من هناك
10-28-2008, 01:25 PM
الوجود المورسكي بالمكسيك: تقليد خامد
للدكتور عزيز أمحجور.
1-مقدمة المؤلف
بدابة أريد التعبير عن شكري لمؤسسة التميمي و خاصة لمديرها الدكتور عبد الجليل التميمي لتوفيرهم لنا إمكانية المشاركة في هذا المؤتمر. و طبعا أريد التعبير عن شكري و امتناني لمن بفضله علمنا بالاحتفاء بهذه المناسبة هنا بزغوان, دكتورنا البروفسور رودولفو غريمو.
أود أن أبدأ بسؤال قد يطرحه زملائي المحاضرون المجتمعون بهذه المناسبة (و الآن قرّاء هذا المقال): هل هناك وجود مورسكي حقيقي بالمكسيك؟ أم مجرد زوابع لريح شرقية جاءت لهذا البلد على سفن المحتلين الشراعية؟ و إذا كان هناك وجود فعلي, فكيف تُعمّق دراسته؟ بمعنى آخر: ماذا ندرس؟ الهوية المورسكية بالمكسيك, أو ما أضافه المورسكيون للهوية المكسيكية؟
في الحقيقة الوجود المورسكي بأمريكا هو موضوع يبدو مثيرا للإنتباه و الفضول في السنوات الأخيرة. فبعد أعوام عديدة من الصمت ظهرت اليوم دراسات تعالج على الأخص المسائل العامة كالإضافة الثقافية لإسبانيا المسلمة للأراضي الأمريكية عبر التقليد الإسباني, و بالخصوص الدراسات حول الفن و المعمار الإسباني الاستعماري و المدجن, حيث ظهرت بعض التواريخ و الأفكار المتعلقة بالوجود المادي لهذا المجتمع البشري بالقارة الجديدة. أمام نقص الوثائق المنتظمة المتعلقة بهذا الموضوع, قمنا بجمع التواريخ القليلة المذكورة هنا و ناقشنا بعض الأحداث المرتبطة بها. و بنفس الطريقة تعاملنا مع المصادر التاريخية التي تناولت المكسيك. و حتى نتجاوز بشكل ما هذا النقص في الوثائق, اعتمدنا التأويل الآخذ بالاعتبار المستوى الواقعي للبحث أو البراغماتية و هي خطوة ضرورية للبحث السيميوتيكي Sémiotico.
2- نبذة تاريخية عن محنة الأندلسيين
بالطبع لا نستطيع مناقشة وجود – أو الوجود المفترض – المورسكيين بالمكسيك دون ذكر بعض الفقرات الحاسمة من تاريخهم ببلدهم الأصلي و خاصة التي حدثت بعض سقوط غرناطة.
بداية هناك سياسة التنصير التي تبنّاها الكاردينال سيسنيروس الذي وضع حجر الأساس , ابتداءا من سنة 1499م, لحملة تعميد جماعية شكلت خرقا لبنود معاهدة الدخول إلى مملكة غرناطة. ثم بعدها سياسة الأمر الواقع الشهيرة التي تبنّاها نفس الكاردينال سيسنيروس لإدماج المورسكيين. نريد أن نتذكر هذه السياسة في الاحداث المقبلة. لقد تمّ سنة 1516م التعبير عن الرغبة في دمج هؤلاء "المسيحيين الجدد" في المجتمع المسيحي, و هذا يعني أن الذين سيحترمون هذا القرار بإمكانهم البقاء و الذين يرفضون لا يمكنهم ذلك؛ لكن الكثيرين تفننوا في مخادعتهم للحفاظ على عاداتهم و طقوسهم.
براغماتية الكاردينال سيسنيروس أجبرت المورسكيين على التخلي عن زيهم, لغتهم, عاداتهم و دينهم و اعتناق أسلوب و عقلية الحياة المسيحية. هذه البراغماتية لم تستطع تحقيق الأهداف طبعا. و سنة 1567م قام فيليب الثاني نفسه بإصدار قرار جديد يدعو إلى تطبيق الإجراءات التي سنّها سيسنيروس, و أعطى مهلة 3 سنوات للمورسكيين لتعلم اللغة القشتالية و منع كتابة أو قراءة اللغة العربية أو إحياء الشعائر و الأعراس و الأعياد على الطريقة المورسكية و كذلك منع استخدام الأسماء العربية و الحمامات. أما القرار الخاص بالطرد النهائي, فكما نعلم, كان سنة 1609م.
3- قرار منع الأندلسيين من العبور إلى القارة الجديدة.
لكن قبل هذا التاريخ (1609م) و حتى قبل أمر فيليب الثاني بتنفيذ قرارات سيسنيروس, و بالتحديد سنة 1543 (في فترة حكم كارلوس الأول الممتدة من 1516م إلى 1556م ) تمّ إصدار مرسوم ملكي يمنع مرور المورسكيين إلى أمريكا. إنها وثيقة ذات أهمية لا تُقدّر بثمن , و هي في ملك خورخي غارسيا غرانادوس Jorge Garcia Granadosو عنه نشرها مؤرخ الفن المكسيكي مانويل توسانت Manuel Toussaint في مؤلفه الثمين "الفن المدجن بأمريكا" من نسخة مصوّرة عن الأصلية.
