أحمد الظرافي
07-12-2008, 03:57 PM
الحكام العرب والتخريف باسم الأمن القومي
( القيادة المصرية نموذجا )
بقلم:أحمد الظرافي
صدعت القيادات العربية الرسمية رءوسنا بالحديث عن الأمن القومي العربي، وكانت أبرز تحفظات القيادة المصرية على ما حدث في غزة في منتصف يونيو 2007 أنه تهديد لأمن مصر القومي. فما هو الأمن القومي المصري الذي تعنيه القيادة المصرية يا ترى ؟ وهل في قيام حركة حماس بتوفير أسباب الأمن والنظام للمواطن الفلسطيني العادي ما يضر بالأمن القومي المصري ؟ وما هو العنصر الحساس في حركة حماس والذي ترى القيادة المصرية أنه يشكل خطرا وتهديدا للأمن القومي المصري ؟ وما عسى أن تمثله هذه الحركة أن أرادت من تهديد للأمن القومي المصري ؟
ماهية الأمن القومي العربي
----------------
في الحقيقة أنه لا يوجد في أرض الواقع حاليا شيء اسمه أمن قومي عربي - ولا أمن قومي مصري - إنما هناك أمن أنظمة حاكمة مستبدة جاثمة على صدور شعوبها ، أنظمة حاكمة يتمثل كل منها في شخص واحد يحتكر كل شيء في يده وكل همه هو البقاء في الحكم بل وتوريثه للخلف بأي ثمن وبأي تنازل للأجنبي . فالأمن القومي بالنسبة للقيادة المصرية يقصد به الأمن الشخصي للرئيس المصري ، والأمن القومي بالنسبة للقيادة اليمنية يقصد به الأمن الشخصي للرئيس اليمني وهكذا بالنسبة لباقي القيادات العربية.
ولو كان للقيادة المصرية – على سبيل المثال - أدنى اهتمام أو أي حساسية تجاه الأمن القومي المصري ، بمفهومه الحقيقي لكان مصدر هذه الحساسية هو الكيان الصهيوني ، هذا الكيان الإجرامي الغاصب الذي يتكون من شذاذ الآفاق والمزروع في جسد الأمة والمتاخم للحدود المصرية ، والذي يمتلك ترسانة ضخمة من الأسلحة النووية والبيولوجية والكيمائية والذرية - فضلا عن أحدث الأسلحة التقليدية المدمرة التي سبق له أن غزا بها مصر والعرب وتطاول بها عليها وهجم بواسطتها على الشعب المصري المسالم – ولكن الأبي - وأنتهك بها أمن وحرمة مصر ودمر بها مقدراتها ومؤسساتها وبنيتها التحتية مرارا وتكرارا ، وسفك بها دماء الآلاف من خيرة أبناء مصر - ظلما وعدوانا وعتى بها في الأرض علوا وفسادا – ومن ذا ينسى جرائم الحرب المروعة التي ارتكبتها إسرائيل في حق الفلسطينيين والمصريين والعرب والإنسانية جمعاء ؟
كيف ينسى النظام المصري أن دولة الكيان الصهيوني دولة عنصرية عدوانية مارقة قامت على أشلاء ودماء الضحايا من العزل الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ ؟ كيف ينسى أنها طردت شعبا بأكمله من أرضه وشردته في أقطار الأرض بالقوة والقهر ، ثم حلت محله دون وجه حق من عرف أو قانون أو تشريع ؟ إلا قوانين وشرائع الغاب التي أملتها حكومات الدول الاستعمارية الامبريالية الجائرة على الأمم والشعوب الضعيفة والفقيرة ؟ فأعطت ما لا تملك لمن لا يستحق . والجملة الأخيرة هي أشهر جملة تعلمناها وحفظناها ووعيناها في زمان الصبا ، من المناهج الدراسية خلال المرحلة الابتدائية والإعدادية في النصف من القرن الماضي . وقد تغيرت المناهج الدراسية في عالم اليوم – عما كانت عنه بالأمس – وذلك تبعا لتغير سياسة ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية.
وإن نسى النظام المصري والنظام العربي الرسمي مجزرة ديار ياسين ومجزرة صبرا وشاتيلا ومجزرة قانا ومجزرة الأقصى ومجزرة جنين وغير ذلك من جرائم ومجازر الكيان الصهيوني السابقة واللاحقة والمستمرة بشكل يومي ضد الفلسطينيين ؟ وإن نسي مآسي الفلسطينيين الحالية في الضفة والقطاع وداخل الخط الأخضر وفي الشتات والمخيمات ؟ إن نسي كل هذا ؟ هل ينسى جرائم الكيان الصهيوني ضد مصر وشعب مصر ؟ هل ينسى نكبة مصر والعرب في عام 1948 ؟ وهل ينسى العدوان الثلاثي : الصهيوني - البريطاني - الفرنسي الغاشم على مصر وشعب مصر وإرادة مصر في عام 1956 ؟
نكبة يونيو1967 ، ألم تعد تعني شيئا ؟
---------------------
وإن نسي النظام المصري هذا أو ذاك ، هل يستطيع أن ينسى أو يتناسى عدوان يونيو1967 ؟ وما أدراك ما عدوان يونيو1967 ؟ ذلك العدوان الهمجي الوحشي ، والذي لم يعرف التاريخ له مثيلا في قسوته وضراوته ، وفي همجيته ووحشيته وفي سرعته أيضا – والذي مرت علينا ذكراه الكئيبة المؤرقة ، والحزينة الأليمة ، قبل أسابيع فقط . ذلك العدوان الكارثي الآثم والغادر ، أو النكبة الثانية– كما وصفها الشيخ يوسف القرضاوي – ولكن الأكبر والأعم والأشد قسوة وفداحة والتي أنست آثارها ، وما ترتب عليها من نتائج وتداعيات خطيرة – نتائج وتداعيات النكبة الأولى في عام 1948 وجميع النكبات والهزائم التي بعدها ، وتجاوزت هذه وتلك عشرات المرات ، حيث أن هذه النكبة أعاد ت مصر والأمة العربية للوراء عدة قرون .
