مقاوم
05-12-2008, 02:38 PM
وصلني للتو:
ماذا يجري في لبنان؟
مقدّمة تاريخية
انتهت ولاية الرئيس أميل لحود رئيس الجمهورية اللبنانية في 23/9/2004. لكن مجلس النواب الواقع تحت النفوذ السوري مدّد ولاية الرئيس لحود ثلاث سنوات رغم معارضة كثيرين ممّن كانوا معروفين بولائهم للنظام السوري، وكان في طليعة هؤلاء الرئيس رفيق الحريري، وكان يومذاك رئيساً للحكومة، وقد صرَّح علناً أنه (يكسر يده ولا يوقّع مرسوم التمديد للرئيس لحود) لكنّه عندما تبلّغ الموقف السوري وقّع المرسوم، وقال: لا أريد أن ينكسر القرار السوري في لبنان. وتمّ التمديد ثلاث سنوات تنتهي في 23/9/2007.
اغتيل الرئيس رفيق الحريري يوم 14/2/2005 (بعد حوالي أربعة أشهر من التمديد) وتوجّه الاتهام الى سوريا بشكل عفوي لأنّ النظام الأمني المسيطر الاتهام لاسد ووافق على لبنان في ذلك الحين كان معروفاً بدقّته وصرامته وإحاطته، ولا يعقل أن تحدث مثل هذه الجريمة التي تحتاج إلى شبكة كبيرة من المتعاملين، دون ان يكون فاعلاً أو مشاركاً أو متستراً على أقلّ تقدير.
وطلبت الحكومة اللبنانية تحقيقاً دولياً لكشف الفاعلين، ثمّ طلبت إنشاء محكمة دولية لمحاكمتهم، رغم اعتراض سورية على ذلك، خوفاً من تسييس المحاكمة واتهام النظام السوري بالوقوف وراء ها. وأقدم وزراء حزب الله وحركة أمل على الانسحاب من الحكومة احتجاجاً على صدور القرار بدون موافقتهم، وعندما وقع العدوان الصهيوني في تموز 2006 ظهرت وحدة الشعب اللبناني بجميع شرائحه حول المقاومة، وظهر التنسيق الكامل بين الحكومة والمقاومة. لكن بعد صدّ العدوان عاد الصراع الداخلي للظهور، وبدأت حملة إعلامية وسياسية عنيفة تتّهم الحكومة والأكثرية النيابية أنها كانت متآمرة مع العدو الصهيوني وخاضعة للقرار الأمريكي، بينما كان معروفاً أنّ الحكومة لم تتصرّف إلاّ بموافقة المقاومة، وأنّ قرار قبول وقف إطلاق النار ومجيء القوات الدولية إلى الجنوب تمّ بموافقة حزب الله وحركة أمل،وذلك في مؤتمر صحفي مشترك عقده الرئيسان بري والسنيورة.
بدأ الاصطفاف السياسي والتصعيد الإعلامي المتبادل بين الطرفين:
أ- الأكثرية النيابية وهي تضمّ تيار المستقبل أساساً ومعهم وليد جنبلاط وسمير جعجع وكثير من القوى السياسية والزعامات المختلفة.
ب- المعارضة التي تضمّ حزب الله وحركة أمل أساساً، وانضمّ إليها التيار الوطني الحرّ برئاسة العماد ميشال عون، الذي كان من أشدّ الناس مطالبة بنزع سلاح المقاومة عندما كان منفياً في باريس، وهو الذي طالب بمعاقبة سوريا واخراجها من لبنان، لكنّه يريد اليوم إسقاط الحكومة لأهداف شخصية بحتة، ورأى في تحالفه مع المعارضة ما يساعده على تحقيق هدفه في الوصول إلى رئاسة الجمهورية، وفي استرجاع بعض صلاحيات الرئاسة التي انتقلت بموجب اتفاق الطائف إلى مجلس الوزراء. وانضمّ إلى المعارضة بعض الزعماء التقليديين من السنّة الذين هُمّشوا، أو هم معرّضون للتهميش من قبل تيار المستقبل الذي حصد أكثر المقاعد النيابية وتلقى تعاطفاً كبيراً نتيجة مظلوميته باغتيال مؤسسه الرئيس رفيق الحريري، ونتيجة الغضب العارم ضدّ الأجهزة الأمنية عندما كانت سوريا صاحبة القرار في لبنان.
