أبو هاشم
10-20-2008, 05:18 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مركز الفجر للإعلام
يقدم
http://img399.imageshack.us/img399/9182/52649437rl8.gif
كتاب
[ دفعُ الملام - عن مجاهدي مغرب الإسلام ]
للشيخ الفاضل / أبو يحيى الليبي - حفظه الله -
http://img401.imageshack.us/img401/4393/40575461ar2.jpg
للتحميل
بصيغة word
http://www.uuploadit.com/users/alfaj...Al%20malam.doc (http://www.uuploadit.com/users/alfaj...Al%20malam.doc)
بصيغة pdf
http://www.uuploadit.com/users/alfaj...Al%20malam.pdf (http://www.uuploadit.com/users/alfajr/Daf3%20Al%20malam.pdf)
وإليكم الرد مُفرّغاً :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد :
فبعبارات قاسية، وألفاظ طائشة، وأحكام جائرة نشر موقع الدكتور ناصر العمر مقالاً يعلق فيه على التفجيرات الأخيرة التي قام بها إخواننا المجاهدون في الجزائر، والتي هزت كيان نظام الردة وعرَّفت جنرالات فرنسا ولقطاءها أن الشعب الذي قدم أكثر من مليون شهيد لطرد أسيادهم لا يزال مستعداً لأن يقدم مثلها وبسخاء ورضاء لتعلو راية التوحيد التي استلبها العملاء، وضيعها الخونة، وعبث بها الجشعون، وليعرف الجميع أنه لا فرق في عقيدة الإسلام وأحكامه بين نصراني جلد قطع البحار والقفار وأجلب بخيله ورجله على بلاد الإسلام وبين من (يلينا) من أنصارهم، وأعوانهم، وردئهم الذين يقفون آثار أربابهم حذو القذة بالقذة حتى ولو ارتكبوا شر كفر لارتكبوه معهم ولم يبالوا : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الحشر/11]
ولما رأيت كاتب المقال قد ألقى الأحكام بلا كيل، ومال في إطلاقها كل الميل، ورمى التهم جزافاً بغير بينة ولا شاهد –إلا أن يكون عنده وزير الداخلية الجزائري ثقة ثبتاً عدلاً رضىً- وأرخى العِنان لقلمه الطائش الحائف يصول ويجول في أوحال الإفك والافتراء والاختلاق والبهتان عزَّ عليَّ أن أرى إخواني حصن الدين وحماة الحقيقة ينال منهم ذوو القربى بظلم أشد على النفس من وقع الحسام المهند ثم بعدها لا أذب عنهم وأذود عن حياضهم ولو بكلمات معدودات وتعليقات مقتضبات، طالباً رضى الله وحده ولو سخط بعد ذلك من سخِط فحقاً لقد بلغ السكين العظم وجاوز الحزام الطُّبْيَين.
وإن المرء ليقف مشدوهاً وهو يرى أمثال هذه المقالات التي تبرز علينا بجرأة وشجاعة كلما قام المجاهدون بعملية ضد وكر من أوكار العمالة والإفساد والردة، ثم هو لا يرى مثل هذه المقالات ولا نصيفها - ولو من طرف خفيٍّ – حينما يسمع العالم ويرى أبشع المجازر الحقيقية التي تقترف ضد عوام المسلمين حقاً لا زعماً، ويعترف بها المجرمون "القتلة" أنفسُهم، ويتبجحون بارتكابها على رؤوس الأشهاد ولا يبالون، فلم يسلم من ذلك الأسواق المكتظة، ولا الطرقات المزدحمة، ولا الأعراس البريئة، ولا القرى النائية، ولا حتى الخيام الممزقة البالية، بل ولا الدواب الرواتع، فهلا أظهر كتاب المقالات (الغيورون) غيرتهم وغضبهم وحميتهم وحرصهم على دماء المسلمين في مثل هذه الأحداث الفظيعة التي كسر معها مثل (كرزاي) –وهو من هو – حجاب الصمت وراح يسكن ثورة العوام بتنديده وشجبه ودعاوى التحقيق والملاحقة لمرتكبيها، وهم أسياده الذين لا قيام ولا قوام له بدونهم!!
وليت هذا النقد أو (النصح) أو الإرشاد مبني على أسس سليمة ومعلومات صحيحة، إذاً لهان الخطب، فالمجاهدون كانوا ولا زالوا -بإذن الله- أكثر الناس حرصاً على معرفة الحق، واجتهاداً في اتباعه، ورجوعاً إليه، ولكن وللأسف فإن المقال المذكور خالٍ عن تقرير أية حقيقة علمية بطريقة منضبطة، وكأن الكاتب لم يزد على أن أفرغ شحنة من الغيظ كان يمتلئ بها صدره، في لحظات يكاد يكون قد خرج فيها عن طوره وهيمن عليه الانفعال، وغلبته سورة الغضب، وحركته غيرة خادعة على حفنة من المرتزقة الذين كان يسعهم أن يضربوا في الأرض ليبتغوا من فضل الله بدلاً عن بيع دينهم في ثكنات الإجرام التي لم تزل تتدفق منها أفواج من المرتكسين المنسلخين عن الدين الذين لا يتقنون شيئاً إلا قمع الشعوب، والتنكيل بالذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا، والاستعداد التام لشن (الحروب القذرة) على الأبرياء والعزل، والتفنن في سب الرب بصور يستحيي إبليس من التفوه بها أو حتى سماعها مما صار في حقهم أشهر من نار على علم، ولسنا في حاجة أن يقسم لنا كاتب المقال بالأيمان المغلظة أن تلك (الطوائف الممتنعة) لم يفشُ فيها سب الرب فشواً فاحشاً حتى لكأنه صار جزءاً من برامج تدريبهم و(تربيتهم)، وإن كنتم في ريب مما نقول فشدوا رحالكم ويممو بها شطر المغرب الإسلامي لتسمعوا –ونعيذكم بالله من سماعه- ما لم يخطر على بالكم، ولعمر الله : {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا}[مريم/90]
وعندها قولوا لنا ما الذي يستحقه أمثال هؤلاء السفلة القتلة إلا النسف والقصف والخسف.
فهذان خصمان اختصموا في أمرهم، فالذي كتب المقال أطلق أحكامه على المجاهدين بغير تثبت، ولا تبين، لا انضباض، ولا روية، ولا عدل، ولا اتزان، والذين قاموا بهذه الأعمال (المباركة) ضد مراكز وثكنات الردة ذكروا تفاصيل عملياتهم، وصرحوا تصريحاً لا لبس فيه يدركه العاميُّ قبل العالِم المحقِّق أنهم برءاء من استهداف عوام المسلمين، وأنهم ما قاموا أصلاً إلا دفاعاً عنهم، ورحمة بهم، وحماية لدينهم، وصوناً لدمائهم، وإنقاذاً لهم من ضنك أحكام الجاهلية إلى رحمة شريعة الإسلام وسعتها، التي حرمهم إياها جنرالات فرنسا وطوائفهم.
ولأن إخواننا المجاهدين يعلمون أن أمثال هذا الشغب والصخب سيخرج عليهم من هنا وهناك إذ صار ديدن حكومة الردة، ولأقوالها تتردد الأصداء بدون تمهل فقد بادروا إلى بيان الحق ودحض الافتراء فكان مما جاء في بيانهم المعنون بغزوة الثأر : [و يجدر الإشارة إلى أن كل القتلى هم من الدرك المتعاقدين أو من المترشحين الجدد في هذا السلك الطاغوتي ،والذين هم في ميزان الشرع محاربون ،وما يدندن عليه بهلوان الداخلية من أنهم مدنيون هو هراء و كذب مفضوح لا أساس له من الصحة.]، وجاء فيه أيضاً : [و لأمتنا الحبيبة التي طغى عليها سيل الإعلام الجارف المضلل، و غشيتها أكاذيب المرتدين و تلبيساتهم المتهافتة نقول : لن نمل و لن نكل من تكرار طمأنتنا لكم بأننا ننتقي أهدافنا بدقة و نحرص على دمائكم أيما حرص... و أننا لا نستهدف الأبرياء كما يزعم بهلوان الداخلية و يكذب عليكم في كل مرة...فالكل يعلم من هم قتلة الأبرياء في سركاجي و برواقية و مجازر الشراربة و الأخضرية ... إلى آخر قائمة الإجرام التي شهد عليها ضباط سامون من الجيش الجزائري...
أما المجاهدون الأبرار فهم أحرص الناس على دماء المسلمين...و هل يمكن أن يقدم استشهادي على قتل إخوانه و أهله..و هل ثكنة حرس السواحل و المدرسة العليا للدرك و مقر قيادة الجيش و قوات الشرطة تحوي داخلها أبرياء ؟..و هل المنتسبون إليها و المنخرطون فيها و المترشحون للدخول إليها مدنيون ؟!...
فيا أمتنا الحبيبة المسلمة : صمي آذانك عن عبيد أمريكا...فهم جلادوك الحقيقيون ...وهم قتلة الأبرياء ... وهم مصاصو دمائك ...و منتهكو مقدساتك...و هم بائعوك لأعدائك.]
وأثناء قربي من كتابة هذه المناقشة، استمعت لكلمة قيمة لأخينا الشيخ المجاهد القائد أبي مصعب عبد الودود –حفظه الله – يؤكد فيها على هذه المسألة، وعن براءتهم من استهداف أي مسلمٍ وتقصد سفك دمه، فرأيت أن ألحقه بما نقلته عن المجاهدين سابقاً فكان مما قاله : [ولا يفوتني في هذا المقام ..بعد الهجمة الإعلامية الأخيرة التي تتهم المجاهدين باستهداف الأبرياء، أن أطئمن إخواني المسلمين بأن إخوانهم المجاهدين هم أحرص الناس على دماء الأبرياء، وأن المجاهدين ينتقون أهدافهم بدقة ويبذلون جهدهم في تجنب إصابة المدنيين، ولكن ما حيلتنا وهذا النظام العميل ومن ورائه وسائل الإعلام المضللة تتهمنا بما ليس فينا، وتنشر الإفك عنا في كل حين ونحن معاذ الله أن نتقصد سفك الدماء المعصومة.
فلتطمأني يا أمتي المسلمة..فلتطمأني يا أمتي المسلمة الحبيبة من هذا الجانب، فنحن ما خرجنا من ديارنا وما فارقنا أهلنا إلا نصرة لك، ودفاعا عنك من قتلة الأبريان الحقيقيين أبناء فرنسا وعبيد أمريكا]
فهذا ما يقوله المجاهدون –سددهم الله- وفيه لِمن سلم قلبُه من الضغينة وبرئ من (الشح على الخير) وتجرد للحق وأنصف الخلق غنية وكفاية، إلا أني أكاد أجزم أن كاتب المقال لم يكلف نفسه مجرد النظر في هذا البيان وأمثاله، لأنها بالنسبة له ليست بشيء، ولهذا بادر بإطلاق ما في جعبته من أحكام وأوصاف باعتساف وغشم، صاماً أذنيه ومغمضاً عينيه عن كل ما يقوله أو يكتبه المجاهدون، كحال الذي يتناهى إليه خبرٌ عن عدوه فيطير به فرحاً راجياً أن يكون حقاً ويأبى التحقق منه لأنه لا يريد إلا ذاك،
كما قال الشاعر :
إن يعلموا الخير يخفوه وإن علموا ... شراً أذاعوا، وإن لم يعلموا كذبوا
وكما قال الآخر :
إنْ يسمعوا ريبةً طاروا لها فرحاً ... مني وما سمعوا من صالحٍ دفنوا
صمٌ إذا سمعوا خيراً ذكرتُ به ... وإن ذكرتُ بسوءٍ عندهم أذنوا
فانظر كيف يقول الكاتب عَجِلاً : [لا حاجة بنا أن ننتظر لنعرف من يتبنى مسؤولية هذه الجريمة؛ لأن من فتح الباب مأخوذ بجريرة من يمر منه]
وأنا أقول : إن صاحب المقال وإن لم يصرح باسمه، إلا أن الدكتور ناصر العمر يتحمل جزءا ًمن تبعته [لأن من فتح الباب مأخوذ بجريرة من يمر منه] إن لم يكن هو كاتبه أصلاً، فهل يمكن لمقال طائش كهذا أن يمر وينشر عبر موقعه من غير علمه ولا موافقته ولا إقراره، فليعلموا إذاً أنهم { سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ}[الزخرف/19]
ووالله لولا أن هذا المقال –وإن شئت فقل البيان- برز علينا عبر الموقع المذكور لقلنا إنه أحد بيانات وزارة داخلية آل سعود، ومع ذلك فما زلت أشتم منه هذا الرائحة، وأستشعر فيه هذا النَفَس، فهذا ما يحيك في صدري ولم أجد له مدفعاً، : { وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص/88] وسبتدي لك الأيام ما كنت جاهلاً.
ولعمر الله إن المجاهدين في المغرب الإسلامي وغيره برءاء مما رماهم به صاحب المقال، من الأحكام الظالمة، والدعاوى الآثمة، والتهم الجائرة التي أطلقها بغير علم ولا عدل ولا بينة، وإنما هو تسويد للأوراق، وتكثير لسواد الطاعنين المشنعين على المجهادين، ولستُ أدري أوَ كلما أوتي أحدهم قلما مطاوعاً أو استطاع تشقيق الكلم أرخى الحبل على الغارب وجرجر مطاعنه من كل حدب وصوب ثم تكلف وتعسف في إلصاقها بالمجاهدين ولو اقتضى أمر استحداثها وتطويعها أن يتخذ نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء غير مراعٍ فهم حرمة ولا حمىً؟ والله المستعان.
وقلّما تجد رجلاً يسلط لسانه أوقلمه على المجاهدين بالكذب، والطعن، والاستخفاف، والتهم الباطلة، والتشهير، والتعيير، والتنفير، فيسلم له دينه، ولذا تراه يشق سبيل الضلال جَموحاً شَموساً لا يلوي على شيء، يُذَّكر فلا يتذكر، وينبه فلا يلتفت، وينصح فلا يعبأ، ويُفتَضح ولا يبالي، ويأتي بالأعاجيب التي تضحك الثكالى، وهو مع كل ذلك متمادٍ في إفكه مسترسل في حيفه ، ولا يكاد يمر يوم إلا ويأتي بباقعة هي أكبر من أختها، وهو يحسب أنه على شيء والشواهد على ذلك كثيرة لمن أراد أن يعتبر ويتعظ : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق/37]
***
وبعدها فلنعلم إذاً أن العبارات الهائجة لن تغني عن صاحبها شيئاً، ولئن استطاع أن يثير حفيظة القارئ بقلمه ويستعطفه بتلبيساته فإنه لن يقدر على دفن الحقائق الناصعة ولا تغيير الحق الراسخ البين الذي لا يحتاج إلى حشد الأدلة ولا تكثير الأحرف من أجل تقريره، فقد أسمعت كلماته من به صمم : {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد/17].