تلك المصيبة أنست ما تقدمها**ومالها مع طول الدهر نسيانُ
وليس ذلك فحسب إنما ترتب عليها اختلال كبير لم يسبق له مثيل في موازين القوة العسكرية والسياسة والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية بين العرب والكيان الصهيوني بشكل خاص ، وبينها وبين دول الشرق الأوسط بشكل عام - لصالح الكيان الصهيوني بطبيعة الحال - كما أن مواقف الأنظمة العربية الرسمية انقلبت بعدها رأسا على عقب من الكيان الصهيوني الغاصب وتغيرت تلك المواقف بنسبة 360 درجة في الاتجاه المضاد ، فمنذ ذلك الحين لم يعد هدف العرب هو تحرير فلسطين من النهر إلى البحر – كما كان يقولون من قبل ، إنما أصبح همهم حيا الله استرداد ما انتزعته إسرائيل من أراضيهم بقوتها العسكرية ، فضلا عن ابتلاعها للضفة الغربية وغزة والقدس الشريف ، خلال الأيام الستة الذي استغرقها ذلك العدوان – وبالله عليكم أنسوا أو تناسوا لاءات قمة الخرطوم الثلاث والتي عقدت بعد أشهر من ذلك العدوان ، لأن تلك القرارات – على جرأتها وصرامتها وتعبيرها الحقيقي عن موقف الشعوب العربية من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر - لم تكن سوى حبر على ورق ، ولم يكن الهدف منها سوى ذر الرماد في العيون ، وأقل ما يمكن أن يُقال في وصف تلك القرارات الجريئة أنها رد فعل صدر عن قائدٍ محطمٍ مهزومٍ ومجروح الفؤاد والكرامة ، في لحظة عارضة من لحظات النشوة الخادعة الكذابة ، وقد تكون اتخذت مباشرة بعد احتساء جرعة أو عدة جرع من محلول علاج الهزيمة ، أو بعد تناول قرص أو عدة أقراص من حبوب دواء الكرامة ، وخلال فترة تأثير وسريان مفعول ذلك الدواء أو العلاج ، وبالتالي فهي بنت تلك اللحظة ، وهي على كل حال لم تكن سوى أقوال ولم تترجم أبدا إلى أفعال وكذلك كل قرارات جامعة الدول العربية ، المتعلقة بالشأن العربي الصميم .
وهذ في الواقع هو حال هذه المؤسسة الرسمية الهزيلة ، والتي وقف الاستعمار الغربي وراء إنشائها – ليس لخدمة مصالح أمة العرب ولا من أجل سواد عيون أمة العرب ، وإنما لخدمة مصالحة وأهدافه الإستراتيجية والاقتصادية في المنطقة العربية والإسلامية ، خلال المرحلة الثانية من الاستعمار ، وهي مرحلة الاستعمار السياسي أو الاستعمار غير العسكري أو غير المباشر ، والذي ساد خلال مرحلة ما بعد الاستقلال الصوري ، والمزيف والمكذوب ولذا لم تنفذ أي من قراراتها الصادرة في أي قمة عربية عادية أو طارئة والتي تكون لصالح الأمة العربية ، إنما يتم تنفيذ القرارات التي تكون ضد هذه الأمة ومصالح هذه الأمة ، وأبرز الأمثلة على ذلك قراراتها الجائرة ضد العراق في التسعينيات من القرن الماضي والتي نجم عنها تدمير هذا البلد العربي القوي والذي كان دوما سندا للأمة العربية .
كما لم يعد شعار الأنظمة العربية بعد عدوان 1967 هو أن يرموا بالكيان الصهيوني في البحر، وإنما صار قصارى جهدهم هو أن يسلموا من شر وعدوان الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية . واتركونا يا إخوان من الحديث عن الانتصار الذي حققه المصريون والعرب في عام 1973، فإن ما حدث سنتئذ لم يكن انتصارا بمعنى الانتصار الحقيقي ، وأقل ما يمكن أن يوصف به ما حدث حينذاك هو أنه كان انتصارا ناقصا – وهذا في أحسن الأحوال – وإلا فهو انتصار تحول - فيما بعد - إلى هزيمة ، ليس لتراجع حماس وعزيمة وبسالة المقاتل المصري أو العربي – كما كانت عليه في الأيام الأولى من المعركة - ولا لتبدل مواقف الأنظمة العربية سواء النفطية أو غير النفطية ، والتي كانت مواقفها مقبولة في مجملها ، إنما لتبدل مواقف القيادة السياسة المصرية المتمثلة طبعا في شخص أنور السادات للأسف الشديد ، والذي كان بيده - منفردا كشأن كل حاكم عربي أو أي حاكم مستبد - كان بيده قرار السلم وقرار الحرب ، ويبدو أن عزيمة أنور السادات قد تراخت عن الاستمرار في الحرب بسرعة مدهشه ، وأن نفسه ملت منها بصورة غير متوقعه ، فكان أن أذعن وبكل سهولة ويسر للضغوط الأمريكية الرامية وقف القتال . وما أرادته الإدارة الأمريكية بالضبط هو الذي قد كان. حدث ذلك بينما الجنود المصريون والسوريون البواسل كانوا – مع وجود بعض المصاعب - لا زالوا يملكون زمام المبادأة ، وكانوا لا زالوا يحققون تقدما في أكثر الجبهات ولكن ما أن شاع إعلان وقف إطلاق النار حتى بدا العد العكسي للهزيمة لأن جيش الكيان الصهيوني لم يلتزم بوقف القتال في أرض الواقع بل أنه واصل هجومه المضاد على الجيوش العربية ، ولاسيما على الجيش السوري ، والمصيبة كما قيل أن أنور السادات لم يُطلع القيادة السورية - شريكته في الحرب - على قراره القاضي بوقف القتال ، إنما فوجئت القيادة السورية بهذا القرار مثلها مثل غيرها من القيادات العربية ، وما لبث الجيش السوري ، بعد أن تزايد ضغط الجيش الصهيوني عليه أن أنكسر وتقهقر يتبعه الجيش الصهيوني حتى مشارف دمشق ، ويقال أنه لولا نجدة الجيش العراقي لسوريا يومئذ ودفاعه المستميت عنه بعد أن انكسرت شوكة الجيش السوري لسقطت دمشق لقمة سائغة بيد جيش الاحتلال الصهيوني ، الذي أعلنت إذاعة لندن يومئذ أن جنوده يرقصون على مشارف دمشق. فوا أسفاه على الجيش العراقي !! تأملوا بالله أي خسارة فادحة خسرها العرب من وراء تواطئهم مع الاحتلال الأمريكي للعراق وإن مثال العراق مع الأنظمة العربية لهوكما قال الشاعر :
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ليـوم كريهةٍ وسداد ثغرِِ
وماذا عن ضحايا الغدر في سيناء ؟
.................................
