مقاوم
11-08-2008, 05:45 AM
سقطت أمريكا وسقط أوباما
أ. طالب شافع الحسيني
http://qawim.net/images/stories/logoqawim/_exb.png صدعت الانتخابات الأمريكية رأس العالم في الفترة الأخيرة، وتابعها الناس لحظة بلحظة، عبر الإعلام الذي لم يخف اهتمامه بتفاصيل الانتخابات الدقيقة، بل والهامشية أحيانًا، وما أن أعلن رسميا عن فوز باراك أوباما صاحب البشرة السوداء، حتى غمرت الفرحة أرجاء كثيرة من المعمورة، ورأى الكثيرون في ذلك أملًا في الأفق نحو صورة أخرى من صور أمريكا، يمكنها من خلالها أن تعيد رونقها مرة أخرى.
والحقيقة أن الكثيرين قد اهتموا بالانتخابات الأمريكية لرغبتهم القوية في بقاء أمريكا كما هي، دولة القطب الأرضي التي لا تقهر، لكونهم قد بنوا قصورهم على رمال أمريكا، وعلّقوا حياتهم ببقائها، فهم في سباق مرير، من أجل بقائهم هم، من خلال المحافظة على أمريكا كما هي.
وقد بثت قناة الجزيرة برنامجا خاصا بالرئيس الجديد أوباما، بعد نجاحه في سباق الرئاسة الأمريكية، استمعت له في قناة الجزيرة بعد منتصف ليل 5/ 11/ 2008، ليلة 6/ 11، ولم ينته البرنامج المذكور حتى أمسكتُ بقلمي لأكتب ما أكتب، ذلك أني قد وجدتُ في البرنامج ضالتي المنشودة في التعبير عما كان بداخلي، وما كنت أعتقده، ولكني كنت أؤمن بهذا كله من خلال قراءة عميقة للمشهد بأطرافه وآلياته، أما الآن فقد وجدتُ أدلة واضحة وصريحة لما أؤمن به، لكنها جاءت من خلال هذا التقرير الذي بثته قناة الجزيرة الفضائية، وأوردت فيه العديد من كلمات أوباما في مناسبات وخطابات شتى، كما أوردت فيه العديد من كلمات آخرين من الناس حول أوباما، بشكل أو بآخر.
ويمكننا من خلال هذا البرنامج الذي بثته الجزيرة، ومن خلال قراءة أوسع للمشهد كله، أن نسجل هنا أن وصول أوباما للبيت الأبيض كان أمرًا ملحًّا في السياسة لإنقاذ أمريكا وبقائها من جهة، ولتفويت فرصة اعتراف أمريكا وأوروبا بالهزيمة على يد أفرادٍ من المسلمين بغض النظر عن انتمائهم، كالتالي:
فأما إنقاذ أمريكا: فإنه لم يعد خافيا على أحد ما وصلت إليه أمريكا، تلك المرأة العجوز التي آيست من المحيض، وصارت تصارع الموت، وتنتظر الرحيل في أي لحظة، وفي الوقت الذي كانت تخسر فيه الحرب في العراق وأفغانستان، على يد أفراد من المسلمين، يسميهم البعض بالهواة، لكونهم مجرد أفراد لا يمتلكون جيشا نظاميا ولا أسلحة بحجم أسلحة أمريكا، ومع ذلك فقد أذلوا الترسانة الأمريكية، وأرغموها وحلفها الناتو على الاعتراف باستحالة أن تكسب أمريكا وحلفاؤها الحرب في أفغانستان والعراق، وذهبت أمريكا وحلفاؤها يتكلمون عن الحوار مع طالبان، أو اتفاقية أمنية مع العراق، وأن الحوار هو الحل، ويعترف قادة جيوشهم الهشة بالهزيمة على الأرض، ويدخل العشرات بل والألوف منهم في مستشفيات نفسية، ويهرب آخرون من الخدمة، أو يقدم بعضهم على الانتحار حتى لا يذهب لأفغانستان والعراق، أو ليخرج منهم سريعًا ولو بالانتحار، من هول ما رآه هؤلاء من صمود الهواة المسلمين في وجه هذه الجيوش النظامية الجرارة بعدتها وعتادها.