فمفتاح القضية بالنسبة للمجاهدين حينما يناقشون هذا الكاتب وأمثاله، هو المطالبة بجواب صريح جريء مفصل، عن حكم النظام الجزائري عنده وعند أمثاله؟ هل ترونه حكماً إسلامياً شرعياً يحكم بكتاب الله وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم أو حتى بالبدع المنسوبة إليهما أو حتى بشطحات الصوفية وخزعبلاتهم؟ أم أنه نظام علماني طاغوتي جاهلي لا ديني كفري قد جمع من نواقض الإسلام - التي تنشرونها وتدرِّسونها وتحذرون منها – ما لا يكاد يحصيه إلا الله؟
وأرجو أن لا يتيه هذا السؤال في دهاليز الفلسفات، والسفسطات، والالتواءات، والمقالات، والتحليلات، والتي خلاصتها أن يبقى محل الجواب شاغراً ومن ثم الجدل قائماً!!
أما المجاهدون وعلى رأسهم من قام بهذه (المجزرة الرعيبة) فإنهم ينادون بملء أفواههم وبصراحة المؤمنين : { الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ}[الأحزاب/39] أن الذي ندين الله به أن هذا النظام نظام علماني جاهلي كافر منزوع الشرعية والولاية محادٌّ لله ولرسوله، فإن وافقتموه على هذا الأصل فذاك هو، وإلا فإنهم ينتظرون جوابكم الآخر ليقولوا ما عندهم بعدها.
ولا نريد الاستطراد هنا فالأمر قد قتل بحثاً من علماء المسلمين الأولين والآخرين، وكلمتهم متفقة مطبقة على أن من اتخذ ياسقاً – وليسمه ما شاء – يحكم به العباد والبلاد، ويفصل به في الدماء، والأعراض، والأموال، والسياسات، فإنه كافرٌ خارجٌ عن ملة الإسلام وذلك لأن [من الكفر الأكبر المستبين، تنزيل القانون اللعين، منزلة ما نزل به الروح الأمين، على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، ليكون من المنذرين، بلسان عربي مبين، في الحكم به بين العالمين، والرّدِّ إليه عند تنازع المتنازعين، مناقضة ومعاندة لقول الله عزّ وجلّ: {فإنْ تنازعتُم في شيءٍ فرُدّوه إلى اللهِ والرسولِ إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسنُ تأويلاً}.](رسالة تحكيم القوانين)
وإننا لا نريد أن نتعلق بأهداب دساتير بالية مرقعة تجعل بعض الدين لله وبعضه لغير الله { فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ}، قد صاغتها الأهواء، وشرعتها الآراء اتباعا للشهوات الزائغة، وأخرجتها الأفكار المريضة، والعقول المتفرنسة، فمهما زُيِّنت وفخمت وعظمت إنْ هي إلا عدولٌ عن الحق الحقيق بالاتباع [إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكزخان، الذي وضع لهم اليَساق وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعًا متبعًا، يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير]( تفسير ابن كثير : 3 / 131)، وتأمل آخر كلام الإمام ابن كثير.
فكيف وقادة هذا النظام وساسته يشهدون على أنفسهم بالكفر إذ يصرحون ويجاهرون بأن نظامهم نظام علماني عصري، ويفتخرون بذلك، ويعدونه من مناقبهم ومن (بركاتهم) التي أفاضوا بها على الجزائر والجزائريين، ورغم ذلك كله فما زال البعض يجادل عنهم ويركب الصعب والذلول لإثبات إسلامهم ويختلق لهم من الأعذار التي لا يرضاها هؤلاء المجرمون لأنفسهم فضلاً عن جعلها عذراً لهم : {وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا} [النساء/107]
وسأنقل في هذا الموطن بعض المقاطع المهمة من كلامٍ للإمام المفسر محمد الأمين الشنقيطي –رحمه الله- عند قوله تعالى : { إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [التوبة/37] حول هذه القوانين التي شاع تشريعها، وانتشر تحكيمها في بلاد المسلمين، وصارت قائمة بينهم، حاكمة في أنفسهم، وأعراضهم، وأموالهم، وسياساتهم، وعلاقاتهم، وأحلها أربَابُها محل الشريعة المحكمة واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير : قال رحمه الله : [فهذه الآية الكريمة من سورة براءة من أصرح النصوص القرآنية في أن كل من اتبع نظاما غير نظام الله، وتشريعا غير تشريع الله، وقانونا غير قانون الله، أنه كافر بالله، إن كان يزعم الإيمان فقد كفر، وإن كان كافرا فقد ازداد كفرا جديدا إلى كفره الأول، والآيات الدالة على هذا المعنى لا تكاد تحصيها في هذا المصحف الكريم، الذي هو أعظم كتاب أنزله الله من السماء إلى الأرض...وسنذكر لكم طرفا من ذلك كما ذكرناه قبل هذا مرارا نبين به أن الحلال هو ما أحله الله، والحرام هو ما حرمه الله، والدين هو ما شرعه الله، وأن كل من اتبع نظاما وتشريعا وقانونا – ولو سماه ما سماه- غير ما أنزله الله في وحيه على نبيه صلى الله عليه وسلم أنه كافر بذلك، فإن كان كافراً قبله ازداد كفراً جديدا إلى كفره الأول، وإن كان يزعم الإيمان فقد جاء بما يكفر به]
وقال –طيب الله ثراه- : [فمن اتخذ تشريعا غير تشريع الله، واتبع نظاما غير نظام الله، وقانونا غير ما شرعه الله –سواء سماه نظاما أو دستورا، أو سماه ما سماه- هو كافر بالله؛ لأنه يقدم ما شرعه الشيطان على ألسنة أوليائه مما جمع من زبالات أذهان الكفرة على نور السماء الذي أنزله الله (جل وعلا) على رسله ليستضاء به في أرضه، وتنشر به عدالته وطمأنينته ورخاؤه في الأرض.
وهذا مما لا نزاع فيه، وهذا الشرك الذي هو شرك اتباع، اتباع قانون ونظام وتشريع هو الذي يوبخ الله مرتكبه يوم القيام على رؤوس الأشهاد في سورة يس في قوله تعالى : { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ...} [يس/60] ما عبدوا الشيطان بأن سجدوا للشيطان، ولا صاموا له ، ولا صلوا ، وإنما عبادتهم للشيطان هي اتباع ما سن لهم من النظم والقوانين من الكفر بالله ومعاصي الله.]
وقال –رحمه الله- [فهذه الآيات الكريمة تدل على أن كل من يتبع نظاما غير نظام الله وإن سماه قانونا، أو دستورا، أو سماه ما سماه فهو كافرٌ بالله، ولو كان كافرا قبل ذلك وارتكب شيئا يعلم أن الله حرمه، فحلل ما يعلم أن الله حرمه، أو حرم ما يعلم أن الله حلله، فإنه ولو كان كافراً قبل هذا يزداد بذلك كفرا جديدا إلى كفره الأول، كما قال هنا {إنما النسيء زيادة في الكفر} وهذا معروف لا نزاع فيه بين العلماء، فالحلال هو ما أحله الله، والحرام هو ما حرمه الله، والدين هو ما شرعه الله، ولا تشريع إلا لله، لأن التشريع والأمر والنهي لا يكون إلا للسلطة التي ليس فوقها شيء، والله جل وعلا هو خالق هذا الخلق، وخالق النعم التي أنعم بها عليه، فهو الملك فلا يرضى أن يأمر فيه غيره وينهى، بل الأمر له وحده، والنهي له وحده، والتشريع له وحده، فكل مشرع دونه ضال،وكل متبع تشريعا غير تشريعه فهو كافر به –جل وعلا-وقد بين الله جل وعلا في آيات كثيرة هذا المعنى]
وقال أيضا : [وأقسم الله جل وعلا في آية من كتابه أنه لا يؤمن أحد حتى يكون متبعا في قرارة نفسه لما جاء به سيد الرسل محمد صلوات الله وسلامه عليه وذلك بقوله : {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء/65] هذا قسم من الله أقسم به {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} فما ظنكم بالذين يحكمون فيما شجر بينهم قانون نابليون وما جرى بعده من زبالات أذهان الكفرة؟ ألا ترون أن الله أقسم في هذه الآية من سورة النساء أنهم لا يؤمنون؟ ومن أصدق من الله قيلا ومن أصدق من الله حديثا؟]
وقال -رحمه الله- بعدما ذكر بعض صفات من له حق الحكم : [هذه صفات من له الحكم، أما الكفرة الفجرة الخنازير أبناء الكلاب فليس لهم أن يحكموا في بلاد الله، ولا في عباد الله، ويحرموا ما شاؤوا ويحللوا ما شاؤوا، فمتبعهم هو أعمى الناس بصيرة وأضلهم سبيلا.
خفافيش أعماها النهار بضوئه...فوافقها قِطع من الليل مظلم]
وأخيراً قال رحمه الله : [أما القوانين والنظم الملتقطة من زبالات أذهان الكفرة الفجرة فلا يتبعها ويعتقدها ويحكمها في أموال المجتمع وعقوله وأنسابه وأديانه وأعراضه إلا من أعمى الله بصائرهم، ومن أعمى الله بصيرته فلا حيلة له {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور/40].](العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير).
فهل تجاوز النظام الجزائري شيئاً مما ذكره العلامة الشنقطي رحمه الله في حق مشرعي ومحكّمي القواني الوضعية التي أنتجتها زبالات أفكار الكفرة الفجرة الخنازير أبناء الكلاب؟!!
كيف ونواقض الإسلام التي اقترفها ويقترفها هذا النظام لا تتوقف عند حد التشريع والحكم بغير ما أنزل الله، وقائمة جرائمه وصياله على الأنفس والأعراض والأموال لا تكاد تقل عن قائمة فرعون وهامان وجنودهما : {إنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [القصص/4]
***
وهنا حقيقة يغفل عنها الكثيرون ممن يقررون مسألة الخروج على الحاكم الكافر، والتي وقع الإجماع على أن الولاية لا تنعقد له ولا يقر عليها بحال، وذلك أن مسألتنا المعاصرة سواء في الجزائر أو في غيرها، ليست هي مجرد ارتداد حاكم بارتكابه ناقضاً من نواقض الإسلام الخاصة به كتركه للصلاة، أو لاستحلاله الخمر، أو غير ذلك، وإنما أصبحت هذه الدول بهيئتها وشخصيتها وكيانها الكلي تقوم على أصول الكفر وأسس الردة والتمرد على الحق، نابذة قاعدة الاستسلام للشرع والإذعان لأحكامه وراءها ظهريا، ولذلك تراها لا تتأثر بذهاب طاغية ومجييء آخر، بل الدولة هي هي، بدستورها (ياسقها)، ومؤسساتها، وأجهزتها، وسياساتها، وقوانينها، ونُظمها، وما قد يحصل فيها من تغييرات أو (انفتاح) يسعد به البعض، فهو لا يخرج عن الإطار العام الذي يلتزمه الجميع ألا وهو الخضوع للدستور واحترام التشريعات العامة التي لا تمت للإسلام بصلة لا من قريب ولا من بعيد، فالأمر لم يعد متعلقاً فقط بالخروج على فردٍ حاكمٍ ارتد من أجل إسقاطه، وإنما باقتلاع جذور هذا النظام الجاهلي الطاغوتي الذي ضرب بجرانه في المجتمعات المسلمة وصارت ترزح تحته وتغوص في أعماقه، والسعي لإرجاع الدولة بكاملها إلى الاستسلام للإسلام والانقياد لأحكامه والإقرار بسيادته وسلطته وهيمنته، وهذه المسألة لا بد أن يدركها المجاهدون تمام الإدراك وأن يتعمقوا في فهمها وهو أن سعيهم اليوم لم يعد مقتصراً على مجرد (الخروج على الحاكم الكافر) وإنما الخروج على النظام والقانون والحكم والتشريع الكافر الذي تمرد بكليته على دين الله وتشريعه وأحكامه وزحزحه وحلّ مكانه.
وحينئذ فلا حاجة إلى الخوض الكثير في مسألة كفر الحاكم بغير ما أنزل الله واشتراط الاستحلال من عدمه والذي صدَّع بها المرجئة المعاصرون الرؤوس، وألفوا فيها الكتب، وكتبوا الأبحاث، وأخرجوا الرسائل في تقريرها وجمع المتشابهات لتأكيدها، فالأمر أكبر من ذلك بكثير وهو راء ما ينظرون ويُنظِّرون، إذ أن هذه الدول قد اتخذت لنفسها مرجعية غير مرجعية الإسلام أصلاً، وسلكت في إصدار تشريعاتها وقوانينها ومراسيمها سبيلاً غير سبيل المؤمنين، وأقامت دعائمها على أصول وقواعد وأسس قنَّنتها وصاغتها بمعزل تام عن شريعة الرحمن التي تقوم أول ما تقوم على قاعدة التسليم والانقياد والطاعة.
وما أشبه حال هذه الدول المتمردة على الله بِمَن وصفهم الإمام ابن عقيل الحنبلي من عباد القبور بقوله : [لما صعبت التكاليف على الجهال والطغام عدلوا عن أوضاع الشرع إلى أوضاع وضعوها لأنفسهم، فسهلت عليهم، إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم - قال - وهم عندي كفار بهذه الأوضاع](تلبيس إبليس 480).
قال العلامة أبو بكر الجصاص الحنفي -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى : {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء/65]
[وفي هذه الآية دلالة على أن من رد شيئاً من أوامر الله تعالى أو أوامر رسوله صلى الله عليه وسلم فهو خارج من الإسلام، سواء رده من جهة الشك فيه، أو من جهة ترك القبول والامتناع من التسليم، وذلك يوجب صحة ما ذهب إليه الصحابة في حكمهم بارتداد من امتنع من أداء الزكاة وقتلهم وسبي ذراريهم؛ لأن الله تعالى حكم بأن من لم يسلم للنبي صلى الله عليه وسلم قضاءه وحكمه فليس من أهل الإيمان]( أحكام القرآن :4 / 452).
