مقاوم
06-17-2008, 06:19 AM
... من منكرات الأسماء!!
الدكتور مصطفى رجب
16 يونيو، جريدة الشرق القطرية
من الأدب الإسلامي الذي وردت به السنة المطهرة أن يحسن الوالد اختيار اسم ابنه أو ابنته، لما للاسم من أهمية في حياة الإنسان.
وقد عرف تراثنا العربي القديم ظاهرة اشتقاق الأسماء من الصناعات مثل «الكسائي» و«الفراء» و«الرفاء» و«الفحام»، وهذه الكلمات يبدأ استعمالها صفات ثم تنتقل من الوصفية إلى العلمية. ومنها الحموي والبغدادي والأصفهاني وما جرى مجراها مما ينسب إلى المدن أو الأقطار أو الصناعات. ومن العجيب أن تراثنا العربي القديم نقل هذه الخاصية، وهي النسبة إلى البلاد من المشرق العربي إلى المغرب العربي. فرأينا اسم أبي العباس «المرسي» المنسوب إلى مدينة «مرسية» و«القرطبي» نسبة إلى مدينة «قرطبة» من بلاد الأندلس.
وقد اهتم أدباء العربية قديما وحديثا بمسألة أصول الأسماء ودلالاتها، ففي كتاب «أدب الكاتب» لابن قتيبة الدينوري «ج1، ص65» نجد مبحثاً اسماه ابن قتيبة «أصول أسماء الناس» شرح فيه دلالات بعض أسماء الأعلام المنقولة عن أسماء لنباتات، كما فسر ابن قتيبة أسماء منقولة عن أسماء لطيور أو حيوانات، مثل سعدانة وهو من أسماء الحمامة، وحيدرة وهو من أسماء الأسد، ونهشل وهو من أسماء الذئب غير أن أسماء عربية قديمة مثل حيدرة، ونهشل وسعدانة لم يعد لها وجود في العربية المعاصرة. وإن كان حمزة لا يزال متداولاً لارتباطه باسم سيدنا حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه سيد الشهداء.
وكذلك الأبشيهي في كتابه «المستطرف في كل فن مستظرف» والقلقشندي في كتابه الشهير «صبح الأعشى». والسيوطي في «المزهر».
وفي العصور الحديثة اهتم بهذه القضية المستشرق الألماني «أنو ليتمان» وأمير بقطر وإبراهيم الفحام. وكلهم تناول معاني الأسماء وتطور دلالاتها تاريخياًَ.
منكرات من الأسماء:
وكما عرف تراثنا العربي القديم ظاهرة اشتقاق الأسماء من الصناعات، أو من أسماء البلدان كما قدمنا، فقد كثرت فيه الأسماء ذات الصبغة الدينية، وهي موضوع السطور القادمة، فمن الأسماء المحببة إلى النفوس في بلادنا العربية والإسلامية بوجه عام، تلك الأسماء التي تبدأ بلفظ «عبد»، متلوّا باسم من أسماء الله الحسنى أو صفاته العلا. وكذلك تلك الأسماء المشتقة من مادة «الحمد» اللغوية التي تتضمن معاني الشكر والثناء.
ولعل الأساس الشرعي للتسمية بالعبودية، هو ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ».
وقال الإمام القرطبي «يلتحق بهذين الاسمين ما كان مثلهما كعبد الرحيم وعبد الملك وعبد الصمد. وإنما كانت هذه الأسماء أحب إلى الله لأنها تضمنت ما هو وصف واجب لله، وما هو وصف للإنسان وواجب له وهو العبودية. ثم أضيف العبد إلى الرب إضافة حقيقية فصدقت أفراد هذه الأسماء، وشرفت بهذا التركيب فحصلت الفضيلة».
أما رواية الطبراني من حديث أبي زهير الثقفي مرفوعاً «إذا سميتم فعبِّدوا» ومن حديث ابن مسعود مرفوعاً أيضاً «وَأَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ ما تُعُبِّد به» ففي كل منهما ضعف كما بين ذلك الحافظ ابن حجر في الفتح «396/17».
