معتز بدينه
09-22-2008, 02:35 PM
جزء فيه
الرد على الألباني
وبيان بعض تدليسه
وخيانته
لأبي الفضل عبد الله بن محمد بن الصديق الغمارى
المتوفى سنة 1413هـ
بسم الله الرحمٰن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتّقين، ولا عدوان إلاّ على الظالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وءاله الأكرمين، ورضي الله عن صحابته والتابعين.
وبعد...
فإن الشيخ الألباني صاحب غرض وهوى، إذا رأى حديثًا أو أثرًا لا يوافق هواه فإنه يسعى في تضعيفه بأسلوب فيه تدليس وغشّ ليوهم قرّاءه أنّه مصيب مع أنه مخطىء بل خاطىء غاش، وبأسلوبه هذا أَضلّ كثيرًا من أصحابه الذين يثقون به، ويظنّون أنّه على صواب والواقع خلاف ذلك.
ومن المخدوعين به من يدعى "حمدي السلفي" الذي يحقّق المعجم الكبير، فقد أقدم بجرأة على تضعيف أثر صحيح لم يوافق هواه كما لم يوافق هوى شيخه، وكان كلامه في تضعيفه هو كلام شيخه نفسه، فأردت أن أردّ الحقّ إلى نصابه ببيان بطلان كلام الخادع والمخدوع به، وعلى الله اعتمادي، وإليه تفويضي واستنادي.
روى الطبراني في المعجم الكبير من طريق ابن وهب، عن شبيب، عن رَوْح بن القاسم، عن أبي جعفر الخطمي المدني، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن عمّه عثمان بن حنيف: أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفّان رضي الله عنه في حاجة له، فكان عثمان لا يلتفت إليه، ولا ينظر في حاجته. فلقي عثمان بن حنيف فشكا إليه ذلك، فقال له عثمان بن حنيف: إيت الميضأة فتوضأ ثم إيت المسجد فصلّ فيه ركعتين ثم قل: اللهمّ إني أسألك وأتوجّه إليك بنبيّك محمّد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة يا محمّد إني أتوجه بك إلى ربّي لتقضى لي حاجتي وتذكر حاجتك، وَرُح إليَّ حتى أروح معك. فانطلق الرجل فصنع ما قال له ثم أتى باب عثمان، فجاء البوّاب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفّان فأجلسه معه على الطنفسة وقال له: ما حاجتك؟ فذكر حاجته فقضاها له، ثم قال: ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة، وقال: ما كانت لك من حاجة فائتنا.
ثم إن الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيرًا، ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إليَّ حتى كلّمته فيَّ. فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلّمته ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: "أَوَ تصبر"؟ فقال: يا رسول الله إنّه ليس لي قائد وقد شقَّ عليّ. فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: "ائت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين ثم ادع بهذه الدعوات" قال عثمان بن حنيف: فوالله ما تفرّقنا ولا طال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنّه لم يكن به ضرّ.
صحّحه الطبراني وتعقّبه حمدي السلفي بقوله: "لا شكّ في صحة الحديث المرفوع وإنما الشكّ في هذه القصّة التي يستدل بها على التوسل المبتدع، وهي انفرد بها شبيب كما قال الطبراني، وشبيب لا بأس بحديثه بشرطين: أن يكون من رواية ابنه أحمد عنه، وأن يكون من رواية شبيب عن يونس بن يزيد. والحديث رواه عن شبيب ابن وهب وولداه إسماعيل وأحمد، وقد تكلّم الثقات في رواية ابن وهب عن شبيب، في شبيب، وابنه إسماعيل لا يعرف، وأحمد وان روى القصة عن أبيه إلاّ أنها ليست من طريق يونس بن يزيد. ثم اختلف فيها على أحمد فرواه ابن السني في عمل اليوم والليلة، والحاكم من ثلاثة طرق بدون ذكر القصّة، ورواه الحاكم من طريق عون بن عمارة البصري، عن روْح بن القاسم.
قال شيخنا محمد ناصر الدين الألباني: وعون هذا وإن كان ضعيفًا فروايته أولى من رواية شبيب لموافقتها لرواية شعبة، وحماد بن سلمة، عن أبي جعفر الخطمي المدني" اهـ كلام حمدي السلفي.
وفي هذا الكلام تدليس وتحريف نبيّنه فيما يلي:
هذه القصة رواها البيهقي في دلائل النبوّة من طريق يعقوب بن سفيان، حدّثنا أحمد بن شبيب بن سعيد، ثنا أبي، عن رَوْح بن القاسم، عن أبي جعفر الخطمي، عن أبي امامة بن سهل بن حنيف، عن عمّه عثمان بن حنيف: أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفّان رضي الله عنه...، فذكر القصّة بتمامها.
يعقوب بن سفيان هو الفسوي الحافظ الإمام الثقة، بل هو فوق الثقة.
وهذا إسناد صحيح.
فالقصّة صحيحة جدًّا وقد وافق على تصحيحها أيضًا الحافظ المنذري في الترغيب، والحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد.
أحمد بن شبيب من رجال البخاري، روى عنه في الصحيح، وفي الأدب المفرد.
وثّقه أبو حاتم الرازي وكتب عنه هو وأبو زُرعة.
وقال ابن عدي: "وثقه أهل البصرة، وكتب عنه علي بن المديني".
