عزام
09-19-2008, 05:20 PM
كثيرا ما نحاور غير المسلمين ونحاول اقناعهم بالاسلام مستعملين اسلوب الجدل العقلي والدفاع ضد الشبهات. لكن الطريق الامثل لدعوتهم للاسلام هي ان نقول لهم ماذا يعني ان نكون مسلمين.. كيف نشعر وكيف نفكر؟
ما هو شعورك بأن تكون مسلما؟
تشكل كنيسة سانت إجناتييس ، الواقعة فى قمة جولدن جيت بولفارد ، مصدرا للفخر لجامعة سان فرانسيسكو . ويحتوى كتالوج الجامعة على عدة صور لها من زاوايا مختلفة . فى أحد يوم الأربعاء ، وقد كان يوما مشرقا عليل النسمات ، وقفت خارج المركز العلمى هارنى ، حيث يقع فيه مكتبى ، أنظر إلى الكنيسة . وفى خلف هذه الكنيسة بالسرداب ، يقع مسجد للمسلمين ، فقد كان اليسوعيون يسمحون للطلبة بإقامة الصلاة فيه (فى الواقع فقد كان غرفة صغيرة). وعكس ما كنت أخطط له ، فلم أذهب بعد للمسجد . بل ما زلت مترددا ، هل قرارى هذا سليم ، أم أنى تسرعت فيه ؟؟؟ وفى النهاية ، قررت الإقدام على تنفيذه ، واضعا فى اعتبارى ، أننى فقط سألقى بعض الأسئلة لا أكثر . وراجعت فى نفسى المقدمة التى سأبدأ بها ، وذلك أثناء تقدمى لموقف السيارات للكنيسة . الدرج المؤدى للمسجد إلى أسفل كان للشمال ، كما سبق أن وضحه لى أحد الأمريكان من فترة ، ملقيا و وجهى بعض النكات ، قائلا "هناك إشاعات تقول بأنهم بعض يحفظون يعض الجثث ملقاة هناك" .
وصلت إلى أعلى الدرج ، وألقيت نظرة على الباب بالأسفل ، وكانت عليه كتابة باللغة العربية ، لا شك فى هذا . وشعرت بنبضات قلبى تتسارع ، مما زاد فى قلقى . وقررت أن أسأل أحدا فى الكنيسة ، إذا كان هذا هو المكان الصحيح للمسجد . وذهبت إلى المدخل الجانبى ، وقد كان الظلام يغطى المكان . مررت بجوار صورة المسيح ، ولكنى لم أركع له . عجيب أن مناقشة الأفكار سابقا ، قد انطبعت فى تصرفاتك .
سألت شخصا ، "هل تدلنى على المسجد أين هو ؟؟؟" . كنت مضطربا ، فقد كانت انطباعاته مزيجا من الدهشة والإمتعاض . ولم أنتظر إجابته ، وعندما خرجت من المكان ، تنهدت مرتين ، كم جميل أن تعود للشمس مرة ثانية . كنت فى حاجة للراحة بضع دقائق . وحمت ثانية حول الكنيسة لأرى إن كان هناك مدخل آخر للمسجد. وفعلا وجدت المدخل، ولكن الباب كان موصدا. وبذلك عدت كما بدأت، بجوار التمثال .
كنت قلقا ، ومتضايقا بعض الشئ وأن أنزل الدرج ، وفى منتصف الطريق كان صدرى يضيق ، وقلبى يسارع فى النبض ، وحاولت صعود الدرج مرة ثانية .
"مهلا دقيقة" ، وأنبت نفسي ! ماذا أنت فاعل ؟؟؟ تريد أن تنتعش بالشمس المشرقة ، وفى كل يوم وأنت ذاهب لمكتبك ، وهناك طلبة فى هذا المكان المظلم ، يطلبون وجه الله !!! أخذت نفسا عميقا ، وبدأت فى النزول أسفل الدرج مرة ثانية . وفى منتصف الطريق كان الأسوأ !!! حينما وصلت للأسفل ، شعرت بانقباض . قدماى التى كانت تسير يوميا سبعة أميال، تضعف أن تتحملنى الآن . وصلت لمقبض الباب . يداى ترتجفان . العرق يتزايد . عدت أدراجى للأعلى .