و لأهميتها التاريخية الكبرى و علاقتها المتشابكة مع موضوعنا ننقل هنا جزءا منها:
" دون كارلوس, برحمة الإمبراطور الإلاهية, إليكم, رؤساءنا و حكامنا و مستشارينا الملكيين بأراضينا الهندية, هذه الجزر الصامدة في البحر المحيط؛ إلى كل حكامنا و القضاة بالجزر و الأقاليم بأراضينا الهندية و إلى كل واحد منكم عُرضت عليه هذه الرسالة(...) : لقد أُخبِرنا بمرور بعض العبيد البربر ذكورا و إناثا و آخرين أحرار من المورو المتنصّرين حديثا رفقة أبنائهم , وهؤلاء ممنوعون من العبور مهما كانت الأسباب نظرا للأضرار التي بالتجربة عرفناها (...) و لأنه بأرض جديدة كهذه , حيث زُرِعت العقيدة حديثا, علينا استغلال كل فرصة لمنعهم من زرع و نشر فطريات محمد أو غيرها من التي تهاجم الرب –ثم تابع – هكذا قرر مجلس الأراضي الهندية أن كل العبيد البربر ذكورا و إناثا و الأشخاص الحديثي العهد بالنصرانية من المورو و أبنائهم وجب طردهم من الجزيرة و الإقليم حيث يوجدون..."
4- لماذا اكتشفت أمريكا في زمن متأخر؟
الملاحظ أن هذا الخوف من الدين الإسلامي الذي زُرِع في أمريكا لم يكن مقتصرا على أصحاب القرار بل حتى مؤرخو و مفكرو تلك الفترة. فهذا فراي بيرناردينو دي سياكون Fray Bernardino De Sahagun أفلت منه اعتراف عميق في تاريخه العام "أحداث إسبانيا الجديدة" حيث قال : " و كذلك عُلِم يقينا أن ربّنا قد احتفظ بهذا الجزء من الأرض مخفيا حتى هذا الوقت لأن قضاءه الإلهي أراد أن يظهرها للكنيسة الرومانية الكاثوليكية".
هنا نتساءل : مخفية عمّن؟ نعتقد أن الإجابة جد واضحة.
5- نجاح الأندلسيين في المرور رغم المنع
لكن رغم قرار المنع الصادر سنة 1543 يبدو أن العبيد قد نجحوا في الوصول للعالم الجديد, خاصة ما بين عام 1492 و تاريخ صدور قرار المنع. لقد اجتذبتهم تقارير المهاجرين الأوائل الذين رحلوا إلى هناك إما للاستطلاع أو للاستقرار, و كذلك للاضطهاد الذي عانوا منه فقرر البعض المغامرة في البحر الاطلسي فرارا من محارق محاكم التفتيش. (كالمورسكيون الأربعة الذين تابعتهم محاكم التفتيش حسبما أخبر به لوي كاردياك و آخرون).
و كما قال مانويل توسانت معلقا على القرار الملكي: (لكن نفس المنطق "نظرا للأضرار التي بالتجربة عرفناها" تعني أن عددهم كان كبيرا في المستعمرات خلال ذلك التاريخ). توسانت ص 10.
بالفعل فخلال خمسين سنة قطعوا خلالها المحيط من اللازم أن يكون عددهم كبيرا. هكذا تمّ طرح الموضوع بشبه الجزيرة الإيبيرية نظرا للنتائج العنيفة التي خلفتها محاكم التفتيش. كما نعتقد انه لا يمكن استبعاد أن البعض –أو ربما العديد – أمام الحقيقة المُرّة لمغادرة أراضيهم اختاروا الذهاب إلى أبعد مكان.
يقول توسانت: "يمكن أن نقول أن خلال احتلال إسبانيا الجديدة و بلدان أمريكا الأخرى عبر العديد من المنحدرين من المورو. فالأسماء و الألقاب تدعم هذا القول, و بما أن نقاء الدم يمنع من الزعامة في إسبانيا, رحل العديدون عنها بعيدا و أنشئوا حياتهم بأرض بعيدة".
6- أندلسيون ساهموا في احتلال البيرو
لقد ثبت بالوثائق أن 200 مورسكي اشتركوا كجنود في جيش Almagro (المغراوي) لاحتلال البيرو. لكن في حالة المكسيك لا توجد حالات كهذه, فكما قال توسانت :"الشيء المثير للاهتمام و الفضول بعد التثبت –يقول هذا الكاتب – هو أنه بين قضايا الابتداع العديدة المحفوظة لدى محاكم تفتيش الدولة المكسيكية, الجزء الأكبر, بل الغالبية الساحقة متابعون على أنهم يهود و لا يوجد متابعون بالإسلام" (نفس المصدر ص 10). إنها ملاحظة جيدة بخصوص من فرّ من بين مخالب محاكم التفتيش.
تعتبر التقية و الكتمان في الإسلام خيارا يسمح للمسلم بإخفاء عقيدته إن كانت حياته في خطر. أكثر من هذا :" الذين كانوا في المكسيك لم يُظهروا لعقيدتهم نفس الحمية التي كانت لأتباع دين موسى" (توسانت ص 10).
7- فقدان الروابط الاجتماعية بين الأندلسيين في المكسيك
على أي حال, إذا كان المورسكيون مرّوا إلى إسبانيا الجديدة فإن الرجال وحدهم هم الذين مرّوا و خاصة الذين أحسوا بمستقبل قاتم للمحافظة على عاداتهم و تقاليدهم الخاصة. الاجتثاث, المبني على غياب مؤسسة عائلية مورسكية بأمريكا سيؤدي إلى توجيه تعريف الهوية المورسكية نحو أبعاد أخرى.
إن بناء المجتمع المدجن و المورسكي بإسبانيا اعتمد على 3 محاور رئيسية : العائلة, الجماعة و الأمة. في إسبانيا تحولت الأمة إلى مآل محزن, أما الجماعات التي تشكل النواة التي يقوم عليها المجتمع و التي تضمن استمرارية الهوية (Epalza p 101) , في كل مرّة كانت لها مشاكل للاستمرار في لمّ شمل المورسكيين. إن الأمة كالجماعة تحولت إلى ماض يشده الحنين و يعيش في صمت و سيٌستنزف تماما مع مرور الوقت. أمّا الهوية الشخصية فطبعا ضعفت مع الوقت كذلك بفعل الزواج المختلط و تبني الطقوس الجديدة في أية مناسبة لتفادي إثارة الشبهات و السقوط بين مخالب محاكم التفتيش المسماة sant oficio.
