أبو يونس العباسي
07-25-2008, 09:02 PM
ولنا كلمة..... في ذكرى سقوط الخلافة الإسلامية(2)
أبو يونس العباسي
- كيف نصل إلى الخلافة وكيف نحافظ عليها ؟ أحبتي في الله : أما عن كيفية الوصول للخلافة فنقول وبالله التوفيق : بأنها تحتاج إلى نوعين من أنواع الإعداد : الأول وهو الأهم : الإعداد الإيماني , والذي يتمثل في اعتقاد العقيدة الصحيحة والجهر بها ومن ثم تحويلها إلى سلوك عملي , إذا فعلنا ذلك فسوف يمكن لنا الملك - سبحانه وتعالى - , قال الله تعالى :" وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ"(النور:55) , ويذكر أن هرقلا واجه مرة من المرات جيشا كان فيه الكثير من صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - , فسأل عنهم ؟ فقيل له : إنهم يقومون الليل , ويصومون النهار , ويوفون بالعهد , ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر , ويتناصفون فيما بينهم " , فقال هرقل : والله إن كان الأمر كما تقول , ليملكون موضع قدمي هاتين , أما الإعداد الثاني : فهو يتعلق بالعدة المادية , وليس مطلوبا منا في العدة المادية أن نساوي الكافرين ونسامتهم في عدتهم , بل لا بد من إعداد المستطاع منها , فإذا أعددنا العدة الإيمانية وأعددنا ما استطعنا من العدة المادية , حصل النصر المؤكد - إن شاء الله - تحقيق لا تعليقا , قال الله تعالى :" وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ "(الأنفال60) , والعزيز الحكيم يقول :" لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ"(آل عمران111) , قال الله تعالى :" فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ"(البقرة:249) , قال عبد الله بن رواحة : " وإننا لا نقاتل أعداءنا بعدد ولا عدة , إنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به , فإنما هي إحدى الحسنيين , نصر أو شهادة " , ولقد قال أحد الدعاة يوما لأتباعه وصدق : " أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم , تقم لكم على ارضكم " , وأما عن سبيل المحافظة عليها , فالسبيل موجود في قوله تعالى :" الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُور"(الحجِ 41) , ويا ليتنا نتدبر خاتمة الآية عندما يقول مولانا "ولله عاقبة الأمور" , لقد تعلمنا في الزمان السابق : بأنه ليس من الصعب صعود الجبل , ولكن الصعوبة تكمن في الثبات على رأس هذا الجبل , أسأل الله الثبات لي ولكم على العروة الوثقى إلى أن نلقاه .
- هل هناك في هذا العالم من يحارب قيام الخلافة الإسلامية ؟ أحبتي في الله : إن مما لا يخفى عليكم , ان الكافرين وكما ورد في اتفاقية (سايكس بيكوا) يحاربون مشروع الخلافة , ويحاربه كذلك من لف لفيفهم من طواغيت العرب وحكوماتهم ومؤسساتهم العلمانية المنتنة , ولا بد ان نعلم بل يجب علينا أن نعتقد أن عداوة الطواغيت عربا وعجما لنا , هي عداوة عقدية دينية بالدرجة الأولى , وهذا هو السر المركزي في الحيلولة دوننا ودون إقامة الخلافة , ويدل على هذا الفهم قول الله تعالى :"وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون"(البقرة:217) , ويقول المولى - سبحانه وتعالى -:" وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (البقرة:109) , ويقول ذو الجبروت والعظمة : " يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ"(التوبة32) , ويقول ربنا الرحمن الرحيم :" وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ" , وفي مقابل هذه الجهود الضخمة للحيلولة بيننا وبين الخلافة فإننا نصرخ في أرجاء المعمورة قائلين ومرددين قول الرحمن الرحيم :" وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ " , وحسبنا الله ونعم الوكيل .
