnref1) ـ Alvin Toffler , Future Shock , P. P. 95 – 262.

2 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=234447#_ftnref2) ـ راجع ـ فلسفة التربية الإسلامية ـ للمؤلف ، ص 57 ـ 63 ، 258 (طبعة ثانية) .

3 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=234447#_ftnref3) ـ راجع ـ أهداف التربية الإسلامية ـ للمؤلف ن ص 269 ، 271 .

منال
12-04-2008, 08:11 PM
جميل هذا التحليل وإن كنت لم أفهم المقدمة جيدا إلا بعد إكمال المقالة... وصلت لمثال المفكر وأكمله غدا بإذن الله
بانتظار الدرس الجديد وبارك الله فيك استاذ عزام

عزام
12-05-2008, 01:36 PM
جميل هذا التحليل وإن كنت لم أفهم المقدمة جيدا إلا بعد إكمال المقالة... وصلت لمثال المفكر وأكمله غدا بإذن الله
بانتظار الدرس الجديد وبارك الله فيك استاذ عزام

وفيك بارك الله
عزام
9- دور التربية في إخراج الأفراد المؤمنين وتنمية تطبيقات الإيمان في "الهوية" و"الجنسية" و"الثقافة" :
في تاريخ التربية الإسلامية طريقتان لإخراج الأفراد المؤمنين وتنمية تطبيقات الإيمان الاجتماعية في "الهوية" و"الجنسية" و"الثقافة" .
الأولى ؛ طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم وامتداداتها في العصر الراشدي . والثانية ؛ طريقة القولبة الفكرية أو صب معتقدات الأفراد في قوالب غيبية معينة خارج الاجتماع البشري وشؤون الأفراد وعلاقات الجماعات .
وتقوم الطريقة الأولى على توجيه الوحي المتدرج للرسول ومن معه إلى تدبر أفعال الله وسننه وقوانينه في خبراتهم الفردية والاجتماعية والكونية التي يمرون بها يومياً . أي إن هذه الطريقة كانت تهيىء لآيات الوحي أن تتفاعل في نفس المتعلم مع آيات الآفاق والأنفس في تجارب عملية يكون من ثمراتها حصول "اليقين" ثم ـ الإيمان ـ الذي يتنزل الوحي بالدعوة إليه . وكان محتوى هذه التجارب يتمركز في قلب الاجتماع البشري وشبكة العلاقات الاجتماعية القائمة في ميادين الفكر والثقافة والسياسة والاقتصاد والفن والاجتماع وسائر شؤون الحياة . وكانت المحصلة النهائية لهذه التجارب العملية هي هدم ـ صنمية العصر ـ أي صنمية الأنداد الذين يتلاعبون بمصائر البشر ويحددون "جنسيات" الجماعات الإنسانية و"طبقاتها" و"ثقافتها" طبقاً لمصالح عائلاتهم أو طبقاتهم أو قبائلهم أو أقاليمهم أو قومياتهم في التملك والجاه والهيمنة . وفي إطار هذا المحتوى جاءت بقية مكونات الإيمان .
فالإيمان بالله جاء ليقرر أن الله وحده هو رب العوالم والممالك لها والهادي إلى النهج المستقيم المؤدي إلى النعمة والهداية . وليكف أيدي الأصنام ـ الأنداد عن تحديد "الجنسيات" و"الطبقات" و"الثقافات" الصنمية ، وعن وضع الدساتير وشبكة العلاقات الاجتماعية التي تبرر لهم التصرف بحياة البشر ومقدراتهم ومصائرهم فيعزون ويذلون ، ويرزقون ويفقرون ، ويحيون ويميتون .
والإيمان بالملائكة جاء لتعميق الحس الداخلي برقابة ملائكة الله وتدوينهم لأعمال البشر ونشاطاتهم التي تتفاعل خلال الحياة اليومية وتجري في السر والعلن .
والإيمان بالكتب الإلهية استهدف استيقات المؤمنين بمنافع هذه الكتب وتمكينها من توجيه الممارسات اليومية في ميادين الحياة المختلفة .
والإيمان بالرسل استهدف إبراز أهمية الاقتداء بهم وبرسالاتهم وأثر هذا الاقتداء في حفظ النوع البشري ورقيه.
والإيمان بالآخرة استهدف تنمية الشعور بالمسؤولية والمحاسبة المستقبلية عن جميع أشكال التصرف بالأمانات والمسؤوليات الموكلة للإنسان في الحياة الدنيا .
والإيمان بالقدر خيره وشره استهدف إخراج أمة تعي أهمية "التفكير السنني ـ القانوني" الذي ينفي أثر أهواء "الأصنام ـ الأنداد" ورغباتهم في مجرى الحياة ، والإيقان بأن كل شيء خلقه الله بقدر ـ أي بقانون ـ ثم يكون من ثمار هذا الإيقان الالتزام بالتفكير العلمي والمناهج العلمية في جيمع الممارسات والسياسات وأشكال التخطيط والتنفيذ والتقويم ، والإيقان بأن السلوك الخيّر يورث آثاراً اجتماعية خيّرة متقدمة ، وأن السلوك السيىء يورث آثاراً اجتماعية سيئة متخلفة ، وأن جميع الدعاوى الإعلامية والفكرية التي تنسب المنجزات الخارقة لإرادات أصحاب النفوذ ، أو الوعود التي تنقل عنهم ، لا أثر لها في مجريات الحياة وتطور الأحداث ، وأن إرادات أهل النفوذ حين تصطدم بأقدار الله ـ أي قوانينه وسننه ـ لا يكون من ثمارها إلا الضنك والاضطراب والفشل والخسران .