كما شاهدنا فمن هوية جماعة بكاملها تحولنا إلى هوية الفرد التي تحولت و تبنت الحقيقة الجديدة.
أسطورة مغربي بالمكسيك
يمكن أن يكون المثال الأكثر تعبيرا و الذي نعرفه هو ل Estebanico de Orantes إيستبانكو دو أورانتس المعروف ب إيستبانكو المورو أو الأسود , و هو من طليعة المحتلين و المبدع الاصلي لأسطورة المدن السبعة؛ هكذا علّقت Alicia Arias Coello في دراستها عن "الصورة الأسطورية لأمريكا بإسبانيا خلال القرن 16".
لم يكن هذا الرجل موريا بالتحديد لكنه من قبيلة دكالة (المغرب). إنه نموذج للانصهار بالمجتمع المحلي فقد وضع تاج الريش على رأسه و الأجراس على كاحليه و يديه و تعلّم لغات الهنود و مارس –وسط هؤلاء – طقوسهم المحلية.
8- مساهمة الأندلسيين في الحضارة المكسيكية (صناعة الحرير)
لم يكن الأمر مقتصرا فقط على الإستقبال بل جاؤوا بثقاقتهم إلى البلد المستقبل. من بين المساهمات المورسكية نجد ازدهار فن الحرير إلى حد أن أول أسقف بالمكسيك Juan de Zumarraga فكّر في جلب مجموعة من المورسكيين من غرناطة ليهتموا بثقافة الحرير و ليُعلّموا هذا الفن للهنود. هذه العريضة قدّمت للملك و نال الأسقف على إثرها نظرة طيبة من العاهل, هذا حسب رواية Garcia Icazbalceta في مؤلفها "صناعة الحرير بإسبانيا (6-1935).
يقول توسانت :" هذا دليل على ان مسألة مرور المورسكيين إلى إسبانيا الجديدة لم يكن ينظر إليه بهلع في بداية القرن السادس عشر, الشيء الذي تغيّر بعد قيام محكمة التفتيش Sant oficio(توسانت ص 9) . رغم ذلك فغن هذا المشروع لم ير النور لكن المؤكد هو وجود مورسكيين عملوا في هذا الميدان إلى حد أنه في بداية القرن السابع عشر تم التفكير في إنشاء قيصرية بالمنازل الوجودة ب Cortes , و هو سوق للحرير تحدّث عنه Lucas Alaman في الجزء الثاني من مؤلفه "أطروحات حول تاريخ الجمهورية المكسيكية" (ص 207). هذا المشروع لم ير النور كذلك لكن فُتحت مكانه شوارع ضيقة حملة اسم قيصرية و توسّعت هذه الزقاق حتى أصبحت أصل شارع Calle palma بالعاصمة المكسييكية (توسانت ص 47).
إلى جانب ازدهار فن الحرير في القرون التالية للاحتلال نجد سيادة النمط المورسكي للحياة و العادات المكسيكية: " الزرابي المورسكية التي لا تتنافس إلا مع نظيراتها التركية؛ الجلود المغطية للأبواب ؛ المنصات الصغيرة التي تجلس عليها النساء فوق المساند؛ المناضد المنحدرة التي تُستعمل كمركز للغرفة؛ الشبابيك الخشبية الرقيقة لمنع النظر إلى داخل المساكن ؛ و الستائر المشكّلة لغرف استقبال صغيرة (وسط الإسطبلات الكبيرة) (توسانت ص 10) . حتى في الأطعمة وُجد هناك تأثير مدجّن , فهناك ما يُعرف باسم "حلويات بويبلا" Dulces de Puebla ذات الأصل الشرقي كما يدل على ذلك اسمها: الفاخوري Alfajores و الفنيقيس Alfeniques. و هناك أطعمة أخرى لها نفس الأصل ك Los camotes (البطاطا المطهية) و حلويات اللوز و Tortitas ( أظنه الخبز المحلى) و غيرها. (توسانت 47).
9- البصمات الأندلسية في الميدان المعماري
يبدو أن البصمات المورسكية تظهر بشكل جلي في المجال المعماري. فوجود مظاهر مُدجّنة هو شيء واضح و بدأ ظهوره بالمكسيك في القرن السابع عشر و هو ما يُصادف طرد المورسكيين من شبه الجزيرة الإسبانية, حسب قول توسانت (توسانت ص 10). و يخبرنا هذا الكاتب أن ما وُجد و لازال يوجد من معالم تشبه ما بناه المورو بإسبانيا. على سبيل المثال المعابد المفتوحة على طراز مساجد المسلمين كالكنيسة المعروفة باسم San José de Los Naturales , و الملحق بدير San francisco بالمكسيك و المكوّن صحون جميعها مفتوحة في أقصاها مع سقف تدعمه أقواس و هو يشبه في تركيبه جامع قرطبة. للأسف لم يتم حفظ هذه المعلمة لكن المعبد الملكي ل Chulula ظل كما بٌني في القرن السادس عشر و رغم تعرّضه لبعض التغييرات فقد ظل شبيها بجامع قرطبة. (توسانت ص 26).
يقول دييغو أنغولو إنييكيز Diego Angulo Iniguez في كتابه "تاريخ الفن الإسباني-الأمريكي" ( ص 144) " يجب الإعتراف أن أولئك الذين بنوا معبد Chulula الملكي كانوا يحملون ذكريات الصحون العديدة لجامع قرطبة – وتابع- فإذا كانت هذه الحالة فريدة على مستوى البناء فإن على مستوى التزيين كان الأثر المدجّن ذائعا"
إذن المظاهر الأكثر بروزا هي التزيين عبر النقوش المربّعة بخطوط هندسية, و صناعة السقوف المنحدرة, و الزخارف المنقوشة و الأقواس (ككنيسة Carmen de laVirgen ب Tepotzotlan) , و الأعمدة الاسطوانية و الأقواس على شكل حوافر الحصان, و أسوار القلاع ذات التحديبات المنتظمة و استعمال الطوب و الزليج (و هي علامة مميزة بين المدينة و القرية) و التزيين عبر الزخرفة النباتية...إلخ. "في المكسيك, الذوق للبناء و الزخرفة المدجنة امتدت طول الفترة الإستعمارية و القرن التاسع عشر (...) و استمرّ كحركة لصالح الفن المورسكي المسجّل بمدن البلاد" حسب ما أفادت به إليزا غارسيا براغان Elisa Garcia Barragan.