غير أن المتأمل في كثير من الأسماء الشائعة يجد فيها نبوَّا عن المقصود، ومخالفة للمسنون، ومجافاة للأحكام الشرعية المرعية. أما النبو عن المقصود فيمكننا أن نمثل له بتلك الأسماء التي تبدأ بلفظ «عبد» ثم تتلوها صفة هي مما يليق بذات الله تعالى، ولكنها لم ترد في تراثنا العربي، أو لم تتضمنها النصوص الشرعية في الكتاب والسنة، من أمثلة «عبد المُهدِي» بضم الميم، وكذلك «عبد الناصر» فقد يصح أن نصف الله تعالى بأنه مُهدٍ أو أنه ناصر، ولكن هاتين الصفتين لم تردا في المسموع والموروث.
وأما المخالفة للمسنون فإن السنة المطهرة استحبت من الأسماء، ما عُبِّد، والمفهوم هو ارتبط فيه لفظ «عبد» بالأسماء والصفات التي وردت في السنة في حديث الترمذي. وهو حديث حسن. مثل عبدالله وعبدالرحمن.
وأما مجافاة الأحكام الشرعية المرعية، فتتمثل في إسناد العبودية إلى ألفاظ لا تليق شرعاً مثل اسم «عبد النظير» ومثل اسم «عبدالعال» والله تعالى وصف نفسه بأنه «المتعالي» فقال تعالى: «عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ» (الرعد: 9).
ووصف فرعون عليه لعنة الله بأنه «عالٍ» فقال تعالى: «.... وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ» (يونس:83)، ولفظ «العال» مكون من «أل» التعريفية، و«عالٍ» اسم فاعل من الفعل «علا- يعلو» وقد وصف الله تعالى فرعون فقال: «إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ» (القصص:4).
فالصواب أن ينصرف الناس من التسمية بـ«عبد العال» إلى التسمية بـ «عبد المتعال».
ولعل من أهم عوامل شيوع هذه الأسماء ما يلي:
1- التشيع:
يعرف الشيعة بغلوهم في حب آل بيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لذلك يشِيع في تراثهم وفي حاضرهم أيضا التسمي بالأسماء المبدوءة بلفظ «عبد» مضافاً إلى أسماء آل البيت الكرام مثل: «عبد علي» وهو غير معروف في مصر ولا في الدول العربية الإفريقية، ولكنه شائع في بعض دول الخليج والعراق حيث يوجد تشيع أكبر. وكذلك «عبد المَهدي» بفتح الميم يشيع في تلك البلدان، ولكن أهل مصر ينطقونه بضم الميم ويظنونه وصفاً لله تعالى، والصواب «عبد الهادي» لأن «المهدي» بضم الميم وكسر الدال اسم فاعل من الفعل «أهدى» ومصدره الإهداء من تقديم هدية، أما الهداية والهدى - مصدرالفعل الثلاثي «هَدَى» - بفتح الهاء والدال فاسم الفاعل منه «هادٍ». و«الهادي» من أسماء الله الحسنى التسع والتسعين المعروفة.
وجاء في القرآن الكريم قوله تعالى :«وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» (الحج: 54).
كذلك من أسماء الشيعة «عبدالحسين - وعبدالزهراء» ويشيعان أيضاً في البلدان التي أشرنا إليها ولا يستخدمان في مصر.
أما «عبد الصادق» ويعنون به الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر فيشيع عندهم أيضاً بهذه الدلالة، ولكنه انتقل إلى مصر وإلى أهل شمال إفريقية، وظنوه من صفات الله تعالى. فتسموا به دون أن يخطر ببالهم أن الصادق المقصود هو الإمام جعفر.
