النصر قادم
10-21-2008, 11:17 PM
لا قرضاوي ولا سيستاني
خطبة جمعة ألقيت بأحد مساجد ضواحي بيت المقدس ... وفي اليوم نفسه بعد الظهر ألقيت داخل المسجد الأقصى المبارك...أمام حشد لا يعلمه إلاَّ الله
(الخطبة الأولى)
أيها الناس: فجر رئيس ما يسمى برابطة علماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي قنبلة في وجه محاولات لم شمل هذه الأمة المبعثرة مزقاً وأشلاءاً، عندما حذر من انتشار المد الشيعي في المناطق السنية على حد تعبيره. وتابعه في دعواه تلك مريدون ناعقون خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب علينا وعليهم وعلى الشيخ القرضاوي. وقد انبرى للرد عليه رجال من الطرف الآخر ذووا ألسنة حداد أشحة على الخير، قامت بدورها بتفجير قنابل من نفس النوع في وجه دعاة وحدة المسلمين طارت شظاياها الفكرية والمذهبية في سماء المسلمين لتزيد الفجوة بينهم، وتنذر بجولات ساخنة قادمة لا يعلم مدى الخسائر فيها إلا الله، وكلٌّ يدعي وصلاً بليلى، وليلى لا تُقر لهم بذاكا!
أيها الناس: يقول الحق تبارك وتعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}، قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره لقول الله عز وجل (هو سماكم المسلمين): قَالَ مُجَاهِد : اللَّه سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْل فِي الْكُتُب الْمُتَقَدِّمَة وَفِي الذِّكْر " وَفِي هَذَا " يَعْنِي الْقُرْآن، وَكَذَا قَالَ غَيْره " قُلْت " وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: " هُوَ اِجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّين مِنْ حَرَج " ثُمَّ حَثَّهُمْ وَأَغْرَاهُمْ إِلَى مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مِلَّة أَبِيهِمْ الْخَلِيل ثُمَّ ذَكَرَ مِنَّته تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة بِمَا نَوَّهَ بِهِ مِنْ ذِكْرهَا وَالثَّنَاء عَلَيْهَا فِي سَالِف الدَّهْر وَقَدِيم الزَّمَان فِي كُتُب الْأَنْبِيَاء يُتْلَى عَلَى الْأَحْبَار وَالرُّهْبَان فَقَالَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْل " أَيْ مِنْ قَبْل هَذَا الْقُرْآن " وَفِي هَذَا " رَوَى النَّسَائِيّ عِنْد تَفْسِيره هَذِهِ الْآيَة أَنْبَأَنَا هِشَام بْن عَمَّار حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن شُعَيْب أَنْبَأَنَا مُعَاوِيَة بْن سَلَّام أَنَّ أَخَاهُ زَيْد بْن سَلَّام أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي سَلَّام أَنَّهُ أَخْبَرَهُ قَالَ أَخْبَرَنِي الْحَارِث الْأَشْعَرِيّ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ دَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّة فَإِنَّهُ مِنْ جِثِيّ جَهَنَّم، " قَالَ رَجُل يَا رَسُول اللَّه وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى قَالَ " نَعَمْ وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى " فَادْعُوا بِدَعْوَةِ اللَّه الَّتِي سَمَّاكُمْ بِهَا الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَاد اللَّه.
