أبو يونس العباسي
07-28-2008, 05:15 AM
تطبيق العقوبة على من يستحقها ... مسؤولية من ؟
أبو يونس العباسي
الحمد لله معز الإسلام بنصره , ومذل الشرك بقهره , ومصرف الأمور بأمره , ومستدرج الكافرين بمكره ، الذي قدر الأيام دولا بعدله , وجعل العاقبة للمتقين بفضله , والصلاة والسلام على من أعلى الله منار الإسلام بسيفه , وعلى من سار على دربه واقتفى أثره , واهتدى بهديه واستن بسنته , إلى يوم الدين .
- أحبتي في الله : كنت ذاهبا إلى خطبة الجمعة , وإذا بأخ من إخواني يلاقيني , فسلم علي وسلمت عليه , وسأل عن أخباري وسألته عن أخباره , بعد ذلك ما فتئته إلا وهو يقول لي : مبارك يا شيخ , قلت : وعلى ماذا ؟!!! فقال : على تفجير المقهى الذي حدث أمس في مدينة غزة , فقلت له : وأي مقهى , قال : مقهى (انترنت) , وفيه تحدث أشياء وأشياء مما تغضب الله تعالى , ولا يرضى عنها , فسكت لما سمعت ذلك , لأتيقن من الخبر , ثم لأدرس موجباته وأهدافه وإيجابياته وسلبياته , حتى أكون على بينة من مثل هذه الأفعال , وأحدد موقفي الشرعي منها .
أحبتي في الله : حقا إننا نعيش واقعا مريرا , إننا نعيش في زمن عجيب أهله , عجيبة أحداثه , نعيش في زمن كثير من شبابه مخلص لقضيته العادلة , لدينه الحنيف , لمشروعه الإسلامي المنيف , إلا أن العاطفة والحماس تقود كثيرا من اولئك الشباب إلى ما لا تحمد عقباه , كثير من هؤلاء الشباب لا يحسن تقدير الأمور كما ينبغي , وسبب ذلك أنهم مصابون بمرض العجلة , والتي ذمها الله تعالى بقوله :" وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا "(الإسراء:11) , حقا إننا نعيش واقعا مريرا , واقعا نحى فيه العلمانيون والبرلمانيون الإسلاميون شريعة الرحمن - تبارك وتعالى - عن الحكم والتحاكم , وحكموا وتحاكموا إلى شريعة الشيطان - لعنه الله - فنتج عن ذلك من الخلل في معاش الناس ما الله به عليم , نعيش زمانا أبعد فيه دعاة الحق وعلماء الصدق عن مجريات الأمور , وتحكم فينا من وصفهم الرسول ب"الرويبضة" , التفه من الناس يتكلمون في قضايا الأمة المصيرية , وفي مشاكلها الجوهرية , ويا ليتهم سكتوا , فإنهم لما تكلموا ضلوا وأضلوا وضيعوا وفرطوا , ولا حول ولا قوة إلا بالله , نعيش في زمن نكست فيه راية الخلافة , وبدت ملامح الغلو ومظاهره على الناس أيما وضوح , وبشكل ملفت للنظر , نعيش زمانا اهتم فيه الناس بالمهم على حساب الأهم , بل قل : اهتموا بالتافه على حساب المهم , نعيش زمانا أصبح قائد الواحد منا هواه , لا كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في زمن مثل هذا الزمن كانت الحاجة قائمة إلى هذا المقال والذي عنونته ب " تطبيق العقوبة على من يستحقها ... مسؤلية من ؟" , وأسأل الله أن يعينني على توضيح الحق من أجل الحق , إنه ولي ذلك والقادر عليه .