فبمجموع هذا المزيج العفِن تكوّنت شخصية الدول الحاكمة المعاصرة وهو يوضح حقيقة هويتها وانتمائها أصلاً وفرعاً والله المستعان.
فانظر مثلاً كم تعاقب على الجزائر من الطغاة منذ تنحي الشاذلي بن جديد وإلى يومنا، ومع ذلك فالنظام هو النظام، والقانون هو القانون، والدستور هو الدستور، والدولة هي الدولة، والجاهلية هي الجاهلية، وهكذا غيرها من الدول التي مات أو قُتل أو عزل رؤساؤها وملوكها تراها باقية على أصولها الجاهلية وتمردها على الحق سواء في السياسة، أو الاقتصاد، أو الاجتماع، أو القضاء، أو الإعلام، أو العلاقات، أو النظم والقوانين والتشريعات : {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف/146]
فالمجاهدون في الجزائر وغيرها، حينما يقاتلون هذه الأنظمة التي أقيمت دعائمها على الكفر والأهواء ليس مقصدهم فقط أن يزيحوا هذا الطاغية أو ذاك، فما هذا في نظرتهم إلا جزء من التغيير العام والانقلاب الكلي الذي تزال معه أنظمة الجاهلية بكليتها ويقام على أنقاضها شرع الله حتى يدخل كل شيء في السلم كافة ولا يشذ عنه شاذٌ.
وإلا فلا أحسب أن العلماء الأوائل –رحمهم الله- وهم يقررون مسألة الخروج على الحاكم إذا كفر ويبينون أهمية ذلك، ويحذرون من خطر بقائه، لا أحسب أنهم ظنوا أن الأمر سيُختَلف فيه حينما يتعلق الأمر (بنظام حكم) كامل يقوم على غير شريعة الله، وأصولُه وجذوره التي يعتمد عليها وينبثق منها لا تمت إلى الإسلام بصلة، فكما قال العلامة محمود شاكر –رحمه الله- [والذي نحن فيه اليوم هو هجر لأحكام الله تعالى عامّة بلا استثناء، وإيثارُ أحكامٍ غير حكمه في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وتعطيلٌ لكل ما في شريعة الله تعالى، بل بلغ مبلغ الاحتجاج على تفضيل أحكام القانون الموضوع على أحكام الله تعالى المنزلة]
ومن هنا يعلم المجاهدون –بل كل الدعاة - أن مهمتهم ليست بالهينة وأن العبء عليهم ثقيل، ولكن لا سبيل لهذا التغيير (الكلي) الجذري والانقلاب التام، واقتلاع جذور النظام الجاهلي إلا بالقتال في سبيل الله، وتقديم تضحيات باهظة، مع التزود بالتقوى، والصبر، وحسن التدبير، وإحكام التخطيط، مع التوكل التام على الله تعالى، فالمسألة مسألة صراع حقيقي عملي محتدم بين جاهلية متمكنة مسلحة متوحشة وبين قلة لا تجد لها عن سبيل الجهاد محيصا وتقف أمم الكفر كلها لصدها ولكن : {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة/249]
***
ويتفرع عن هذا التقرير القول بأن هذه الطوائف من درك، وجيش، واستخبارات، وغيرها، والتي يشن عليها المجاهدون الغارة كلما وجدوا إلى ذلك سبيلاً، هي أعمدة هذا النظام الجاهلي وأركانه وقوامه، ولولاها لما كان له وجود، ولا سلطان، ولا سطوة، ولا تأثير، ولا تدبير، فمن العبث أن يسعى الساعون لإزالة حكم مستقر متمكن متسلط دون أن يتعرضوا لهذه الطوائف التي وقعت لها تلك [المجازر الرعيبة التي ينفذها القتلة في الجزائر] التي هزت وجدان الكاتب فشحذ قلمه ليسطر تلك الكلمات النابية التي سلخ بها المجاهدين سلخاً وأخرج كل ما في قاموسه من الألقاب والمعايب فألصقها بهم.
فقتال المجاهدين لهذه الطوائف ليس فقط لأنها تقوم بحماية (الملِك) أو (الرئيس) أو (القائد) أو (الحاكم) وإنما لأن النظام الجاهلي المفروض على الناس والذي لا يجدون مخْلَصاً منه وانفكاكاً من شراكه إنما استمد قوته وفرض نظامه وأجرى أحكامه بشوكة وحماية هذه الطوائف التي تضحي بكل ما تستطيع من أجل إبقائه وإلزام الناس به وإجبارهم على احترامه ومنعهم من الخروج عنه أو عليه.
فمن السذاجة إذاً أن ننظر إلى هذه الطوائف ذات الشوكة والقوة والصولة والطغيان والتنظيم والأهداف والقوانين على أنها مجرد أفراد آحاد ينتسبون إلى الإسلام انتساباً عاماً يحرم قتلهم وقتالهم من غير النظر إلى موقعهم في هذا النظام الجاهلي المفروض على الناس، ومن دون اعتبار مهامهم التي أوكلت إليهم، والجرائم الكبرى –ومن أعظمها إقامة كيان نظام الحكم الجاهلي وحمايته- التي يقترفونها لحظة بلحظة في حق الأمة والدين.
فهذه الأجهزة كالجيش، والشرطة، والدرك، والاستخبارات، وغيرها تعد جزءاً من منظومة النظام الجاهلي العام الذي يحكم بلاد والمسلمين ومكوِّناً من مكوناته، بل لا وجود له ولا قيام ولا سلطة، ولا تمكين بدونها، وكل جهاز من هذه الأجهزة قد حددت له أهداف واضحة، وصيغت لضبطه قوانين محكمة، وأسندت إليه تكاليف صريحة، بمجموعها تصب في قناة واحدة ألا وهي إقامة وحماية وتعزيز نظام الحكم الجاهلي، سواء سميت تلك الأهداف فرض القانون، أو ضبط النظام، أو تعزيز الأمن، أو حماية الحدود، أو نشر الديمقراطية، أو احترام الدستور، أو غير ذلك، فخلاصتها بالمفهوم الشرعي الصريح : [الالتزام بأن لا يكون الدين لله، وقهر الناس على قبول نظام جاهلي واحترامه والحكم به والاحتكام إليه] ..[فإذا كان بعض الدين لله وبعضه لغيره كان في ذلك من الشرك بحسب ذلك]( اقتضاء الصراط : 1 / 452) ، [والدين هو الطاعة فإذا كان بعض الدين لله وبعضه لغير الله وجب القتال حتى يكون الدين كله لله](مجموع الفتاوى : 28 / 544).
إذاً عندما يقول الكاتب : [والذين حصدوا أرواح أكثر من سبعين مسلماً وجرحوا العديد غيرهم خلال عمليات متزامنة جرت هذا الأسبوع]، إن كان يقصد بهؤلاء السبعين مسلماً الذين حُصدت أرواحهم، هم من عوام المسلمين، فعندها سنكون أول من ينكر هذه (الجريمة) ونقول كما قال النبي صلى الله عليه وسلم [اللهم إنا نبرأ إليك مما صنع خالد]، ولكن أنى للكاتب وأمثاله أن يثبتوا تلك الدعوى العريضة الخاوية، ومن أين له بهذه الإحصائية لقتلى (عوام المسلمين) إلا ركن الكذب والدجل والمخازي أعني وزارة الداخلية.
ولذلك لسنا نتردد طرفة عين، ولا يخالجنا أدنى شك في براءة إخواننا المجاهدين –سددهم الله- من هذه اللوثة المفتراة -كما برءوا أنفسهم- فهم عندنا أتقى وأنقى وأورع وأرفع وأصدق من أن يتعمدوا قتل مسلمٍ أو يتقصدوا سفك دمه، وبياناتهم (اليتيمة) التي لم تحظ بالنشر في الفضائيات لهي أثبت وأوثق وأدق عندنا من وسائل إعلام الدجل مجتمعة مهما أتت من زخارف القول والفعل ما تموه به كذبها وتضليلها وتدجيلها.
وأما إن كان الكاتب يقصد بالأرواح التي حصدت والتي بلغت سبعين (مسلماً) هم من أعضاء تلك الطوائف التي أشرنا إلى بعض جرائمها ومهامها فنعمَّا الحصدُ حصدهم، وأكرم به من قتل وأنعم به من قتال : {فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا}[النساء/91] فعلى نفسها جنت براقش، فهم الذين أنزلوا أنفسهم هذا المنزل المتردي الذي نسفوا به دين الإسلام نسفاً، وصيروا أحكامه وأعلامه يباباً خراباً، وأفسحوا المجال لكل ناعق زنديق يرتع في شرائعه كما شاء وبما شاء، وحمَوا ويحمون عصابات التنصير التي ما فتئت تخرج الناس من عقيدة التوحيد إلى ضلالات التثليث ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولسنا في هذا الموطن نتحدث عن حكم أفراد هذه الطوائف، وهل هم كفارٌ مرتدون، أم لا؟ وإنما المقصود هو الإشارة إلى أن قتالهم بصفتهم طوائف ممتنعة عن شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة قد صار واجباً باتفاق العلماء المحققين الذين يقررون أحكام هذه المسألة بالأدلة الشرعية الخالصة التي لا تشوبها العواطف القلبية ، ولا الميول النفسية، ولا اللحمة القومية، ولا النظرة الوطنية.
عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال : [لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر وكفر من كفر من العرب قال عمر : يا أبا بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله فمن قال : لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله " . قال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها . قال عمر : فوالله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق] متفق عليه.
فهذه طائفة من الطوائف ظهرت في أفضل القرون، وبين أعلم الناس، وأفقههم، وأورعهم، وأعرفهم بالحق، وأحرصهم على اتباعه، وبينهم خير الخلق بعد الأنبياء، ولم تزد هذه الطائفة على أن منعت زكاتها (متأولين) في ذلك، ومنتزعين حكم امتناعهم من آية في كتاب الله وهي قوله تعالى : {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[التوبة/103] وهذا يعني أن هناك نوعاً من الاستسلام والانقياد للشرع لم يزل قائماً في قلوبهم ولم يتعمدوا التحلل من الشرع ولا استحلال محرماته والتنكر لأحكامه، ولا عدم المبالاة به، إلا أن تأويلهم ذلك لم يكن سائغاً، ومع ذلك فقد أطبقت كلمة الصحابة رضوان الله عنهم على قتالهم بعد المناظرة اليسيرة التي جرت بين العُمرين رضي الله عنهما وعلى ذلك مضى قول العلماء الأجلاء، قال شيخ الإسلام -رحمه الله- : [وقد اتفق الصحابة والأئمة بعدهم على قتال مانعي الزكاة وإن كانوا يصلون الخمسة، ويصومون شهر رمضان، وهؤلاء لم يكن لهم شبهة سائغة؛ فلهذا كانوا مرتدين، وهم يقاتَلون على منعها وإن أقروا بالوجوب كما أمر الله، وقد حكي عنهم أنهم قالوا إن الله أمر نبيه بأخذ الزكاة بقوله : " خذ من أموالهم صدقة" وقد سقطت بموته](مجموع الفتاوى : 28 / 519).
وقال الإمام ابن كثير –رحمه الله- عند تفسيره للآية المذكورة : [ولهذا اعتقد بعض مانعي الزكاة من أحياء العرب أن دفع الزكاة إلى الإمام لا يكون، وإنما كان هذا خاصًا برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا احتجوا بقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ } وقد رَدَّ عليهم هذا التأويل والفهم الفاسد الصديق أبو بكر وسائر الصحابة، وقاتلوهم حتى أدوا الزكاة إلى الخليفة، كما كانوا يُؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم]( تفسير ابن كثير : 4 / 207).
بل قيل إن منهم من امتنع عن دفعها إلى الصديق رضي الله عنه فقط، ومع ذلك فما وجدوا منه إلا السيف إلى أن ردهم إلى الحق الذي شردوا منه وأقامهم على المحجة التي حادوا عنها، قال الإمام ابن كثير –رحمه الله- : [وجعلت وفود العرب تقدم المدينة يقرون بالصلاة ويمتنعون من أداء الزكاة، ومنهم من امتنع من دفعها إلى الصديق، وذكر أن منهم من احتج بقوله تعالى : "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم" قالوا فلسنا ندفع زكاتنا إلا إلى من صلاته سكن لنا]( البداية والنهاية : 6 / 311).
بل قيل إن بعضهم جمع زكاته وأراد إرسالها إلى أبي بكر إلا أن رؤساءه منعوه من ذلك، وأخذوها منهم وفرقوها في قومهم وهؤلاء هم الذين وقعت الشبهة لعمر في حقهم كما قال الإمام الخطابي –رحمه الله- : [وقد كان في ضمن هؤلاء المانعين للزكاة من كان يسمح بالزكاة ولا يمنعها إلا أن رؤساءهم صدوهم عن ذلك الرأي، وقبضوا على أيديهم في ذلك كبني يربوع، فإنهم قد جمعوا صدقاتهم، وأرادوا أن يبعثوا بها إلى أبي بكر رضي الله عنه، فمنعهم مالك بن نويرة من ذلك، وفرقها فيهم وفي أمر هؤلاء عرض الخلاف ووقعت الشبهة لعمر رضي الله عنه فراجع أبا بكر رضي الله عنه]( شرح النووي على مسلم : 1 / 91).
