Ghiath
10-19-2008, 04:38 PM
خمسة خبراء لاصطياد ابن لادن!
بعد مرور سبع سنوات على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لا يزال الغموض يلف أسامة بن لادن، كما كان دائمًا. ولأن معظم المحللين يعتقدون أن زعيم تنظيم القاعدة يختبئ في منطقة القبائل الباكستانية على الحدود مع أفغانستان، طرحت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية على خمسة خبراء باكستانيين سؤالا واحدًا مفاده (كيف يمكننا الإمساك بأسامة بن لادن؟)، فكانت هذه النصائح:
معلومات استخباراتية
الصحفي والمحلل السياسي، شوجا نواز، مؤلف كتاب (سيوف متقاطعة: باكستان، جيشها، والحرب داخلها) الذي صدر العام الجاري 2008.
يحتاج أسامة بن لادن شبكةً لوجستية واسعةً ليبقى على اتصالٍ فاعلٍ مع أتباعه، وهو الأمر الذي يُمَثِّلُ فرصة للإمساك به، عن طريق اختراق عملاء مزدوجين (السكان المحليين والعرب الذين يمكنهم التسلل ببطء إلى سلسلة القاعدة اللوجستية) لهذه الشبكة.
ولا يستطيع ابن لادن التحرك بسهولة بدون صُحبة كبيرة نوعًا ما، لذلك ينبغي مراقبة الشاحنات من فئة Double Cab، التي تجتاز الجبال والغابات في منطقة السلاسل الجبلية الهندية الواقعة بين أفغانستان وباكستان، حيث قد يكون مختبئًا غالبًا. بالإضافة إلى البحث في مقاطعتي دير وشيترال الحدوديتين، والأقاليم الأفغانية المتاخمة للحدود، وسوف تساعد الرشاوى في الحصول على المعلومات المطلوبة.
أما قادة طالبان فيستخدمون الهواتف المتصلة بالأقمار الصناعية، والتي من السهل تعقُّبُهَا. وأفضل أنواعها (الثريا)، التي تُباع في بيشاور.
وفي هذا الإطار ينبغي على الولايات المتحدة وباكستان العمل، كُلٌّ على حده، لتجنب تسرب المعلومات، والاستعانة بخبراء الحدود من وكالة الاستخبارات الباكستانية، والمخابرات العسكرية، وربطهم بفرقة صغيرة من الكوماندوز التي تعمل على تَعَقُّبِ قادة القاعدة وطالبان، ووضعهم داخل مقر الجيش الباكستاني؛ لتجنب أي اختراق من قِبَلِ وكالة الاستخبارات الباكستانية، ودعمهم بطاقم تقني يستطيع تعقب الاتصالات الإليكترونية.
كذلك تجهيز فريق الكومانذوز بطائرات سريعة من طراز آباتشي، ومروحيات من طراز (إم آي-17)، للاستجابة الهجومية المباغتة. وسيكونون بحاجة إلى نظارات للرؤية الليلية، لكن ليس من الطراز القديم الذي مازالت الولايات المتحدة تزود به قواتها.
وفوق كل هذا ينبغي تجَنُّب ما يُسَمَّى بـ (الدمار المصاحب)، وهو الذي تحدث عنه بيت الله محسود، قائد طالبان باكستان، مؤخرًا في أحد اللقاءات الصحفية، حين قال: "لقد سافرتُ 3 أشهر لأستطيع تجنيد 10-15 فردًا فقط ، لكنّ قنبلة أمريكية واحدة قتلت مدنيين أبرياء، ساعدتني في تجنيد المئات".
الشراكة مع باكستان
الجنرال طلعت مسعود، الخبير في الشئون الإستراتيجية
تبحث إدارة الرئيس بوش عن نتائج سريعة ومُضَلِّلة، بينما النصر في حاجةٍ إلى نظرة طويلة الأمد. وقد أشعلت الضربات الجوية الأمريكية المتكررة على الحزام القبلي الباكستاني، والعمليات العسكرية المحدودة التي قامت بها القوات الأمريكية جنوبي وزيرستان، غَضَبَ المواطنين داخل البلاد. الأمر الذي دفع المعتدلين الغاضبين إلى الانضمام إلى الأحزاب الدينية، داعين الحكومة الباكستانية إلى إعادة النظر في تحالفها ضد الإرهاب. ورغم أن الحكومة ستقاوم هذا الضغط، إلا أنها ستجد صعوبة في تهدئة الرأي العام إذا ما تصاعدت تلك الضربات.