2- التصوف:
والتصوف أيضاً عامل مهم من عوامل شيوع تلك الأسماء المغلوطة. ويبدو أثر التصوف في استعمال صفات تفوح فيها رائحة مصطلحاتهم المعروفة ومن أمثلتها:
- عبد الساتر
- عبد الستار
- عبد الجواد
- عبد المحسن
- عبد النبي
- عبد الرسول
- عبد الصالحين
- عبد الجابر
- عبد الراضي
فالستر، والجود، والإحسان، وجبر الكسور، والرضا، مما يشيع في لغة الصوفية ومصطلحاتهم، فلعل تلك التسميات نبعت من أوساطهم ثم تغلغلت في المجتمعات تفاؤلا بها وظناً أنها تجلب الخير.
3- الدوجماتية الشعبية:
إن الثقافة الشعبية الغوغائية تحتضن أحيانا مفاهيم ثقافية بالية ترتبط -في أكثر الأحيان- برغبات مكبوتة في العدالة والحق والخير والجمال وغيرها من القيم المطلقة، ومن هنا تظهر أسماء شعبية تعبر عن هذا الفكر الدوجماتي منها مثلاً «عبدالمنصف - عبدالعاطي - عبد الخير.. وما شابهها». فالبسطاء من الناس يتفاءلون بما تفيض به دلالات تلك الأسماء من معاني الإنصاف والعطاء والخير وماشاكلها.
في التحليل اللغوي لبعض الأسماء:
هناك مزالق لغوية غاية في الخطر تكمن في بعض الأسماء، نطقاً أو كتابةً ، مما يشيع من أسماء في بيئتنا العربية والإسلامية. فمن ذلك على سبيل المثال:
1- عبد اللاه:
أصل هذا الاسم «عبدالله» ومن قواعد النطق العربي، أن تُفخَّم لام لفظ الجلالة إذا سبقها ضم أو فتح فيقال، كان عبدُ الله، أو يقال: إن عبدَ الله - بتفخيم لفظ الجلالة في الحالتين.
أما إذا سبقها كسر، فيجب ترقيق اللام، فيقال من عبدِ الله، والنطق الشعبي لهذه الحالة الأخيرة - حالة الجر- أوقر في قلوب الجهلة من الناس أنه صحيح، فشاع بينهم هذا النطق -بالجر- وحولوه إلى اسم هكذا : عبد اللاه. ينطقونه بكسر الدال دون عامل من عوامل الجر، ويضيفون ألفا في كتابته تنحرف بمعنى اللفظ، وهذا لا يجوز شرعاً، لأن «لاهٍ» اسم فاعل من الفعل «لها»، يلهو = لعب، يلعب، ودخلت عليها أل التعريفية فصارت اللاهي. وحذفت ياؤه فلا يصح أن تكتب هكذا البتة، والصواب أن تظل كتابتها «عبد الله» حتى لو نطقت مرققة.
2- عبد العاطي:
الفعل «عَطَا» ومضارعه «يعطو» بمعنى أمال رأسه، أو مال رأسه، ومنه قول الشاعر «وهو من شواهد النحو العربي»:
وحيناً تُوافينَا بوجهٍ مُقسَّمٍ
كَأنْ ظبيَةٍ تَعطُو إلى وارفِ السَّلَمْ
أي تميل برأسها.
واسم الفاعل من هذا الفعل هو «العاطي» بمعنى المائل برأسه، وإنما يقصدون من وراء هذه التسمية الخاطئة معنى العطاء، وكان عليهم أن يدركوا أن العطاء - اسم مصدر- من الفعل: أعطى، يُعطي، إعطاءً، وعطاءً بمعنى وهب أو منح، واسم الفاعل منه «المعطي».
ومن الأسماء الشائعة أيضا:
2- عبد النبي
3- عبد الرسول
وفي هذين الاسمين أضيفت العبودية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو ما يتجافى عن المقصود الشرعي بالتسمية بالعبودية طبقاً لكلام القرطبي الذي أثبتناه في صدر هذه السطور، ولو كان في هذه التسمية - بعبودية النبي صلى الله عليه وآله وسلم - خير لما تركه سلفنا الصالح.