وفي الوقت الذي سقطت فيه أمريكا والناتو في قبضة الهواة المسلمين، ولم يعد أمامهم سوى الهزيمة تلو الهزيمة، أو الانسحاب، فبينما هم كذلك إذا بالأعاصير القوية تضرب العديد من المناطق الأمريكية، فتمحو آثارها، وتخلف عشرات الملايين من الخسائر.
ثم جاءت الأزمة المالية فقضت على الرجل المريض، ولتسقط أمريكا نهائيًا، وتدخل في غرفة إنعاش طويلة المدى، وليتسول قادتها وحلفاؤها النجاة على يد المسلمين الخليجيين، وصارت الحكومات والمؤسسات الرسمية الأمريكية والأوروبية تستجدي المسلمين الخليجيين على إنقاذها، فيعدهم المسلمون الخليجيون بالتدخل لإنقاذهم، رغم كل ما اقترفته أمريكا وأوروبا، لكن هكذا الإسلام، وتلك هي سمات المسلمين، التسامح والعفو عند المقدرة، حتى مع الخصم، وإنقاذ الروح الإنسانية حتى ولو كانت يهودية أو نصرانية.
وقد كان الفضل في الوصول لهذه النتيجة المأساوية لأمريكا وأوروبا على يد الرجل الأبيض المتسلط بأفكاره المنحلة، العابد لجسده وشهوته، غير مكترث بالروح ودواعيها، ومطالبها التي لا غنى لها عنها.
وقد آن أوان رحيل الرجل الأبيض، وهذا ما خدم أوباما، وأوصله للبيت الأبيض متفوقا بذلك على منافسه الأبيض جون ماكين، في وقت كان الأمريكان وغيرهم يريدون التغيير، ولا شيء سوى التغيير، حسبما قال بعضهم في برنامج قناة الجزيرة المشار إليه سابقا عن أوباما: «سئمت من الرجل الأبيض في أمريكا»، وقال أحدهم بأنه «متحمس لرغبة قوية في رؤية تغيير ما يحدث»، وقال آخر: «الوقت قد حان للتغيير»، يطالب الناس بالتغيير مهما كانت نتيجته، حتى قال بعض الأمريكان: «لا يمكن أن يكون أسوأ مما لدينا الآن»، كما في نفس البرنامج المذكور.
وفي الوقت نفسه فقد ذكر أوباما في كلامه عن الانتخابات الأمريكية: «هي فرصتنا لنحافظ على الوعد الأمريكي حيًّا في القرن الواحد والعشرين».
فأوباما قد جاء لإنقاذ أمريكا، لا لغرض آخر، ويخطئ من يتفاءل به.
وفيما يخص وصول أوباما للبيت الأبيض لتفويت فرصة اعتراف أمريكا وأوروبا بالهزيمة على يد أفراد من المسلمين بغض النظر عن انتمائهم:
فقد انهزمت أمريكا في الواقع كما سبق وأشرنا، وصار عليها الآن أن تبحث عن طريقة أو وسيلة مناسبة لخروجها من مستنقع الهزيمة، بما يحفظ لها ماء وجهها، ويفوت على هذه الدول الإسلامية نشوة الانتصار، ولا يؤثر على الحالة الأمريكية الدولية، وكان أوباما هو السبيل الوحيد الذي يمكنه أن يقوم بهذا، لكونه المرشح الذي طرح في برنامجه الانتخابي الانسحاب من العراق، فهنا يمكن لأمريكا أن تتذرع بأنها إنما تسعى للخروج من العراق لأجل برنامج رئيسها الانتخابي الرافض للبقاء في العراق، لا لأجل هزيمتها، وفي الوقت نفسه فهي تستفيد في نجاح هذا الأسود من الضرب على وتر التغلب على المسألة العنصرية في أمريكا، وأنها دولة الحريات، وهذا ليس صحيحًا.