- أحبتي في الله : إن إنزال العقوبة على من يستحقها سواء أكانت حدا أم قصاصا أم تعزيرا , تدخل في دائرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , ومعلوم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له شرطان : أما الشرط الأول فهو : الاستطاعة , ولا بد ان نعلم أن هذه الاستطاعة تختلف من منكر إلى منكر ومن معروف إلى معروف , ولكن ما يعنينا : أن الاستطاعة المطلوبة في إنزال العقوبات الشرعية بأنواعها الثلاثة , تحتاج إلى سلطان وسلطان ممكن , إلآ فيما يتعلق بين العبد وسيده على ما دلت عليه نصوص الوحيين , أما الشرط الثاني فهو : أن لاينتج عن أمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر منكر أكبر منه , وهنا لا بد أن نعلم أن لتغيير المنكر حالات أربعة : الحالة الأولى : أن تؤدي عملية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى إزالة هذا المنكر بالكلية , فهذه حالة تقرها الشريعة وتأمر بها , أما الحالة الثانية فهي : أن تؤدي عملية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى تقليل كمية المنكر , وهذه حالة تقرها الشريعة وتأمر بها , أما الحالة الثالثة فهي : أن تؤدي عملية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى إحداث منكر مماثل , فهذه محل نظر واجتهاد , وأما الحالة الرابعة فهي : أن تؤدي عملية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى إحداث منكر أكبر , فهذه حالة لا تقرها الشريعة , بل تحرمها وتنهى عنها , وهنا وقبل أن أنسى , اسمحوا لي أن أسأل سؤلين : السؤال الأول : هل من يقوم بعمليات التفجير للمقاهي وغيرها , أصحاب سلطان أم ليسوا أصحاب سلطان ؟ والجواب سيكون قطعا : بأنهم ليسوا أصحاب سلطان , إذن : فليس من مسؤولياتهم وواجباتهم إنزال العقوبات الشرعية على مستحقيها , أما السؤال الثاني فهو : هل ترتب على تغييرهم للمنكر بالتفجير مصلحة راجحة ؟ أنا أقول : إخوتي الكرام : لا أخالفكم في أن هذه المقاهي مؤسسات ضالة مضلة , ولكن تفجيرها وتغيير المنكرات فيها , نتج عنه (في رأيي المتواضع) مفاسد أعظم , من المصالح المرجوة من وراء التفجير , وإليكم بعض هذه المفاسد : أولا : تؤدي مثل هذه التفجيرات إلى تنفير الناس عن منهج السلف , ومن غير فائدة مرجوة من وراء هذه التفجيرات , وإلا فقولوا لي : هل انتهى أصحاب مقاهي الفساد عن فسادهم ؟ وهل سينتهون ؟ وما هي عدد المقاهي التي نحتاج إلى تفجيرها حتى ينتهوا ؟ وهل المنكرات خاصة بالمقاهي ؟ إننا حتى نغير المنكر كما يريد بعض إخواننا المخلصين , نحتاج إلى تفجير الأسواق وبالكلية , لأنها أسواق تعج بالمنكرات , بل إنك لا تكاد تجد محلا , إلا وفيه من المنكرات ما فيه , فهل تقر الشريعة بمقاصدها العامة مثل هذه الأفعال ؟!!! سبحانك ربنا ما أحلمك علينا .
ثانيا : إن مثل هذه الأفعال تعطي المبررات المقنعة لأعداء المنهج السلفي (منهج محمد - صلى الله عليه وسلم ) , للقضاء على هذا المنهج ومشائخه وأتباعه وقادته , فهل من الحكمة أن نفعل مثل ذلك , أنصح إخواني بالقراءة الجادة في السيرة النبوية , وخاصة في الفترة المكية , ليتعلموا الطريقة الشرعية في كيفية التعامل مع المجتمع المحيط بهم في وقت الاستضعاف . ثالثا : هذه التفجيرات تنبه العلمانيين إلى إمكانية إحداث تفجيرات هنا وهناك , وتفجيرات مكللة بالنجاح والنجاة لفاعليها بعد قيامهم بمثل هذه الأعمال وفشلهم في تحقيق نجاحات من ورائها , ومن ثم ينجحون ( وبفضل تفجيراتنا) في تحويل غزة هاشم إلى عراق ثانية , فهل تقر الشريعة مثل هذا الفعل ؟ وهل المصلحة الشرعية في أن يتحول قطاع غزة إلى قنبلة موقوتة ؟!!!!