أما ـ الطريقة الثانية ـ طريقة القولبة الفكرية ـ أي صب معتقدات الأفراد في قوالب غيبية خارج الاجتماع البشري ، فقد نشأت في المؤسسات التربوية الإسلامية حين هيمن رجال القوة على رجال الشريعة ودحروهم من البحث في شؤون الاجتماع البشري ـ خاصة شؤون الحكم والمال ـ . ومنذ ذلك التحول قام عمل المؤسسات المذكورة في إخراج الأفراد المؤمنين على أساس تلقين المتعلمين "فهم" إنسان معين أو فرقة معينة للإسلام للذين يقعون تحت نفوذ هذه الفرقة في جميع الأمكنة والأزمنة والأسلوب الذي استعمل في هذه القولبة قام على مجرد تلقين ذلك "الفهم" دون أن يصاحب التلقين تجارب عملية في مختبر الآفاق والأنفس . فكان من ثمار هذا التلقين المجرد تكوين "اعتقاد" معين ـ أي أفكار مثبتة ـ لا يتغير ولا يتبدل . ثم تطورت هذه الأساليب وأفرزت مناهج تربوية باسم "مباحث العقيدة" . والعقيدة ـ كدلالة على الإيمان الصحيح أو الخاطىء ـ مصطلح لم يرد في القرآن والسنة ، وإنما الذي ورد هو "اليقين" ومشتقاته في الأفعال والأسماء حيث تكرر ذكرها في 28 موضعاً من سور القرآن الكريم ، من ذلك قوله تعالى :
ـ (يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) سورة الرعد ـ 2 .
ـ (قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) سورة البقرة ـ 118 .
ـ (مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً) سورة النساء ـ 157 .
ـ (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) سورة الأنعام ـ 75 .
وهناك فرق كبير بين "الاعتقاد أو العقيدة" وبين "اليقين" . فالاعتقاد مجرد تقبل وتسليم سببه تزاوج "فهم" معين مع "ميل" إيجابي أو سلبي نحو هذا الفهم ، فيتولد اعتقاد إيجابي أو اعتقاد سلبي . ويمكن أن نمثل لهذا المنهج بالمعادلة التالية :
الاعتقاد أو العقيدة (الإيجابية) = فهم معين + ميل أو هوى إيجابي
الاعتقاد أو العقيدة (السلبية) = فهم معين + ميل أو هوى سلبي
فالاعتقاد إذاً قبول فهم معين بسبب ميل نفسي دون "برهان" محسوس . ولقد كان الدافع الأول وراء بروز ظاهرة الاعتقاد هو الميول والولاءات المذهبية والطائفية . وما زالت هذه الولاءات والميول تؤثر في الانتماءات "العقائدية" للأحزاب والجماعات المعاصرة حيث يتداعى غالبية الأعضاء إلى الانتماء دونما برهان أو دليل .
والثمرة النهائية لـ"الاعتقاد أو العقيدة" هي إخراج إنسان يختزن في رأسه أفكاراً معينة دون برهان أو دليل ، و"يعصب" عينيه وأذنيه عن كل ما يخالف هذه الأفكار أو لا يرضيها . ويكون من مضاعفات شيوع هذه ـ الاعتقادات ـ إقفال العقول وعدم التفاهم ونشوب الخلافات ، وتفرق الأمة إلى مذاهب وجماعات من المتعصبين .
أما "اليقين" فهو قناعة ورضى راسخان نتيجة تجربة محسوسة يتزاوج فيها خير الوحي مع برهان محسوس من ميدان الآفاق والأنفس . ويمكن أن نمثل له بالمعادلة التالية :
اليقين = نظر عقلي في آيات الوحي + نظر تجريبي في مختبر الآفاق والأنفس . أي إن اليقين هو ثمرة تمرير الفرد في "خبرة مربية" يكون من ثمارها مشاهدة معجزة كونية أو اجتماعية أو نفسية تدعم الآية القرآنية وتكشف عن صدقها وأصالتها بطريقة محسوسة .
والمحصلة النهائية لـ"اليقين" هي إخراج إنسان مؤمن "موقن" بما يؤمن به وله القدرة على التعايش مع إيمانه في مختلف الأزمنة والأمكنة ، وإخراج أمة متحدة الكلمة والرسالة من الأفراد المؤمنين1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&p=235048#_ftn1) .
في ضوء هذا المفهوم المؤصل للإيمان تحتاج التربية الإسلامية إلى إعادة تأصيل إخراج الأفراد المؤمنين من خلال التالي :
1 ـ إعادة تأصيل "هوية" الإنسان واستخراج فطرته الخيّرة والاستفادة في ذلك من مكتشفات علم النفس في آيات الأنفس كما مر في صفحات سابقة .
2 ـ إعادة تأصيل أساليب إخراج الفرد المؤمن بحيث تتفاعل في نفسه آيات الوحي في الكتاب مع آيات الله في الآفاق والأنفس في مختبرات العلم ، ويتضافر القسمان لاستخراج معجزات العصر ، وبذلك يولد اليقين وتتجسد صلاحية القرآن لكل زمان ومكان .
3 ـ إعادة تأصيل مفهوم الإيمان ليشمل المظهر الاجتماعي للعبادة بدل حصره في المظهر الديني وحده ، ولتتمركز تطبيقاته في قلب الاجتماع البشري على الأرض بدل نفيه في غيبيات خارج خلق الله بعيداً عن رحلة الإنسان عبر الحياة والمصير .
