عزام
06-07-2008, 07:47 AM
محمد أبو رمان (http://www.alarabiya.net/authors.php?q=%D9%85%D8%AD%D9%85%D8 %AF+%D8%A3%D8%A8%D9%88+%D8%B1%D9%85 %D8%A7%D9%86)
صر المرشح الديمقراطي باراك أوباما قلوب ملايين العرب والمسلمين عندما أعلن مؤخراً - في خطاب له أمام لجنة الشؤون العامة الأميركية اليهودية (ايباك)- " أنّ القدس يجب أن تبقى عاصمة لإسرائيل غير مقسّمة"، وهو ما دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت إلى القول: "إنّ الخطاب مؤثر، وكلماته حول القدس مؤثرة جداً".
المفارقة المؤلمة أنّ هذا الخطاب جاء بعد ساعات قليلة على تكريس أوباما مرشّحاً عن الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية، بعد سباق طويل ومرهق مع هيلاري كلنتون، ليستعد الآن لمواجهة خصمه الجمهوري جون ماكين.
لكن أوباما الذي يحظى بتعاطف من قبل الشارع العربي والإسلامي عموماً، لم يكمل فرحة الجماهير العربية حتى أفاض في تعاطفه مع اسرائيل، وكأنّها دولة "تحت الاحتلال" لا "دولة احتلال".
شخصياً لم افاجأ بتصريح أوباما، استناداً لقراءاتي عنه، بل وكان من المتوقع أن "يزاود" على ماكين في ولائه وحبه لإسرائيل، وأن يقطع كل "قول" فيه غمز ولمز في قناة أصوله وخلفيته، والسنين التي قضاها في مدرسة إسلامية في أندونسيا، وأصبحت فيما بعد "عبئاً" على حملته الانتخابية!
هل يصلح القول بأنّ أوباما "من أول غزواته كسر عصاته"! أم أنّ تصريحه هذا لا يعدو أنه مجاراة لتقليد بدأه المرشحون السابقون بالدخول في "مزادات علنية" لإبراز تعاطفهم وتأييدهم للإسرائيليين في "حرم ايباك"، ثم تحكم قوانين السياسة الخارجية الأميركية على سلوك الجميع بعد وصولهم إلى البيت الأبيض؟!
لا أرى أهمية للسجال حول دافع أوباما لإطلاق هذا التصريح. فالموقف الشعبي العربي من أوباما يقوم على اسس عاطفية وعلى خلط كبير – كالعادة- بين "الواقع" و"الأمنيات" والتعلّق دوماً برموز وشخصيات وتحولات خارجية تقلب المعادلات وتغير مسار التاريخ، ونستفيد (نحن) منها دون عناء وتعب.
هي العقلية والنفسية العربية ذاتها التي يلخّصها دعاء خطباء المساجد "اللهم اهلك الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين". وهو – بالمناسبة- دعاء مشروع بالتوسل بالغيب والرعاية الإلهية، لكن بعد أن نكون قد ركبنا الأسباب العملية والواقعية واستنفدنا طاقتنا فيها، وبقي أن ننتظر العون من السماء.
ما يحدث عادة أنّ الشعوب والمجتمعات العربية، والعديد من المجتمعات المسلمة، تقف على رصيف التاريخ، بانتظار البطل والمخلص الذي يغير الحال ويبدل الأوضاع و"يملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً"، أو يحطم إسرائيل ويحرر الأقصى، كما فعل صلاح الدين في وجه الصليبيين، وكما انتفض قطز في وجه المغول.
وإذ لا زلنا في ذكرى النكبة والنكسة؛ فإنّ هذا "الأمل الخادع" هو الذي خدّر الشعوب العربية حيناً طويلاً من الدهر، وجعلها تلهث وراء عبدالناصر ثم صدام حسين، واليوم خلف أحمدي نجاد. ومع أنّ هنالك فروقا كبيرة بين هذه النماذج إلاّ أنّ المثال الشاهد أنّ الشعوب والمجتمعات العربية لا تزال تحلم بالقائد أو الزعيم المخلص.