تكرّس الانقسام السياسي في لبنان بين هذين التيارين على خلفية مطالب المعارضة وأهدافها المعلنة، وتمحور هذا الانقسام حول مسألتين أساسيتين:
الأولى: المطالبة بنزع سلاح المقاومة، و حزب الله يتّهم الحكومة وقوى الأكثرية بالتواطؤ مع المشروع الصهيوني الأمريكي، من أجل تنفيذ القرار الدولي المتعلّق بنزع سلاح المقاومة، ممّا أدى إلى انعدام الثقة بين الطرفين بشكل كامل، وإلى تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية، وإقفال المجلس النيابي، بحجّة أنّ الحكومة التي ينبغي أن تمثل أمامه غير دستورية، وهو مبرّر غير مقبول، إذ أنّ المجلس وحده صاحب الحقّ في إقالة الحكومة إذا كانت غير دستورية، لكن رئيس المجلس يتعسّف باستعمال سلطته، ويتجاوز صلاحية المجلس بشكل واضح.
الثانية: هي الرغبة بتعديل اتفاق الطائف لإعادة صلاحيات الرئاسة كما كانت، ومن المعلوم أنّ هذه الصلاحيات التي تجعل رئيس الجمهورية صاحب القرار الأول في الدولة، مع أنه غير مسؤول تجاه أحد، وكانت هذه الاشكالية من أسباب الحرب الأهلية السابقة (1975/1990)، وقد أعلن العماد عون، ومعه سليمان فرنجية الركن المسيحي الثاني في المعارضة، وطالبا بتعديل اتفاق الطائف لهذه الجهة.
في المقابل يتسرّب من أركان الشيعة (حزب الله وأمل) وحتى من بعض المسؤولين الإيرانيين رغبتهم في تعديل اتفاق الطائف لإعطائهم حصّة أكبر في الدولة، و أنّهم يطالبون بالمثالثة، بمعنى أن يكون للشيعة الثلث، وللسنّة مع الدروز الثلث، وللمسيحيين الثلث. بينما المعمول به حسب اتفاق الطائف هو المناصفة بين مجموع المسلمين و المسيحيين، ومن المؤكّد أنّ عدد الشيعة لا يزيد عن عدد السنّة حسب آخر الإحصاءات غير الرسمية.
كلّ خلاف في لبنان يتطيّف أو يتمذهب بسرعة:
إنّ طبيعة التركيبة الديموغرافية في لبنان، وطبيعة النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية والمذهبية، تجعل أي خلاف في لبنان، سواء كان إدارياً أو اقتصادياً أو رياضياً أو فنياً، يتحوّل بسرعة إلى خلاف طائفي أو مذهبي، ومن باب أولى عندما يكون الخلاف سياسياً، و يتناول قضايا أساسية ً تتعلّق بهوية لبنان، أو نظامه السياسي، أو موقفه من الصراع ضدّ العدو الصهيوني. والمؤسف أنّ التموضع الطائفي في الصراع السياسي الحالي جاء مخالفاً للوضع الطبيعي، ومضراً بالمقاومة، وذلك بسبب المواقف الحادّة التي أعلنها حزب الله ضدّ الحكومة والأكثرية النيابية، حتى ولو ظهرت بعض الممارسات التي تبرّرها، فإنّ اتهام الحكومة والأكثرية بالعمالة لإسرائيل وأمريكا، لم يقنع جمهور المسلمين السنّة، وشعروا أنّ فيه الكثير من التجني، وتحرّكت الخلفيات المذهبية فأعطت لهذا الخلاف السياسي بعداً أوسع، وكانت النتيجة أن خسرت المقاومة جزءاً كبيراً من رصيدها الشعبي، عندما دخلت في صراع مع أهل بيروت، وبالتحديد مع أهل السنّة منهم، ولم يكن مقنعاً للناس أنّ المقاومة استخدمت سلاحها في الداخل من أجل حماية هذا السلاح، فقد كان ممكناً تحقيق هذا الهدف بوسائل أخرى، كما أنّ مشاركة أطراف من المعارضة ليست جزء من المقاومة، وقد استعملت سلاحها تحت غطاء المقاومة ولإخضاع خصومها السياسيين، أعطت المعركة بعداً سياسياً آخر.
كانت المقاومة تفتقد تأييد جمهور أهل السنّة لمطالبها السياسية المحلية، رغم أنهم كانوا دائماً طليعة المقاومة أو جزء منها، ويتبنونها بالكامل في مواجهة العدو الصهيوني. أما الآن، وفي ضوء ما حدث، فإننا نخشى أن تخسر المقاومة تأييدهم حتى في مجال الصراع ضدّ العدو الصهيوني، هذا ما سعى العدو له باستمرار وفشل، لكنه قد يصبح حقيقة واقعة إذا استمرّ الوجود المسلّح للمقاومة في بيروت.
