أبو هاشم
11-02-2008, 05:37 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.
منذ سنوات قد أصدرت فتوى ـ هي مبثوثة ضمن الفتاوى المنشورة في موقعي على الإنترنت ـ بكفر وردة يوسف القرضاوي .. وقد عللت في حينها بعض الأسباب التي حملتني على تكفيره .. إلا أن من الناس المتعصبة للرجل ـ لغرض في نفوسهم ـ نشروا الفتوى من دون أن ينشروا الأسباب التي حملتني على القول بكفره .. مما جعل كثيراً من الناس يسألونني عن هذه الفتوى .. وعن موضعها من الفتاوى .. والأسباب التي حملتني على أصدار هذا الحكم بحق الرجل .. وأظن أن هذا السؤال سيتكرر ما دام الطرف المغرض الآخر ينشر الفتوى من دون أن ينشر الأسباب التي حملتنا على إصدار هذه الفتوى .. لذا أجد نفسي ملزماً بأن أعيد بيان الفتوى من جديد في مقال مستقل .. ليسهل مراجعته لمن يشاء أن يعرف الأسباب التي حملتني على إصدار هذا الحكم .. ولأقطع دابر الأسئلة والمراجعة حول المسألة من جديد.
لكن قبل أن أبين الأسباب التي حملتني على القول بكفر الرجل .. لا بد من ذكر جملة من الأمور، ينبغي أن يعلمها الجميع:
منها: أن الزمن الذي يتخذ الناس فيه الأحبار والرهبان أرباباً من دون الله؛ فيُتابعونهم في الباطل، وفي تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحل الله تعالى .. قد ولَّى وانقضى منذ أن منَّ الله علينا بالإسلام وبنبي الإسلام صلوات ربي وسلامه عليه .. ومنذ أن أنزل الله تعالى قوله في أهل الكتاب منكراً عليهم اتخاذهم لأحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله:) اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ (التوبة:31. وذلك عندما أطاعوهم واتبعوهم في التحليل والتحريم من دون سلطان من الله تعالى؛ فأحلوا ما حرم الله، وحرَّموا ما أحل الله .. فكانت تلك ربوبيتهم من دون الله .. وذلك كان اتخاذهم أرباباً من دون الله.
وقال تعالى:)قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (آل عمران:64.
وبعد، فلا يطمع القرضاوي ولا من كان على شاكلته من الأحبار والرهبان .. ولا من كان وراءهم من الجماهير الضالة المغفَّلة .. أن نتخذهم أرباباً من دون الله بعد أن منَّ الله علينا بعقيدة التوحيد .. فنطيعهم ونتابعهم في معصية الله .. وفي التحليل والتحريم .. والتقبيح والتحسين .. من غير سلطان ولا إذن من الله تعالى.
ومنها: أن العصمة ليست لأحدٍ بعد الرسول r .. فلا يوجد أحدٌ ـ بعد النبي محمد r ـ معصوم عن الزلل والخطأ .. أو أن يُشار إليه بالكفر، لو وقع بمقتضاه وانتفت عنه موانعه .. فكل يُؤخذ منه ويُرد عليه .. يُقال له أصبت وأخطأت .. عدا النبي محمد r .. وهذا من أبرز ما يُميز عقيدة أهل السنة والجماعة عن غيرهم من الفرق الضالة التي وقع بعضها في الغلو والإفراط في الأشخاص، ووقع بعضها الآخر في الجفاء والتفريط!
ومنها: أن قاعدة رفع الملام عن الأئمة الأعلام ـ التي كثر عنها الحديث في الآونة الأخيرة بطريقة خاطئة ـ ليست على إطلاقها .. فهي تنفع عندما يقع العلَم في اجتهادٍ خاطئ .. أو حتى في كفر متشابه حمّال أوجه ومعانٍ .. وبخاصة إن كان هذا العلَم من ذوي الجهاد والبلاء في الله .. وممن له سابقة نصرة لهذا الدين .. فيُقدَّم بحقه تحسين الظن .. ويُلتمَس له العذر والتأويل ما أمكن .. أما إن وقع في الكفر البواح الذي لنا فيه برهان من كتاب الله أو سنة نبيه r .. فحينئذٍ لا يتشفَّع له شيء .. ولا يمنع من تكفيره شيء؛ فالكفر يطاله ويُحمَل عليه ولا بد .. حتى لو كان من الأعلام والنبلاء .. وبخاصة إن كان هذا العَلَم يُرى كثيراً في قصور ومجالس الطواغيت الظالمين .. يؤاكلهم ويُشاربهم ويُداهنهم .. يخدم دنياهم وأنظمتهم الباطلة الفاسدة بدينه وعلمه .. كالقرضاوي.
ومنها: أن التكفير أو التفسيق أو التضليل والحكم على شخص معينٍ بأنه كافر أو فاسق أو ظالم أو ضال .. ونحوها من الاطلاقات الشرعية .. مرده لله تعالى وحده .. فالحكم له I لا لأحدٍ سواه .. )إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ (يوسف:40. فمن حكم الله عليه بالكفر حكمنا عليه بالكفر ولا بد .. ومن حكم الله له بالإيمان والإسلام حكمنا له بالإيمان والإسلام ولا بد .. فالمسألة من هذا الوجه مردها لله تعالى وحده .. وهي خاضعة لقواعد ونصوص شرعية لا مجال فيها للهوى .. أو للرغبات .. أو حب التشفي والانتقام.
لا بد من أن نحكم بما أنزل الله .. في الأعمال والأقوال وعلى الأشخاص .. ونرضى بحكم الله تعالى ونسلِّم له تسليماً، وإلا حُمل علينا قوله تعالى:)وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ .. فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ .. فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (المائدة:44-47. وقد أخطأ من حصرَ هذه الآيات في الحكام والسلاطين دون غيرهم!
فحكم الله تعالى لا بد من أن يُحمَل على مستحقيه؛ على من وقع بموجبه أيَّاً كان؛ سواء كان كبيراً أو صغيراً .. وسواء كان فقيراً أو غنياً .. وسواء كان وضيعاً ضعيفاً أو شريفاً .. أما أن نُكفِّر من كفَرَ من الفقراء والضعفاء وصغار الشأن المغمورين .. ونتجرأ عليهم .. ثم إذا كفَرَ منا الشرفاء والأغنياء .. والأعلام .. والمشهورون .. تركناهم .. وتأولنا لهم ـ رهبة أو رغبة ـ فهذا الخلق ليس من الإسلام في شيء .. فالإسلام منه بريء .. وقد حذَّر منه .. ولما أراد أسامة بن زيد t أن يتشفع للمرأة المخزومية التي سرقت .. غضب النبيُّ r غضباً شديداً .. وتلون وجهه، وقال:" أتشفعُ في حدٍّ من حدود الله .. أتكلمني في حدٍّ من حدود الله .. فإنما أهلك الناس قبلكم: أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدّ، والذي نفسُ محمدٍ بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " البخاري.
ومنها: أن العبرة بالخواتيم .. وبما يُختم به على المرء؛ فالمرء قد يعمل بعمل أهل الجنة طيلة حياته حتى لا يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبقه الكتاب وما كُتب في الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيموت فيدخل النار، وإن المرء ليعمل بعمل أهل النار طيلة حياته حتى لا يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبقه الكتاب وما كُتب في الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيموت، فيدخل الجنة، كما في الحديث فقد صح عن النبي r أنه قال:" فوالذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها. وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها " متفق عليه.
وقال r:" لا تعجبوا بعمل أحدٍ حتى تنظروا بما يختم له، فإن العامل يعمل زماناً من دهره أو برهة من دهره بعمل صالح لو مات عليه دخل الجنة، ثم يتحول فيعمل عملاً سيئاً، وإن العبد ليعمل زماناً من دهره بعمل سيئ لو مات عليه دخل النار، ثم يتحول فيعمل عملاً صالحاً، وإذا أراد الله بعبد خيراً استعمله قبل موته فوفقه لعمل صالح، ثم يقبضه عليه "[[1] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=postthread&f=5#_ftn1)]. نسأل الله تعال الثبات وحسن الختام.
ونحن نعترف أن للقرضاوي بدايات طيبة .. وبعض الكتابات الطيبة .. يُستفاد منها .. لو ثبت عليها .. ولم يغير ولم يُبدل .. ونأى بنفسه عن مجالسة الطواغيت الظالمين .. وعن تزكيتهم .. لكن ـ عما يبدو وللأسف ـ قد غرّته بداياته .. وظن أنها تعصمه من الكفر .. وتجعله فوق أن يُشار إليه بالكفر .. أو الزلل .. مهما بدر منه من قول أو عمل!