- ما هي صفات الخليفة الذي يرضى الله عنه ؟ أحبتي في الله : وهنا نقف عند صفات الخليفة الذي يرتضيه الله تعالى , وأول صفة من صفات الخليفة , ان يكون مسلما حقا وصدقا , قولا وعملا , أن يكون رجلا قد تربى على موائد الكتاب والسنة , ويحكم الكتاب والسنة على نفسه وعلى من تحته ممن استرعاهم الله عنده , قال الله تعالى :"وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا"(النساء:141) , ثم تعالو أيها الإخوة الكرام لنعرف من هو الخليفة ؟ الخليفة هو الإمام الموضوع لخلافة النبوة , وحراسة الدين وسياسة الدنيا , إذن فمن مقاصد الأمامة الحفاظ على الضروريات الخمسة للشريعة , وعلى رأسها الدين , ولا بد على الخليفة أن يسوس الدولة بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - , كما هو حال كل الأنبياء الذين حكموا الدنيا بالدين , أخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة :أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :"كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء , كلما هلك نبي خلفه نبي " , ولا بد على الخليفة ان يبتعد في أحكامه عن الهوى , وأحكام الهوى : هي تلكم الأحكام التي تخالف الكتاب والسنة , والمقاصد التي يدعوا إليها كتاب الله وسنة رسوله , أو تلكم الأحكام التي تكون فيها جهة الإلزام من جهة بشرية لا من جهة ربانية , كما هو الحال في القوانين الوضعية الموافقة للشريعة , قال الله تعالى :" يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ"(ص:26) , ومن وظائف الخليفة إصلاح أحوال الناس بالمنهج الرباني , ومحاربة الفساد والمفسدين , قال الله تعالى :"وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِين"(الأعراف:142) , والخليفة يبني علاقته مع شعبه على أساس من التواضع وعدم التكبر , ويسعى لترسيخ منظومة الأخلاق الإسلامية في شعبه , ويقيم نظام الحكم على أساس من العدل والعدالة , ويرسخ في قلوب الناس أن طاعته تابعة لطاعة الله ورسوله , ويبين لشعبه حقهم في تعديل اعوجاجاته إن صدرمنه مثل هذه الأشياء , ويبين لهم كذلك حق التعاون معه طالما أنه ملتزم بطريقة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - , وكل هذه الأمور تفهم من خطبة أبي بكر الصديق يوم تولى الخلافة , ففي ذلكم اليوم قال - رضي الله عنه وأرضاه - : "أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوى فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم" , ولا ننسى أن نذكر بأن الإمارة عندنا توضع في دائرة التكليف لا التشريف , قال الله تعالى :" إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا *** لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا " , أخرج مسلم في صحيحه عن أبي ذر قال : قلت : يا رسول الله ألا تستعملني ؟ قال فضرب بيده على منكبي ثم قال :" يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها . وفي رواية قال له يا أبا ذر إني أراك ضعيفا وإني أحب لك ما أحب لنفسي لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم " .
- هل ستقوم خلافة على منهاج النبوة مجددا بعد هذا الواقع المرير ؟ أحبتي في الله : أنا لن أجيب على هذا السؤال , بل سيجيبكم عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما في الحديث عند أحمد وصححه الألباني من حديث حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"تكون النبوة فيكم ما شاء الله ان تكون ثم يرفعها إذا شاء ان يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله ان تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله ان يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا جبرية فتكون ما شاء الله ان تكون ثم يرفعها إذا شاء ان يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت" , وإن أمر الإسلام سيصل إلى كل شبر من هذه الأرض , أخرج أحمد في مسنده من حديث تميم الداري : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :"ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بغز عزيز أو بذل ذليل عزا يعر الله به الإسلام وذلا يذل الله به الكفرفكان تميم الدارمي يقول : قد عرفت ذلك في أهل بيتي لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز ولقد أصاب من كان كافرا منهم الذل والصغار والجزية"
إخوة التوحيد : سننتصر بإذن الله , ستكون العاقبة لنا , سنرفع راية العقاب على الأقصى , وفوق الجامع الأزهر , وفوق الجامع الأموي , وسنرفعها بحق وحقيقة في جزيرة العرب , سنعليها في سماء إيران , وفوق قباب الأندلس و سنرفعها فوق البيت الأبيض بإذن الله , ويومها سنحوله لمسجد يركع ويسجد فيه لرب العالمين , إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا وإننا لصادقون .
