أبو يونس العباسي
07-29-2008, 02:54 PM
السنن الإلهية فيمن ترك تحكيم الشريعة الربانية
أبو يونس العباسي
الحمد لله معز الإسلام بنصره , ومذل الشرك بقهره , ومصرف الأمور بأمره , ومستدرج الكافرين بمكره ، الذي قدر الأيام دولا بعدله , وجعل العاقبة للمتقين بفضله , والصلاة والسلام على من أعلى الله منار الإسلام بسيفه , وعلى من سار على دربه واقتفى أثره , واهتدى بهديه واستن بسنته , إلى يوم الدين .
- في يوما ما , قريب عهده بنا , أذن المؤذن يعلمنا دخول وقت العشاء , فذهبت إلى المسجد وصليت ثم رجعت , فرأيت سيارات تقف أمام جمعية من الجمعيات , ورأيت هذه السيارات مليئة بأجهزة الحاسوب والأوراق وغيرها من الحاجيات , تخطيت هذه السيارات , وقلت في نفسي : ماذا يفعلون ؟ ثم تذكرت .... إنهم يعاقبون هذه الجمعيات وأصحابها على خلفية التفجيرات الأخيرة , وصلت إلى البيت , وصعدت إلى السطح , ونظرت إلى السماء , أتفكر في مخلوقات الله تعالى , ثم خطرت لي خاطرة ملحة , تحمل سؤالا وجيها , ألا وهو : لماذا هذه التفجيرات ؟ لماذا لا يستقر الوضع ( للحكومة الراشدة ) ؟ , لماذا لا يكف العلمانيون وغيرهم عن مضايقتها ؟ , ماذا فعلوا حتى يحدث لهم هذا كله ؟ تاملت في هذه التساؤلات , وأتبعت التأمل تأملا , ثم هداني ربي إلى السر الذي سبب كل ما حدث من مصائب وكوارث , إنها السنن الربانية في معاقبة من ترك تحكيم شريعة رب البرية - سبحانه وتعالى - .
- أحبتي في الله : إن الله تعالى خلق هذا الكون , وخلق فيه قوانين ونواميس وسننا , هذه السنن لا تحابي أحدا على حساب أحد وبالمطلق , هذه السنن لا تعرف ما يسمى عندنا " بفيتامين واو " , هذه السنن لا تتبدل ولا تتغير ولا تتحول , بل إنك تراها دوما ما إن حصلت أسبابها تحصل , وما إن تتخلف أسبابها تتخلف , وحول هذا المعنى يقول مولانا العظيم :" فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا"(فاطر:43) , ويقول الجليل الكبير :" سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا "(الفتح:23) , ويقول الحكيم العليم :" وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا "(الكهف:27) , وبعد ما أسلفنا قوله , هلا تولدت عندنا الحاجة الملحة لفقه هذه السنن , وهلا جاريناها وسرنا في تيارها , فإن السعيد من ضبط حياته بهذه السنن , والتعيس من عارض وكابر وخالف هذه السنن , ومن أجل ذلك كان مقالي هذا والذي عنونته ب"السنن الإلهية فيمن ترك تحكيم الشريعة الربانية "
- أحبتي في الله : من سنن الله تبارك وتعالى فيمن ترك تحيم الشريعة الربانية أن يبتليه الله بالجوع والفقر والحرمان , قال الله تعالى :" وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ" (المائدة:66) , فإذا كان الله سيكب عليهم نعمه إذا أقاموا شرعه , فماذا سيفعل بهم إن انحرفوا وزاغوا عنه ؟ , وحتى ولو لم يبتليهم بما تقدم , فإن نهاية نعيمهم إلى هلاك , ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون , قال الله تعالى :" فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ"(الأنعام:44) , قال مولاي الحليم الرحيم :" وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ"(الأعراف:96) , وإن من مظاهر تنحية شريعة الرحمن: منع الزكاة عن مستحقيها وعدم مطالبة السلطان ممن كانوا من أهلها بما يجب عليهم فيها , فنتج عن ذلك من القحط وقلة المطر وضيق الرزق ما الله به عليم , أخرج الحاكم في مستدركه وصححه الألباني من حديث ابن عمر : أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال : ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا " , وهنا لا بد أن نعلم أن الفقر وما سببه الحصار الظالم الباغي لن يزول بالتبرؤ من النوايا بإقامة إمارة إسلامية , بل ستنتهي بطاعة الله واجتناب ما عنه نهى , وتطبيق ما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عند مولاه , والثبات عليه إلى يوم نلقاه - سبحانه وتعالى - , ولنعلم أن مقاليد الكون بيد الله , فيا لسعادة من احتمى بحماه , ولجأ إلى مولاه , وثبت على منهجه وهداه , قال الله تعالى :" وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ"(القصص 57) .