"مجتمع الابتكار المحض" أصبح "دائرة كاثوليكية" ب Puebla (مع وجود باحة مورسكية ثمينة و طابقها على شكل مربع به رسوم هندسية على طراز الحمراء) " و الخيمة المورسكية" (نسخة كاملة لأقواس الحمراء و قصر إشبيلية) بالعاصمة المكسيكية هو مثال جيد لهذا.فيبدو أن الإلهام قد اعتمد على هذا الماضي . لكن هناك منطق آخر يقول أن هذه الآثار قد بنيت في فترة كان فيها المورسكي و الشرقي قد غادرا للتو طرازا آخر.
10-خاتمة
في الختام نريد أن نقول أنه كما في إسبانيا قد مرّت عناصر شرقية إلى الثقافة الإسبانية عبر المدجنين و المورسكيين , فكذلك بالمكسيك مرّت عناصر إسبانية-عربية على يد المورسكيين و الأندلسيين أو الإسبان على العموم بما أن التقاليد العربية شكلت جزءا لا يتجزأ من الثقافة الإسبانية.
يقول توسانت:" من الواضح أن هذه التقاليد جلبها المسيحيون الأندلسيون أنفسهم فقد كانوا مجبرين على العيش جنبا إلى جنب مع المورو طيلة قرون, فتبنوا عاداتهم عن طيب خاطر, لكن هناك شيء ما أشعل الفتنة حتى لا تفشل محارق محاكم التفتيش" (توسانت ص 10) . و طبعا كان من بين من مروا إلى المكسيك مورسكيون أصليون.
رغم أنها ليست موثقة فإن المعطيات التي تأكّد الوجود المورسكي بالمكسيك تبيّن أن هذا التجمع البشري في هذه البلاد و في نقاط أخرى من القارة الجديدة قد كان حقيقة. حقيقة خامدة, خامدة و صامتة في نفس الوقت : خامدة من طرف السلطات بما أن المصادر التاريخية الرسمية لتلك الفترة لم تتطرق لهدا الموضوع, و صامتة بالنسبة للمورسكيين الأوائل الذين أخفوا هوياتهم حتى لا يسقطوا بين مخالب محاكم التفتيش. إن مصيرهم هو الصمت للأبد فلم يكن لهم حتى امتياز ذكرهم في الأرشيف العام للدولة.
و في النهاية, و حتى نختم, نستطيع أن نقول أن المورسكي القادم من مجال و نموذج مثالي للتهجين أصبح جزءا لا يتجزأ من التقليد المكسيكي , خاصة إذا علمنا أن السكان الاصليين, الوارثين لتقليد فني عجيب, شاركوا في مجموعة أعمال فنية و معمارية دمجوا فيها ثقافة جديدة جاعلين منها هوية ثقافية مكسيكية مركّبة.
انتهى
تم التعريب و لله الحمد. و صلى الله و سلّم و بارك على محمد و على آله و صحبه أجمعين.
عرّبه و كتبه أبوتاشفين هشام بن محمد المغربي غفر الله له و لوالديه و لجميع المسلمين و المسلمات.
و أدناه المراجع التي اعتمد عليها الدكتور أمحجور:
Alamán, Lucas (1942); Disertación sobre la historia de la República mejicana, México, Editorial Jus.
Angulo Iñiguez, Diego (1945); Historia del are hispanoamericano, Tomo I, Barcelona-Buenos Aires, Salvat Editores.
Arias Coello, Alicia (1992); “La imagen mítica de América en la España del Siglo XVI” en ACTAS del XXIX Congreso del Instituto Internacional de Literatura Iberoamericana, Tomo I, pp. 273-284, Universidad de Barcelona 15–19 de Junio, 1992.
Baxter Silvestre; La arquitectura hispano colonial en México, México, D. F., 1934.
Epalza, Míkel de (1992); Los moriscos antes y después de la expulsión, Madrid, Editorial Mapfre.
García Arenal, Mercedes (1975); Los moriscos, Madrid, Editora Nacional.
García Barragán, Elisa (1981); “Supervivencias mudéjares y presencias
orientalistas en la arquitectura mexicana” en Actas del I Simposio
Internacional de Mudejarismo, Madrid-Teruel, Diputación Provincial de Teruel. Consejo Superior de Investigaciones científicas.
García Icazbalceta, Joaquín (1935); La industria de la seda en México,
Jalapa–Enriquez, Talleres de la Escuela de Arte y Oficios.
Garrido Aranda, Antonio (1980); Moriscos e indios. Precedentes
hispánicos en la evangelización en México, México, D. F., Edición del Instituto de Investigaciones Antropológicas, Universidad Nacional de México.
López Guzmán, Rafael (Coordinación) (2002); Síntesis de culturas.
Mudéjar. Itinerario cultural del mudéjar en México, Granada, Ediciones Fundación El Legado Andalusí.
Marmol Carvajal, Luis del (1946); Historia del rebelión y castigo de los moriscos del reino de Granada, Biblioteca de Autores Españoles, Madrid, Ed. Atlas. (1ª edición en Málaga por Juan René en el año MDC).
Pezzi, Elena (1991); Los moriscos que no se fueron, Almería, Ed. Cajal.
Sahagún, Fray Bernardino de (1946); Historia general de las cosas de Nueva España, Edición, introducción y notas de Juan Carlos Temprano, Madrid, Historia 16, Crónicas de América.
