عزام
09-21-2008, 09:31 PM
عبد الكريم بكار
تحويل الكم الى كيف
هناك في هذا الوجود علاقة جدلية بين الكم والكيف؛ فكلما زاد الكم نقص الكيف، وكلما زاد الكيف نقص الكم، ويستحيل على الإنسان المحدود الطاقات أن يحول كل كم إلى كيف؛ فالميزان التجاري يميل دائماً لمصلحة الكم. إن كل ما يسعى إلينا، ولا نبذل فيه جهداً يذكر هو كم سواء أكان ذلك زمناً أو سلعة مصنَّعة (كيَّفها) غيرنا . وإن كل ما نسعى إليه ، ونترك فيه شيئاً من حركة الفكر أو اليد هو كيف، والكيوف درجات ؛ فرب (كيف) هو (كم) بالنسبة لكيف آخر. إن كل ما حولنا كم : الزمان والمكان والمواد الخام والطاقات الكامنة والفكر الهاجع ، وكل أولئك في حالة من التحدي للإنسان المكلف المبتلى ؛ ليحوله إلى كيف بإضافة جهده إليه ؛ كيما يخرجه عن وضعه الفطري .
اهمية الكم و الكيف
ونحن في تعاملنا الحياتي نمجد الكم تارة ، فنجعله مقياساً للنجاح ، ونمجد الكيف تارة ، فنزهد في الكم ؛ مع أن للكم وظائفه ، وللكيف وظائفه ، وحين نعرف العلاقة التي تربط بينهما ، والوظائف الحيوية التي يؤديها كل منهما نتمكن من إعطاء كل منهما حقه من الإهتمام والعناية . وإذا نظرنا في القرآن الكريم والسنّة المطهرة وجدنا من النصوص ما يؤكد على أهمية الكيف ، وما يؤكد على أهمية الكم ؛ فمما يشير إلى أهمية الكيف قوله ـ سبحانه ـ :
(إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِائَتَيْنِ)2 .
وكقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((غلب درهم مئة ألف درهم))3 .
وبعض النصوص أشار إلى أهمية الكم ، كما في قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : ((من كثَّر قوم فهو منهم))4 . وحين نريد أن نكون موضوعيين في التعامل مع الكم والكيف لا بد لنا من فقه لمجالات تأثير كل منهما ، وخصوصية الظروف التي تمر بها الأمة . ويلاحظ أن التأكيد في بعض الظروف على الكم يكون هو الموضوعية ، كما في قضية الإنتشار الأفقي للمعرفة ؛ فإن ذلك يقتضي عدداً كبيراً من الكتب والدروس والمحاضرات والوسائل التثقيفية الأخرى التي تخاطب العامة ومتوسطي الثقافة ، على ما نشاهده في الملايين من كتب المناهج الدراسية ، وما تعج به الساحة الإسلامية من الكتيبات التي تنشر المستقر من الأفكار والأحكام التي تجاوزت مرحلة الجدل والخلاف . ووتؤدي هذه الوسائل وظائفها حين تكون في الإتجاه الصحيح ، وحين تكون منفتحة تقبل الإضافة ، وتشوق إليها . ولو أننا ألَّفنا كتباً راقية إلى تلك المجالات من ذلك النوع من العلم الذي يعرض أفكاراً ما زالت في أعالي النظر لكنا غير موضوعيين ، ولربما كان الإفساد أكثر من الإصلاح! .
الظواهر الاجتماعية تعتمد على الكم
ونحو من هذا المجال الإجتماعي فإن الظواهر الإجتماعية تتكون على سبيل التدرج ، وإذا ما إستقرت كانت قاهرة لا يسع الاسوياء إلا التكيف معها بصورة من صور التكيف . والظواهر الإجتماعية تعتمد على الكم لا على الكيف ، ومن ثم جاء الحديث : ((من كثر سواد قوم ...)) لأن الناس حين يتأثرون بظاهرة ما لا يملكون في العادة النفاذ إلى معرفة أسبابها ، والجهات التي تروج لها ، وإنما يندفعون إلى تقليدها ، والتظاهر بها ؛ لمجرد أن السواد الأعظم من مواطنيهم يستحسنها ، بل إنهم مضطرون للرضوخ لها ، ولو لم يقتنعوا بها! ويلاحظ في هذا المضمار أن الصحوة الإسلامية في العصر الحديث إتجهت إلى الصفوة ، فصار جل أتباعها من المثقفين أساتذة وطلاباً ، ومن على شاكلتهم ؛ فأدى ذلك إلى خلل في العمل حيث عجزت عن القيام ببناء مؤسسات كبرى ، تقوم بدور الوسيط بين مرحلة الجماعة ، ومرحلة الدولة ؛ لأن ذلك يتطلب أموالاً طائلة ، كتلك الموجودة عند فئة التجار ـ مثلاً ـ على حين أن أتباعها ينتمون إلى الطبقات الفقيرة والمتوسطة .