رابعا : مما لا شك فيه : أن هذه التفجيرات ستعيد الفلتان الأمني الذي أنعم الله علينا بزواله , وسوف يتضرر الكثير من الأبرياء , بالإضافة إلى ممتلكاتهم لخطر التفجيرات , وسوف تلتصق التفجيرات بالمجاهدين , أما الأبرياء فسيلصقون بهم تهمة التعامل بالبضائع الممنوعة والتي حرم الله ورسوله الاتجار بها, وبعد هذا كله : فإنني أقول لمن يفعل مثل هذه الأفعال : إن الشريعة قائمة على جلب المصالح ودرء المفاسد , بل درء المفاسد مقدمة على جلب المصالح , ومن المعلوم : أنه إذا تعارضت المصالح والمفاسد قدم الراجح منها , ونقول لهم : إن ديننا الإسلامي قائم على الترغيب والترهيب , ولا يصار إلى الترهيب إلا بعد التيقن من فشل أسلوب الترغيب , قولوا لي : أين هي جولات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمن يمارس المنكرات ؟!!! أين هي الدعوة , دعوة الناس إلى الفضيلة وتنفيرهم وتحذيرهم من الرذيلة ؟!!! هل بينا للناس قبل أن نفجر مؤسساتهم ونتلف أموالهم قبح ما يفعلون؟!!! وهل المعصية تبيح لنا إتلاف ممتلكات الناس المحترمة والتي لم تهدر الشريعة ماليتها ؟!!!! , أم إننا نعرف من دين الله الترهيب ولا نعرف الترغيب ؟!!! , أولسنا نحن اهل السنة والجماعة أرحم الناس بالناس ؟!!! , ألسنا الصدر الواسع الذي يتسع لكل تائب , كائنا من كان ؟!!! ألسنا كرسولنا - صلى الله عليه وسلم - الذي بعثه الله رحمة للعالمين ؟!!! , قال الله تعالى :" وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ "(الأنبياء:107) , وقال ربي جل شأنه :" لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ " (التوبة:128) , قال الرحمن الرحيم :" نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ *** وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ "(الحجر:50,49) , حقا : إن ديننا فيه لين وهو الغالب وفيه شدة , ولكن رسولنا علمنا الحكمة , علمنا أن نضع الشدة في موضعها , وأن نضع اللين في موضعه , قال الشاعر : وموضع السيف في موضع الندا *** مضر كموضع الندا في موضع السيف .
- أحبتي في الله : ولا بد علينا أن نفهم أن تطبيق العقوبات الشرعية على مستحقيها فرض وواجب على السلطان الممكن , فإن قصر , وجب على جماهير المسلمين مطالبته بتحكيم الشريعة , وذلك لما يعود على الأمة من خيرات , ويندفع عنها من نقمات جراء تطبيقها للشريعة , وخاصة في مجالات العقوبة الشرعية , والأدلة على وجوب تطبيق العقوبات الشرعية على مستحقيها , كثيرة كثيرة , منها على سبيل المثال قول الله تعالى :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ "(البقرة :178) , وقوله جل جلاله :" وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ :(المائدة:38) , وقول ربنا سبحانه :" الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ "(النور:2) , وقول ذو الجبروت والملكوت :" إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ "(المائدة:32) , وغيرها من الآيات التي تدل على فرضية تطبيق العقوبات الشرعية على مستحقيها , والعجب العجاب إخوتي , أنه وبعد هذه النصوص الشرعية القطعية في دلالاتها , ترى الحكومات علمانية كانت أو متأسلمة , تتنكب وتتنكص عن تطبيق هذه العقوبات على مستحقيها , نسأل الله السلامة , وأن يثبتنا على الحق إلى أن نلقاه , وأن يعصمنا ولا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا , إنه هو الرؤوف الرحيم .