الأحداث الأخيرة:
أصدرت الحكومة قرارين كانا سبب اندلاع المواجهات:
الأول: إقالة العميد وفيق شقير من وظيفته الحالية (رئيس جهاز أمن المطار) وإعادته إلى وضعه الأصلي كضابط في الجيش. جاء هذا القرار على خلفية اكتشاف كاميرا مراقبة تتجسّس على الطائرات القادمة والمسافرة على المدرج رقم 17، الذي يستقبل عادة الطائرات الخاصة، واتهامه بالتقصير في عدم الإبلاغ عنها. ورغم أنه قد مضى على تكليفه بهذه المهمّة أكثر من عشر سنوات، وهو على علاقة طيبة مع جميع القيادات اللبنانية بما فيها قيادات الرابع عشر من آذار.
الثاني: هو اعتبار شبكة الاتصالات الهاتفية السلكية الخاصّة بالمقاومة غير شرعية، وملاحقة كلّ من يتعامل معها ملاحقة جزائية، وذلك على خلفية أنّ الكابلات العائدة لهذه الشبكة تتّسع لمائة ألف خطّ هاتفي، بينما حاجات المقاومة لا تبلغ هذا العدد. أي أنّ الحكومة لا تعترض على اصل وجود الشبكة، لكنها تعترض على تمددها أكثر من حاجتها، ومع ذلك فقد جاء قرارها ينزع المشروعية من أصلها.
يتّضح من القرارين عدم وجود أي مبرر معقول. ومما يزيد الشكوك في خلفية هذين القرارين أنّ رد الفعل المحتمل من قبل المقاومة كان منتظراً، ومع ذلك فقد تمّ اتخاذ القرارين مما يوحي بأنّ الحكومة وقعت في الفخّ المنصوب لها وللمقاومة ولبنان.
ردّ فعل حزب الله:
طلب السيد حسن نصر الله في كلمة متلفزة وشديدة اللهجة تراجع الحكومة عن هذين القرارين، وإلاّ فقد بدأت مرحلة جديدة، لكن الحزب لم ينتظر، وبدأ اجتياح بيروت بعد الكلمة مباشرة، فدخل مقاتلو المقاومة من حزب الله، و معهم مقاتلون من حركة أمل و الحزب القومي السوري، وربما من فئات أخرى، وحصلت تعديات وتجاوزات، بالإضافة إلى اعتقال وتصفية بعض الشباب، وتدمير وحرق الكثير من المنازل والمحلات التجارية والمكاتب، رغم انّه لم تقم أمامهم مقاومة منظّمة. وكانوا يستهدفون مكاتب تيار المستقبل، لكن سعد الحريري أصدر أوامره بعدم القتال، وتسليم مكاتب المستقبل للجيش، ومع ذلك فقد استمرّت التجاوزات ، وكان أخطرها الاعتداء على منزل مفتي الجمهورية، أما دار الفتوى فقد تولت جمايتها مجموعة من شباب الجماعة بالتنسيق مع قيادة الحزب ضمن مربّع صغير يضمّ مركز الجماعة أيضاً، وذلك إلى أن استلمها الجيش وتولى حمايتها. كما كان من اخطر التجاوزات إغلاق كلّ وسائل الإعلام التابعة لتيار المستقبل واحراق بعضها. ثمّ انتقلت المواجهات إلى مناطق لبنانية أخرى، وأخذت منحى مذهبياً بشعاً، بالإضافة إلى تحوّل الخلافات بين الأحزاب إلى اقتتال في الشوارع.
لقد أرادت المقاومة إلغاء القرارين المذكورين، أو أرادت رفع العصا الغليظة ضدّ الحكومة، لكنها في النهاية وقعت هي أيضاً في الفخّ المنصوب لها، واستعملت سلاحها في الداخل اللبناني رغم تكرار إعلانها سابقاً أنّ سلاحها لن يستخدم إلاّ ضدّ العدو الصهيوني، وحولت الخلاف السياسي إلى صراع عسكري، وتبيّن للنّاس أنها لا تحتمل الرأي الآخر، وعلى الجميع أن يكونوا تابعين لها في كلّ شيء طالما أنها تحمل لواء المقاومة. لقد كان ابتهاج إسرائيل بوقوع المقاومة في هذا الفخّ أكبر من ابتهاجها بانقضاء ستين عاماً على إنشاء دولتها العدوانية.