Toussaint, Manuel (1946); Arte mudéjar en América, México, Editorial Porru
للدكتور عزيز أمحجور.
1-مقدمة المؤلف
بدابة أريد التعبير عن شكري لمؤسسة التميمي و خاصة لمديرها الدكتور عبد الجليل التميمي لتوفيرهم لنا إمكانية المشاركة في هذا المؤتمر. و طبعا أريد التعبير عن شكري و امتناني لمن بفضله علمنا بالاحتفاء بهذه المناسبة هنا بزغوان, دكتورنا البروفسور رودولفو غريمو.
أود أن أبدأ بسؤال قد يطرحه زملائي المحاضرون المجتمعون بهذه المناسبة (و الآن قرّاء هذا المقال): هل هناك وجود مورسكي حقيقي بالمكسيك؟ أم مجرد زوابع لريح شرقية جاءت لهذا البلد على سفن المحتلين الشراعية؟ و إذا كان هناك وجود فعلي, فكيف تُعمّق دراسته؟ بمعنى آخر: ماذا ندرس؟ الهوية المورسكية بالمكسيك, أو ما أضافه المورسكيون للهوية المكسيكية؟
في الحقيقة الوجود المورسكي بأمريكا هو موضوع يبدو مثيرا للإنتباه و الفضول في السنوات الأخيرة. فبعد أعوام عديدة من الصمت ظهرت اليوم دراسات تعالج على الأخص المسائل العامة كالإضافة الثقافية لإسبانيا المسلمة للأراضي الأمريكية عبر التقليد الإسباني, و بالخصوص الدراسات حول الفن و المعمار الإسباني الاستعماري و المدجن, حيث ظهرت بعض التواريخ و الأفكار المتعلقة بالوجود المادي لهذا المجتمع البشري بالقارة الجديدة. أمام نقص الوثائق المنتظمة المتعلقة بهذا الموضوع, قمنا بجمع التواريخ القليلة المذكورة هنا و ناقشنا بعض الأحداث المرتبطة بها. و بنفس الطريقة تعاملنا مع المصادر التاريخية التي تناولت المكسيك. و حتى نتجاوز بشكل ما هذا النقص في الوثائق, اعتمدنا التأويل الآخذ بالاعتبار المستوى الواقعي للبحث أو البراغماتية و هي خطوة ضرورية للبحث السيميوتيكي Sémiotico.
2- نبذة تاريخية عن محنة الأندلسيين
بالطبع لا نستطيع مناقشة وجود – أو الوجود المفترض – المورسكيين بالمكسيك دون ذكر بعض الفقرات الحاسمة من تاريخهم ببلدهم الأصلي و خاصة التي حدثت بعض سقوط غرناطة.
بداية هناك سياسة التنصير التي تبنّاها الكاردينال سيسنيروس الذي وضع حجر الأساس , ابتداءا من سنة 1499م, لحملة تعميد جماعية شكلت خرقا لبنود معاهدة الدخول إلى مملكة غرناطة. ثم بعدها سياسة الأمر الواقع الشهيرة التي تبنّاها نفس الكاردينال سيسنيروس لإدماج المورسكيين. نريد أن نتذكر هذه السياسة في الاحداث المقبلة. لقد تمّ سنة 1516م التعبير عن الرغبة في دمج هؤلاء "المسيحيين الجدد" في المجتمع المسيحي, و هذا يعني أن الذين سيحترمون هذا القرار بإمكانهم البقاء و الذين يرفضون لا يمكنهم ذلك؛ لكن الكثيرين تفننوا في مخادعتهم للحفاظ على عاداتهم و طقوسهم.
براغماتية الكاردينال سيسنيروس أجبرت المورسكيين على التخلي عن زيهم, لغتهم, عاداتهم و دينهم و اعتناق أسلوب و عقلية الحياة المسيحية. هذه البراغماتية لم تستطع تحقيق الأهداف طبعا. و سنة 1567م قام فيليب الثاني نفسه بإصدار قرار جديد يدعو إلى تطبيق الإجراءات التي سنّها سيسنيروس, و أعطى مهلة 3 سنوات للمورسكيين لتعلم اللغة القشتالية و منع كتابة أو قراءة اللغة العربية أو إحياء الشعائر و الأعراس و الأعياد على الطريقة المورسكية و كذلك منع استخدام الأسماء العربية و الحمامات. أما القرار الخاص بالطرد النهائي, فكما نعلم, كان سنة 1609م.
3- قرار منع الأندلسيين من العبور إلى القارة الجديدة.
لكن قبل هذا التاريخ (1609م) و حتى قبل أمر فيليب الثاني بتنفيذ قرارات سيسنيروس, و بالتحديد سنة 1543 (في فترة حكم كارلوس الأول الممتدة من 1516م إلى 1556م ) تمّ إصدار مرسوم ملكي يمنع مرور المورسكيين إلى أمريكا. إنها وثيقة ذات أهمية لا تُقدّر بثمن , و هي في ملك خورخي غارسيا غرانادوس Jorge Garcia Granadosو عنه نشرها مؤرخ الفن المكسيكي مانويل توسانت Manuel Toussaint في مؤلفه الثمين "الفن المدجن بأمريكا" من نسخة مصوّرة عن الأصلية.
و لأهميتها التاريخية الكبرى و علاقتها المتشابكة مع موضوعنا ننقل هنا جزءا منها:
" دون كارلوس, برحمة الإمبراطور الإلاهية, إليكم, رؤساءنا و حكامنا و مستشارينا الملكيين بأراضينا الهندية, هذه الجزر الصامدة في البحر المحيط؛ إلى كل حكامنا و القضاة بالجزر و الأقاليم بأراضينا الهندية و إلى كل واحد منكم عُرضت عليه هذه الرسالة(...) : لقد أُخبِرنا بمرور بعض العبيد البربر ذكورا و إناثا و آخرين أحرار من المورو المتنصّرين حديثا رفقة أبنائهم , وهؤلاء ممنوعون من العبور مهما كانت الأسباب نظرا للأضرار التي بالتجربة عرفناها (...) و لأنه بأرض جديدة كهذه , حيث زُرِعت العقيدة حديثا, علينا استغلال كل فرصة لمنعهم من زرع و نشر فطريات محمد أو غيرها من التي تهاجم الرب –ثم تابع – هكذا قرر مجلس الأراضي الهندية أن كل العبيد البربر ذكورا و إناثا و الأشخاص الحديثي العهد بالنصرانية من المورو و أبنائهم وجب طردهم من الجزيرة و الإقليم حيث يوجدون..."
