مقاوم
05-26-2008, 08:28 AM
هل يمكن تكفير الحاكم المسلم؟
أمير أوغلو
هل يمكن تكفير الحاكم المسلم؟
نظريا الجواب؛ نعم، إذا ارتكب ما يسمى في الشرع كفرا بواحا ظاهرا للعيان أمام الناس.
أما عمليا فقد استطاعت المؤسسة الدينية حماية الحاكم المسلم وإحاطته بسياج من الفتاوى تجعل تكفيره أمرا مستحيلا بل على العكس تعكس جريمة تكفيره على من ينادي به وتجعله هو نفسه كافرا أو خارجا عن الطاعة يمكن للحاكم أن يستبيح دمه في مرحلة ما ونتيجة تصرف ما، أو على الأقل أن يسجنه بلا محاكمة أو تبرير لآماد طويلة يقاس فيها الزمن بعشرات السنوات وليس بالأيام والساعات. كما نجحت المؤسسة بجعل نقد الحاكم مساويا لقذفه وتكفيره، يستحق فاعله أقسى العقوبات التي يمكن تطبيقها.
إذا رجعنا إلى الحاكم المسلم، فيكفيه بنظر المؤسسة الدينية أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، بلسانه أو حتى بطريقة غير مباشرة بأن يقول أنا مؤمن أو أنا أشهد أو أي لفظ آخر يفهم منه معنى الشهادة عندها يدخل هذا الحاكم حصن الفتاوى ولا يمكن إخراجه منه أبدا، وقد حصل هذا فعلا في بعض بلاد المسلمين التي حكمها أناس ليسوا بمسلمين اكتفت منهم المؤسسة بإعلان إسلامهم.
كان الحاكم المسلم في زمن الخلافة الراشدة يصلي مثلا بالناس في جميع الأوقات حتى إن خليفتين من خلفاء المسلمين قتلا في الصلاة أو حين توجههما إليها!
أما الآن فلم يعد الزمن يسمح بهذا والحاكم يصلي بينه وبين الله تعالى ولا يطلع عليه أحد ولا يحتاج أن يصلي مرة واحدة إماما ليعرف الناس مثلا أنه يتقن أركان الصلاة أم لا ولا يحتاج حتى أن يصلي مرة واحدة مع الناس، ولو فعل فهذا أمر سهل؛ يقف خلف الإمام ويقوم بأداء نفس الحركات وينتهي الأمر! فهذا أمر بينه وبين ربه لا علاقة للشعب به ولا عجب إن كان لا يستطيع أن يتلو آية من كتاب الله دون خطأ فهو أصلا غير مطالب بتعلم القراءة ولا الكتابة فهذه شروط لم يشترطها الإسلام لدى الحاكم في عرف المؤسسة!
الصيام كذلك لا يمكن معرفة الصائم من غير الصائم إلا أن يفطر جهرا أمام الناس وهذا ما لا يفعله الحاكم الذكي طبعا ويمكنه طبعا أن يأتي إلى حفلات الإفطار مفطرا كان أم صائما، أو أن يقيم مثل هذه الحفلات ويدعو الناس إليها كما فعل بوش وغيره من حكام الغرب.
الزكاة لا وسيلة للإطلاع عليها لأن الحاكم أصلا لا يسأل عن أمواله ولا عن مصادرها ولا عن مصارفها، وليست هناك مؤسسات حكومية في عالمنا الإسلامي لمحاسبة الحاكم على دخله فلا عجب أن يصبح العسكري يمتلك المليارات ولا أن يمتلك الرقيب السابق أو الملازم في أحسن الأحوال بعد خمس سنوات مثلا أموالا لا تأكلها النيران ففي بلادنا يجوز كل شيء، والحاكم يستطيع حتى أن يأخذ ما يشاء من مال الدولة ويدفعها لمن يشاء ثم يقول للناس هذه زكاة أموالي.
الحج أمر شخصي أيضا وقد يحج الحاكم أو قد تشغله أمور الدولة وهي أهم، أو قد يحج سرا لأسباب أمنية المهم أننا لن نستطيع أن نحكم علي إيمانه لمجرد أنه حج أم لم يحج وهناك الكثيرون ممن ماتوا ولم نسمع أنهم حجوا والأمر متسع هنا والحج فرض على التراخي كما يقال.
ماذا بقي إذا من علامات الإسلام؟ وكيف يعرف المسلم من غير المسلم؟
هذا ما لا تجيب عنه المؤسسة طبعا ولا يهمها أصلا.
لو قلنا التبعية للغرب أو للكفار وموالاتهم، لقالوا؛ لك السياسة الشرعية ودرء المفاسد وجلب المصالح، والأخذ بأخف الضررين، ووحدة الأمة، وإحباط مخططات العدو... إلى ما هنالك من إجابات جاهزة.