بِلعَام بن باعوراء كان أكثر منه عِلماً .. وكان ممن وُضع لهم القبول، وقد آتاه الله الآيات والكرامات .. وقيل أن دعاءه كان لا يُرَد .. فغرَّه ذلك من نفسه .. فدعا لقومه الكافرين الجبّارين على موسى ومن معه من المؤمنين بأن يرد الله بأسهم عن قومه .. ولم يفعل شيئاً آخر غير ذلك .. فانسلخ مباشرة من آيات الله .. وأنزل الله تعالى فيه آياتٍ كريمات تُتلى إلى يوم القيامة .. لتكون عبرة وعظة لمن يأتي بعده من البلاعمة الذين يسيرون على نهج وسيرة سلفهم الأول بلعام بن باعوراء .. فيجمعون بين العلم والانسلاخ منه، كما قال تعالى:)وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ . وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (الأعراف:175-176.
فإن عُلم هذا الذي تقدم .. نبين الآن أوجه التبديل والتغيير والانسلاخ عند الرجل .. والأسباب التي حملتنا على القول بكفره وردته، أجملها في النقاط التالية:
أولاً: إغاثته لكبير الأصنام في أفغانستان الذي يُعبد صراحة من دون الله .. وسعيه ـ نزولاً عند رغبة طواغيت الحكم ـ لإنقاذه .. وثني المجاهدين عن تحطيمه وإزالته .. وهذا مما هو معلوم وثابت عنه لا يُجادل في ذلك أحد .. فالرجل لم يقصد أفغانستان طيلة مراحل الجهاد التي مرت بها البلاد .. إلا مرة واحدة .. وهو عندما أراد أن ينقذ الطاغوت كبير الأصنام الذي يُعبد من دون الله من التحطيم والإزالة .. لم تُحركه دماء وأشلاء مئات الآلاف من المسلمين الأبرياء .. بينما من أجل الطاغوت الصنم قد تحرك وشد الرحال نزولاً عند رغبة وإرادة الظالمين!
وهذا العمل في شرع الله تعالى كفر بواح .. لا خلاف فيه .. فهو يتنافى مع التوحيد وركنه وشرطه؛ وهو الكفر بالطاغوت والبراء منه ومن عابديه .. كما قال تعالى:)فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (البقرة:256. فالعروة الوثقى هي لا إله إلا الله .. فالذي يأتي بالركنين معاً: الكفر بالطاغوت .. ويؤمن بالله .. فهذا الذي يكون قد استمسك بالتوحيد وشهادة التوحيد .. أما من أتى بأحد الركنين دون الآخر .. فهذا لا يكون ممن استمسك بالعروة الوثقى .. ويكون ممن نقض التوحيد وأبطله بإتيانه لضده .. وبقوله بالشيء وضده في آنٍ معاً.
وقال تعالى:)وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ (النحل:36. وقال تعالى:)وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (الزمر:17. والقرضاوي لم يجتنب الطاغوت بل دافع عن الطاغوت .. وجادل عنه .. وعن حيات وبقاء الطاغوت مع علمه أن هذا الصنم الطاغوت يُعبد صراحة من دون الله U .. وقوله عنه أنه آثار وهو يُدافع عن الآثار .. هو من الكذب المفضوح .. ومن الجدال عن الطاغوت الذي يُعبد من دون الله!
وقال تعالى:)قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ (الممتحنة:4. فأين صنيع القرضاوي هذا من هذا البراء ...؟!
فالرجل بفعله هذا ـ أقل أحواله ـ أنه جادل عن الشِّرك .. ورضي للشرك أن يبقى شامخاً قائماً .. والرضى بالكفر كفر بلا خلاف .. قال تعالى:)إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً (النساء:48.
ثانياً: الفتوى الشهيرة التي صدرت عن الرجل، والتي تنص على أن للمسلمين في أمريكا أن يتجندوا للقتال مع الجيش الصليبي الأمريكي .. وأن يُقاتلوا مع الجيش الأمريكي ضد المجاهدين والمسلمين في أفغانستان .. وغير أفغانستان .. من قبيل وتعاونوا على البر والتقوى ـ كما زعم! ـ وأنهم ـ حتى لا يُشكك بولائهم الوطني ـ يجب عليهم أن يُغلبوا ولاءهم الوطني .. وللوطن الأمريكي .. على ولائهم لله .. وللعقيدة .. وأخوة العقيدة والدين!!
فمن كلماته في ذلك التي أُثِرت عنه ونُشِرت، قوله:" إن هذا السؤال يعرض قضية شديدة التعقيد وموقفاً بالغ الحساسية يواجهه إخواننا العسكريون المسلمون في الجيش الأمريكي، وفي غيره من الجيوش التي قد يوضعون فيها في ظروف مُشابهة .. ( فهي إذاً فتوى موجهة إلى إخوانه العسكريين الأمريكيين وغيرهم من إخوانه العسكريين الآخرين الذين يخدمون في جيوش الطواغيت الظالمين .. والمماثلة ظروفهم لظروف إخوانه العسكريين الأمريكيين ).
الواجب على المسلمين كافة أن يكونوا يداً واحدة ضد الذين يروعون الآمنين .. يجبعلى إخواننا العسكريين المسلمين في الجيش الأميركي أن يجعلواموقفهمهذا ـ وأساسه الديني ـمعروفيْن لجميع زملائهم ورؤسائهم .. نرى ضرورة البحث عن الفاعلين الحقيقيين لهذه الجرائم، والمشاركين فيها بالتحريض والتمويل والمساعدة .. وهذا كله من واجب المسلمين المشاركة فيه بكل سبيل ممكنة، تحقيقاً لقوله تعالى:) وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ (المائدة:2. .. ولكنالحرج الذي يصيب العسكريين المسلمين في مقاتلة المسلمينالآخرين،مصدره أن القتال يصعب ـ أو يستحيل ـ التمييز فيه بين الجناة الحقيقيينالمستهدفينبه، وبين الأبرياء الذين لا ذنب لهم في ما حدث، وأن الحديث النبويالصحيحيقول:" إذا تواجه المسلمان بسيفيهما، فقتل أحدهما صاحبه فالقاتل والمقتول فيالنار،قيل هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: قد أراد قتل صاحبه " رواه البخاري ومسلم. والواقعأن الحديث الشريف المذكور يتناول الحالة التي يملك فيها المسلمأمرنفسه فيستطيع أن ينهض للقتال ويستطيع أن يمتنع عنه، وهو لا يتناول الحالة التييكونالمسلم فيها مواطناً وجندياً في جيش نظامي لدولة، يلتزم بطاعة الأوامر الصادرةإليه،وإلا كان ولاؤه لدولته محل شك مع ما يترتب على ذلك من أضرار عديدة.
يتبينمنذلك أن الحرج الذي يسببه نص هذا الحديث الصحيح إما أنه مرفوع، وإما أنه مغتفربجانبالأضرار العامة التي تلحق مجموع المسلمين في الجيش الأميركي، بل وفي الولايات المتحدةبوجه عام، إذا أصبحوا مشكوكاً في ولائهم لبلدهم الذي يحملون جنسيته،ويتمتعونفيه بحقوق المواطنة، وعليهم أن يؤدوا واجباتها.
وأماالحرج الذي يسببهكونالقتال لا تمييز فيه؛ فإن المسلم يجب عليه أن ينوي مساهمته في هذا القتال أنيحقالحق ويبطل الباطل، وأن عمله يستهدف منع العدوان على الأبرياء أو الوصول الىمرتكبيهلتقديمهم للعدالة، وليس له شأن بما سوى ذلك من أغراض للقتال قد تنشئ لديهحرجاًشخصياً، لأنه لا يستطيع وحده منعها ولا تحقيقها، وإنما الأعمال بالنيات، والله تعالى لا يكلف نفساًإلاوسعها ... فاذا كان يترتب علىامتناعالمسلمين عن القتال في صفوف جيوشهم ضرر على جميع المسلمين في بلادهم ـ وهمملايينعديدة ـ وكان قتالهم سوف يسبب لهم حرجاً أو أذى روحياً ونفسياً، فإن الضررالخاصيتحمل لدفع الضرر العام، كما تقرر القاعدة الفقهية الأخرى .. وإذاكانالعسكريون المسلمون في الجيش الاميركي يستطيعون طلب الخدمة ـ مؤقتاً أثناء هذهالمعاركالوشيكة ـ في الصفوف الخلفية للعمل في خدمات الإعاشة وما شابهها ـ كما وردفيالسؤال ـمن دون أن يسبب لهم ذلك، ولا لغيرهم من المسلمين الأمريكيين، حرجاً ولاضرراًفإنه لا بأس عليهم من هذا الطلب. أما إذا كان هذا الطلب يسببضرراًأو حرجاًيتمثلفي الشك في ولائهم، أو تعريضهم لسوء ظن، أو لاتهام باطل، أو لإيذائهم فيمستقبلهمالوظيفي، أو للتشكيك في وطنيتهم، وأشباه ذلك، فانه لا يجوز عندئذ هذاالطلب.