آفاق المستقبل:
يظهر أنّ حزب الله لا ينوي التراجع، وهو الآن- مع قوى المعارضة- يطالب الناس بتسليم أسلحتهم له، وإلاّ فللجيش اللبناني، وإذا رفضوا بدأ حملته العسكرية، هذا ما جرى في قضاء الشوف وقد يقع مثله في بلدات إقليم الخروب السني، خلال أيام وربما ساعات إذا لم يتدارك العقلاء هذه المخاطر.
هذا الواقع بالإضافة إلى ما جرى أثناء اجتياح بيروت أثار غضب وحمية المسلمين في كلّ المناطق، وبدأت عمليات الانتقام تجري في الشمال والبقاع، وبدأت تظهر الحواجز المذهبية التي تسأل الناس عن مذهبهم وتحاسبهم بناءً عليه، وإذا لم يوجد حلّ لهذا الأمر الخطير فإنّ الكرة ستتدحرج بشكل سريع جداً، ويعود لبنان إلى حرب أهلية ستكون أشدّ مرارة وإيلاماً من الحرب السابقة لأنها مذهبية، ومن أخطر ما فيها أنها ستنهي دور المقاومة ضدّ إسرائيل، وستشغلها باستمرار المناوشات الداخلية التي لا تنتهي.
معالم الحلّ:
نعتقد أنّ جميع المحاولات لحلّ الأزمة ستبوء بالفشل، سواء كانت عربية أو دولية، واستمرار الفشل خلال سنتين أو اكثر دليل قاطع على ذلك. واستمرار الخلافات العربية يؤدي إلى استمرار العجز عن معالجة قضايا الأمّة ومنها لبنان. أما المدمرات الأمريكية والغربية في البحر المتوسط، فلن تكون أكثر من عملية استعراضية هدفها تأجيج نار الفتنة لا إخمادها. ليس أمامنا إلاّ الحلّ اللبناني، وهو لا يمكن أن يتمّ إلاّ بمبادرة جريئة من حزب الله يعلن فيها إنهاء العملية العسكرية، والعودة إلى الحوار السياسي، خاصّة وقد زالت مبرراتها، وتمّ عملياً إلغاء القرارين المذكورين، وسيصدر الالغاء الرسمي هذا اليوم. وأصبح الجميع اليوم حريصاً على استئناف الحوار. هذا الحلّ ينقذ لبنان كلّه، وينقذ المقاومة بالذات. وكلّ تأخير يعمّق الجراح ويمدد الفتنة ويزيد الصعوبات والتعقيدات. لكن هل يمكن ذلك قبل إنهاء العملية العسكرية؟ إن أكثر ما يؤلمنا هو مصير المقاومة باعتبارنا جزء منها، وهي رمز عزّة هذه الأمّة، وأملها في المستقبل. كذلك فان شعار الوحدة الاسلامية التي عملنا طويلاً في سبيلها مع الأخوة في الحزب تلقى صدمة قاتلة. لقد أصبحت المقاومة في خدمة مشاريع داخلية مذهبية أو سياسية، خسرت جمهورها العريض وخاصّة من المسلمين السنّة، ودخلت في حرب مع جزء من شعبها.قد تستطيع أن تحسمها عسكرياً لكن ماذا بعد؟ هل تستطيع القول إنها في شوارع بيروت تقاوم دفاعاً عن الأمّة وعن الدين؟ إنّ الجرح العميق الذي أصاب الوحدة الإسلامية في الصميم، وأصاب المقاومة في أعزّ ما عندها، وهو ثقة شعبها بها، يجب أن يعالج، والعلاج الوحيد في رأينا هو خروج حزب الله من هذه المعركة.
إننا نرفع صوتنا لإخواننا أهل الرأي في لبنان، وفي العالمين العربي والإسلامي، ومن الملوك والرؤساء والأمراء والزعماء والعلماء وقادة الحركات الإسلامية والأحزاب السياسية ونقول: أعينونا لنستطيع تجاوز الجراح، والترفّع عن حروب الأزمة بين الإخوة، وإعادة توحيد الأمّة في معركتها الأساسية ضدّ المشروع الصهيوني الأمريكي، حرصاً على لبنان، وعلى الوحدة الإسلامية، وعلى المقاومة، وإلاّ فكلّنا مهزوم، وإسرائيل وحدها المنتصرة.
بيروت في 2 جمادى الأولى 1429هـ.
الموافق 7/5/2008م.