بالعودة إلى أجندة أوباما، فبلا شك أنه يمثل نموذجاً مختلفاً عن حقبة الثماني سنوات للرئيس بوش، وأنّ هنالك إشارات على توجه جديد له نحو العراق وإيران وسورية، وأن انتخابه يمثل قيم الإيمان بالحرية والمساواة وتجاوز الفروق العرقية والبيولوجية، وأنه تجديد للحلم الأميركي، وربما يتمكن من استعادة شيء من صورة أميركا في الداخل والخارج (أو القوة الناعمة على حد تعبير جوزيف ناي) المهدورة تحت وطأة سياسات الرئيس بوش خلال السنوات السابقة.
لكن ذلك كله لا يعني تحولاً جذرياً في السياسة الخارجية الأميركية تجاه المنطقة، والتي تُحكم بمصالح وحسابات لا علاقة لها بمنظورات الشعوب والنخب العربية، وأي تغيير قادم سواء كان بالانفتاح على إيران أو التضييق عليها أو الانسحاب من العراق أو البقاء فيه، لن يكون تغييراً نوعياً بقدر ما يحمل مراجعات لحماية المصالح الأميركية، وفي كل الأحوال فإنّ إسرائيل ستبقى تنعم بدفء العم سام، مهما تبدل الزعماء والحكام في البيت الأبيض.
بالعودة لنا (نحن) هنا في المنطقة العربية؛ فإنّ ما نحتاجه أن نتعلّم الدرس الذي ما زلنا نرفض إلى الآن القبول به، رغم كل ما حملته العقود السابقة من انهيارات وكوارث. الدرس تحدّث عنه مالك بن نبي ومدرسته، وقبلهم ابن باديس ومحمد عبده وملخصه "إنّ الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
التغيير الحقيقي هو في أنفسنا وعوائدنا وقيمنا وأفكارنا، هو خروجنا من وهم "الرموز" والأساطير والبحث عن الأفكار والعمل والإنتاج والإنجاز، هو تفكيرنا بالتنمية والنهضة بدلاً من إهدار الأوقات في أمنيات وأوهام لا تجر علينا إلا خيبات تتلو خيبات!
هل لا يزال (قومنا) ينتظرون فوز أوباما لإحداث التغيير المطلوب أم أنّ التغيير يأتي من (الداخل)؟ يجيب عن هذا السؤال مالك بن نبي عندما يقول: إذا غابت الفكرة ظهر الوثن!
*نقلاً عن صحيفة "الغد" الاردنية
صر المرشح الديمقراطي باراك أوباما قلوب ملايين العرب والمسلمين عندما أعلن مؤخراً - في خطاب له أمام لجنة الشؤون العامة الأميركية اليهودية (ايباك)- " أنّ القدس يجب أن تبقى عاصمة لإسرائيل غير مقسّمة"، وهو ما دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت إلى القول: "إنّ الخطاب مؤثر، وكلماته حول القدس مؤثرة جداً".
المفارقة المؤلمة أنّ هذا الخطاب جاء بعد ساعات قليلة على تكريس أوباما مرشّحاً عن الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية، بعد سباق طويل ومرهق مع هيلاري كلنتون، ليستعد الآن لمواجهة خصمه الجمهوري جون ماكين.
لكن أوباما الذي يحظى بتعاطف من قبل الشارع العربي والإسلامي عموماً، لم يكمل فرحة الجماهير العربية حتى أفاض في تعاطفه مع اسرائيل، وكأنّها دولة "تحت الاحتلال" لا "دولة احتلال".
شخصياً لم افاجأ بتصريح أوباما، استناداً لقراءاتي عنه، بل وكان من المتوقع أن "يزاود" على ماكين في ولائه وحبه لإسرائيل، وأن يقطع كل "قول" فيه غمز ولمز في قناة أصوله وخلفيته، والسنين التي قضاها في مدرسة إسلامية في أندونسيا، وأصبحت فيما بعد "عبئاً" على حملته الانتخابية!
هل يصلح القول بأنّ أوباما "من أول غزواته كسر عصاته"! أم أنّ تصريحه هذا لا يعدو أنه مجاراة لتقليد بدأه المرشحون السابقون بالدخول في "مزادات علنية" لإبراز تعاطفهم وتأييدهم للإسرائيليين في "حرم ايباك"، ثم تحكم قوانين السياسة الخارجية الأميركية على سلوك الجميع بعد وصولهم إلى البيت الأبيض؟!