وأبوه شبيب بن سعيد التميمي الحبطي البصري أبو سعيد من رجال البخاري أيضًا، روى عنه في الصحيح، والأدب المفرد.
وثّقه أبو زرعة، وأبو حاتم، والنسائي، والذهلي، والدارقطني، والطبراني في الأوسط.
قال أبو حاتم: "كان عنده كتب يونس بن يزيد، وهو صالح الحديث لا بأس به".
وقال ابن عدي: "ولشبيب نسخة الزهري عنده عن يونس، عن الزهري أحاديث مستقيمة".
وقال ابن المديني: "ثقة كان يختلف في تجارة إلى مصر، وكتابه كتاب صحيح".
هذا ما يتعلّق بتوثيق شبيب، وليس فيه اشتراط صحة روايته بأن تكون عن يونس ابن يزيد، بل صرّح ابن المديني بأن كتابه صحيح. وابن عدي إنّما تكلّم على نسخة الزهري عند شبيب فقط ولم يقصد جميع رواياته، فما ادّعاه الألباني تدليس وخيانة.
ويؤكد ذلك أن حديث الضرير صحّحه الحفّاظ ولم يروه شبيب عن يونس، عن الزهري، وإنّما رواه عن رَوْح بن القاسم.
ودعواه ضعف القصّة بالاختلاف فيها حيث لم يذكرها بعض الرواة عند ابن السني والحاكم لون ءاخر من التدليس، لأن من المعلوم عند أهل العلم أن بعض الرواة يروي الحديث وما يتّصل به كاملاً، وبعضهم يختصر منه بحسب الحاجة. والبخاري يفعل هذا أيضًا، فكثيرًا ما يذكر الحديث مختصرًا ويوجد عند غيره تامًّا.
والذي ذكر القصّة في رواية البيهقي إمام فذّ، يقول عنه أبو زرعة الدمشقي: "قدم علينا رجلان من نبلاء الناس أحدهما وأرحلهما يعقوب بن سفيان يعجز أهل العراق أن يروا مثله رجلاً".
وتقديمه رواية عون الضعيف على من زاد القصة لون ثالث من التدليس والغش.
فإن الحاكم روى حديث الضرير من طريق عون مختصرًا ثم قال: "تابعه شبيب ابن سعيد الحبطي، عن روْح بن القاسم زيادات في المتن والإسناد والقول فيه قول شبيب فإنه ثقة مأمون".
هذا كلام الحاكم وهو يؤكّد ما تقرّر عند علماء الحديث والأصول أن زيادة الثقة مقبولة، وأن من حفظ حجة على من لم يحفظ.
والألباني رأى كلام الحاكم لكن لم يعجبه، لذلك أضرب عنه صفحًا، وتمسّك بأولوية رواية عون الضعيف عنادًا وخيانة
( قلنا:وهذه ليست الأولى منه فقد ضعف الألباني الأثر الصحيح الذي قال عنه ابن حجر في الفتح 2/397:"روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن أبي صالح السمان، عن مالك الدار وكان خازن عمر قال: أصاب الناس قحط شديد زمن عمر، فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، فأتي الرجل في المنام فقيل له: ائت عمر وأقرئه السلام وأخبرهم أنهم يسقون".
ضعّفه الألباني بجهالة مالك الدار لأنه مخالف لهواه. وأعرض عن ترجمته المذكورة في الإصابة 3/484 وطبقات ابن سعد 5/12 وقال عنه: وكان معروفًا، وثقات ابن حبّان 5/384 والتاريخ الكبير للبخاري 7/304 وذكر جملة من القصة).
تبيّن مما أوردناه وحقّقناه في كشف تدليس الألباني وغشّه، أن القصّة صحيحة جدًّا رغم محاولته وتدليساته.
وهي تفيد جواز التوسّل بالنبيّ صلى الله عليه وسلم بعد انتقاله، لأن الصحابي راوي الحديث فهم ذلك، وفهم الراوي له قيمته العلمية وله وزنه في مجال الاستنباط.
وإنما قلنا إن القصة من فهم الصحابي على سبيل التنزّل، والحقيقة أن ما فعله عثمان بن حنيف من إرشاده الرجل إلى التوسل كان تنفيذًا لما سمعه من النبيّ صلى الله عليه وسلم كما ثبت في حديث الضرير.
قال ابن [أبي] خيثمة في تاريخه: حدّثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا حماد بن سلمة، أنا أبو جعفر الخطمي، عن عمارة بن خزيمة، عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه: أن رجلاً أعمى أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إني أصبت في بصري فادعُ الله لي فقال: "اذهب فتوضأ وصلّ ركعتين ثم قل: اللهمَّ إني أسألك وأتوجّه إليك نبييّ محمّد نبيّ الرحمة يا محمّد إني استشفع بك على ربّي في ردّ بصري اللهمّ فشفعني في نفسي وشفع نبيّ في رد بصري، وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك".
إسناده صحيح، والجملة الأخيرة من الحديث تصرح بإذن النبيّ صلى الله عليه وسلم في التوسّل به عند عروض حاجة تقتضي.
وقد أعلّ ابن تيمية هذه الجملة بعلل واهية بينتُ بطلانها في غير هذا المحل. وابن تيمية جرىء في ردّ الحديث الذي لا يوافق غرضه ولو كان في الصحيح.