الجماعة الإسلامية في لبنان
المكتب الإعلامي
ماذا يجري في لبنان؟
مقدّمة تاريخية
انتهت ولاية الرئيس أميل لحود رئيس الجمهورية اللبنانية في 23/9/2004. لكن مجلس النواب الواقع تحت النفوذ السوري مدّد ولاية الرئيس لحود ثلاث سنوات رغم معارضة كثيرين ممّن كانوا معروفين بولائهم للنظام السوري، وكان في طليعة هؤلاء الرئيس رفيق الحريري، وكان يومذاك رئيساً للحكومة، وقد صرَّح علناً أنه (يكسر يده ولا يوقّع مرسوم التمديد للرئيس لحود) لكنّه عندما تبلّغ الموقف السوري وقّع المرسوم، وقال: لا أريد أن ينكسر القرار السوري في لبنان. وتمّ التمديد ثلاث سنوات تنتهي في 23/9/2007.
اغتيل الرئيس رفيق الحريري يوم 14/2/2005 (بعد حوالي أربعة أشهر من التمديد) وتوجّه الاتهام الى سوريا بشكل عفوي لأنّ النظام الأمني المسيطر الاتهام لاسد ووافق على لبنان في ذلك الحين كان معروفاً بدقّته وصرامته وإحاطته، ولا يعقل أن تحدث مثل هذه الجريمة التي تحتاج إلى شبكة كبيرة من المتعاملين، دون ان يكون فاعلاً أو مشاركاً أو متستراً على أقلّ تقدير.
وطلبت الحكومة اللبنانية تحقيقاً دولياً لكشف الفاعلين، ثمّ طلبت إنشاء محكمة دولية لمحاكمتهم، رغم اعتراض سورية على ذلك، خوفاً من تسييس المحاكمة واتهام النظام السوري بالوقوف وراء ها. وأقدم وزراء حزب الله وحركة أمل على الانسحاب من الحكومة احتجاجاً على صدور القرار بدون موافقتهم، وعندما وقع العدوان الصهيوني في تموز 2006 ظهرت وحدة الشعب اللبناني بجميع شرائحه حول المقاومة، وظهر التنسيق الكامل بين الحكومة والمقاومة. لكن بعد صدّ العدوان عاد الصراع الداخلي للظهور، وبدأت حملة إعلامية وسياسية عنيفة تتّهم الحكومة والأكثرية النيابية أنها كانت متآمرة مع العدو الصهيوني وخاضعة للقرار الأمريكي، بينما كان معروفاً أنّ الحكومة لم تتصرّف إلاّ بموافقة المقاومة، وأنّ قرار قبول وقف إطلاق النار ومجيء القوات الدولية إلى الجنوب تمّ بموافقة حزب الله وحركة أمل،وذلك في مؤتمر صحفي مشترك عقده الرئيسان بري والسنيورة.
بدأ الاصطفاف السياسي والتصعيد الإعلامي المتبادل بين الطرفين:
أ- الأكثرية النيابية وهي تضمّ تيار المستقبل أساساً ومعهم وليد جنبلاط وسمير جعجع وكثير من القوى السياسية والزعامات المختلفة.
ب- المعارضة التي تضمّ حزب الله وحركة أمل أساساً، وانضمّ إليها التيار الوطني الحرّ برئاسة العماد ميشال عون، الذي كان من أشدّ الناس مطالبة بنزع سلاح المقاومة عندما كان منفياً في باريس، وهو الذي طالب بمعاقبة سوريا واخراجها من لبنان، لكنّه يريد اليوم إسقاط الحكومة لأهداف شخصية بحتة، ورأى في تحالفه مع المعارضة ما يساعده على تحقيق هدفه في الوصول إلى رئاسة الجمهورية، وفي استرجاع بعض صلاحيات الرئاسة التي انتقلت بموجب اتفاق الطائف إلى مجلس الوزراء. وانضمّ إلى المعارضة بعض الزعماء التقليديين من السنّة الذين هُمّشوا، أو هم معرّضون للتهميش من قبل تيار المستقبل الذي حصد أكثر المقاعد النيابية وتلقى تعاطفاً كبيراً نتيجة مظلوميته باغتيال مؤسسه الرئيس رفيق الحريري، ونتيجة الغضب العارم ضدّ الأجهزة الأمنية عندما كانت سوريا صاحبة القرار في لبنان.