أيها الناس: إن الله عز وجل قد أكمل لنا ديننا، وأتم علينا نعمته، ورضي لنا الإسلام ديناً، وسمانا بالمسلمين، فلماذا يتشدق البعض فيضيف لاسمنا الذي اختاره ربنا لنا ألفاظاً ما أنزل بها من سلطان، فيقولون مسلماً سنياً وآخر شيعياً، وما في الإسلام سنة ولا شيعة، إن هي إلا بدعة ابتدعها أعداء الإسلام ما أنزل الله بها من سلطان، وتم تسويقها في أوساط المسلمين تحت جنح الظلام الجاهلي الذي استشرى فيهم لما تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات، كما فُعل بأشياعهم من قبل. فلو سألني شخص: هل أنت سني؟ لأجبته: كلا، فيقول إذن فأنت شيعي؟ فسأقول له بكل قوة وثقة: كلا، فيحتار في أمري، وليس له أن يحتار،
فالجواب بسيط جداً: إنني مسلم، لا سني ولا شيعي، لا قرضاوي ولا سيستاني، ولو كان القرضاوي والسيستاني يعقلان معنى الإسلام لاستقاما على الطريقة المثلى، وهي استغلال علمهما ومنصبيهما بتوجيه أتباعهما فوراً ودون أدنى تأخير إلى شيء واحد فقط، وهو مبايعة إمام للمسلمين يحكمهم بكتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ولجمعوا المسلمين في دولة واحدة تسمى دولة الإسلام التي يمارس فيها أمير المؤمنين المبايع حقه في سن القوانين وتبني الأحكام، وإعلان الجهاد ضد الكفار لتحرير بلاد المسلمين المحتلة، دون أن يكون للتبعية المذهبية أي دور في توجيه دفة الحياة الإسلامية، إلا ما كان منها سلوكاً فردياً في العبادات والآراء العقائدية مما يحتمل الخلاف بناءاً على الأدلة الشرعية، وباجتهاد منضبط وفق قواعد الاجتهاد المعروفة في الإسلام، والتي لا يؤثر اختلاف الناس عليها في وحدة المسلمين وتطبيق دينهم وحمل دعوتهم إلى العالم.
أيها الناس: لقد بلغت الحرب الكلامية المتبادلة بين الفريقين حداً صار فيه كل فريق ينسب إلى نفسه العصمة والانتصار على خلفية مذهبية باطلة، فقال "الشيعيون" إنهم السبب في تحقيق انتصار تموز في لبنان، وقال "السنيون" إنهم السبب في تحقيق انتصار تشرين في سيناء، وليس "للشيعة" ولا "للسنة" فضل في أي من المعركتين، بل إن السياسة الأميركية هي التي رسمت وخططت وأدارت تلك المعارك، وما قومنا إلا منفذون لا يعرفون من أين تؤكل الكتف، ولا يرون في السياسة أبعد من أرنبة أنوفهم! ولو كان ما يقولونه حقاً، وكانوا واعين على إسلامهم ومتطلباته، لطبق المنتصرون المصريون الإسلام في مصر وما حولها، وما قبلوا بحكم الطاغوت الجمهوري، ولاستولى المنتصرون اللبنانيون على قصر بعبدا وحكموا لبنان وما حوله بما أنزل الله، وما قبلوا بحكم المارون النصراني، ولأكمل الفريقان طريقهما كفكيّ الكماشة إلى المسجد الأقصى لتحريره من براثن الاحتلال الذي مضى عليه تسعون عاماً ونيف!
(الخطبة الثانية)
أيها الناس: إن كلا الزعامتين المزعومتين للمسملين سنة وشيعة - بعلمهم ومناصبهم الدينية - يخدمون حكام البلاد الإسلامية الذين لا يحكمون بالإسلام، فلا قطر التي انطلقت منها دعوة القرضاوي تحكم بالإسلام، وفيها أكبر القواعد الأميركية في الشرق الأوسط، ولا تونس التي انبرى منها أشياعه تأييداً لما قال تحكم بالإسلام كذلك، بل يعتبرون الصيام مانعاً من الإنتاج، ولا مصر ولا السودان ولا باقي دويلات الضرار القائمة في العالم الإسلامي تحكم بالإسلام أو تقبل أن يُدعى للحكم بالإسلام فيها، وهي جميعاً تحارب دعاة الخلافة والحكم بالإسلام حرباً لا هوادة فيها، ولا يهمنا إن كان هؤلاء العلماء شافعيين أم حنفيين أم مالكيين أم حنبليين. وفي المقابل لا تحكم إيران ومن يدور في فلكها من دويلات الضرار بالإسلام، تلك الدولة التي انطلق منها صوت المدعو حسن زاده محرر الشؤون الدولية في وكالة الأنباء الإيرانية "مهر"، وصاحب الهجوم الساحق على القرضاوي.