ولو قلنا تضييع الأراضي والبلاد وتسليمها للعدو، لقالوا؛ ولكن المهم الحفاظ على الحكم لأن الأرض تعوض أما الحاكم فلا يعوض.
ولو قلنا الإستعانة بالأجنبي وإدخال جيوشه إلى أراضينا، لقالوا؛ لقد استعان الرسول صلى الله عليه وسلم بالمشركين.
ولو قلنا شراء السلاح من العدو وعدم تصنيعه وعدم خلق الكفاءات المناسبة لهذا العمل، لقالوا؛ لقد اشترى فلان من قادة المسلمين السلاح من أحد أعداء المسلمين.
ولو قلنا السكوت على ضياع بلاد الإسلام بلدا بلدا وعدم النهوض لتحريرها فعلا، لقالوا؛ نحن نستعد ولا يجوز لنا دفع الناس إلى الهلاك والأمر يتطلب وقتا واستعدادا وتجهيزا والعدو قوي، علما بأن منهم من يستعد منذ مائتي سنة ومنهم من يستعد منذ خمسين سنة وأقلهم استعدادا بدأ منذ عشرين سنة ولم ينته بعد.
ولو قلنا عدم قتال المسلمين، لجاؤوا لك بكل الأدلة الشرعية المستمدة من قتال الصحابة لبعضهم البعض زمن الفتنة، ويلاحظ هنا أن حجة الإستعداد تنتفي تماما وتصبح الجيوش فجأة على أتم الجاهزية لقتال بعضها البعض.
أما لو قلنا العدل وهو اساس الملك، لقالوا؛ هذا قول ليس بحديث ولا آية وهو رأي له ما يخالفه ولا يلزمنا كما أن العدل نسبي فمن يرمي مخالفيه في السجون حتى يخرجوا منها إلى المقابر قد يكون عادلا في حكمه عليهم، ومن يذيب معارضيه في الأحماض الكيمياوية قد يكون أيضا عادلا رحيما بهم، ومن يكتم أنفاس الناس قد ينطلق من منطلق الرحمة والعدل بينهم حتى يتساووا في السكوت بدل أن يختلفوا في الكلام.... وهكذا.
وإذا وصلنا إلى التوزيع العادل للثروات، قالوا؛ المال في الأصل مال الحاكم يوزعه بالعدل والسوية ولكنه يحتاج إلى ما لا يحتاج إليه المواطن العادي فهو يستقبل الملوك والرؤساء ويجب أن تكون له هيبة خاصة، كما أن وزرائه وعماله يجب أن يكرموا وأن يعيشوا حياة مرفهة لا تشغلهم مطالبها عن الحكم والسياسة والتفرغ لأمور العباد، ناسين أن أكثر الناس سرقة لأموال الشعوب هم المسؤولون الذين لديهم أعلى الرواتب والمنح والذين لم يعد يشبع طمعهم مال قارون.
ومن يريد المزيد في هذا المجال فليطلع على تقرير معهد البنك الدولي عن الفساد في العالم، وليراجع ما قاله السيد إبراهيم قويدر المدير العام لمنظمة العمل العربي في برنامج "بلا حدود" الذي بثته "قناة الجزيرة" في حلقة يوم [31/12/2004].
وإذا قلنا لهم التحضر والتنمية ورفع مستوى الشعب والثقافة والحضارة، لقالوا؛ ألا ترى إلى الأبنية والعمارات الفخمة والمحلات التجارية الرائعة والأسواق التي تحوي ما تشتهيه الأنفس وتلذ به الأعين، ألا ترى فرقنا الرياضية وقنواتنا الغنائية وأفلامنا العالمية؟ ولا تنس المساجد التي أصبحت عمارتها دليلا على إيمان الحاكم، ناسين أو متناسين أن الله تعالى رد عليهم منذ خمسة عشر قرنا بقوله : {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر...}.
الخلاصة إذا:
الحاكم المسلم مسلم شئنا أم أبينا، وعلينا السمع والطاعة شئنا أم أبينا، طالما أن المؤسسة الدينية وراءه تفتي له بكل ما يلزم لبقائه، والتجديد لن يأتي إلا بالقدر الذي يسمح به الحاكم أو يرتضيه، والحاكم باق فوق صدورنا كاتم لأنفاسنا إلى أن يأتي أمر الله.