تكرّس الانقسام السياسي في لبنان بين هذين التيارين على خلفية مطالب المعارضة وأهدافها المعلنة، وتمحور هذا الانقسام حول مسألتين أساسيتين:
الأولى: المطالبة بنزع سلاح المقاومة، و حزب الله يتّهم الحكومة وقوى الأكثرية بالتواطؤ مع المشروع الصهيوني الأمريكي، من أجل تنفيذ القرار الدولي المتعلّق بنزع سلاح المقاومة، ممّا أدى إلى انعدام الثقة بين الطرفين بشكل كامل، وإلى تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية، وإقفال المجلس النيابي، بحجّة أنّ الحكومة التي ينبغي أن تمثل أمامه غير دستورية، وهو مبرّر غير مقبول، إذ أنّ المجلس وحده صاحب الحقّ في إقالة الحكومة إذا كانت غير دستورية، لكن رئيس المجلس يتعسّف باستعمال سلطته، ويتجاوز صلاحية المجلس بشكل واضح.
الثانية: هي الرغبة بتعديل اتفاق الطائف لإعادة صلاحيات الرئاسة كما كانت، ومن المعلوم أنّ هذه الصلاحيات التي تجعل رئيس الجمهورية صاحب القرار الأول في الدولة، مع أنه غير مسؤول تجاه أحد، وكانت هذه الاشكالية من أسباب الحرب الأهلية السابقة (1975/1990)، وقد أعلن العماد عون، ومعه سليمان فرنجية الركن المسيحي الثاني في المعارضة، وطالبا بتعديل اتفاق الطائف لهذه الجهة.
في المقابل يتسرّب من أركان الشيعة (حزب الله وأمل) وحتى من بعض المسؤولين الإيرانيين رغبتهم في تعديل اتفاق الطائف لإعطائهم حصّة أكبر في الدولة، و أنّهم يطالبون بالمثالثة، بمعنى أن يكون للشيعة الثلث، وللسنّة مع الدروز الثلث، وللمسيحيين الثلث. بينما المعمول به حسب اتفاق الطائف هو المناصفة بين مجموع المسلمين و المسيحيين، ومن المؤكّد أنّ عدد الشيعة لا يزيد عن عدد السنّة حسب آخر الإحصاءات غير الرسمية.
كلّ خلاف في لبنان يتطيّف أو يتمذهب بسرعة:
إنّ طبيعة التركيبة الديموغرافية في لبنان، وطبيعة النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية والمذهبية، تجعل أي خلاف في لبنان، سواء كان إدارياً أو اقتصادياً أو رياضياً أو فنياً، يتحوّل بسرعة إلى خلاف طائفي أو مذهبي، ومن باب أولى عندما يكون الخلاف سياسياً، و يتناول قضايا أساسية ً تتعلّق بهوية لبنان، أو نظامه السياسي، أو موقفه من الصراع ضدّ العدو الصهيوني. والمؤسف أنّ التموضع الطائفي في الصراع السياسي الحالي جاء مخالفاً للوضع الطبيعي، ومضراً بالمقاومة، وذلك بسبب المواقف الحادّة التي أعلنها حزب الله ضدّ الحكومة والأكثرية النيابية، حتى ولو ظهرت بعض الممارسات التي تبرّرها، فإنّ اتهام الحكومة والأكثرية بالعمالة لإسرائيل وأمريكا، لم يقنع جمهور المسلمين السنّة، وشعروا أنّ فيه الكثير من التجني، وتحرّكت الخلفيات المذهبية فأعطت لهذا الخلاف السياسي بعداً أوسع، وكانت النتيجة أن خسرت المقاومة جزءاً كبيراً من رصيدها الشعبي، عندما دخلت في صراع مع أهل بيروت، وبالتحديد مع أهل السنّة منهم، ولم يكن مقنعاً للناس أنّ المقاومة استخدمت سلاحها في الداخل من أجل حماية هذا السلاح، فقد كان ممكناً تحقيق هذا الهدف بوسائل أخرى، كما أنّ مشاركة أطراف من المعارضة ليست جزء من المقاومة، وقد استعملت سلاحها تحت غطاء المقاومة ولإخضاع خصومها السياسيين، أعطت المعركة بعداً سياسياً آخر.
كانت المقاومة تفتقد تأييد جمهور أهل السنّة لمطالبها السياسية المحلية، رغم أنهم كانوا دائماً طليعة المقاومة أو جزء منها، ويتبنونها بالكامل في مواجهة العدو الصهيوني. أما الآن، وفي ضوء ما حدث، فإننا نخشى أن تخسر المقاومة تأييدهم حتى في مجال الصراع ضدّ العدو الصهيوني، هذا ما سعى العدو له باستمرار وفشل، لكنه قد يصبح حقيقة واقعة إذا استمرّ الوجود المسلّح للمقاومة في بيروت.