مثال ذلك: روى البخاري في صحيحه حديث: "كان الله ولم يكن شىء غيره"(1) وهو موافق لدلائل النقل والعقل وللإجماع ولكنه خالف رأيه في اعتقاده قِدَم العالم (2)، فعمد إلى رواية للبخاري أيضًا في هذا الحديث بلفظ: "كان الله ولم يكن شىء قبله" فرجحها على الرواية المذكورة بدعوى أنها توافق الحديث الآخر:"أنت الأوّل فليس قبلك شىء". قال الحافظ ابن حجر: "مع أن قضية الجمع بين الروايتين تقتضي حمل هذه الرواية على الأولى لا العكس، والجمع مقدم على الترجيح بالاتفاق" اهـ.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب التوحيد: باب وكان عرشه على الماء، وهو ربّ العرش العظيم.
وقال ابن حجر في فتحه 13/348: "تقدّم في بدء الخلق بلفظ" ولم يكن شىء غيره"، وفي رواية أبي معاوية: "كان الله قبل كل شىء" وهو بمعنى "كان الله ولا شىء معه"، وهي أصرح في الرد على من أثبت حوادث لا أوّل لها من رواية الباب وهي من مستشنع المسائل المنسوبة لابن تيمية".
(2) نسبة هذا الكلام له نقلها غير واحد من الحفّاظ المعتبرين معاصرين وغيرهم، وكما نجد ذلك في كتبه المنهاج، وشرح حديث عمران بن حصين، ونقد مراتب الإجماع، والموافقة وغيرها من كتبه وهذا ليس موضع بسطها.
قلت: تعصّبه لرأيه أعماه عن فهم الروايتين اللتين لم يكن بينهما تعارض، لأن رواية: "كان الله ولم يكن شىء قبله" تفيد معنى اسمه "الأول" بدليل: "أنت الأول فليس قبلك شىء"، ورواية: "كان الله ولم يكن شىء غيره" تفيد معنى اسمه "الواحد" بدليل رواية: "كان الله قبل كل شىء".
مثال ثانٍ: حديث: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسدّ الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب علي عليه السلام" حديث صحيح. أخطأ ابن الجوزي بذكره في الموضوعات وردّ عليه الحافظ في القول المسدد. وابن تيمية لانحرافه عن علي عليه السلام كما هو معلوم لم يكفه حكم ابن الجوزي بوضعه فزاد من كيسه حكاية اتفاق المحدثين على وضعه. وأمثلة ردّه للأحاديث التي يردّها لمخالفة رأيه كثيرة يعسر تتبعها.
ونقول على سبيل التنزُّل: لو فرضنا أن القصة ضعيفة تطييبًا لخاطر الألباني، وأن رواية ابن أبي خيثمة معلولة كما في محاولة ابن تيمية.
قلنا: في حديث توسّل الضرير كفاية وغناء، لأن النبيّ حين علّم الضرير ذلك التوسّل دلّ على مشروعيته في جميع الحالات، ولا يجوز أن يُقال عنه توسل مبتَدع، ولا يجوز تخصيصه بحال حياته صلى الله عليه وسلم، ومن خصّصه فهو المبتدع حقيقة، لأنه عطل حديثًا صحيحًا، وأبطل العمل به وهو حرام.
والألباني جرىء على دعوى التخصيص أو النسخ لمجرد خلاف رأيه وهواه. فحديث الضرير لو كان خاصًّا به لبيّنه النبيّ صلى الله عليه وسلم كما بيّن لأبي بردة أن الجذعة من المعز تجزئه في الأضحية ولا تجزىء غيره كما في الصحيحين.
وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
استشكال وجوابه
قد يقال: الداعي إلى تخصيص الحديث بحال حياة النبيّ صلى الله عليه وسلم ما فيه من ندائه وهو عذر مقبول.
الجواب: إن هذا اعتذار مردود لأنه تواتر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم تعليم التشهّد في الصلاة وفيه السلام عليه بالخطاب ونداؤه :"السلام عليك أيُّها النبيّ"، وبهذه الصيغة علّمه على المنبر النبويّ أبو بكر، وعمر، وابن الزبير، ومعاوية، واستقرّ عليه الإجماع كما يقول ابن حزم وابن تيمية.
والألباني لابتداعه خالف هذا كلّه وتمسّك بقول ابن مسعود: "فلما مات قلنا: السلام على النبيّ". ومخالفة التواتر والإجماع هي عين الابتداع.
مع أنه صحّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أن أعمالنا تعرض عليه (1) وكذلك صلاتنا عليه صلى الله عليه وسلم تعرض عليه (2)، وثبت أن لله ملائكة سيّاحين في الأرض يبلّغونه سلام أمّته.
(1) والحديث الوارد: "حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم، ووفاتي خير لكم يُعرض علي أعمالكم، فما رأيت من خير حمدت الله عليه، وما رأيت من شر استغفرت الله لكم". أخرجه البزار كما في (كشف الأستار) 1/397 عن ابن مسعود، وقال الهيثمي في المجمع 9/24: "رواه البزار ورجاله رجال الصحيح"، وأخرجه ابن سعد في الطبقات 2/194 بنحوه، وابن النجّار في مسنده كما في كنز العمّال 12/420ـ421 وأورده ابن حجر في المطالب العالية 4/22-23 وعزاه للحارث.
(2) والحديث الوارد في ذلك "... فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليّ..." الحديث، وسيأتي تخريجه.