4 ـ بلورة المعادلات العملية في جميع التوجيهات الاجتماعية التي تحتوي عليها "الثقافة" الإيمانية ، مع مراعاة ملاءمة هذه المعادلات لحاجات الزمان والمكان ، لأن التوجيهات الإسلامية هي توجيهات عامة تترك المجال مفتوحاً لرؤية نعمة الله في العقل البشري حين يقوم الإنسان بالإجتهاد الذي يفرز معادلات الإيمان العملية ويحولها إلى قيم وتطبيقات سياسية وإدارية واقتصادية واجتماعية وثقافية وعسكرية مع توفير المؤسسات والأدوات اللازمة لهذه التطبيقات شريطة أن يكون على رأسها تحديد "هوية" الإنسان و"جنسيته" و"ثقافته" و"محور ولائه" بما يتفق مع أقدار الله ـ أي قوانينه وسننه ـ في القرآن والسنة دون إشراك لعصبيات العائلة أو العرق أو اللون أو الأقاليم والمصالح الاقتصادية .
5 ـ تربية الناشئة ـ وغير الناشئة ـ على "الهوية" الإيمانية ، و"الجنسية" الإيمانية ، و"الثقافة" الإيمانية تربية عملية . وهذا يعني قيام المؤسسات التربوية بتحويل المعادلات العملية للإيمان إلى مناهج وأنشطة يعيشها المتعلمون في حياتهم اليومية وفي علاقاتهم العامة ويرونها مائلة في التطبيقات الإدارية والسياسية والاجتماعية وغيرها . ولا بد للمؤسسات التربوية أن تعمل على ترسيخ الشعور بالمسؤولية إزاء متطلبات "الجنسية" الإيمانية وتنمية المهارات العقلية والعملية عند المتعلمين لتساعدهم في التعرف على مظاهر "الجنسية" الإيمانية وعلى تحويلها إلى أعمال وممارسات في مواقف الحياة المختلفة .
ولا بد هنا من التنبيه إلى خطورة الاقتصار على التربية النظرية التي لا تصحبها تطبيقات عملية . ذلك أن آثار هذه التربية كآثار التعلم الإشراطي عند السلوكيين . إذ من التجارب التي أجراها السلوكيون في هذا المجال تجربة الكلب الذي اعتاد على أكل الدجاج الحي ، ولمعالجة هذه العادة علقوا بعنق الكلب دجاجة ميتة لا يستطيع الوصول إليها ولا التخلص من نتنها . فكانت النتيجة أن رائحة النتن انتهت بالكلب إلى كراهية الدجاج كله حياً وميتاً .
وهكذا التربية النظرية التي تصحبها تطبيقات عملية نتنة أو مخالفة تنتهي بالمتعلم إلى اليأس والإحباط وعدم تصديق الدعاوى المنادية بالقيم الخيّرة والأعمال الإيمانية الصالحة . وهنا تبدو حكمة الله في تخصيص أكبر مقته للذين يقولون ما لا يفعلون .
6 ـ إبراز أهمية تكامل عناصر ـ الأفراد المؤمنين ـ أي : "الهوية" و"الجنسية" و"الثقافة" والتأكيد على استحالة الفصل بينها أو وجود إحداها دون الأخرى . فالأمة التي تتحدد فيها "هوية" الإنسان و"جنسيته" على أساس الإيمان هي وحدها التي تكون "ثقافتها" أي : قيمها ونظمها وأخلاقها وعاداتها وتقاليدها وفضائلها ، وفنونها وشبكة العلاقات الاجتماعية فيها مستمدة من الإيمان وذات مضامين إيمانية .
أما الأمة التي تتحدد "الجنسية" فيها طبقاً لعصبيات العائلة أو القبيلة أو الإقليم أو القومية فلا تكون "ثقافتها" إلا مثلها . وهذا يفسر التناقضات القائمة في الأقطار الإسلامية المعاصرة ، والفصام الحاد القائم بين انتماءاتها الإسلامية وممارساتها الاجتماعية والسياسية والإدارية والأخلاقية وسائر مظاهر شبكة العلاقات الاجتماعية القائمة فيها . وهو أيضاً سبب العلاقات السلبية المتفجرة بين حكومات هذه الأقطار والجماعات العاملة في الحقل الإسلامي .
7 ـ تفنيد التطبيقات المخالفة لـ"الهوية" و"الجنسية" و"الثقافة" الإيمانية كالجنسيات والثاقفات الإقليمية القائمة في ديار المسلمين وما ينتج عنها من ممارسات إدارية وسياسية خاصة في قضايا الحدود وشؤون الهجرة والإقامة والسفر والعمل والتملك والتي تنتهي ـ في أحوالٍ عديدة ـ إلى انفجار الفتن بين "مِزق" الأمة الإسلامية.
وخلال تفنيد هذه التطبيقات الخاطئة لا بد من التبصير بالتوجيهات النبوية التي تدرج هذه "الجنسيات" و"الثقافات" العصبية في قائمة الكبائر المخلدة في النار1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&p=235048#_ftn2) ، وتوضيح أشكال التخريب الذي قامت به النظم والمناهج التربوية والمؤسسات الإعلامية ودور النشر والصحافة في العالم الإسلامي منذ قرن أو أكثر من أجل ترسيخ "الجنسيات" و"الثقافات" التي أملاها المستعمِر ـ بكسر الميم ـ غير المسلم على الإنسان المسلم واستمدها له من عصبيات القبيلة والإقليم والقومية واحلها محل "جنسية" الإيمان و"ثقافة" الإسلام ، ثم أوقف الإنسان المسلم تحت راياتها ينشد باسمها الأناشيد الوطنية ويقاتل في سبيلها أخاه المسلم وهو يحسب أنه يقاتل في سبيل الله . ولقد عطلت هذه "الجنسيات" و"الثقافات" العصبية فاعلية "جنسية الإيمان" و"ثقافته" ودحرتهما من ميدان الحياة الاجتماعية والتطبيقات الإدارية والسياسية والولاءات العملية إلى دائرة الانتماء النظري لتستثمر عند الحاجة لها من أجل نصرة "جنسيات" و"ثقافات" العصبيات العائلية والقبلية والطائفية والإقليمية والقومية .