تسمرت هناك وظهرى للمسجد . لا أعلم ماذا أفعل . شعرت بالخجل والهزيمة . وبدأت فى العودة لمكتبى . مرت بعض الثوانى وأنا أحملق فى السماء ، كانت واسعة ، غامضة و مريحة . لقد حاربت عشر سنين فى التوجه إلى الله ودعائه ، ولكن مقاومتى إنهارت الآن فقلت "يا إلهى ! إذا كانت إرادتك لى أن أنزل إلى مكان المسجد ، فامنحنى القوة لفعل ذلك" . وانتظرت . لا شئ ! كنت أتمنى أن تميد الأرض من تحتى، أن أتلقى وميض ضوء ... وإذا بى أدور 180 درجة عائدا للمسجد ، وفتحت الباب ودخلت .
"هل تبحث عن شئ ؟؟؟"
لقد قطعت حديثهم . كانوا يقفون أمامى ناحية الحائط الأيسر ، بقدمين بلا أحذية ، وكانوا أقصر منى قليلا . كان أحدهم يرتدى ملابس شرقية ، مع غطاء رأس مستدير أبيض ، والآخر يلبس ملابس افرنجية .
نسيت ما كنت أخطط له . "هل عمر أو محمود هنا ؟؟؟" ، هذا ما صدر منى . وبدأت مرة ثانية فى القلق .
"ما هو اسمهم الآخير ؟؟؟" ... والرجل بلا غطاء رأس بدأ فى الشك .
"قنديل" ... قالا ... لا يوجد أحد هنا سوانا .
"آسف ... ربما أكون فى مكان خطأ" . ودرت لأعود أدراجى .
"هل تريد أن تعرف شيئا عن الإسلام ؟؟؟" . قال ذلك الشخص الذى يرتدى غطاء الرأس .
"نعم نعم فعلا أرغب فى ذلك" ، وتوجهت نحوهم .
"هل تسمح بخلع نعليك" طلب منى ذلك بأدب .
وبدأ الذى يلبس الملابس الشرقية فى الكلام ، والآخر ينظر إلى تعبرات وجهى .
جلسنا على الأرض فى الركن الأيسر .
عبد الحنان طالب من ماليزيا ، ومحمد يوسف الطالب الآخر ، من فلسطين . وذكرت لهما ما أعرفه عن الإسلام ، فكانوا معجبين ومندهشين من معلوماتى ، وقد تكلمنا لحوالى ربع الساعة . سألت بعض الأسئلة السطحية ، ولكن الإجابة لم تكن كما توقعتها .
تكلم عبد الحنان عن الملائكة تضرب أرواح الكفار فى القبر ، وعن عذاب القبر الذى سيلاقيهم . فتظاهرت بالإستماع ، ثم قلت لهم أن عندى محاضرة وأريد الذهاب . "وهذه حيلة كثيرا ما تنفع" وشكرتهما وحاولت العودة. وبينما كنت على وشك الإنصراف ، إذ بالباب يفتح وأرى ظل رجل فى المدخل ، فقد كانت الإضاءة ضعيفة فى الحجرة ، له لحية كثة ، ويلبس جلبابا قصيرا بعض الشئ ، وعلى رأسه عمامة . كان كأنه موسى عليه السلام عائدا من جبل سيناء . شكله له سحر ، مما اضطرنى للبقاء .
دخل بهدوء ، وكان من الواضح أنه لم يشعر بوجودنا . تمتم بشئ لمحمد ، ثم دخل غرفة المغسلة .
