عزام
08-11-2008, 04:46 PM
السلام عليكم
بما انه أثيرت قضية الاجتهاد في مواضيع طرحت مؤخرا.. اقدم لكم دراسة مفيدة عن الموضوع.
عزام
اختلف العلماء في المسائل الفقهية الظنية: هل كل مجتهد فيها مصيب ؟ أم أن المصيب فيها واحد؟. وسبب هذا الخلاف هو اختلاف العلماء في مسألة : هل لله حكم معين في كل مسألة ، بحيث أن من يصل من المجتهدين إلى هذا الحكم يكون مصيباً في اجتهاده ومن لا يصل إليه يكون مخطئاً في اجتهاده؟ أم أن حكم الله فيما يسوغ من الاجتهاد من الظنيات وهو ما يؤدي إليه اجتهاد كل مجتهد، وأن كل مجتهد مصيب ؟
وهذا الاختلاف بين العلماء تبلور في مذهبين : المصوّبة، والمخطئة وذلك على النحو الآتي :
أولا: المخطئة :
وهم الذين رأوا أن المصيب واحد ومن عداه مخطىء ، لأن الحكم في كل واقعة معين عند الله، فمن أصابه فقد أصاب ، ومن أخطأه فهو مخطىء. وهذا هو مذهب جمهور الأصوليين والأئمة الأربعة .
وقد استدل على هذا المذهب بما يأتي :
· قوله تعالى: "وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين – ففهّمناها سليمان" (الأنبياء 78-79). وجه الدلالة في الآية: أن سليمان قد حظي بفهم الحق في الواقعة، وهذا يدل على عدم فهم داود له وإلا لما كان التخصيص مفيداً، فثبت بذلك أن حكم الله واحد وأن المصيب فيه واحد، وهو المطلوب.
· قول الرسول عليه الصلاة والسلام: " إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد". فالحديث يدل على أن الاجتهاد فيه الخطأ والصواب، وأن المجتهد قد يصيب وقد يخطىء ، وهذا يدل على أن الحق واحد: من أصابه فقد أصاب ومن أخطأه فقد أخطأ، ولو كان الحق متعدداً لكان كل مجتهد مصيب، وهذا خلاف ما يدل عليه الحديث.
· الإجماع، وهو أن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على إطلاق لفظ الخطأ في الاجتهاد. ومن ذلك قول أبي بكر الصديق، أنه قال في الكلالة: "أقول فيها برأيي ، فإن يكن صواباً فمن الله وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان ، والله ورسوله منه بريئان". . وقال عمر لكاتبه: "اكتب : هذا ما رأى عمر ، فإن يكن خطأ فمنه وإن يكن صواباً فمن الله". وكذلك قوله في جواب المرأة التي ردت عليه النهي عن المبالغة في المهر: "أصابت امرأة وأخطأ عمر" . . ومن ذلك ما قاله علي في المرأة التي استحضرها عمر فأجهضت ، وقد قال عثمان وعبد الرحمن بن عوف: " إنما أنت مؤدب ، لا نرى عليك شيئاً" فقال علي: "إن كانا قد اجتهدا فقد أخطأا وإن لم يجتهدا فقد غشّاك، أرى عليك الدية". وغير ذلك من الأخبار التي تدل على أن الصحابة كانوا يرون الإصابة والخطأ في الاجتهاد، وأن الحق ليس إلا واحداً..
ثانياً : المصوّبة :
وهم الذين يقولون بأن كل مجتهد مصيب في اجتهاده، وأن كل قول من أقوال المجتهدين فيها حق ، وأن كل واحد منهم مصيب .
وقد استدل من ذهب إلى أن كل مجتهد مصيب بالآتي :
· قوله تعالى في حق داود وسليمان ( وكلاّ أتينا حكماً وعلماً) الأنبياء 79. فهذا دليل على أن كل مجتهد مصيب، وذلك أنه لو كان أحدهما مخطئاً لما كان ما صار إليه حكماً وعلماً ، فثبت بذلك أن كل مجتهد مصيب.
· قول النبي صلى الله عليه وسلم :"أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم". وجه الدلالة في هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل الاقتداء بكل واحد من الصحابة هدى – مع اختلافهم في الأحكام إثباتاً ونفياً – فلو كان فيهم مخطىء لما كان الاقتداء به هدى، لأن الاقتداء بالمخطىء ضلالة وغواية.