1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&p=235048#_ftnref1) ـ أعترف للقارىء أن التفريق بين ((اليقين)) و((العقيدة)) في هذا البحث يخالف المنزلة التي أعطيتها للعقيدة في كتب سابقة . والواقع أن ((التوبة الفكرية)) التي أعيشها منذ سنوات قادتني إلى تغيير العديد من ((المفاهيم))!!! .

1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&p=235048#_ftnref2) ـ الطبري ، ج5 ، ص 37 ـ 38 .
* ـ راجع نص الحديث على صفحة 57 ـ 58 .
وعند النسائي : ((آكل الربا وموكله ، وكاتبه وشاهده ، إذا علموا بذلك ـ والواشمة ، والموشومة للحسن ، ولاوي الصدقة ، والمرتد أعرابياً بعد الهجرة ، ملعونون على لسان محمد يوم القيامة)) الجامع الصغير ، للسيوطي رقم 13 .

عزام
12-09-2008, 10:56 AM
11- العنصر الثاني : الهُجرة والمهْجَر

والعنصر الثاني من عناصر الأمة المسلمة هو ـ الهجرة ـ التي توفر للأفراد المؤمنين أن يعيشوا نموذج ـ المثل الأعلى ـ للحياة الإسلامية ، وأن يتحرروا من الأغلال والآصار الثقافية والاجتماعية والمعنوية والمادية كافة التي تحول دون هذا العيش .
معنى الهجرة :
الهجرة معناها الانتقال. وهي نوعان : انتقال حسي ، وانتقال نفسي . والانتقال الحسي معناه الانتقال من مجتمعات الكفر والشرك إلى مجتمع الإيمان .
أما الانتقال النفسي فهو يعني الانتقال من ثقافة مجتمعات غير المؤمنين بنظمها وعقائدها وأخلاقها وقيمها وعاداتها وتقاليدها وتطبيقاتها المختلفة إلى ثقافة الإيمان بمظاهره وتطبيقاته ومؤسساته . وإلى هذا النوع من الهجرة النفسية كانت التوجيهات الإلهة عند قوله تعالى :
(وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) المدثر ـ 5 .
(وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) المزمل ـ 10 .
(فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي) العنكبوت ـ 26 .
وإلى النوعين مجتمعين من الهجرة كانت الإجابات النبوية عن معنى الهجرة واشكالها . فلقد سأله أعرابي بقوله : يا رسول الله أخبرنا عن الهجرة؟ إليك أينما كنت أو لقومٍ خاصة أو إلى أرضٍ معلومة ، أم إذا مت انقطعت؟
فسكت عنه يسيراً ثم قال :
ـ أين السائل؟
قال : ها هو ذا يا رسول الله!
قال : الهجرة أن تهجر الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ، ثم أنت مهاجر ، وإن مت بالحضر2 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231730#_ftn1) .
وفي موقفٍ آخر قال صلى الله عليه وسلم : المهاجر من هجر السوء فاجتنبه3 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231730#_ftn2) .
وفي موقفٍ آخر قال صلى الله عليه وسلم : لا تنقطع الهجرة حتى تطلع الشمس من مغربها1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231730#_ftn3) .
وفي موقفٍ آخر سأل رجل فقال : يا رسول الله أي الهجرة أفضل؟
قال : أن تهجر ما كره ربك! وهما هجرتان : هجرة البادي وهجرة الحاضر فهي أشدها وأعظمها بلية2 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231730#_ftn4) .
وممن ناقش رابطة الهجرة الرازي فقال :
"الهجرة تارة تحصل بالانتقال من دار الكفر إلى دار الإيمان . وأخرى تحصل بالانتقال عن أعمال الكفر إلى أعمال المسلمين . قال صلى الله عليه وسلم : المهاجر من هجر ما نهى الله عنه . وقال المحققون : الهجرة في سبيل الله عبارة عن الهجرة عن ترك مأموراته وفعل منهياته ... وذلك يدخل فيه مهاجرة دار الكفر ومهاجرة شعار الكفر . ثم لم يقتصر تعالى عن ذكر الهجرة بل قيده بكونه في سبيل الله . فإنه ربما كانت الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام . ومن شعار الكفر إلى شعار الإسلام لغرض من أغراض الدنيا . إنما المعتبر وقوع الهجرة لأجل أمر الله"3 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231730#_ftn5) .
الهجرة قسمان: مادية ومعنوية
والخلاصة أن التعاريف النبوية للهجرة تشير بوضوح تام إلى أن الهجرة تتكون من قسمين : هجرة جسدية وهجرة نفسية . وأن الهجرة الجسدية لا تغني عن الهجرة النفسية بل هي مكملة لها ومقدمة لممارساتها . فإذا كان الفرد المسلم أو الفئة المسلمة يعيشان في بيئة غير إسلامية لا يستطيعان العيش فيها حسب نماذج ـ المثل الأعلى ـ للحياة الإسلامية ، فإن الأولوية تكون للهجرة الجسدية . حتى إذا تمت هذه الهجرة وانضم المسلم إلى المهجر الإسلامي وجبت عليه الهجرة النفسية والتخلص من آثار البيئة الأولى في عقله وشعوره وسلوكه.