-إخواني الموحدين : هذه كلمات آمنت بها , واعتقدت أن الحق في قولها ونشرها, ولا أدعي العصمة , فهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم , وللمنهج الذي جاء به من عند ربه حال حياته ومن بعده , ما كان في هذا المقال من صواب فمن الله وحده , ما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان , ما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء,إلا ما رحم ربي , وأستغفر الله إنه كان غفارا, وأما الخطأ فأرجع عنه ولا أتعصب له , إذا دل الدليل الساطع عليه , وأسأله تعالى أن يلهمني رشدي والمسلمين , وأن بثبتني على الحق إلى ان ألقاه , إنه ولي ذلك والقادر عليه , وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين , والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أخوكم :ابو يونس العباسي
مدينة العزة غزة
أبو يونس العباسي
- كيف نصل إلى الخلافة وكيف نحافظ عليها ؟ أحبتي في الله : أما عن كيفية الوصول للخلافة فنقول وبالله التوفيق : بأنها تحتاج إلى نوعين من أنواع الإعداد : الأول وهو الأهم : الإعداد الإيماني , والذي يتمثل في اعتقاد العقيدة الصحيحة والجهر بها ومن ثم تحويلها إلى سلوك عملي , إذا فعلنا ذلك فسوف يمكن لنا الملك - سبحانه وتعالى - , قال الله تعالى :" وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ"(النور:55) , ويذكر أن هرقلا واجه مرة من المرات جيشا كان فيه الكثير من صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - , فسأل عنهم ؟ فقيل له : إنهم يقومون الليل , ويصومون النهار , ويوفون بالعهد , ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر , ويتناصفون فيما بينهم " , فقال هرقل : والله إن كان الأمر كما تقول , ليملكون موضع قدمي هاتين , أما الإعداد الثاني : فهو يتعلق بالعدة المادية , وليس مطلوبا منا في العدة المادية أن نساوي الكافرين ونسامتهم في عدتهم , بل لا بد من إعداد المستطاع منها , فإذا أعددنا العدة الإيمانية وأعددنا ما استطعنا من العدة المادية , حصل النصر المؤكد - إن شاء الله - تحقيق لا تعليقا , قال الله تعالى :" وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ "(الأنفال60) , والعزيز الحكيم يقول :" لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ"(آل عمران111) , قال الله تعالى :" فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ"(البقرة:249) , قال عبد الله بن رواحة : " وإننا لا نقاتل أعداءنا بعدد ولا عدة , إنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به , فإنما هي إحدى الحسنيين , نصر أو شهادة " , ولقد قال أحد الدعاة يوما لأتباعه وصدق : " أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم , تقم لكم على ارضكم " , وأما عن سبيل المحافظة عليها , فالسبيل موجود في قوله تعالى :" الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُور"(الحجِ 41) , ويا ليتنا نتدبر خاتمة الآية عندما يقول مولانا "ولله عاقبة الأمور" , لقد تعلمنا في الزمان السابق : بأنه ليس من الصعب صعود الجبل , ولكن الصعوبة تكمن في الثبات على رأس هذا الجبل , أسأل الله الثبات لي ولكم على العروة الوثقى إلى أن نلقاه .
- هل هناك في هذا العالم من يحارب قيام الخلافة الإسلامية ؟ أحبتي في الله : إن مما لا يخفى عليكم , ان الكافرين وكما ورد في اتفاقية (سايكس بيكوا) يحاربون مشروع الخلافة , ويحاربه كذلك من لف لفيفهم من طواغيت العرب وحكوماتهم ومؤسساتهم العلمانية المنتنة , ولا بد ان نعلم بل يجب علينا أن نعتقد أن عداوة الطواغيت عربا وعجما لنا , هي عداوة عقدية دينية بالدرجة الأولى , وهذا هو السر المركزي في الحيلولة دوننا ودون إقامة الخلافة , ويدل على هذا الفهم قول الله تعالى :"وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون"(البقرة:217) , ويقول المولى - سبحانه وتعالى -:" وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (البقرة:109) , ويقول ذو الجبروت والعظمة : " يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ"(التوبة32) , ويقول ربنا الرحمن الرحيم :" وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ" , وفي مقابل هذه الجهود الضخمة للحيلولة بيننا وبين الخلافة فإننا نصرخ في أرجاء المعمورة قائلين ومرددين قول الرحمن الرحيم :" وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ " , وحسبنا الله ونعم الوكيل .