هذا الأخ "غسان" ، إمام المسجد والذى يؤم المصلين فى الصلاة . ذكروا لى ذلك بحيوية وانشراح . ولكنى أعلم من قراءتى بأن المسلمين ليس عندهم كهنة رسميين ، فأيا منهم يمكنهم الإمامة فى الصلاة ، قلت ذلك لهما . فقال محمد "نعم من الممكن أن أؤم أنا أو عبد الحنان أو أى شخص" . وبعد دقيقة عاد غسان للحجرة ، فأفسح له الطالبان مكانا ليجلس فيه . وضع يديه على ركبتى ، وسألنى ما هو اسمك . وكان هو أول من سألنى عن اسمى ، فلم يفعل ذلك محمد أو عبد الحنان ، قلت له "جيفري لانج"... هل أنت طالب فى الجامعة ؟؟؟ ، وذلك لأن ملامحى تظهر أنى أصغر من سنى الحقيقى . فقلت له "لا ، أنا مدرس رياضيات بالجامعة" . فاتسعت حلقتى عينيه وهو ينظر للآخرين . ثم استأذنى غسان ، لأنهم سيصلون صلاة العصر . وبدأوا فى الصلاة .
بدأ غسان المناقشة ، "ما الذى جعلك تهتم بالإسلام ؟؟؟" . فقلت لقد قرأت عنه ، وأخذنا نناقش بعض الأمور الفنية ، ولكننا لم نكن متواصلين فى النقاش . وانتهى ما فى جعبتى من أسئلة ، كما انتهى ما فى جعبتهم من إجابات ، فهممت بالإنصراف . فسألنى "هل لديك أسئلة أخرى ؟؟؟" . فقت لا .
وفجأة خطر لى سؤال لا أعرف كيف أصوغه ، فسكت لحظة ثم قلت "هل تستطيع أن تخبرنى ، ماهو شعورك بأن تكون مسلما ؟؟؟ أعنى كيف ترى علاقتك مع الله ؟؟؟" .
عرفت فيما بعد بأن غسان له وضعه هنا وفى الخارج ، كزعيم روحى ، وله قدرة على محاورتك فى كثير من الأمور والقدرة على إقناعك ، بمعنى آخر له هيبة وحدس .
كانت أول كلمة تصدر منه ، عبارة عن خشوع ونداء "الله" ، ومد فيها طويلا . ثم سكت وأخذ نفسا عميقا . "إنه الكبير ونحن لا شئ بجوار عظمته ، نحن أقل من ذرة رمل بجواره" . "وبالرغم من ذلك فهو يحبنا ، ويكرمنا ، ويرحمنا أكثر من رحمة الأم مع رضيعها" . شعرت أنى قد فجرت فيه كل العواطف بسؤالى هذا .
"ولا يحدث شئ إلا عن إرادته" ، ووضع يديه على صدره ، "لا نتنفس إلا بأمره ، ولا نخرج النفس إلا بأمره ، لا نحرك أرجلنا إلا بأمره ، لا تسقط ورقة من شجرة إلا بأمره ، لا نتكلم إلا بأمره ، وحينما نسجد لعظمته على الأرض نشعر كمسلمين بالسعادة الغامرة تغشى قلوبنا ، نشعر بالقوة التى يمنحها لنا ، ولا توجد كلمات يمكن التعبير بها عن شعورنا تجاه عظمته . لابد من أن تذوقها بنفسك ... فلو أراد شخص أن يشرح لك طعم شئ لم تذقه ، فلن يستطيع ، إلا أن تفعل ذلك ، لابد من التجربة" .
بقى هادئا لعدة ثوان ، كأنه يريد أن تتفاعل الكلمات معى ، وفعلا كنت أود أن نتبادل المواقف ، ولو لبضع دقائق ، لأشعر بالرغبة ، والعاطفة ، والشوق للإله . كانت كلماته تخرج من القلب ، ولا تملك حياله إلا التسليم للإيمان .