أم كيف يتسنى للقيادة المصرية الحالية أن تنسى ألاف الجنود والمتطوعين من شباب مصر ومن رجالات مصر المخلصين الأوفياء ، والبررة الكرام والذين أزهقت أرواحهم في مواقعهم بعد أن غدرت بهم وأطبقت عليهم الآلة العسكرية الصهيونية الغاشمة ، في صبيحة 5 يونيو 1967 ، أو الجنود الذين انسحبوا أو أجبرهم القصف المكثف على الانسحاب ، أو أمروا بالانسحاب من تلك المواقع ، بغير نظام وبدون أي غطاء جوي ، تنفيذا لقرار خاطىء اتخذته قيادتهم العسكرية العليا ممثلة في المشير عبد الحكيم عامر – زوج الممثلة ونجمة السنما المشهورة برلنتي عبد الحميد - ورفيق درب الزعيم ( الخالد ) جمال عبد الناصر ، وصديقه الشخصي "الروح بالروح " ذلك الأنسحاب الذي حدث بعد الضربة القاصمة الأولى ، فكانوا وآلياتهم وأسلحتهم – بالتالي – هدفا واضحا ، وصيدا سهلا ، لتفتك بهم قذائف طائرات الميج والميراج وإف 16 الإسرائيلية ، ولتقتلهم قتلا ذريعا بدون رحمةٍ وبشهوانيةٍ دمويةٍ وعدوانيةٍ فجةٍ واضحةٍ ، دون أن تجد تلك الطائرات الفاتكة – بطبيعة الحال - نيرانا مضادة تتصدى لها ، وتكبح جماحها ، ودون أن تجابه بمقاومة تذكر لا من الأرض ولا من السماء ، ولا من البر ولا من البحر ، وذلك لكون الطائرات المقاتلة المصرية ، وأيضا أسلحة الدفاع الجوي وقواعد إطلاق الصواريخ والأسلحة الهامة الأخرى– والتي كان يمتلكها عباس ، الرجل الحساس ، ويعدها لليوم الذي يخطط فيه لاستئصال شأفة الكيان الصهيوني أو على الأقل يدفع بها عن نفسه وشعبه شر يوم أسود كهذا - كانت - بكل بساطة - قد دمرت ، حيث كانت هدف الطائرات الإسرائيلية في مستهل ضربتها الجوية الأولى تلك ، وأتت عليها خلال الدقائق الأولى منها ، قبل أن تنثني هذه الطائرات لتصب حممها على هؤلاء الجنود المنسحبين والمكشوفين لها في العراء ، والذين نزفوا شلالاتٍ من الدماء الزكية ، فوق رمال سيناء الطاهرة ، وفي كل بقعة من بقاع أرض الكنانة الغالية والعزيزة ، والتي دنستها المجنزات والدبابات الصهيونية المارقة – في ذلك اليوم ، وصارت أرضا مباحة ليستوطنها أحفاد القرود والخنازير القادمين من وراء البحار والمحيطات ويقيموا المستعمرات فيها ، ويستمروا جاثمين فيها لفترة من الزمن ويأبوا أن يجلو منها إلا بالله والنبي ، ولكن بعد أن فازوا بمكاسب عديدة في مقابلها وحصلوا على تنازلات ياما إزاءها - وهذا بالرغم من اتفاقية السلام المصرية الصهيونية أو – بالأحرى وثيقة الاستسلام المصرية - للضغوط والشروط الأمريكية المجحفة والتي دفعت مصر ولا زالت تدفع وستظل تدفع ثمنها غاليا –
هذا فضلا عن ألاف الجنود الذين تاهوا في دروب ومسالك هذه الصحراء الشاسعة وماتوا عطشا وجوعا ، أو ابتلعتهم الرمال ، بينما كانوا يهربون من جحيم قصف الطائرات الصهيونية التي احتكرت الأجواء المصرية يومئذ ، ومن نيران قناصة جنود الكيان الصهيوني الذين تم تربيتهم على الحقد والغل الضغينة ، والمدربين على الجريمة والقتل ، والمتعطشين للدماء المصرية المسلمة والرغبين – لحد الجموح - في الثأر والانتقام . وماذا عن ألاف المصريين الذين وقعوا أسرى في أيدي عصابات بني صهيون اللئام في ذلك اليوم الأسود من تاريخ أمتنا ، وما عانوه في السجون على أيدي هذه العصابات المجرمة والمتعطشة للدماء ، بل أن أحدث الوثائق الإسرائيلية قد كشف مؤخرا أن قسما من أولئك الأسرى قد تم قتلهم بعد أن كانوا قد استسلموا وتم وصاروا أسرى حرب إنما كان قتلهم تشفيا وانتقاما .
زمن المفارقات والمضحكات المبكيات
................................... .
فكيف تنسى القيادة المصرية كل هذا ؟ ألا يعني كل شيئا بالنسبة للقيادة المصرية ؟ وهل صارت إسرائيل - رغم كل هذا - هي الحمل الوديع ، وحركة حماس هي المهددة للأمن القومي المصري ؟
إنها مفارقة من أعظم المفارقات التي صرنا نسمعها ونلمسها في هذا الزمن ، وهو - بلاشك - زمن المفارقات والعجائب والغرائب ، وزمن الرؤى المقلوبة ، فالمعتدي الآثم المتعطش للدماء والمتغطرس بالقوة صار حمامة سلام ورمزا للأمن ، والأخ الشقيق المسالم صار عنوانا للخطر ورمزا للتهديد ، والظالم صار مظلوما والمظلوم ظالما ، والجلاد صار ضحية والضحية جلادا ، إلى آخر ذلك من المفارقات والمضحكات والمبكيات والتي يوجد منها الكثير والكثير في عالمنا العربي والإسلامي وفي مصر على نحو خاص – لما لها من ثقل سياسي وعسكري ومعنوي كبير في العالم العربي والإسلامي -
قد يقول قائل : أنت تتحدث عن جرائم قديمة أرتكبها الكيان الصهيوني بحق الشعب المصري ، وتلك جرائم قد تجاوزتها الأيام وطوتها اتفاقية كامب ديفيد للسلام في عام 1979 بين مصر واسرائيل .
