هنا الحقيقه
05-05-2008, 06:27 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد وعلى آله وصحبه وسلم
اما بعد ..
فهذه رسالة كتبتها تُبين أنواع النفاق واصنافه ، بادلته من كتاب الله وسنة نبيه المصطفى صلاة الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وحتى لا تطول على القارئ قسمتها لقسمين .. وأسأل الله الأجر والثواب واحتسابها في ميزان حسناتي وإني لأرجوه متوسلاً أن يدخلني جنة الفردوس برحمته إنه هو ذو الفضل العظيم
يقول بن تيمية في كتابه الإيمان (لفظ النفاق قد قيل ، أنه لم تكن العرب تكلمت به ولكنه مأخوذ من كلامهم فإن نفق يشبه خرج ومنه نفقت الدابة: إذا ماتت ، ومنه نافقا واليربوع والنفق في الأرض قال تعالى (وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاء اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ) فالمنافق هو الذي خرج من الإيمان باطناً بعد دخوله فيه ظاهراً وقيد النفاق بأنه نفاق من الإيمان ومن الناس من يسمي من خرج عن طاعة الملك نافقاً عليه, لكن النفاق الذي في القرآن هو النفاق على الرسول صلى الله عليه وسلم، فخطاب الله ورسوله للناس بهذه الأسماء كخطاب الناس بغيرها وهو خطاب مقيد خاص لا مطلق يحتمل أنواعاًً)
ثم النفاق ينقسم إلى نوعين : نفاق أكبر( عقائدي) ونفاق أصغر (عملي فعلي سلوكي) :
1: النفاق الأكبر أو النفاق العقائدي : يكون أما بالشك بالله تعالى وأحكامه أو برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، أو أنه-المنافق- يخادع الله ورسوله أو أنه يفرح إذا ما اصاب المؤمنين ضرر أو مصيبة ويسوءه إذا ما فرحوا أو غنموا أو إذا ما اظهرهم الله على أعداءه وأعداءهم فهذا نفاق عقدي أجارنا وأعاذنا الله منه ، وسوف أحاول أن أضع مثال لكل ما ذكرت لغرض التبيان
1: مما ذكرنا : الشك بعلم الله؛ قال تعالى (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ) محمد 29 قال ابن كثير في تفسيره :أي أيعتقد المنافقون أن الله لا يكشف أمرهم لعباده المؤمنين بل سيوضح أمرهم ويجليه حتى يفهمهم ذوو البصائر وقد أنزل الله تعالى في ذلك سورة براءة فبين فيها فضائحهم وما يعتمدونه من الأفعال الدالة على نفاقهم ; ولهذا كانت تسمى الفاضحة والأضغان جمع ضغن وهو ما في النفوس من الحسد والحقد للإسلام وأهله والقائمين بنصره) انتهى .
قلت : الظاهر أن هؤلاء المنافقين لا يستطيعون أن يجهروا بهذا الشك أمام المؤمنين بل بالعكس يقولون لهم نحن مثلكم مؤمنون ، لكنما الشك مستقرٌ في قلوبهم ويتناجون به مع شيطاينهم ومن مثلهم من المنافقين والكفار قال الله تعالى (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) البقرة 14
2: خداعهم لله تعالى والمؤمنين-(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ* فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)البقرة 8 ذكر ابن كثير في تفسيره : النفاق هو إظهار الخير وإسرار الشر وهو أنواع : اعتقادي وهو الذي يخلد صاحبه في النار وعملي وهو من أكبر الذنوب كما سيأتي تفصيله في موضعه إن شاء الله تعالى وهذا كما قال ابن جريج : المنافق يخالف قوله فعله وسره علانيته ومدخله مخرجه ومشهده مغيبه وإنما نزلت صفات المنافقين في السور المدنية لأن مكة لم يكن فيها نفاق بل كان خلافه من الناس من كان يظهر الكفر مستكرها .. وقال في موضع اخر : قال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية " في قلوبهم مرض" قال شك فزادهم الله مرضا قال شكا . وقال ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس في قلوبهم مرض قال شك . وكذلك قال مجاهد وعكرمة والحسن البصري وأبو العالية والربيع بن أنس وقتادة . وعن عكرمة وطاوس في قلوبهم مرض يعني الرياء . وقال الضحاك عن ابن عباس في قلوبهم مرض قال نفاق فزادهم الله مرضا قال نفاقا وهذا كالأول .