أبو يونس العباسي
الحمد لله معز الإسلام بنصره , ومذل الشرك بقهره , ومصرف الأمور بأمره , ومستدرج الكافرين بمكره ، الذي قدر الأيام دولا بعدله , وجعل العاقبة للمتقين بفضله , والصلاة والسلام على من أعلى الله منار الإسلام بسيفه , وعلى من سار على دربه واقتفى أثره , واهتدى بهديه واستن بسنته , إلى يوم الدين .
- أحبتي في الله : كنت ذاهبا إلى خطبة الجمعة , وإذا بأخ من إخواني يلاقيني , فسلم علي وسلمت عليه , وسأل عن أخباري وسألته عن أخباره , بعد ذلك ما فتئته إلا وهو يقول لي : مبارك يا شيخ , قلت : وعلى ماذا ؟!!! فقال : على تفجير المقهى الذي حدث أمس في مدينة غزة , فقلت له : وأي مقهى , قال : مقهى (انترنت) , وفيه تحدث أشياء وأشياء مما تغضب الله تعالى , ولا يرضى عنها , فسكت لما سمعت ذلك , لأتيقن من الخبر , ثم لأدرس موجباته وأهدافه وإيجابياته وسلبياته , حتى أكون على بينة من مثل هذه الأفعال , وأحدد موقفي الشرعي منها .
أحبتي في الله : حقا إننا نعيش واقعا مريرا , إننا نعيش في زمن عجيب أهله , عجيبة أحداثه , نعيش في زمن كثير من شبابه مخلص لقضيته العادلة , لدينه الحنيف , لمشروعه الإسلامي المنيف , إلا أن العاطفة والحماس تقود كثيرا من اولئك الشباب إلى ما لا تحمد عقباه , كثير من هؤلاء الشباب لا يحسن تقدير الأمور كما ينبغي , وسبب ذلك أنهم مصابون بمرض العجلة , والتي ذمها الله تعالى بقوله :" وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا "(الإسراء:11) , حقا إننا نعيش واقعا مريرا , واقعا نحى فيه العلمانيون والبرلمانيون الإسلاميون شريعة الرحمن - تبارك وتعالى - عن الحكم والتحاكم , وحكموا وتحاكموا إلى شريعة الشيطان - لعنه الله - فنتج عن ذلك من الخلل في معاش الناس ما الله به عليم , نعيش زمانا أبعد فيه دعاة الحق وعلماء الصدق عن مجريات الأمور , وتحكم فينا من وصفهم الرسول ب"الرويبضة" , التفه من الناس يتكلمون في قضايا الأمة المصيرية , وفي مشاكلها الجوهرية , ويا ليتهم سكتوا , فإنهم لما تكلموا ضلوا وأضلوا وضيعوا وفرطوا , ولا حول ولا قوة إلا بالله , نعيش في زمن نكست فيه راية الخلافة , وبدت ملامح الغلو ومظاهره على الناس أيما وضوح , وبشكل ملفت للنظر , نعيش زمانا اهتم فيه الناس بالمهم على حساب الأهم , بل قل : اهتموا بالتافه على حساب المهم , نعيش زمانا أصبح قائد الواحد منا هواه , لا كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في زمن مثل هذا الزمن كانت الحاجة قائمة إلى هذا المقال والذي عنونته ب " تطبيق العقوبة على من يستحقها ... مسؤلية من ؟" , وأسأل الله أن يعينني على توضيح الحق من أجل الحق , إنه ولي ذلك والقادر عليه .