الظواهر الفكرية تعتمد على الكيف
وفي بعض الأحيان يكون التوكيد على الكيف هو المطلوب ؛ وتكون الموضوعية تحقيقه ، وقطع النظر عن الكم ، كما في الإنتشار الرأسي للمعرفة ؛ فإن كتاباً واحداً يحمل أفكاراً جديدة تفتح آفاقاً رحبة في لون من ألوان المعرفة أجدى على الإبداع والمبدعين من ألوف الكتب التي تجتر معلومات مستقرة يعلمها الخاصة وكثير من العامة ؛ فالأشخاص الذين يسهمون في تقدم المعرفة لا يقوَّمون من خلال أعداد كتبهم ، وتردد أسمائهم على صفحات المجلات ، ولكن من خلال الإضافات الجديدة التي جاؤوا بها! ويقال نحو من هذا في الوظائف الإدارية والقيادية العليا ؛ فشخص موهوب مؤهل أجدى بكثير من عشرات الأشخاص (الخام) . وقد أدركت الشركات الكبرى هذا فصارت تعتمد على الكيف في الوظائف العليا التي تتطلب نوعيات خاصة من الأكفاء ، وتعتمد على الكم في الأشخاص المنفذين . ونحن في كثير من الأحيان لا ننتبه لهذا فنحشد أشخاصاً كثيرين غير مؤهلين في موضع لا يحتاج إلا لشخص مؤهل واحد! وأخيراً فإن التوسع في الكم لا يكون أبداً إلا على حساب الكيف ونحوه التوسع في الكيف ، والذين يخرجون في كل ثلاثة أشهر كتاباً وأصحاب الموسوعات الضخمة هم من أهل الكم ، وعلينا قبل أن نتطور في شراء إنتاجهم أن نتأمل ملياً! .
تحويل الكم الى كيف
هناك في هذا الوجود علاقة جدلية بين الكم والكيف؛ فكلما زاد الكم نقص الكيف، وكلما زاد الكيف نقص الكم، ويستحيل على الإنسان المحدود الطاقات أن يحول كل كم إلى كيف؛ فالميزان التجاري يميل دائماً لمصلحة الكم. إن كل ما يسعى إلينا، ولا نبذل فيه جهداً يذكر هو كم سواء أكان ذلك زمناً أو سلعة مصنَّعة (كيَّفها) غيرنا . وإن كل ما نسعى إليه ، ونترك فيه شيئاً من حركة الفكر أو اليد هو كيف، والكيوف درجات ؛ فرب (كيف) هو (كم) بالنسبة لكيف آخر. إن كل ما حولنا كم : الزمان والمكان والمواد الخام والطاقات الكامنة والفكر الهاجع ، وكل أولئك في حالة من التحدي للإنسان المكلف المبتلى ؛ ليحوله إلى كيف بإضافة جهده إليه ؛ كيما يخرجه عن وضعه الفطري .
اهمية الكم و الكيف
ونحن في تعاملنا الحياتي نمجد الكم تارة ، فنجعله مقياساً للنجاح ، ونمجد الكيف تارة ، فنزهد في الكم ؛ مع أن للكم وظائفه ، وللكيف وظائفه ، وحين نعرف العلاقة التي تربط بينهما ، والوظائف الحيوية التي يؤديها كل منهما نتمكن من إعطاء كل منهما حقه من الإهتمام والعناية . وإذا نظرنا في القرآن الكريم والسنّة المطهرة وجدنا من النصوص ما يؤكد على أهمية الكيف ، وما يؤكد على أهمية الكم ؛ فمما يشير إلى أهمية الكيف قوله ـ سبحانه ـ :
(إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِائَتَيْنِ)2 .
وكقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((غلب درهم مئة ألف درهم))3 .
