تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : معركة في الزمن العربي الضائع ----------------" حطين الثانية " ( مقال في حلقات)



أحمد الظرافي
07-28-2008, 11:02 AM
معركة في الزمن العربي الضائع

"حطين الثانية"

" حطين الثانية " واحدة من معارك الزمن العربي الضائع ، زمن الفتنة والتنازع والشقاق واختلاف ذات البين، والذي لم تحصد الأمة خلاله سوى الجراح والمرارة وشوك الحسك والسعدان. ولكن مع ذلك، فهناك بعض الجوانب المشرقة التي تنبعث من عتمة الظلمة الحالكة. فالأمة لم تفقد الرجال الذين هم على استعداد أن يقدموا أرواحهم ودمائهم رخيصة فداء لهذا الدين العظيم، ولم يمت فيها العلماء العاملون الصادحون بكلمة الحق عند سلاطين الجور، حتى في أحلك الظروف. فتاريخ الجهاد في الإسلام متصل، ولم يتوقف في أي فترة من الفترات ،مصداقا للحديث الشريف : " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم ، حتى يأتي أمر الله " وقد يكون القليلون من شباب المسلمين هم الذين سمعوا عن معركة "حطين الثانية" أو قرؤوا شيئا عنها.. فبين من جرت هذه المعركة التاريخية يا ترى؟ وما الذي تمثله بالنسبة للمسلمين؟

أحمد الظرافي
07-28-2008, 11:05 AM
(1)