- أحبتي في الله : ومن سنن الله التي لا تتبدل ولا تتغير فيمن ترك تحكيم الشريعة , أن تسود بينهم العداوة والبغضاء والشحناء , والتي وصفها الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أحاديثه الصحيحة بالحالقة وقال :" لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين " , فهل تنبهتم إلى هذا يا من تركتم تحكيم الشريعة الغراء ؟!!! , قال الله تعالى :" وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ"(المائدة14) , بل إنني أقول : إن الأمر لن يقف عند مجرد العداوة والبغضاء , بل سيتعداها إلى تبادل الإضرار المادي بين أبناء تلكم الجماعة التي تركت تحكيم الشريعة , ودليلي على هذا الفهم ما أخرجه البيهقي في سننه وقال الألباني صحيح لغيره من حديث ابن عمر : أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال : "وما عطلوا كتاب الله وسنة رسوله , إلا جعل الله بأسهم بينهم " .
- أحبتي في الله : وإذا حصلت العداوة والبغضاء , وحصل البأس بين أفراد الجماعة الواحدة التي نحت الشريعة عن الحكم والتحاكم , فسينتج بعد ذلك مباشرة النزاع والخلاف والتفرق , لأن تطبيق شريعة السماء على نطاق الفرد والأسرة والمؤسسة والجماعة هو الضمان الوحيد لاستمرار الوحدة والتوحد بين المسلمين وإلا فلا , قال الله تعالى :" وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ"(آل عمران:103) , والألفة بين أبناء الجماعة الواحدة إرادة ربانية , لا يأذن الله بها إلا لمن توحدوا على دينه وحكموا وتحاكموا إلى شرعه ومنهجه , قال الله تعالى :" وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "(الأنفال :63) , وإن من أروع ما استفدته من أحد مشائخي قوله :"العرب جنس فريد , جنس أصيل لا يعز إلا بدين " , نعم : قد يتوحد غيرنا على غير الدين , وقد يبنون حضارة وعزة وسؤددا على غير الدين كذلك , ولكننا لن نتوحد ولن نعز ولن نحصل على الكرامة والسؤؤد إلا بالدين الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - , أخرج أحمد في مسنده وصححه الألباني من حديث عبد الله بن زيد بن عاصم قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه :"يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي وكنتم متفرقين فألفكم الله بي وكنتم عالة فأغناكم الله بي أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون بالنبي إلى رحالكم لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار ولو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها الأنصار شعار والناس دثار إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض" , قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله " , ولكن : يا حسرة على العباد , أين من يسمع هذا الكلام , ويقرأه بموضوعية , ويرجع عن باطله إذا ما تبين له الحق ؟!!! , ولا يسعني هنا إلا أن أذكرك بقوله تعالى :" وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ "(آل عمران :105) , وبقوله سبحانه :" وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَب رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ"(الأنفال :46) , وأقول : إن أهل النزاع والفرقة هم من انحرفوا عن تطبيق شريعة السماء , لا من يدعون لتطبيقها , فلنتفهم هذا يا رحمكم الله ورعاكم .
أحبتي في الله : وإن من سنن الله فيمن ترك تطبيق شرعه , ان يسلط عليه عدوه , ليهينه وينتهك عرضه ويسلبه ماله ويسلب خيراته ويستولي على مقدراته ومقدساته , فهل عقلت (حكومتنا الراشدة) وغيرها من حكومات طواغيت العرب ذلك ؟!!! , هاأنذا أذكر , عساهم يكونون من أهل الذكرى , أخرج البيهقي في سننه وقال الألباني صحيح لغيره من حديث ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم قال - :" ولا حكم أمراؤهم بغير ما أنزل الله إلا سلط الله عليهم عدوهم , فاستنقذوا بعضا مما في أيديهم " , إخوتاه : سمعت هذا الحديث , وعقلته , ثم نظرت إلى واقع المسلمين اليوم وقلت : حقا , صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم , قال ابن قيم الجوزية - رحمه الله - : " لاتحسبن أن العدو غلب ولكن الحافظ أعرض " .