· الإجماع: وهو أن الصحابة رضي الله عنهم قد اتفقوا على تسويغ خلاف بعضهم البعض من غير نكير بينهم . فقد كان الصحابة يختلفون في المسألة الواحدة بحيث يكون لكل منهم قولاً يخالف الآخر في المسألة الواحدة، ومع هذا لم يخطىء بعضهم بعضاً ، بل ظل كل واحد منهم يعظم الآخر دون إنكار عليه. فدل ذلك على أن كل واحد منهم مصيب فيما ذهب إليه. ولو كان المصيب واحداً وما عداه مخطئاً لما ترك الصحابة الإنكار على المخطىء، بل كانوا سينكرون عليه، وحيث أنهم لم ينكروا رأي من خالفهم فهذا يدل على أنه مصيب فثبت أن كل مجتهد مصيب.
ثالثا: الترجيح
بعد ذكر أدلة المذهبين – وما دار حولها من نقاش – يستبين لنا أن نذهب الجمهور القائلين بأن المصيب واحد هو الراجح، وذلك لأن الحق لا يتعدد بتعدد المجتهدين، وأن حكم الله معين في كل واقعة قبل الاجتهاد، وأن الشارع قد وضع لذلك أمارة وعلى المجتهد أن يتحرى الوصول إلى ذلك الحكم، فإن أصابه فقد أصاب الحق، وإن أخطأه بعد بذل جهده فهو مخطىء ولا إثم عليه ويستحق الأجر لبذله جهده .
ومع ذلك لو تفحصنا حقيقة ما ذهب إليه المصوبة والمخطئة لوجدنا أنه يمكن التوفيق بينهما ، وذلك بأن نحمل ما ذهب إليه الجمهور – في قولهم بأن الحق لا يتعدد – على أن هذا القول صحيح في الواقع ويحمل قول المصوبة – في أن الحق يتعدد – بأن ذلك قائم على اعتبار العمل الواجب على كل مجتهد ، فإن كل مجتهد أصبح الحق الواجب عليه إتباعه هو ما توصل إليه باجتهاده.
بما انه أثيرت قضية الاجتهاد في مواضيع طرحت مؤخرا.. اقدم لكم دراسة مفيدة عن الموضوع.
عزام
اختلف العلماء في المسائل الفقهية الظنية: هل كل مجتهد فيها مصيب ؟ أم أن المصيب فيها واحد؟. وسبب هذا الخلاف هو اختلاف العلماء في مسألة : هل لله حكم معين في كل مسألة ، بحيث أن من يصل من المجتهدين إلى هذا الحكم يكون مصيباً في اجتهاده ومن لا يصل إليه يكون مخطئاً في اجتهاده؟ أم أن حكم الله فيما يسوغ من الاجتهاد من الظنيات وهو ما يؤدي إليه اجتهاد كل مجتهد، وأن كل مجتهد مصيب ؟
وهذا الاختلاف بين العلماء تبلور في مذهبين : المصوّبة، والمخطئة وذلك على النحو الآتي :
أولا: المخطئة :
وهم الذين رأوا أن المصيب واحد ومن عداه مخطىء ، لأن الحكم في كل واقعة معين عند الله، فمن أصابه فقد أصاب ، ومن أخطأه فهو مخطىء. وهذا هو مذهب جمهور الأصوليين والأئمة الأربعة .
وقد استدل على هذا المذهب بما يأتي :
· قوله تعالى: "وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين – ففهّمناها سليمان" (الأنبياء 78-79). وجه الدلالة في الآية: أن سليمان قد حظي بفهم الحق في الواقعة، وهذا يدل على عدم فهم داود له وإلا لما كان التخصيص مفيداً، فثبت بذلك أن حكم الله واحد وأن المصيب فيه واحد، وهو المطلوب.
· قول الرسول عليه الصلاة والسلام: " إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد". فالحديث يدل على أن الاجتهاد فيه الخطأ والصواب، وأن المجتهد قد يصيب وقد يخطىء ، وهذا يدل على أن الحق واحد: من أصابه فقد أصاب ومن أخطأه فقد أخطأ، ولو كان الحق متعدداً لكان كل مجتهد مصيب، وهذا خلاف ما يدل عليه الحديث.