والجواب على ذلك أن جرائم الكيان الصهيوني بحق مصر والعرب لم ولن تنسى مادامت دولة الكيان الصهيوني جاثمة على أرض فلسطين وماضية قدما في سياساتها العدوانية ضد العرب والمسلمين ، ثم أن الشعب المصري لم يكن هو الموقع على تلك الاتفاقية المشئومة والمذلة والمهينة ، بل ولم يستشر فيها حتى ، إنما هي اتفاقية وقعها نظام الرئيس أنور السادات – والذي كان حسني مبارك نائبا له حينذاك - وقعها استجابة لضغوط وإملاءات أمريكية وإسرائيلية ودولية ، وهو لم يوقعها من أجل شعب مصر وإنما من أجل نفسه ومن أجل مصالحه الخاصة الضيقة ومصالح نظامه الحاكم ، ونكاية بالحكام العرب الذي - قيل - أنهم تخلوا عن مصر في محنتها ونكثوا بوعودهم تجاهها ، ولاسيما الوعود المالية التي كانت قد التزمت بها الدول العربية النفطية ، ومن أجل الحصول على قليل من الفتات من المساعدات الأمريكية المشرطة ، والتي أدخلت مصر في دوامة الخضوع وجعلتها رهينة للابتزاز فهذه المساعدات لا يتم دفعها سنويا إلا بعد المزيد من الضغوط والشروط المبتزة ، من أجل ذلك ما فتىء أحرار مصر ورجالتها يطالبون بالغاء هذه الاتفاقية سيئة الذكر باعتبارهم صدى لنبض الشارع المصري
اتفاقية كامب ديفيد والأمن القومي المصري ؟
................................... .......
وهذه الاتفاقية المشئومة على كل حال لم تكن بردا وسلاما على الأمن القومي المصري والعربي ، والذي هو الشغل الشاغل للقيادة المصرية والقيادات العربية في الوقت الراهن ، فهي لم توقف جرائم الاحتلال الصهيوني ضد مصر وشعب مصر وأمنها القومي .
وهذه الاتفاقية - والتي أعطت الأولية لأمن ومصالح الكيان الصهيوني - لم تعط المصريين والعرب شيئا يستحق الذكر في موازاة ذلك ، بل أنها فرضت على مصر شروط مجحفة ومخلة بالسيادة الوطنية المصرية وبالأمن القومي المصري ، فبعد مضي حوالي ثلاثة عقود من توقيع هذه الاتفاقية لا تزال سيادة مصر على سيناء منقوصة فالقيادة المصرية بموجب تلك الاتفاقية – على سبيل المثال - لم تستطع أن تحرك أي معدات عسكرية ثقيلة في سيناء لمسافة تمتد لعشرات الكيلومترات من حدود دولة الكيان الصهيوني ، وكل ذلك من أجل خاطر الأمن القومي الحساس لهذا الكيان الغاصب . كما أن إنها لم توقف جرائم الكيان الصهيوني ضد مصر وضد شعب ، ولم تضع حدا لمؤامرات إسرائيل على مصر وعلى شعب مصر ، وعلى الأمن القومي المصري والعربي .
وهذه الاتفاقية لم تكبح جماح ترسانة التسلح الصهيونية أو تحول دون الاستحواذ على المزيد من الأسلحة والمعدات والطائرات الحديثة والمتطورة ، ولم تمنعه من المضي قدما في استكمال بناء مفاعل ديمونة النووي في صحراء النقب غير بعيد عن الحدود المصرية ، وأي خطر أدهى وأشد من هذا على الأمن القومي العربي ؟
وليس ذلك فحسب بل أن تلك الاتفاقية – والتي قامت نتيجة لها العلاقات الدبلوماسية بين مصر والكيان الصهيوني- قد أفرزت تهديدات جديدة وإضافية للشعب المصري ، وللأمن القومي المصري والعربي عموما ، فانفتحت بذلك بوابات وحدود مصر ليدخلها الصهاينة اللئام بطريق مشروعة ، وليفعلوا ما يحلوا لهم فيها ، وهاهم هؤلاء الملاعين وأذنابهم قد أصبحوا في الوقت الحاضر يعيثون فسادا على أرض الكنانة ، وحدث ولا حرج عن جواسيس إسرائيل في مصر وعن مؤامرات إسرائيل على مصر ، وعلى شعب مصر وعلى خيرات مصر ، وعلى الأمن القومي المصري ، وهذه كلها أشياء معروفة وهي بطبيعة الحال غير خافية على نظام سي حسني مبارك ومع ذلك فلا تهتز شعرة واحدة لسعادته وكل هذا حقيقة غيض من فيض وما خفي كان أعظم
أقول لو أن هناك أدنى حساسية على أمن مصر القومي الحقيقي لكان مصدر هذه الحساسية هو الكيان الصهيوني - وما أدراك ما الخطر الذي يشكله الكيان الصهيوني على الأمن القومي المصري - وليست حركة حماس في غزة هذه الحركة الشريفة والنظيفة اليد والتي تجاهد المحتل الغاصب والتي هي أساسا درع أمامي وخط دفاع أول للأمن القومي المصري بشكل خاص والعربي والإسلامي بشكل عام ولكن النظام المصري للأسف لا يرى ذلك فهولا يرى في حماس بل وفي أي حركة مناهضة للأحتلال الأجنبي أو شعارها الإسلام - ياللمفارقة - سوى أنها عدو متربص لأنه في الواقع لا ينظر للأشياء من حوله بعيون شعبه وأمته إنما ينظر لها بعيون صهيونية أمريكية ثم أي خطر يمكن أن تشكله حركة حماس على الأمن القومي المصري وهي حركة محاصرة من كل اتجاه وقد تنكر لها القريب والبعيد بل والتي لا تجد القوت الضروري لإشباع مليون ونصف مليون فلسطيني يعيشون في أضيق وأفقر بقعة على ظهر الأرض وهي غزة فأي تناقض هذا ؟ وأي منطق في موقف النظام المصري من حماس ؟
وأنا هاهناغير متحامل على النظام المصري، ولكن هذا هو الواقع من وجهة نظري بل وأن هذا ينطبق على كل الأنظمة العربية الرسمية بلا استثناء
( القيادة المصرية نموذجا )
بقلم:أحمد الظرافي
صدعت القيادات العربية الرسمية رءوسنا بالحديث عن الأمن القومي العربي، وكانت أبرز تحفظات القيادة المصرية على ما حدث في غزة في منتصف يونيو 2007 أنه تهديد لأمن مصر القومي. فما هو الأمن القومي المصري الذي تعنيه القيادة المصرية يا ترى ؟ وهل في قيام حركة حماس بتوفير أسباب الأمن والنظام للمواطن الفلسطيني العادي ما يضر بالأمن القومي المصري ؟ وما هو العنصر الحساس في حركة حماس والذي ترى القيادة المصرية أنه يشكل خطرا وتهديدا للأمن القومي المصري ؟ وما عسى أن تمثله هذه الحركة أن أرادت من تهديد للأمن القومي المصري ؟
ماهية الأمن القومي العربي
----------------
في الحقيقة أنه لا يوجد في أرض الواقع حاليا شيء اسمه أمن قومي عربي - ولا أمن قومي مصري - إنما هناك أمن أنظمة حاكمة مستبدة جاثمة على صدور شعوبها ، أنظمة حاكمة يتمثل كل منها في شخص واحد يحتكر كل شيء في يده وكل همه هو البقاء في الحكم بل وتوريثه للخلف بأي ثمن وبأي تنازل للأجنبي . فالأمن القومي بالنسبة للقيادة المصرية يقصد به الأمن الشخصي للرئيس المصري ، والأمن القومي بالنسبة للقيادة اليمنية يقصد به الأمن الشخصي للرئيس اليمني وهكذا بالنسبة لباقي القيادات العربية.