3: عدم الاعتراف أو عدم الرغبة- بدون عذر - في تطبيق آيات الله تعالى وإنزال احكامه فيلجأون إلى الأحكام والقوانين التي لم يُنزل الله بها من سلطان قال الله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا) النساء 60 قال ابن كثير في تفسيره :هذا إنكار من الله عز وجل على من يدعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء الأقدمين وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله كما ذكر في سبب نزول هذه الآية أنها في رجل من الأنصار ورجل من اليهود تخاصما فجعل اليهودي يقول بيني وبينك محمد وذاك يقول بيني وبينك كعب بن الأشرف. وقيل في جماعة من المنافقين ممن أظهروا الإسلام أرادوا أن يتحاكموا إلى حكام الجاهلية . وقيل غير ذلك والآية أعم من ذلك كله فإنها ذامة لمن عدل عن الكتاب والسنة وتحاكموا إلى ما سواهما من الباطل وهو المراد بالطاغوت هنا ولهذا قال " يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت " إلى آخرها .)
4: الاعراض عن تنفيذ اوامر الرسول صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم تكبرا : قال تعالى في سورة النساء (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا) النساء61
قال ابن كثير في تفسيره : وقوله " ويصدون عنك صدوداً " أي يعرضون عنك إعراضا كالمستكبرين عن ذلك كما قال تعالى عن المشركين " وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا" وهؤلاء بخلاف المؤمنين الذين قال الله فيهم " إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا " الآية .
5: يكون المنافقون من الذين يبغضون رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم ويبغضون المؤمنين ولكن لا يستطيعون الجهر بذلك إنما يخفوه قال تعالى (هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ)ال عمران 119
قلت : والظاهر أن المؤمنين لا يعرفون المنافقين أنهم منافقون لأنهم لو عرفوهم لما احبوهم ولا وادوهم وهذا دليل على أن المنافق غير معروف لدى المؤمن لأن النفاق يكون في السريره ولا يكون ظاهراً للعيان إلا اللهم إذا غلب النفاق على المنافق فكان اقرب الى الكفر فيجهر به فينتزع منه صفة النفاق فيكون مرتد وكافر والعياذ بالله من كل هذه الاصناف .
5: كذبهم امام وعلى رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم بدون ورع وتقوى كأنهم لا يعلمون أن الله فاضحهم قال تعالى (فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا*أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا)النساء 63-64
قال ابن كثير : قال تعالى " أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم " هذا الضرب من الناس هم المنافقون والله يعلم ما في قلوبهم وسيجزيهم على ذلك فإنه لا تخفى عليه خافية فاكتف به يا محمد فيهم فإنه عالم بظواهرهم وبواطنهم . ولهذا قال له " فأعرض عنهم " أي لا تعنفهم على ما في قلوبهم " وعظهم " أي وانههم عما في قلوبهم من النفاق وسرائر الشر " وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغا " أي وانصحهم فيما بينك وبينهم بكلام بليغ رادع لهم .