فإذا كان هذا هو حكم الله الذي اتفق عليه الصحابة رضوان الله عليهم والعلماء تبعٌ لهم في ذلك، وفي حق طائفة تقر بكل شرائع الإسلام وتلتزم القيام بها، إلا شريعة واحدة تركتها بتأويل، فيكف بهذه الطوائف التي لا تقيم للإسلام وزناً، ولا يعنيها أوَافقت أحكامه أم خالفته، وتنكرت لجل شرائعه، وتعمدت ردها ومعارضتها ودفعها، ولم تكتف بمجرد الترك والامتناع -ولو بغير تأويل- بل بادرت بشن حربٍ ضروس على كل من يسعى لإقامة الدين ويجتهد في نشره ويحاول تحكيمه، فشتان بين هؤلاء وأولئك، فإن مانعي الزكاة لم يبدأوا الصديق بقتال، ولم يشنوا الغارة على المدينة، وإنما اكتفوا ابتداء بمنع أدائها ولهذا قال عمر رضي الله عنه [كيف تقاتل الناس]، أما طوائف العصر ومنهم هؤلاء الذين حصدت أرواحهم في الجزائر فهم من أشد الطوائف حرباً للإسلام، وتنكيلاً بأهله، ومطاردة لدعاته، وبغضاً للمؤمنين الموحدين، وتعظيماً وتبجيلاً للكفرة الملحدين، وتعطيلاً لأحكام الدين، واستئصالاً لشرائعه، فلا هم أقاموه ولا تركوا من يقيمه بل ألزموا الناس بالتخلي عنه وقهروهم على الدخول في (دين الملك)، فإذا ذُكِر الحق، وسمِعوا الدعوة إلى الهدى نفروا كالحُمُر، واستنفروا وصعروا خدودهم، وثنوا عطفهم، وإذا ذكر الغرب وحضارته، والكفر وديمقراطيته أقبلوا مبشرين مستبشرين، يمدحون أهله، ويوقرون أربابه، ويبجلون أقطابه، فحالهم كما قال تعالى : { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الزمر/45]
قال الأستاذ –سيد قطب- رحمه الله عند هذه الآية : [والآية تصف واقعة حال على عهد النبي صلى الله عليه وسلم حين كان المشركون يهشون ويبشون إذا ذكرت آلهتهم؛ وينقبضون وينفرون إذا ذكرت كلمة التوحيد. ولكنها تصف حالة نفسية تتكرر في شتى البيئات والأزمان. فمن الناس من تشمئز قلوبهم وتنقبض نفوسهم كلما دعوا إلى الله وحده إلهاً، وإلى شريعة الله وحدها قانوناً، وإلى منهج الله وحده نظاماً. حتى إذا ذكرت المناهج الأرضية والنظم الأرضية والشرائع الأرضية هشوا وبشوا ورحبوا بالحديث، وفتحوا صدورهم للأخذ والرد. هؤلاء هم بعينهم الذين يصور الله نموذجاً منهم في هذه الآية، وهم بذاتهم في كل زمان ومكان. هم الممسوخو الفطرة ، المنحرفو الطبيعة، الضالون المضلون ، مهما تنوعت البيئات والأزمنة، ومهما تنوعت الأجناس والأقوام.]( في ظلال القرآن : 6 / 238).
ولا يبعد حالهم عن حال من قال الله فيهم : {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الحج/72]
ومع ذلك فمعلومٌ بالاضطرار من حالهم أنهم لا يرتكبون مخازيهم لا بتأويلٍ سائغ ولا غير سائغ وإنما هو ركوب الأهواء، واتباع الشهوات، والتباهي بالانتماء لحضارة الغرب، والركض وراء الدينار والدولار و (الفرنك)، والحرص على الجاه والشهرة والشارات والرتب والمناصب : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}[النحل/107].
فبأي تأويل استحلوا الربا وشادوا صروحه وقننوا معاملاته إلا أن تكون حجة أسلافهم الذين : { قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا}[البقرة/275]
وبأي تأويل عطلوا حدود الشرع كاملة كحد الزنى، وحد السرقة، وحد الخمر وغيرها، وأقاموا لبعضها عقوبات شكلية بقيود وآصار وإغلال ما أنزل الله بها من سلطان، فهل سمعتم زانياً رجم أو جلد، أو سكيراً حُدَّ، أو سارقاً قطع؟
بل بأي تأويل تبرأوا من شريعة الله تعالى وتنكروا لها، وأقبلوا بعقولهم وقلوبهم وأفكارهم على شرائع الشياطين يدرسونها ويدرِّسونها ويشرعونها ويحكمونها ويفرضونها على الخلق؟
فمن أراد أن يبرأ ساحة هؤلاء المجرمين فهو بين أمرين : إما أن ينكر تلبسهم بهذه الجرائم والمخازي و(النواقض) وأضعاف أضعافها فينادي على نفسه بالعته والسفه، وإما أن يختلق لهم من الأعذار، ويوجد لهم من التأويلات (السائغة) ما يكون حجة لهم في كل ما خالفوا فيه الحق وناقضوا معه الشرع ودون ذلك خرط القتاد بالليل.
فإذا كان هؤلاء هم المسلمين الذين قصدهم الكاتب وفجع لمقتلهم وتباكى على حصدهم، فليقم النوح إذاً على قتلى (مانعي الزكاة)، وليضرب لهم أروقة العزاء والفجيعة فهم أحق بذلك وأولى، إذ هم أقرب إلى عهد النبوة، وفعلوا ما فعلوا بتأويل، والتزموا كل شرائع الإسلام الأخرى، ولم يبدأوا الصديق ومن معه بقتال، ولم يلزموهم بترك شيء من شرائع الإسلام، ولم يقيموا نظاماً طاغوتياً جاهلياً يحكمون به ويتحاكمون إليه، ولم يجندوا أنفسهم لحمايته وصيانته ونشره، ولم يوالوا أعداء الله ويناصروهم على المسلمين، ولم ينشؤوا مسالخ يمزقون فيها أجساد مَن قالوا ربنا الله ثم استقاموا، ولم يتعرضوا للأبرياء والعزل والضعفاء بشن (الحروب القذرة) التي بقرت فيها بطون الحوامل وشويت لحوم الأطفال ورضت رؤوس الشيوخ، ولم يعرِّض أحدٌ منهم بسب الرب فضلاً عن التصريح به وشيوعه بينهم، ومع ذلك فقد أعمل أبو بكر –والصحابة معه – فيهم السيف و(حصدوا) منهم نفوساً كثيرة ، فأين الثرى من الثريا وأين الضريح من الضراح؟!
فتأمل كلام شيخ الإسلام –رحمه الله- وهو يتحدث عن التتار وبعض صفاتهم، وكأنه يصف تتار العصر وهي هذه الطوائف الممتنعة التي حصد منها من حصد في ثكنات الإجرام والردة بالجزائر : [وكل من قفز إليهم من أمراء العسكر وغير الأمراء فحكمه حكمهم وفيهم من الردة عن شرائع الإسلام بقدر ما ارتد عنه من شرائع الإسلام وإذا كان السلف قد سموا مانعي الزكاة مرتدين مع كونهم يصومون ويصلون ولم يكونوا يقاتلون جماعة المسلمين فكيف بمن صار مع أعداء الله ورسوله قاتلا للمسلمين مع أنه والعياذ بالله لو استولى هؤلاء المحاربون لله ورسوله المحادون لله ورسوله المعادون لله ورسوله على أرض الشام ومصر فى مثل هذا الوقت لأفضى ذلك إلى زوال دين الإسلام ودروس شرائعه]( مجموع الفتاوى : 28 / 531).
فمن أعظم نعم الله تعالى على إخواننا المجاهدين في المغرب الإسلامي أن قيضهم لقتال هذه الطوائف المجرمة، واستعملهم في إحياء سيرة الصديق فيهم، وأجرى على أيديهم سنته التي لا تتخلف، وذلك بالإتيان بقوم من أهل الإيمان كلما نبغت طائفة من أهل الردة والطغيان يقيمهم لقتالهم ويرد بهم عاديتهم وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[المائدة/54]
قال شيخ الإسلام –رحمه الله- : [وما أنزل الله فى القرآن من آية إلا وقد عمل بها قوم وسيعمل بها آخرون، فمن كان من الشاكرين الثابتين على الدين الذين يحبهم الله عز و جل ورسوله، فإنه يجاهد المنقلبين على أعقابهم الذين يخرجون عن الدين ويأخذون بعضه ويدعون بعضه، كحال هؤلاء القوم المجرمين المفسدين الذين خرجوا على أهل الأسلام وتكلم بعضهم بالشهادتين وتسمى بالإسلام من غير التزام شريعته]( مجموع الفتاوى :28 / 413).
وإنا لنرجوا لهم أن يكونوا من الطائفة المنصورة الظاهرة على الحق من أهل الغرب كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : [لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة]رواه مسلم.
قال شيخ الإسلام رحمه الله : [وكل ما يغرب عن الشام من مصر وغيرها فهو داخل فى الغرب]( مجموع الفتاوى : 28 / 532).
***
وبالجملة فإن حكم قتال الطائفة الممتنعة ولو عن شريعة واحدة من شرائع الإسلام الظاهرة متفقٌ عليه بين العلماء، ولا يمنع من قتالهم نطقهم بالشهادتين، ولا التزامهم بشرائع الإسلام الأخرى، فكيف بالطوائف التي امتنعت عن معظم شرائع الإسلام ونبذت كتاب الله وراءها ظهرياً، وجاهرت بحربها على تلك الشرائع، وحرست كل القوانين والنظم والمراسيم التي تصادم شريعة الله وتناقض أحكامه، بل وأجبرت الناس على احترامها والتزامها وتقديسها، ولم تزل تحارب وتنكل بكل من خالفها فتستحل دمه، وماله، وعرضه، وتصب عليه من العذاب ما لا يخطر على بال، فهل هذه الطوائف بهذه الصفات التي علمت من أحوالهم بالاضطرار إلا عدوٌ صائلٌ يفسد الدين والدنيا، وانظر إلى آثارهم على البلاد والعباد لترى مدى الفساد الذي جروه عليهم، فهدموا العقائد، وحطموا الأخلاق، وأهلكوا الاقتصاد، ونهبوا الأموال، ونشروا الظلم، واسبتاحوا المحرمات، وهتكوا أستار الحياء، ونشروا الفاحشة في الذين آمنوا، واتخذوا دينهم لعباً ولهواً، واتخذوا آيات الله هزواً، وحاربوا وأبعدوا الذين يأمرون بالقسط من الناس، وقربوا وأيدوا الذين يتبعون الشهوات ليُميلوا الخلق عن الحق ميلاً عظيماً، وغير ذلك من الفساد العريض والشر المستطير الذي جرّه دين الجاهلية وقننته مؤسساته، وحرسته ودافعت عنه وفرضته أجهزته و(طوائفهم الممتنعة) حتى صار وجه البلاد شاحباً مظلماً من فرط ما فشا فيه من الكفر والفسوق والعصيان، وظهر الفساد في البر والبحر والجو، وحل بها من الفقر والشر والضنك والذلة والمسكنة ما عرفه القاصي والداني، وغدا المرء لا يأمن فيها لا على دينه، ولا نفسه، ولا عرضه، ولا أهله، ولا ماله، فأي شهادتين تلك التي ستعصم طوائف تقترف كل هذه الجرائم والعظائم، وتوقف نفسها لنشرها وفرضها وتشريد من يحاول رفضها، وهل خلقنا لنكون عبيداً لهؤلاء العبيد لا نملك أمامهم إلا الاستكانة والاستسلام والخضوع والمداهنة؟
[فيا معشر العُقلاء! ويا جماعات الأذكياء وأولي النهى!
كيف ترضون أنْ تجري عليكم أحكامُ أمثالكم، وأفكارُ أشباهكم، أو مَن هم دونكم، مِمّن يجوز عليهم الخطأ، بل خطأهم أكثرُ من صوابهم بكثير، بل لا صواب في حُكمهم إلاّ ما هو مُستمدٌّ من حُكم اللهِ ورسولهِ، نصًّا أو استنباطًا؟!!
تَدَعونهم يحكمون في أنفسكم ودمائكم وأبشاركم، وأعراضكم وفي أهاليكم من أزواجكم وذراريكم، وفي أموالكم وسائر حقوقكم!! ويتركون ويرفضون أن يحكموا فيكم بحُكم الله ورسوله، الذي لا يتطرّق إليه الخطأ، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد!!
وخُضوع الناس ورضوخهم لحكم ربِّهم خضوعٌ ورضوخٌ لِحُكم مَنْ خلقهم تعالى ليعبدوه.. فكما لا يسجدُ الخلقُ إلاّ للهِ، ولا يعبدونَ إلاّ إياه ولا يعبدون المخلوق، فكذلك يجب أن لا يرضخوا ولا يخضعوا أو ينقادوا إلاّ لحُكم الحكيم العليم الحميد، الرءوف الرحيم، دون حُكم المخلوق، الظلوم الجهول، الذي أهلكته الشكوكُ والشهواتُ والشبهات، واستولت على قلوبهم الغفلة والقسوة والظلمات.
فيجب على العُقلاء أن يربأوا بنفوسهم عنه، لما فيه من الاستعباد لهم، والتحكم فيهم بالأهواء والأغراض، والأغلاط، والأخطاء، فضلاً عن كونه كفرًا بنصِّ قوله تعالى: {ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فأُولئكَ هُمُ الكافِرونَ}.](رسالة تحكيم القوانين للعلامة محمد بن إبراهيم رحمه الله)
وهذا الرفض، وإباء الخضوع لتلك الأحكام، والتحرر من استعبادها، لن تستجلبه المظاهرات ، ولا الإضرابات ، ولا المؤتمرات، ولا المقالات، ولا التنديدات، ولا الاستجداء، ولا التوسل، ولا التسول، ولا إنشاء المنظمات الخيرية، ولا مؤسسات حقوق الإنسان، لأنه تحريرٌ لمجتمعات من ربقة العبودية للعباد، إلى عبادة رب العباد، وذلك لن يكون إلا بمقابلة الشر المسلح بالحق المسلح، وإقامة سوق البذل والتضحية والبطولات، والتنصل من كل علائق الدنيا وعوائقها، ورفع راية الجهاد وخوض معامع الجلاد، وكسر شوكة هؤلاء الفاسدين المفسدين، بدك معاقلهم، ونسف ثكناتهم، وتدمير معسكراتهم، والكمن لقوافلهم، واقتحام مراكزهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله
وكُنْت إذا قَوْمٌ غَزَوْني غَزَوْتُهمٍ ... فهَل أنا في ذا يا لَهَمدان ظـالمُ
مَتَى تَجْمَع القَلْب الذَّكي وصارِماً ... وأَنْفـاً حَميـاً تَجْتَنِبْك المَظَالـم
فلا صُلْحَ حتَّى تُقْرَعَ الخيلُ بالقَنا ... وتُضْرَبَ بالبيضِ الرِّقاق الجَماجمُ
يتبع..