وقل مثل ذلك في «عبد السيد»
والله أعلم.
الدكتور مصطفى رجب
16 يونيو، جريدة الشرق القطرية
من الأدب الإسلامي الذي وردت به السنة المطهرة أن يحسن الوالد اختيار اسم ابنه أو ابنته، لما للاسم من أهمية في حياة الإنسان.
وقد عرف تراثنا العربي القديم ظاهرة اشتقاق الأسماء من الصناعات مثل «الكسائي» و«الفراء» و«الرفاء» و«الفحام»، وهذه الكلمات يبدأ استعمالها صفات ثم تنتقل من الوصفية إلى العلمية. ومنها الحموي والبغدادي والأصفهاني وما جرى مجراها مما ينسب إلى المدن أو الأقطار أو الصناعات. ومن العجيب أن تراثنا العربي القديم نقل هذه الخاصية، وهي النسبة إلى البلاد من المشرق العربي إلى المغرب العربي. فرأينا اسم أبي العباس «المرسي» المنسوب إلى مدينة «مرسية» و«القرطبي» نسبة إلى مدينة «قرطبة» من بلاد الأندلس.
وقد اهتم أدباء العربية قديما وحديثا بمسألة أصول الأسماء ودلالاتها، ففي كتاب «أدب الكاتب» لابن قتيبة الدينوري «ج1، ص65» نجد مبحثاً اسماه ابن قتيبة «أصول أسماء الناس» شرح فيه دلالات بعض أسماء الأعلام المنقولة عن أسماء لنباتات، كما فسر ابن قتيبة أسماء منقولة عن أسماء لطيور أو حيوانات، مثل سعدانة وهو من أسماء الحمامة، وحيدرة وهو من أسماء الأسد، ونهشل وهو من أسماء الذئب غير أن أسماء عربية قديمة مثل حيدرة، ونهشل وسعدانة لم يعد لها وجود في العربية المعاصرة. وإن كان حمزة لا يزال متداولاً لارتباطه باسم سيدنا حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه سيد الشهداء.
وكذلك الأبشيهي في كتابه «المستطرف في كل فن مستظرف» والقلقشندي في كتابه الشهير «صبح الأعشى». والسيوطي في «المزهر».
وفي العصور الحديثة اهتم بهذه القضية المستشرق الألماني «أنو ليتمان» وأمير بقطر وإبراهيم الفحام. وكلهم تناول معاني الأسماء وتطور دلالاتها تاريخياًَ.
منكرات من الأسماء:
وكما عرف تراثنا العربي القديم ظاهرة اشتقاق الأسماء من الصناعات، أو من أسماء البلدان كما قدمنا، فقد كثرت فيه الأسماء ذات الصبغة الدينية، وهي موضوع السطور القادمة، فمن الأسماء المحببة إلى النفوس في بلادنا العربية والإسلامية بوجه عام، تلك الأسماء التي تبدأ بلفظ «عبد»، متلوّا باسم من أسماء الله الحسنى أو صفاته العلا. وكذلك تلك الأسماء المشتقة من مادة «الحمد» اللغوية التي تتضمن معاني الشكر والثناء.
ولعل الأساس الشرعي للتسمية بالعبودية، هو ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ».
وقال الإمام القرطبي «يلتحق بهذين الاسمين ما كان مثلهما كعبد الرحيم وعبد الملك وعبد الصمد. وإنما كانت هذه الأسماء أحب إلى الله لأنها تضمنت ما هو وصف واجب لله، وما هو وصف للإنسان وواجب له وهو العبودية. ثم أضيف العبد إلى الرب إضافة حقيقية فصدقت أفراد هذه الأسماء، وشرفت بهذا التركيب فحصلت الفضيلة».
أما رواية الطبراني من حديث أبي زهير الثقفي مرفوعاً «إذا سميتم فعبِّدوا» ومن حديث ابن مسعود مرفوعاً أيضاً «وَأَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ ما تُعُبِّد به» ففي كل منهما ضعف كما بين ذلك الحافظ ابن حجر في الفتح «396/17».