قلت : وهذا مناط قولنا أن المنافقين لا يعلمهم إلا الله تعالى وما أخبره الله تعالى رسوله بهم لأن السرائر لا يعلمها إلا الله وربما عمل المؤمن عمل ظن المقابل أنه منافق أو عمل المنافق عمل المؤمن كالذكر والصلاة فانخدع المؤمن بهذا المنافق فعلى المؤمن الأخذ بالظهار ويترك السرائر لله تعالى فقد قال تعالى "مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا "النساء 143
وجاء في تفسير ابن كثير : وقوله " مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء " يعني المنافقين محيرين بين الإيمان والكفر فلا هم مع المؤمنين ظاهراً وباطناً ولا مع الكافرين ظاهراً وباطناً بل ظواهرهم مع المؤمنين وبواطنهم مع الكافرين ومنهم من يعتريه الشك فتارة يميل إلى هؤلاء وتارة يميل إلى أولئك "كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا .. " الآية
قلت : ووصفهم رسول الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فقد اخرج مسلم من حديث ابن عمر عن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال " مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة " . ) وفي لفظ ثاني (تكر في هذه مرة وفي هذه مرة)
6: الابطاء عن تنفيذ أوامر رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم وفرح المنافق بأنه لم يكن مع المؤمنين عندما أصابتهم سيئة وفرحه بالسيئة عندما تصيب المؤمنين قال تعالى (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا) النساء 72 قال ابن كثير في تفسيره : قال مجاهد وغير واحد نزلت في المنافقين وقال مقاتل بن حيان : " ليبطئن " أي ليتخلفن عن الجهاد ويحتمل أن يكون المراد أنه يتباطأ هو في نفسه ويبطئ غيره عن الجهاد كما كان عبد الله بن أبي سلول قبحه الله يفعل يتأخر عن الجهاد ويثبط الناس عن الخروج فيه وهذا قول ابن جريج وابن جرير ولهذا قال تعالى إخبارا عن المنافق أنه يقول إذا تأخر عن الجهاد " فإن أصابتكم مصيبة " أي قتل وشهادة وغلب العدو لكم لما لله في ذلك من الحكمة قال " قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا " أي إذ لم أحضر معهم وقعة القتال بعد ذلك من نعم الله عليه ولم يدر ما فاته من الأجر في الصبر أو الشهادة إن قتل .
7: عدم فرح المنافق بما يمن ّ الله على المؤمنين من فضل حتى أنه يعترف في سريرته إن لم تكن مودة بينه وبين المؤمنين قال تعالى : (وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا) النساء 73
ابن كثير : ولئن أصابكم فضل من الله " أي نصر وظفر وغنيمة " ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة " أي كأنه ليس من أهل دينكم " يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا
8: فرح المنافق اذا ما اصيب المؤمنين مصيبة وسيئة قال الله تعاالى (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) ال عمران 120
ويتضح لنا من هذا التعريف والتقسيم والادلة ما يلي :
1: كل من أظهر شكه وكفره وإشراكه في الله تعالى وما أنزل أو رسوله يكون كافراً وليس منافقا لأن النفاق هو إظهار الاسلام علانية وابطان الشك أو الكفر أو الإشراك والعياذ بالله
2: إن النفاق أمر خفي ليس بظاهر فهو في السرائر ولا يعلم السريرة إلا الله تعالى ومن اخبره الله تعالى مثل نبينا محمد صلاة الله عليه وعلى آله وصحبه وسلامه ومن أخبر رسولنا الكريم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم احد من صحابته ، ولهذا نجد أن الصحابة وغيرهم لم يرموا احدا بالنفاق إلا بعد التيقن أو جاءهم من رسول الله الخبر الموثق ولما كان النفاق إظهار الاسلام والعبادة الظاهرية بدليل قول الله تعالى (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) النساء142
