مقاوم
05-03-2008, 07:17 PM
الولايات المتَّحدة وطَالِبَان: مَنْ سيكسبُ الحربَ ؟!
د. أحمد إبراهيم خضر
http://qawim.net/exq.gif الولاياتُ المُتَّحِدَةُ - أكبرُ قُوَّةٍ في العالَمِ – و حُلَفَاؤُها مِنَ الأوربيينَ ، استطاعوا أنْ يُطِيْحُوا بنظامِ "طالبان " ، لكنَّهم لم يستطيعوا القضاءَ عليها تمامًا ، رغمَ سبعِ سنواتٍ مِنَ الحربِ ضدَّها .
لقدِ اعتقدتِ " الولاياتُ المتَّحدةُ " – كما يقولُ الكاتبُ الأمريكيُّ " مايك هويتني " – أنَّ " طالبان " متى رأتْ قمَّةَ تكنولوجيا الحربِ بالليزرِ ؛ فستفرُّ إلي الجبالِ . نَعَمْ فرَّتْ " طالبان " بالفعلِ إلى الجبالِ ، ثم تراجعتْ ، لكنَّها تراجعتْ تراجُعَ المتحرِّفِ للقتالِ ، فانتظرتْ ، ثُمَّ أعادتْ تنظيمَ نَفْسِها ، و تمكَّنتْ مِنْ حَشْدِ تأييدِ قبائلِ " الباشتون " ، ثُمَّ انتقمتْ ؛ حيثُ شَنَّتْ عملياتٍ عسكريةً في العاصمةِ " كابول" ، و احتلَّتْ مواقعَ في : " لوجار"، و" وارداك "، و" غزني " ، و فرضتْ سَيْطَرَتَها على مناطقَ واسعةٍ في : " زابل" و" هلمند " و " أورزجان" و " قندهار" .
حاربتْ " طالبان " وَفْقَ قواعدَ " منهجيةٍ و مُخَطَّطَةٍ " ، أثبتتْ فيها أنَّها تستطيعُ البقاءَ في ظلِّ أصعبِ الظُّروفِ ، و ما زالتْ تحقِّقُ انتصاراتٍ عسكريةً تكتيكيةً على الجيشِ الأكثرِ إعدادًا ، دَافِعِيَّتُها للقتالِ عاليةٌ ، و تعتقدُ أنَّ قضيتَها التي تحاربُ مِنْ أَجْلِها عادلةٌ ، إنَّها لا تقاتلُ مِنْ أَجْلِ احتلالِ أُمَّةٍ أجنبيةٍ ؛ و لكنْ دفاعًا عَنْ أُمَّتِها ؛ و هذا الأمرُ مِنْ شَأْنِهِ أنْ يُقَوِيَ مِنْ عزيمتِها ، و يحافظَ على رُوْحِها المعنويةِ المرتفعةِ ، وذلكَ على حَدِّ قَوْلِ " هويتني": " طالبان" - كما يرى الباحثونَ في الشَّأْنِ الأفغانيِّ - تقومُ على إيديولوجيةٍ ذاتِ ثلاثةِ محاورَ :
- الأول : أنَّ " الإسلامَ " - كعقيدةٍ و منهجِ حياةٍ - لا تحملُهُ إلا صَفْوَةٌ مختارةٌ لا كثرةٌ ، تكونُ هي نَفْسُها سببًا في هزيمتِهِ ، و أنَّ قَدَرَها أنْ تكونَ هي هذه الصَّفْوةَ .
- الثاني : أنَّ الغربَ- كما ترى طالبان- لا يُطِيْقُ أنْ يَرَى الإسلامَ قائمًا حِيَالَهُ ، و مناقضًا في أصلِ وجودِهِ له ، مخالفًا له مخالفةً جذريةً أصيلةً ، في الصغيرةِ والكبيرةِ مِنْ مناهجِهِ ، يُهَدِّدُ بقاءَهُ بما في طبيعتِهِ مِنَ الحيويَّةِ و الحركةِ لمقاومةِ عدوِّهِ ، و أنَّ الغربَ لا يقعدُ عَنِ الفَتْكِ بالإسلامِ و المسلمينَ ، بلا شَفَقةٍ و لا رحمةٍ ، إلا إذا عَجَزَ عَنْ ذلك ، و أنَّه لا أمانَ له ، و لا عَهْدَ و لا ذِمَّةَ ، و أنَّ هذا هو الخطُّ الأصيلُ ، الذي لا ينحرفُ عنه الغَرْبُ ، إلا لطارئٍ زائلٍ ، ثُمَّ يعودُ فيأخذُ طريقَهُ المرسومَ .