مركز الفجر للإعلام
يقدم
http://img399.imageshack.us/img399/9182/52649437rl8.gif
كتاب
[ دفعُ الملام - عن مجاهدي مغرب الإسلام ]
للشيخ الفاضل / أبو يحيى الليبي - حفظه الله -
http://img401.imageshack.us/img401/4393/40575461ar2.jpg
للتحميل
بصيغة word
http://www.uuploadit.com/users/alfaj...Al%20malam.doc (http://www.uuploadit.com/users/alfaj...Al%20malam.doc)
بصيغة pdf
http://www.uuploadit.com/users/alfaj...Al%20malam.pdf (http://www.uuploadit.com/users/alfajr/Daf3%20Al%20malam.pdf)
وإليكم الرد مُفرّغاً :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد :
فبعبارات قاسية، وألفاظ طائشة، وأحكام جائرة نشر موقع الدكتور ناصر العمر مقالاً يعلق فيه على التفجيرات الأخيرة التي قام بها إخواننا المجاهدون في الجزائر، والتي هزت كيان نظام الردة وعرَّفت جنرالات فرنسا ولقطاءها أن الشعب الذي قدم أكثر من مليون شهيد لطرد أسيادهم لا يزال مستعداً لأن يقدم مثلها وبسخاء ورضاء لتعلو راية التوحيد التي استلبها العملاء، وضيعها الخونة، وعبث بها الجشعون، وليعرف الجميع أنه لا فرق في عقيدة الإسلام وأحكامه بين نصراني جلد قطع البحار والقفار وأجلب بخيله ورجله على بلاد الإسلام وبين من (يلينا) من أنصارهم، وأعوانهم، وردئهم الذين يقفون آثار أربابهم حذو القذة بالقذة حتى ولو ارتكبوا شر كفر لارتكبوه معهم ولم يبالوا : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الحشر/11]
ولما رأيت كاتب المقال قد ألقى الأحكام بلا كيل، ومال في إطلاقها كل الميل، ورمى التهم جزافاً بغير بينة ولا شاهد –إلا أن يكون عنده وزير الداخلية الجزائري ثقة ثبتاً عدلاً رضىً- وأرخى العِنان لقلمه الطائش الحائف يصول ويجول في أوحال الإفك والافتراء والاختلاق والبهتان عزَّ عليَّ أن أرى إخواني حصن الدين وحماة الحقيقة ينال منهم ذوو القربى بظلم أشد على النفس من وقع الحسام المهند ثم بعدها لا أذب عنهم وأذود عن حياضهم ولو بكلمات معدودات وتعليقات مقتضبات، طالباً رضى الله وحده ولو سخط بعد ذلك من سخِط فحقاً لقد بلغ السكين العظم وجاوز الحزام الطُّبْيَين.
وإن المرء ليقف مشدوهاً وهو يرى أمثال هذه المقالات التي تبرز علينا بجرأة وشجاعة كلما قام المجاهدون بعملية ضد وكر من أوكار العمالة والإفساد والردة، ثم هو لا يرى مثل هذه المقالات ولا نصيفها - ولو من طرف خفيٍّ – حينما يسمع العالم ويرى أبشع المجازر الحقيقية التي تقترف ضد عوام المسلمين حقاً لا زعماً، ويعترف بها المجرمون "القتلة" أنفسُهم، ويتبجحون بارتكابها على رؤوس الأشهاد ولا يبالون، فلم يسلم من ذلك الأسواق المكتظة، ولا الطرقات المزدحمة، ولا الأعراس البريئة، ولا القرى النائية، ولا حتى الخيام الممزقة البالية، بل ولا الدواب الرواتع، فهلا أظهر كتاب المقالات (الغيورون) غيرتهم وغضبهم وحميتهم وحرصهم على دماء المسلمين في مثل هذه الأحداث الفظيعة التي كسر معها مثل (كرزاي) –وهو من هو – حجاب الصمت وراح يسكن ثورة العوام بتنديده وشجبه ودعاوى التحقيق والملاحقة لمرتكبيها، وهم أسياده الذين لا قيام ولا قوام له بدونهم!!
وليت هذا النقد أو (النصح) أو الإرشاد مبني على أسس سليمة ومعلومات صحيحة، إذاً لهان الخطب، فالمجاهدون كانوا ولا زالوا -بإذن الله- أكثر الناس حرصاً على معرفة الحق، واجتهاداً في اتباعه، ورجوعاً إليه، ولكن وللأسف فإن المقال المذكور خالٍ عن تقرير أية حقيقة علمية بطريقة منضبطة، وكأن الكاتب لم يزد على أن أفرغ شحنة من الغيظ كان يمتلئ بها صدره، في لحظات يكاد يكون قد خرج فيها عن طوره وهيمن عليه الانفعال، وغلبته سورة الغضب، وحركته غيرة خادعة على حفنة من المرتزقة الذين كان يسعهم أن يضربوا في الأرض ليبتغوا من فضل الله بدلاً عن بيع دينهم في ثكنات الإجرام التي لم تزل تتدفق منها أفواج من المرتكسين المنسلخين عن الدين الذين لا يتقنون شيئاً إلا قمع الشعوب، والتنكيل بالذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا، والاستعداد التام لشن (الحروب القذرة) على الأبرياء والعزل، والتفنن في سب الرب بصور يستحيي إبليس من التفوه بها أو حتى سماعها مما صار في حقهم أشهر من نار على علم، ولسنا في حاجة أن يقسم لنا كاتب المقال بالأيمان المغلظة أن تلك (الطوائف الممتنعة) لم يفشُ فيها سب الرب فشواً فاحشاً حتى لكأنه صار جزءاً من برامج تدريبهم و(تربيتهم)، وإن كنتم في ريب مما نقول فشدوا رحالكم ويممو بها شطر المغرب الإسلامي لتسمعوا –ونعيذكم بالله من سماعه- ما لم يخطر على بالكم، ولعمر الله : {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا}[مريم/90]
وعندها قولوا لنا ما الذي يستحقه أمثال هؤلاء السفلة القتلة إلا النسف والقصف والخسف.
فهذان خصمان اختصموا في أمرهم، فالذي كتب المقال أطلق أحكامه على المجاهدين بغير تثبت، ولا تبين، لا انضباض، ولا روية، ولا عدل، ولا اتزان، والذين قاموا بهذه الأعمال (المباركة) ضد مراكز وثكنات الردة ذكروا تفاصيل عملياتهم، وصرحوا تصريحاً لا لبس فيه يدركه العاميُّ قبل العالِم المحقِّق أنهم برءاء من استهداف عوام المسلمين، وأنهم ما قاموا أصلاً إلا دفاعاً عنهم، ورحمة بهم، وحماية لدينهم، وصوناً لدمائهم، وإنقاذاً لهم من ضنك أحكام الجاهلية إلى رحمة شريعة الإسلام وسعتها، التي حرمهم إياها جنرالات فرنسا وطوائفهم.
ولأن إخواننا المجاهدين يعلمون أن أمثال هذا الشغب والصخب سيخرج عليهم من هنا وهناك إذ صار ديدن حكومة الردة، ولأقوالها تتردد الأصداء بدون تمهل فقد بادروا إلى بيان الحق ودحض الافتراء فكان مما جاء في بيانهم المعنون بغزوة الثأر : [و يجدر الإشارة إلى أن كل القتلى هم من الدرك المتعاقدين أو من المترشحين الجدد في هذا السلك الطاغوتي ،والذين هم في ميزان الشرع محاربون ،وما يدندن عليه بهلوان الداخلية من أنهم مدنيون هو هراء و كذب مفضوح لا أساس له من الصحة.]، وجاء فيه أيضاً : [و لأمتنا الحبيبة التي طغى عليها سيل الإعلام الجارف المضلل، و غشيتها أكاذيب المرتدين و تلبيساتهم المتهافتة نقول : لن نمل و لن نكل من تكرار طمأنتنا لكم بأننا ننتقي أهدافنا بدقة و نحرص على دمائكم أيما حرص... و أننا لا نستهدف الأبرياء كما يزعم بهلوان الداخلية و يكذب عليكم في كل مرة...فالكل يعلم من هم قتلة الأبرياء في سركاجي و برواقية و مجازر الشراربة و الأخضرية ... إلى آخر قائمة الإجرام التي شهد عليها ضباط سامون من الجيش الجزائري...
أما المجاهدون الأبرار فهم أحرص الناس على دماء المسلمين...و هل يمكن أن يقدم استشهادي على قتل إخوانه و أهله..و هل ثكنة حرس السواحل و المدرسة العليا للدرك و مقر قيادة الجيش و قوات الشرطة تحوي داخلها أبرياء ؟..و هل المنتسبون إليها و المنخرطون فيها و المترشحون للدخول إليها مدنيون ؟!...
فيا أمتنا الحبيبة المسلمة : صمي آذانك عن عبيد أمريكا...فهم جلادوك الحقيقيون ...وهم قتلة الأبرياء ... وهم مصاصو دمائك ...و منتهكو مقدساتك...و هم بائعوك لأعدائك.]
وأثناء قربي من كتابة هذه المناقشة، استمعت لكلمة قيمة لأخينا الشيخ المجاهد القائد أبي مصعب عبد الودود –حفظه الله – يؤكد فيها على هذه المسألة، وعن براءتهم من استهداف أي مسلمٍ وتقصد سفك دمه، فرأيت أن ألحقه بما نقلته عن المجاهدين سابقاً فكان مما قاله : [ولا يفوتني في هذا المقام ..بعد الهجمة الإعلامية الأخيرة التي تتهم المجاهدين باستهداف الأبرياء، أن أطئمن إخواني المسلمين بأن إخوانهم المجاهدين هم أحرص الناس على دماء الأبرياء، وأن المجاهدين ينتقون أهدافهم بدقة ويبذلون جهدهم في تجنب إصابة المدنيين، ولكن ما حيلتنا وهذا النظام العميل ومن ورائه وسائل الإعلام المضللة تتهمنا بما ليس فينا، وتنشر الإفك عنا في كل حين ونحن معاذ الله أن نتقصد سفك الدماء المعصومة.
فلتطمأني يا أمتي المسلمة..فلتطمأني يا أمتي المسلمة الحبيبة من هذا الجانب، فنحن ما خرجنا من ديارنا وما فارقنا أهلنا إلا نصرة لك، ودفاعا عنك من قتلة الأبريان الحقيقيين أبناء فرنسا وعبيد أمريكا]
فهذا ما يقوله المجاهدون –سددهم الله- وفيه لِمن سلم قلبُه من الضغينة وبرئ من (الشح على الخير) وتجرد للحق وأنصف الخلق غنية وكفاية، إلا أني أكاد أجزم أن كاتب المقال لم يكلف نفسه مجرد النظر في هذا البيان وأمثاله، لأنها بالنسبة له ليست بشيء، ولهذا بادر بإطلاق ما في جعبته من أحكام وأوصاف باعتساف وغشم، صاماً أذنيه ومغمضاً عينيه عن كل ما يقوله أو يكتبه المجاهدون، كحال الذي يتناهى إليه خبرٌ عن عدوه فيطير به فرحاً راجياً أن يكون حقاً ويأبى التحقق منه لأنه لا يريد إلا ذاك،
كما قال الشاعر :
إن يعلموا الخير يخفوه وإن علموا ... شراً أذاعوا، وإن لم يعلموا كذبوا
وكما قال الآخر :
إنْ يسمعوا ريبةً طاروا لها فرحاً ... مني وما سمعوا من صالحٍ دفنوا
صمٌ إذا سمعوا خيراً ذكرتُ به ... وإن ذكرتُ بسوءٍ عندهم أذنوا
فانظر كيف يقول الكاتب عَجِلاً : [لا حاجة بنا أن ننتظر لنعرف من يتبنى مسؤولية هذه الجريمة؛ لأن من فتح الباب مأخوذ بجريرة من يمر منه]
وأنا أقول : إن صاحب المقال وإن لم يصرح باسمه، إلا أن الدكتور ناصر العمر يتحمل جزءا ًمن تبعته [لأن من فتح الباب مأخوذ بجريرة من يمر منه] إن لم يكن هو كاتبه أصلاً، فهل يمكن لمقال طائش كهذا أن يمر وينشر عبر موقعه من غير علمه ولا موافقته ولا إقراره، فليعلموا إذاً أنهم { سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ}[الزخرف/19]
ووالله لولا أن هذا المقال –وإن شئت فقل البيان- برز علينا عبر الموقع المذكور لقلنا إنه أحد بيانات وزارة داخلية آل سعود، ومع ذلك فما زلت أشتم منه هذا الرائحة، وأستشعر فيه هذا النَفَس، فهذا ما يحيك في صدري ولم أجد له مدفعاً، : { وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص/88] وسبتدي لك الأيام ما كنت جاهلاً.
ولعمر الله إن المجاهدين في المغرب الإسلامي وغيره برءاء مما رماهم به صاحب المقال، من الأحكام الظالمة، والدعاوى الآثمة، والتهم الجائرة التي أطلقها بغير علم ولا عدل ولا بينة، وإنما هو تسويد للأوراق، وتكثير لسواد الطاعنين المشنعين على المجهادين، ولستُ أدري أوَ كلما أوتي أحدهم قلما مطاوعاً أو استطاع تشقيق الكلم أرخى الحبل على الغارب وجرجر مطاعنه من كل حدب وصوب ثم تكلف وتعسف في إلصاقها بالمجاهدين ولو اقتضى أمر استحداثها وتطويعها أن يتخذ نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء غير مراعٍ فهم حرمة ولا حمىً؟ والله المستعان.
وقلّما تجد رجلاً يسلط لسانه أوقلمه على المجاهدين بالكذب، والطعن، والاستخفاف، والتهم الباطلة، والتشهير، والتعيير، والتنفير، فيسلم له دينه، ولذا تراه يشق سبيل الضلال جَموحاً شَموساً لا يلوي على شيء، يُذَّكر فلا يتذكر، وينبه فلا يلتفت، وينصح فلا يعبأ، ويُفتَضح ولا يبالي، ويأتي بالأعاجيب التي تضحك الثكالى، وهو مع كل ذلك متمادٍ في إفكه مسترسل في حيفه ، ولا يكاد يمر يوم إلا ويأتي بباقعة هي أكبر من أختها، وهو يحسب أنه على شيء والشواهد على ذلك كثيرة لمن أراد أن يعتبر ويتعظ : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق/37]
***
وبعدها فلنعلم إذاً أن العبارات الهائجة لن تغني عن صاحبها شيئاً، ولئن استطاع أن يثير حفيظة القارئ بقلمه ويستعطفه بتلبيساته فإنه لن يقدر على دفن الحقائق الناصعة ولا تغيير الحق الراسخ البين الذي لا يحتاج إلى حشد الأدلة ولا تكثير الأحرف من أجل تقريره، فقد أسمعت كلماته من به صمم : {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد/17].