والخلاصة:أنه لا بأس ـ إن شاء الله ـ على العسكريين المسلمين من المشاركةفيالقتال في المعارك المتوقعة ضد من تُقَرِّر دولتهم أنهم يمارسون الإرهاب ضدها، أو يؤوونالممارسينله ويتيحون لهم فرص التدريب والانطلاق من بلادهم، مع استصحاب النيةالصحيحةعلى النحو الذي أوضحناه، دفعاً لأي شبهة قد تلحق بهم في ولائهم لأوطانهم،ومنعاًللضرر الغالب على الظن وقوعه، وإعمالاً للقواعد الشرعية التي تبيح بالضرورات ارتكاب المحظورات، وتوجب تحمل الضرر الأخف لدفع الضرر الأشد، والله تعالىأعلموأحكم "اهـ [ المصدر: إسلام أون لاين ].
يُرد على كلامه أعلاه، من وجهين أو منظورين: منظور واقع الفتوى وأثرها، ومنظور موقف الشّرع منها.
أما منظور واقع الفتوى وأثرها، فقد وقع صاحبها في مزالق وتناقضات خطيرة جداً، منها: اعتباره أن العسكريين المسلمين الأمريكيين لا خيار لهم سوى الرضى والموافقة على القتال .. وفاته ـ أو تعامَى ـ أن الخدمة العسكرية في الجيش الأمريكي، وغيره من الجيوش الأوربية تطوعية لا إكراه فيها .. فالفرد هو بنفسه .. ومن تلقاء نفسه .. ومن دون أن يُطلب منه أو يُكره على شيء .. يُقدم طلباً للالتحاق بعساكر تلك الجيوش .. وبالتالي .. حديثه عن الإكراه .. والضرورات .. كلام ساقط لا اعتبار له .. وهو من قبيل التلبيس على الناس .. ولكي يبرر جرمه الذي أقدم عليه!
ومنها: عندما تقرر أمريكا وغيرها من الدول الصليبية محاربة الإرهاب والإرهابيين .. فهي عملياً وواقعاً تقرر محاربة الإسلام والمسلمين .. تحت ستار وغطاء محاربة الإرهاب والإرهابيين .. وهذا أمر يعلمه صغار المراقبين والمتابعين للأحداث .. فكيف فات وغفل عن هذه الحقيقة العلاَّمة الفهّامة .. وحيد عصره؟!
والسؤال الذي يُطرَح على العلامة الفهّامة .. فقيه عصره: هل لمجرد أن تقرر هذه الدول الصليبية أنها تريد محاربة الإرهاب والإرهابيين ـ وهي حقيقة وواقعاً تعني الإسلام والمسلمين ـ يجب على المسلمين في تلك الدول أن يلبوا النداء للقتال معهم .. وينخرطوا في عساكرهم لمقاتلة المسلمين .. الإرهابيين .. كما يزعمون .. وكما يقررون؟!
ومنها: بعد مرور سنوات على كلامه والفتوى التي أصدرها أعلاه .. وبعد أن لبى من لبى من المسلمين الأمريكيين للقتال مع الجيش الأمريكي .. ما الذي حصل .. وكيف استخدمت أمريكا كلامه أعلاه .. وكلام أمثاله من شيوخ الضلالة؟!
ها هم قد غزوا بلداً بكاملها وأسقطوا دولته الإسلامية المتمثلة في حينها بدولة " الطالبان " .. واستبدلوها بحكومة عميلة خائنة كافرة مسلوبة الإرادة والقرار .. وقتلوا المسلمين في مساجدهم ركعاً سجداً .. وبالآلاف .. إن لم يكن بعشرات الآلاف .. كم من عرس وفرح قلبوه على أهله مأتماً وحزناً بواسطة صواريخهم وقاذفاتهم .. ولم يكتفوا بذلك .. فأتبعوا بأفغانستان العراق .. فغزوها .. وقتلوا عشرات الآلاف من أهلها المسلمين المسالمين .. وانتهكوا الأعراض .. وجميع الحرمات .. وهم فعلهم هذا كله .. يبررونه .. بضرورة ملاحقة ومحاربة الإرهاب والإرهابيين زعموا .. وفتوى العلامة الفهَّامة .. تلزم بالقتال مع الجيش الأمريكي متى يقرر قادته أنهم يُحاربون الإرهاب والإرهابيين ..!!
فأنت يا قرضاوي ـ بفتواك أعلاه ـ شريك الغزاة الصليبيين في جميع جرائمهم التي ارتكبوها في بلاد المسلمين .. ولك مثل وزرهم .. فاستعد للقصاص والمحاسبة .. عندما يكون خصمك يوم الحساب آلاف النساء التي انتهكت حرماتهن .. وآلاف الشيوخ الذين قُتِّلوا في مساجدهم وهم ركعاً سجداً .. وآلاف الأطفال الذين يُتموا على أيدي الغزاة المعتدين .. استعد للحساب .. وأعد للسؤال جواباً من الآن!!
أهذا هو البر والتقوى الذي تأمر الناس بأن يتعاونوا عليه .. وتحمل عليه ـ كذباً وزوراً وتلبيساً على الناس دينهم ـ قوله تعالى:) وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ (المائدة:2.
ما أجرأك على الكذب .. وأن تقول على الله غير الحق؟!
في الدنيا .. تسخر من محدثيك .. وتنافق كالثعلب .. وتستخدم مهاراتك الكلامية والجدلية .. وترمي مخالفيك .. بأنهم لم يفهموا فتواك ولا كلامك .. وأنهم من العوام الذين يُغلّبون فقه الظواهر على المقاصد .. هذا تقوله في الدنيا .. لكن ما عساك أن تقول يوم الحساب .. في محكمة قاضيها رب العالمين .. وخالق الخلق I؟!
أنت ـ يا قرضاوي ـ تعلم أكثر من غيرك قوله r:" مَن أُفتِيَ بغيرِ علمٍ كان إثمه على من أفتاه ". فحذار أن تتملص .. وتتهرب ـ كالثعلب وكما هي عادتك ـ من المسؤولية؟!
ومنها: أن الرجل قد ميّع الدين كله عندما وجد في القاعدة الشرعية الصحيحة التي تنص على فقه الموازنات وضرورة ترجيح المصالح عند تضاربها .. مدخلاً لهواه .. ولباطله .. فجعل المرجوح راجحاً .. والراجح مرجوحاً .. والباطلَ حقاً .. والحق باطلاً .. والبر والتقوى إثماً وعدواناً، والإثم والعدوان براً وتقوى .. والمصلحة الكبرى مصلحة صغرى والمصلحة الصغرى مصلحة كبرى .. والمفاسد مصالح .. والمصالح مفاسد .. بحسب ما يهوى .. وبحسب المناسبة .. وما يُطلَب منه .. والجهة التي تطلب منه .. وما يريده الجمهور .. أو المستمعون .. وهذا منهج أدى بالرجل للوقوع في الزندقة .. إذ نراه كلما رُوجِع في خطأ من أخطائه .. وبُين له أن خطأه مخالف لنصوص الشريعة .. سرعان ما يتفلّت كالثعلب ـ ومن دون أن يعترف بخطئه ـ ويرد المنتقدين والمخالفين له .. إلى قاعدته التي يقبع خلفها قاعدة " فقه الموازنات " .. وأن المخالفين له من العوام الذين يُغلبون فقه الظواهر على المقاصد؟!
وفيما يتعلق بكلامه أعلاه .. نسأله .. أين تكمن المصلحة الكبرى .. وما الذي تقضي به قاعدة فقه الموازنات .. وما الذي يقرره النقل والعقل: أن يقتل المسلم أخاه المسلم ويُعين الكافر على قتله .. مقابل أن يُحافظ على مستقبله الوظيفي، وحتى لا يُساء به الظن، ويُشكك بولائه الوطني .. أم يُضحي بمستقبله الوظيفي وإن سيء به وبولائه الوطني الظن .. ولا أن يقتل المسلمين سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة عن طريق مساعدة الآخرين على قتلهم ...؟!!