- أحبتي في الله : إن إنزال العقوبة على من يستحقها سواء أكانت حدا أم قصاصا أم تعزيرا , تدخل في دائرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , ومعلوم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له شرطان : أما الشرط الأول فهو : الاستطاعة , ولا بد ان نعلم أن هذه الاستطاعة تختلف من منكر إلى منكر ومن معروف إلى معروف , ولكن ما يعنينا : أن الاستطاعة المطلوبة في إنزال العقوبات الشرعية بأنواعها الثلاثة , تحتاج إلى سلطان وسلطان ممكن , إلآ فيما يتعلق بين العبد وسيده على ما دلت عليه نصوص الوحيين , أما الشرط الثاني فهو : أن لاينتج عن أمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر منكر أكبر منه , وهنا لا بد أن نعلم أن لتغيير المنكر حالات أربعة : الحالة الأولى : أن تؤدي عملية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى إزالة هذا المنكر بالكلية , فهذه حالة تقرها الشريعة وتأمر بها , أما الحالة الثانية فهي : أن تؤدي عملية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى تقليل كمية المنكر , وهذه حالة تقرها الشريعة وتأمر بها , أما الحالة الثالثة فهي : أن تؤدي عملية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى إحداث منكر مماثل , فهذه محل نظر واجتهاد , وأما الحالة الرابعة فهي : أن تؤدي عملية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى إحداث منكر أكبر , فهذه حالة لا تقرها الشريعة , بل تحرمها وتنهى عنها , وهنا وقبل أن أنسى , اسمحوا لي أن أسأل سؤلين : السؤال الأول : هل من يقوم بعمليات التفجير للمقاهي وغيرها , أصحاب سلطان أم ليسوا أصحاب سلطان ؟ والجواب سيكون قطعا : بأنهم ليسوا أصحاب سلطان , إذن : فليس من مسؤولياتهم وواجباتهم إنزال العقوبات الشرعية على مستحقيها , أما السؤال الثاني فهو : هل ترتب على تغييرهم للمنكر بالتفجير مصلحة راجحة ؟ أنا أقول : إخوتي الكرام : لا أخالفكم في أن هذه المقاهي مؤسسات ضالة مضلة , ولكن تفجيرها وتغيير المنكرات فيها , نتج عنه (في رأيي المتواضع) مفاسد أعظم , من المصالح المرجوة من وراء التفجير , وإليكم بعض هذه المفاسد : أولا : تؤدي مثل هذه التفجيرات إلى تنفير الناس عن منهج السلف , ومن غير فائدة مرجوة من وراء هذه التفجيرات , وإلا فقولوا لي : هل انتهى أصحاب مقاهي الفساد عن فسادهم ؟ وهل سينتهون ؟ وما هي عدد المقاهي التي نحتاج إلى تفجيرها حتى ينتهوا ؟ وهل المنكرات خاصة بالمقاهي ؟ إننا حتى نغير المنكر كما يريد بعض إخواننا المخلصين , نحتاج إلى تفجير الأسواق وبالكلية , لأنها أسواق تعج بالمنكرات , بل إنك لا تكاد تجد محلا , إلا وفيه من المنكرات ما فيه , فهل تقر الشريعة بمقاصدها العامة مثل هذه الأفعال ؟!!! سبحانك ربنا ما أحلمك علينا .
ثانيا : إن مثل هذه الأفعال تعطي المبررات المقنعة لأعداء المنهج السلفي (منهج محمد - صلى الله عليه وسلم ) , للقضاء على هذا المنهج ومشائخه وأتباعه وقادته , فهل من الحكمة أن نفعل مثل ذلك , أنصح إخواني بالقراءة الجادة في السيرة النبوية , وخاصة في الفترة المكية , ليتعلموا الطريقة الشرعية في كيفية التعامل مع المجتمع المحيط بهم في وقت الاستضعاف . ثالثا : هذه التفجيرات تنبه العلمانيين إلى إمكانية إحداث تفجيرات هنا وهناك , وتفجيرات مكللة بالنجاح والنجاة لفاعليها بعد قيامهم بمثل هذه الأعمال وفشلهم في تحقيق نجاحات من ورائها , ومن ثم ينجحون ( وبفضل تفجيراتنا) في تحويل غزة هاشم إلى عراق ثانية , فهل تقر الشريعة مثل هذا الفعل ؟ وهل المصلحة الشرعية في أن يتحول قطاع غزة إلى قنبلة موقوتة ؟!!!!