- الثَّالث : أنَّه و إنْ كانَ مِيْزانُ القُوَى بينها و بينَ الغرب غيرَ مُتَكَافِئٍ ، لكنَّ القوَّةَ التي يستندُ إليها الغرب ُ – في نَظَرِ طالبان – هي قوةٌ مُؤَقَّتَةٌ ، تستندُ إلى عواملَ ماديةٍ بَحْتَةٍ ، و هذه العواملُ مِنْ شَأْنِها ألاَّ تَدُومَ ؛ لأنَّ فسادَ الحياةِ الاجتماعيةِ و الشُّعوريةِ عندَ شعوبِها ؛ سيقضي عليها و لو بَعْدَ حينٍ .
أمَّا " العسكريَّةُ الأمريكيَّةُ و الأوربيَّةُ " - كما يرى علماءُ الاجتماعِ العَسْكَرِيِّ - فتعتمدُ أصلاً على التكنولوجيا العاليةِ ؛ لِنِضُوْبِ مَوَارِدِها مِنَ القوةِ البشريَّةِ ؛ بسببِ العقليَّةِ المادِّيةِ التي تحكمُ سكَّانَها ؛ و بسببٍ آخرَ أهمَّ ؛ و هو أنَّ المجنَّدِيْنَ في قواتِها ، يُمَثِّلُونَ أدنى المستوياتِ الاجتماعيةِ ، تلك التي تجدُ في الجيشَ أفضلَ بديلٍ لها ، في سوقٍ يعتمدُ علي المنافسةِ الحُرَّةِ ، و لهذا كان غالبيةُ المجنَّدِيْنَ في الجيشِ الأمريكيِّ مِنَ الريفيين والزُّنوجِ و النِّساءِ ، حتَّى أنَّ المسئولينَ العسكريينَ ، اضْطُرُّوا إلى تخفيفِ مستوياتِ الالتحاقِ بالقواتِ المسلحةِ ، و إلى إعادةِ تجنيدِ هؤلاءِ الذين ثبتَ عدمُ لياقتِهم نفسيًا و عقليًّا ؛ لهذا يكونُ مِنَ المنطقي ، أنْ تكونَ القُوَّةُ التي تستطيعُ أنْ تُحَيِّدَ هذه التكنولوجيا العاليةَ ، و تُجْبِرَ الأمريكيينَ على حَرْبِ الشَّوارعِ و المُدُنِ و الجبالِ - قادرةً على إحراجِ هذا الجيشِ العظيمِ ، و لا تُمَكِّنُهُ مِنْ نَصْرٍ حاسمٍ ، و قدْ أثبتتْ هذه الحقيقةُ صِحَّتَها في العراقِ و أفغانستانَ ، و خَسِرَ الأمريكيونَ - رغمَ الدُّروسِ التي قدمتْها إسرائيلُ لهمْ عَنْ حَرْبِ الشَّوارعِ و المُدُنِ - أربعةَ آلافِ قتيلٍ ، و أكثرَ مِنْ ستينَ ألفَ مُصَابٍ على أقلِّ التَّقديراتِ .
وفي الثالثَ عَشَرَ مِنْ فبراير عام 2008م ، نشرَ الكاتبُ الأمريكيُّ " مايك هويتني " مقالاً يحملُ عنوانًا ساخرًا ، هو : " أغنيةُ البَجْعَةِ للناتو : التَّكْلِفَةُ الفعليَّةُ للهزيمةِ في أفغانستانَ " ، بدأ " هويتني " مَقَالَهُ بمُقَدِّمَةٍ قالَ فيها : " مِنَ المُفْتَرَضِ أنْ تكونَ حَرْبُنا في أفغانستانَ حَرْبًا مِنْ أجلِ الخيرِ ، و مِنْ أجلِ التَّحريرِ ، حربًا تَلْفِتُ أنظارَ العالَمِ إلى القوَّةِ العسكريَّةِ الأمريكيَّةِ ، و فنونِها القتاليَّةِ ، و جنودِها العِظَامِ ، إنَّها القوَّةُ العُظْمَى في العالَمِ ، التي لا يمكنُ أنْ تُهْزَمَ أوْ تُقَاوَمَ .
إنَّ " واشنطن " تستطيعُ أنْ تنشرَ قواتِها في العالَمِ ، و تستطيعَ أنْ تُطِيْحَ بأعدائِها في أيِّ وقتٍ تشاءُ" . لكنَّ الحربَ في نَظَرِ " هويتني " ليستْ " سياسةً خارجيةً " ، إنَّها " مَذْبَحَةٌ " ، و لا تزالُ " مَذْبَحَةً " بعدَ سَبْعِ سنواتٍ مَضَتْ . أطاحتْ " طالبان " بهذه التَّصوُّرَاتِ عَنِ القوَّةِ الكُبْرَى في العالَمِ و جيشِها العظيمِ ، و انحرفتْ بالحربِ عمَّا أَسْمَاهُ " هويتني " بـنصوصِ الكتابِ المُقَدَّسِ للبنتاجون .