في الواقع، لن تُفَضِّلَ القاعدة وطالبان شيئًا أكثر من مقاتلة الأمريكيين على الأرض الباكستانية، وهو الأمر الذي يعطي انطباعًا أنهم يقاومون اعتداءً خارجيًّا. وسيكون من الصعوبة السياسية بمكانٍ على القوات المسلحة الباكستانية أن تستمر عملياتها ضد من تعتبرهم "متمردين" إذا ما تَدَخَّلَت أمريكا بقواتها البرية.
إنّ أمريكا بحاجة إلى مواجهة الحقيقة القائلة أنها لن تُمْسِكَ بأسامة بن لادن دون مساعدة باكستان. وإذا ما كان لدى صُنَّاع القرار الأمريكيين هواجِسُ بشأن بعض عناصر الاستخبارات الباكستانية، أو أي من الوكالات الاستخباراتية الأخرى، فقد حان الوقت لمصارحتهم، والتأكد من أنهم جادون بشأن محاربة الإرهاب والمتمردين.
ويُمَثِّلُ العمل من خلال القبائل أفضلَ الطرق للوصول إلى الهدف؛ لأن ابن لادن في الغالب ما يكون محاطًا بدوائر عديدة من الحراس الذين يتميزون بالولاء المطلق، وحمل السلاح الثقيل، والتحرك المستديم.
ويمكن عن طريق الاعتماد على الاستخبارات البشرية المكملة للاستخبارات التقنية التعرف على المكان العام الذي من الممكن أن يكون ابن لادن متواجدًا فيه. ولن يكون جمع المعلومات من الناس بالمهمة السهلة، نظرًا لتخوفهم من انتقام تلك المليشيات المسلحة. لكنّ من أُلْقِي القبض عليه من قادة القاعدة وطالبان سيبقون يُمَثِّلُون مصدرًا آخر ذا قيمة للمعلومات الاستخباراتية. فالإمساك بأمراء الحرب الموالين للقاعدة قد يُسَاعِدُ في إلقاء القبض على أسامة بن لادن، لأنهم على دراية بأماكن وتحركات الرجل الأول.
لقد أصبح ابن لادن الآن مصدرًا للإلهام لدى الراديكاليين الإسلاميين، لذلك سيكون إلقاء القبض عليه رمزًا هامًّا للنصر، وإن لم يمثل ذلك هزيمةً استراتيجية للقاعدة أو طالبان. لكن الولايات المتحدة لن تحقق أيًّا من النَّصْرَيْنِ (الرمزي أو الاستراتيجي) ضد عدوها، إلا إذا عملت مع باكستان كشريك.
مساعدة الباشتون
خبير شئون الإرهاب الصحافي رحيم الله يوسفزاي
حتى تستطيع الولايات المتحدة الإمساك بأسامة بن لادن أو قتله فإنها بحاجة إلى كسب أصدقاء وحلفاء في مناطق القبائل الباكستانية. لكن السياسات الأمريكية ، وللأسف، تعمل على عكس ذلك. فقد أسهمت الضربات الجوية الطائشة، التي قتلت مدنيين أبرياء، في صنع أعداء لدودين من قبائل الباشتون، ممن يعيشون على جانِبَي خط دوراند (وهو الحدود الفاصلة بين أفغانستان وباكستان، ويمتد على مسافة 2640 كيلومترًا)، ويمثلون كتلة طالبان.
أما القنابل والضربات الصاروخية، فلن تستطيع إجبار قبائل الباشتون على التوسل وطلب الرحمة والتعاون مع المهاجمين، نظرًا لطبيعتهم القاسية، وصبرهم الذي لا يعرف حدودًا.
وكي تستطيع كسب دعم الباشتون وتأييدهم، ينبغي على الولايات المتحدة وحلفائها أن يبعدوهم عن طالبان، وهو الأمر الذي يتطلب بدوره إبعاد طالبان عن القاعدة؛ لأن اجتماعهم سويًّا يتيح لهم فرصة التوحد في مواجهة عدو مشترك. ولأن القاعدة وطالبان كيانان مختلفان، ولهما أجندتان منفصلتان، فيجب التعامل مع كل منهما بطريقة مختلفة، وإذا ما حدث ذلك، فسيجد أسامة بن لادن وغيره من الغرباء صعوبةً في الحصول على الدعم المحلي، وإيجاد الملجأ لدى الباشتون.