فأوباما إنما جاء لينقذ أمريكا بطريقة بهلوانية، ويفوت فرصة اعتراف أمريكا بالهزيمة أمام الهواة المسلمين في العراق وغيرها، بوجود الطرح بالانسحاب من العراق في برنامجه، مع أنه في كلامه وخطاباته إنما حوّل الموضع الرئيسي للحرب لا أكثر، بمعنى أن لا تكون العراق هي المكان الرئيسي للحرب، وإنما يسحب عددا من القوات الأمريكية والناتو بالعراق، وقول: «آن الأوان للخروج من العراق»، لكنه في الوقت نفسه يضخها في دولة أخرى وهي أفغانستان، وهو نفسه ذكر في كلامه أنه «ملتزم بالعمل مع الحكومة الإسرائيلية»، وتكلم مرارا عن أمن إسرائيل، وأنه لا نقاش فيه، وقال: «موقفي ثابت لا يتزعزع تجاه إسرائيل»، وتكلم عن الدولة الفلسطينية، ولكن بشرط أن تعترف بهوية إسرائيل وحدودها وثقافاتها، واعتبر القدس عاصمة لإسرائيل، وقال بأنها «ينبغي» أن لا تقسم، وتكلم عن الحرب على الإرهاب، والتعاون من أجل هزيمة طالبان في أفغانستان، وعن نجاح حلف الناتو خارج حدود أوروبا، ويعتبر حماس وغيرها من المنظمات الإسلامية المقاومة للاحتلال إرهابا، ويعين له نائبا هو صهيوني للنخاع، وهو جوزيف بايدن، أحد الصقور الديمقراطيين، ويختار مستشاريه من هذا اللوبي.
وبعد هذا لا يفلح حزبه في حسم معركته في مجلس الشيوخ، فلم يستطع أن يحصل على ستين صوتا من أصل مائة ليتمكن من تمرير قراراته، ويفلت من التعويق من الحزب الآخر، حسب الدستور الأمريكي، وهذا يعني أن حزب جورج بوش المتطرف سيظل بكلمته في رسم السياسة الأمريكية، والتي تقوم أساسا على حكم المؤسسات، والتي يأتي الكونجرس الأمريكي على رأس أقوى مؤسسات السياسة الأمريكية، فليس الرئيس فقط هو الذي يدير السياسة في أمريكا، ولا هو وحده الذي يتحكم في رسم السياسة الأمريكية، إضافة لذلك العدد من اللوبيات التي أحكمت سيطرتها على السياسات الأمريكية.
كل هذا يعني أن أوباما لا يمكنه التغيير إلى الأفضل كما يتخيل البعض، إلا بدرجة قد تكون أحسن حالا من سابقه، فقد يكون الأفضل أو الأحسن إنما هو بالنظر إلى جورج بوش، خاصة وأوباما يملك قدرة في خطاباته، يمكنه من خلالها أن يكسب جمهوره بشكل أفضل من بوش، لكنه لن يغير بحال من الأحوال السياسة الأمريكية تغييرا جذريا، وإنما قد يجري عليها بعد التحديثات حسب متطلبات الساعة لإنقاذ أمريكا من ورطتها، خاصة في ظل الانهيار الرأسمالي الذي زلزل كيان العالم كله.
فهو على هذه القراءة فرد من أفراد يؤدون أدوارهم في سياسة موجودة ومرسومة سلفا، وليس له ولا من اختصاصه أو قدرته أن يغير فيها شيئًا، لكنه في الوقت نفسه يعرضها بطريقة تختلف عن طريقة غيره من الرؤساء السابقين، وبهذا يظهر أن السياسة واحدة، وإن اختلفت طريقة العرض.