الأحداث الأخيرة:
أصدرت الحكومة قرارين كانا سبب اندلاع المواجهات:
الأول: إقالة العميد وفيق شقير من وظيفته الحالية (رئيس جهاز أمن المطار) وإعادته إلى وضعه الأصلي كضابط في الجيش. جاء هذا القرار على خلفية اكتشاف كاميرا مراقبة تتجسّس على الطائرات القادمة والمسافرة على المدرج رقم 17، الذي يستقبل عادة الطائرات الخاصة، واتهامه بالتقصير في عدم الإبلاغ عنها. ورغم أنه قد مضى على تكليفه بهذه المهمّة أكثر من عشر سنوات، وهو على علاقة طيبة مع جميع القيادات اللبنانية بما فيها قيادات الرابع عشر من آذار.
الثاني: هو اعتبار شبكة الاتصالات الهاتفية السلكية الخاصّة بالمقاومة غير شرعية، وملاحقة كلّ من يتعامل معها ملاحقة جزائية، وذلك على خلفية أنّ الكابلات العائدة لهذه الشبكة تتّسع لمائة ألف خطّ هاتفي، بينما حاجات المقاومة لا تبلغ هذا العدد. أي أنّ الحكومة لا تعترض على اصل وجود الشبكة، لكنها تعترض على تمددها أكثر من حاجتها، ومع ذلك فقد جاء قرارها ينزع المشروعية من أصلها.
يتّضح من القرارين عدم وجود أي مبرر معقول. ومما يزيد الشكوك في خلفية هذين القرارين أنّ رد الفعل المحتمل من قبل المقاومة كان منتظراً، ومع ذلك فقد تمّ اتخاذ القرارين مما يوحي بأنّ الحكومة وقعت في الفخّ المنصوب لها وللمقاومة ولبنان.
ردّ فعل حزب الله:
طلب السيد حسن نصر الله في كلمة متلفزة وشديدة اللهجة تراجع الحكومة عن هذين القرارين، وإلاّ فقد بدأت مرحلة جديدة، لكن الحزب لم ينتظر، وبدأ اجتياح بيروت بعد الكلمة مباشرة، فدخل مقاتلو المقاومة من حزب الله، و معهم مقاتلون من حركة أمل و الحزب القومي السوري، وربما من فئات أخرى، وحصلت تعديات وتجاوزات، بالإضافة إلى اعتقال وتصفية بعض الشباب، وتدمير وحرق الكثير من المنازل والمحلات التجارية والمكاتب، رغم انّه لم تقم أمامهم مقاومة منظّمة. وكانوا يستهدفون مكاتب تيار المستقبل، لكن سعد الحريري أصدر أوامره بعدم القتال، وتسليم مكاتب المستقبل للجيش، ومع ذلك فقد استمرّت التجاوزات ، وكان أخطرها الاعتداء على منزل مفتي الجمهورية، أما دار الفتوى فقد تولت جمايتها مجموعة من شباب الجماعة بالتنسيق مع قيادة الحزب ضمن مربّع صغير يضمّ مركز الجماعة أيضاً، وذلك إلى أن استلمها الجيش وتولى حمايتها. كما كان من اخطر التجاوزات إغلاق كلّ وسائل الإعلام التابعة لتيار المستقبل واحراق بعضها. ثمّ انتقلت المواجهات إلى مناطق لبنانية أخرى، وأخذت منحى مذهبياً بشعاً، بالإضافة إلى تحوّل الخلافات بين الأحزاب إلى اقتتال في الشوارع.
لقد أرادت المقاومة إلغاء القرارين المذكورين، أو أرادت رفع العصا الغليظة ضدّ الحكومة، لكنها في النهاية وقعت هي أيضاً في الفخّ المنصوب لها، واستعملت سلاحها في الداخل اللبناني رغم تكرار إعلانها سابقاً أنّ سلاحها لن يستخدم إلاّ ضدّ العدو الصهيوني، وحولت الخلاف السياسي إلى صراع عسكري، وتبيّن للنّاس أنها لا تحتمل الرأي الآخر، وعلى الجميع أن يكونوا تابعين لها في كلّ شيء طالما أنها تحمل لواء المقاومة. لقد كان ابتهاج إسرائيل بوقوع المقاومة في هذا الفخّ أكبر من ابتهاجها بانقضاء ستين عاماً على إنشاء دولتها العدوانية.