فمفتاح القضية بالنسبة للمجاهدين حينما يناقشون هذا الكاتب وأمثاله، هو المطالبة بجواب صريح جريء مفصل، عن حكم النظام الجزائري عنده وعند أمثاله؟ هل ترونه حكماً إسلامياً شرعياً يحكم بكتاب الله وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم أو حتى بالبدع المنسوبة إليهما أو حتى بشطحات الصوفية وخزعبلاتهم؟ أم أنه نظام علماني طاغوتي جاهلي لا ديني كفري قد جمع من نواقض الإسلام - التي تنشرونها وتدرِّسونها وتحذرون منها – ما لا يكاد يحصيه إلا الله؟
وأرجو أن لا يتيه هذا السؤال في دهاليز الفلسفات، والسفسطات، والالتواءات، والمقالات، والتحليلات، والتي خلاصتها أن يبقى محل الجواب شاغراً ومن ثم الجدل قائماً!!
أما المجاهدون وعلى رأسهم من قام بهذه (المجزرة الرعيبة) فإنهم ينادون بملء أفواههم وبصراحة المؤمنين : { الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ}[الأحزاب/39] أن الذي ندين الله به أن هذا النظام نظام علماني جاهلي كافر منزوع الشرعية والولاية محادٌّ لله ولرسوله، فإن وافقتموه على هذا الأصل فذاك هو، وإلا فإنهم ينتظرون جوابكم الآخر ليقولوا ما عندهم بعدها.
ولا نريد الاستطراد هنا فالأمر قد قتل بحثاً من علماء المسلمين الأولين والآخرين، وكلمتهم متفقة مطبقة على أن من اتخذ ياسقاً – وليسمه ما شاء – يحكم به العباد والبلاد، ويفصل به في الدماء، والأعراض، والأموال، والسياسات، فإنه كافرٌ خارجٌ عن ملة الإسلام وذلك لأن [من الكفر الأكبر المستبين، تنزيل القانون اللعين، منزلة ما نزل به الروح الأمين، على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، ليكون من المنذرين، بلسان عربي مبين، في الحكم به بين العالمين، والرّدِّ إليه عند تنازع المتنازعين، مناقضة ومعاندة لقول الله عزّ وجلّ: {فإنْ تنازعتُم في شيءٍ فرُدّوه إلى اللهِ والرسولِ إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسنُ تأويلاً}.](رسالة تحكيم القوانين)
وإننا لا نريد أن نتعلق بأهداب دساتير بالية مرقعة تجعل بعض الدين لله وبعضه لغير الله { فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ}، قد صاغتها الأهواء، وشرعتها الآراء اتباعا للشهوات الزائغة، وأخرجتها الأفكار المريضة، والعقول المتفرنسة، فمهما زُيِّنت وفخمت وعظمت إنْ هي إلا عدولٌ عن الحق الحقيق بالاتباع [إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكزخان، الذي وضع لهم اليَساق وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعًا متبعًا، يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير]( تفسير ابن كثير : 3 / 131)، وتأمل آخر كلام الإمام ابن كثير.
فكيف وقادة هذا النظام وساسته يشهدون على أنفسهم بالكفر إذ يصرحون ويجاهرون بأن نظامهم نظام علماني عصري، ويفتخرون بذلك، ويعدونه من مناقبهم ومن (بركاتهم) التي أفاضوا بها على الجزائر والجزائريين، ورغم ذلك كله فما زال البعض يجادل عنهم ويركب الصعب والذلول لإثبات إسلامهم ويختلق لهم من الأعذار التي لا يرضاها هؤلاء المجرمون لأنفسهم فضلاً عن جعلها عذراً لهم : {وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا} [النساء/107]
وسأنقل في هذا الموطن بعض المقاطع المهمة من كلامٍ للإمام المفسر محمد الأمين الشنقيطي –رحمه الله- عند قوله تعالى : { إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [التوبة/37] حول هذه القوانين التي شاع تشريعها، وانتشر تحكيمها في بلاد المسلمين، وصارت قائمة بينهم، حاكمة في أنفسهم، وأعراضهم، وأموالهم، وسياساتهم، وعلاقاتهم، وأحلها أربَابُها محل الشريعة المحكمة واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير : قال رحمه الله : [فهذه الآية الكريمة من سورة براءة من أصرح النصوص القرآنية في أن كل من اتبع نظاما غير نظام الله، وتشريعا غير تشريع الله، وقانونا غير قانون الله، أنه كافر بالله، إن كان يزعم الإيمان فقد كفر، وإن كان كافرا فقد ازداد كفرا جديدا إلى كفره الأول، والآيات الدالة على هذا المعنى لا تكاد تحصيها في هذا المصحف الكريم، الذي هو أعظم كتاب أنزله الله من السماء إلى الأرض...وسنذكر لكم طرفا من ذلك كما ذكرناه قبل هذا مرارا نبين به أن الحلال هو ما أحله الله، والحرام هو ما حرمه الله، والدين هو ما شرعه الله، وأن كل من اتبع نظاما وتشريعا وقانونا – ولو سماه ما سماه- غير ما أنزله الله في وحيه على نبيه صلى الله عليه وسلم أنه كافر بذلك، فإن كان كافراً قبله ازداد كفراً جديدا إلى كفره الأول، وإن كان يزعم الإيمان فقد جاء بما يكفر به]
وقال –طيب الله ثراه- : [فمن اتخذ تشريعا غير تشريع الله، واتبع نظاما غير نظام الله، وقانونا غير ما شرعه الله –سواء سماه نظاما أو دستورا، أو سماه ما سماه- هو كافر بالله؛ لأنه يقدم ما شرعه الشيطان على ألسنة أوليائه مما جمع من زبالات أذهان الكفرة على نور السماء الذي أنزله الله (جل وعلا) على رسله ليستضاء به في أرضه، وتنشر به عدالته وطمأنينته ورخاؤه في الأرض.
وهذا مما لا نزاع فيه، وهذا الشرك الذي هو شرك اتباع، اتباع قانون ونظام وتشريع هو الذي يوبخ الله مرتكبه يوم القيام على رؤوس الأشهاد في سورة يس في قوله تعالى : { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ...} [يس/60] ما عبدوا الشيطان بأن سجدوا للشيطان، ولا صاموا له ، ولا صلوا ، وإنما عبادتهم للشيطان هي اتباع ما سن لهم من النظم والقوانين من الكفر بالله ومعاصي الله.]
وقال –رحمه الله- [فهذه الآيات الكريمة تدل على أن كل من يتبع نظاما غير نظام الله وإن سماه قانونا، أو دستورا، أو سماه ما سماه فهو كافرٌ بالله، ولو كان كافرا قبل ذلك وارتكب شيئا يعلم أن الله حرمه، فحلل ما يعلم أن الله حرمه، أو حرم ما يعلم أن الله حلله، فإنه ولو كان كافراً قبل هذا يزداد بذلك كفرا جديدا إلى كفره الأول، كما قال هنا {إنما النسيء زيادة في الكفر} وهذا معروف لا نزاع فيه بين العلماء، فالحلال هو ما أحله الله، والحرام هو ما حرمه الله، والدين هو ما شرعه الله، ولا تشريع إلا لله، لأن التشريع والأمر والنهي لا يكون إلا للسلطة التي ليس فوقها شيء، والله جل وعلا هو خالق هذا الخلق، وخالق النعم التي أنعم بها عليه، فهو الملك فلا يرضى أن يأمر فيه غيره وينهى، بل الأمر له وحده، والنهي له وحده، والتشريع له وحده، فكل مشرع دونه ضال،وكل متبع تشريعا غير تشريعه فهو كافر به –جل وعلا-وقد بين الله جل وعلا في آيات كثيرة هذا المعنى]
وقال أيضا : [وأقسم الله جل وعلا في آية من كتابه أنه لا يؤمن أحد حتى يكون متبعا في قرارة نفسه لما جاء به سيد الرسل محمد صلوات الله وسلامه عليه وذلك بقوله : {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء/65] هذا قسم من الله أقسم به {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} فما ظنكم بالذين يحكمون فيما شجر بينهم قانون نابليون وما جرى بعده من زبالات أذهان الكفرة؟ ألا ترون أن الله أقسم في هذه الآية من سورة النساء أنهم لا يؤمنون؟ ومن أصدق من الله قيلا ومن أصدق من الله حديثا؟]
وقال -رحمه الله- بعدما ذكر بعض صفات من له حق الحكم : [هذه صفات من له الحكم، أما الكفرة الفجرة الخنازير أبناء الكلاب فليس لهم أن يحكموا في بلاد الله، ولا في عباد الله، ويحرموا ما شاؤوا ويحللوا ما شاؤوا، فمتبعهم هو أعمى الناس بصيرة وأضلهم سبيلا.
خفافيش أعماها النهار بضوئه...فوافقها قِطع من الليل مظلم]
وأخيراً قال رحمه الله : [أما القوانين والنظم الملتقطة من زبالات أذهان الكفرة الفجرة فلا يتبعها ويعتقدها ويحكمها في أموال المجتمع وعقوله وأنسابه وأديانه وأعراضه إلا من أعمى الله بصائرهم، ومن أعمى الله بصيرته فلا حيلة له {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور/40].](العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير).
فهل تجاوز النظام الجزائري شيئاً مما ذكره العلامة الشنقطي رحمه الله في حق مشرعي ومحكّمي القواني الوضعية التي أنتجتها زبالات أفكار الكفرة الفجرة الخنازير أبناء الكلاب؟!!
كيف ونواقض الإسلام التي اقترفها ويقترفها هذا النظام لا تتوقف عند حد التشريع والحكم بغير ما أنزل الله، وقائمة جرائمه وصياله على الأنفس والأعراض والأموال لا تكاد تقل عن قائمة فرعون وهامان وجنودهما : {إنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [القصص/4]
***
وهنا حقيقة يغفل عنها الكثيرون ممن يقررون مسألة الخروج على الحاكم الكافر، والتي وقع الإجماع على أن الولاية لا تنعقد له ولا يقر عليها بحال، وذلك أن مسألتنا المعاصرة سواء في الجزائر أو في غيرها، ليست هي مجرد ارتداد حاكم بارتكابه ناقضاً من نواقض الإسلام الخاصة به كتركه للصلاة، أو لاستحلاله الخمر، أو غير ذلك، وإنما أصبحت هذه الدول بهيئتها وشخصيتها وكيانها الكلي تقوم على أصول الكفر وأسس الردة والتمرد على الحق، نابذة قاعدة الاستسلام للشرع والإذعان لأحكامه وراءها ظهريا، ولذلك تراها لا تتأثر بذهاب طاغية ومجييء آخر، بل الدولة هي هي، بدستورها (ياسقها)، ومؤسساتها، وأجهزتها، وسياساتها، وقوانينها، ونُظمها، وما قد يحصل فيها من تغييرات أو (انفتاح) يسعد به البعض، فهو لا يخرج عن الإطار العام الذي يلتزمه الجميع ألا وهو الخضوع للدستور واحترام التشريعات العامة التي لا تمت للإسلام بصلة لا من قريب ولا من بعيد، فالأمر لم يعد متعلقاً فقط بالخروج على فردٍ حاكمٍ ارتد من أجل إسقاطه، وإنما باقتلاع جذور هذا النظام الجاهلي الطاغوتي الذي ضرب بجرانه في المجتمعات المسلمة وصارت ترزح تحته وتغوص في أعماقه، والسعي لإرجاع الدولة بكاملها إلى الاستسلام للإسلام والانقياد لأحكامه والإقرار بسيادته وسلطته وهيمنته، وهذه المسألة لا بد أن يدركها المجاهدون تمام الإدراك وأن يتعمقوا في فهمها وهو أن سعيهم اليوم لم يعد مقتصراً على مجرد (الخروج على الحاكم الكافر) وإنما الخروج على النظام والقانون والحكم والتشريع الكافر الذي تمرد بكليته على دين الله وتشريعه وأحكامه وزحزحه وحلّ مكانه.
وحينئذ فلا حاجة إلى الخوض الكثير في مسألة كفر الحاكم بغير ما أنزل الله واشتراط الاستحلال من عدمه والذي صدَّع بها المرجئة المعاصرون الرؤوس، وألفوا فيها الكتب، وكتبوا الأبحاث، وأخرجوا الرسائل في تقريرها وجمع المتشابهات لتأكيدها، فالأمر أكبر من ذلك بكثير وهو راء ما ينظرون ويُنظِّرون، إذ أن هذه الدول قد اتخذت لنفسها مرجعية غير مرجعية الإسلام أصلاً، وسلكت في إصدار تشريعاتها وقوانينها ومراسيمها سبيلاً غير سبيل المؤمنين، وأقامت دعائمها على أصول وقواعد وأسس قنَّنتها وصاغتها بمعزل تام عن شريعة الرحمن التي تقوم أول ما تقوم على قاعدة التسليم والانقياد والطاعة.
وما أشبه حال هذه الدول المتمردة على الله بِمَن وصفهم الإمام ابن عقيل الحنبلي من عباد القبور بقوله : [لما صعبت التكاليف على الجهال والطغام عدلوا عن أوضاع الشرع إلى أوضاع وضعوها لأنفسهم، فسهلت عليهم، إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم - قال - وهم عندي كفار بهذه الأوضاع](تلبيس إبليس 480).
قال العلامة أبو بكر الجصاص الحنفي -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى : {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء/65]
[وفي هذه الآية دلالة على أن من رد شيئاً من أوامر الله تعالى أو أوامر رسوله صلى الله عليه وسلم فهو خارج من الإسلام، سواء رده من جهة الشك فيه، أو من جهة ترك القبول والامتناع من التسليم، وذلك يوجب صحة ما ذهب إليه الصحابة في حكمهم بارتداد من امتنع من أداء الزكاة وقتلهم وسبي ذراريهم؛ لأن الله تعالى حكم بأن من لم يسلم للنبي صلى الله عليه وسلم قضاءه وحكمه فليس من أهل الإيمان]( أحكام القرآن :4 / 452).