غير أن المتأمل في كثير من الأسماء الشائعة يجد فيها نبوَّا عن المقصود، ومخالفة للمسنون، ومجافاة للأحكام الشرعية المرعية. أما النبو عن المقصود فيمكننا أن نمثل له بتلك الأسماء التي تبدأ بلفظ «عبد» ثم تتلوها صفة هي مما يليق بذات الله تعالى، ولكنها لم ترد في تراثنا العربي، أو لم تتضمنها النصوص الشرعية في الكتاب والسنة، من أمثلة «عبد المُهدِي» بضم الميم، وكذلك «عبد الناصر» فقد يصح أن نصف الله تعالى بأنه مُهدٍ أو أنه ناصر، ولكن هاتين الصفتين لم تردا في المسموع والموروث.
وأما المخالفة للمسنون فإن السنة المطهرة استحبت من الأسماء، ما عُبِّد، والمفهوم هو ارتبط فيه لفظ «عبد» بالأسماء والصفات التي وردت في السنة في حديث الترمذي. وهو حديث حسن. مثل عبدالله وعبدالرحمن.
وأما مجافاة الأحكام الشرعية المرعية، فتتمثل في إسناد العبودية إلى ألفاظ لا تليق شرعاً مثل اسم «عبد النظير» ومثل اسم «عبدالعال» والله تعالى وصف نفسه بأنه «المتعالي» فقال تعالى: «عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ» (الرعد: 9).
ووصف فرعون عليه لعنة الله بأنه «عالٍ» فقال تعالى: «.... وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ» (يونس:83)، ولفظ «العال» مكون من «أل» التعريفية، و«عالٍ» اسم فاعل من الفعل «علا- يعلو» وقد وصف الله تعالى فرعون فقال: «إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ» (القصص:4).
فالصواب أن ينصرف الناس من التسمية بـ«عبد العال» إلى التسمية بـ «عبد المتعال».
ولعل من أهم عوامل شيوع هذه الأسماء ما يلي:
1- التشيع:
يعرف الشيعة بغلوهم في حب آل بيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لذلك يشِيع في تراثهم وفي حاضرهم أيضا التسمي بالأسماء المبدوءة بلفظ «عبد» مضافاً إلى أسماء آل البيت الكرام مثل: «عبد علي» وهو غير معروف في مصر ولا في الدول العربية الإفريقية، ولكنه شائع في بعض دول الخليج والعراق حيث يوجد تشيع أكبر. وكذلك «عبد المَهدي» بفتح الميم يشيع في تلك البلدان، ولكن أهل مصر ينطقونه بضم الميم ويظنونه وصفاً لله تعالى، والصواب «عبد الهادي» لأن «المهدي» بضم الميم وكسر الدال اسم فاعل من الفعل «أهدى» ومصدره الإهداء من تقديم هدية، أما الهداية والهدى - مصدرالفعل الثلاثي «هَدَى» - بفتح الهاء والدال فاسم الفاعل منه «هادٍ». و«الهادي» من أسماء الله الحسنى التسع والتسعين المعروفة.
وجاء في القرآن الكريم قوله تعالى :«وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» (الحج: 54).
كذلك من أسماء الشيعة «عبدالحسين - وعبدالزهراء» ويشيعان أيضاً في البلدان التي أشرنا إليها ولا يستخدمان في مصر.
أما «عبد الصادق» ويعنون به الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر فيشيع عندهم أيضاً بهذه الدلالة، ولكنه انتقل إلى مصر وإلى أهل شمال إفريقية، وظنوه من صفات الله تعالى. فتسموا به دون أن يخطر ببالهم أن الصادق المقصود هو الإمام جعفر.