- ما هي صفات الخليفة الذي يرضى الله عنه ؟ أحبتي في الله : وهنا نقف عند صفات الخليفة الذي يرتضيه الله تعالى , وأول صفة من صفات الخليفة , ان يكون مسلما حقا وصدقا , قولا وعملا , أن يكون رجلا قد تربى على موائد الكتاب والسنة , ويحكم الكتاب والسنة على نفسه وعلى من تحته ممن استرعاهم الله عنده , قال الله تعالى :"وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا"(النساء:141) , ثم تعالو أيها الإخوة الكرام لنعرف من هو الخليفة ؟ الخليفة هو الإمام الموضوع لخلافة النبوة , وحراسة الدين وسياسة الدنيا , إذن فمن مقاصد الأمامة الحفاظ على الضروريات الخمسة للشريعة , وعلى رأسها الدين , ولا بد على الخليفة أن يسوس الدولة بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - , كما هو حال كل الأنبياء الذين حكموا الدنيا بالدين , أخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة :أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :"كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء , كلما هلك نبي خلفه نبي " , ولا بد على الخليفة ان يبتعد في أحكامه عن الهوى , وأحكام الهوى : هي تلكم الأحكام التي تخالف الكتاب والسنة , والمقاصد التي يدعوا إليها كتاب الله وسنة رسوله , أو تلكم الأحكام التي تكون فيها جهة الإلزام من جهة بشرية لا من جهة ربانية , كما هو الحال في القوانين الوضعية الموافقة للشريعة , قال الله تعالى :" يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ"(ص:26) , ومن وظائف الخليفة إصلاح أحوال الناس بالمنهج الرباني , ومحاربة الفساد والمفسدين , قال الله تعالى :"وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِين"(الأعراف:142) , والخليفة يبني علاقته مع شعبه على أساس من التواضع وعدم التكبر , ويسعى لترسيخ منظومة الأخلاق الإسلامية في شعبه , ويقيم نظام الحكم على أساس من العدل والعدالة , ويرسخ في قلوب الناس أن طاعته تابعة لطاعة الله ورسوله , ويبين لشعبه حقهم في تعديل اعوجاجاته إن صدرمنه مثل هذه الأشياء , ويبين لهم كذلك حق التعاون معه طالما أنه ملتزم بطريقة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - , وكل هذه الأمور تفهم من خطبة أبي بكر الصديق يوم تولى الخلافة , ففي ذلكم اليوم قال - رضي الله عنه وأرضاه - : "أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوى فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم" , ولا ننسى أن نذكر بأن الإمارة عندنا توضع في دائرة التكليف لا التشريف , قال الله تعالى :" إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا *** لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا " , أخرج مسلم في صحيحه عن أبي ذر قال : قلت : يا رسول الله ألا تستعملني ؟ قال فضرب بيده على منكبي ثم قال :" يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها . وفي رواية قال له يا أبا ذر إني أراك ضعيفا وإني أحب لك ما أحب لنفسي لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم " .
- هل ستقوم خلافة على منهاج النبوة مجددا بعد هذا الواقع المرير ؟ أحبتي في الله : أنا لن أجيب على هذا السؤال , بل سيجيبكم عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما في الحديث عند أحمد وصححه الألباني من حديث حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"تكون النبوة فيكم ما شاء الله ان تكون ثم يرفعها إذا شاء ان يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله ان تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله ان يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا جبرية فتكون ما شاء الله ان تكون ثم يرفعها إذا شاء ان يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت" , وإن أمر الإسلام سيصل إلى كل شبر من هذه الأرض , أخرج أحمد في مسنده من حديث تميم الداري : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :"ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بغز عزيز أو بذل ذليل عزا يعر الله به الإسلام وذلا يذل الله به الكفرفكان تميم الدارمي يقول : قد عرفت ذلك في أهل بيتي لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز ولقد أصاب من كان كافرا منهم الذل والصغار والجزية"
إخوة التوحيد : سننتصر بإذن الله , ستكون العاقبة لنا , سنرفع راية العقاب على الأقصى , وفوق الجامع الأزهر , وفوق الجامع الأموي , وسنرفعها بحق وحقيقة في جزيرة العرب , سنعليها في سماء إيران , وفوق قباب الأندلس و سنرفعها فوق البيت الأبيض بإذن الله , ويومها سنحوله لمسجد يركع ويسجد فيه لرب العالمين , إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا وإننا لصادقون .
-إخواني الموحدين : هذه كلمات آمنت بها , واعتقدت أن الحق في قولها ونشرها, ولا أدعي العصمة , فهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم , وللمنهج الذي جاء به من عند ربه حال حياته ومن بعده , ما كان في هذا المقال من صواب فمن الله وحده , ما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان , ما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء,إلا ما رحم ربي , وأستغفر الله إنه كان غفارا, وأما الخطأ فأرجع عنه ولا أتعصب له , إذا دل الدليل الساطع عليه , وأسأله تعالى أن يلهمني رشدي والمسلمين , وأن بثبتني على الحق إلى ان ألقاه , إنه ولي ذلك والقادر عليه , وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين , والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أخوكم :ابو يونس العباسي
مدينة العزة غزة