وأيضًا في حديث أبي مسعود الأنصاري أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "أكثروا الصلاة علي في يوم الجمعة، فإنه ليس يصلي عليّ أحد يوم الجمعة إلاّ عرضت عليّ صلاته" أخرجه البيهقي في حياة الأنبياء بعد وفاتهم رقم/10 والحاكم في المستدرك 2/421 وصححه ووافقه الذهبي ثم قال في أبي رافع: ضعفوه.
وأيضًا من حديث أبي أمامة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: أكثروا عليّ من الصلاة في كل يوم جمعة. فإن صلاة أمّتي تعرض عليّ في كل يوم جمعة، فمن كان أكثرهم عليّ صلاة كان أقربهم منّي منزلة" أخرجه البيهقي في حياة الأنبياء بعد وفاتهم رقم/11 وأخرجه البيهقي أيضًا في سننه 3/249 وقال: "وروي ذلك من أوجه عن أنس بألفاظٍ مختلفة ترجع كلها إلى التحريض على الصلاة على النبيّ ليلة الجمعة ويوم الجمعة". وقال المنذري في الترغيب والترهيب 2/503: "رواه البيهقي بإسناد حسن إلا أن مكحولاً قيل لم يسمع من أبي أمامة" وذكره السيوطي في الجامع الصغير 1/209 وعزاه للبيهقي في الشعب، ورمز له بالحسن ونقل المناوي في فيض القدير 2/87 عن الذهبي أنه أعلّه في المهذب بأن مكحولاً لم يلق أبا أمامة فهو منقطع.
وأيضًا من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، ولا تجعلوا قبري عيدًا، وصلّوا علّي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم".
أخرجه أبو داود في سننه: "كتاب المناسك: باب زيارة القبور، وأحمد في مسنده 2/367 والبيهقي في حياة الأنبياء بعد وفاتهم رقم /13)
وثبت بالتواتر والإجماع أن النبيّ صلى الله عليه وسلم حيّ في قبره.
وأن جسده الشريف لا يبلى، فكيف يمتنع مع هذا نداؤه في التوسل به؟ وهل هو إلاّ مثل ندائه في التشهُّد.
لكن الألباني عنيد شديد العناد، والألبانيُّون [أغلبهم] عندهم عناد وصلابة في الرأي، أخبرني بذلك عالِم ألباني حضر عليّ في تفسير البيضاوي وشرح التحرير لابن أمير الحاج، وكان وديعًا هادىء الطبع.
هذا موجز ردّنا لدعوى الألباني، أمّا من يدعى "حمدي السلفي" فليس هناك، وإنما هو مجرّد مخدوع، يردد الصدى.
والذي أقرّره هنا أن الألباني غير مؤتمن في تصحيحه وتضعيفه، بل يستعمل في ذلك أنواعًا من التدليس والخيانة في النقل، والتحريف في كلام العلماء، مع جرأته على مخالفة الإجماع وعلى دعوى النسخ بدون دليل، وهذا يرجع إلى جهله بعلم الأصول وقواعد الاستنباط.
ويدعي أنه يحارب البدع مثل التوسُّل بالنبيّ صلى الله عليه وسلم، وتسويده في الصلاة عليه، وقراءة القرءان على الميت!! لكنه يرتكب أقبح البدع بتحريم ما أحلّ الله، وشتم مخالفيه بأقذر الشتائم خصوصًا الأشعريّة والصوفيّة، وحاله في هذا كحال ابن تيمية تطاول على الناس فأكفر طائفة من العلماء، وبدّع طائفة أخرى، ثم اعتنق هو بدعتين لا يوجد أقبح منهما: إحداهما قوله بقِدَم العالم، وهي بدعة كفرية، والعياذ بالله تعالى.
والأخرى: انحرافه عن عليّ عليه السلام، ولذلك وسمه علماء عصره بالنفاق لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم لعليّ: "لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق".
وهذه عقوبة من الله لابن تيمية (1) الذي يسمّيه الألباني شيخ الإسلام، ولا أدري كيف يُعطى هذا اللقب وهو يعتقد عقيدة تناقض الإسلام؟!! وأظن بل أجزم أن الحافظ ابن ناصر لو اطّلع على عقيدته لما كتب عنه كتاب "الردّ الوافر"، وكذلك الالوسي لو عرف عقيدته لما كتب "جلاء العينين".
(1) وقد ذكر أبو عبد الله علاء الدين البخاري العجمي الحنفي المتوفى سنة 841هـ أن من أطلق على ابن تيمية شيخ الإسلام فهو بهذا الإطلاق كافر، انظر الضوء اللامع 9/292 ومراده بذلك من علم بكلماته الكفرية واعتقاداته الضالة، ومع ذلك وصفه بهذا اللقب.
وشواذ الألباني في اجتهاداته الآثمة مع تحريفه وخيانته واستطالته على العلماء وأفاضل المسلمين كل ذلك عقوبة من الله له وهو لا يشعر، فهو من الذين {يحسبون أنّهم يحسنون صنعًا} [سورة الكهف] نسأل الله العافية.
إن التوسلَ جائزٌ في شرعنا * لا يمتري في حكمه شخصان
إلاّ الذين توهَّبوا بجهالة * وتوسّموا بسفاهة بلسان
قد حرّموه وبالغوا في ذمّه * من غير أن يأتوا بأيّ بيان
وحديث عثمان بن حُنَيفٍ حجة * يقضي لنا عليهم بالخسران
والله يهديهم ويشرح صدرهم * لقبول ما يبدر من البرهان
الرد على الألباني
وبيان بعض تدليسه
وخيانته
لأبي الفضل عبد الله بن محمد بن الصديق الغمارى
المتوفى سنة 1413هـ
بسم الله الرحمٰن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتّقين، ولا عدوان إلاّ على الظالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وءاله الأكرمين، ورضي الله عن صحابته والتابعين.