ويلاحظ على الهجرة بمفهومها المعنوي أنها تقابل "التزكية" أو ـ تغيير ما بالأنفس ـ اللذين يشدد عليهما القرآن الكريم في مواضع كثيرة ، وغاية هذا التغيير هو ـ هجر ـ الأفكار والثقافة والقيم الخاطئة أو الآبائية التي انقضى زمنها . ولقد كان ابرز مظاهر الهجرة المعنوية هو الانتقال من ـ ثقافة العصبية القبلية ـ بكل قيمها وتقاليدها الصنمية إلى ثقافة الإسلام بكل قيمها وتقاليدها التوحيدية . ولذلك نبه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن العودة إلى ثقافة الطور القبلي ومفاهيم القبلية وقيمها وتقاليدها هو مظهر من مظاهر الردة ، وكبيرة من الكبائر المخلدة في النار . فعن عبد الله قال : آكل الربا وموكله وكاتبه إذا علموا بذلك ، والواشمة والمستوشمة للحسن ، ولاوي الصدقة ، والمرتد أعرابياً بعد الهجرة ، ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة4 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231730#_ftn6) .
وفي تفسير الطبري لقوله تعالى :
(إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) النساء ـ 31 .
عن محمد بن سهل بن أبي حثمة عن أبيه قال : إني لفي مسجد الكوفة ، وعلي رضي الله عنه يخطب الناس على المنبر ، فقال :
ـ يا أيها الناس إن الكبائر سبع!
فأصاخ الناس . فأعادها ثلاث مرات ثم قال :
ـ ألا تسألوني عنها؟
قالوا : يا أمير المؤمنين ما هي؟
قال : الإشراك بالله ، وقتل النفس التي حرم الله ، وقذف المحصنة ، وأكل مال اليتيم ، وأكل الربا ، والفرار يوم الزحف ، والتعرب بعد الهجرة .
فقلت لأبي : يا أبتِ التعرب بعد الهجرة ، كيف لحق ها هنا؟
فقال : يا بني ، وما أعظم من أن يهاجر الرجل حتى إذا وقع سهم في الفيء ووجب عليه الجهاد خلع ذلك من عنقه فرجع أعرابياً كما كان!
وعن عبيدة بن عمير قال : الكبائر سبع ليس منهن كبيرة إلا وفيها آية من كتاب الله ... إلى أن قال : والتعرب بعد الهجرة : (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى)5 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231730#_ftn7) سورة محمد ـ 25 .
ولعل الحكمة من اعتبار ـ العودة إلى العصبية القبلية ، أو التعرب بعد الهجرة ـ ردة وكبيرة من الكبائر هو أن هذه العودة نكسة في نظام القيم الإسلامية حيث تعود (القوة فوق الشريعة) أو فوق القانون ، ويعود الولاء للقبيلة بدل الأمة ، أي تعود "قوة" رأس القبيلة وإرادته لتحل محل "الشريعة" وإرادة الله . فهي إذاً عودة إلى جوهر الصنمية وما يرافقها من عودة إلى الارتجال والفردية والفوضى بدل الإعداد وروح الجماعة والنظام . ولذلك وصف الله ـ المتعربين ـ بقوله : (الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ)6 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231730#_ftn8) ، ولذلك أيضاً
عرف الرسول صلى الله عليه وسلم هجرة البدوي بقوله : هجرة البادي الطاعة1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231730#_ftn9) . أي طاعة الشريعة والانقياد للنظام2 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231730#_ftn10) .
أهمية الهجرة :
الهجرة عنصر أساسي من عناصر الأمة المسلمة ولها أهميتها في استمرار عافيتها والحفاظ عليها من عوامل المرض والوفاة . وتتمثل هذه الأهمية فيما يلي :
الأهمية الأولى: منح الامن للمسلمين
تخليص المؤمنين من العوز وعدم الأمن ثم إطلاق قدراتهم الدفاعية والإنتاجية في أيام السلم والحرب سواء . وإلى النتائج الهامة كانت الإشارة الإلهية عند قوله تعالى :
(وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً) سورة النساء ـ 100 .
والمراغم هو المنعة والقوة ، أو ما يرغم به المؤمنون المهاجرون ظالميهم على مسالمتهم ويردعونهم عن العدوان عليهم . والسعة هي الغنى وسعة العيش . ويتكرر الحديث عن أهمية الهجرة في توفير المنعة والإنجاز الحضاري في مواضع عديدة من القرآن الكريم من ذلك قوله تعالى :
(وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ) سورة النحل ـ 41 .
ونظراً لأهمية الهجرة في توفير المنعة وإطلاق القدرات وتوفير الإنجازات أدان الله سبحانه المتقاعسين عن الهجرة وتوعدهم بالعذاب . من ذلك قوله تعالى :
(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً) النساء ـ 97 .
ويروي المفسرون عن عبد الله بن عباس أن ناساً من المسلمين لم يهاجروا فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم فأصيب بعضهم فقال المسلمون : كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا فاستغفروا لهم ، فنزلت الآية3 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231730#_ftn11) .
ولقد استمرت الهجرة عاملاً أساسياً في قوة حركات الإصلاح التي نجحت في إخراج العالم الإسلامي من ضعفه ـ في فترات متقطعة وفي أماكن مختلفة ـ مثل الحركة التي أخرجت جيل صلاح الدين ، وحركة المرابطين . فقد هجرت الأولى "فقه" المذهبية والآبائية الذي عاصرته ثم انسحبت من المشكلات المعقدة لمجتمع الخلافة في بغداد إلى المهجر الذي نما وامتد حتى شمل المنطقة الواقعة ما بين الموصل وشمالي سورية في الشمال ، وبين مصر والحجاز في الجنوب . كذلك اتخذت الثانية لها مهجراً في غربي إفريقية ثم خرجت قوة ردت العافية إلى المغرب والأندلس لقرون4 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231730#_ftn12) .