رابعا : مما لا شك فيه : أن هذه التفجيرات ستعيد الفلتان الأمني الذي أنعم الله علينا بزواله , وسوف يتضرر الكثير من الأبرياء , بالإضافة إلى ممتلكاتهم لخطر التفجيرات , وسوف تلتصق التفجيرات بالمجاهدين , أما الأبرياء فسيلصقون بهم تهمة التعامل بالبضائع الممنوعة والتي حرم الله ورسوله الاتجار بها, وبعد هذا كله : فإنني أقول لمن يفعل مثل هذه الأفعال : إن الشريعة قائمة على جلب المصالح ودرء المفاسد , بل درء المفاسد مقدمة على جلب المصالح , ومن المعلوم : أنه إذا تعارضت المصالح والمفاسد قدم الراجح منها , ونقول لهم : إن ديننا الإسلامي قائم على الترغيب والترهيب , ولا يصار إلى الترهيب إلا بعد التيقن من فشل أسلوب الترغيب , قولوا لي : أين هي جولات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمن يمارس المنكرات ؟!!! أين هي الدعوة , دعوة الناس إلى الفضيلة وتنفيرهم وتحذيرهم من الرذيلة ؟!!! هل بينا للناس قبل أن نفجر مؤسساتهم ونتلف أموالهم قبح ما يفعلون؟!!! وهل المعصية تبيح لنا إتلاف ممتلكات الناس المحترمة والتي لم تهدر الشريعة ماليتها ؟!!!! , أم إننا نعرف من دين الله الترهيب ولا نعرف الترغيب ؟!!! , أولسنا نحن اهل السنة والجماعة أرحم الناس بالناس ؟!!! , ألسنا الصدر الواسع الذي يتسع لكل تائب , كائنا من كان ؟!!! ألسنا كرسولنا - صلى الله عليه وسلم - الذي بعثه الله رحمة للعالمين ؟!!! , قال الله تعالى :" وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ "(الأنبياء:107) , وقال ربي جل شأنه :" لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ " (التوبة:128) , قال الرحمن الرحيم :" نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ *** وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ "(الحجر:50,49) , حقا : إن ديننا فيه لين وهو الغالب وفيه شدة , ولكن رسولنا علمنا الحكمة , علمنا أن نضع الشدة في موضعها , وأن نضع اللين في موضعه , قال الشاعر : وموضع السيف في موضع الندا *** مضر كموضع الندا في موضع السيف .
- أحبتي في الله : ولا بد علينا أن نفهم أن تطبيق العقوبات الشرعية على مستحقيها فرض وواجب على السلطان الممكن , فإن قصر , وجب على جماهير المسلمين مطالبته بتحكيم الشريعة , وذلك لما يعود على الأمة من خيرات , ويندفع عنها من نقمات جراء تطبيقها للشريعة , وخاصة في مجالات العقوبة الشرعية , والأدلة على وجوب تطبيق العقوبات الشرعية على مستحقيها , كثيرة كثيرة , منها على سبيل المثال قول الله تعالى :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ "(البقرة :178) , وقوله جل جلاله :" وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ :(المائدة:38) , وقول ربنا سبحانه :" الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ "(النور:2) , وقول ذو الجبروت والملكوت :" إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ "(المائدة:32) , وغيرها من الآيات التي تدل على فرضية تطبيق العقوبات الشرعية على مستحقيها , والعجب العجاب إخوتي , أنه وبعد هذه النصوص الشرعية القطعية في دلالاتها , ترى الحكومات علمانية كانت أو متأسلمة , تتنكب وتتنكص عن تطبيق هذه العقوبات على مستحقيها , نسأل الله السلامة , وأن يثبتنا على الحق إلى أن نلقاه , وأن يعصمنا ولا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا , إنه هو الرؤوف الرحيم .