أبو يونس العباسي
الحمد لله معز الإسلام بنصره , ومذل الشرك بقهره , ومصرف الأمور بأمره , ومستدرج الكافرين بمكره ، الذي قدر الأيام دولا بعدله , وجعل العاقبة للمتقين بفضله , والصلاة والسلام على من أعلى الله منار الإسلام بسيفه , وعلى من سار على دربه واقتفى أثره , واهتدى بهديه واستن بسنته , إلى يوم الدين .
- في يوما ما , قريب عهده بنا , أذن المؤذن يعلمنا دخول وقت العشاء , فذهبت إلى المسجد وصليت ثم رجعت , فرأيت سيارات تقف أمام جمعية من الجمعيات , ورأيت هذه السيارات مليئة بأجهزة الحاسوب والأوراق وغيرها من الحاجيات , تخطيت هذه السيارات , وقلت في نفسي : ماذا يفعلون ؟ ثم تذكرت .... إنهم يعاقبون هذه الجمعيات وأصحابها على خلفية التفجيرات الأخيرة , وصلت إلى البيت , وصعدت إلى السطح , ونظرت إلى السماء , أتفكر في مخلوقات الله تعالى , ثم خطرت لي خاطرة ملحة , تحمل سؤالا وجيها , ألا وهو : لماذا هذه التفجيرات ؟ لماذا لا يستقر الوضع ( للحكومة الراشدة ) ؟ , لماذا لا يكف العلمانيون وغيرهم عن مضايقتها ؟ , ماذا فعلوا حتى يحدث لهم هذا كله ؟ تاملت في هذه التساؤلات , وأتبعت التأمل تأملا , ثم هداني ربي إلى السر الذي سبب كل ما حدث من مصائب وكوارث , إنها السنن الربانية في معاقبة من ترك تحكيم شريعة رب البرية - سبحانه وتعالى - .
- أحبتي في الله : إن الله تعالى خلق هذا الكون , وخلق فيه قوانين ونواميس وسننا , هذه السنن لا تحابي أحدا على حساب أحد وبالمطلق , هذه السنن لا تعرف ما يسمى عندنا " بفيتامين واو " , هذه السنن لا تتبدل ولا تتغير ولا تتحول , بل إنك تراها دوما ما إن حصلت أسبابها تحصل , وما إن تتخلف أسبابها تتخلف , وحول هذا المعنى يقول مولانا العظيم :" فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا"(فاطر:43) , ويقول الجليل الكبير :" سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا "(الفتح:23) , ويقول الحكيم العليم :" وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا "(الكهف:27) , وبعد ما أسلفنا قوله , هلا تولدت عندنا الحاجة الملحة لفقه هذه السنن , وهلا جاريناها وسرنا في تيارها , فإن السعيد من ضبط حياته بهذه السنن , والتعيس من عارض وكابر وخالف هذه السنن , ومن أجل ذلك كان مقالي هذا والذي عنونته ب"السنن الإلهية فيمن ترك تحكيم الشريعة الربانية "
- أحبتي في الله : من سنن الله تبارك وتعالى فيمن ترك تحيم الشريعة الربانية أن يبتليه الله بالجوع والفقر والحرمان , قال الله تعالى :" وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ" (المائدة:66) , فإذا كان الله سيكب عليهم نعمه إذا أقاموا شرعه , فماذا سيفعل بهم إن انحرفوا وزاغوا عنه ؟ , وحتى ولو لم يبتليهم بما تقدم , فإن نهاية نعيمهم إلى هلاك , ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون , قال الله تعالى :" فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ"(الأنعام:44) , قال مولاي الحليم الرحيم :" وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ"(الأعراف:96) , وإن من مظاهر تنحية شريعة الرحمن: منع الزكاة عن مستحقيها وعدم مطالبة السلطان ممن كانوا من أهلها بما يجب عليهم فيها , فنتج عن ذلك من القحط وقلة المطر وضيق الرزق ما الله به عليم , أخرج الحاكم في مستدركه وصححه الألباني من حديث ابن عمر : أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال : ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا " , وهنا لا بد أن نعلم أن الفقر وما سببه الحصار الظالم الباغي لن يزول بالتبرؤ من النوايا بإقامة إمارة إسلامية , بل ستنتهي بطاعة الله واجتناب ما عنه نهى , وتطبيق ما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عند مولاه , والثبات عليه إلى يوم نلقاه - سبحانه وتعالى - , ولنعلم أن مقاليد الكون بيد الله , فيا لسعادة من احتمى بحماه , ولجأ إلى مولاه , وثبت على منهجه وهداه , قال الله تعالى :" وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ"(القصص 57) .