والأهمية الثانية : التجديد والترقي
هي أن الهجرة ـ بمعناها النفسي والحسي ـ تنسجم مع حقيقة من الحقائق الكبرى التي يطرحها الإسلام عن الوجود . وهذه الحقيقة هي ـ استمرارية الخلق ـ أي إن هذا الكون ما زال يخلق : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ) القصص ـ 68 . واستمرارية الخلق هذه ترفد الحياة دائماً بالجديد من الأفكار والأشخاص والأشياء . والكائنات الجديدة تفرز ـ علاقات جديدة ـ والعلاقات الجديدة تتطلب ـ قيماً جديدة ـ تترجم إلى نظم ومؤسسات وسياسات جديدة : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) الرحمن ـ 29 . والذين لا يعون استمرارية الخلق وما ينتج عنها من تجديد في الشؤون والعلاقات والقيم والتطْبيقات لا يفقهون مضمون الهجرة المطلوبة ، ويقلعون في الاتجاه المعاكس للتاريخ فيرتدون إلى الآبائية ويسقطون في التخلف ، ويلفهم اللبس والحيرة والاضطراب ، وينتهون إلى البوار : (بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) سورة ق ـ 15 .
فالهجرة بمعناها الشامل عملية تكيف نفسي وحسي مع حوادث الخلق المستمر وهي حركة تجديد مستمر ترتكز على انتقاء العناصر الصالحة من كل جيل من البشرية كلها ثم إعدادها لما يناسب الطور الجديد وحمل رسالة الإسلام واستمرار الترقي البشري .
ومن المحزن أن لا يبرر "فقه وفقهاء للجنسية والمواطنة" القائمة على مفهوم الهجرة هذا في الوقت الذي نشاهد أثر قوانين الهجرة ـ التي تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية ـ في تجميع العناصر ذات الكفاءات العالية من أقطار الأرض كلها ثم إطلاق قدراتها وإراداتها لما فيه قوة الولايات المتحدة واحتلالها مكان الصدارة في العالم كله .
ومن الموضوعية أن نقول إنه في الوقت الذي يغيب العقل الإسلامي المعاصر عن شهود ـ العلاقة بين استمرارية الخلق والهجرة وتجدد عافية الأمم ـ فإن الفكر الغربي المعاصر قد أحس بهذه الحقيقة ونظم حياته طبقاً لها . ولكن العلاقات السلبية التي قامت بين المفكرين وبين الكنيسة جعلتهم ـ على المستوى العقائدي ـ يتنكرون لفكرة الخلق ويستبدلونها بفكرة "النشوء والارتقاء والتطور" ، أي الاعتقاد بأن الكون ينشأ ويترقى ويتطور من نفسه دون اعتبار لقوة الله المسيرة للنشأة والترقي والتطور. وهكذا ظهرعند الغربيين ما يُسمى بنظرية التطور Evolution ونظرية الخلق Creationism .
ولكن من الإنصاف إن نقول إن العقل الإسلامي في الماضي لم يكن غائباً دائماً عن أهمية الهجرة واستمراريتها . فهذا ابن تيمية يعلق على الآية التي قدمناها كإطار لعناصر الأمة المسلمة ويذكر أن المؤمنين الذين ذكرتهم الآية صنفان : المهاجرون الذين هاجروا إلى المدينة من بلادهم ؛ والأنصار الذين استقبلوهم . ومن لم يهاجر من الأعراب لهم حكم آخر . وآخرون كانوا ممنوعين من الهجرة لمنع أكابرهم لهم . فكل هذه الأنواع حكمهم باقٍ إلى يوم القيامة في أشباههم ونظائرهم . وأضاف أن معنى قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـئِكَ مِنكُمْ) هو إشارة إلى من تبع هذا المنهاج إلى يوم القيامة1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231730#_ftn13) .
ولكن الآبائية التي تستمد جذورها من ثقافة العصبية القبلية كانت دائماً تطلي حرانها بطلاء إسلامي فترفض الهجرة والتجدد ، وتشن إرهاباً فكرياً على العقول المجددة وتغري الحاكمين بأصحابها فتجهز عليهم وتحرم الأمة من ثمرات اجتهادهم .
دور التربية في بلورة عنصر الهجرة :
لا يستطيع الأفراد الهجرة ـ خاصة الهجرة النفسية ـ وحدهم . بل لا بد من عمل تربوي منظم تنهض به مؤسسات تربوية متخصصة تحيط بقوانين التغيير الفكري والإرادي والسلوكي . ولا بد من توفير العوامل المساعدة على نجاح عملية الهجرة المذكورة . وأبرز هذه العوامل اثنان :
الأول : توفر العدد المناسب من التربويين الخبراء بتغيير ما في الأنفس
ـ من أفكار ومعتقدات ـ ومساعدتها على التخلص من القيم والاتجاهات والممارسات الخاطئة . والثاني ؛ توفير البيئة الصالحة لنجاح الهجرة بمظاهرها النفسية والحسية . والحرية هي التجسيد العملي للبيئة المطلوبة لأن الهجرة هي حرية التفكير والاختيار . والذين كانوا يتصفون بحرية التفكير والاختيار من المهاجرين الأوائل هم الذين قدروا على الهجرة . والذين لم يتصفوا بهذه الحرية ظلوا يمارسون الحران والرفس جامدين على ما انحدر إليهم من آبائهم من معتقدات ونظم وثقافة وممارسات وقيم انتهت بهم إلى الهلاك والبوار .
فالهجرة لا تصل مداها المشار إليه إلا إذا حررت التربية نفوس المتعلمين من داخل ، وهيأت التطبيقات والسياسات الإدارية لتسود الحرية حياة الأمة من خارج ، ذلك أن الحرية عامل أساسي في تحقيق أمرين :