العلامة الفهّامة! .. يقول ـ كما في كلامه أعلاه ـ أن فقه الموازنات يقضي بتقديم ومراعاة مصلحة المستقبل الوظيفي، والسمعة الوطنية الجيدة ... على مصلحة حرمات ودماء المسلمين؟!
بينما صغار المسلمين يعلمون أن هذا الذي ذكره الرجل ـ بالنص وإجماع جميع العلماء والعقلاء من تقدم منهم ومن تأخر ـ لا يبرر للمسلم أن يعتدي على ظفر أخيه المسلم .. فضلاً عن أن يكون مبرراً لقتله أو التعاون على قتله!
قال تعالى:) وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً (النساء:93.
وفي الحديث فقد صح عن النبي r أنه قال:" المسلمون تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمَّتهم أدناهم، ويُجيرُ عليهم أقصاهم، وهم يدٌ على مَن سواهُم، يَردُّ مُشِدُّهُم على مُضعِفهم، ومُتَسَرِّعِهم على قاعِدهم، لا يُقتَلُ مؤمنٌ بكافرٍ، ولا ذُو عهدٍ في عهده "[صحيح سنن أبي داود:2391].
وقال r:" ما من امرئٍ يَخذُلُ امرءاً مسلماً في موطنٍ يُنتقصُ فيه عِرضُه، ويُنتهكُ فيه من حُرمَتِه، إلا خذَلَه اللهُ تعالى في موطنٍ يُحبُّ فيه نصرَتَهُ، وما مِن أحدٍ ينصرُ مُسلماً في موطنٍ يُنتقَصُ فيه من عِرضهِ، ويُنتهكُ فيه من حُرمتِه، إلا نصرَهُ اللهُ في موطنٍ يُحبُّ فيه نصرتَهُ "[صحيح الجامع:5690].
وقال r:" المؤمنُ من أهلِ الإيمان بمنزلة الرأسِ من الجسد، يألَمُ المؤمنُ لما يُصيبُ أهلَ الإيمان، كما يألَمُ الرأسُ لما يصيبُ الجسدَ "[صحيح الجامع:6659].
وقال r:" ترى المؤمنين في تراحُمِهم وتوادِّهم، وتعاطُفِهم، كمثلِ الجسدِ إذا اشتكى عضواً تداعى لهُ سائرُ الجسدِ بالسَّهرِ والحُمَّى " متفق عليه.
وقال r:" المسلمُ أخو المسلمِ لا يَظلِمهُ ولا يُسْلِمه " متفق عليه. اي لا يُسلِمه للظلم، ولعدوان المعتدين.
وقال r:" كلُّ المسلمِ على المسلم حرامٌ: مالُه، وعِرْضُه، ودَمُه، حَسْبُ امرئٍ من الشرِّ أن يحقرَ أخاه المسلم " مسلم.
وعن أبي بكرة الثقفي، أنَّ رسولَ الله r، خطبَ الناسَ ـ وذلك يوم حجة الوداع ـ فقال:" ألا تدرون أي يُومٍ هذا؟" قالوا: الله ورسولُه أعلم، قال:" فسكتَ حتى ظننَّا أنه سيُسمِّيه بغيرِ اسمه، فقال:" أليس بيوم النحر؟" قلنا: بلى يا رسولَ الله، قال:" أي بلدٍ هذه؛ أليست بالبلدةِ الحرام؟" قلنا: بلى يا رسولَ الله، قال:" فإن دماءَكم، وأموالَكُم، وأعراضَكم، وأبشارَكم عليكم حرام، كحرمة يومِكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلَّغت؟" قلنا: نعم، قال: اللهم اشهد، فليبلِّغ الشاهدُ الغائبَ؛ فإنه رُبَّ مُبَلِّغٍ يُبلِّغُه مَن هو أوعَى له " فكان كذلك، قال:" لا ترجعوا بعدي كفَّاراً يَضرِبُ بعضُكم رِقابَ بعضٍ " متفق عليه.
وقال r:" لا يحلُّ للرجلِ أن يأخذَ عَصا أخيه بغير طِيبِ نفسِه؛ وذلك لشدَّة ما حرَّم رسولُ الله r من مالِ المسلمِ على المسلمِ "[رواه أحمد وغيره].
وقال r:" سُبابُ المسلمِ فسوقٌ، وقتالُه كفرٌ " متفق عليه.
وقال r:" إذا شهَرَ المسلمُ على أخيهِ سلاحاً؛ فلا تزالُ ملائكةُ الله تلعنُه حتى يَشيمَهُ عنه "[السلسة الصحيحة:3973].
وقال r:" إنَّ الملائكةَ لتلعنُ أحدَكُم إذا أشارَ إلى أخيه بحديدةٍ، وإن كان أخاهُ لأبيه وأُمِّه " مسلم. فكيف بالذي يرميه بالصواريخ والقنابل .. ويقتل من المسلمين ـ بواسطة الطيران والصواريخ ـ الآلاف .... وغيرها عشرات من النصوص الشرعية من الكتاب والسنة التي تبين غِلظة حرمة المسلم على أخيه المسلم .. لكن هذه النصوص الشرعية ـ عند الرجل ـ كلها في كفة .. والمستقبل الوظيفي للجندي المقاتل مع العدو الكافر في كفة .. ومصلحة المستقبل الوظيفي للجندي المقاتل مع العدو الكافر ترجح عند القرضاوي .. على هذه النصوص الشرعية كلها .. وعلى مصلحة المسلمين ودمائهم وحرماتهم كلها .. كما تملي عليه قاعدته " فقه الموازنات "!!
الإكراه الصريح المحقَّق يبرر للمرء أن يقول كلمة الكفر .. وأن يُضحي بما هو أقل منه قيمة وحرمة .. لكن لا يبرر له قتل أخيه المسلم .. حتى لو هُدّد وأكره بالقتل ـ وليس فقط خسرانه لمستقبله الوظيفي ـ وكان قتله محققاً إن لم يفعل ما يُطلَب منه .. فالنص والإجماع على أن المُكرَه يُقتَل .. ويؤثر القتل لنفسه ولا يَقتُلَ أخاه .. لتساويهما في القيمة والحرمة .. فلا يجوز أن يفدي نفسه بأخيه!
هذا مثال عن فقه الموازنات كما يفهمه الرجل .. وكيف يسيء استغلاله واستعماله .. ولو أردنا أن نتتبع ما يمرره الرجل من باطل صراح .. تحت عنوان فقه الموازنات .. وفقه المصالح .. لكتبنا في ذلك مجلدات .. وليس مجلداً واحداً!
ومنها: أن حديثه عن " استصحاب النية " يثير الضحك والحزَن في آنٍ معاً .. فهو يعني من قوله عن استصحاب النية .. أن على إخوانه من الجنود الأمريكيين المسلمين .. عندما يقتلون المسلمين الأفغان .. ويقتلون أطفالهم ونساءهم .. أن يقصدوا وينووا من فعلهم هذا .. أنهم يقتلون الإرهابيين .. وأن مرادهم ونيتهم من قتل المسلمين التعاون على البر والتقوى .. وهذه النية تظل تصحبهم ـ حتى لا يقعوا تحت طائل الشعور بالندم والمؤاخذة ـ طيلة الفترة التي يُمارسون فيها عملية القتل للمسلمين ....؟!
أرأيتم التضليل .. والكذب .. والقول على الله غير الحق .. وعن سابق علم وإصرار .. فأنا متيقن أن الرجل يعلم أن هذا الكلام باطل نقلاً وعقلاً .. وأن النية الحسنة لا تبرر فعل الخطأ .. وأن أي عمل يُشترط له شرطان لا يُقبل إلا بهما معاً: سلامة القصد والنية، والإخلاص .. وأن يكون العمل مباحاً ومشروعاً .. فالرجل يعلم هذا كله .. ومع ذلك يتنكر لما يعلم .. ويُفتي بخلاف ما يعلم!
فقوله عن استصحاب النية والمسلم يقتل أخاه المسلم .. أشد بكثير من أن يفتي المرءَ بالزنى .. شريطة أن يستصحب نية التحصن وهو يزني .. أو نية التقوي على الطاعة .. أو ينصح المرءَ بأن يسرق شريطة أن يستصحب نية التصدق والإحسان على الفقراء .. فإن النيات ـ عند القرضاوي ـ تبرر فعل الجرائم .. والمنكرات .. والموبقات!
هذا بعض ما يؤخذ على فتوى الرجل وكلامه أعلاه من حيث واقع وأثر الفتوى .. وما نتج عنها .. أما من حيث المنظور أو البعد الشرعي العقدي .. فبيانه كالتالي:
يتبع ...