· الإجماع، وهو أن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على إطلاق لفظ الخطأ في الاجتهاد. ومن ذلك قول أبي بكر الصديق، أنه قال في الكلالة: "أقول فيها برأيي ، فإن يكن صواباً فمن الله وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان ، والله ورسوله منه بريئان". . وقال عمر لكاتبه: "اكتب : هذا ما رأى عمر ، فإن يكن خطأ فمنه وإن يكن صواباً فمن الله". وكذلك قوله في جواب المرأة التي ردت عليه النهي عن المبالغة في المهر: "أصابت امرأة وأخطأ عمر" . . ومن ذلك ما قاله علي في المرأة التي استحضرها عمر فأجهضت ، وقد قال عثمان وعبد الرحمن بن عوف: " إنما أنت مؤدب ، لا نرى عليك شيئاً" فقال علي: "إن كانا قد اجتهدا فقد أخطأا وإن لم يجتهدا فقد غشّاك، أرى عليك الدية". وغير ذلك من الأخبار التي تدل على أن الصحابة كانوا يرون الإصابة والخطأ في الاجتهاد، وأن الحق ليس إلا واحداً..
ثانياً : المصوّبة :
وهم الذين يقولون بأن كل مجتهد مصيب في اجتهاده، وأن كل قول من أقوال المجتهدين فيها حق ، وأن كل واحد منهم مصيب .
وقد استدل من ذهب إلى أن كل مجتهد مصيب بالآتي :
· قوله تعالى في حق داود وسليمان ( وكلاّ أتينا حكماً وعلماً) الأنبياء 79. فهذا دليل على أن كل مجتهد مصيب، وذلك أنه لو كان أحدهما مخطئاً لما كان ما صار إليه حكماً وعلماً ، فثبت بذلك أن كل مجتهد مصيب.
· قول النبي صلى الله عليه وسلم :"أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم". وجه الدلالة في هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل الاقتداء بكل واحد من الصحابة هدى – مع اختلافهم في الأحكام إثباتاً ونفياً – فلو كان فيهم مخطىء لما كان الاقتداء به هدى، لأن الاقتداء بالمخطىء ضلالة وغواية.
· الإجماع: وهو أن الصحابة رضي الله عنهم قد اتفقوا على تسويغ خلاف بعضهم البعض من غير نكير بينهم . فقد كان الصحابة يختلفون في المسألة الواحدة بحيث يكون لكل منهم قولاً يخالف الآخر في المسألة الواحدة، ومع هذا لم يخطىء بعضهم بعضاً ، بل ظل كل واحد منهم يعظم الآخر دون إنكار عليه. فدل ذلك على أن كل واحد منهم مصيب فيما ذهب إليه. ولو كان المصيب واحداً وما عداه مخطئاً لما ترك الصحابة الإنكار على المخطىء، بل كانوا سينكرون عليه، وحيث أنهم لم ينكروا رأي من خالفهم فهذا يدل على أنه مصيب فثبت أن كل مجتهد مصيب.
ثالثا: الترجيح
بعد ذكر أدلة المذهبين – وما دار حولها من نقاش – يستبين لنا أن نذهب الجمهور القائلين بأن المصيب واحد هو الراجح، وذلك لأن الحق لا يتعدد بتعدد المجتهدين، وأن حكم الله معين في كل واقعة قبل الاجتهاد، وأن الشارع قد وضع لذلك أمارة وعلى المجتهد أن يتحرى الوصول إلى ذلك الحكم، فإن أصابه فقد أصاب الحق، وإن أخطأه بعد بذل جهده فهو مخطىء ولا إثم عليه ويستحق الأجر لبذله جهده .
ومع ذلك لو تفحصنا حقيقة ما ذهب إليه المصوبة والمخطئة لوجدنا أنه يمكن التوفيق بينهما ، وذلك بأن نحمل ما ذهب إليه الجمهور – في قولهم بأن الحق لا يتعدد – على أن هذا القول صحيح في الواقع ويحمل قول المصوبة – في أن الحق يتعدد – بأن ذلك قائم على اعتبار العمل الواجب على كل مجتهد ، فإن كل مجتهد أصبح الحق الواجب عليه إتباعه هو ما توصل إليه باجتهاده.