وبعد...
فإن الشيخ الألباني صاحب غرض وهوى، إذا رأى حديثًا أو أثرًا لا يوافق هواه فإنه يسعى في تضعيفه بأسلوب فيه تدليس وغشّ ليوهم قرّاءه أنّه مصيب مع أنه مخطىء بل خاطىء غاش، وبأسلوبه هذا أَضلّ كثيرًا من أصحابه الذين يثقون به، ويظنّون أنّه على صواب والواقع خلاف ذلك.
ومن المخدوعين به من يدعى "حمدي السلفي" الذي يحقّق المعجم الكبير، فقد أقدم بجرأة على تضعيف أثر صحيح لم يوافق هواه كما لم يوافق هوى شيخه، وكان كلامه في تضعيفه هو كلام شيخه نفسه، فأردت أن أردّ الحقّ إلى نصابه ببيان بطلان كلام الخادع والمخدوع به، وعلى الله اعتمادي، وإليه تفويضي واستنادي.
روى الطبراني في المعجم الكبير من طريق ابن وهب، عن شبيب، عن رَوْح بن القاسم، عن أبي جعفر الخطمي المدني، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن عمّه عثمان بن حنيف: أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفّان رضي الله عنه في حاجة له، فكان عثمان لا يلتفت إليه، ولا ينظر في حاجته. فلقي عثمان بن حنيف فشكا إليه ذلك، فقال له عثمان بن حنيف: إيت الميضأة فتوضأ ثم إيت المسجد فصلّ فيه ركعتين ثم قل: اللهمّ إني أسألك وأتوجّه إليك بنبيّك محمّد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة يا محمّد إني أتوجه بك إلى ربّي لتقضى لي حاجتي وتذكر حاجتك، وَرُح إليَّ حتى أروح معك. فانطلق الرجل فصنع ما قال له ثم أتى باب عثمان، فجاء البوّاب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفّان فأجلسه معه على الطنفسة وقال له: ما حاجتك؟ فذكر حاجته فقضاها له، ثم قال: ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة، وقال: ما كانت لك من حاجة فائتنا.
ثم إن الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيرًا، ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إليَّ حتى كلّمته فيَّ. فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلّمته ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: "أَوَ تصبر"؟ فقال: يا رسول الله إنّه ليس لي قائد وقد شقَّ عليّ. فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: "ائت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين ثم ادع بهذه الدعوات" قال عثمان بن حنيف: فوالله ما تفرّقنا ولا طال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنّه لم يكن به ضرّ.
صحّحه الطبراني وتعقّبه حمدي السلفي بقوله: "لا شكّ في صحة الحديث المرفوع وإنما الشكّ في هذه القصّة التي يستدل بها على التوسل المبتدع، وهي انفرد بها شبيب كما قال الطبراني، وشبيب لا بأس بحديثه بشرطين: أن يكون من رواية ابنه أحمد عنه، وأن يكون من رواية شبيب عن يونس بن يزيد. والحديث رواه عن شبيب ابن وهب وولداه إسماعيل وأحمد، وقد تكلّم الثقات في رواية ابن وهب عن شبيب، في شبيب، وابنه إسماعيل لا يعرف، وأحمد وان روى القصة عن أبيه إلاّ أنها ليست من طريق يونس بن يزيد. ثم اختلف فيها على أحمد فرواه ابن السني في عمل اليوم والليلة، والحاكم من ثلاثة طرق بدون ذكر القصّة، ورواه الحاكم من طريق عون بن عمارة البصري، عن روْح بن القاسم.
قال شيخنا محمد ناصر الدين الألباني: وعون هذا وإن كان ضعيفًا فروايته أولى من رواية شبيب لموافقتها لرواية شعبة، وحماد بن سلمة، عن أبي جعفر الخطمي المدني" اهـ كلام حمدي السلفي.
وفي هذا الكلام تدليس وتحريف نبيّنه فيما يلي:
هذه القصة رواها البيهقي في دلائل النبوّة من طريق يعقوب بن سفيان، حدّثنا أحمد بن شبيب بن سعيد، ثنا أبي، عن رَوْح بن القاسم، عن أبي جعفر الخطمي، عن أبي امامة بن سهل بن حنيف، عن عمّه عثمان بن حنيف: أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفّان رضي الله عنه...، فذكر القصّة بتمامها.
يعقوب بن سفيان هو الفسوي الحافظ الإمام الثقة، بل هو فوق الثقة.
وهذا إسناد صحيح.
فالقصّة صحيحة جدًّا وقد وافق على تصحيحها أيضًا الحافظ المنذري في الترغيب، والحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد.
أحمد بن شبيب من رجال البخاري، روى عنه في الصحيح، وفي الأدب المفرد.
وثّقه أبو حاتم الرازي وكتب عنه هو وأبو زُرعة.
وقال ابن عدي: "وثقه أهل البصرة، وكتب عنه علي بن المديني".
وأبوه شبيب بن سعيد التميمي الحبطي البصري أبو سعيد من رجال البخاري أيضًا، روى عنه في الصحيح، والأدب المفرد.