لكن كيف تستطيع الولايات المتحدة كسب تأييدهم؟
إحدى المصادر الرئيسية لغضب الباشتون هي غياب الأمن، والقتلُ المنتشر في منطقتهم، الأمر الذي يحول دون إيجاد وظائف جديدة، أو حدوث تطوير في محيطهم. يحدث ذلك رغم وَعْد الولايات المتحدة بِدَعْمٍ يقدر بـ 750 مليون دولار على مدار خمس سنوات للمناطق القبلية الباكستانية، وهو الوعد الذي لم يكن مصيره أفضلَ حالًا من الوعود التي أُطلقت من أجل أفغانستان. لذلك فإنّ هذا الدعم من قِبَل الولايات المتحدة وحلفائها ضروريٌّ للغايةٍ كي يضع المناطق القبلية في نفس مستوى بقية باكستان.
مصدر آخر لغضب الباشتون، هو بقاء إقليمهم الرئيسي (إقليم الحدود الشمالي الغربي) دون اسمٍ لائق؛ لذلك سيروقهم إعادة تسميته "باختونخوا"، أرض الباختون أو الباشتون، مثل إقليم بنجاب التابع للبنجابيين، والسند وبلوشستان.
ورغم الضرورة القصوى للتنمية الاقتصادية، إلا أنّ حكمًا ذاتيًّا داخل باكستان من شأنه أن يهدئ شيئًا من قلق الباشتون.
الحذر من الأُمنيات
المحلل السياسي، حسن أسكاري ريزفي، المتخصص في شئون الدفاع بلاهور الباكستانية
إن التخلص من أشخاص يتربعون على رأس هرم القاعدة، كأمثال أسامة بن لادن وأيمن الظواهري عن طريق تدخل عسكري أحادي من جانب الولايات المتحدة في منطقة القبائل الباكستانية سيُنظَر إليه بلا شك باعتباره نصرًا كبيرًا في الدوائر السياسية الأمريكية، لكن ينبغي الحذر من تلك الأمنيات!
أولا: تُعتبر القاعدة الآن رمزًا للمقاومة بالنسبة لكثير من الجماعات المناهضة لأمريكا، والمتواجدة في دول مختلفة، والتي تعمل بشكلٍ مُنْفَصِلٍ عن القيادة المركزية للتنظيم؛ لذلك سيكون قطع رأس التنظيم مجرد إعاقة مؤقتة لتحركهم.
ثانيًا: ماذا لو لو لم يُسفِر التحرك الأحاديُّ الأمريكي في باكستان عن قَتْلِ أو اصطياد زعيم القاعدة؟ بالطبع سيؤدي هذا الفشلُ إلى إضعاف موقف الحكومة الباكستانية المنتخبة، التي تواجه تحدياتٍ داخلية كبيرة، ومسلحين أقوياء، لم يكن انسحابهم الأخير من الساحة السياسية إلا تحركًا تكتيكيًّا أكثر من كونه استراتيجيًا.
ولا تكمن أزمة باكستان الكبرى في ابن لادن، بل في فَشَلِ الرئيس الأسبق برويز مشرف، والقيادة الحالية في حَشْدِ البلاد لمواجهة الإرهاب. ويعتقد معظم الباكستانيين أن تورط بلادهم في الحرب ضد الإرهاب لا يهدف مصالحهم القومية، وأنّ عاطفة العداء لأمريكا تتعدى الدوائر الإسلامية. والتحرك الأحادي من جانب القوات الأمريكية سيُغَذِّي فقط هذه المشاعر، ويزيد من اشتعالها.
باختصارٍ، يمكننا القول: إن الإمساك بابن لادن عن طريق ضربةٍ أحاديّةٍ لن يُنظر إليه باعتباره نصرًا كبيرًا في الحرب ضد الإرهاب. والوضع المعقد في باكستان وأفغانستان يتطلب تعاملًا أكثرَ شمولًا وأطول مدى، بحيث يتضمن دَعْمَ الحكومة المدنية في إسلام أباد، وإقامة حكومة ذات مصداقية في كابل، والتعاون مع الجيش الباكستاني.