ولو كان للقيادة المصرية – على سبيل المثال - أدنى اهتمام أو أي حساسية تجاه الأمن القومي المصري ، بمفهومه الحقيقي لكان مصدر هذه الحساسية هو الكيان الصهيوني ، هذا الكيان الإجرامي الغاصب الذي يتكون من شذاذ الآفاق والمزروع في جسد الأمة والمتاخم للحدود المصرية ، والذي يمتلك ترسانة ضخمة من الأسلحة النووية والبيولوجية والكيمائية والذرية - فضلا عن أحدث الأسلحة التقليدية المدمرة التي سبق له أن غزا بها مصر والعرب وتطاول بها عليها وهجم بواسطتها على الشعب المصري المسالم – ولكن الأبي - وأنتهك بها أمن وحرمة مصر ودمر بها مقدراتها ومؤسساتها وبنيتها التحتية مرارا وتكرارا ، وسفك بها دماء الآلاف من خيرة أبناء مصر - ظلما وعدوانا وعتى بها في الأرض علوا وفسادا – ومن ذا ينسى جرائم الحرب المروعة التي ارتكبتها إسرائيل في حق الفلسطينيين والمصريين والعرب والإنسانية جمعاء ؟
كيف ينسى النظام المصري أن دولة الكيان الصهيوني دولة عنصرية عدوانية مارقة قامت على أشلاء ودماء الضحايا من العزل الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ ؟ كيف ينسى أنها طردت شعبا بأكمله من أرضه وشردته في أقطار الأرض بالقوة والقهر ، ثم حلت محله دون وجه حق من عرف أو قانون أو تشريع ؟ إلا قوانين وشرائع الغاب التي أملتها حكومات الدول الاستعمارية الامبريالية الجائرة على الأمم والشعوب الضعيفة والفقيرة ؟ فأعطت ما لا تملك لمن لا يستحق . والجملة الأخيرة هي أشهر جملة تعلمناها وحفظناها ووعيناها في زمان الصبا ، من المناهج الدراسية خلال المرحلة الابتدائية والإعدادية في النصف من القرن الماضي . وقد تغيرت المناهج الدراسية في عالم اليوم – عما كانت عنه بالأمس – وذلك تبعا لتغير سياسة ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية.
وإن نسى النظام المصري والنظام العربي الرسمي مجزرة ديار ياسين ومجزرة صبرا وشاتيلا ومجزرة قانا ومجزرة الأقصى ومجزرة جنين وغير ذلك من جرائم ومجازر الكيان الصهيوني السابقة واللاحقة والمستمرة بشكل يومي ضد الفلسطينيين ؟ وإن نسي مآسي الفلسطينيين الحالية في الضفة والقطاع وداخل الخط الأخضر وفي الشتات والمخيمات ؟ إن نسي كل هذا ؟ هل ينسى جرائم الكيان الصهيوني ضد مصر وشعب مصر ؟ هل ينسى نكبة مصر والعرب في عام 1948 ؟ وهل ينسى العدوان الثلاثي : الصهيوني - البريطاني - الفرنسي الغاشم على مصر وشعب مصر وإرادة مصر في عام 1956 ؟
نكبة يونيو1967 ، ألم تعد تعني شيئا ؟
---------------------
وإن نسي النظام المصري هذا أو ذاك ، هل يستطيع أن ينسى أو يتناسى عدوان يونيو1967 ؟ وما أدراك ما عدوان يونيو1967 ؟ ذلك العدوان الهمجي الوحشي ، والذي لم يعرف التاريخ له مثيلا في قسوته وضراوته ، وفي همجيته ووحشيته وفي سرعته أيضا – والذي مرت علينا ذكراه الكئيبة المؤرقة ، والحزينة الأليمة ، قبل أسابيع فقط . ذلك العدوان الكارثي الآثم والغادر ، أو النكبة الثانية– كما وصفها الشيخ يوسف القرضاوي – ولكن الأكبر والأعم والأشد قسوة وفداحة والتي أنست آثارها ، وما ترتب عليها من نتائج وتداعيات خطيرة – نتائج وتداعيات النكبة الأولى في عام 1948 وجميع النكبات والهزائم التي بعدها ، وتجاوزت هذه وتلك عشرات المرات ، حيث أن هذه النكبة أعاد ت مصر والأمة العربية للوراء عدة قرون .