فلا نستطيع أن نعلم هل المسلم يذكر الله تعالى قليلاً أم كثيرا فهذا أمر بينه وبين الله تعالى فكم من ذاكر لله كثيرا في القلب وفي السر وفي اللسان ولكن لا نراه بأعيننا ونحسبه لا يذكر الله تعالى –وربما شككنا ان يه نفاق- وكم من ذاكر لله تعالى أمامنا ابتغاء الرياء ويرائِي المؤمنين ولا يذكر الله تعالى في بيته أو شغله أو في خلوته ونحسبه من خير العابدين فهذه السريرة لا يعلمها إلا الله تعالى ولا يطلع عليها أحد فكان المنافق أشد على المسلمين من الكافر لأنه يسلك مسلك المؤمن ويبطن الكفر في قلبه فيكون ضرره أشد وأبلغ من الذي يظهر الكفر فيكون عداءه ظاهراً ولو نظرنا إلى استقرار النفاق في المنافق لوجدناه في القلب كما هو الإيمان عند المؤمن ولهذا تواترت الاحاديث من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في الصحيحين وغيرها واقوال الصحابه بوصفهم حال المنافق بالإشارة إلى القلب ولولا الاطالة لوضعتها هنا حتى ان مسلم بوب باب سماه باب صفات المنافق وربما أعرضها في مناسبة أخرى إن أراد الله تعالى
أما من مات على هذا النفاق ولم يتب لله تعالى فهؤلاء جزائهم الدرك الأسفل من النار فكما للجنة درجات فللنار دركات كما روى الوالبي عن ابن عباس
قال الله تعالى ينبئنا عن مصيرهم (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا) النساء 145
تنبيه :ليس كل من حدثته نفسه بشكٍ صار منافقاً فما سلم من هذا الشكِ حتى الصحابة لكنما الواجب عدم التحدث به ورده وهذا الرد من أعلى درجات الإيمان
قال الحسن : ما خافه إلا مؤمن و لا أمِنَه إلا منافق
واخرج البخاري في صحيحه عن ابن مليكة قوله أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول أنه على إيمان جبريل وميكائيل. ويذكر عن الحسن ما خافه إلا مؤمن، ولا أمنه إلا منافق. وما يحذر من الإصرار على النفاق والعصيان من غير توبة لقول الله تعالى {ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون}ال عمران 135
.
.
يتبع بإذن الله تعالى
.
والحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد وعلى آله وصحبه وسلم
اما بعد ..
فهذه رسالة كتبتها تُبين أنواع النفاق واصنافه ، بادلته من كتاب الله وسنة نبيه المصطفى صلاة الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وحتى لا تطول على القارئ قسمتها لقسمين .. وأسأل الله الأجر والثواب واحتسابها في ميزان حسناتي وإني لأرجوه متوسلاً أن يدخلني جنة الفردوس برحمته إنه هو ذو الفضل العظيم
يقول بن تيمية في كتابه الإيمان (لفظ النفاق قد قيل ، أنه لم تكن العرب تكلمت به ولكنه مأخوذ من كلامهم فإن نفق يشبه خرج ومنه نفقت الدابة: إذا ماتت ، ومنه نافقا واليربوع والنفق في الأرض قال تعالى (وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاء اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ) فالمنافق هو الذي خرج من الإيمان باطناً بعد دخوله فيه ظاهراً وقيد النفاق بأنه نفاق من الإيمان ومن الناس من يسمي من خرج عن طاعة الملك نافقاً عليه, لكن النفاق الذي في القرآن هو النفاق على الرسول صلى الله عليه وسلم، فخطاب الله ورسوله للناس بهذه الأسماء كخطاب الناس بغيرها وهو خطاب مقيد خاص لا مطلق يحتمل أنواعاًً)
ثم النفاق ينقسم إلى نوعين : نفاق أكبر( عقائدي) ونفاق أصغر (عملي فعلي سلوكي) :
1: النفاق الأكبر أو النفاق العقائدي : يكون أما بالشك بالله تعالى وأحكامه أو برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، أو أنه-المنافق- يخادع الله ورسوله أو أنه يفرح إذا ما اصاب المؤمنين ضرر أو مصيبة ويسوءه إذا ما فرحوا أو غنموا أو إذا ما اظهرهم الله على أعداءه وأعداءهم فهذا نفاق عقدي أجارنا وأعاذنا الله منه ، وسوف أحاول أن أضع مثال لكل ما ذكرت لغرض التبيان
1: مما ذكرنا : الشك بعلم الله؛ قال تعالى (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ) محمد 29 قال ابن كثير في تفسيره :أي أيعتقد المنافقون أن الله لا يكشف أمرهم لعباده المؤمنين بل سيوضح أمرهم ويجليه حتى يفهمهم ذوو البصائر وقد أنزل الله تعالى في ذلك سورة براءة فبين فيها فضائحهم وما يعتمدونه من الأفعال الدالة على نفاقهم ; ولهذا كانت تسمى الفاضحة والأضغان جمع ضغن وهو ما في النفوس من الحسد والحقد للإسلام وأهله والقائمين بنصره) انتهى .