فبمجموع هذا المزيج العفِن تكوّنت شخصية الدول الحاكمة المعاصرة وهو يوضح حقيقة هويتها وانتمائها أصلاً وفرعاً والله المستعان.
فانظر مثلاً كم تعاقب على الجزائر من الطغاة منذ تنحي الشاذلي بن جديد وإلى يومنا، ومع ذلك فالنظام هو النظام، والقانون هو القانون، والدستور هو الدستور، والدولة هي الدولة، والجاهلية هي الجاهلية، وهكذا غيرها من الدول التي مات أو قُتل أو عزل رؤساؤها وملوكها تراها باقية على أصولها الجاهلية وتمردها على الحق سواء في السياسة، أو الاقتصاد، أو الاجتماع، أو القضاء، أو الإعلام، أو العلاقات، أو النظم والقوانين والتشريعات : {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف/146]
فالمجاهدون في الجزائر وغيرها، حينما يقاتلون هذه الأنظمة التي أقيمت دعائمها على الكفر والأهواء ليس مقصدهم فقط أن يزيحوا هذا الطاغية أو ذاك، فما هذا في نظرتهم إلا جزء من التغيير العام والانقلاب الكلي الذي تزال معه أنظمة الجاهلية بكليتها ويقام على أنقاضها شرع الله حتى يدخل كل شيء في السلم كافة ولا يشذ عنه شاذٌ.
وإلا فلا أحسب أن العلماء الأوائل –رحمهم الله- وهم يقررون مسألة الخروج على الحاكم إذا كفر ويبينون أهمية ذلك، ويحذرون من خطر بقائه، لا أحسب أنهم ظنوا أن الأمر سيُختَلف فيه حينما يتعلق الأمر (بنظام حكم) كامل يقوم على غير شريعة الله، وأصولُه وجذوره التي يعتمد عليها وينبثق منها لا تمت إلى الإسلام بصلة، فكما قال العلامة محمود شاكر –رحمه الله- [والذي نحن فيه اليوم هو هجر لأحكام الله تعالى عامّة بلا استثناء، وإيثارُ أحكامٍ غير حكمه في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وتعطيلٌ لكل ما في شريعة الله تعالى، بل بلغ مبلغ الاحتجاج على تفضيل أحكام القانون الموضوع على أحكام الله تعالى المنزلة]
ومن هنا يعلم المجاهدون –بل كل الدعاة - أن مهمتهم ليست بالهينة وأن العبء عليهم ثقيل، ولكن لا سبيل لهذا التغيير (الكلي) الجذري والانقلاب التام، واقتلاع جذور النظام الجاهلي إلا بالقتال في سبيل الله، وتقديم تضحيات باهظة، مع التزود بالتقوى، والصبر، وحسن التدبير، وإحكام التخطيط، مع التوكل التام على الله تعالى، فالمسألة مسألة صراع حقيقي عملي محتدم بين جاهلية متمكنة مسلحة متوحشة وبين قلة لا تجد لها عن سبيل الجهاد محيصا وتقف أمم الكفر كلها لصدها ولكن : {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة/249]
***
ويتفرع عن هذا التقرير القول بأن هذه الطوائف من درك، وجيش، واستخبارات، وغيرها، والتي يشن عليها المجاهدون الغارة كلما وجدوا إلى ذلك سبيلاً، هي أعمدة هذا النظام الجاهلي وأركانه وقوامه، ولولاها لما كان له وجود، ولا سلطان، ولا سطوة، ولا تأثير، ولا تدبير، فمن العبث أن يسعى الساعون لإزالة حكم مستقر متمكن متسلط دون أن يتعرضوا لهذه الطوائف التي وقعت لها تلك [المجازر الرعيبة التي ينفذها القتلة في الجزائر] التي هزت وجدان الكاتب فشحذ قلمه ليسطر تلك الكلمات النابية التي سلخ بها المجاهدين سلخاً وأخرج كل ما في قاموسه من الألقاب والمعايب فألصقها بهم.
فقتال المجاهدين لهذه الطوائف ليس فقط لأنها تقوم بحماية (الملِك) أو (الرئيس) أو (القائد) أو (الحاكم) وإنما لأن النظام الجاهلي المفروض على الناس والذي لا يجدون مخْلَصاً منه وانفكاكاً من شراكه إنما استمد قوته وفرض نظامه وأجرى أحكامه بشوكة وحماية هذه الطوائف التي تضحي بكل ما تستطيع من أجل إبقائه وإلزام الناس به وإجبارهم على احترامه ومنعهم من الخروج عنه أو عليه.
فمن السذاجة إذاً أن ننظر إلى هذه الطوائف ذات الشوكة والقوة والصولة والطغيان والتنظيم والأهداف والقوانين على أنها مجرد أفراد آحاد ينتسبون إلى الإسلام انتساباً عاماً يحرم قتلهم وقتالهم من غير النظر إلى موقعهم في هذا النظام الجاهلي المفروض على الناس، ومن دون اعتبار مهامهم التي أوكلت إليهم، والجرائم الكبرى –ومن أعظمها إقامة كيان نظام الحكم الجاهلي وحمايته- التي يقترفونها لحظة بلحظة في حق الأمة والدين.
فهذه الأجهزة كالجيش، والشرطة، والدرك، والاستخبارات، وغيرها تعد جزءاً من منظومة النظام الجاهلي العام الذي يحكم بلاد والمسلمين ومكوِّناً من مكوناته، بل لا وجود له ولا قيام ولا سلطة، ولا تمكين بدونها، وكل جهاز من هذه الأجهزة قد حددت له أهداف واضحة، وصيغت لضبطه قوانين محكمة، وأسندت إليه تكاليف صريحة، بمجموعها تصب في قناة واحدة ألا وهي إقامة وحماية وتعزيز نظام الحكم الجاهلي، سواء سميت تلك الأهداف فرض القانون، أو ضبط النظام، أو تعزيز الأمن، أو حماية الحدود، أو نشر الديمقراطية، أو احترام الدستور، أو غير ذلك، فخلاصتها بالمفهوم الشرعي الصريح : [الالتزام بأن لا يكون الدين لله، وقهر الناس على قبول نظام جاهلي واحترامه والحكم به والاحتكام إليه] ..[فإذا كان بعض الدين لله وبعضه لغيره كان في ذلك من الشرك بحسب ذلك]( اقتضاء الصراط : 1 / 452) ، [والدين هو الطاعة فإذا كان بعض الدين لله وبعضه لغير الله وجب القتال حتى يكون الدين كله لله](مجموع الفتاوى : 28 / 544).
إذاً عندما يقول الكاتب : [والذين حصدوا أرواح أكثر من سبعين مسلماً وجرحوا العديد غيرهم خلال عمليات متزامنة جرت هذا الأسبوع]، إن كان يقصد بهؤلاء السبعين مسلماً الذين حُصدت أرواحهم، هم من عوام المسلمين، فعندها سنكون أول من ينكر هذه (الجريمة) ونقول كما قال النبي صلى الله عليه وسلم [اللهم إنا نبرأ إليك مما صنع خالد]، ولكن أنى للكاتب وأمثاله أن يثبتوا تلك الدعوى العريضة الخاوية، ومن أين له بهذه الإحصائية لقتلى (عوام المسلمين) إلا ركن الكذب والدجل والمخازي أعني وزارة الداخلية.
ولذلك لسنا نتردد طرفة عين، ولا يخالجنا أدنى شك في براءة إخواننا المجاهدين –سددهم الله- من هذه اللوثة المفتراة -كما برءوا أنفسهم- فهم عندنا أتقى وأنقى وأورع وأرفع وأصدق من أن يتعمدوا قتل مسلمٍ أو يتقصدوا سفك دمه، وبياناتهم (اليتيمة) التي لم تحظ بالنشر في الفضائيات لهي أثبت وأوثق وأدق عندنا من وسائل إعلام الدجل مجتمعة مهما أتت من زخارف القول والفعل ما تموه به كذبها وتضليلها وتدجيلها.
وأما إن كان الكاتب يقصد بالأرواح التي حصدت والتي بلغت سبعين (مسلماً) هم من أعضاء تلك الطوائف التي أشرنا إلى بعض جرائمها ومهامها فنعمَّا الحصدُ حصدهم، وأكرم به من قتل وأنعم به من قتال : {فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا}[النساء/91] فعلى نفسها جنت براقش، فهم الذين أنزلوا أنفسهم هذا المنزل المتردي الذي نسفوا به دين الإسلام نسفاً، وصيروا أحكامه وأعلامه يباباً خراباً، وأفسحوا المجال لكل ناعق زنديق يرتع في شرائعه كما شاء وبما شاء، وحمَوا ويحمون عصابات التنصير التي ما فتئت تخرج الناس من عقيدة التوحيد إلى ضلالات التثليث ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولسنا في هذا الموطن نتحدث عن حكم أفراد هذه الطوائف، وهل هم كفارٌ مرتدون، أم لا؟ وإنما المقصود هو الإشارة إلى أن قتالهم بصفتهم طوائف ممتنعة عن شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة قد صار واجباً باتفاق العلماء المحققين الذين يقررون أحكام هذه المسألة بالأدلة الشرعية الخالصة التي لا تشوبها العواطف القلبية ، ولا الميول النفسية، ولا اللحمة القومية، ولا النظرة الوطنية.
عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال : [لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر وكفر من كفر من العرب قال عمر : يا أبا بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله فمن قال : لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله " . قال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها . قال عمر : فوالله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق] متفق عليه.
فهذه طائفة من الطوائف ظهرت في أفضل القرون، وبين أعلم الناس، وأفقههم، وأورعهم، وأعرفهم بالحق، وأحرصهم على اتباعه، وبينهم خير الخلق بعد الأنبياء، ولم تزد هذه الطائفة على أن منعت زكاتها (متأولين) في ذلك، ومنتزعين حكم امتناعهم من آية في كتاب الله وهي قوله تعالى : {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[التوبة/103] وهذا يعني أن هناك نوعاً من الاستسلام والانقياد للشرع لم يزل قائماً في قلوبهم ولم يتعمدوا التحلل من الشرع ولا استحلال محرماته والتنكر لأحكامه، ولا عدم المبالاة به، إلا أن تأويلهم ذلك لم يكن سائغاً، ومع ذلك فقد أطبقت كلمة الصحابة رضوان الله عنهم على قتالهم بعد المناظرة اليسيرة التي جرت بين العُمرين رضي الله عنهما وعلى ذلك مضى قول العلماء الأجلاء، قال شيخ الإسلام -رحمه الله- : [وقد اتفق الصحابة والأئمة بعدهم على قتال مانعي الزكاة وإن كانوا يصلون الخمسة، ويصومون شهر رمضان، وهؤلاء لم يكن لهم شبهة سائغة؛ فلهذا كانوا مرتدين، وهم يقاتَلون على منعها وإن أقروا بالوجوب كما أمر الله، وقد حكي عنهم أنهم قالوا إن الله أمر نبيه بأخذ الزكاة بقوله : " خذ من أموالهم صدقة" وقد سقطت بموته](مجموع الفتاوى : 28 / 519).
وقال الإمام ابن كثير –رحمه الله- عند تفسيره للآية المذكورة : [ولهذا اعتقد بعض مانعي الزكاة من أحياء العرب أن دفع الزكاة إلى الإمام لا يكون، وإنما كان هذا خاصًا برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا احتجوا بقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ } وقد رَدَّ عليهم هذا التأويل والفهم الفاسد الصديق أبو بكر وسائر الصحابة، وقاتلوهم حتى أدوا الزكاة إلى الخليفة، كما كانوا يُؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم]( تفسير ابن كثير : 4 / 207).
بل قيل إن منهم من امتنع عن دفعها إلى الصديق رضي الله عنه فقط، ومع ذلك فما وجدوا منه إلا السيف إلى أن ردهم إلى الحق الذي شردوا منه وأقامهم على المحجة التي حادوا عنها، قال الإمام ابن كثير –رحمه الله- : [وجعلت وفود العرب تقدم المدينة يقرون بالصلاة ويمتنعون من أداء الزكاة، ومنهم من امتنع من دفعها إلى الصديق، وذكر أن منهم من احتج بقوله تعالى : "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم" قالوا فلسنا ندفع زكاتنا إلا إلى من صلاته سكن لنا]( البداية والنهاية : 6 / 311).
بل قيل إن بعضهم جمع زكاته وأراد إرسالها إلى أبي بكر إلا أن رؤساءه منعوه من ذلك، وأخذوها منهم وفرقوها في قومهم وهؤلاء هم الذين وقعت الشبهة لعمر في حقهم كما قال الإمام الخطابي –رحمه الله- : [وقد كان في ضمن هؤلاء المانعين للزكاة من كان يسمح بالزكاة ولا يمنعها إلا أن رؤساءهم صدوهم عن ذلك الرأي، وقبضوا على أيديهم في ذلك كبني يربوع، فإنهم قد جمعوا صدقاتهم، وأرادوا أن يبعثوا بها إلى أبي بكر رضي الله عنه، فمنعهم مالك بن نويرة من ذلك، وفرقها فيهم وفي أمر هؤلاء عرض الخلاف ووقعت الشبهة لعمر رضي الله عنه فراجع أبا بكر رضي الله عنه]( شرح النووي على مسلم : 1 / 91).