ولا حجة لنا في القيام عليه ولا دخل للدين في تصرفاته فهي مبررة من أولها إلى آخرها، وسنبقى في آخر الركب بين بني البشر، ومن يعول على المؤسسة الدينية في التغيير فهو في ظلمات ثلاث، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أمير أوغلو
هل يمكن تكفير الحاكم المسلم؟
نظريا الجواب؛ نعم، إذا ارتكب ما يسمى في الشرع كفرا بواحا ظاهرا للعيان أمام الناس.
أما عمليا فقد استطاعت المؤسسة الدينية حماية الحاكم المسلم وإحاطته بسياج من الفتاوى تجعل تكفيره أمرا مستحيلا بل على العكس تعكس جريمة تكفيره على من ينادي به وتجعله هو نفسه كافرا أو خارجا عن الطاعة يمكن للحاكم أن يستبيح دمه في مرحلة ما ونتيجة تصرف ما، أو على الأقل أن يسجنه بلا محاكمة أو تبرير لآماد طويلة يقاس فيها الزمن بعشرات السنوات وليس بالأيام والساعات. كما نجحت المؤسسة بجعل نقد الحاكم مساويا لقذفه وتكفيره، يستحق فاعله أقسى العقوبات التي يمكن تطبيقها.
إذا رجعنا إلى الحاكم المسلم، فيكفيه بنظر المؤسسة الدينية أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، بلسانه أو حتى بطريقة غير مباشرة بأن يقول أنا مؤمن أو أنا أشهد أو أي لفظ آخر يفهم منه معنى الشهادة عندها يدخل هذا الحاكم حصن الفتاوى ولا يمكن إخراجه منه أبدا، وقد حصل هذا فعلا في بعض بلاد المسلمين التي حكمها أناس ليسوا بمسلمين اكتفت منهم المؤسسة بإعلان إسلامهم.
كان الحاكم المسلم في زمن الخلافة الراشدة يصلي مثلا بالناس في جميع الأوقات حتى إن خليفتين من خلفاء المسلمين قتلا في الصلاة أو حين توجههما إليها!
أما الآن فلم يعد الزمن يسمح بهذا والحاكم يصلي بينه وبين الله تعالى ولا يطلع عليه أحد ولا يحتاج أن يصلي مرة واحدة إماما ليعرف الناس مثلا أنه يتقن أركان الصلاة أم لا ولا يحتاج حتى أن يصلي مرة واحدة مع الناس، ولو فعل فهذا أمر سهل؛ يقف خلف الإمام ويقوم بأداء نفس الحركات وينتهي الأمر! فهذا أمر بينه وبين ربه لا علاقة للشعب به ولا عجب إن كان لا يستطيع أن يتلو آية من كتاب الله دون خطأ فهو أصلا غير مطالب بتعلم القراءة ولا الكتابة فهذه شروط لم يشترطها الإسلام لدى الحاكم في عرف المؤسسة!
الصيام كذلك لا يمكن معرفة الصائم من غير الصائم إلا أن يفطر جهرا أمام الناس وهذا ما لا يفعله الحاكم الذكي طبعا ويمكنه طبعا أن يأتي إلى حفلات الإفطار مفطرا كان أم صائما، أو أن يقيم مثل هذه الحفلات ويدعو الناس إليها كما فعل بوش وغيره من حكام الغرب.
الزكاة لا وسيلة للإطلاع عليها لأن الحاكم أصلا لا يسأل عن أمواله ولا عن مصادرها ولا عن مصارفها، وليست هناك مؤسسات حكومية في عالمنا الإسلامي لمحاسبة الحاكم على دخله فلا عجب أن يصبح العسكري يمتلك المليارات ولا أن يمتلك الرقيب السابق أو الملازم في أحسن الأحوال بعد خمس سنوات مثلا أموالا لا تأكلها النيران ففي بلادنا يجوز كل شيء، والحاكم يستطيع حتى أن يأخذ ما يشاء من مال الدولة ويدفعها لمن يشاء ثم يقول للناس هذه زكاة أموالي.
الحج أمر شخصي أيضا وقد يحج الحاكم أو قد تشغله أمور الدولة وهي أهم، أو قد يحج سرا لأسباب أمنية المهم أننا لن نستطيع أن نحكم علي إيمانه لمجرد أنه حج أم لم يحج وهناك الكثيرون ممن ماتوا ولم نسمع أنهم حجوا والأمر متسع هنا والحج فرض على التراخي كما يقال.
ماذا بقي إذا من علامات الإسلام؟ وكيف يعرف المسلم من غير المسلم؟
هذا ما لا تجيب عنه المؤسسة طبعا ولا يهمها أصلا.
لو قلنا التبعية للغرب أو للكفار وموالاتهم، لقالوا؛ لك السياسة الشرعية ودرء المفاسد وجلب المصالح، والأخذ بأخف الضررين، ووحدة الأمة، وإحباط مخططات العدو... إلى ما هنالك من إجابات جاهزة.
