تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : إخلاصُ العمل ِللهِ وإحسانُ صحتهِ



النصر قادم
09-07-2008, 03:29 AM
إخلاصُ العمل ِللهِ وإحسانُ صحتهِ


الحمدُ للهِ القائل ِفي محكم ِالتنزيل ِ: ( وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلاَّ ليعبُدونَ{56}) الذاريات .

فالعبادة ُهي الغاية ُالتي خـُلقَ منْ أجلِها الإنسان، فيجبُ أن تكونَ طريقاً يَسلـُكُهُ الإنسانُ ليصِلَ منْ خلالِهِ إلى غايةِ الغاياتِ، وهي نيلُ رضوان ِاللهِ تباركَ وتعالى، فلا يَظـُنَّـنَّ ظانٌّ، أو يَعتقدَ إنسانٌ أنهُ قد خُلِقَ عبثاً لغيرِ غايةٍ يسعى إليها، أو هدفٍ يسيرُ نحوَهُ، فيكونُ كالريشةِ في مهبِّ الريح، تتقاذفـُهُ الأيدي، وتـُغرِقـُهُ الشهواتُ، فاللهُ عزَّ وجلَّ قد حذرَ المشركينَ فقال: ( أَفَحَسِبْتـُمْ أَنَّمَا خلقناكـُمْ عَبَثاً وَأَنـَّكُمْ إلينا لا تـُرجَعُونَ{115}) المؤمنون .
أو أنْ يُدركَ الإنسانُ الغاية َمنْ خلقِهِ، فيقعُدُ عنهَا ويتثاقـَلُ، يُمَّنيهِ الشيطانُ ويُأمَّلـُهُ، حتى يُدركـَهُ الكِبَرُ، أو يأتِيْهُ الموتُ بغتة ًفيقولَ: ( رَبِّ ارجعُون{99 }لعلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فيمَا تركت{100}) المؤمنون .
وصدقَ رسولُ اللهِ صلى الله ُعليهِ وسلمَ إذ يقولُ: ( إغتنم خمساً قبلَ خمس، شبابَكَ قبلَ هرمِك، وصحتكَ قبلَ سقمِك, وغناكَ قبلَ فـقرِك, وفراغـَكَ قبلَ شُغلِك, وحياتـَكَ قبلَ موتِك ).

إخوتي في اللهِ وأحبـَّتي : ها نحنُ وقد تحقـَّقَ عندنا العلمُ, وبانتْ لنا الغاية ُمنْ خلقِنـَا, وتكشَّفَ لنا نورُ الهدايةِ فلا بُدَّ وأنْ يأخذ َالجَدُّ منا مأخـَذهُ وأنْ نعقِدَ العزمَ على توثيق ِآصِرتِنَا باللهِ عزَّ وجلَّ, وأن تكونَ طاعَتـُنـَا لهُ ولرسولِهِعليهِ السلامُ بالكيفيةِ التي بيـَّنـَهَا الشارع الحكيم, وهي لا تكونُ إلاَّ مقرونة ًبشرطين ِاثنين ِ، لا تصِحُّ بأحدِهِمَا دونَ الآخر, كما بَيَّنَ ذلكَ علماءُ المسلمينَ, بلْ، وأجمعوا عليه .

فالشرط ُالأوَّلُ هوالصَّحَة ُ, وأمَّا الثاني فالإخلاص, ونعني بالصحةِ انْ يكونَ العملُ بالكيفيةِ التي جاءَ بها محمدٌ صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وصحبهِ وسلمَ منْ غيرِ ابتداع ٍفيها, أو إفراطٍ بفهمِهَا، أو تفريطٍ بمعناهَا, بلْ يجبُ أنْ يكونَ أداؤُهَا مقتصِرَاً على النَّحوِ المنصوص ِعليهِ في الكتابِ والمُبَيَّن ِفي السُّنـَّة .

وأمَّا الشرط ُالثاني : فهوَ الإخلاصُ, فيجبُ أنْ يكونَ المسلمُ حريصاً على إحسان ِالعمل ِ, وعلى أنْ لا يبتغيَ بعملِهِ عَرَضَاً من الدنيا, أو أنْ يُشرِكَ بعملِهِ غيرَ اللهِ تباركَ وتعالى وإلاَّ حَبـِط َعملـُهُ وكانَ منَ الخاسرينَ وصدقَ الله: (وَمَا أمرُوا إلا ليَعْبُدُوا اللَّهَ مُخلِصِينَ لهُ الدِّينَ{5}) البينة .
وفي الحديثِ الذي يَرويهِ أنسٌ رضيَ الله ُتعالى عنهُ وأرضاهُ, عن رسول ِاللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ أنَّهُ قال: ( إذا كانَ يومُ القيامةِ جاء تِ الملائكة ُبصُحُفٍ مُختـَّمةٍ, فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: ألقوُا هذا, وأقبلوا هذا, فتقولُ الملائكة ُ: وعزَّتِكَ ما كتبنا إلاَّ ما كان, فيقولُ: إنَّ هذا كانَ لغيري, ولا أقبلُ اليومَ إلاَّ ما كانَ لي ) .