قلت : الظاهر أن هؤلاء المنافقين لا يستطيعون أن يجهروا بهذا الشك أمام المؤمنين بل بالعكس يقولون لهم نحن مثلكم مؤمنون ، لكنما الشك مستقرٌ في قلوبهم ويتناجون به مع شيطاينهم ومن مثلهم من المنافقين والكفار قال الله تعالى (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) البقرة 14
2: خداعهم لله تعالى والمؤمنين-(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ* فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)البقرة 8 ذكر ابن كثير في تفسيره : النفاق هو إظهار الخير وإسرار الشر وهو أنواع : اعتقادي وهو الذي يخلد صاحبه في النار وعملي وهو من أكبر الذنوب كما سيأتي تفصيله في موضعه إن شاء الله تعالى وهذا كما قال ابن جريج : المنافق يخالف قوله فعله وسره علانيته ومدخله مخرجه ومشهده مغيبه وإنما نزلت صفات المنافقين في السور المدنية لأن مكة لم يكن فيها نفاق بل كان خلافه من الناس من كان يظهر الكفر مستكرها .. وقال في موضع اخر : قال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية " في قلوبهم مرض" قال شك فزادهم الله مرضا قال شكا . وقال ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس في قلوبهم مرض قال شك . وكذلك قال مجاهد وعكرمة والحسن البصري وأبو العالية والربيع بن أنس وقتادة . وعن عكرمة وطاوس في قلوبهم مرض يعني الرياء . وقال الضحاك عن ابن عباس في قلوبهم مرض قال نفاق فزادهم الله مرضا قال نفاقا وهذا كالأول .
3: عدم الاعتراف أو عدم الرغبة- بدون عذر - في تطبيق آيات الله تعالى وإنزال احكامه فيلجأون إلى الأحكام والقوانين التي لم يُنزل الله بها من سلطان قال الله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا) النساء 60 قال ابن كثير في تفسيره :هذا إنكار من الله عز وجل على من يدعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء الأقدمين وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله كما ذكر في سبب نزول هذه الآية أنها في رجل من الأنصار ورجل من اليهود تخاصما فجعل اليهودي يقول بيني وبينك محمد وذاك يقول بيني وبينك كعب بن الأشرف. وقيل في جماعة من المنافقين ممن أظهروا الإسلام أرادوا أن يتحاكموا إلى حكام الجاهلية . وقيل غير ذلك والآية أعم من ذلك كله فإنها ذامة لمن عدل عن الكتاب والسنة وتحاكموا إلى ما سواهما من الباطل وهو المراد بالطاغوت هنا ولهذا قال " يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت " إلى آخرها .)
4: الاعراض عن تنفيذ اوامر الرسول صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم تكبرا : قال تعالى في سورة النساء (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا) النساء61
قال ابن كثير في تفسيره : وقوله " ويصدون عنك صدوداً " أي يعرضون عنك إعراضا كالمستكبرين عن ذلك كما قال تعالى عن المشركين " وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا" وهؤلاء بخلاف المؤمنين الذين قال الله فيهم " إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا " الآية .