قالَ " بوش " : " إنَّ الحربَ في أفغانستانَ ، يجبُ أنْ تستمرَّ ، و إلا ستصبحُ البلادُ ملاذًا للمُخَدِّراتِ، و الإرهابِ ، و الجريمةِ . إنَّنا نحاربُ إيديولوجيةً هدَّامةً للتطرُّفِ الإسلاميِّ ، الذي يُهَدِّدُ بأنْ يُصْبِحَ حركةً عالميةً " .
هذه هي نَظْرَةُ " بوش" . أمَّا " طالبانُ و " قبائلُ الباشتون" ، فإنها تنظرُ إلى الأمرِ مِنْ زاويةٍ مختلفةٍ ؛ إنَّهم ينظرونَ إلى الحربِ ضدَّهم ، على أنَّها حربٌ استعماريَّةٌ ، تُزِيدُ مِنْ معاناةِ شَعْبِهم ، الذي يعيشُ أكثرَ مِنْ نِصْفِ سُكَّانِهِ تحتَ خَطِّ الفقرِ ، و سُوْءِ التغذيةٍ ، وانخفاضٍ لمتوسطِ الأعمارِ ، و توقُّفٍ للتعليمِ ، و نُزُوْحٍ للآلافٍ مِنْ قُرَاهُمْ و مُدُنِهم . انتشرتْ تجارةُ المُخَدِّرَاتِ ؛ فالبلاد تنتجُ 90% مِنْ أفيونِ العالَمِ ، يحكمُها جنرالاتُ الحربِ ، و تجَّارُ المُخَدِّراتِ ، و الحكومةُ الموالية للغرب .
و لا شيءَ يُبْذَلُ مِنْ أَجْلِ التَّخلُصِ منهم . البلادُ في حالةِ خرابٍ ، لا شيءَ يَتَحَسَّنُ ، ليستْ هناك مِنْ خططٍ لإعمارِها ، و تحسينِ مستوى معيشةِ المواطنِ الأفغانيِّ ، كلُّ ذلكَ ناتجٌ مباشرٌ للاحتلالِ الأجنبي ، و لوْ ظلَّ هذا الاحتلالُ قائمًا لمدةِ عشرِ سنواتٍ أُخْرَى ؛ لبقيتِ البلادُ كما هي على حالِها اليومَ ، و رُبَّما أسوأُ . لم يَجْنِ الاحتلالُ على البلادِ سِوَى الفقرِ الطَّاحنِ ، و القتلِ العَشْوَائيِّ ، الذي لا مُبَرِّرَ له .
لمْ تَفِ " الولاياتُ المتحدةُ " بِوُعُوْدِها التي قَطَعَتْها على نَفْسِها : الحريةِ ، الديمقراطيةِ ، السلامِ ، الرخاءِ ، الاستقرار ، لا شيءَ مِنْ هذا كلِّهِ ، استبدلَتْ بكلِّ ذلكَ الاحتلالَ ، ليسَ لَدَيْها خطةٌ احتياطيةٌ لأفغانستانَ و بالأَحْرَى ليستْ هناكَ خطةٌ على الإطلاقِ ، و معَ ذلكَ كلِّهِ لا يلوحُ هناك أيُّ أملٍ في الأُفُقِ.
أصدقاءُ الغربِ مِنَ الأفغانِ الذين ساعدوا " الولاياتِ المتحدةَ " في مشروعِها " القتالُ مِنْ أَجْلِ كَسْبِ عقولِ و قلوبِ الأفغانِ " - اعترفوا بفَشَلِ هذا المشروعِ ، و سَجَّلَ " هويتني" على لسانِ " الهيئةِ الثوريَّةِ لنساءِ أفغانستانِ " الآتي :
1- إنَّ إعادةَ تحالُفِ الشَّمالِ للسُّلطةِ ، لم يحققْ للشَّعبِ الأفغانيِّ الحريةَ و الرخاءَ ، اللذَيْنِ كان يطمحُ إليهما ، و أنَّ سياسةَ الاعتمادِ على عدوٍّ واحدٍ لهزيمةِ آخرَ - سياسةٌ خاطئةٌ ، هذه السِّياسةُ أدَّتْ في نَظَرِ " الهيئةِ المذكورةِ " ، إلى إحكامِ قَبْضَةِ رجالِ التَّحالُفِ الشَّماليِّ على البلادِ .