تلك المصيبة أنست ما تقدمها**ومالها مع طول الدهر نسيانُ
وليس ذلك فحسب إنما ترتب عليها اختلال كبير لم يسبق له مثيل في موازين القوة العسكرية والسياسة والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية بين العرب والكيان الصهيوني بشكل خاص ، وبينها وبين دول الشرق الأوسط بشكل عام - لصالح الكيان الصهيوني بطبيعة الحال - كما أن مواقف الأنظمة العربية الرسمية انقلبت بعدها رأسا على عقب من الكيان الصهيوني الغاصب وتغيرت تلك المواقف بنسبة 360 درجة في الاتجاه المضاد ، فمنذ ذلك الحين لم يعد هدف العرب هو تحرير فلسطين من النهر إلى البحر – كما كان يقولون من قبل ، إنما أصبح همهم حيا الله استرداد ما انتزعته إسرائيل من أراضيهم بقوتها العسكرية ، فضلا عن ابتلاعها للضفة الغربية وغزة والقدس الشريف ، خلال الأيام الستة الذي استغرقها ذلك العدوان – وبالله عليكم أنسوا أو تناسوا لاءات قمة الخرطوم الثلاث والتي عقدت بعد أشهر من ذلك العدوان ، لأن تلك القرارات – على جرأتها وصرامتها وتعبيرها الحقيقي عن موقف الشعوب العربية من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر - لم تكن سوى حبر على ورق ، ولم يكن الهدف منها سوى ذر الرماد في العيون ، وأقل ما يمكن أن يُقال في وصف تلك القرارات الجريئة أنها رد فعل صدر عن قائدٍ محطمٍ مهزومٍ ومجروح الفؤاد والكرامة ، في لحظة عارضة من لحظات النشوة الخادعة الكذابة ، وقد تكون اتخذت مباشرة بعد احتساء جرعة أو عدة جرع من محلول علاج الهزيمة ، أو بعد تناول قرص أو عدة أقراص من حبوب دواء الكرامة ، وخلال فترة تأثير وسريان مفعول ذلك الدواء أو العلاج ، وبالتالي فهي بنت تلك اللحظة ، وهي على كل حال لم تكن سوى أقوال ولم تترجم أبدا إلى أفعال وكذلك كل قرارات جامعة الدول العربية ، المتعلقة بالشأن العربي الصميم .
وهذ في الواقع هو حال هذه المؤسسة الرسمية الهزيلة ، والتي وقف الاستعمار الغربي وراء إنشائها – ليس لخدمة مصالح أمة العرب ولا من أجل سواد عيون أمة العرب ، وإنما لخدمة مصالحة وأهدافه الإستراتيجية والاقتصادية في المنطقة العربية والإسلامية ، خلال المرحلة الثانية من الاستعمار ، وهي مرحلة الاستعمار السياسي أو الاستعمار غير العسكري أو غير المباشر ، والذي ساد خلال مرحلة ما بعد الاستقلال الصوري ، والمزيف والمكذوب ولذا لم تنفذ أي من قراراتها الصادرة في أي قمة عربية عادية أو طارئة والتي تكون لصالح الأمة العربية ، إنما يتم تنفيذ القرارات التي تكون ضد هذه الأمة ومصالح هذه الأمة ، وأبرز الأمثلة على ذلك قراراتها الجائرة ضد العراق في التسعينيات من القرن الماضي والتي نجم عنها تدمير هذا البلد العربي القوي والذي كان دوما سندا للأمة العربية .
كما لم يعد شعار الأنظمة العربية بعد عدوان 1967 هو أن يرموا بالكيان الصهيوني في البحر، وإنما صار قصارى جهدهم هو أن يسلموا من شر وعدوان الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية . واتركونا يا إخوان من الحديث عن الانتصار الذي حققه المصريون والعرب في عام 1973، فإن ما حدث سنتئذ لم يكن انتصارا بمعنى الانتصار الحقيقي ، وأقل ما يمكن أن يوصف به ما حدث حينذاك هو أنه كان انتصارا ناقصا – وهذا في أحسن الأحوال – وإلا فهو انتصار تحول - فيما بعد - إلى هزيمة ، ليس لتراجع حماس وعزيمة وبسالة المقاتل المصري أو العربي – كما كانت عليه في الأيام الأولى من المعركة - ولا لتبدل مواقف الأنظمة العربية سواء النفطية أو غير النفطية ، والتي كانت مواقفها مقبولة في مجملها ، إنما لتبدل مواقف القيادة السياسة المصرية المتمثلة طبعا في شخص أنور السادات للأسف الشديد ، والذي كان بيده - منفردا كشأن كل حاكم عربي أو أي حاكم مستبد - كان بيده قرار السلم وقرار الحرب ، ويبدو أن عزيمة أنور السادات قد تراخت عن الاستمرار في الحرب بسرعة مدهشه ، وأن نفسه ملت منها بصورة غير متوقعه ، فكان أن أذعن وبكل سهولة ويسر للضغوط الأمريكية الرامية وقف القتال . وما أرادته الإدارة الأمريكية بالضبط هو الذي قد كان. حدث ذلك بينما الجنود المصريون والسوريون البواسل كانوا – مع وجود بعض المصاعب - لا زالوا يملكون زمام المبادأة ، وكانوا لا زالوا يحققون تقدما في أكثر الجبهات ولكن ما أن شاع إعلان وقف إطلاق النار حتى بدا العد العكسي للهزيمة لأن جيش الكيان الصهيوني لم يلتزم بوقف القتال في أرض الواقع بل أنه واصل هجومه المضاد على الجيوش العربية ، ولاسيما على الجيش السوري ، والمصيبة كما قيل أن أنور السادات لم يُطلع القيادة السورية - شريكته في الحرب - على قراره القاضي بوقف القتال ، إنما فوجئت القيادة السورية بهذا القرار مثلها مثل غيرها من القيادات العربية ، وما لبث الجيش السوري ، بعد أن تزايد ضغط الجيش الصهيوني عليه أن أنكسر وتقهقر يتبعه الجيش الصهيوني حتى مشارف دمشق ، ويقال أنه لولا نجدة الجيش العراقي لسوريا يومئذ ودفاعه المستميت عنه بعد أن انكسرت شوكة الجيش السوري لسقطت دمشق لقمة سائغة بيد جيش الاحتلال الصهيوني ، الذي أعلنت إذاعة لندن يومئذ أن جنوده يرقصون على مشارف دمشق. فوا أسفاه على الجيش العراقي !! تأملوا بالله أي خسارة فادحة خسرها العرب من وراء تواطئهم مع الاحتلال الأمريكي للعراق وإن مثال العراق مع الأنظمة العربية لهوكما قال الشاعر :
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ليـوم كريهةٍ وسداد ثغرِِ
وماذا عن ضحايا الغدر في سيناء ؟
.................................