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.
منذ سنوات قد أصدرت فتوى ـ هي مبثوثة ضمن الفتاوى المنشورة في موقعي على الإنترنت ـ بكفر وردة يوسف القرضاوي .. وقد عللت في حينها بعض الأسباب التي حملتني على تكفيره .. إلا أن من الناس المتعصبة للرجل ـ لغرض في نفوسهم ـ نشروا الفتوى من دون أن ينشروا الأسباب التي حملتني على القول بكفره .. مما جعل كثيراً من الناس يسألونني عن هذه الفتوى .. وعن موضعها من الفتاوى .. والأسباب التي حملتني على أصدار هذا الحكم بحق الرجل .. وأظن أن هذا السؤال سيتكرر ما دام الطرف المغرض الآخر ينشر الفتوى من دون أن ينشر الأسباب التي حملتنا على إصدار هذه الفتوى .. لذا أجد نفسي ملزماً بأن أعيد بيان الفتوى من جديد في مقال مستقل .. ليسهل مراجعته لمن يشاء أن يعرف الأسباب التي حملتني على إصدار هذا الحكم .. ولأقطع دابر الأسئلة والمراجعة حول المسألة من جديد.
لكن قبل أن أبين الأسباب التي حملتني على القول بكفر الرجل .. لا بد من ذكر جملة من الأمور، ينبغي أن يعلمها الجميع:
منها: أن الزمن الذي يتخذ الناس فيه الأحبار والرهبان أرباباً من دون الله؛ فيُتابعونهم في الباطل، وفي تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحل الله تعالى .. قد ولَّى وانقضى منذ أن منَّ الله علينا بالإسلام وبنبي الإسلام صلوات ربي وسلامه عليه .. ومنذ أن أنزل الله تعالى قوله في أهل الكتاب منكراً عليهم اتخاذهم لأحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله:) اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ (التوبة:31. وذلك عندما أطاعوهم واتبعوهم في التحليل والتحريم من دون سلطان من الله تعالى؛ فأحلوا ما حرم الله، وحرَّموا ما أحل الله .. فكانت تلك ربوبيتهم من دون الله .. وذلك كان اتخاذهم أرباباً من دون الله.
وقال تعالى:)قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (آل عمران:64.
وبعد، فلا يطمع القرضاوي ولا من كان على شاكلته من الأحبار والرهبان .. ولا من كان وراءهم من الجماهير الضالة المغفَّلة .. أن نتخذهم أرباباً من دون الله بعد أن منَّ الله علينا بعقيدة التوحيد .. فنطيعهم ونتابعهم في معصية الله .. وفي التحليل والتحريم .. والتقبيح والتحسين .. من غير سلطان ولا إذن من الله تعالى.
ومنها: أن العصمة ليست لأحدٍ بعد الرسول r .. فلا يوجد أحدٌ ـ بعد النبي محمد r ـ معصوم عن الزلل والخطأ .. أو أن يُشار إليه بالكفر، لو وقع بمقتضاه وانتفت عنه موانعه .. فكل يُؤخذ منه ويُرد عليه .. يُقال له أصبت وأخطأت .. عدا النبي محمد r .. وهذا من أبرز ما يُميز عقيدة أهل السنة والجماعة عن غيرهم من الفرق الضالة التي وقع بعضها في الغلو والإفراط في الأشخاص، ووقع بعضها الآخر في الجفاء والتفريط!
ومنها: أن قاعدة رفع الملام عن الأئمة الأعلام ـ التي كثر عنها الحديث في الآونة الأخيرة بطريقة خاطئة ـ ليست على إطلاقها .. فهي تنفع عندما يقع العلَم في اجتهادٍ خاطئ .. أو حتى في كفر متشابه حمّال أوجه ومعانٍ .. وبخاصة إن كان هذا العلَم من ذوي الجهاد والبلاء في الله .. وممن له سابقة نصرة لهذا الدين .. فيُقدَّم بحقه تحسين الظن .. ويُلتمَس له العذر والتأويل ما أمكن .. أما إن وقع في الكفر البواح الذي لنا فيه برهان من كتاب الله أو سنة نبيه r .. فحينئذٍ لا يتشفَّع له شيء .. ولا يمنع من تكفيره شيء؛ فالكفر يطاله ويُحمَل عليه ولا بد .. حتى لو كان من الأعلام والنبلاء .. وبخاصة إن كان هذا العَلَم يُرى كثيراً في قصور ومجالس الطواغيت الظالمين .. يؤاكلهم ويُشاربهم ويُداهنهم .. يخدم دنياهم وأنظمتهم الباطلة الفاسدة بدينه وعلمه .. كالقرضاوي.
ومنها: أن التكفير أو التفسيق أو التضليل والحكم على شخص معينٍ بأنه كافر أو فاسق أو ظالم أو ضال .. ونحوها من الاطلاقات الشرعية .. مرده لله تعالى وحده .. فالحكم له I لا لأحدٍ سواه .. )إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ (يوسف:40. فمن حكم الله عليه بالكفر حكمنا عليه بالكفر ولا بد .. ومن حكم الله له بالإيمان والإسلام حكمنا له بالإيمان والإسلام ولا بد .. فالمسألة من هذا الوجه مردها لله تعالى وحده .. وهي خاضعة لقواعد ونصوص شرعية لا مجال فيها للهوى .. أو للرغبات .. أو حب التشفي والانتقام.
لا بد من أن نحكم بما أنزل الله .. في الأعمال والأقوال وعلى الأشخاص .. ونرضى بحكم الله تعالى ونسلِّم له تسليماً، وإلا حُمل علينا قوله تعالى:)وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ .. فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ .. فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (المائدة:44-47. وقد أخطأ من حصرَ هذه الآيات في الحكام والسلاطين دون غيرهم!
فحكم الله تعالى لا بد من أن يُحمَل على مستحقيه؛ على من وقع بموجبه أيَّاً كان؛ سواء كان كبيراً أو صغيراً .. وسواء كان فقيراً أو غنياً .. وسواء كان وضيعاً ضعيفاً أو شريفاً .. أما أن نُكفِّر من كفَرَ من الفقراء والضعفاء وصغار الشأن المغمورين .. ونتجرأ عليهم .. ثم إذا كفَرَ منا الشرفاء والأغنياء .. والأعلام .. والمشهورون .. تركناهم .. وتأولنا لهم ـ رهبة أو رغبة ـ فهذا الخلق ليس من الإسلام في شيء .. فالإسلام منه بريء .. وقد حذَّر منه .. ولما أراد أسامة بن زيد t أن يتشفع للمرأة المخزومية التي سرقت .. غضب النبيُّ r غضباً شديداً .. وتلون وجهه، وقال:" أتشفعُ في حدٍّ من حدود الله .. أتكلمني في حدٍّ من حدود الله .. فإنما أهلك الناس قبلكم: أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدّ، والذي نفسُ محمدٍ بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " البخاري.
ومنها: أن العبرة بالخواتيم .. وبما يُختم به على المرء؛ فالمرء قد يعمل بعمل أهل الجنة طيلة حياته حتى لا يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبقه الكتاب وما كُتب في الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيموت فيدخل النار، وإن المرء ليعمل بعمل أهل النار طيلة حياته حتى لا يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبقه الكتاب وما كُتب في الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيموت، فيدخل الجنة، كما في الحديث فقد صح عن النبي r أنه قال:" فوالذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها. وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها " متفق عليه.
وقال r:" لا تعجبوا بعمل أحدٍ حتى تنظروا بما يختم له، فإن العامل يعمل زماناً من دهره أو برهة من دهره بعمل صالح لو مات عليه دخل الجنة، ثم يتحول فيعمل عملاً سيئاً، وإن العبد ليعمل زماناً من دهره بعمل سيئ لو مات عليه دخل النار، ثم يتحول فيعمل عملاً صالحاً، وإذا أراد الله بعبد خيراً استعمله قبل موته فوفقه لعمل صالح، ثم يقبضه عليه "[[1] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=postthread&f=5#_ftn1)]. نسأل الله تعال الثبات وحسن الختام.
ونحن نعترف أن للقرضاوي بدايات طيبة .. وبعض الكتابات الطيبة .. يُستفاد منها .. لو ثبت عليها .. ولم يغير ولم يُبدل .. ونأى بنفسه عن مجالسة الطواغيت الظالمين .. وعن تزكيتهم .. لكن ـ عما يبدو وللأسف ـ قد غرّته بداياته .. وظن أنها تعصمه من الكفر .. وتجعله فوق أن يُشار إليه بالكفر .. أو الزلل .. مهما بدر منه من قول أو عمل!