نمو القدرات العقلية اللازمة للتمييز بين الصواب والخطأ
إطلاق الإرادات العازمة المناصرة للحق المناهضة للباطل .
وحين تختفي الحرية تتعطل القدرات العقلية وتتقلص الإرادات العازمة وتتوقف الأمة عن الإبداع والإنجاز وتسير في طريق الضعف المفضي إلى الاستضعاف في الدنيا والعقوبة في الآخرة .
لذلك لا بد للتربية الإسلامية أن تعمل على تحقيق أمرين :

تدريب ـ إنسان التربية الإسلامية ـ على مراجعة الموروثات الثقافية والاجتماعية المتحدرة من كل جيل ، وتنمية القدرة على التفكير واكتشاف الجوانب التي عدا عليها الخطأ أو الإفساد في الفهم والتطبيق ، أو تلك التي مضى زمنها وبطل مفعولها
ثم القدرة على التخلص منها ومن آثارها ، والهجرة من تطبيقاتها التي تسربت إلى مظاهر الثقافة السائدة في القيم والعادات والتقاليد والأخلاق والفنون والنظم وشبكة العلاقات الاجتماعية وغير ذلك.
فالهجرة ـ هنا ـ مظهر من مظاهر التوبة من الثقافة الخاطئة أو التي بطل مفعولها ، وما يتفرع عنها من نظم وتطبيقات ومؤسسات وممارسات ووظائف خاطئة أو متخلفة . والرسول صلى الله عليه وسلم يربط بصراحة بين الهجرة والتوبة فيقول :
"لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها"2 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231730#_ftn14) .
فالهجرة توبة ، والتوبة هجرة . وكلاهما انتقال من الخطأ والجمود والتخلف وانتقال من البيئات التي ترعى هذه السلبيات الموقفة للارتقاء ، الخانقة للعيش ، المانعة للحياة .
والثاني: تدريب المتعلمين على "فقه" نموذج ـ المثل الأعلى ـ
اللازم لزمنهم ثم تنشئتهم على استيعاب تفاصيل المثل الأعلى الجديد ، وبذلك تعدهم لزمن غير زمن آبائهم ـ كما يوصي علي بن أبي طالب ـ وتتكون لديهم القدرات والمؤهلات اللازمة للغد الذي سيعبرونه ولن يصابوا بالمفاجآت والصدمات من تطورات المستقبل كما يصاب الذين يشير إليهم قوله تعالى :
(بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) سورة ق ـ آية 15 .


2 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231730#_ftnref1) ـ مسند أحمد ، ج2 ، (تحقيق الساعاتي) ، ص 224 .

3 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231730#_ftnref2) ـ المصدر والجزء نفسه ، ص 206 .

1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231730#_ftnref3) ـ المصدر نفسه ، ج4 ، ص 99 . سنن الدارمي ، باب السير .

2 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231730#_ftnref4) ـ مسند أحمد ، ج4 ، ص 191 ، النسائي .

3 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231730#_ftnref5) ـ الرازي ، التفسير الكبير ، ج10 ، ص 221 ، 222 .

4 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231730#_ftnref6) ـ مسند أحمد ، (تحقيق أحمد شاكر) ج5 ، رقم 3881 ، 4090 .
ـ سنن النسائي ، كتاب الزينة ، ص 25 .
ـ سنن البيهقي ، ج9 ، ص 19 .

5 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231730#_ftnref7) ـ الطبري ، التفسير ، ج5 ، ص 37 ـ 38 . الطبراني ، المعجم الكبير ، ج6 ، ص 124 ، رقم 5636 .

6 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231730#_ftnref8) ـ سورة التوبة ـ 97 .

1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231730#_ftnref9) ـ الطبري ، المصدر السابق ـ الصفحات نفسها .

2 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231730#_ftnref10) ـ يبدو أن هذا الفهم ، لفهم (التعرب بعد الهجرة) كان واضحاً عند المهاجرين والأنصار ، وغير واضح عند ـ طلقاء مكة ـ وذرياتهم . ففي صحيح البخاري ومسلم عن سلمة بن الأكوع أنه دخل على الحجاج فقال : يا ابن الأكوع . ارتددت على عقبيك تعربت؟ قال : لا! ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لي في البدو . يلاحظ ـ هنا ـ أن الحجاج فهم معنى ـ الردة إلى التعرب ـ فهماً مكانياً وسياسياً لأن الأكوع اعتزل الفتنة وسكن البادية ، لكن الأكوع صحح للحجاج فهمه بأن أعاده إلى محتواه الفكري الذي يدور حول القيم العصبية والثقافة القبلية .
صحيح البخاري ، كتاب الفتن . صحيح مسلم ، ج14 ، كتاب الإمارة (شرح النووي) ، ص 6 .

3 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231730#_ftnref11) ـ ابن كثير ، التفسير ، نقلاً عن صحيح البخاري .

4 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231730#_ftnref12) ـ للاطلاع على تفاصيل الحركة الأولى راجع كتاب ـ هكذا ظهر جيل صلاح الدين ـ للمؤلف .

1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231730#_ftnref13) ـ ابن تيمية ، الفتاوى ، كتاب التصوف ، ج11 ، ص 39 .

2 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=231730#_ftnref14) ـ سنن الدارمي ، ج2 ، (دار إحياء السنة النبوية) ، ص 240 .

منال
12-09-2008, 11:34 AM
لم أنته من المقال الثاني بعد لكن لفت نظري ضم الهاء من الهجرة!

جزاك الله خيرا لي عودة لإكمال القراءة بإذن الله فالكلام بحاجة إلى تركيز وليس قراءة سريعة

عزام
12-11-2008, 04:45 PM
12- العنصر الثالث : الجهاد والرسالة

الجهاد والرسالة هما العنصر الثالث من عناصر الأمة المسلمة . والجمع بينهما في عنصر واحد سببه اقترانهما ـ في القرآن والسنة ـ اقتران الوسيلة بالهدف. فالرسالة بدون جهاد مفضية إلى مقت الله وغضبه، والجهاد بدون رسالة نصرة للعصبيات وخدمة للشهوات موجب لعقوبة الله وعذابه.
أما عن تفاصيل هذا العنصر فهي كما يلي :
معنى الجهاد :
الجهاد معناه ـ لغوياً ـ بذل الجهد . أما اصطلاحاً فهو يعني استفراغ الطاقة لتحقيق الأهداف التي توجه إليها الرسالة الإسلامية في ميادين الحياة الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية والعسكرية وغيرها في أوقات السلم والحرب سواء . وهذا ما يوجه إليه القرآن الكريم في مواضع كثيرة جداً ، من ذلك قوله تعالى :
(وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج ـ 78 . أي إن الجهاد الذي اختاركم الله من أجله لا ضيق فيه ولا عنت وإنما هو يتناسب مع الوسع والطاقة التي أودعها في خلقكم وتكوينكم1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=235814#_ftn1).
والرسول صلى الله عليه وسلم يرسم الإطار الواسع للجهاد من خلال أمرين :