إنّ أي تحرك أحادي أمريكي قد ينجح (أو لا ينجح) في إزاحة الجماعات الإرهابية من مناطق القبائل بشكل مؤقت، لكنه بالتأكيد سيَعْمَلُ على زعزعة استقرار باكستان على المدى الطويل. ولن يُسعِد أسامة بن لادن شيءٌ أكثر من رؤية باكستان الدولة الفاشلة القادمة (بعد أفغانستان).
تجفيف المنابع
برفيز هودبهوي، أستاذ الطبيعة النووية في جامعة القائد الأعظم بإسلام أباد
سَبْعُ سنوات مرت على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وما زال أسامة بن لادن ينجح في تضليل صائدي الجوائز، والجواسيس المتخصصين، والوكالات الاستخباراتية، ومقتفي الأثر الذين يُمَشِّطُون الحدود الباكستانية – الأفغانية. كما لم تنجح العمليات الميدانية في تحقيق الكثير. أمّا العملية العسكرية الأخيرة التي قامت بها باكستان بالقرب من معاقل طالبان في باجور، فلم تُسْفِرْ إلا عن تهجير 250 ألف مواطن، ومئات القتلى من المقاتلين العرب والتابعين لطالبان.
لقد دخلت القاعدة مرحلةً جديدة من التفكير تجاوزت الحدود وتخطت الأفراد، لكن حتى إذا نجحت القاعدة وحلفاؤها من طالبان في نَشْرِ أذرعهم الأخطبوطية أكثر وأكثر على إقليم الحدود الشمالية الغربية، والإقليم الفيدرالي القبلي (فاتا) الذي تسيطر عليه طالبان، سيبقى رغم كل ذلك أخبارٌ جيدة تُؤَكِّدُ أهمية تجفيف المنابع التي يتغذى عليها التطرف، ووضع المزيد من القوات الباكستانية في منطقة (فاتا)، والتعامل مباشرةً مع أسباب التعاسة الإنسانية في هذه الأرض - التي يغزوها الفقر، ولا تعرف سيادةً لقانون- وتنقية الوكالات الاستخباراتية من العناصر الموالية لطالبان والقاعدة.
وربما تكون هذه الطريق طويلةً، لكنها أفضل بامتياز من الحصول على رقبة ابن لادن.
بعد مرور سبع سنوات على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لا يزال الغموض يلف أسامة بن لادن، كما كان دائمًا. ولأن معظم المحللين يعتقدون أن زعيم تنظيم القاعدة يختبئ في منطقة القبائل الباكستانية على الحدود مع أفغانستان، طرحت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية على خمسة خبراء باكستانيين سؤالا واحدًا مفاده (كيف يمكننا الإمساك بأسامة بن لادن؟)، فكانت هذه النصائح:
معلومات استخباراتية
الصحفي والمحلل السياسي، شوجا نواز، مؤلف كتاب (سيوف متقاطعة: باكستان، جيشها، والحرب داخلها) الذي صدر العام الجاري 2008.
يحتاج أسامة بن لادن شبكةً لوجستية واسعةً ليبقى على اتصالٍ فاعلٍ مع أتباعه، وهو الأمر الذي يُمَثِّلُ فرصة للإمساك به، عن طريق اختراق عملاء مزدوجين (السكان المحليين والعرب الذين يمكنهم التسلل ببطء إلى سلسلة القاعدة اللوجستية) لهذه الشبكة.
ولا يستطيع ابن لادن التحرك بسهولة بدون صُحبة كبيرة نوعًا ما، لذلك ينبغي مراقبة الشاحنات من فئة Double Cab، التي تجتاز الجبال والغابات في منطقة السلاسل الجبلية الهندية الواقعة بين أفغانستان وباكستان، حيث قد يكون مختبئًا غالبًا. بالإضافة إلى البحث في مقاطعتي دير وشيترال الحدوديتين، والأقاليم الأفغانية المتاخمة للحدود، وسوف تساعد الرشاوى في الحصول على المعلومات المطلوبة.
أما قادة طالبان فيستخدمون الهواتف المتصلة بالأقمار الصناعية، والتي من السهل تعقُّبُهَا. وأفضل أنواعها (الثريا)، التي تُباع في بيشاور.