بِلعَام بن باعوراء كان أكثر منه عِلماً .. وكان ممن وُضع لهم القبول، وقد آتاه الله الآيات والكرامات .. وقيل أن دعاءه كان لا يُرَد .. فغرَّه ذلك من نفسه .. فدعا لقومه الكافرين الجبّارين على موسى ومن معه من المؤمنين بأن يرد الله بأسهم عن قومه .. ولم يفعل شيئاً آخر غير ذلك .. فانسلخ مباشرة من آيات الله .. وأنزل الله تعالى فيه آياتٍ كريمات تُتلى إلى يوم القيامة .. لتكون عبرة وعظة لمن يأتي بعده من البلاعمة الذين يسيرون على نهج وسيرة سلفهم الأول بلعام بن باعوراء .. فيجمعون بين العلم والانسلاخ منه، كما قال تعالى:)وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ . وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (الأعراف:175-176.
فإن عُلم هذا الذي تقدم .. نبين الآن أوجه التبديل والتغيير والانسلاخ عند الرجل .. والأسباب التي حملتنا على القول بكفره وردته، أجملها في النقاط التالية:
أولاً: إغاثته لكبير الأصنام في أفغانستان الذي يُعبد صراحة من دون الله .. وسعيه ـ نزولاً عند رغبة طواغيت الحكم ـ لإنقاذه .. وثني المجاهدين عن تحطيمه وإزالته .. وهذا مما هو معلوم وثابت عنه لا يُجادل في ذلك أحد .. فالرجل لم يقصد أفغانستان طيلة مراحل الجهاد التي مرت بها البلاد .. إلا مرة واحدة .. وهو عندما أراد أن ينقذ الطاغوت كبير الأصنام الذي يُعبد من دون الله من التحطيم والإزالة .. لم تُحركه دماء وأشلاء مئات الآلاف من المسلمين الأبرياء .. بينما من أجل الطاغوت الصنم قد تحرك وشد الرحال نزولاً عند رغبة وإرادة الظالمين!
وهذا العمل في شرع الله تعالى كفر بواح .. لا خلاف فيه .. فهو يتنافى مع التوحيد وركنه وشرطه؛ وهو الكفر بالطاغوت والبراء منه ومن عابديه .. كما قال تعالى:)فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (البقرة:256. فالعروة الوثقى هي لا إله إلا الله .. فالذي يأتي بالركنين معاً: الكفر بالطاغوت .. ويؤمن بالله .. فهذا الذي يكون قد استمسك بالتوحيد وشهادة التوحيد .. أما من أتى بأحد الركنين دون الآخر .. فهذا لا يكون ممن استمسك بالعروة الوثقى .. ويكون ممن نقض التوحيد وأبطله بإتيانه لضده .. وبقوله بالشيء وضده في آنٍ معاً.
وقال تعالى:)وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ (النحل:36. وقال تعالى:)وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (الزمر:17. والقرضاوي لم يجتنب الطاغوت بل دافع عن الطاغوت .. وجادل عنه .. وعن حيات وبقاء الطاغوت مع علمه أن هذا الصنم الطاغوت يُعبد صراحة من دون الله U .. وقوله عنه أنه آثار وهو يُدافع عن الآثار .. هو من الكذب المفضوح .. ومن الجدال عن الطاغوت الذي يُعبد من دون الله!
وقال تعالى:)قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ (الممتحنة:4. فأين صنيع القرضاوي هذا من هذا البراء ...؟!
فالرجل بفعله هذا ـ أقل أحواله ـ أنه جادل عن الشِّرك .. ورضي للشرك أن يبقى شامخاً قائماً .. والرضى بالكفر كفر بلا خلاف .. قال تعالى:)إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً (النساء:48.
ثانياً: الفتوى الشهيرة التي صدرت عن الرجل، والتي تنص على أن للمسلمين في أمريكا أن يتجندوا للقتال مع الجيش الصليبي الأمريكي .. وأن يُقاتلوا مع الجيش الأمريكي ضد المجاهدين والمسلمين في أفغانستان .. وغير أفغانستان .. من قبيل وتعاونوا على البر والتقوى ـ كما زعم! ـ وأنهم ـ حتى لا يُشكك بولائهم الوطني ـ يجب عليهم أن يُغلبوا ولاءهم الوطني .. وللوطن الأمريكي .. على ولائهم لله .. وللعقيدة .. وأخوة العقيدة والدين!!
فمن كلماته في ذلك التي أُثِرت عنه ونُشِرت، قوله:" إن هذا السؤال يعرض قضية شديدة التعقيد وموقفاً بالغ الحساسية يواجهه إخواننا العسكريون المسلمون في الجيش الأمريكي، وفي غيره من الجيوش التي قد يوضعون فيها في ظروف مُشابهة .. ( فهي إذاً فتوى موجهة إلى إخوانه العسكريين الأمريكيين وغيرهم من إخوانه العسكريين الآخرين الذين يخدمون في جيوش الطواغيت الظالمين .. والمماثلة ظروفهم لظروف إخوانه العسكريين الأمريكيين ).
الواجب على المسلمين كافة أن يكونوا يداً واحدة ضد الذين يروعون الآمنين .. يجبعلى إخواننا العسكريين المسلمين في الجيش الأميركي أن يجعلواموقفهمهذا ـ وأساسه الديني ـمعروفيْن لجميع زملائهم ورؤسائهم .. نرى ضرورة البحث عن الفاعلين الحقيقيين لهذه الجرائم، والمشاركين فيها بالتحريض والتمويل والمساعدة .. وهذا كله من واجب المسلمين المشاركة فيه بكل سبيل ممكنة، تحقيقاً لقوله تعالى:) وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ (المائدة:2. .. ولكنالحرج الذي يصيب العسكريين المسلمين في مقاتلة المسلمينالآخرين،مصدره أن القتال يصعب ـ أو يستحيل ـ التمييز فيه بين الجناة الحقيقيينالمستهدفينبه، وبين الأبرياء الذين لا ذنب لهم في ما حدث، وأن الحديث النبويالصحيحيقول:" إذا تواجه المسلمان بسيفيهما، فقتل أحدهما صاحبه فالقاتل والمقتول فيالنار،قيل هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: قد أراد قتل صاحبه " رواه البخاري ومسلم. والواقعأن الحديث الشريف المذكور يتناول الحالة التي يملك فيها المسلمأمرنفسه فيستطيع أن ينهض للقتال ويستطيع أن يمتنع عنه، وهو لا يتناول الحالة التييكونالمسلم فيها مواطناً وجندياً في جيش نظامي لدولة، يلتزم بطاعة الأوامر الصادرةإليه،وإلا كان ولاؤه لدولته محل شك مع ما يترتب على ذلك من أضرار عديدة.
يتبينمنذلك أن الحرج الذي يسببه نص هذا الحديث الصحيح إما أنه مرفوع، وإما أنه مغتفربجانبالأضرار العامة التي تلحق مجموع المسلمين في الجيش الأميركي، بل وفي الولايات المتحدةبوجه عام، إذا أصبحوا مشكوكاً في ولائهم لبلدهم الذي يحملون جنسيته،ويتمتعونفيه بحقوق المواطنة، وعليهم أن يؤدوا واجباتها.
وأماالحرج الذي يسببهكونالقتال لا تمييز فيه؛ فإن المسلم يجب عليه أن ينوي مساهمته في هذا القتال أنيحقالحق ويبطل الباطل، وأن عمله يستهدف منع العدوان على الأبرياء أو الوصول الىمرتكبيهلتقديمهم للعدالة، وليس له شأن بما سوى ذلك من أغراض للقتال قد تنشئ لديهحرجاًشخصياً، لأنه لا يستطيع وحده منعها ولا تحقيقها، وإنما الأعمال بالنيات، والله تعالى لا يكلف نفساًإلاوسعها ... فاذا كان يترتب علىامتناعالمسلمين عن القتال في صفوف جيوشهم ضرر على جميع المسلمين في بلادهم ـ وهمملايينعديدة ـ وكان قتالهم سوف يسبب لهم حرجاً أو أذى روحياً ونفسياً، فإن الضررالخاصيتحمل لدفع الضرر العام، كما تقرر القاعدة الفقهية الأخرى .. وإذاكانالعسكريون المسلمون في الجيش الاميركي يستطيعون طلب الخدمة ـ مؤقتاً أثناء هذهالمعاركالوشيكة ـ في الصفوف الخلفية للعمل في خدمات الإعاشة وما شابهها ـ كما وردفيالسؤال ـمن دون أن يسبب لهم ذلك، ولا لغيرهم من المسلمين الأمريكيين، حرجاً ولاضرراًفإنه لا بأس عليهم من هذا الطلب. أما إذا كان هذا الطلب يسببضرراًأو حرجاًيتمثلفي الشك في ولائهم، أو تعريضهم لسوء ظن، أو لاتهام باطل، أو لإيذائهم فيمستقبلهمالوظيفي، أو للتشكيك في وطنيتهم، وأشباه ذلك، فانه لا يجوز عندئذ هذاالطلب.