هكذا هي أمريكا، لكننا نعود ونؤكد أنها ورغم كل هذا قد سقطت، ولن يقدر مائة أوباما على إنقاذها، لكنه قد يقدر على تطويل أمد حياتها في طريق السقوط.
http://qawim.net/index.php?option=com_content&task=view&id=3948&Itemid=1 (http://qawim.net/index.php?option=com_content&task=view&id=3948&Itemid=1)
أ. طالب شافع الحسيني
http://qawim.net/images/stories/logoqawim/_exb.png صدعت الانتخابات الأمريكية رأس العالم في الفترة الأخيرة، وتابعها الناس لحظة بلحظة، عبر الإعلام الذي لم يخف اهتمامه بتفاصيل الانتخابات الدقيقة، بل والهامشية أحيانًا، وما أن أعلن رسميا عن فوز باراك أوباما صاحب البشرة السوداء، حتى غمرت الفرحة أرجاء كثيرة من المعمورة، ورأى الكثيرون في ذلك أملًا في الأفق نحو صورة أخرى من صور أمريكا، يمكنها من خلالها أن تعيد رونقها مرة أخرى.
والحقيقة أن الكثيرين قد اهتموا بالانتخابات الأمريكية لرغبتهم القوية في بقاء أمريكا كما هي، دولة القطب الأرضي التي لا تقهر، لكونهم قد بنوا قصورهم على رمال أمريكا، وعلّقوا حياتهم ببقائها، فهم في سباق مرير، من أجل بقائهم هم، من خلال المحافظة على أمريكا كما هي.
وقد بثت قناة الجزيرة برنامجا خاصا بالرئيس الجديد أوباما، بعد نجاحه في سباق الرئاسة الأمريكية، استمعت له في قناة الجزيرة بعد منتصف ليل 5/ 11/ 2008، ليلة 6/ 11، ولم ينته البرنامج المذكور حتى أمسكتُ بقلمي لأكتب ما أكتب، ذلك أني قد وجدتُ في البرنامج ضالتي المنشودة في التعبير عما كان بداخلي، وما كنت أعتقده، ولكني كنت أؤمن بهذا كله من خلال قراءة عميقة للمشهد بأطرافه وآلياته، أما الآن فقد وجدتُ أدلة واضحة وصريحة لما أؤمن به، لكنها جاءت من خلال هذا التقرير الذي بثته قناة الجزيرة الفضائية، وأوردت فيه العديد من كلمات أوباما في مناسبات وخطابات شتى، كما أوردت فيه العديد من كلمات آخرين من الناس حول أوباما، بشكل أو بآخر.
ويمكننا من خلال هذا البرنامج الذي بثته الجزيرة، ومن خلال قراءة أوسع للمشهد كله، أن نسجل هنا أن وصول أوباما للبيت الأبيض كان أمرًا ملحًّا في السياسة لإنقاذ أمريكا وبقائها من جهة، ولتفويت فرصة اعتراف أمريكا وأوروبا بالهزيمة على يد أفرادٍ من المسلمين بغض النظر عن انتمائهم، كالتالي:
فأما إنقاذ أمريكا: فإنه لم يعد خافيا على أحد ما وصلت إليه أمريكا، تلك المرأة العجوز التي آيست من المحيض، وصارت تصارع الموت، وتنتظر الرحيل في أي لحظة، وفي الوقت الذي كانت تخسر فيه الحرب في العراق وأفغانستان، على يد أفراد من المسلمين، يسميهم البعض بالهواة، لكونهم مجرد أفراد لا يمتلكون جيشا نظاميا ولا أسلحة بحجم أسلحة أمريكا، ومع ذلك فقد أذلوا الترسانة الأمريكية، وأرغموها وحلفها الناتو على الاعتراف باستحالة أن تكسب أمريكا وحلفاؤها الحرب في أفغانستان والعراق، وذهبت أمريكا وحلفاؤها يتكلمون عن الحوار مع طالبان، أو اتفاقية أمنية مع العراق، وأن الحوار هو الحل، ويعترف قادة جيوشهم الهشة بالهزيمة على الأرض، ويدخل العشرات بل والألوف منهم في مستشفيات نفسية، ويهرب آخرون من الخدمة، أو يقدم بعضهم على الانتحار حتى لا يذهب لأفغانستان والعراق، أو ليخرج منهم سريعًا ولو بالانتحار، من هول ما رآه هؤلاء من صمود الهواة المسلمين في وجه هذه الجيوش النظامية الجرارة بعدتها وعتادها.