أردتُ معْرِفة الصفاءِ والعذابِ، الرجاء والخوف، وأن أتمرّد على التفاهةِ التى أعيش فيها ، وأن إستسلمِ للإيمان . إشتقتُ أَنْ أُنتعَشَ مِنْ هذا الموتِ الروحيِ .
واصطك بأذنى هذا السؤال ، "لذا، هَلْ تَرغَبُ فى أَنْ تَكُونَ مسلما؟" . كان كالصريخ فى أذنى !!! ما الذى دعاه لهذا السؤال ؟؟؟ ماذا سأقول لعائلتى ، لأصدقائى ، لزوجتى السابقة ... أنا أعمل فى جامعة يسوعية ، ماذا سيكون موقفى فى عملى ؟؟؟ "أجبت على الفور .. لا ليس الآن على كل حال ، أنا مجرد أردت أن أطرح بعض الأسئلة" .
تمنيت أن لو كنت أنهيت الموضوع حينئذ . ما الذى سأفعله هنا ؟؟؟ شعرت بالتوتر يشل كل جسدى ، استعد للهجوم التالى !!! كنت أعرف أنى لابد أن أكون أكثر صلابة هذه المرة ، ولكن جزءا منى كان يحن لسماع كلام غسان مرة ثانية . استقصاء ، وصول ، إلتماس ، توسل ، صلاة "لا تتركنى يارب بعد أن وصلت إلى هذه المرحلة" . لاشك أن غسان قد مر بمثل هذا الموقف من قبل ، وهو يعلم أنه لا يجب عليه أن يستسلم بسهولة . فأعاد مرة ثانية بهدوء , "ولكنى أشعر بأنك تؤمن به ، لماذا لا تحاول ؟؟؟" .
تلاشت الأصوات والوجوه ، لا داعى لهذا الإنزعاج . أنا لا أدين لأحد بشئ ، لا غسان ولا الأصدقاء ولا لأى أحد . القرار قرارى أنا بمفردى . حينئذ تذكرت ما علمنيه والدى ، "اتبع مشاعرك ، دون النظر إلى الآخرين" . نظرت إلى الثلاثة ، وقلت "نعم أريد أن أكون مسلما" .
ما هو شعورك بأن تكون مسلما؟
تشكل كنيسة سانت إجناتييس ، الواقعة فى قمة جولدن جيت بولفارد ، مصدرا للفخر لجامعة سان فرانسيسكو . ويحتوى كتالوج الجامعة على عدة صور لها من زاوايا مختلفة . فى أحد يوم الأربعاء ، وقد كان يوما مشرقا عليل النسمات ، وقفت خارج المركز العلمى هارنى ، حيث يقع فيه مكتبى ، أنظر إلى الكنيسة . وفى خلف هذه الكنيسة بالسرداب ، يقع مسجد للمسلمين ، فقد كان اليسوعيون يسمحون للطلبة بإقامة الصلاة فيه (فى الواقع فقد كان غرفة صغيرة). وعكس ما كنت أخطط له ، فلم أذهب بعد للمسجد . بل ما زلت مترددا ، هل قرارى هذا سليم ، أم أنى تسرعت فيه ؟؟؟ وفى النهاية ، قررت الإقدام على تنفيذه ، واضعا فى اعتبارى ، أننى فقط سألقى بعض الأسئلة لا أكثر . وراجعت فى نفسى المقدمة التى سأبدأ بها ، وذلك أثناء تقدمى لموقف السيارات للكنيسة . الدرج المؤدى للمسجد إلى أسفل كان للشمال ، كما سبق أن وضحه لى أحد الأمريكان من فترة ، ملقيا و وجهى بعض النكات ، قائلا "هناك إشاعات تقول بأنهم بعض يحفظون يعض الجثث ملقاة هناك" .