وثّقه أبو زرعة، وأبو حاتم، والنسائي، والذهلي، والدارقطني، والطبراني في الأوسط.
قال أبو حاتم: "كان عنده كتب يونس بن يزيد، وهو صالح الحديث لا بأس به".
وقال ابن عدي: "ولشبيب نسخة الزهري عنده عن يونس، عن الزهري أحاديث مستقيمة".
وقال ابن المديني: "ثقة كان يختلف في تجارة إلى مصر، وكتابه كتاب صحيح".
هذا ما يتعلّق بتوثيق شبيب، وليس فيه اشتراط صحة روايته بأن تكون عن يونس ابن يزيد، بل صرّح ابن المديني بأن كتابه صحيح. وابن عدي إنّما تكلّم على نسخة الزهري عند شبيب فقط ولم يقصد جميع رواياته، فما ادّعاه الألباني تدليس وخيانة.
ويؤكد ذلك أن حديث الضرير صحّحه الحفّاظ ولم يروه شبيب عن يونس، عن الزهري، وإنّما رواه عن رَوْح بن القاسم.
ودعواه ضعف القصّة بالاختلاف فيها حيث لم يذكرها بعض الرواة عند ابن السني والحاكم لون ءاخر من التدليس، لأن من المعلوم عند أهل العلم أن بعض الرواة يروي الحديث وما يتّصل به كاملاً، وبعضهم يختصر منه بحسب الحاجة. والبخاري يفعل هذا أيضًا، فكثيرًا ما يذكر الحديث مختصرًا ويوجد عند غيره تامًّا.
والذي ذكر القصّة في رواية البيهقي إمام فذّ، يقول عنه أبو زرعة الدمشقي: "قدم علينا رجلان من نبلاء الناس أحدهما وأرحلهما يعقوب بن سفيان يعجز أهل العراق أن يروا مثله رجلاً".
وتقديمه رواية عون الضعيف على من زاد القصة لون ثالث من التدليس والغش.
فإن الحاكم روى حديث الضرير من طريق عون مختصرًا ثم قال: "تابعه شبيب ابن سعيد الحبطي، عن روْح بن القاسم زيادات في المتن والإسناد والقول فيه قول شبيب فإنه ثقة مأمون".
هذا كلام الحاكم وهو يؤكّد ما تقرّر عند علماء الحديث والأصول أن زيادة الثقة مقبولة، وأن من حفظ حجة على من لم يحفظ.
والألباني رأى كلام الحاكم لكن لم يعجبه، لذلك أضرب عنه صفحًا، وتمسّك بأولوية رواية عون الضعيف عنادًا وخيانة
( قلنا:وهذه ليست الأولى منه فقد ضعف الألباني الأثر الصحيح الذي قال عنه ابن حجر في الفتح 2/397:"روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن أبي صالح السمان، عن مالك الدار وكان خازن عمر قال: أصاب الناس قحط شديد زمن عمر، فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، فأتي الرجل في المنام فقيل له: ائت عمر وأقرئه السلام وأخبرهم أنهم يسقون".
ضعّفه الألباني بجهالة مالك الدار لأنه مخالف لهواه. وأعرض عن ترجمته المذكورة في الإصابة 3/484 وطبقات ابن سعد 5/12 وقال عنه: وكان معروفًا، وثقات ابن حبّان 5/384 والتاريخ الكبير للبخاري 7/304 وذكر جملة من القصة).
تبيّن مما أوردناه وحقّقناه في كشف تدليس الألباني وغشّه، أن القصّة صحيحة جدًّا رغم محاولته وتدليساته.
وهي تفيد جواز التوسّل بالنبيّ صلى الله عليه وسلم بعد انتقاله، لأن الصحابي راوي الحديث فهم ذلك، وفهم الراوي له قيمته العلمية وله وزنه في مجال الاستنباط.
وإنما قلنا إن القصة من فهم الصحابي على سبيل التنزّل، والحقيقة أن ما فعله عثمان بن حنيف من إرشاده الرجل إلى التوسل كان تنفيذًا لما سمعه من النبيّ صلى الله عليه وسلم كما ثبت في حديث الضرير.
قال ابن [أبي] خيثمة في تاريخه: حدّثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا حماد بن سلمة، أنا أبو جعفر الخطمي، عن عمارة بن خزيمة، عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه: أن رجلاً أعمى أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إني أصبت في بصري فادعُ الله لي فقال: "اذهب فتوضأ وصلّ ركعتين ثم قل: اللهمَّ إني أسألك وأتوجّه إليك نبييّ محمّد نبيّ الرحمة يا محمّد إني استشفع بك على ربّي في ردّ بصري اللهمّ فشفعني في نفسي وشفع نبيّ في رد بصري، وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك".
إسناده صحيح، والجملة الأخيرة من الحديث تصرح بإذن النبيّ صلى الله عليه وسلم في التوسّل به عند عروض حاجة تقتضي.
وقد أعلّ ابن تيمية هذه الجملة بعلل واهية بينتُ بطلانها في غير هذا المحل. وابن تيمية جرىء في ردّ الحديث الذي لا يوافق غرضه ولو كان في الصحيح.