وفي الوقت الذي سقطت فيه أمريكا والناتو في قبضة الهواة المسلمين، ولم يعد أمامهم سوى الهزيمة تلو الهزيمة، أو الانسحاب، فبينما هم كذلك إذا بالأعاصير القوية تضرب العديد من المناطق الأمريكية، فتمحو آثارها، وتخلف عشرات الملايين من الخسائر.
ثم جاءت الأزمة المالية فقضت على الرجل المريض، ولتسقط أمريكا نهائيًا، وتدخل في غرفة إنعاش طويلة المدى، وليتسول قادتها وحلفاؤها النجاة على يد المسلمين الخليجيين، وصارت الحكومات والمؤسسات الرسمية الأمريكية والأوروبية تستجدي المسلمين الخليجيين على إنقاذها، فيعدهم المسلمون الخليجيون بالتدخل لإنقاذهم، رغم كل ما اقترفته أمريكا وأوروبا، لكن هكذا الإسلام، وتلك هي سمات المسلمين، التسامح والعفو عند المقدرة، حتى مع الخصم، وإنقاذ الروح الإنسانية حتى ولو كانت يهودية أو نصرانية.
وقد كان الفضل في الوصول لهذه النتيجة المأساوية لأمريكا وأوروبا على يد الرجل الأبيض المتسلط بأفكاره المنحلة، العابد لجسده وشهوته، غير مكترث بالروح ودواعيها، ومطالبها التي لا غنى لها عنها.
وقد آن أوان رحيل الرجل الأبيض، وهذا ما خدم أوباما، وأوصله للبيت الأبيض متفوقا بذلك على منافسه الأبيض جون ماكين، في وقت كان الأمريكان وغيرهم يريدون التغيير، ولا شيء سوى التغيير، حسبما قال بعضهم في برنامج قناة الجزيرة المشار إليه سابقا عن أوباما: «سئمت من الرجل الأبيض في أمريكا»، وقال أحدهم بأنه «متحمس لرغبة قوية في رؤية تغيير ما يحدث»، وقال آخر: «الوقت قد حان للتغيير»، يطالب الناس بالتغيير مهما كانت نتيجته، حتى قال بعض الأمريكان: «لا يمكن أن يكون أسوأ مما لدينا الآن»، كما في نفس البرنامج المذكور.
وفي الوقت نفسه فقد ذكر أوباما في كلامه عن الانتخابات الأمريكية: «هي فرصتنا لنحافظ على الوعد الأمريكي حيًّا في القرن الواحد والعشرين».
فأوباما قد جاء لإنقاذ أمريكا، لا لغرض آخر، ويخطئ من يتفاءل به.
وفيما يخص وصول أوباما للبيت الأبيض لتفويت فرصة اعتراف أمريكا وأوروبا بالهزيمة على يد أفراد من المسلمين بغض النظر عن انتمائهم:
فقد انهزمت أمريكا في الواقع كما سبق وأشرنا، وصار عليها الآن أن تبحث عن طريقة أو وسيلة مناسبة لخروجها من مستنقع الهزيمة، بما يحفظ لها ماء وجهها، ويفوت على هذه الدول الإسلامية نشوة الانتصار، ولا يؤثر على الحالة الأمريكية الدولية، وكان أوباما هو السبيل الوحيد الذي يمكنه أن يقوم بهذا، لكونه المرشح الذي طرح في برنامجه الانتخابي الانسحاب من العراق، فهنا يمكن لأمريكا أن تتذرع بأنها إنما تسعى للخروج من العراق لأجل برنامج رئيسها الانتخابي الرافض للبقاء في العراق، لا لأجل هزيمتها، وفي الوقت نفسه فهي تستفيد في نجاح هذا الأسود من الضرب على وتر التغلب على المسألة العنصرية في أمريكا، وأنها دولة الحريات، وهذا ليس صحيحًا.
