تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : ضروب التهديد والزجر والوعيد التي توعد الله بها المتعاملين بالربا



أحمد الظرافي
10-08-2008, 08:02 PM
ضروب التهديد والزجر والوعيد التي توعد الله بها المتعاملين بالربا
بقلم: أحمد الظرافي

جاء الإسلام لإرساء دعائم العدل والمحبة والإخاء وإقامة المجتمع الإسلامي المتكافل والمتعاون والمتراحم وإزالة كل أشكال الظلم والاستغلال والأنانية والقضاء على كل أمراض الجاهلية ولذلك فقد كان موقف الإسلام من الربا موقفاً حازماً وجازماً فقد حرمه تحريماً مطلقاً وندد به أشنع تنديد وتوعد المتعاملين به بأشد ضروب التهديد والزجر والوعيد وقد ورد ذلك في نصوص قرآنية وأحاديث نبوية صريحة وواضحة لا لبس فيها ولا غموض .


وفيما يلي سوف نتناول موقف كلٍ من القرآن والسنة من الربا وما ورد في كل منهما من تهديد وزجر ووعيد لأكلة الربا المصرين على التعامل به بعد أن بلغهم الوحي الإلهي


أولا: مظاهر التهديد والزجر والوعيد في القرآن الكريم:
لقد نص القرآن الكريم على التحريم المطلق والقاطع للربا وتمثل ذلك في قوله تعالى "الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون، يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم ، أن الذين أمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولاهم يحزنون، يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا أن كنتم مؤمنين، فأن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وأن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا يظلمون ولا تظلمون ).(1)

فهذه الآيات كما هو واضح لم تقتصر على التحريم القاطع والمطلق للربا وإنما قرنت ذلك التحريم بأشد أنواع التهديد والزجر والوعيد

ومن ضروب التهديد والوعيد في الآيات السابقة مايلي:

1- التنفير من الحالة الشنيعة التي يبعث عليها أكلة الربا :
حيث يقومون من قبورهم يوم القيامة عند البعث للآخرة صرعى يتخبطون كالمجنون ( الذي يتخبطه الشيطان من المس ) وذلك أنهم كانوا في الدنيا مجانين بالكسب المادي فلا يشبعهم شي وقد ورد أن المرء يبعث على ما مات عليه .فإذا كان هذا حال آكل الربا عند البعث وقبل الحساب فكيف يكون حاله بعد ذلك في النار.(8)


2- إعلام أكلة الربا بالخلود في جهنم :
فالقرآن الكريم يفتح الباب على مصراعيه لمن يريد أن يتوب بعد أن جاء البلاغ من الله وإلا فالخلود في النار جزاءه وبئس المصير ( فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ).(9)


3- الوعيد الإلهي بمحق الربا في مقابلة الوعد الإلهي بارباء الصدقات
فهو جل شأنه "يمحق الربا" أي يذهبه من يد صاحبه ويحرمه من بركته فلا ينتفع به بل يعدمه ويكون شؤما عليه في الدنيا و الآخرة. وهو سبحانه وتعالى "يربي الصدقات" أي ينميها ويباركها ويزيد في قدرها وقيمتها ويضاعف ثوابها وجعلها ذخراً لصاحبها في الدنيا والآخرة فالصدقة وأن كانت نقص من المال فهي في حقيقتها بركة ونماء لهذا المال ويؤكد الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول (ما نقص مال من صدقة ). أما الربا وأن كان زيادة من حيث الظاهر إلا أنه قي الواقع محق لهذه الزيادة بل ولأصل المال ذاته بما يسلطه الله عليه من الآفات التي تأكل المال.(11) ( يمحق الله الربا ويربي الصدقات ).


4- وصف آكل الربا بأنه كفار أثيم:
وهذا يعني أن أكل الربا جريمة من اكبر الجرائم فهي جريمة مركبة من جريمتين عظيمتين هما الكفر و الإثم بل تجاوزت ذلك إلى المبالغة فيهما معا وهذا ما يفيده الوصف "كفار أثيم" فالكفار هو المبالغ في الكفر و الأثيم هو المبالغ في الإثم، فأكل الربا قد بالغ في الكفر بقسوته على العاجز عن القضاء واستغلاله لحاجة المحتاج بدلاً من أنظاره وتأخير دينه إلى البسرة أو إسعافه بالصدقة, وهو في نفس الوقت أي أكل الربا قد بالغ في الإثم لأنه استخدم نعمة الله في الإضرار بالناس ونشر الفساد في المجتمع ولذلك فأن الله لا يحبه وحرمانه من محبة الله يستلزم بغضه ومقته غز وجل (12) ( والله لا يحب كل كفار أثيم ) .


5- إنذار أكلة الربا بحرب من الله ورسوله :
فالقرآن الكريم لم يقتصر على الأمر بترك ما بقي من الربا أياً كان حجمه أو قدره ( وذروا ما بقي من الربا ) ونفي الإيمان عمن اعرض عن هذا الأمر الإلهي ( أن كنتم مؤمنين ) وإنما أعلم المعرضين عن هذا الأمر الإلهي بحربه وحرب رسوله (13) ( يا أيها الذين أمنوا أتقو الله وذروا ما بقي من الربا أن كنتم مؤمنين ، فأن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وأن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ).