وصلت إلى أعلى الدرج ، وألقيت نظرة على الباب بالأسفل ، وكانت عليه كتابة باللغة العربية ، لا شك فى هذا . وشعرت بنبضات قلبى تتسارع ، مما زاد فى قلقى . وقررت أن أسأل أحدا فى الكنيسة ، إذا كان هذا هو المكان الصحيح للمسجد . وذهبت إلى المدخل الجانبى ، وقد كان الظلام يغطى المكان . مررت بجوار صورة المسيح ، ولكنى لم أركع له . عجيب أن مناقشة الأفكار سابقا ، قد انطبعت فى تصرفاتك .
سألت شخصا ، "هل تدلنى على المسجد أين هو ؟؟؟" . كنت مضطربا ، فقد كانت انطباعاته مزيجا من الدهشة والإمتعاض . ولم أنتظر إجابته ، وعندما خرجت من المكان ، تنهدت مرتين ، كم جميل أن تعود للشمس مرة ثانية . كنت فى حاجة للراحة بضع دقائق . وحمت ثانية حول الكنيسة لأرى إن كان هناك مدخل آخر للمسجد. وفعلا وجدت المدخل، ولكن الباب كان موصدا. وبذلك عدت كما بدأت، بجوار التمثال .
كنت قلقا ، ومتضايقا بعض الشئ وأن أنزل الدرج ، وفى منتصف الطريق كان صدرى يضيق ، وقلبى يسارع فى النبض ، وحاولت صعود الدرج مرة ثانية .
"مهلا دقيقة" ، وأنبت نفسي ! ماذا أنت فاعل ؟؟؟ تريد أن تنتعش بالشمس المشرقة ، وفى كل يوم وأنت ذاهب لمكتبك ، وهناك طلبة فى هذا المكان المظلم ، يطلبون وجه الله !!! أخذت نفسا عميقا ، وبدأت فى النزول أسفل الدرج مرة ثانية . وفى منتصف الطريق كان الأسوأ !!! حينما وصلت للأسفل ، شعرت بانقباض . قدماى التى كانت تسير يوميا سبعة أميال، تضعف أن تتحملنى الآن . وصلت لمقبض الباب . يداى ترتجفان . العرق يتزايد . عدت أدراجى للأعلى .
تسمرت هناك وظهرى للمسجد . لا أعلم ماذا أفعل . شعرت بالخجل والهزيمة . وبدأت فى العودة لمكتبى . مرت بعض الثوانى وأنا أحملق فى السماء ، كانت واسعة ، غامضة و مريحة . لقد حاربت عشر سنين فى التوجه إلى الله ودعائه ، ولكن مقاومتى إنهارت الآن فقلت "يا إلهى ! إذا كانت إرادتك لى أن أنزل إلى مكان المسجد ، فامنحنى القوة لفعل ذلك" . وانتظرت . لا شئ ! كنت أتمنى أن تميد الأرض من تحتى، أن أتلقى وميض ضوء ... وإذا بى أدور 180 درجة عائدا للمسجد ، وفتحت الباب ودخلت .
"هل تبحث عن شئ ؟؟؟"
لقد قطعت حديثهم . كانوا يقفون أمامى ناحية الحائط الأيسر ، بقدمين بلا أحذية ، وكانوا أقصر منى قليلا . كان أحدهم يرتدى ملابس شرقية ، مع غطاء رأس مستدير أبيض ، والآخر يلبس ملابس افرنجية .
نسيت ما كنت أخطط له . "هل عمر أو محمود هنا ؟؟؟" ، هذا ما صدر منى . وبدأت مرة ثانية فى القلق .
"ما هو اسمهم الآخير ؟؟؟" ... والرجل بلا غطاء رأس بدأ فى الشك .
"قنديل" ... قالا ... لا يوجد أحد هنا سوانا .
"آسف ... ربما أكون فى مكان خطأ" . ودرت لأعود أدراجى .
"هل تريد أن تعرف شيئا عن الإسلام ؟؟؟" . قال ذلك الشخص الذى يرتدى غطاء الرأس .