طرح معادلات الجهاد العملية في ميدان العمل الإيجابي.
التحذير مما يخالفه في ميدان العمل والتعوذ مما يعيق عن القيام به من العجز والكسل والمرض وغلبة الديون وقهر الرجال2 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=235814#_ftn2) .
فالجهاد إذاً هو ـ تكنولوجيا الإسلام ـ التي توفر العمل والإنتاج في أوقات السلم والمنعة في أوقات العدوان. ولكن ليس بقصد توفير الرخاء الاقتصادي والمنعة السياسية لجنسٍ معين من البشر ، أو تحقيق تفوق لقوم على بقية الأقوام ، أو توفير امتياز لطائفة دينية على بقية الطوائف ، وإنما لغاية أخرى هي تأهيل كتلة بشرية لحمل رسالة الإسلام إلى العالم . ولذلك فالذي تقوم به الأقطار المتقدمة صناعياً وعلمياً وإدارياً ـ في الحاضر ـ هو جهاد لكنه بدون رسالة . وبذلك تكون أزمة العالم الحديث هي أن هناك مجتمعات تقوم بالمظهر المادي للجهاد لكن بدون رسالة ، بينما ـ ترقد في سبات ـ إلى جانبها مجتمعات تخزن الرسالة في أسفارها وتستظهر نصوصها في مؤسساتها التربوية ولكن بدون جهاد لحملها ونشرها .
ولا بد من الانتباه إلى ـ المعنى الحضاري للجهاد ـ . فالجهاد يعكس مفهوم ـ الأمن الإسلامي ـ الذي يركز على إيصال الرسالة وتبليغها إلى الآخرين بغية توفير الأمن الفكري والمادي والنفسي لبقاء النوع البشري ورقيه. ذلك أن مصدر الخطر على بقاء النوع البشري ورقيه ـ حسب التصور الإسلامي ـ يكمن في "القيم" التي تكفر ـ أي تحجب وتخفي ـ قوانين الخلق في النشأة والمصير، وتقتصر على نوازع التمتع بالحياة وشهواتها، ومن هذا ـ الكفر ـ تتشوه جميع أشكال الاعتقاد والشعور والممارسات في ميادين السلوك والاجتماع والعلاقات. حتى إذا ظهر أهل الكفر في الأرض أشاعوا الفتن والمظالم السياسية، والمفاسد الاجتماعية وردوا شبكة العلاقات الاجتماعية إلى عهود الغاب والهمجية والتخلف. ولذلك كان طلب بذل النفس لمحاربة قيم الكفر ومؤسساته وممثليه، وبذل المال لنشر قيم الرسالة الإسلامية وإقامة مؤسساتها والإنفاق على العاملين والدارسين فيها حتى يتحقق التفوق للقيم الإسلامية فيشيع السلام ويكون الدين كله لله.
وهذا المفهوم الإسلامي للأمن والسلام يختلف تمام الاختلاف عن مفهوم الأمن القومي الذي ترفع لواءه المجتمعات المعاصرة وتتخذه ذريعة لممارسة مختلف أشكال العدوان ضد بعضها البعض. وتعريف ـ الجهاد ـ بالشكل المذكور أعلاه يجعل ترجمة هذا ـ المصطلح ـ إلى اللغات الأخرى أمراً صعباً وضاراً . فهو صعب لأنه لا يوجد ما يقابله في اللغات الأخرى. وهو ضار لأن الترجمة تشوه معناه كما حدث لترجمته إلى اللغة الإنكليزية التي أطلقت عليه اسم ـ الحرب المقدسة Holy War ـ حيث عممت مظهراً واحداً من مظاهر الجهاد وطمست بقية المظاهر.
ولا بد هنا من الإشارة إلى أن أثر تراث ما قبل الإسلام في تطبيقات الجهاد عند الشعوب الإسلامية. فالعربي فهم المظهر المرادف لثقافة الغزو الذي كانت القبائل العربية تمارسه قبل الإسلام. والمسلم الباكستاني جذبه المظهر النفسي المشابه لثقافة التقشف الهندوسي التي كان عليها في جاهليته. وهذا كله من سوء التأويل الذي تتسبب به الموروثات الثقافية السابقة إذا لم تقم التربية بدورها في الجهاد التربوي الذي يستهدف تزكية مناهج الفهم والتطبيق .


1 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=235814#_ftnref1) ـ الطبري ، التفسير ، ج17 ، ص 205 .

2 (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=235814#_ftnref2) ـ صحيح البخاري ، كتاب الجهاد ، صحيح مسلم ، كتاب الذكر ، سنن الترمذي ، كتاب الدعوات .

منال
12-12-2008, 04:21 PM
تسجيل متابعة ولي عودة للقراءة بتركيز بإذن الله

عزام
12-12-2008, 05:56 PM
تسجيل متابعة ولي عودة للقراءة بتركيز بإذن الله
اذن لن اضيف شيئا اليوم حتى تنتهي من القراءة
وسأضيف درسا جديدا في الدورة الثانية عن المنهج النبوي ان شاء الله
عزام

منال
12-14-2008, 03:43 PM
أكرمك الله أستاذ عزام

بانتظار الدرس الجديد