والخلاصة:أنه لا بأس ـ إن شاء الله ـ على العسكريين المسلمين من المشاركةفيالقتال في المعارك المتوقعة ضد من تُقَرِّر دولتهم أنهم يمارسون الإرهاب ضدها، أو يؤوونالممارسينله ويتيحون لهم فرص التدريب والانطلاق من بلادهم، مع استصحاب النيةالصحيحةعلى النحو الذي أوضحناه، دفعاً لأي شبهة قد تلحق بهم في ولائهم لأوطانهم،ومنعاًللضرر الغالب على الظن وقوعه، وإعمالاً للقواعد الشرعية التي تبيح بالضرورات ارتكاب المحظورات، وتوجب تحمل الضرر الأخف لدفع الضرر الأشد، والله تعالىأعلموأحكم "اهـ [ المصدر: إسلام أون لاين ].
يُرد على كلامه أعلاه، من وجهين أو منظورين: منظور واقع الفتوى وأثرها، ومنظور موقف الشّرع منها.
أما منظور واقع الفتوى وأثرها، فقد وقع صاحبها في مزالق وتناقضات خطيرة جداً، منها: اعتباره أن العسكريين المسلمين الأمريكيين لا خيار لهم سوى الرضى والموافقة على القتال .. وفاته ـ أو تعامَى ـ أن الخدمة العسكرية في الجيش الأمريكي، وغيره من الجيوش الأوربية تطوعية لا إكراه فيها .. فالفرد هو بنفسه .. ومن تلقاء نفسه .. ومن دون أن يُطلب منه أو يُكره على شيء .. يُقدم طلباً للالتحاق بعساكر تلك الجيوش .. وبالتالي .. حديثه عن الإكراه .. والضرورات .. كلام ساقط لا اعتبار له .. وهو من قبيل التلبيس على الناس .. ولكي يبرر جرمه الذي أقدم عليه!
ومنها: عندما تقرر أمريكا وغيرها من الدول الصليبية محاربة الإرهاب والإرهابيين .. فهي عملياً وواقعاً تقرر محاربة الإسلام والمسلمين .. تحت ستار وغطاء محاربة الإرهاب والإرهابيين .. وهذا أمر يعلمه صغار المراقبين والمتابعين للأحداث .. فكيف فات وغفل عن هذه الحقيقة العلاَّمة الفهّامة .. وحيد عصره؟!
والسؤال الذي يُطرَح على العلامة الفهّامة .. فقيه عصره: هل لمجرد أن تقرر هذه الدول الصليبية أنها تريد محاربة الإرهاب والإرهابيين ـ وهي حقيقة وواقعاً تعني الإسلام والمسلمين ـ يجب على المسلمين في تلك الدول أن يلبوا النداء للقتال معهم .. وينخرطوا في عساكرهم لمقاتلة المسلمين .. الإرهابيين .. كما يزعمون .. وكما يقررون؟!
ومنها: بعد مرور سنوات على كلامه والفتوى التي أصدرها أعلاه .. وبعد أن لبى من لبى من المسلمين الأمريكيين للقتال مع الجيش الأمريكي .. ما الذي حصل .. وكيف استخدمت أمريكا كلامه أعلاه .. وكلام أمثاله من شيوخ الضلالة؟!
ها هم قد غزوا بلداً بكاملها وأسقطوا دولته الإسلامية المتمثلة في حينها بدولة " الطالبان " .. واستبدلوها بحكومة عميلة خائنة كافرة مسلوبة الإرادة والقرار .. وقتلوا المسلمين في مساجدهم ركعاً سجداً .. وبالآلاف .. إن لم يكن بعشرات الآلاف .. كم من عرس وفرح قلبوه على أهله مأتماً وحزناً بواسطة صواريخهم وقاذفاتهم .. ولم يكتفوا بذلك .. فأتبعوا بأفغانستان العراق .. فغزوها .. وقتلوا عشرات الآلاف من أهلها المسلمين المسالمين .. وانتهكوا الأعراض .. وجميع الحرمات .. وهم فعلهم هذا كله .. يبررونه .. بضرورة ملاحقة ومحاربة الإرهاب والإرهابيين زعموا .. وفتوى العلامة الفهَّامة .. تلزم بالقتال مع الجيش الأمريكي متى يقرر قادته أنهم يُحاربون الإرهاب والإرهابيين ..!!
فأنت يا قرضاوي ـ بفتواك أعلاه ـ شريك الغزاة الصليبيين في جميع جرائمهم التي ارتكبوها في بلاد المسلمين .. ولك مثل وزرهم .. فاستعد للقصاص والمحاسبة .. عندما يكون خصمك يوم الحساب آلاف النساء التي انتهكت حرماتهن .. وآلاف الشيوخ الذين قُتِّلوا في مساجدهم وهم ركعاً سجداً .. وآلاف الأطفال الذين يُتموا على أيدي الغزاة المعتدين .. استعد للحساب .. وأعد للسؤال جواباً من الآن!!
أهذا هو البر والتقوى الذي تأمر الناس بأن يتعاونوا عليه .. وتحمل عليه ـ كذباً وزوراً وتلبيساً على الناس دينهم ـ قوله تعالى:) وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ (المائدة:2.
ما أجرأك على الكذب .. وأن تقول على الله غير الحق؟!
في الدنيا .. تسخر من محدثيك .. وتنافق كالثعلب .. وتستخدم مهاراتك الكلامية والجدلية .. وترمي مخالفيك .. بأنهم لم يفهموا فتواك ولا كلامك .. وأنهم من العوام الذين يُغلّبون فقه الظواهر على المقاصد .. هذا تقوله في الدنيا .. لكن ما عساك أن تقول يوم الحساب .. في محكمة قاضيها رب العالمين .. وخالق الخلق I؟!
أنت ـ يا قرضاوي ـ تعلم أكثر من غيرك قوله r:" مَن أُفتِيَ بغيرِ علمٍ كان إثمه على من أفتاه ". فحذار أن تتملص .. وتتهرب ـ كالثعلب وكما هي عادتك ـ من المسؤولية؟!
ومنها: أن الرجل قد ميّع الدين كله عندما وجد في القاعدة الشرعية الصحيحة التي تنص على فقه الموازنات وضرورة ترجيح المصالح عند تضاربها .. مدخلاً لهواه .. ولباطله .. فجعل المرجوح راجحاً .. والراجح مرجوحاً .. والباطلَ حقاً .. والحق باطلاً .. والبر والتقوى إثماً وعدواناً، والإثم والعدوان براً وتقوى .. والمصلحة الكبرى مصلحة صغرى والمصلحة الصغرى مصلحة كبرى .. والمفاسد مصالح .. والمصالح مفاسد .. بحسب ما يهوى .. وبحسب المناسبة .. وما يُطلَب منه .. والجهة التي تطلب منه .. وما يريده الجمهور .. أو المستمعون .. وهذا منهج أدى بالرجل للوقوع في الزندقة .. إذ نراه كلما رُوجِع في خطأ من أخطائه .. وبُين له أن خطأه مخالف لنصوص الشريعة .. سرعان ما يتفلّت كالثعلب ـ ومن دون أن يعترف بخطئه ـ ويرد المنتقدين والمخالفين له .. إلى قاعدته التي يقبع خلفها قاعدة " فقه الموازنات " .. وأن المخالفين له من العوام الذين يُغلبون فقه الظواهر على المقاصد؟!
وفيما يتعلق بكلامه أعلاه .. نسأله .. أين تكمن المصلحة الكبرى .. وما الذي تقضي به قاعدة فقه الموازنات .. وما الذي يقرره النقل والعقل: أن يقتل المسلم أخاه المسلم ويُعين الكافر على قتله .. مقابل أن يُحافظ على مستقبله الوظيفي، وحتى لا يُساء به الظن، ويُشكك بولائه الوطني .. أم يُضحي بمستقبله الوظيفي وإن سيء به وبولائه الوطني الظن .. ولا أن يقتل المسلمين سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة عن طريق مساعدة الآخرين على قتلهم ...؟!!