"نعم نعم فعلا أرغب فى ذلك" ، وتوجهت نحوهم .
"هل تسمح بخلع نعليك" طلب منى ذلك بأدب .
وبدأ الذى يلبس الملابس الشرقية فى الكلام ، والآخر ينظر إلى تعبرات وجهى .
جلسنا على الأرض فى الركن الأيسر .
عبد الحنان طالب من ماليزيا ، ومحمد يوسف الطالب الآخر ، من فلسطين . وذكرت لهما ما أعرفه عن الإسلام ، فكانوا معجبين ومندهشين من معلوماتى ، وقد تكلمنا لحوالى ربع الساعة . سألت بعض الأسئلة السطحية ، ولكن الإجابة لم تكن كما توقعتها .
تكلم عبد الحنان عن الملائكة تضرب أرواح الكفار فى القبر ، وعن عذاب القبر الذى سيلاقيهم . فتظاهرت بالإستماع ، ثم قلت لهم أن عندى محاضرة وأريد الذهاب . "وهذه حيلة كثيرا ما تنفع" وشكرتهما وحاولت العودة. وبينما كنت على وشك الإنصراف ، إذ بالباب يفتح وأرى ظل رجل فى المدخل ، فقد كانت الإضاءة ضعيفة فى الحجرة ، له لحية كثة ، ويلبس جلبابا قصيرا بعض الشئ ، وعلى رأسه عمامة . كان كأنه موسى عليه السلام عائدا من جبل سيناء . شكله له سحر ، مما اضطرنى للبقاء .
دخل بهدوء ، وكان من الواضح أنه لم يشعر بوجودنا . تمتم بشئ لمحمد ، ثم دخل غرفة المغسلة .
هذا الأخ "غسان" ، إمام المسجد والذى يؤم المصلين فى الصلاة . ذكروا لى ذلك بحيوية وانشراح . ولكنى أعلم من قراءتى بأن المسلمين ليس عندهم كهنة رسميين ، فأيا منهم يمكنهم الإمامة فى الصلاة ، قلت ذلك لهما . فقال محمد "نعم من الممكن أن أؤم أنا أو عبد الحنان أو أى شخص" . وبعد دقيقة عاد غسان للحجرة ، فأفسح له الطالبان مكانا ليجلس فيه . وضع يديه على ركبتى ، وسألنى ما هو اسمك . وكان هو أول من سألنى عن اسمى ، فلم يفعل ذلك محمد أو عبد الحنان ، قلت له "جيفري لانج"... هل أنت طالب فى الجامعة ؟؟؟ ، وذلك لأن ملامحى تظهر أنى أصغر من سنى الحقيقى . فقلت له "لا ، أنا مدرس رياضيات بالجامعة" . فاتسعت حلقتى عينيه وهو ينظر للآخرين . ثم استأذنى غسان ، لأنهم سيصلون صلاة العصر . وبدأوا فى الصلاة .
بدأ غسان المناقشة ، "ما الذى جعلك تهتم بالإسلام ؟؟؟" . فقلت لقد قرأت عنه ، وأخذنا نناقش بعض الأمور الفنية ، ولكننا لم نكن متواصلين فى النقاش . وانتهى ما فى جعبتى من أسئلة ، كما انتهى ما فى جعبتهم من إجابات ، فهممت بالإنصراف . فسألنى "هل لديك أسئلة أخرى ؟؟؟" . فقت لا .
وفجأة خطر لى سؤال لا أعرف كيف أصوغه ، فسكت لحظة ثم قلت "هل تستطيع أن تخبرنى ، ماهو شعورك بأن تكون مسلما ؟؟؟ أعنى كيف ترى علاقتك مع الله ؟؟؟" .
عرفت فيما بعد بأن غسان له وضعه هنا وفى الخارج ، كزعيم روحى ، وله قدرة على محاورتك فى كثير من الأمور والقدرة على إقناعك ، بمعنى آخر له هيبة وحدس .