ولا يهمنا أيضاً إن كان سيستانياً أم خمينياً أم صدرياً، كان أم اثني عشرياً إمامياً، أم زيدياً أم غير ذلك من المذاهب والآراء الفقهية الاجتهادية. فكلا الفريقين ساكت على عدم تطبيق القرآن والسنة في حياة المسلمين، بل مانع قوي من تطبيقه، وكلا الفريقين خادم مطيع لقوى الكفر المهيمنة على بلاد المسملين وثرواتهم ومقدساتهم من الأميركيين والبريطانيين والفرنسيين وأضرابهم، وكلا الفريقين قابع في ركنه يسلق العاملين لإعزاز هذا الدين وإقامة خلافة المسلمين بألسنة حداد أشحة على الخير، وإذا قيل لهم تعالوا إلى العمل لإقامة الخلافة وتطبيق الشريعة رأيتهم يصدون عنك صدوداً. وكلا الفريقين يشارك في حوارات الأديان المشبوهة بل المحرمة، ويلوون أعناق النصوص القرآنية لتوافق هوى أسيادهم، ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً.
فهل التقريب بين الأديان أولى من التقريب بين الإخوة المسلمين؟ فما حاجتنا بعلمهم؟ وبماذا تفيدنا مناصبهم؟ ألا فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً، وليثوبوا إلى رشدهم، وليعودوا إلى حضن أمتهم، خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويعملون عملاً ينفعهم والمسلمين في دنياهم وآخرتهم، وليكفوا عن أمثال هذه المهاترات الفكرية والمذهبية التي لا تخدم إلا أعداء الإسلام والمسلمين، وكفى بالله وكيلاً. وأما الإعلام الفاسق الذي يروج لهؤلاء المتنطعين، ويتجاهل تماماً صوت الحق الذي يصدر عن دعاة الخلافة، فإنه يبحث عن عزاء يلطم فيه، وفتنة ينفذ من خلالها لتحقيق أغراض أولياء نعمته الدنيئة من الحكام العملاء وأسيادهم الكفار، كي يبقى حال المسلمين على ما تعرفون من الفرقة والتمزق والتشرذم والتنازع لأتفه الأسباب، فحسبنا الله ونعم الوكيل. ألا وإن الحل الوحيد لهذه المعضلات والمشكلات جميعاً هو العمل مع العاملين المخلصين لإعزاز هذا الدين وإقامة دولة الخلافة الإسلامية الثانية الراشدة على منهاج النبوة، فهي القادرة على إخراس ألسنة السوء، ووضع حد لتجاوزات المتجاوزين.
الجمعة 19/9/1429 هـ
الموافق19/9/2008 م
خطبة جمعة ألقيت بأحد مساجد ضواحي بيت المقدس ... وفي اليوم نفسه بعد الظهر ألقيت داخل المسجد الأقصى المبارك...أمام حشد لا يعلمه إلاَّ الله
(الخطبة الأولى)
أيها الناس: فجر رئيس ما يسمى برابطة علماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي قنبلة في وجه محاولات لم شمل هذه الأمة المبعثرة مزقاً وأشلاءاً، عندما حذر من انتشار المد الشيعي في المناطق السنية على حد تعبيره. وتابعه في دعواه تلك مريدون ناعقون خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب علينا وعليهم وعلى الشيخ القرضاوي. وقد انبرى للرد عليه رجال من الطرف الآخر ذووا ألسنة حداد أشحة على الخير، قامت بدورها بتفجير قنابل من نفس النوع في وجه دعاة وحدة المسلمين طارت شظاياها الفكرية والمذهبية في سماء المسلمين لتزيد الفجوة بينهم، وتنذر بجولات ساخنة قادمة لا يعلم مدى الخسائر فيها إلا الله، وكلٌّ يدعي وصلاً بليلى، وليلى لا تُقر لهم بذاكا!