5: يكون المنافقون من الذين يبغضون رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم ويبغضون المؤمنين ولكن لا يستطيعون الجهر بذلك إنما يخفوه قال تعالى (هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ)ال عمران 119
قلت : والظاهر أن المؤمنين لا يعرفون المنافقين أنهم منافقون لأنهم لو عرفوهم لما احبوهم ولا وادوهم وهذا دليل على أن المنافق غير معروف لدى المؤمن لأن النفاق يكون في السريره ولا يكون ظاهراً للعيان إلا اللهم إذا غلب النفاق على المنافق فكان اقرب الى الكفر فيجهر به فينتزع منه صفة النفاق فيكون مرتد وكافر والعياذ بالله من كل هذه الاصناف .
5: كذبهم امام وعلى رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم بدون ورع وتقوى كأنهم لا يعلمون أن الله فاضحهم قال تعالى (فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا*أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا)النساء 63-64
قال ابن كثير : قال تعالى " أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم " هذا الضرب من الناس هم المنافقون والله يعلم ما في قلوبهم وسيجزيهم على ذلك فإنه لا تخفى عليه خافية فاكتف به يا محمد فيهم فإنه عالم بظواهرهم وبواطنهم . ولهذا قال له " فأعرض عنهم " أي لا تعنفهم على ما في قلوبهم " وعظهم " أي وانههم عما في قلوبهم من النفاق وسرائر الشر " وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغا " أي وانصحهم فيما بينك وبينهم بكلام بليغ رادع لهم .
قلت : وهذا مناط قولنا أن المنافقين لا يعلمهم إلا الله تعالى وما أخبره الله تعالى رسوله بهم لأن السرائر لا يعلمها إلا الله وربما عمل المؤمن عمل ظن المقابل أنه منافق أو عمل المنافق عمل المؤمن كالذكر والصلاة فانخدع المؤمن بهذا المنافق فعلى المؤمن الأخذ بالظهار ويترك السرائر لله تعالى فقد قال تعالى "مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا "النساء 143
وجاء في تفسير ابن كثير : وقوله " مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء " يعني المنافقين محيرين بين الإيمان والكفر فلا هم مع المؤمنين ظاهراً وباطناً ولا مع الكافرين ظاهراً وباطناً بل ظواهرهم مع المؤمنين وبواطنهم مع الكافرين ومنهم من يعتريه الشك فتارة يميل إلى هؤلاء وتارة يميل إلى أولئك "كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا .. " الآية
قلت : ووصفهم رسول الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فقد اخرج مسلم من حديث ابن عمر عن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال " مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة " . ) وفي لفظ ثاني (تكر في هذه مرة وفي هذه مرة)
6: الابطاء عن تنفيذ أوامر رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم وفرح المنافق بأنه لم يكن مع المؤمنين عندما أصابتهم سيئة وفرحه بالسيئة عندما تصيب المؤمنين قال تعالى (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا) النساء 72 قال ابن كثير في تفسيره : قال مجاهد وغير واحد نزلت في المنافقين وقال مقاتل بن حيان : " ليبطئن " أي ليتخلفن عن الجهاد ويحتمل أن يكون المراد أنه يتباطأ هو في نفسه ويبطئ غيره عن الجهاد كما كان عبد الله بن أبي سلول قبحه الله يفعل يتأخر عن الجهاد ويثبط الناس عن الخروج فيه وهذا قول ابن جريج وابن جرير ولهذا قال تعالى إخبارا عن المنافق أنه يقول إذا تأخر عن الجهاد " فإن أصابتكم مصيبة " أي قتل وشهادة وغلب العدو لكم لما لله في ذلك من الحكمة قال " قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا " أي إذ لم أحضر معهم وقعة القتال بعد ذلك من نعم الله عليه ولم يدر ما فاته من الأجر في الصبر أو الشهادة إن قتل .