عودة الخطر الصليبي
لم تكن هزيمة الفرنجة الصليبيين القاصمة في حطين عام 583هـ/1187 ، قطعا لدابر الوجود الصليبي الاستيطاني في بلاد الشام، وذلك على الرغم من كونها نقطة الانعطاف الأساسية في الحروب الصليبية (1097- 1291 م)، وعلى الرغم من النتائج الهامة التي ترتبت عليها ، والتي كان في مقدمتها تحرير المسجد الأقصى المبارك ، في ذكرى الإسراء والمعراج أي في 27رجب /12 أكتوبر، من نفس ذلك العام ، بعد أن عاثوا فيه فساداً ، لأكثر من تسعين عاما .. وقد توفي صلاح الدين وهم لايزالون في الشام. وظلوا مائة سنة من بعده حتى اقتلعوا من عكا آخر قلاعهم سنة 1291.
ذلك أن أولئك المستوطنين الصليبيين الغزاة، كانوا يستمدون وجودهم وقدرتهم على البقاء في بلاد المسلمين، من الدعم المقدم لهم بشكل مستمر من الدول والإمارات الصليبية الأوروبية، فيما وراء البحار، فوجود مراكزهم على ثغور بلاد الشام كان يحقق لهم اتصالا بحريا آمنا مع وطنهم الأم، في الغرب الأوربي. كما كان هناك أيضا رأس الأفعى، أقصد الكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان والتي لم تعترف بتلك الهزيمة، وظلت تحرض وترفع لواء الحرب الصليبية المقدسة لاسترداد فلسطين"مهد المسيح" و" أرض اللبن والعسل " من أيدي المسلمين ( الكفار )، وتمنح " صكوك الغفران" للحشود المتعصبة، وتحرك فيهم غرائز الاقتناء والطمع والعدوان لكي تدفع بهم نحوها للانتقام من أهلها، ولتكدير صفو حياتهم ، وأملا في استرداد القدس وأحياء مملكة بيت المقدس اللاتينية في فلسطين ، التي قضى عليها صلاح الدين الأيوبي، .فمنذ ذلك الحين : " والباباوات لا يكفون عن الصراخ من أجل الثأر وقطع أعناق كل المسلمين"
بيد أن السبب الأساسي الذي أطمع الصليبيين والكنيسة الكاثوليكية في المسلمين، مرة أخرى، هو تفكك المملكة الكبرى التي بناها البطل صلاح الدين الأيوبي طوال حياته ، فقد انقسمت هذه المملكة، الواسعة الأرجاء - والتي كانت تمتد من " من برقة – في ليبيا غربا إلى الفرات شرقا ، ومن الموصل وحلب شمالا إلى النوبة واليمن جنوبا - انقسمت بعد وفاته، إلى دويلات بين أبنائه وإخوته، وأبناء إخوته وأقاربه، والذين تغلب كل منهم على ما تحت يده، وجعل منها دولة مستقلة، وقد حدث ذلك في مصر حتى سنة650هـ/1252، وفي دمشق حتى سنة 658هـ /1260م ، وفي حماه حتى سنة 732هـ/1332م ، وفي حمص حتى سنة 661هـ/1263م ، وفي حلب حتى سنة658هـ/1260م (السنوات الأخيرة كان الملك فيها في دمشق) ، وفي ميافارقين، حتى سنة 658هـ/ 1265م ، وفي بعلبك حتى سنة 658هـ/1260م . ( ذهب فريق من فقهاء السياسة والكلام – بناء على التجربة – إلى أن الحكم على شرعية أي سلطان ينبغي أن يستند إلى تحقيقه للأهداف العليا للأمة ، بغض النظر عن طريقة وصوله للسلطة ، والأهداف هي: الجهاد ، والدعوة ، وحماية دار الإسلام ، والعدالة في قسمة الفيء، والحفاظ على الوحدة الداخلية ، والحيلولة دون الفتنة . ولا تنتفي شرعيته عند فريق الأكثرية هذا، حتى إن لم يحقق بعض هذه الأهداف، مادام يحقق هدفين منهما: حماية الدار، ومنع الفتنة ).
وبالتالي عاد التمزق ليستفحل بين الأمراء الأيوبيين المسلمين من جديد، وليحتدم التنافس والتنازع بينهم ، حتى بين الأخ وأخيه، والعم وابن أخيه ، لشدة طمعهم وتعلقهم بالدنيا ، وتطلع كل منهم إلى ما تحت أيدي أخيه أو ابن أخيه، أو عمه أو قريبه ، ولم يتورع بعضهم من المساومة على مقدسات الأمة مع الفرنجة. وهو ما استفاد منه الفرنج فعملوا على إعادة تنظيم أمورهم بهدوء، وتوافرت لهم الفرصة لبناء قوتهم، وعملوا بما لديهم من مكر ودهاء، وحسن استغلال للظروف والتناقضات من حولهم، على المساومة بين أفراد الأسرة الأيوبية، للحصول على امتيازات كبيرة من كل الأمراء، والحكام المتنازعين على السلطة.
وقد حدث وذلك في نفس الوقت الذي كان فيه التتار المتوحشون القادمون من الشرق- بعد أن اجتاحوا شرق العالم الإسلامي، ودمروا المدن العظام وجعلوا من سكانها أهرامات من الجماجم وميادين للجثث- يتحفزون للانقضاض على بغداد عاصمة الرشيد، ودار الخلافة الإسلامية، طمعا في الاستيلاء على كنوزها وتحفها وذخائرها، والتي ألهب مشاعرهم نحوها، وأسال لعابهم عليها، الرافضي الموتور نصير الدين الطوسي[1] (http://www.aljazeeratalk.net/forum/#_ftn1)، المنجم والعالم الفلكي، والوزير في بلاط القائد التتري الدموي هولاكو ، وأطمعهم في سهولة الظفر بها، الوزير الشيعي الخائن مؤيد الدين ابن العلقمي وزير الخليفة العباسي الأخير المستعصم.
"كانت تلك الفترة أشد الفترات التي مرت بالتاريخ العربي رعباً وتهديداً وهولاً. حصرت المنطقة العربية الإسلامية بين فكي كماشة غربية شرقية وفي ضغط شديد من الطرفين"
-----------------------------
[1] (http://www.aljazeeratalk.net/forum/#_ftnref1) - هو أبو جعفر محمد بن الحسن، في شبابه وشى به أحد وزراء الخليفة المستعصم العباسي، فأودع السجن، وفيه أنجز معظم تآليفه في العلوم الرياضية، قضى حياة مغامرة إلى أن استقر به الحال في كنف هولاكو - وقيل أن المغول أسروه عام1256م وبفضل سمعته في العلوم والنجوم استخدمه هولاكو ضمن بطانته حتى أصبح وزيرا له- " . قال ابن شاكر الكتبي في ترجمته له في كتابه ( فوات الوفيات) " ..وكان ذا حرمة وافرة ومنزلة عالية عند هولاكو وكان يطيعه فيما يشير به عليه واضعا الأموال في تصريفه . وابتنى بمراغة قبة ومرصدا عظيما – هو ما عرف تاريخيا باسم مرصد مراغة - واتخذ في ذلك خزانة عظيمة فسيحة الأرجاء وملأها من الكتب التي نهبت من بغداد والشام والجزيرة حتى تجمع فيها ما يزيد على أربعمائة ألف مجلد. وقرر بالرصد تعيين المنجمين والفلاسفة وجعل له الأوقاف " أ.هـ. " وأحتوى على عقله حتى أنه – أي هولاكو - لا يركب ولا يسافر إلا في وقت يأمره به " قاله شمس الدين بن المؤيد العرضي.