وفي هذا الإطار ينبغي على الولايات المتحدة وباكستان العمل، كُلٌّ على حده، لتجنب تسرب المعلومات، والاستعانة بخبراء الحدود من وكالة الاستخبارات الباكستانية، والمخابرات العسكرية، وربطهم بفرقة صغيرة من الكوماندوز التي تعمل على تَعَقُّبِ قادة القاعدة وطالبان، ووضعهم داخل مقر الجيش الباكستاني؛ لتجنب أي اختراق من قِبَلِ وكالة الاستخبارات الباكستانية، ودعمهم بطاقم تقني يستطيع تعقب الاتصالات الإليكترونية.
كذلك تجهيز فريق الكومانذوز بطائرات سريعة من طراز آباتشي، ومروحيات من طراز (إم آي-17)، للاستجابة الهجومية المباغتة. وسيكونون بحاجة إلى نظارات للرؤية الليلية، لكن ليس من الطراز القديم الذي مازالت الولايات المتحدة تزود به قواتها.
وفوق كل هذا ينبغي تجَنُّب ما يُسَمَّى بـ (الدمار المصاحب)، وهو الذي تحدث عنه بيت الله محسود، قائد طالبان باكستان، مؤخرًا في أحد اللقاءات الصحفية، حين قال: "لقد سافرتُ 3 أشهر لأستطيع تجنيد 10-15 فردًا فقط ، لكنّ قنبلة أمريكية واحدة قتلت مدنيين أبرياء، ساعدتني في تجنيد المئات".
الشراكة مع باكستان
الجنرال طلعت مسعود، الخبير في الشئون الإستراتيجية
تبحث إدارة الرئيس بوش عن نتائج سريعة ومُضَلِّلة، بينما النصر في حاجةٍ إلى نظرة طويلة الأمد. وقد أشعلت الضربات الجوية الأمريكية المتكررة على الحزام القبلي الباكستاني، والعمليات العسكرية المحدودة التي قامت بها القوات الأمريكية جنوبي وزيرستان، غَضَبَ المواطنين داخل البلاد. الأمر الذي دفع المعتدلين الغاضبين إلى الانضمام إلى الأحزاب الدينية، داعين الحكومة الباكستانية إلى إعادة النظر في تحالفها ضد الإرهاب. ورغم أن الحكومة ستقاوم هذا الضغط، إلا أنها ستجد صعوبة في تهدئة الرأي العام إذا ما تصاعدت تلك الضربات.
في الواقع، لن تُفَضِّلَ القاعدة وطالبان شيئًا أكثر من مقاتلة الأمريكيين على الأرض الباكستانية، وهو الأمر الذي يعطي انطباعًا أنهم يقاومون اعتداءً خارجيًّا. وسيكون من الصعوبة السياسية بمكانٍ على القوات المسلحة الباكستانية أن تستمر عملياتها ضد من تعتبرهم "متمردين" إذا ما تَدَخَّلَت أمريكا بقواتها البرية.
إنّ أمريكا بحاجة إلى مواجهة الحقيقة القائلة أنها لن تُمْسِكَ بأسامة بن لادن دون مساعدة باكستان. وإذا ما كان لدى صُنَّاع القرار الأمريكيين هواجِسُ بشأن بعض عناصر الاستخبارات الباكستانية، أو أي من الوكالات الاستخباراتية الأخرى، فقد حان الوقت لمصارحتهم، والتأكد من أنهم جادون بشأن محاربة الإرهاب والمتمردين.
ويُمَثِّلُ العمل من خلال القبائل أفضلَ الطرق للوصول إلى الهدف؛ لأن ابن لادن في الغالب ما يكون محاطًا بدوائر عديدة من الحراس الذين يتميزون بالولاء المطلق، وحمل السلاح الثقيل، والتحرك المستديم.
ويمكن عن طريق الاعتماد على الاستخبارات البشرية المكملة للاستخبارات التقنية التعرف على المكان العام الذي من الممكن أن يكون ابن لادن متواجدًا فيه. ولن يكون جمع المعلومات من الناس بالمهمة السهلة، نظرًا لتخوفهم من انتقام تلك المليشيات المسلحة. لكنّ من أُلْقِي القبض عليه من قادة القاعدة وطالبان سيبقون يُمَثِّلُون مصدرًا آخر ذا قيمة للمعلومات الاستخباراتية. فالإمساك بأمراء الحرب الموالين للقاعدة قد يُسَاعِدُ في إلقاء القبض على أسامة بن لادن، لأنهم على دراية بأماكن وتحركات الرجل الأول.