2- التصوف:
والتصوف أيضاً عامل مهم من عوامل شيوع تلك الأسماء المغلوطة. ويبدو أثر التصوف في استعمال صفات تفوح فيها رائحة مصطلحاتهم المعروفة ومن أمثلتها:
- عبد الساتر
- عبد الستار
- عبد الجواد
- عبد المحسن
- عبد النبي
- عبد الرسول
- عبد الصالحين
- عبد الجابر
- عبد الراضي
فالستر، والجود، والإحسان، وجبر الكسور، والرضا، مما يشيع في لغة الصوفية ومصطلحاتهم، فلعل تلك التسميات نبعت من أوساطهم ثم تغلغلت في المجتمعات تفاؤلا بها وظناً أنها تجلب الخير.
3- الدوجماتية الشعبية:
إن الثقافة الشعبية الغوغائية تحتضن أحيانا مفاهيم ثقافية بالية ترتبط -في أكثر الأحيان- برغبات مكبوتة في العدالة والحق والخير والجمال وغيرها من القيم المطلقة، ومن هنا تظهر أسماء شعبية تعبر عن هذا الفكر الدوجماتي منها مثلاً «عبدالمنصف - عبدالعاطي - عبد الخير.. وما شابهها». فالبسطاء من الناس يتفاءلون بما تفيض به دلالات تلك الأسماء من معاني الإنصاف والعطاء والخير وماشاكلها.
في التحليل اللغوي لبعض الأسماء:
هناك مزالق لغوية غاية في الخطر تكمن في بعض الأسماء، نطقاً أو كتابةً ، مما يشيع من أسماء في بيئتنا العربية والإسلامية. فمن ذلك على سبيل المثال:
1- عبد اللاه:
أصل هذا الاسم «عبدالله» ومن قواعد النطق العربي، أن تُفخَّم لام لفظ الجلالة إذا سبقها ضم أو فتح فيقال، كان عبدُ الله، أو يقال: إن عبدَ الله - بتفخيم لفظ الجلالة في الحالتين.
أما إذا سبقها كسر، فيجب ترقيق اللام، فيقال من عبدِ الله، والنطق الشعبي لهذه الحالة الأخيرة - حالة الجر- أوقر في قلوب الجهلة من الناس أنه صحيح، فشاع بينهم هذا النطق -بالجر- وحولوه إلى اسم هكذا : عبد اللاه. ينطقونه بكسر الدال دون عامل من عوامل الجر، ويضيفون ألفا في كتابته تنحرف بمعنى اللفظ، وهذا لا يجوز شرعاً، لأن «لاهٍ» اسم فاعل من الفعل «لها»، يلهو = لعب، يلعب، ودخلت عليها أل التعريفية فصارت اللاهي. وحذفت ياؤه فلا يصح أن تكتب هكذا البتة، والصواب أن تظل كتابتها «عبد الله» حتى لو نطقت مرققة.
2- عبد العاطي:
الفعل «عَطَا» ومضارعه «يعطو» بمعنى أمال رأسه، أو مال رأسه، ومنه قول الشاعر «وهو من شواهد النحو العربي»:
وحيناً تُوافينَا بوجهٍ مُقسَّمٍ
كَأنْ ظبيَةٍ تَعطُو إلى وارفِ السَّلَمْ
أي تميل برأسها.
واسم الفاعل من هذا الفعل هو «العاطي» بمعنى المائل برأسه، وإنما يقصدون من وراء هذه التسمية الخاطئة معنى العطاء، وكان عليهم أن يدركوا أن العطاء - اسم مصدر- من الفعل: أعطى، يُعطي، إعطاءً، وعطاءً بمعنى وهب أو منح، واسم الفاعل منه «المعطي».
ومن الأسماء الشائعة أيضا:
2- عبد النبي
3- عبد الرسول
وفي هذين الاسمين أضيفت العبودية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو ما يتجافى عن المقصود الشرعي بالتسمية بالعبودية طبقاً لكلام القرطبي الذي أثبتناه في صدر هذه السطور، ولو كان في هذه التسمية - بعبودية النبي صلى الله عليه وآله وسلم - خير لما تركه سلفنا الصالح.
وقل مثل ذلك في «عبد السيد»
والله أعلم.