4- لماذا اكتشفت أمريكا في زمن متأخر؟
الملاحظ أن هذا الخوف من الدين الإسلامي الذي زُرِع في أمريكا لم يكن مقتصرا على أصحاب القرار بل حتى مؤرخو و مفكرو تلك الفترة. فهذا فراي بيرناردينو دي سياكون Fray Bernardino De Sahagun أفلت منه اعتراف عميق في تاريخه العام "أحداث إسبانيا الجديدة" حيث قال : " و كذلك عُلِم يقينا أن ربّنا قد احتفظ بهذا الجزء من الأرض مخفيا حتى هذا الوقت لأن قضاءه الإلهي أراد أن يظهرها للكنيسة الرومانية الكاثوليكية".
هنا نتساءل : مخفية عمّن؟ نعتقد أن الإجابة جد واضحة.
5- نجاح الأندلسيين في المرور رغم المنع
لكن رغم قرار المنع الصادر سنة 1543 يبدو أن العبيد قد نجحوا في الوصول للعالم الجديد, خاصة ما بين عام 1492 و تاريخ صدور قرار المنع. لقد اجتذبتهم تقارير المهاجرين الأوائل الذين رحلوا إلى هناك إما للاستطلاع أو للاستقرار, و كذلك للاضطهاد الذي عانوا منه فقرر البعض المغامرة في البحر الاطلسي فرارا من محارق محاكم التفتيش. (كالمورسكيون الأربعة الذين تابعتهم محاكم التفتيش حسبما أخبر به لوي كاردياك و آخرون).
و كما قال مانويل توسانت معلقا على القرار الملكي: (لكن نفس المنطق "نظرا للأضرار التي بالتجربة عرفناها" تعني أن عددهم كان كبيرا في المستعمرات خلال ذلك التاريخ). توسانت ص 10.
بالفعل فخلال خمسين سنة قطعوا خلالها المحيط من اللازم أن يكون عددهم كبيرا. هكذا تمّ طرح الموضوع بشبه الجزيرة الإيبيرية نظرا للنتائج العنيفة التي خلفتها محاكم التفتيش. كما نعتقد انه لا يمكن استبعاد أن البعض –أو ربما العديد – أمام الحقيقة المُرّة لمغادرة أراضيهم اختاروا الذهاب إلى أبعد مكان.
يقول توسانت: "يمكن أن نقول أن خلال احتلال إسبانيا الجديدة و بلدان أمريكا الأخرى عبر العديد من المنحدرين من المورو. فالأسماء و الألقاب تدعم هذا القول, و بما أن نقاء الدم يمنع من الزعامة في إسبانيا, رحل العديدون عنها بعيدا و أنشئوا حياتهم بأرض بعيدة".
6- أندلسيون ساهموا في احتلال البيرو
لقد ثبت بالوثائق أن 200 مورسكي اشتركوا كجنود في جيش Almagro (المغراوي) لاحتلال البيرو. لكن في حالة المكسيك لا توجد حالات كهذه, فكما قال توسانت :"الشيء المثير للاهتمام و الفضول بعد التثبت –يقول هذا الكاتب – هو أنه بين قضايا الابتداع العديدة المحفوظة لدى محاكم تفتيش الدولة المكسيكية, الجزء الأكبر, بل الغالبية الساحقة متابعون على أنهم يهود و لا يوجد متابعون بالإسلام" (نفس المصدر ص 10). إنها ملاحظة جيدة بخصوص من فرّ من بين مخالب محاكم التفتيش.
تعتبر التقية و الكتمان في الإسلام خيارا يسمح للمسلم بإخفاء عقيدته إن كانت حياته في خطر. أكثر من هذا :" الذين كانوا في المكسيك لم يُظهروا لعقيدتهم نفس الحمية التي كانت لأتباع دين موسى" (توسانت ص 10).
7- فقدان الروابط الاجتماعية بين الأندلسيين في المكسيك
على أي حال, إذا كان المورسكيون مرّوا إلى إسبانيا الجديدة فإن الرجال وحدهم هم الذين مرّوا و خاصة الذين أحسوا بمستقبل قاتم للمحافظة على عاداتهم و تقاليدهم الخاصة. الاجتثاث, المبني على غياب مؤسسة عائلية مورسكية بأمريكا سيؤدي إلى توجيه تعريف الهوية المورسكية نحو أبعاد أخرى.
إن بناء المجتمع المدجن و المورسكي بإسبانيا اعتمد على 3 محاور رئيسية : العائلة, الجماعة و الأمة. في إسبانيا تحولت الأمة إلى مآل محزن, أما الجماعات التي تشكل النواة التي يقوم عليها المجتمع و التي تضمن استمرارية الهوية (Epalza p 101) , في كل مرّة كانت لها مشاكل للاستمرار في لمّ شمل المورسكيين. إن الأمة كالجماعة تحولت إلى ماض يشده الحنين و يعيش في صمت و سيٌستنزف تماما مع مرور الوقت. أمّا الهوية الشخصية فطبعا ضعفت مع الوقت كذلك بفعل الزواج المختلط و تبني الطقوس الجديدة في أية مناسبة لتفادي إثارة الشبهات و السقوط بين مخالب محاكم التفتيش المسماة sant oficio.