لقد أصبح ابن لادن الآن مصدرًا للإلهام لدى الراديكاليين الإسلاميين، لذلك سيكون إلقاء القبض عليه رمزًا هامًّا للنصر، وإن لم يمثل ذلك هزيمةً استراتيجية للقاعدة أو طالبان. لكن الولايات المتحدة لن تحقق أيًّا من النَّصْرَيْنِ (الرمزي أو الاستراتيجي) ضد عدوها، إلا إذا عملت مع باكستان كشريك.
مساعدة الباشتون
خبير شئون الإرهاب الصحافي رحيم الله يوسفزاي
حتى تستطيع الولايات المتحدة الإمساك بأسامة بن لادن أو قتله فإنها بحاجة إلى كسب أصدقاء وحلفاء في مناطق القبائل الباكستانية. لكن السياسات الأمريكية ، وللأسف، تعمل على عكس ذلك. فقد أسهمت الضربات الجوية الطائشة، التي قتلت مدنيين أبرياء، في صنع أعداء لدودين من قبائل الباشتون، ممن يعيشون على جانِبَي خط دوراند (وهو الحدود الفاصلة بين أفغانستان وباكستان، ويمتد على مسافة 2640 كيلومترًا)، ويمثلون كتلة طالبان.
أما القنابل والضربات الصاروخية، فلن تستطيع إجبار قبائل الباشتون على التوسل وطلب الرحمة والتعاون مع المهاجمين، نظرًا لطبيعتهم القاسية، وصبرهم الذي لا يعرف حدودًا.
وكي تستطيع كسب دعم الباشتون وتأييدهم، ينبغي على الولايات المتحدة وحلفائها أن يبعدوهم عن طالبان، وهو الأمر الذي يتطلب بدوره إبعاد طالبان عن القاعدة؛ لأن اجتماعهم سويًّا يتيح لهم فرصة التوحد في مواجهة عدو مشترك. ولأن القاعدة وطالبان كيانان مختلفان، ولهما أجندتان منفصلتان، فيجب التعامل مع كل منهما بطريقة مختلفة، وإذا ما حدث ذلك، فسيجد أسامة بن لادن وغيره من الغرباء صعوبةً في الحصول على الدعم المحلي، وإيجاد الملجأ لدى الباشتون.
لكن كيف تستطيع الولايات المتحدة كسب تأييدهم؟
إحدى المصادر الرئيسية لغضب الباشتون هي غياب الأمن، والقتلُ المنتشر في منطقتهم، الأمر الذي يحول دون إيجاد وظائف جديدة، أو حدوث تطوير في محيطهم. يحدث ذلك رغم وَعْد الولايات المتحدة بِدَعْمٍ يقدر بـ 750 مليون دولار على مدار خمس سنوات للمناطق القبلية الباكستانية، وهو الوعد الذي لم يكن مصيره أفضلَ حالًا من الوعود التي أُطلقت من أجل أفغانستان. لذلك فإنّ هذا الدعم من قِبَل الولايات المتحدة وحلفائها ضروريٌّ للغايةٍ كي يضع المناطق القبلية في نفس مستوى بقية باكستان.
مصدر آخر لغضب الباشتون، هو بقاء إقليمهم الرئيسي (إقليم الحدود الشمالي الغربي) دون اسمٍ لائق؛ لذلك سيروقهم إعادة تسميته "باختونخوا"، أرض الباختون أو الباشتون، مثل إقليم بنجاب التابع للبنجابيين، والسند وبلوشستان.
ورغم الضرورة القصوى للتنمية الاقتصادية، إلا أنّ حكمًا ذاتيًّا داخل باكستان من شأنه أن يهدئ شيئًا من قلق الباشتون.
الحذر من الأُمنيات
المحلل السياسي، حسن أسكاري ريزفي، المتخصص في شئون الدفاع بلاهور الباكستانية
إن التخلص من أشخاص يتربعون على رأس هرم القاعدة، كأمثال أسامة بن لادن وأيمن الظواهري عن طريق تدخل عسكري أحادي من جانب الولايات المتحدة في منطقة القبائل الباكستانية سيُنظَر إليه بلا شك باعتباره نصرًا كبيرًا في الدوائر السياسية الأمريكية، لكن ينبغي الحذر من تلك الأمنيات!