ثانيا: مظاهر التهديد والزجر والوعيد في الحديث الشريف:
لقد جاء موقف الرسول عليه الصلاة والسلام من الربا مؤكداً على موقف القرآن الكريم من حيث التحريم القاطع للربا والتنديد به والتنفير منه بل أن هناك أحاديث نبوية شريفة أشد تنفيراً، وأكثر صرامة من التنفير والزجر الوارد في القرآن الكريم. ومن مظاهر التهديد والزجر والوعيد الوارد في السنة المطهرة بشأن الربا ما يلي:

1- أن لرسول الكريم عدً الربا من السبع الموبقات:
فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا يا رسول الله ما هي؟ قال :
( الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات).(15)


والموبقات معناها المهلكات والتي يؤدي اقتراف واحدة منها إلى الهلاك. وهذا يصدق على الفرد كما يصدق على الأمة وينطبق على هلاك الدنيا وعلى هلاك الآخرة.(16)


2- تجريم ولعن كل من اشترك في عقد الربا وهم في ذلك سواء :
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لعن رسول الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم فيه سواء). (17)


فآكل الربا : هو صاحب المال الذي يقرض بفائدة، وموكله هو المدين الذي يستدين بفائدة يعطيها لصاحب رأس المال، والكاتب والشاهد لأنهما أعانا على ما نهى الله عنه ) . (18)


3- أشار الرسول الكريم إلى أن عقوبة الربا تفوق عقوبة الزنا بأضعاف مضاعفة:
فعن عبد الله بن حنظلة قال رسول الله عليه وسلم: ( درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشدَ عند الله من ست وثلاثين زنية ).(19) وربما كان سبب ذلك ـ كما يقول الشيخ يوسف القرضاوي ـ هو أن الزنا ربما تدفع إليه شهوة عارضة أو غريزة عارمة قد يضعف الإنسان أمامها أما الربا فهو معصية تقع بتخطيط وتبين وإصرار ومن هنا كان الفرق بين الاثنين من حيث النكير الشديد.(20)


4- أشار الرسول إلى كثرة أبواب الربا وأن أدنى هذه الأبواب غاية في القبح والشناعة:
فقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( الربا اثنان وسبعون باباً أدناها مثل إتيان الرجل أمه وأن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه ) رواه الطبراني في الأوسط من طريق عمرو بن راشد ـ قال الشيخ محمد رشيد رضا ـ وقد وثقه ابن حبَان على نكارة حديثه هذا .(21)


5- أن الرسول الكريم عدَ الربا من معاملات الجاهلية الاثيمة التي ابطلها في حجة الوداع:
قال عليه الصلاة والسلام في خطبة حجة الوداع: ( وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضع ربا عباس بن عبد المطلب، فأنه موضوع كله ). (22)

الرسول ومنهج التعامل السليم:
أن الرسول الكريم ـ علاوة على ذلك ـ رسم لنا منهج التعامل السليم الذي يقينا من مغبة الوقوع في الربا، فقد جاء موقف الرسول عليه الصلاة والسلام بتفاصيل اكثر حول الربا حيث لم يتوقف الرسول الكريم عند تحريم الربا والتنديد به تأكيداً لما جاء في القرآن الكريم وإنما أضاف إلى ذلك معلومات كثيرة وتفاصيل دقيقة حول الربا لسد كل الذرائع والطرق المؤدية للربا فقد رسم لنا صلى الله عليه وسلم سبيل التعامل السليم والآمن الذي يقينا من مغبة وعاقبة الوقوع في هذه الجريمة النكراء


فعن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطي فيه سواء ). (23)

وفي رواية أخرى: (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) . (24) بدلا من: فمن زاد.....الخ


ومعنى " مثلا بمثل " اي المساواة في الوزن أو الكيل، " ويد بيد " أن التبادل يتم فورا في نفس المجلس، " واستزاد " أي طلب الزيادة.(25)

وعن أبى سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لاتبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض – اي لا تفضلوا – ولا تبيعوا الورق بالورق الا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها غابئا بناجز ). (26)


ومن هذه الأحاديث يتضح أن منهج التبادل السليم الذي رسمه الرسول صلى الله عليه وسلم يقضي بتقسيم عمليات التبادل إلى ثلاثة أقسام:


القسم الأول: تبادل الأصناف المتحدة نوعا:
كالذهب بالذهب والفضة بالفضة ففي هذه الحالة لابد من توافر شرطين هما: التساوي في الكمية والفورية في التبادل أي التقابض في المجلس وعدم تأخير شيء من البدلين.


القسم الثاني: تبادل الأصناف المختلفة نوعا والمتحدة جنسا
كتبادل الذهب بالفضة،ففي هذه الحالة لابد من توافر شرط واحد فقط هو: الفورية أي التقابض في المجلس بغض النظر عن اختلاف الكم.


القسم الثالث:تبادل الأصناف المختلفة نوعا وجنسا
أي تبادل الأثمان بالمطعومات كتبادل الذهب بالبر أو الشعير ففي هذه الحالة لايلزم أي شرط اللهم إلا المبدأ العام في المعاملة وهو تحري الصدق والأمانة. (27)