7: عدم فرح المنافق بما يمن ّ الله على المؤمنين من فضل حتى أنه يعترف في سريرته إن لم تكن مودة بينه وبين المؤمنين قال تعالى : (وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا) النساء 73
ابن كثير : ولئن أصابكم فضل من الله " أي نصر وظفر وغنيمة " ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة " أي كأنه ليس من أهل دينكم " يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا
8: فرح المنافق اذا ما اصيب المؤمنين مصيبة وسيئة قال الله تعاالى (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) ال عمران 120
ويتضح لنا من هذا التعريف والتقسيم والادلة ما يلي :
1: كل من أظهر شكه وكفره وإشراكه في الله تعالى وما أنزل أو رسوله يكون كافراً وليس منافقا لأن النفاق هو إظهار الاسلام علانية وابطان الشك أو الكفر أو الإشراك والعياذ بالله
2: إن النفاق أمر خفي ليس بظاهر فهو في السرائر ولا يعلم السريرة إلا الله تعالى ومن اخبره الله تعالى مثل نبينا محمد صلاة الله عليه وعلى آله وصحبه وسلامه ومن أخبر رسولنا الكريم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم احد من صحابته ، ولهذا نجد أن الصحابة وغيرهم لم يرموا احدا بالنفاق إلا بعد التيقن أو جاءهم من رسول الله الخبر الموثق ولما كان النفاق إظهار الاسلام والعبادة الظاهرية بدليل قول الله تعالى (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) النساء142
فلا نستطيع أن نعلم هل المسلم يذكر الله تعالى قليلاً أم كثيرا فهذا أمر بينه وبين الله تعالى فكم من ذاكر لله كثيرا في القلب وفي السر وفي اللسان ولكن لا نراه بأعيننا ونحسبه لا يذكر الله تعالى –وربما شككنا ان يه نفاق- وكم من ذاكر لله تعالى أمامنا ابتغاء الرياء ويرائِي المؤمنين ولا يذكر الله تعالى في بيته أو شغله أو في خلوته ونحسبه من خير العابدين فهذه السريرة لا يعلمها إلا الله تعالى ولا يطلع عليها أحد فكان المنافق أشد على المسلمين من الكافر لأنه يسلك مسلك المؤمن ويبطن الكفر في قلبه فيكون ضرره أشد وأبلغ من الذي يظهر الكفر فيكون عداءه ظاهراً ولو نظرنا إلى استقرار النفاق في المنافق لوجدناه في القلب كما هو الإيمان عند المؤمن ولهذا تواترت الاحاديث من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في الصحيحين وغيرها واقوال الصحابه بوصفهم حال المنافق بالإشارة إلى القلب ولولا الاطالة لوضعتها هنا حتى ان مسلم بوب باب سماه باب صفات المنافق وربما أعرضها في مناسبة أخرى إن أراد الله تعالى
أما من مات على هذا النفاق ولم يتب لله تعالى فهؤلاء جزائهم الدرك الأسفل من النار فكما للجنة درجات فللنار دركات كما روى الوالبي عن ابن عباس
قال الله تعالى ينبئنا عن مصيرهم (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا) النساء 145
تنبيه :ليس كل من حدثته نفسه بشكٍ صار منافقاً فما سلم من هذا الشكِ حتى الصحابة لكنما الواجب عدم التحدث به ورده وهذا الرد من أعلى درجات الإيمان
قال الحسن : ما خافه إلا مؤمن و لا أمِنَه إلا منافق
واخرج البخاري في صحيحه عن ابن مليكة قوله أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول أنه على إيمان جبريل وميكائيل. ويذكر عن الحسن ما خافه إلا مؤمن، ولا أمنه إلا منافق. وما يحذر من الإصرار على النفاق والعصيان من غير توبة لقول الله تعالى {ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون}ال عمران 135
.
.
يتبع بإذن الله تعالى
.