أولا: تُعتبر القاعدة الآن رمزًا للمقاومة بالنسبة لكثير من الجماعات المناهضة لأمريكا، والمتواجدة في دول مختلفة، والتي تعمل بشكلٍ مُنْفَصِلٍ عن القيادة المركزية للتنظيم؛ لذلك سيكون قطع رأس التنظيم مجرد إعاقة مؤقتة لتحركهم.
ثانيًا: ماذا لو لو لم يُسفِر التحرك الأحاديُّ الأمريكي في باكستان عن قَتْلِ أو اصطياد زعيم القاعدة؟ بالطبع سيؤدي هذا الفشلُ إلى إضعاف موقف الحكومة الباكستانية المنتخبة، التي تواجه تحدياتٍ داخلية كبيرة، ومسلحين أقوياء، لم يكن انسحابهم الأخير من الساحة السياسية إلا تحركًا تكتيكيًّا أكثر من كونه استراتيجيًا.
ولا تكمن أزمة باكستان الكبرى في ابن لادن، بل في فَشَلِ الرئيس الأسبق برويز مشرف، والقيادة الحالية في حَشْدِ البلاد لمواجهة الإرهاب. ويعتقد معظم الباكستانيين أن تورط بلادهم في الحرب ضد الإرهاب لا يهدف مصالحهم القومية، وأنّ عاطفة العداء لأمريكا تتعدى الدوائر الإسلامية. والتحرك الأحادي من جانب القوات الأمريكية سيُغَذِّي فقط هذه المشاعر، ويزيد من اشتعالها.
باختصارٍ، يمكننا القول: إن الإمساك بابن لادن عن طريق ضربةٍ أحاديّةٍ لن يُنظر إليه باعتباره نصرًا كبيرًا في الحرب ضد الإرهاب. والوضع المعقد في باكستان وأفغانستان يتطلب تعاملًا أكثرَ شمولًا وأطول مدى، بحيث يتضمن دَعْمَ الحكومة المدنية في إسلام أباد، وإقامة حكومة ذات مصداقية في كابل، والتعاون مع الجيش الباكستاني.
إنّ أي تحرك أحادي أمريكي قد ينجح (أو لا ينجح) في إزاحة الجماعات الإرهابية من مناطق القبائل بشكل مؤقت، لكنه بالتأكيد سيَعْمَلُ على زعزعة استقرار باكستان على المدى الطويل. ولن يُسعِد أسامة بن لادن شيءٌ أكثر من رؤية باكستان الدولة الفاشلة القادمة (بعد أفغانستان).
تجفيف المنابع
برفيز هودبهوي، أستاذ الطبيعة النووية في جامعة القائد الأعظم بإسلام أباد
سَبْعُ سنوات مرت على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وما زال أسامة بن لادن ينجح في تضليل صائدي الجوائز، والجواسيس المتخصصين، والوكالات الاستخباراتية، ومقتفي الأثر الذين يُمَشِّطُون الحدود الباكستانية – الأفغانية. كما لم تنجح العمليات الميدانية في تحقيق الكثير. أمّا العملية العسكرية الأخيرة التي قامت بها باكستان بالقرب من معاقل طالبان في باجور، فلم تُسْفِرْ إلا عن تهجير 250 ألف مواطن، ومئات القتلى من المقاتلين العرب والتابعين لطالبان.
لقد دخلت القاعدة مرحلةً جديدة من التفكير تجاوزت الحدود وتخطت الأفراد، لكن حتى إذا نجحت القاعدة وحلفاؤها من طالبان في نَشْرِ أذرعهم الأخطبوطية أكثر وأكثر على إقليم الحدود الشمالية الغربية، والإقليم الفيدرالي القبلي (فاتا) الذي تسيطر عليه طالبان، سيبقى رغم كل ذلك أخبارٌ جيدة تُؤَكِّدُ أهمية تجفيف المنابع التي يتغذى عليها التطرف، ووضع المزيد من القوات الباكستانية في منطقة (فاتا)، والتعامل مباشرةً مع أسباب التعاسة الإنسانية في هذه الأرض - التي يغزوها الفقر، ولا تعرف سيادةً لقانون- وتنقية الوكالات الاستخباراتية من العناصر الموالية لطالبان والقاعدة.
وربما تكون هذه الطريق طويلةً، لكنها أفضل بامتياز من الحصول على رقبة ابن لادن.