أيها الناس: يقول الحق تبارك وتعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}، قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره لقول الله عز وجل (هو سماكم المسلمين): قَالَ مُجَاهِد : اللَّه سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْل فِي الْكُتُب الْمُتَقَدِّمَة وَفِي الذِّكْر " وَفِي هَذَا " يَعْنِي الْقُرْآن، وَكَذَا قَالَ غَيْره " قُلْت " وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: " هُوَ اِجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّين مِنْ حَرَج " ثُمَّ حَثَّهُمْ وَأَغْرَاهُمْ إِلَى مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مِلَّة أَبِيهِمْ الْخَلِيل ثُمَّ ذَكَرَ مِنَّته تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة بِمَا نَوَّهَ بِهِ مِنْ ذِكْرهَا وَالثَّنَاء عَلَيْهَا فِي سَالِف الدَّهْر وَقَدِيم الزَّمَان فِي كُتُب الْأَنْبِيَاء يُتْلَى عَلَى الْأَحْبَار وَالرُّهْبَان فَقَالَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْل " أَيْ مِنْ قَبْل هَذَا الْقُرْآن " وَفِي هَذَا " رَوَى النَّسَائِيّ عِنْد تَفْسِيره هَذِهِ الْآيَة أَنْبَأَنَا هِشَام بْن عَمَّار حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن شُعَيْب أَنْبَأَنَا مُعَاوِيَة بْن سَلَّام أَنَّ أَخَاهُ زَيْد بْن سَلَّام أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي سَلَّام أَنَّهُ أَخْبَرَهُ قَالَ أَخْبَرَنِي الْحَارِث الْأَشْعَرِيّ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ دَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّة فَإِنَّهُ مِنْ جِثِيّ جَهَنَّم، " قَالَ رَجُل يَا رَسُول اللَّه وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى قَالَ " نَعَمْ وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى " فَادْعُوا بِدَعْوَةِ اللَّه الَّتِي سَمَّاكُمْ بِهَا الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَاد اللَّه.
أيها الناس: إن الله عز وجل قد أكمل لنا ديننا، وأتم علينا نعمته، ورضي لنا الإسلام ديناً، وسمانا بالمسلمين، فلماذا يتشدق البعض فيضيف لاسمنا الذي اختاره ربنا لنا ألفاظاً ما أنزل بها من سلطان، فيقولون مسلماً سنياً وآخر شيعياً، وما في الإسلام سنة ولا شيعة، إن هي إلا بدعة ابتدعها أعداء الإسلام ما أنزل الله بها من سلطان، وتم تسويقها في أوساط المسلمين تحت جنح الظلام الجاهلي الذي استشرى فيهم لما تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات، كما فُعل بأشياعهم من قبل. فلو سألني شخص: هل أنت سني؟ لأجبته: كلا، فيقول إذن فأنت شيعي؟ فسأقول له بكل قوة وثقة: كلا، فيحتار في أمري، وليس له أن يحتار،
فالجواب بسيط جداً: إنني مسلم، لا سني ولا شيعي، لا قرضاوي ولا سيستاني، ولو كان القرضاوي والسيستاني يعقلان معنى الإسلام لاستقاما على الطريقة المثلى، وهي استغلال علمهما ومنصبيهما بتوجيه أتباعهما فوراً ودون أدنى تأخير إلى شيء واحد فقط، وهو مبايعة إمام للمسلمين يحكمهم بكتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ولجمعوا المسلمين في دولة واحدة تسمى دولة الإسلام التي يمارس فيها أمير المؤمنين المبايع حقه في سن القوانين وتبني الأحكام، وإعلان الجهاد ضد الكفار لتحرير بلاد المسلمين المحتلة، دون أن يكون للتبعية المذهبية أي دور في توجيه دفة الحياة الإسلامية، إلا ما كان منها سلوكاً فردياً في العبادات والآراء العقائدية مما يحتمل الخلاف بناءاً على الأدلة الشرعية، وباجتهاد منضبط وفق قواعد الاجتهاد المعروفة في الإسلام، والتي لا يؤثر اختلاف الناس عليها في وحدة المسلمين وتطبيق دينهم وحمل دعوتهم إلى العالم.
أيها الناس: لقد بلغت الحرب الكلامية المتبادلة بين الفريقين حداً صار فيه كل فريق ينسب إلى نفسه العصمة والانتصار على خلفية مذهبية باطلة، فقال "الشيعيون" إنهم السبب في تحقيق انتصار تموز في لبنان، وقال "السنيون" إنهم السبب في تحقيق انتصار تشرين في سيناء، وليس "للشيعة" ولا "للسنة" فضل في أي من المعركتين، بل إن السياسة الأميركية هي التي رسمت وخططت وأدارت تلك المعارك، وما قومنا إلا منفذون لا يعرفون من أين تؤكل الكتف، ولا يرون في السياسة أبعد من أرنبة أنوفهم! ولو كان ما يقولونه حقاً، وكانوا واعين على إسلامهم ومتطلباته، لطبق المنتصرون المصريون الإسلام في مصر وما حولها، وما قبلوا بحكم الطاغوت الجمهوري، ولاستولى المنتصرون اللبنانيون على قصر بعبدا وحكموا لبنان وما حوله بما أنزل الله، وما قبلوا بحكم المارون النصراني، ولأكمل الفريقان طريقهما كفكيّ الكماشة إلى المسجد الأقصى لتحريره من براثن الاحتلال الذي مضى عليه تسعون عاماً ونيف!