مثال ذلك: روى البخاري في صحيحه حديث: "كان الله ولم يكن شىء غيره"(1) وهو موافق لدلائل النقل والعقل وللإجماع ولكنه خالف رأيه في اعتقاده قِدَم العالم (2)، فعمد إلى رواية للبخاري أيضًا في هذا الحديث بلفظ: "كان الله ولم يكن شىء قبله" فرجحها على الرواية المذكورة بدعوى أنها توافق الحديث الآخر:"أنت الأوّل فليس قبلك شىء". قال الحافظ ابن حجر: "مع أن قضية الجمع بين الروايتين تقتضي حمل هذه الرواية على الأولى لا العكس، والجمع مقدم على الترجيح بالاتفاق" اهـ.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب التوحيد: باب وكان عرشه على الماء، وهو ربّ العرش العظيم.
وقال ابن حجر في فتحه 13/348: "تقدّم في بدء الخلق بلفظ" ولم يكن شىء غيره"، وفي رواية أبي معاوية: "كان الله قبل كل شىء" وهو بمعنى "كان الله ولا شىء معه"، وهي أصرح في الرد على من أثبت حوادث لا أوّل لها من رواية الباب وهي من مستشنع المسائل المنسوبة لابن تيمية".
(2) نسبة هذا الكلام له نقلها غير واحد من الحفّاظ المعتبرين معاصرين وغيرهم، وكما نجد ذلك في كتبه المنهاج، وشرح حديث عمران بن حصين، ونقد مراتب الإجماع، والموافقة وغيرها من كتبه وهذا ليس موضع بسطها.
قلت: تعصّبه لرأيه أعماه عن فهم الروايتين اللتين لم يكن بينهما تعارض، لأن رواية: "كان الله ولم يكن شىء قبله" تفيد معنى اسمه "الأول" بدليل: "أنت الأول فليس قبلك شىء"، ورواية: "كان الله ولم يكن شىء غيره" تفيد معنى اسمه "الواحد" بدليل رواية: "كان الله قبل كل شىء".
مثال ثانٍ: حديث: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسدّ الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب علي عليه السلام" حديث صحيح. أخطأ ابن الجوزي بذكره في الموضوعات وردّ عليه الحافظ في القول المسدد. وابن تيمية لانحرافه عن علي عليه السلام كما هو معلوم لم يكفه حكم ابن الجوزي بوضعه فزاد من كيسه حكاية اتفاق المحدثين على وضعه. وأمثلة ردّه للأحاديث التي يردّها لمخالفة رأيه كثيرة يعسر تتبعها.
ونقول على سبيل التنزُّل: لو فرضنا أن القصة ضعيفة تطييبًا لخاطر الألباني، وأن رواية ابن أبي خيثمة معلولة كما في محاولة ابن تيمية.
قلنا: في حديث توسّل الضرير كفاية وغناء، لأن النبيّ حين علّم الضرير ذلك التوسّل دلّ على مشروعيته في جميع الحالات، ولا يجوز أن يُقال عنه توسل مبتَدع، ولا يجوز تخصيصه بحال حياته صلى الله عليه وسلم، ومن خصّصه فهو المبتدع حقيقة، لأنه عطل حديثًا صحيحًا، وأبطل العمل به وهو حرام.
والألباني جرىء على دعوى التخصيص أو النسخ لمجرد خلاف رأيه وهواه. فحديث الضرير لو كان خاصًّا به لبيّنه النبيّ صلى الله عليه وسلم كما بيّن لأبي بردة أن الجذعة من المعز تجزئه في الأضحية ولا تجزىء غيره كما في الصحيحين.
وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
استشكال وجوابه
قد يقال: الداعي إلى تخصيص الحديث بحال حياة النبيّ صلى الله عليه وسلم ما فيه من ندائه وهو عذر مقبول.
الجواب: إن هذا اعتذار مردود لأنه تواتر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم تعليم التشهّد في الصلاة وفيه السلام عليه بالخطاب ونداؤه :"السلام عليك أيُّها النبيّ"، وبهذه الصيغة علّمه على المنبر النبويّ أبو بكر، وعمر، وابن الزبير، ومعاوية، واستقرّ عليه الإجماع كما يقول ابن حزم وابن تيمية.
والألباني لابتداعه خالف هذا كلّه وتمسّك بقول ابن مسعود: "فلما مات قلنا: السلام على النبيّ". ومخالفة التواتر والإجماع هي عين الابتداع.
مع أنه صحّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أن أعمالنا تعرض عليه (1) وكذلك صلاتنا عليه صلى الله عليه وسلم تعرض عليه (2)، وثبت أن لله ملائكة سيّاحين في الأرض يبلّغونه سلام أمّته.
(1) والحديث الوارد: "حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم، ووفاتي خير لكم يُعرض علي أعمالكم، فما رأيت من خير حمدت الله عليه، وما رأيت من شر استغفرت الله لكم". أخرجه البزار كما في (كشف الأستار) 1/397 عن ابن مسعود، وقال الهيثمي في المجمع 9/24: "رواه البزار ورجاله رجال الصحيح"، وأخرجه ابن سعد في الطبقات 2/194 بنحوه، وابن النجّار في مسنده كما في كنز العمّال 12/420ـ421 وأورده ابن حجر في المطالب العالية 4/22-23 وعزاه للحارث.
(2) والحديث الوارد في ذلك "... فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليّ..." الحديث، وسيأتي تخريجه.