إخوة َالإيمان : منْ أجل ِأنْ يكونَ العملُ حسناً فلا بُدَّ فيهِ منْ إخلاص ِالنـِّيِـَّةِ امتثالاً لقولِهِ تعالى: ( ألا للهِ الدينُ الخالِصُ{3}) الزمر .
والنـِّيـَّة ُوالصِّحة أصلان ِمُتلازمان ِلا ينفكُّ أحدُهُمَا عن ِالآخر، فمن قامَ بالأوَّل ِدونَ الثانيْ فمردود، ومَنْ عمِلَ بالثانيْ دونَ الأوَّل ِفمرفوض، والدليلُ على ذلكَ قولـُهُ تعالى: ( فَمَنْ كانَ يَرجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فليَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا{110}) الكهف .

وقد أخرجَ النَّسائيُّ من حديثِ أبي أمَامَة َقال: (جاءَ رجلٌ إلى النـَّبيِّ صلواتُ ربي وسلامُهُ عليهِ فقال: أرأيتَ رجلاًغزا يلتمسُ الأجرَ والذِكر، مَا لهُ؟ فقالَ عليهِ السلام: لا شيء، ثمَّ قال: إنَّ اللهَ لا يقبلُ إلاَّ ما كانَ خالصاً وابتـُغِيَ بهِ وَجهُهُ ) .

إخوتي في الله,أحبتي في اللهِ: الصِّحة ُوالإخلاصُ، هاتان ِكلمتان ِجامعتان ِ، وقاعدتان ِكُـلِّيتان ِ،وهما أصلُ الدين.

ولهذا كانَ أئِمَة ُالسَّلفِ الصَّالح ِيَجمعونَ هذين ِالأصلين معاً، كقول ِالفـُضَيل ِبن ِعِيَاض ٍفي قولِهِ تعالى: ( لِيَبلُوَكـُمْ أَيُّكـُمْ أَحْسَنُ عَمَلا{2}) الملك . قال: أخلصُهُ وأصوبُهُ، فقيلَ يا أبا عليٍّ: مَا أخلصُهُ وأصوبُهُ؟ فقال: إنَّ العملَ إذا كانَ صواباً ولمْ يكنْ خالصاً لمْ يُقبل، وإذا كانَ خالصاً ولمْ يكنْ صواباً لمْ يُقبل، حتى يكونَ خالصاً صواباً، والخالصُ أنْ يكونَ للهِ، والصوابُ أنْ يكونَ على السُّـنَّة .
وعن سعيدِ بن جبيرٍ قال: { لا يُقبلُ قولٌ إلاَّ بعمل،ولا يُقبلُ قولٌ وعملٌ إلاَّ بنيةٍ، ولا يُقبلُ قولٌ وعملٌ ونية ٌإلاَّ بموافقةِ السُّـنَّة } .


ومنْ دُعاءِ عمرَ بن ِالخطابِ رضيَ اللهُ تعالى عنه وأرضاهُ : اللهُمَّ اجعلْ عملي كُـلـَّهُ صالحاً، واجعلهُ لوجهـكَ خالصاً، ولا تجعلْ لأحدٍ فيهِ شيئاً.

إخوتي في الله وأحبتي, ألا فلتعلموا : أن من أجَلِّ الأعمال ِوأعظمِهَا أجراً عندَ اللهِ, العملَ معَ العاملينَ لإعادةِ سلطان ِاللهِ في الأرض ِ, بإقامةِ الخلافةِ الراشدةِ المهديَّةِ الموعودينَ بها قريباً بإذنهِ تعالى, والله ُلا يُخلِفُ الميعاد.

اللهُمَّ اجعلْ خيرَ أعمالِنـَا خواتيمَهَا، وخيرَ أيامِنـَا يومَ لقائِكَ، واجعلْ أعمالِنـَا خالصة ًلوجهـكَ الكريم .
اللهُمَّ آمين، اللهُمَّ آمين، اللهُمَّ آمين, ربِّ, رَبَّ العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
كاتبه أخوكم : النصر قادم