العلامة الفهّامة! .. يقول ـ كما في كلامه أعلاه ـ أن فقه الموازنات يقضي بتقديم ومراعاة مصلحة المستقبل الوظيفي، والسمعة الوطنية الجيدة ... على مصلحة حرمات ودماء المسلمين؟!
بينما صغار المسلمين يعلمون أن هذا الذي ذكره الرجل ـ بالنص وإجماع جميع العلماء والعقلاء من تقدم منهم ومن تأخر ـ لا يبرر للمسلم أن يعتدي على ظفر أخيه المسلم .. فضلاً عن أن يكون مبرراً لقتله أو التعاون على قتله!
قال تعالى:) وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً (النساء:93.
وفي الحديث فقد صح عن النبي r أنه قال:" المسلمون تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمَّتهم أدناهم، ويُجيرُ عليهم أقصاهم، وهم يدٌ على مَن سواهُم، يَردُّ مُشِدُّهُم على مُضعِفهم، ومُتَسَرِّعِهم على قاعِدهم، لا يُقتَلُ مؤمنٌ بكافرٍ، ولا ذُو عهدٍ في عهده "[صحيح سنن أبي داود:2391].
وقال r:" ما من امرئٍ يَخذُلُ امرءاً مسلماً في موطنٍ يُنتقصُ فيه عِرضُه، ويُنتهكُ فيه من حُرمَتِه، إلا خذَلَه اللهُ تعالى في موطنٍ يُحبُّ فيه نصرَتَهُ، وما مِن أحدٍ ينصرُ مُسلماً في موطنٍ يُنتقَصُ فيه من عِرضهِ، ويُنتهكُ فيه من حُرمتِه، إلا نصرَهُ اللهُ في موطنٍ يُحبُّ فيه نصرتَهُ "[صحيح الجامع:5690].
وقال r:" المؤمنُ من أهلِ الإيمان بمنزلة الرأسِ من الجسد، يألَمُ المؤمنُ لما يُصيبُ أهلَ الإيمان، كما يألَمُ الرأسُ لما يصيبُ الجسدَ "[صحيح الجامع:6659].
وقال r:" ترى المؤمنين في تراحُمِهم وتوادِّهم، وتعاطُفِهم، كمثلِ الجسدِ إذا اشتكى عضواً تداعى لهُ سائرُ الجسدِ بالسَّهرِ والحُمَّى " متفق عليه.
وقال r:" المسلمُ أخو المسلمِ لا يَظلِمهُ ولا يُسْلِمه " متفق عليه. اي لا يُسلِمه للظلم، ولعدوان المعتدين.
وقال r:" كلُّ المسلمِ على المسلم حرامٌ: مالُه، وعِرْضُه، ودَمُه، حَسْبُ امرئٍ من الشرِّ أن يحقرَ أخاه المسلم " مسلم.
وعن أبي بكرة الثقفي، أنَّ رسولَ الله r، خطبَ الناسَ ـ وذلك يوم حجة الوداع ـ فقال:" ألا تدرون أي يُومٍ هذا؟" قالوا: الله ورسولُه أعلم، قال:" فسكتَ حتى ظننَّا أنه سيُسمِّيه بغيرِ اسمه، فقال:" أليس بيوم النحر؟" قلنا: بلى يا رسولَ الله، قال:" أي بلدٍ هذه؛ أليست بالبلدةِ الحرام؟" قلنا: بلى يا رسولَ الله، قال:" فإن دماءَكم، وأموالَكُم، وأعراضَكم، وأبشارَكم عليكم حرام، كحرمة يومِكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلَّغت؟" قلنا: نعم، قال: اللهم اشهد، فليبلِّغ الشاهدُ الغائبَ؛ فإنه رُبَّ مُبَلِّغٍ يُبلِّغُه مَن هو أوعَى له " فكان كذلك، قال:" لا ترجعوا بعدي كفَّاراً يَضرِبُ بعضُكم رِقابَ بعضٍ " متفق عليه.
وقال r:" لا يحلُّ للرجلِ أن يأخذَ عَصا أخيه بغير طِيبِ نفسِه؛ وذلك لشدَّة ما حرَّم رسولُ الله r من مالِ المسلمِ على المسلمِ "[رواه أحمد وغيره].
وقال r:" سُبابُ المسلمِ فسوقٌ، وقتالُه كفرٌ " متفق عليه.
وقال r:" إذا شهَرَ المسلمُ على أخيهِ سلاحاً؛ فلا تزالُ ملائكةُ الله تلعنُه حتى يَشيمَهُ عنه "[السلسة الصحيحة:3973].
وقال r:" إنَّ الملائكةَ لتلعنُ أحدَكُم إذا أشارَ إلى أخيه بحديدةٍ، وإن كان أخاهُ لأبيه وأُمِّه " مسلم. فكيف بالذي يرميه بالصواريخ والقنابل .. ويقتل من المسلمين ـ بواسطة الطيران والصواريخ ـ الآلاف .... وغيرها عشرات من النصوص الشرعية من الكتاب والسنة التي تبين غِلظة حرمة المسلم على أخيه المسلم .. لكن هذه النصوص الشرعية ـ عند الرجل ـ كلها في كفة .. والمستقبل الوظيفي للجندي المقاتل مع العدو الكافر في كفة .. ومصلحة المستقبل الوظيفي للجندي المقاتل مع العدو الكافر ترجح عند القرضاوي .. على هذه النصوص الشرعية كلها .. وعلى مصلحة المسلمين ودمائهم وحرماتهم كلها .. كما تملي عليه قاعدته " فقه الموازنات "!!
الإكراه الصريح المحقَّق يبرر للمرء أن يقول كلمة الكفر .. وأن يُضحي بما هو أقل منه قيمة وحرمة .. لكن لا يبرر له قتل أخيه المسلم .. حتى لو هُدّد وأكره بالقتل ـ وليس فقط خسرانه لمستقبله الوظيفي ـ وكان قتله محققاً إن لم يفعل ما يُطلَب منه .. فالنص والإجماع على أن المُكرَه يُقتَل .. ويؤثر القتل لنفسه ولا يَقتُلَ أخاه .. لتساويهما في القيمة والحرمة .. فلا يجوز أن يفدي نفسه بأخيه!
هذا مثال عن فقه الموازنات كما يفهمه الرجل .. وكيف يسيء استغلاله واستعماله .. ولو أردنا أن نتتبع ما يمرره الرجل من باطل صراح .. تحت عنوان فقه الموازنات .. وفقه المصالح .. لكتبنا في ذلك مجلدات .. وليس مجلداً واحداً!
ومنها: أن حديثه عن " استصحاب النية " يثير الضحك والحزَن في آنٍ معاً .. فهو يعني من قوله عن استصحاب النية .. أن على إخوانه من الجنود الأمريكيين المسلمين .. عندما يقتلون المسلمين الأفغان .. ويقتلون أطفالهم ونساءهم .. أن يقصدوا وينووا من فعلهم هذا .. أنهم يقتلون الإرهابيين .. وأن مرادهم ونيتهم من قتل المسلمين التعاون على البر والتقوى .. وهذه النية تظل تصحبهم ـ حتى لا يقعوا تحت طائل الشعور بالندم والمؤاخذة ـ طيلة الفترة التي يُمارسون فيها عملية القتل للمسلمين ....؟!
أرأيتم التضليل .. والكذب .. والقول على الله غير الحق .. وعن سابق علم وإصرار .. فأنا متيقن أن الرجل يعلم أن هذا الكلام باطل نقلاً وعقلاً .. وأن النية الحسنة لا تبرر فعل الخطأ .. وأن أي عمل يُشترط له شرطان لا يُقبل إلا بهما معاً: سلامة القصد والنية، والإخلاص .. وأن يكون العمل مباحاً ومشروعاً .. فالرجل يعلم هذا كله .. ومع ذلك يتنكر لما يعلم .. ويُفتي بخلاف ما يعلم!
فقوله عن استصحاب النية والمسلم يقتل أخاه المسلم .. أشد بكثير من أن يفتي المرءَ بالزنى .. شريطة أن يستصحب نية التحصن وهو يزني .. أو نية التقوي على الطاعة .. أو ينصح المرءَ بأن يسرق شريطة أن يستصحب نية التصدق والإحسان على الفقراء .. فإن النيات ـ عند القرضاوي ـ تبرر فعل الجرائم .. والمنكرات .. والموبقات!
هذا بعض ما يؤخذ على فتوى الرجل وكلامه أعلاه من حيث واقع وأثر الفتوى .. وما نتج عنها .. أما من حيث المنظور أو البعد الشرعي العقدي .. فبيانه كالتالي:
يتبع ...