كانت أول كلمة تصدر منه ، عبارة عن خشوع ونداء "الله" ، ومد فيها طويلا . ثم سكت وأخذ نفسا عميقا . "إنه الكبير ونحن لا شئ بجوار عظمته ، نحن أقل من ذرة رمل بجواره" . "وبالرغم من ذلك فهو يحبنا ، ويكرمنا ، ويرحمنا أكثر من رحمة الأم مع رضيعها" . شعرت أنى قد فجرت فيه كل العواطف بسؤالى هذا .
"ولا يحدث شئ إلا عن إرادته" ، ووضع يديه على صدره ، "لا نتنفس إلا بأمره ، ولا نخرج النفس إلا بأمره ، لا نحرك أرجلنا إلا بأمره ، لا تسقط ورقة من شجرة إلا بأمره ، لا نتكلم إلا بأمره ، وحينما نسجد لعظمته على الأرض نشعر كمسلمين بالسعادة الغامرة تغشى قلوبنا ، نشعر بالقوة التى يمنحها لنا ، ولا توجد كلمات يمكن التعبير بها عن شعورنا تجاه عظمته . لابد من أن تذوقها بنفسك ... فلو أراد شخص أن يشرح لك طعم شئ لم تذقه ، فلن يستطيع ، إلا أن تفعل ذلك ، لابد من التجربة" .
بقى هادئا لعدة ثوان ، كأنه يريد أن تتفاعل الكلمات معى ، وفعلا كنت أود أن نتبادل المواقف ، ولو لبضع دقائق ، لأشعر بالرغبة ، والعاطفة ، والشوق للإله . كانت كلماته تخرج من القلب ، ولا تملك حياله إلا التسليم للإيمان .
أردتُ معْرِفة الصفاءِ والعذابِ، الرجاء والخوف، وأن أتمرّد على التفاهةِ التى أعيش فيها ، وأن إستسلمِ للإيمان . إشتقتُ أَنْ أُنتعَشَ مِنْ هذا الموتِ الروحيِ .
واصطك بأذنى هذا السؤال ، "لذا، هَلْ تَرغَبُ فى أَنْ تَكُونَ مسلما؟" . كان كالصريخ فى أذنى !!! ما الذى دعاه لهذا السؤال ؟؟؟ ماذا سأقول لعائلتى ، لأصدقائى ، لزوجتى السابقة ... أنا أعمل فى جامعة يسوعية ، ماذا سيكون موقفى فى عملى ؟؟؟ "أجبت على الفور .. لا ليس الآن على كل حال ، أنا مجرد أردت أن أطرح بعض الأسئلة" .
تمنيت أن لو كنت أنهيت الموضوع حينئذ . ما الذى سأفعله هنا ؟؟؟ شعرت بالتوتر يشل كل جسدى ، استعد للهجوم التالى !!! كنت أعرف أنى لابد أن أكون أكثر صلابة هذه المرة ، ولكن جزءا منى كان يحن لسماع كلام غسان مرة ثانية . استقصاء ، وصول ، إلتماس ، توسل ، صلاة "لا تتركنى يارب بعد أن وصلت إلى هذه المرحلة" . لاشك أن غسان قد مر بمثل هذا الموقف من قبل ، وهو يعلم أنه لا يجب عليه أن يستسلم بسهولة . فأعاد مرة ثانية بهدوء , "ولكنى أشعر بأنك تؤمن به ، لماذا لا تحاول ؟؟؟" .
تلاشت الأصوات والوجوه ، لا داعى لهذا الإنزعاج . أنا لا أدين لأحد بشئ ، لا غسان ولا الأصدقاء ولا لأى أحد . القرار قرارى أنا بمفردى . حينئذ تذكرت ما علمنيه والدى ، "اتبع مشاعرك ، دون النظر إلى الآخرين" . نظرت إلى الثلاثة ، وقلت "نعم أريد أن أكون مسلما" .