آفاق المستقبل:
يظهر أنّ حزب الله لا ينوي التراجع، وهو الآن- مع قوى المعارضة- يطالب الناس بتسليم أسلحتهم له، وإلاّ فللجيش اللبناني، وإذا رفضوا بدأ حملته العسكرية، هذا ما جرى في قضاء الشوف وقد يقع مثله في بلدات إقليم الخروب السني، خلال أيام وربما ساعات إذا لم يتدارك العقلاء هذه المخاطر.
هذا الواقع بالإضافة إلى ما جرى أثناء اجتياح بيروت أثار غضب وحمية المسلمين في كلّ المناطق، وبدأت عمليات الانتقام تجري في الشمال والبقاع، وبدأت تظهر الحواجز المذهبية التي تسأل الناس عن مذهبهم وتحاسبهم بناءً عليه، وإذا لم يوجد حلّ لهذا الأمر الخطير فإنّ الكرة ستتدحرج بشكل سريع جداً، ويعود لبنان إلى حرب أهلية ستكون أشدّ مرارة وإيلاماً من الحرب السابقة لأنها مذهبية، ومن أخطر ما فيها أنها ستنهي دور المقاومة ضدّ إسرائيل، وستشغلها باستمرار المناوشات الداخلية التي لا تنتهي.
معالم الحلّ:
نعتقد أنّ جميع المحاولات لحلّ الأزمة ستبوء بالفشل، سواء كانت عربية أو دولية، واستمرار الفشل خلال سنتين أو اكثر دليل قاطع على ذلك. واستمرار الخلافات العربية يؤدي إلى استمرار العجز عن معالجة قضايا الأمّة ومنها لبنان. أما المدمرات الأمريكية والغربية في البحر المتوسط، فلن تكون أكثر من عملية استعراضية هدفها تأجيج نار الفتنة لا إخمادها. ليس أمامنا إلاّ الحلّ اللبناني، وهو لا يمكن أن يتمّ إلاّ بمبادرة جريئة من حزب الله يعلن فيها إنهاء العملية العسكرية، والعودة إلى الحوار السياسي، خاصّة وقد زالت مبرراتها، وتمّ عملياً إلغاء القرارين المذكورين، وسيصدر الالغاء الرسمي هذا اليوم. وأصبح الجميع اليوم حريصاً على استئناف الحوار. هذا الحلّ ينقذ لبنان كلّه، وينقذ المقاومة بالذات. وكلّ تأخير يعمّق الجراح ويمدد الفتنة ويزيد الصعوبات والتعقيدات. لكن هل يمكن ذلك قبل إنهاء العملية العسكرية؟ إن أكثر ما يؤلمنا هو مصير المقاومة باعتبارنا جزء منها، وهي رمز عزّة هذه الأمّة، وأملها في المستقبل. كذلك فان شعار الوحدة الاسلامية التي عملنا طويلاً في سبيلها مع الأخوة في الحزب تلقى صدمة قاتلة. لقد أصبحت المقاومة في خدمة مشاريع داخلية مذهبية أو سياسية، خسرت جمهورها العريض وخاصّة من المسلمين السنّة، ودخلت في حرب مع جزء من شعبها.قد تستطيع أن تحسمها عسكرياً لكن ماذا بعد؟ هل تستطيع القول إنها في شوارع بيروت تقاوم دفاعاً عن الأمّة وعن الدين؟ إنّ الجرح العميق الذي أصاب الوحدة الإسلامية في الصميم، وأصاب المقاومة في أعزّ ما عندها، وهو ثقة شعبها بها، يجب أن يعالج، والعلاج الوحيد في رأينا هو خروج حزب الله من هذه المعركة.
إننا نرفع صوتنا لإخواننا أهل الرأي في لبنان، وفي العالمين العربي والإسلامي، ومن الملوك والرؤساء والأمراء والزعماء والعلماء وقادة الحركات الإسلامية والأحزاب السياسية ونقول: أعينونا لنستطيع تجاوز الجراح، والترفّع عن حروب الأزمة بين الإخوة، وإعادة توحيد الأمّة في معركتها الأساسية ضدّ المشروع الصهيوني الأمريكي، حرصاً على لبنان، وعلى الوحدة الإسلامية، وعلى المقاومة، وإلاّ فكلّنا مهزوم، وإسرائيل وحدها المنتصرة.
بيروت في 2 جمادى الأولى 1429هـ.
الموافق 7/5/2008م.
الجماعة الإسلامية في لبنان
المكتب الإعلامي