(الخطبة الثانية)
أيها الناس: إن كلا الزعامتين المزعومتين للمسملين سنة وشيعة - بعلمهم ومناصبهم الدينية - يخدمون حكام البلاد الإسلامية الذين لا يحكمون بالإسلام، فلا قطر التي انطلقت منها دعوة القرضاوي تحكم بالإسلام، وفيها أكبر القواعد الأميركية في الشرق الأوسط، ولا تونس التي انبرى منها أشياعه تأييداً لما قال تحكم بالإسلام كذلك، بل يعتبرون الصيام مانعاً من الإنتاج، ولا مصر ولا السودان ولا باقي دويلات الضرار القائمة في العالم الإسلامي تحكم بالإسلام أو تقبل أن يُدعى للحكم بالإسلام فيها، وهي جميعاً تحارب دعاة الخلافة والحكم بالإسلام حرباً لا هوادة فيها، ولا يهمنا إن كان هؤلاء العلماء شافعيين أم حنفيين أم مالكيين أم حنبليين. وفي المقابل لا تحكم إيران ومن يدور في فلكها من دويلات الضرار بالإسلام، تلك الدولة التي انطلق منها صوت المدعو حسن زاده محرر الشؤون الدولية في وكالة الأنباء الإيرانية "مهر"، وصاحب الهجوم الساحق على القرضاوي.
ولا يهمنا أيضاً إن كان سيستانياً أم خمينياً أم صدرياً، كان أم اثني عشرياً إمامياً، أم زيدياً أم غير ذلك من المذاهب والآراء الفقهية الاجتهادية. فكلا الفريقين ساكت على عدم تطبيق القرآن والسنة في حياة المسلمين، بل مانع قوي من تطبيقه، وكلا الفريقين خادم مطيع لقوى الكفر المهيمنة على بلاد المسملين وثرواتهم ومقدساتهم من الأميركيين والبريطانيين والفرنسيين وأضرابهم، وكلا الفريقين قابع في ركنه يسلق العاملين لإعزاز هذا الدين وإقامة خلافة المسلمين بألسنة حداد أشحة على الخير، وإذا قيل لهم تعالوا إلى العمل لإقامة الخلافة وتطبيق الشريعة رأيتهم يصدون عنك صدوداً. وكلا الفريقين يشارك في حوارات الأديان المشبوهة بل المحرمة، ويلوون أعناق النصوص القرآنية لتوافق هوى أسيادهم، ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً.
فهل التقريب بين الأديان أولى من التقريب بين الإخوة المسلمين؟ فما حاجتنا بعلمهم؟ وبماذا تفيدنا مناصبهم؟ ألا فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً، وليثوبوا إلى رشدهم، وليعودوا إلى حضن أمتهم، خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويعملون عملاً ينفعهم والمسلمين في دنياهم وآخرتهم، وليكفوا عن أمثال هذه المهاترات الفكرية والمذهبية التي لا تخدم إلا أعداء الإسلام والمسلمين، وكفى بالله وكيلاً. وأما الإعلام الفاسق الذي يروج لهؤلاء المتنطعين، ويتجاهل تماماً صوت الحق الذي يصدر عن دعاة الخلافة، فإنه يبحث عن عزاء يلطم فيه، وفتنة ينفذ من خلالها لتحقيق أغراض أولياء نعمته الدنيئة من الحكام العملاء وأسيادهم الكفار، كي يبقى حال المسلمين على ما تعرفون من الفرقة والتمزق والتشرذم والتنازع لأتفه الأسباب، فحسبنا الله ونعم الوكيل. ألا وإن الحل الوحيد لهذه المعضلات والمشكلات جميعاً هو العمل مع العاملين المخلصين لإعزاز هذا الدين وإقامة دولة الخلافة الإسلامية الثانية الراشدة على منهاج النبوة، فهي القادرة على إخراس ألسنة السوء، ووضع حد لتجاوزات المتجاوزين.
الجمعة 19/9/1429 هـ
الموافق19/9/2008 م