أم كيف يتسنى للقيادة المصرية الحالية أن تنسى ألاف الجنود والمتطوعين من شباب مصر ومن رجالات مصر المخلصين الأوفياء ، والبررة الكرام والذين أزهقت أرواحهم في مواقعهم بعد أن غدرت بهم وأطبقت عليهم الآلة العسكرية الصهيونية الغاشمة ، في صبيحة 5 يونيو 1967 ، أو الجنود الذين انسحبوا أو أجبرهم القصف المكثف على الانسحاب ، أو أمروا بالانسحاب من تلك المواقع ، بغير نظام وبدون أي غطاء جوي ، تنفيذا لقرار خاطىء اتخذته قيادتهم العسكرية العليا ممثلة في المشير عبد الحكيم عامر – زوج الممثلة ونجمة السنما المشهورة برلنتي عبد الحميد - ورفيق درب الزعيم ( الخالد ) جمال عبد الناصر ، وصديقه الشخصي "الروح بالروح " ذلك الأنسحاب الذي حدث بعد الضربة القاصمة الأولى ، فكانوا وآلياتهم وأسلحتهم – بالتالي – هدفا واضحا ، وصيدا سهلا ، لتفتك بهم قذائف طائرات الميج والميراج وإف 16 الإسرائيلية ، ولتقتلهم قتلا ذريعا بدون رحمةٍ وبشهوانيةٍ دمويةٍ وعدوانيةٍ فجةٍ واضحةٍ ، دون أن تجد تلك الطائرات الفاتكة – بطبيعة الحال - نيرانا مضادة تتصدى لها ، وتكبح جماحها ، ودون أن تجابه بمقاومة تذكر لا من الأرض ولا من السماء ، ولا من البر ولا من البحر ، وذلك لكون الطائرات المقاتلة المصرية ، وأيضا أسلحة الدفاع الجوي وقواعد إطلاق الصواريخ والأسلحة الهامة الأخرى– والتي كان يمتلكها عباس ، الرجل الحساس ، ويعدها لليوم الذي يخطط فيه لاستئصال شأفة الكيان الصهيوني أو على الأقل يدفع بها عن نفسه وشعبه شر يوم أسود كهذا - كانت - بكل بساطة - قد دمرت ، حيث كانت هدف الطائرات الإسرائيلية في مستهل ضربتها الجوية الأولى تلك ، وأتت عليها خلال الدقائق الأولى منها ، قبل أن تنثني هذه الطائرات لتصب حممها على هؤلاء الجنود المنسحبين والمكشوفين لها في العراء ، والذين نزفوا شلالاتٍ من الدماء الزكية ، فوق رمال سيناء الطاهرة ، وفي كل بقعة من بقاع أرض الكنانة الغالية والعزيزة ، والتي دنستها المجنزات والدبابات الصهيونية المارقة – في ذلك اليوم ، وصارت أرضا مباحة ليستوطنها أحفاد القرود والخنازير القادمين من وراء البحار والمحيطات ويقيموا المستعمرات فيها ، ويستمروا جاثمين فيها لفترة من الزمن ويأبوا أن يجلو منها إلا بالله والنبي ، ولكن بعد أن فازوا بمكاسب عديدة في مقابلها وحصلوا على تنازلات ياما إزاءها - وهذا بالرغم من اتفاقية السلام المصرية الصهيونية أو – بالأحرى وثيقة الاستسلام المصرية - للضغوط والشروط الأمريكية المجحفة والتي دفعت مصر ولا زالت تدفع وستظل تدفع ثمنها غاليا –
هذا فضلا عن ألاف الجنود الذين تاهوا في دروب ومسالك هذه الصحراء الشاسعة وماتوا عطشا وجوعا ، أو ابتلعتهم الرمال ، بينما كانوا يهربون من جحيم قصف الطائرات الصهيونية التي احتكرت الأجواء المصرية يومئذ ، ومن نيران قناصة جنود الكيان الصهيوني الذين تم تربيتهم على الحقد والغل الضغينة ، والمدربين على الجريمة والقتل ، والمتعطشين للدماء المصرية المسلمة والرغبين – لحد الجموح - في الثأر والانتقام . وماذا عن ألاف المصريين الذين وقعوا أسرى في أيدي عصابات بني صهيون اللئام في ذلك اليوم الأسود من تاريخ أمتنا ، وما عانوه في السجون على أيدي هذه العصابات المجرمة والمتعطشة للدماء ، بل أن أحدث الوثائق الإسرائيلية قد كشف مؤخرا أن قسما من أولئك الأسرى قد تم قتلهم بعد أن كانوا قد استسلموا وتم وصاروا أسرى حرب إنما كان قتلهم تشفيا وانتقاما .
زمن المفارقات والمضحكات المبكيات
................................... .
فكيف تنسى القيادة المصرية كل هذا ؟ ألا يعني كل شيئا بالنسبة للقيادة المصرية ؟ وهل صارت إسرائيل - رغم كل هذا - هي الحمل الوديع ، وحركة حماس هي المهددة للأمن القومي المصري ؟
إنها مفارقة من أعظم المفارقات التي صرنا نسمعها ونلمسها في هذا الزمن ، وهو - بلاشك - زمن المفارقات والعجائب والغرائب ، وزمن الرؤى المقلوبة ، فالمعتدي الآثم المتعطش للدماء والمتغطرس بالقوة صار حمامة سلام ورمزا للأمن ، والأخ الشقيق المسالم صار عنوانا للخطر ورمزا للتهديد ، والظالم صار مظلوما والمظلوم ظالما ، والجلاد صار ضحية والضحية جلادا ، إلى آخر ذلك من المفارقات والمضحكات والمبكيات والتي يوجد منها الكثير والكثير في عالمنا العربي والإسلامي وفي مصر على نحو خاص – لما لها من ثقل سياسي وعسكري ومعنوي كبير في العالم العربي والإسلامي -
قد يقول قائل : أنت تتحدث عن جرائم قديمة أرتكبها الكيان الصهيوني بحق الشعب المصري ، وتلك جرائم قد تجاوزتها الأيام وطوتها اتفاقية كامب ديفيد للسلام في عام 1979 بين مصر واسرائيل .