فأوباما إنما جاء لينقذ أمريكا بطريقة بهلوانية، ويفوت فرصة اعتراف أمريكا بالهزيمة أمام الهواة المسلمين في العراق وغيرها، بوجود الطرح بالانسحاب من العراق في برنامجه، مع أنه في كلامه وخطاباته إنما حوّل الموضع الرئيسي للحرب لا أكثر، بمعنى أن لا تكون العراق هي المكان الرئيسي للحرب، وإنما يسحب عددا من القوات الأمريكية والناتو بالعراق، وقول: «آن الأوان للخروج من العراق»، لكنه في الوقت نفسه يضخها في دولة أخرى وهي أفغانستان، وهو نفسه ذكر في كلامه أنه «ملتزم بالعمل مع الحكومة الإسرائيلية»، وتكلم مرارا عن أمن إسرائيل، وأنه لا نقاش فيه، وقال: «موقفي ثابت لا يتزعزع تجاه إسرائيل»، وتكلم عن الدولة الفلسطينية، ولكن بشرط أن تعترف بهوية إسرائيل وحدودها وثقافاتها، واعتبر القدس عاصمة لإسرائيل، وقال بأنها «ينبغي» أن لا تقسم، وتكلم عن الحرب على الإرهاب، والتعاون من أجل هزيمة طالبان في أفغانستان، وعن نجاح حلف الناتو خارج حدود أوروبا، ويعتبر حماس وغيرها من المنظمات الإسلامية المقاومة للاحتلال إرهابا، ويعين له نائبا هو صهيوني للنخاع، وهو جوزيف بايدن، أحد الصقور الديمقراطيين، ويختار مستشاريه من هذا اللوبي.
وبعد هذا لا يفلح حزبه في حسم معركته في مجلس الشيوخ، فلم يستطع أن يحصل على ستين صوتا من أصل مائة ليتمكن من تمرير قراراته، ويفلت من التعويق من الحزب الآخر، حسب الدستور الأمريكي، وهذا يعني أن حزب جورج بوش المتطرف سيظل بكلمته في رسم السياسة الأمريكية، والتي تقوم أساسا على حكم المؤسسات، والتي يأتي الكونجرس الأمريكي على رأس أقوى مؤسسات السياسة الأمريكية، فليس الرئيس فقط هو الذي يدير السياسة في أمريكا، ولا هو وحده الذي يتحكم في رسم السياسة الأمريكية، إضافة لذلك العدد من اللوبيات التي أحكمت سيطرتها على السياسات الأمريكية.
كل هذا يعني أن أوباما لا يمكنه التغيير إلى الأفضل كما يتخيل البعض، إلا بدرجة قد تكون أحسن حالا من سابقه، فقد يكون الأفضل أو الأحسن إنما هو بالنظر إلى جورج بوش، خاصة وأوباما يملك قدرة في خطاباته، يمكنه من خلالها أن يكسب جمهوره بشكل أفضل من بوش، لكنه لن يغير بحال من الأحوال السياسة الأمريكية تغييرا جذريا، وإنما قد يجري عليها بعد التحديثات حسب متطلبات الساعة لإنقاذ أمريكا من ورطتها، خاصة في ظل الانهيار الرأسمالي الذي زلزل كيان العالم كله.
فهو على هذه القراءة فرد من أفراد يؤدون أدوارهم في سياسة موجودة ومرسومة سلفا، وليس له ولا من اختصاصه أو قدرته أن يغير فيها شيئًا، لكنه في الوقت نفسه يعرضها بطريقة تختلف عن طريقة غيره من الرؤساء السابقين، وبهذا يظهر أن السياسة واحدة، وإن اختلفت طريقة العرض.
هكذا هي أمريكا، لكننا نعود ونؤكد أنها ورغم كل هذا قد سقطت، ولن يقدر مائة أوباما على إنقاذها، لكنه قد يقدر على تطويل أمد حياتها في طريق السقوط.
http://qawim.net/index.php?option=com_content&task=view&id=3948&Itemid=1 (http://qawim.net/index.php?option=com_content&task=view&id=3948&Itemid=1)