ولو قلنا تضييع الأراضي والبلاد وتسليمها للعدو، لقالوا؛ ولكن المهم الحفاظ على الحكم لأن الأرض تعوض أما الحاكم فلا يعوض.
ولو قلنا الإستعانة بالأجنبي وإدخال جيوشه إلى أراضينا، لقالوا؛ لقد استعان الرسول صلى الله عليه وسلم بالمشركين.
ولو قلنا شراء السلاح من العدو وعدم تصنيعه وعدم خلق الكفاءات المناسبة لهذا العمل، لقالوا؛ لقد اشترى فلان من قادة المسلمين السلاح من أحد أعداء المسلمين.
ولو قلنا السكوت على ضياع بلاد الإسلام بلدا بلدا وعدم النهوض لتحريرها فعلا، لقالوا؛ نحن نستعد ولا يجوز لنا دفع الناس إلى الهلاك والأمر يتطلب وقتا واستعدادا وتجهيزا والعدو قوي، علما بأن منهم من يستعد منذ مائتي سنة ومنهم من يستعد منذ خمسين سنة وأقلهم استعدادا بدأ منذ عشرين سنة ولم ينته بعد.
ولو قلنا عدم قتال المسلمين، لجاؤوا لك بكل الأدلة الشرعية المستمدة من قتال الصحابة لبعضهم البعض زمن الفتنة، ويلاحظ هنا أن حجة الإستعداد تنتفي تماما وتصبح الجيوش فجأة على أتم الجاهزية لقتال بعضها البعض.
أما لو قلنا العدل وهو اساس الملك، لقالوا؛ هذا قول ليس بحديث ولا آية وهو رأي له ما يخالفه ولا يلزمنا كما أن العدل نسبي فمن يرمي مخالفيه في السجون حتى يخرجوا منها إلى المقابر قد يكون عادلا في حكمه عليهم، ومن يذيب معارضيه في الأحماض الكيمياوية قد يكون أيضا عادلا رحيما بهم، ومن يكتم أنفاس الناس قد ينطلق من منطلق الرحمة والعدل بينهم حتى يتساووا في السكوت بدل أن يختلفوا في الكلام.... وهكذا.
وإذا وصلنا إلى التوزيع العادل للثروات، قالوا؛ المال في الأصل مال الحاكم يوزعه بالعدل والسوية ولكنه يحتاج إلى ما لا يحتاج إليه المواطن العادي فهو يستقبل الملوك والرؤساء ويجب أن تكون له هيبة خاصة، كما أن وزرائه وعماله يجب أن يكرموا وأن يعيشوا حياة مرفهة لا تشغلهم مطالبها عن الحكم والسياسة والتفرغ لأمور العباد، ناسين أن أكثر الناس سرقة لأموال الشعوب هم المسؤولون الذين لديهم أعلى الرواتب والمنح والذين لم يعد يشبع طمعهم مال قارون.
ومن يريد المزيد في هذا المجال فليطلع على تقرير معهد البنك الدولي عن الفساد في العالم، وليراجع ما قاله السيد إبراهيم قويدر المدير العام لمنظمة العمل العربي في برنامج "بلا حدود" الذي بثته "قناة الجزيرة" في حلقة يوم [31/12/2004].
وإذا قلنا لهم التحضر والتنمية ورفع مستوى الشعب والثقافة والحضارة، لقالوا؛ ألا ترى إلى الأبنية والعمارات الفخمة والمحلات التجارية الرائعة والأسواق التي تحوي ما تشتهيه الأنفس وتلذ به الأعين، ألا ترى فرقنا الرياضية وقنواتنا الغنائية وأفلامنا العالمية؟ ولا تنس المساجد التي أصبحت عمارتها دليلا على إيمان الحاكم، ناسين أو متناسين أن الله تعالى رد عليهم منذ خمسة عشر قرنا بقوله : {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر...}.
الخلاصة إذا:
الحاكم المسلم مسلم شئنا أم أبينا، وعلينا السمع والطاعة شئنا أم أبينا، طالما أن المؤسسة الدينية وراءه تفتي له بكل ما يلزم لبقائه، والتجديد لن يأتي إلا بالقدر الذي يسمح به الحاكم أو يرتضيه، والحاكم باق فوق صدورنا كاتم لأنفاسنا إلى أن يأتي أمر الله.
ولا حجة لنا في القيام عليه ولا دخل للدين في تصرفاته فهي مبررة من أولها إلى آخرها، وسنبقى في آخر الركب بين بني البشر، ومن يعول على المؤسسة الدينية في التغيير فهو في ظلمات ثلاث، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.