- أحبتي في الله : ومن سنن الله التي لا تتبدل ولا تتغير فيمن ترك تحكيم الشريعة , أن تسود بينهم العداوة والبغضاء والشحناء , والتي وصفها الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أحاديثه الصحيحة بالحالقة وقال :" لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين " , فهل تنبهتم إلى هذا يا من تركتم تحكيم الشريعة الغراء ؟!!! , قال الله تعالى :" وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ"(المائدة14) , بل إنني أقول : إن الأمر لن يقف عند مجرد العداوة والبغضاء , بل سيتعداها إلى تبادل الإضرار المادي بين أبناء تلكم الجماعة التي تركت تحكيم الشريعة , ودليلي على هذا الفهم ما أخرجه البيهقي في سننه وقال الألباني صحيح لغيره من حديث ابن عمر : أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال : "وما عطلوا كتاب الله وسنة رسوله , إلا جعل الله بأسهم بينهم " .
- أحبتي في الله : وإذا حصلت العداوة والبغضاء , وحصل البأس بين أفراد الجماعة الواحدة التي نحت الشريعة عن الحكم والتحاكم , فسينتج بعد ذلك مباشرة النزاع والخلاف والتفرق , لأن تطبيق شريعة السماء على نطاق الفرد والأسرة والمؤسسة والجماعة هو الضمان الوحيد لاستمرار الوحدة والتوحد بين المسلمين وإلا فلا , قال الله تعالى :" وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ"(آل عمران:103) , والألفة بين أبناء الجماعة الواحدة إرادة ربانية , لا يأذن الله بها إلا لمن توحدوا على دينه وحكموا وتحاكموا إلى شرعه ومنهجه , قال الله تعالى :" وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "(الأنفال :63) , وإن من أروع ما استفدته من أحد مشائخي قوله :"العرب جنس فريد , جنس أصيل لا يعز إلا بدين " , نعم : قد يتوحد غيرنا على غير الدين , وقد يبنون حضارة وعزة وسؤددا على غير الدين كذلك , ولكننا لن نتوحد ولن نعز ولن نحصل على الكرامة والسؤؤد إلا بالدين الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - , أخرج أحمد في مسنده وصححه الألباني من حديث عبد الله بن زيد بن عاصم قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه :"يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي وكنتم متفرقين فألفكم الله بي وكنتم عالة فأغناكم الله بي أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون بالنبي إلى رحالكم لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار ولو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها الأنصار شعار والناس دثار إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض" , قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله " , ولكن : يا حسرة على العباد , أين من يسمع هذا الكلام , ويقرأه بموضوعية , ويرجع عن باطله إذا ما تبين له الحق ؟!!! , ولا يسعني هنا إلا أن أذكرك بقوله تعالى :" وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ "(آل عمران :105) , وبقوله سبحانه :" وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَب رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ"(الأنفال :46) , وأقول : إن أهل النزاع والفرقة هم من انحرفوا عن تطبيق شريعة السماء , لا من يدعون لتطبيقها , فلنتفهم هذا يا رحمكم الله ورعاكم .
أحبتي في الله : وإن من سنن الله فيمن ترك تطبيق شرعه , ان يسلط عليه عدوه , ليهينه وينتهك عرضه ويسلبه ماله ويسلب خيراته ويستولي على مقدراته ومقدساته , فهل عقلت (حكومتنا الراشدة) وغيرها من حكومات طواغيت العرب ذلك ؟!!! , هاأنذا أذكر , عساهم يكونون من أهل الذكرى , أخرج البيهقي في سننه وقال الألباني صحيح لغيره من حديث ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم قال - :" ولا حكم أمراؤهم بغير ما أنزل الله إلا سلط الله عليهم عدوهم , فاستنقذوا بعضا مما في أيديهم " , إخوتاه : سمعت هذا الحديث , وعقلته , ثم نظرت إلى واقع المسلمين اليوم وقلت : حقا , صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم , قال ابن قيم الجوزية - رحمه الله - : " لاتحسبن أن العدو غلب ولكن الحافظ أعرض " .