لا أرى أهمية للسجال حول دافع أوباما لإطلاق هذا التصريح. فالموقف الشعبي العربي من أوباما يقوم على اسس عاطفية وعلى خلط كبير – كالعادة- بين "الواقع" و"الأمنيات" والتعلّق دوماً برموز وشخصيات وتحولات خارجية تقلب المعادلات وتغير مسار التاريخ، ونستفيد (نحن) منها دون عناء وتعب.
هي العقلية والنفسية العربية ذاتها التي يلخّصها دعاء خطباء المساجد "اللهم اهلك الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين". وهو – بالمناسبة- دعاء مشروع بالتوسل بالغيب والرعاية الإلهية، لكن بعد أن نكون قد ركبنا الأسباب العملية والواقعية واستنفدنا طاقتنا فيها، وبقي أن ننتظر العون من السماء.
ما يحدث عادة أنّ الشعوب والمجتمعات العربية، والعديد من المجتمعات المسلمة، تقف على رصيف التاريخ، بانتظار البطل والمخلص الذي يغير الحال ويبدل الأوضاع و"يملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً"، أو يحطم إسرائيل ويحرر الأقصى، كما فعل صلاح الدين في وجه الصليبيين، وكما انتفض قطز في وجه المغول.
وإذ لا زلنا في ذكرى النكبة والنكسة؛ فإنّ هذا "الأمل الخادع" هو الذي خدّر الشعوب العربية حيناً طويلاً من الدهر، وجعلها تلهث وراء عبدالناصر ثم صدام حسين، واليوم خلف أحمدي نجاد. ومع أنّ هنالك فروقا كبيرة بين هذه النماذج إلاّ أنّ المثال الشاهد أنّ الشعوب والمجتمعات العربية لا تزال تحلم بالقائد أو الزعيم المخلص.
بالعودة إلى أجندة أوباما، فبلا شك أنه يمثل نموذجاً مختلفاً عن حقبة الثماني سنوات للرئيس بوش، وأنّ هنالك إشارات على توجه جديد له نحو العراق وإيران وسورية، وأن انتخابه يمثل قيم الإيمان بالحرية والمساواة وتجاوز الفروق العرقية والبيولوجية، وأنه تجديد للحلم الأميركي، وربما يتمكن من استعادة شيء من صورة أميركا في الداخل والخارج (أو القوة الناعمة على حد تعبير جوزيف ناي) المهدورة تحت وطأة سياسات الرئيس بوش خلال السنوات السابقة.
لكن ذلك كله لا يعني تحولاً جذرياً في السياسة الخارجية الأميركية تجاه المنطقة، والتي تُحكم بمصالح وحسابات لا علاقة لها بمنظورات الشعوب والنخب العربية، وأي تغيير قادم سواء كان بالانفتاح على إيران أو التضييق عليها أو الانسحاب من العراق أو البقاء فيه، لن يكون تغييراً نوعياً بقدر ما يحمل مراجعات لحماية المصالح الأميركية، وفي كل الأحوال فإنّ إسرائيل ستبقى تنعم بدفء العم سام، مهما تبدل الزعماء والحكام في البيت الأبيض.
بالعودة لنا (نحن) هنا في المنطقة العربية؛ فإنّ ما نحتاجه أن نتعلّم الدرس الذي ما زلنا نرفض إلى الآن القبول به، رغم كل ما حملته العقود السابقة من انهيارات وكوارث. الدرس تحدّث عنه مالك بن نبي ومدرسته، وقبلهم ابن باديس ومحمد عبده وملخصه "إنّ الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
التغيير الحقيقي هو في أنفسنا وعوائدنا وقيمنا وأفكارنا، هو خروجنا من وهم "الرموز" والأساطير والبحث عن الأفكار والعمل والإنتاج والإنجاز، هو تفكيرنا بالتنمية والنهضة بدلاً من إهدار الأوقات في أمنيات وأوهام لا تجر علينا إلا خيبات تتلو خيبات!
هل لا يزال (قومنا) ينتظرون فوز أوباما لإحداث التغيير المطلوب أم أنّ التغيير يأتي من (الداخل)؟ يجيب عن هذا السؤال مالك بن نبي عندما يقول: إذا غابت الفكرة ظهر الوثن!
*نقلاً عن صحيفة "الغد" الاردنية