وبعض النصوص أشار إلى أهمية الكم ، كما في قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : ((من كثَّر قوم فهو منهم))4 . وحين نريد أن نكون موضوعيين في التعامل مع الكم والكيف لا بد لنا من فقه لمجالات تأثير كل منهما ، وخصوصية الظروف التي تمر بها الأمة . ويلاحظ أن التأكيد في بعض الظروف على الكم يكون هو الموضوعية ، كما في قضية الإنتشار الأفقي للمعرفة ؛ فإن ذلك يقتضي عدداً كبيراً من الكتب والدروس والمحاضرات والوسائل التثقيفية الأخرى التي تخاطب العامة ومتوسطي الثقافة ، على ما نشاهده في الملايين من كتب المناهج الدراسية ، وما تعج به الساحة الإسلامية من الكتيبات التي تنشر المستقر من الأفكار والأحكام التي تجاوزت مرحلة الجدل والخلاف . ووتؤدي هذه الوسائل وظائفها حين تكون في الإتجاه الصحيح ، وحين تكون منفتحة تقبل الإضافة ، وتشوق إليها . ولو أننا ألَّفنا كتباً راقية إلى تلك المجالات من ذلك النوع من العلم الذي يعرض أفكاراً ما زالت في أعالي النظر لكنا غير موضوعيين ، ولربما كان الإفساد أكثر من الإصلاح! .
الظواهر الاجتماعية تعتمد على الكم
ونحو من هذا المجال الإجتماعي فإن الظواهر الإجتماعية تتكون على سبيل التدرج ، وإذا ما إستقرت كانت قاهرة لا يسع الاسوياء إلا التكيف معها بصورة من صور التكيف . والظواهر الإجتماعية تعتمد على الكم لا على الكيف ، ومن ثم جاء الحديث : ((من كثر سواد قوم ...)) لأن الناس حين يتأثرون بظاهرة ما لا يملكون في العادة النفاذ إلى معرفة أسبابها ، والجهات التي تروج لها ، وإنما يندفعون إلى تقليدها ، والتظاهر بها ؛ لمجرد أن السواد الأعظم من مواطنيهم يستحسنها ، بل إنهم مضطرون للرضوخ لها ، ولو لم يقتنعوا بها! ويلاحظ في هذا المضمار أن الصحوة الإسلامية في العصر الحديث إتجهت إلى الصفوة ، فصار جل أتباعها من المثقفين أساتذة وطلاباً ، ومن على شاكلتهم ؛ فأدى ذلك إلى خلل في العمل حيث عجزت عن القيام ببناء مؤسسات كبرى ، تقوم بدور الوسيط بين مرحلة الجماعة ، ومرحلة الدولة ؛ لأن ذلك يتطلب أموالاً طائلة ، كتلك الموجودة عند فئة التجار ـ مثلاً ـ على حين أن أتباعها ينتمون إلى الطبقات الفقيرة والمتوسطة .
الظواهر الفكرية تعتمد على الكيف
وفي بعض الأحيان يكون التوكيد على الكيف هو المطلوب ؛ وتكون الموضوعية تحقيقه ، وقطع النظر عن الكم ، كما في الإنتشار الرأسي للمعرفة ؛ فإن كتاباً واحداً يحمل أفكاراً جديدة تفتح آفاقاً رحبة في لون من ألوان المعرفة أجدى على الإبداع والمبدعين من ألوف الكتب التي تجتر معلومات مستقرة يعلمها الخاصة وكثير من العامة ؛ فالأشخاص الذين يسهمون في تقدم المعرفة لا يقوَّمون من خلال أعداد كتبهم ، وتردد أسمائهم على صفحات المجلات ، ولكن من خلال الإضافات الجديدة التي جاؤوا بها! ويقال نحو من هذا في الوظائف الإدارية والقيادية العليا ؛ فشخص موهوب مؤهل أجدى بكثير من عشرات الأشخاص (الخام) . وقد أدركت الشركات الكبرى هذا فصارت تعتمد على الكيف في الوظائف العليا التي تتطلب نوعيات خاصة من الأكفاء ، وتعتمد على الكم في الأشخاص المنفذين . ونحن في كثير من الأحيان لا ننتبه لهذا فنحشد أشخاصاً كثيرين غير مؤهلين في موضع لا يحتاج إلا لشخص مؤهل واحد! وأخيراً فإن التوسع في الكم لا يكون أبداً إلا على حساب الكيف ونحوه التوسع في الكيف ، والذين يخرجون في كل ثلاثة أشهر كتاباً وأصحاب الموسوعات الضخمة هم من أهل الكم ، وعلينا قبل أن نتطور في شراء إنتاجهم أن نتأمل ملياً! .