فإذا كان هذا هو حكم الله الذي اتفق عليه الصحابة رضوان الله عليهم والعلماء تبعٌ لهم في ذلك، وفي حق طائفة تقر بكل شرائع الإسلام وتلتزم القيام بها، إلا شريعة واحدة تركتها بتأويل، فيكف بهذه الطوائف التي لا تقيم للإسلام وزناً، ولا يعنيها أوَافقت أحكامه أم خالفته، وتنكرت لجل شرائعه، وتعمدت ردها ومعارضتها ودفعها، ولم تكتف بمجرد الترك والامتناع -ولو بغير تأويل- بل بادرت بشن حربٍ ضروس على كل من يسعى لإقامة الدين ويجتهد في نشره ويحاول تحكيمه، فشتان بين هؤلاء وأولئك، فإن مانعي الزكاة لم يبدأوا الصديق بقتال، ولم يشنوا الغارة على المدينة، وإنما اكتفوا ابتداء بمنع أدائها ولهذا قال عمر رضي الله عنه [كيف تقاتل الناس]، أما طوائف العصر ومنهم هؤلاء الذين حصدت أرواحهم في الجزائر فهم من أشد الطوائف حرباً للإسلام، وتنكيلاً بأهله، ومطاردة لدعاته، وبغضاً للمؤمنين الموحدين، وتعظيماً وتبجيلاً للكفرة الملحدين، وتعطيلاً لأحكام الدين، واستئصالاً لشرائعه، فلا هم أقاموه ولا تركوا من يقيمه بل ألزموا الناس بالتخلي عنه وقهروهم على الدخول في (دين الملك)، فإذا ذُكِر الحق، وسمِعوا الدعوة إلى الهدى نفروا كالحُمُر، واستنفروا وصعروا خدودهم، وثنوا عطفهم، وإذا ذكر الغرب وحضارته، والكفر وديمقراطيته أقبلوا مبشرين مستبشرين، يمدحون أهله، ويوقرون أربابه، ويبجلون أقطابه، فحالهم كما قال تعالى : { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الزمر/45]
قال الأستاذ –سيد قطب- رحمه الله عند هذه الآية : [والآية تصف واقعة حال على عهد النبي صلى الله عليه وسلم حين كان المشركون يهشون ويبشون إذا ذكرت آلهتهم؛ وينقبضون وينفرون إذا ذكرت كلمة التوحيد. ولكنها تصف حالة نفسية تتكرر في شتى البيئات والأزمان. فمن الناس من تشمئز قلوبهم وتنقبض نفوسهم كلما دعوا إلى الله وحده إلهاً، وإلى شريعة الله وحدها قانوناً، وإلى منهج الله وحده نظاماً. حتى إذا ذكرت المناهج الأرضية والنظم الأرضية والشرائع الأرضية هشوا وبشوا ورحبوا بالحديث، وفتحوا صدورهم للأخذ والرد. هؤلاء هم بعينهم الذين يصور الله نموذجاً منهم في هذه الآية، وهم بذاتهم في كل زمان ومكان. هم الممسوخو الفطرة ، المنحرفو الطبيعة، الضالون المضلون ، مهما تنوعت البيئات والأزمنة، ومهما تنوعت الأجناس والأقوام.]( في ظلال القرآن : 6 / 238).
ولا يبعد حالهم عن حال من قال الله فيهم : {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الحج/72]
ومع ذلك فمعلومٌ بالاضطرار من حالهم أنهم لا يرتكبون مخازيهم لا بتأويلٍ سائغ ولا غير سائغ وإنما هو ركوب الأهواء، واتباع الشهوات، والتباهي بالانتماء لحضارة الغرب، والركض وراء الدينار والدولار و (الفرنك)، والحرص على الجاه والشهرة والشارات والرتب والمناصب : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}[النحل/107].
فبأي تأويل استحلوا الربا وشادوا صروحه وقننوا معاملاته إلا أن تكون حجة أسلافهم الذين : { قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا}[البقرة/275]
وبأي تأويل عطلوا حدود الشرع كاملة كحد الزنى، وحد السرقة، وحد الخمر وغيرها، وأقاموا لبعضها عقوبات شكلية بقيود وآصار وإغلال ما أنزل الله بها من سلطان، فهل سمعتم زانياً رجم أو جلد، أو سكيراً حُدَّ، أو سارقاً قطع؟
بل بأي تأويل تبرأوا من شريعة الله تعالى وتنكروا لها، وأقبلوا بعقولهم وقلوبهم وأفكارهم على شرائع الشياطين يدرسونها ويدرِّسونها ويشرعونها ويحكمونها ويفرضونها على الخلق؟
فمن أراد أن يبرأ ساحة هؤلاء المجرمين فهو بين أمرين : إما أن ينكر تلبسهم بهذه الجرائم والمخازي و(النواقض) وأضعاف أضعافها فينادي على نفسه بالعته والسفه، وإما أن يختلق لهم من الأعذار، ويوجد لهم من التأويلات (السائغة) ما يكون حجة لهم في كل ما خالفوا فيه الحق وناقضوا معه الشرع ودون ذلك خرط القتاد بالليل.
فإذا كان هؤلاء هم المسلمين الذين قصدهم الكاتب وفجع لمقتلهم وتباكى على حصدهم، فليقم النوح إذاً على قتلى (مانعي الزكاة)، وليضرب لهم أروقة العزاء والفجيعة فهم أحق بذلك وأولى، إذ هم أقرب إلى عهد النبوة، وفعلوا ما فعلوا بتأويل، والتزموا كل شرائع الإسلام الأخرى، ولم يبدأوا الصديق ومن معه بقتال، ولم يلزموهم بترك شيء من شرائع الإسلام، ولم يقيموا نظاماً طاغوتياً جاهلياً يحكمون به ويتحاكمون إليه، ولم يجندوا أنفسهم لحمايته وصيانته ونشره، ولم يوالوا أعداء الله ويناصروهم على المسلمين، ولم ينشؤوا مسالخ يمزقون فيها أجساد مَن قالوا ربنا الله ثم استقاموا، ولم يتعرضوا للأبرياء والعزل والضعفاء بشن (الحروب القذرة) التي بقرت فيها بطون الحوامل وشويت لحوم الأطفال ورضت رؤوس الشيوخ، ولم يعرِّض أحدٌ منهم بسب الرب فضلاً عن التصريح به وشيوعه بينهم، ومع ذلك فقد أعمل أبو بكر –والصحابة معه – فيهم السيف و(حصدوا) منهم نفوساً كثيرة ، فأين الثرى من الثريا وأين الضريح من الضراح؟!
فتأمل كلام شيخ الإسلام –رحمه الله- وهو يتحدث عن التتار وبعض صفاتهم، وكأنه يصف تتار العصر وهي هذه الطوائف الممتنعة التي حصد منها من حصد في ثكنات الإجرام والردة بالجزائر : [وكل من قفز إليهم من أمراء العسكر وغير الأمراء فحكمه حكمهم وفيهم من الردة عن شرائع الإسلام بقدر ما ارتد عنه من شرائع الإسلام وإذا كان السلف قد سموا مانعي الزكاة مرتدين مع كونهم يصومون ويصلون ولم يكونوا يقاتلون جماعة المسلمين فكيف بمن صار مع أعداء الله ورسوله قاتلا للمسلمين مع أنه والعياذ بالله لو استولى هؤلاء المحاربون لله ورسوله المحادون لله ورسوله المعادون لله ورسوله على أرض الشام ومصر فى مثل هذا الوقت لأفضى ذلك إلى زوال دين الإسلام ودروس شرائعه]( مجموع الفتاوى : 28 / 531).
فمن أعظم نعم الله تعالى على إخواننا المجاهدين في المغرب الإسلامي أن قيضهم لقتال هذه الطوائف المجرمة، واستعملهم في إحياء سيرة الصديق فيهم، وأجرى على أيديهم سنته التي لا تتخلف، وذلك بالإتيان بقوم من أهل الإيمان كلما نبغت طائفة من أهل الردة والطغيان يقيمهم لقتالهم ويرد بهم عاديتهم وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[المائدة/54]
قال شيخ الإسلام –رحمه الله- : [وما أنزل الله فى القرآن من آية إلا وقد عمل بها قوم وسيعمل بها آخرون، فمن كان من الشاكرين الثابتين على الدين الذين يحبهم الله عز و جل ورسوله، فإنه يجاهد المنقلبين على أعقابهم الذين يخرجون عن الدين ويأخذون بعضه ويدعون بعضه، كحال هؤلاء القوم المجرمين المفسدين الذين خرجوا على أهل الأسلام وتكلم بعضهم بالشهادتين وتسمى بالإسلام من غير التزام شريعته]( مجموع الفتاوى :28 / 413).
وإنا لنرجوا لهم أن يكونوا من الطائفة المنصورة الظاهرة على الحق من أهل الغرب كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : [لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة]رواه مسلم.
قال شيخ الإسلام رحمه الله : [وكل ما يغرب عن الشام من مصر وغيرها فهو داخل فى الغرب]( مجموع الفتاوى : 28 / 532).
***
وبالجملة فإن حكم قتال الطائفة الممتنعة ولو عن شريعة واحدة من شرائع الإسلام الظاهرة متفقٌ عليه بين العلماء، ولا يمنع من قتالهم نطقهم بالشهادتين، ولا التزامهم بشرائع الإسلام الأخرى، فكيف بالطوائف التي امتنعت عن معظم شرائع الإسلام ونبذت كتاب الله وراءها ظهرياً، وجاهرت بحربها على تلك الشرائع، وحرست كل القوانين والنظم والمراسيم التي تصادم شريعة الله وتناقض أحكامه، بل وأجبرت الناس على احترامها والتزامها وتقديسها، ولم تزل تحارب وتنكل بكل من خالفها فتستحل دمه، وماله، وعرضه، وتصب عليه من العذاب ما لا يخطر على بال، فهل هذه الطوائف بهذه الصفات التي علمت من أحوالهم بالاضطرار إلا عدوٌ صائلٌ يفسد الدين والدنيا، وانظر إلى آثارهم على البلاد والعباد لترى مدى الفساد الذي جروه عليهم، فهدموا العقائد، وحطموا الأخلاق، وأهلكوا الاقتصاد، ونهبوا الأموال، ونشروا الظلم، واسبتاحوا المحرمات، وهتكوا أستار الحياء، ونشروا الفاحشة في الذين آمنوا، واتخذوا دينهم لعباً ولهواً، واتخذوا آيات الله هزواً، وحاربوا وأبعدوا الذين يأمرون بالقسط من الناس، وقربوا وأيدوا الذين يتبعون الشهوات ليُميلوا الخلق عن الحق ميلاً عظيماً، وغير ذلك من الفساد العريض والشر المستطير الذي جرّه دين الجاهلية وقننته مؤسساته، وحرسته ودافعت عنه وفرضته أجهزته و(طوائفهم الممتنعة) حتى صار وجه البلاد شاحباً مظلماً من فرط ما فشا فيه من الكفر والفسوق والعصيان، وظهر الفساد في البر والبحر والجو، وحل بها من الفقر والشر والضنك والذلة والمسكنة ما عرفه القاصي والداني، وغدا المرء لا يأمن فيها لا على دينه، ولا نفسه، ولا عرضه، ولا أهله، ولا ماله، فأي شهادتين تلك التي ستعصم طوائف تقترف كل هذه الجرائم والعظائم، وتوقف نفسها لنشرها وفرضها وتشريد من يحاول رفضها، وهل خلقنا لنكون عبيداً لهؤلاء العبيد لا نملك أمامهم إلا الاستكانة والاستسلام والخضوع والمداهنة؟
[فيا معشر العُقلاء! ويا جماعات الأذكياء وأولي النهى!
كيف ترضون أنْ تجري عليكم أحكامُ أمثالكم، وأفكارُ أشباهكم، أو مَن هم دونكم، مِمّن يجوز عليهم الخطأ، بل خطأهم أكثرُ من صوابهم بكثير، بل لا صواب في حُكمهم إلاّ ما هو مُستمدٌّ من حُكم اللهِ ورسولهِ، نصًّا أو استنباطًا؟!!
تَدَعونهم يحكمون في أنفسكم ودمائكم وأبشاركم، وأعراضكم وفي أهاليكم من أزواجكم وذراريكم، وفي أموالكم وسائر حقوقكم!! ويتركون ويرفضون أن يحكموا فيكم بحُكم الله ورسوله، الذي لا يتطرّق إليه الخطأ، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد!!
وخُضوع الناس ورضوخهم لحكم ربِّهم خضوعٌ ورضوخٌ لِحُكم مَنْ خلقهم تعالى ليعبدوه.. فكما لا يسجدُ الخلقُ إلاّ للهِ، ولا يعبدونَ إلاّ إياه ولا يعبدون المخلوق، فكذلك يجب أن لا يرضخوا ولا يخضعوا أو ينقادوا إلاّ لحُكم الحكيم العليم الحميد، الرءوف الرحيم، دون حُكم المخلوق، الظلوم الجهول، الذي أهلكته الشكوكُ والشهواتُ والشبهات، واستولت على قلوبهم الغفلة والقسوة والظلمات.
فيجب على العُقلاء أن يربأوا بنفوسهم عنه، لما فيه من الاستعباد لهم، والتحكم فيهم بالأهواء والأغراض، والأغلاط، والأخطاء، فضلاً عن كونه كفرًا بنصِّ قوله تعالى: {ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فأُولئكَ هُمُ الكافِرونَ}.](رسالة تحكيم القوانين للعلامة محمد بن إبراهيم رحمه الله)
وهذا الرفض، وإباء الخضوع لتلك الأحكام، والتحرر من استعبادها، لن تستجلبه المظاهرات ، ولا الإضرابات ، ولا المؤتمرات، ولا المقالات، ولا التنديدات، ولا الاستجداء، ولا التوسل، ولا التسول، ولا إنشاء المنظمات الخيرية، ولا مؤسسات حقوق الإنسان، لأنه تحريرٌ لمجتمعات من ربقة العبودية للعباد، إلى عبادة رب العباد، وذلك لن يكون إلا بمقابلة الشر المسلح بالحق المسلح، وإقامة سوق البذل والتضحية والبطولات، والتنصل من كل علائق الدنيا وعوائقها، ورفع راية الجهاد وخوض معامع الجلاد، وكسر شوكة هؤلاء الفاسدين المفسدين، بدك معاقلهم، ونسف ثكناتهم، وتدمير معسكراتهم، والكمن لقوافلهم، واقتحام مراكزهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله
وكُنْت إذا قَوْمٌ غَزَوْني غَزَوْتُهمٍ ... فهَل أنا في ذا يا لَهَمدان ظـالمُ
مَتَى تَجْمَع القَلْب الذَّكي وصارِماً ... وأَنْفـاً حَميـاً تَجْتَنِبْك المَظَالـم
فلا صُلْحَ حتَّى تُقْرَعَ الخيلُ بالقَنا ... وتُضْرَبَ بالبيضِ الرِّقاق الجَماجمُ
يتبع..