كما شاهدنا فمن هوية جماعة بكاملها تحولنا إلى هوية الفرد التي تحولت و تبنت الحقيقة الجديدة.
أسطورة مغربي بالمكسيك
يمكن أن يكون المثال الأكثر تعبيرا و الذي نعرفه هو ل Estebanico de Orantes إيستبانكو دو أورانتس المعروف ب إيستبانكو المورو أو الأسود , و هو من طليعة المحتلين و المبدع الاصلي لأسطورة المدن السبعة؛ هكذا علّقت Alicia Arias Coello في دراستها عن "الصورة الأسطورية لأمريكا بإسبانيا خلال القرن 16".
لم يكن هذا الرجل موريا بالتحديد لكنه من قبيلة دكالة (المغرب). إنه نموذج للانصهار بالمجتمع المحلي فقد وضع تاج الريش على رأسه و الأجراس على كاحليه و يديه و تعلّم لغات الهنود و مارس –وسط هؤلاء – طقوسهم المحلية.
8- مساهمة الأندلسيين في الحضارة المكسيكية (صناعة الحرير)
لم يكن الأمر مقتصرا فقط على الإستقبال بل جاؤوا بثقاقتهم إلى البلد المستقبل. من بين المساهمات المورسكية نجد ازدهار فن الحرير إلى حد أن أول أسقف بالمكسيك Juan de Zumarraga فكّر في جلب مجموعة من المورسكيين من غرناطة ليهتموا بثقافة الحرير و ليُعلّموا هذا الفن للهنود. هذه العريضة قدّمت للملك و نال الأسقف على إثرها نظرة طيبة من العاهل, هذا حسب رواية Garcia Icazbalceta في مؤلفها "صناعة الحرير بإسبانيا (6-1935).
يقول توسانت :" هذا دليل على ان مسألة مرور المورسكيين إلى إسبانيا الجديدة لم يكن ينظر إليه بهلع في بداية القرن السادس عشر, الشيء الذي تغيّر بعد قيام محكمة التفتيش Sant oficio(توسانت ص 9) . رغم ذلك فغن هذا المشروع لم ير النور لكن المؤكد هو وجود مورسكيين عملوا في هذا الميدان إلى حد أنه في بداية القرن السابع عشر تم التفكير في إنشاء قيصرية بالمنازل الوجودة ب Cortes , و هو سوق للحرير تحدّث عنه Lucas Alaman في الجزء الثاني من مؤلفه "أطروحات حول تاريخ الجمهورية المكسيكية" (ص 207). هذا المشروع لم ير النور كذلك لكن فُتحت مكانه شوارع ضيقة حملة اسم قيصرية و توسّعت هذه الزقاق حتى أصبحت أصل شارع Calle palma بالعاصمة المكسييكية (توسانت ص 47).
إلى جانب ازدهار فن الحرير في القرون التالية للاحتلال نجد سيادة النمط المورسكي للحياة و العادات المكسيكية: " الزرابي المورسكية التي لا تتنافس إلا مع نظيراتها التركية؛ الجلود المغطية للأبواب ؛ المنصات الصغيرة التي تجلس عليها النساء فوق المساند؛ المناضد المنحدرة التي تُستعمل كمركز للغرفة؛ الشبابيك الخشبية الرقيقة لمنع النظر إلى داخل المساكن ؛ و الستائر المشكّلة لغرف استقبال صغيرة (وسط الإسطبلات الكبيرة) (توسانت ص 10) . حتى في الأطعمة وُجد هناك تأثير مدجّن , فهناك ما يُعرف باسم "حلويات بويبلا" Dulces de Puebla ذات الأصل الشرقي كما يدل على ذلك اسمها: الفاخوري Alfajores و الفنيقيس Alfeniques. و هناك أطعمة أخرى لها نفس الأصل ك Los camotes (البطاطا المطهية) و حلويات اللوز و Tortitas ( أظنه الخبز المحلى) و غيرها. (توسانت 47).
9- البصمات الأندلسية في الميدان المعماري
يبدو أن البصمات المورسكية تظهر بشكل جلي في المجال المعماري. فوجود مظاهر مُدجّنة هو شيء واضح و بدأ ظهوره بالمكسيك في القرن السابع عشر و هو ما يُصادف طرد المورسكيين من شبه الجزيرة الإسبانية, حسب قول توسانت (توسانت ص 10). و يخبرنا هذا الكاتب أن ما وُجد و لازال يوجد من معالم تشبه ما بناه المورو بإسبانيا. على سبيل المثال المعابد المفتوحة على طراز مساجد المسلمين كالكنيسة المعروفة باسم San José de Los Naturales , و الملحق بدير San francisco بالمكسيك و المكوّن صحون جميعها مفتوحة في أقصاها مع سقف تدعمه أقواس و هو يشبه في تركيبه جامع قرطبة. للأسف لم يتم حفظ هذه المعلمة لكن المعبد الملكي ل Chulula ظل كما بٌني في القرن السادس عشر و رغم تعرّضه لبعض التغييرات فقد ظل شبيها بجامع قرطبة. (توسانت ص 26).
يقول دييغو أنغولو إنييكيز Diego Angulo Iniguez في كتابه "تاريخ الفن الإسباني-الأمريكي" ( ص 144) " يجب الإعتراف أن أولئك الذين بنوا معبد Chulula الملكي كانوا يحملون ذكريات الصحون العديدة لجامع قرطبة – وتابع- فإذا كانت هذه الحالة فريدة على مستوى البناء فإن على مستوى التزيين كان الأثر المدجّن ذائعا"
إذن المظاهر الأكثر بروزا هي التزيين عبر النقوش المربّعة بخطوط هندسية, و صناعة السقوف المنحدرة, و الزخارف المنقوشة و الأقواس (ككنيسة Carmen de laVirgen ب Tepotzotlan) , و الأعمدة الاسطوانية و الأقواس على شكل حوافر الحصان, و أسوار القلاع ذات التحديبات المنتظمة و استعمال الطوب و الزليج (و هي علامة مميزة بين المدينة و القرية) و التزيين عبر الزخرفة النباتية...إلخ. "في المكسيك, الذوق للبناء و الزخرفة المدجنة امتدت طول الفترة الإستعمارية و القرن التاسع عشر (...) و استمرّ كحركة لصالح الفن المورسكي المسجّل بمدن البلاد" حسب ما أفادت به إليزا غارسيا براغان Elisa Garcia Barragan.