والجواب على ذلك أن جرائم الكيان الصهيوني بحق مصر والعرب لم ولن تنسى مادامت دولة الكيان الصهيوني جاثمة على أرض فلسطين وماضية قدما في سياساتها العدوانية ضد العرب والمسلمين ، ثم أن الشعب المصري لم يكن هو الموقع على تلك الاتفاقية المشئومة والمذلة والمهينة ، بل ولم يستشر فيها حتى ، إنما هي اتفاقية وقعها نظام الرئيس أنور السادات – والذي كان حسني مبارك نائبا له حينذاك - وقعها استجابة لضغوط وإملاءات أمريكية وإسرائيلية ودولية ، وهو لم يوقعها من أجل شعب مصر وإنما من أجل نفسه ومن أجل مصالحه الخاصة الضيقة ومصالح نظامه الحاكم ، ونكاية بالحكام العرب الذي - قيل - أنهم تخلوا عن مصر في محنتها ونكثوا بوعودهم تجاهها ، ولاسيما الوعود المالية التي كانت قد التزمت بها الدول العربية النفطية ، ومن أجل الحصول على قليل من الفتات من المساعدات الأمريكية المشرطة ، والتي أدخلت مصر في دوامة الخضوع وجعلتها رهينة للابتزاز فهذه المساعدات لا يتم دفعها سنويا إلا بعد المزيد من الضغوط والشروط المبتزة ، من أجل ذلك ما فتىء أحرار مصر ورجالتها يطالبون بالغاء هذه الاتفاقية سيئة الذكر باعتبارهم صدى لنبض الشارع المصري
اتفاقية كامب ديفيد والأمن القومي المصري ؟
................................... .......
وهذه الاتفاقية المشئومة على كل حال لم تكن بردا وسلاما على الأمن القومي المصري والعربي ، والذي هو الشغل الشاغل للقيادة المصرية والقيادات العربية في الوقت الراهن ، فهي لم توقف جرائم الاحتلال الصهيوني ضد مصر وشعب مصر وأمنها القومي .
وهذه الاتفاقية - والتي أعطت الأولية لأمن ومصالح الكيان الصهيوني - لم تعط المصريين والعرب شيئا يستحق الذكر في موازاة ذلك ، بل أنها فرضت على مصر شروط مجحفة ومخلة بالسيادة الوطنية المصرية وبالأمن القومي المصري ، فبعد مضي حوالي ثلاثة عقود من توقيع هذه الاتفاقية لا تزال سيادة مصر على سيناء منقوصة فالقيادة المصرية بموجب تلك الاتفاقية – على سبيل المثال - لم تستطع أن تحرك أي معدات عسكرية ثقيلة في سيناء لمسافة تمتد لعشرات الكيلومترات من حدود دولة الكيان الصهيوني ، وكل ذلك من أجل خاطر الأمن القومي الحساس لهذا الكيان الغاصب . كما أن إنها لم توقف جرائم الكيان الصهيوني ضد مصر وضد شعب ، ولم تضع حدا لمؤامرات إسرائيل على مصر وعلى شعب مصر ، وعلى الأمن القومي المصري والعربي .
وهذه الاتفاقية لم تكبح جماح ترسانة التسلح الصهيونية أو تحول دون الاستحواذ على المزيد من الأسلحة والمعدات والطائرات الحديثة والمتطورة ، ولم تمنعه من المضي قدما في استكمال بناء مفاعل ديمونة النووي في صحراء النقب غير بعيد عن الحدود المصرية ، وأي خطر أدهى وأشد من هذا على الأمن القومي العربي ؟
وليس ذلك فحسب بل أن تلك الاتفاقية – والتي قامت نتيجة لها العلاقات الدبلوماسية بين مصر والكيان الصهيوني- قد أفرزت تهديدات جديدة وإضافية للشعب المصري ، وللأمن القومي المصري والعربي عموما ، فانفتحت بذلك بوابات وحدود مصر ليدخلها الصهاينة اللئام بطريق مشروعة ، وليفعلوا ما يحلوا لهم فيها ، وهاهم هؤلاء الملاعين وأذنابهم قد أصبحوا في الوقت الحاضر يعيثون فسادا على أرض الكنانة ، وحدث ولا حرج عن جواسيس إسرائيل في مصر وعن مؤامرات إسرائيل على مصر ، وعلى شعب مصر وعلى خيرات مصر ، وعلى الأمن القومي المصري ، وهذه كلها أشياء معروفة وهي بطبيعة الحال غير خافية على نظام سي حسني مبارك ومع ذلك فلا تهتز شعرة واحدة لسعادته وكل هذا حقيقة غيض من فيض وما خفي كان أعظم
أقول لو أن هناك أدنى حساسية على أمن مصر القومي الحقيقي لكان مصدر هذه الحساسية هو الكيان الصهيوني - وما أدراك ما الخطر الذي يشكله الكيان الصهيوني على الأمن القومي المصري - وليست حركة حماس في غزة هذه الحركة الشريفة والنظيفة اليد والتي تجاهد المحتل الغاصب والتي هي أساسا درع أمامي وخط دفاع أول للأمن القومي المصري بشكل خاص والعربي والإسلامي بشكل عام ولكن النظام المصري للأسف لا يرى ذلك فهولا يرى في حماس بل وفي أي حركة مناهضة للأحتلال الأجنبي أو شعارها الإسلام - ياللمفارقة - سوى أنها عدو متربص لأنه في الواقع لا ينظر للأشياء من حوله بعيون شعبه وأمته إنما ينظر لها بعيون صهيونية أمريكية ثم أي خطر يمكن أن تشكله حركة حماس على الأمن القومي المصري وهي حركة محاصرة من كل اتجاه وقد تنكر لها القريب والبعيد بل والتي لا تجد القوت الضروري لإشباع مليون ونصف مليون فلسطيني يعيشون في أضيق وأفقر بقعة على ظهر الأرض وهي غزة فأي تناقض هذا ؟ وأي منطق في موقف النظام المصري من حماس ؟
وأنا هاهناغير متحامل على النظام المصري، ولكن هذا هو الواقع من وجهة نظري بل وأن هذا ينطبق على كل الأنظمة العربية الرسمية بلا استثناء