وأيضًا في حديث أبي مسعود الأنصاري أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "أكثروا الصلاة علي في يوم الجمعة، فإنه ليس يصلي عليّ أحد يوم الجمعة إلاّ عرضت عليّ صلاته" أخرجه البيهقي في حياة الأنبياء بعد وفاتهم رقم/10 والحاكم في المستدرك 2/421 وصححه ووافقه الذهبي ثم قال في أبي رافع: ضعفوه.
وأيضًا من حديث أبي أمامة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: أكثروا عليّ من الصلاة في كل يوم جمعة. فإن صلاة أمّتي تعرض عليّ في كل يوم جمعة، فمن كان أكثرهم عليّ صلاة كان أقربهم منّي منزلة" أخرجه البيهقي في حياة الأنبياء بعد وفاتهم رقم/11 وأخرجه البيهقي أيضًا في سننه 3/249 وقال: "وروي ذلك من أوجه عن أنس بألفاظٍ مختلفة ترجع كلها إلى التحريض على الصلاة على النبيّ ليلة الجمعة ويوم الجمعة". وقال المنذري في الترغيب والترهيب 2/503: "رواه البيهقي بإسناد حسن إلا أن مكحولاً قيل لم يسمع من أبي أمامة" وذكره السيوطي في الجامع الصغير 1/209 وعزاه للبيهقي في الشعب، ورمز له بالحسن ونقل المناوي في فيض القدير 2/87 عن الذهبي أنه أعلّه في المهذب بأن مكحولاً لم يلق أبا أمامة فهو منقطع.
وأيضًا من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، ولا تجعلوا قبري عيدًا، وصلّوا علّي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم".
أخرجه أبو داود في سننه: "كتاب المناسك: باب زيارة القبور، وأحمد في مسنده 2/367 والبيهقي في حياة الأنبياء بعد وفاتهم رقم /13)
وثبت بالتواتر والإجماع أن النبيّ صلى الله عليه وسلم حيّ في قبره.
وأن جسده الشريف لا يبلى، فكيف يمتنع مع هذا نداؤه في التوسل به؟ وهل هو إلاّ مثل ندائه في التشهُّد.
لكن الألباني عنيد شديد العناد، والألبانيُّون [أغلبهم] عندهم عناد وصلابة في الرأي، أخبرني بذلك عالِم ألباني حضر عليّ في تفسير البيضاوي وشرح التحرير لابن أمير الحاج، وكان وديعًا هادىء الطبع.
هذا موجز ردّنا لدعوى الألباني، أمّا من يدعى "حمدي السلفي" فليس هناك، وإنما هو مجرّد مخدوع، يردد الصدى.
والذي أقرّره هنا أن الألباني غير مؤتمن في تصحيحه وتضعيفه، بل يستعمل في ذلك أنواعًا من التدليس والخيانة في النقل، والتحريف في كلام العلماء، مع جرأته على مخالفة الإجماع وعلى دعوى النسخ بدون دليل، وهذا يرجع إلى جهله بعلم الأصول وقواعد الاستنباط.
ويدعي أنه يحارب البدع مثل التوسُّل بالنبيّ صلى الله عليه وسلم، وتسويده في الصلاة عليه، وقراءة القرءان على الميت!! لكنه يرتكب أقبح البدع بتحريم ما أحلّ الله، وشتم مخالفيه بأقذر الشتائم خصوصًا الأشعريّة والصوفيّة، وحاله في هذا كحال ابن تيمية تطاول على الناس فأكفر طائفة من العلماء، وبدّع طائفة أخرى، ثم اعتنق هو بدعتين لا يوجد أقبح منهما: إحداهما قوله بقِدَم العالم، وهي بدعة كفرية، والعياذ بالله تعالى.
والأخرى: انحرافه عن عليّ عليه السلام، ولذلك وسمه علماء عصره بالنفاق لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم لعليّ: "لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق".
وهذه عقوبة من الله لابن تيمية (1) الذي يسمّيه الألباني شيخ الإسلام، ولا أدري كيف يُعطى هذا اللقب وهو يعتقد عقيدة تناقض الإسلام؟!! وأظن بل أجزم أن الحافظ ابن ناصر لو اطّلع على عقيدته لما كتب عنه كتاب "الردّ الوافر"، وكذلك الالوسي لو عرف عقيدته لما كتب "جلاء العينين".
(1) وقد ذكر أبو عبد الله علاء الدين البخاري العجمي الحنفي المتوفى سنة 841هـ أن من أطلق على ابن تيمية شيخ الإسلام فهو بهذا الإطلاق كافر، انظر الضوء اللامع 9/292 ومراده بذلك من علم بكلماته الكفرية واعتقاداته الضالة، ومع ذلك وصفه بهذا اللقب.
وشواذ الألباني في اجتهاداته الآثمة مع تحريفه وخيانته واستطالته على العلماء وأفاضل المسلمين كل ذلك عقوبة من الله له وهو لا يشعر، فهو من الذين {يحسبون أنّهم يحسنون صنعًا} [سورة الكهف] نسأل الله العافية.
إن التوسلَ جائزٌ في شرعنا * لا يمتري في حكمه شخصان
إلاّ الذين توهَّبوا بجهالة * وتوسّموا بسفاهة بلسان
قد حرّموه وبالغوا في ذمّه * من غير أن يأتوا بأيّ بيان
وحديث عثمان بن حُنَيفٍ حجة * يقضي لنا عليهم بالخسران
والله يهديهم ويشرح صدرهم * لقبول ما يبدر من البرهان