"مجتمع الابتكار المحض" أصبح "دائرة كاثوليكية" ب Puebla (مع وجود باحة مورسكية ثمينة و طابقها على شكل مربع به رسوم هندسية على طراز الحمراء) " و الخيمة المورسكية" (نسخة كاملة لأقواس الحمراء و قصر إشبيلية) بالعاصمة المكسيكية هو مثال جيد لهذا.فيبدو أن الإلهام قد اعتمد على هذا الماضي . لكن هناك منطق آخر يقول أن هذه الآثار قد بنيت في فترة كان فيها المورسكي و الشرقي قد غادرا للتو طرازا آخر.
10-خاتمة
في الختام نريد أن نقول أنه كما في إسبانيا قد مرّت عناصر شرقية إلى الثقافة الإسبانية عبر المدجنين و المورسكيين , فكذلك بالمكسيك مرّت عناصر إسبانية-عربية على يد المورسكيين و الأندلسيين أو الإسبان على العموم بما أن التقاليد العربية شكلت جزءا لا يتجزأ من الثقافة الإسبانية.
يقول توسانت:" من الواضح أن هذه التقاليد جلبها المسيحيون الأندلسيون أنفسهم فقد كانوا مجبرين على العيش جنبا إلى جنب مع المورو طيلة قرون, فتبنوا عاداتهم عن طيب خاطر, لكن هناك شيء ما أشعل الفتنة حتى لا تفشل محارق محاكم التفتيش" (توسانت ص 10) . و طبعا كان من بين من مروا إلى المكسيك مورسكيون أصليون.
رغم أنها ليست موثقة فإن المعطيات التي تأكّد الوجود المورسكي بالمكسيك تبيّن أن هذا التجمع البشري في هذه البلاد و في نقاط أخرى من القارة الجديدة قد كان حقيقة. حقيقة خامدة, خامدة و صامتة في نفس الوقت : خامدة من طرف السلطات بما أن المصادر التاريخية الرسمية لتلك الفترة لم تتطرق لهدا الموضوع, و صامتة بالنسبة للمورسكيين الأوائل الذين أخفوا هوياتهم حتى لا يسقطوا بين مخالب محاكم التفتيش. إن مصيرهم هو الصمت للأبد فلم يكن لهم حتى امتياز ذكرهم في الأرشيف العام للدولة.
و في النهاية, و حتى نختم, نستطيع أن نقول أن المورسكي القادم من مجال و نموذج مثالي للتهجين أصبح جزءا لا يتجزأ من التقليد المكسيكي , خاصة إذا علمنا أن السكان الاصليين, الوارثين لتقليد فني عجيب, شاركوا في مجموعة أعمال فنية و معمارية دمجوا فيها ثقافة جديدة جاعلين منها هوية ثقافية مكسيكية مركّبة.
انتهى
تم التعريب و لله الحمد. و صلى الله و سلّم و بارك على محمد و على آله و صحبه أجمعين.
عرّبه و كتبه أبوتاشفين هشام بن محمد المغربي غفر الله له و لوالديه و لجميع المسلمين و المسلمات.
و أدناه المراجع التي اعتمد عليها الدكتور أمحجور:
Alamán, Lucas (1942); Disertación sobre la historia de la República mejicana, México, Editorial Jus.
Angulo Iñiguez, Diego (1945); Historia del are hispanoamericano, Tomo I, Barcelona-Buenos Aires, Salvat Editores.
Arias Coello, Alicia (1992); “La imagen mítica de América en la España del Siglo XVI” en ACTAS del XXIX Congreso del Instituto Internacional de Literatura Iberoamericana, Tomo I, pp. 273-284, Universidad de Barcelona 15–19 de Junio, 1992.
Baxter Silvestre; La arquitectura hispano colonial en México, México, D. F., 1934.
Epalza, Míkel de (1992); Los moriscos antes y después de la expulsión, Madrid, Editorial Mapfre.
García Arenal, Mercedes (1975); Los moriscos, Madrid, Editora Nacional.
García Barragán, Elisa (1981); “Supervivencias mudéjares y presencias
orientalistas en la arquitectura mexicana” en Actas del I Simposio
Internacional de Mudejarismo, Madrid-Teruel, Diputación Provincial de Teruel. Consejo Superior de Investigaciones científicas.
García Icazbalceta, Joaquín (1935); La industria de la seda en México,
Jalapa–Enriquez, Talleres de la Escuela de Arte y Oficios.
Garrido Aranda, Antonio (1980); Moriscos e indios. Precedentes
hispánicos en la evangelización en México, México, D. F., Edición del Instituto de Investigaciones Antropológicas, Universidad Nacional de México.
López Guzmán, Rafael (Coordinación) (2002); Síntesis de culturas.
Mudéjar. Itinerario cultural del mudéjar en México, Granada, Ediciones Fundación El Legado Andalusí.
Marmol Carvajal, Luis del (1946); Historia del rebelión y castigo de los moriscos del reino de Granada, Biblioteca de Autores Españoles, Madrid, Ed. Atlas. (1ª edición en Málaga por Juan René en el año MDC).
Pezzi, Elena (1991); Los moriscos que no se fueron, Almería, Ed. Cajal.
Sahagún, Fray Bernardino de (1946); Historia general de las cosas de Nueva España, Edición, introducción y notas de Juan Carlos Temprano, Madrid, Historia 16, Crónicas de América.
Toussaint, Manuel (1946); Arte mudéjar en América, México, Editorial Porru