2- إنَّ ادِّعاءَ إدارةِ " بوش " بالحربِ لهزيمةِ الإرهابِ ، لمْ يَعُدْ لها مطلقًا أيِّ معنى ، و أنَّ الولاياتِ المتحدةَ لا تريدُ هزيمةَ " طالبان و القاعدةِ " ؛ لأنَّها إذا هَزَمَتْهُما ؛ فلنْ يكونَ لها أيِّ مُبَرِّرٍ للبقاءِ في " أفغانستانَ " ، و تحقيقِ أهدافِها الاقتصاديةِ والاستراتيجيةِ في المنطقةِ .
3- بعدَ سَبْعِ سنواتٍ مِنَ الحربِ ، ليسَ هناكَ سلامٌ ، و لا إعادةُ إعمارٍ ، و لا ديمقراطيةٌ ، إنَّه الفقرُ و المعاناةُ ، تزيدُ حِدَّتُهما كلَّ يومٍ .
4- إذا غادرَ الحلفاءُ " أفغانستانَ " فسيكونُ الأفغانُ أكثرَ حُرِيَّةٍ و إنَّ هذه الحريةَ لنْ تتحقَّقَ إلا على يدِ الأفغانِ أَنْفُسِهم .
يقول " هويتني" في المقالِ الذي أَشَرْنَا إليه : " لمْ تحصلِ الولاياتُ المتحدةُ على أيِّ شيءٍ مِنْ غَزْوِها لأفغانستانَ ، إنَّ الجنودَ الأمريكيينَ لمْ يًسَيْطِرُوا – تمامًا - على كيلومترٍ مربعٍ واحدٍ مِنْ تربةِ
" أفغانستان " ، و في اللحظةِ التي يرفعُ هؤلاءِ الجنودُ فيها أقدامَهم عَنْ هذه الأرضِ ؛ ستعودُ هذه الأرضُ لطالبان " . أشار " هويتني " إلى تصريحِ القائدِ العَسْكَرِيِّ الأمريكيِّ الجنرالِ " دان ماكنيل" ، الذي قالَ فيه : " تحتاجُ " الولاياتُ المتحدةُ " لكَسْرِ مقاومةِ " الباشتون " ، إلى أربعمائةِ ألفِ جنديٍّ ، في حين أنَّ للأمريكيينَ و حِلْفِ الناتو - الآنَ - ستةً و ستينَ ألفَ جنديٍّ ، و يرفضُ الحلفاءُ إرسالَ جنودٍ أكثرَ ، إنَّ النَّصرَ على المستوى اللوجستي البَحْتِ مستحيلٌ ".
حاولَ وزيرُ الدفاعِ الأمريكيِّ " روبرت جيتس " ، التَمَلُّقَ للحُلَفاءِ ، ودَعْوَتَهم إلى إرسالِ المزيدِ مِنَ القواتِ إلى " أفغانستانَ " ، لكنَّ دَعْوَتَهُ قُوْبِلَتْ بمقاومةٍ جافَّةٍ ؛ قالَ الوزيرُ : " رُبَّما لا يدركُ الكثيرونَ مِنْ سكانِ القارَّةِ الأوربيَّةِ ، حَجْمَ التَّهديدِ المباشرِ الذي يتعرَّضُ له الأمنُ الأوربيُّ ، يجبُ علينا ألاَّ ننقسمَ إلى قِسْمَيْنِ : قسمٍ يريدُ الحربَ ، و آخرَ لا يريدُها ، إنَّ هذا الأمرَ لو تَفَاقَمَ بكلِّ أهميتِهِ لأَمْنِنَا المشتركِ ؛ فسوفَ يُحَطِّمُ التَّحالفَ بالفِعْلِ " .
الحُلَفاءُ الأوربيُّونَ لهمْ نَظْرَةٌ مختلفةٌ ؛ إنَّهم يَرَوْنَ أنَّ احتمالاتِ الحربِ في أوربا ضعيفةٌ، و الأوربيونَ لا يحتاجونَ إلى احتلالِ بلادٍ أخرى لاستيفاءِ احتياجاتِهم مِنَ الطَّاقةِ ؛ إنَّ بلادَهم مُزْدَهرةٌ ؛ و يستطيعونَ تَحَمُّلَ شراءِ الوقودِ مِنَ السُّوقِ المفتوحةِ ، " فالولاياتُ المتَّحدةُ " فقطْ هي التي تريدُ الحربَ ، و الحربُ جزءٌ مِنِ استراتيجيتها الكُبْرَى ؛ لفَرْضِ هَيْمَنَتِها على المنطقةِ ؛ للتَّحَكُّمِ في مصادرِها . و يرى الحُلَفاءُ أنَّه ليسَ هناكَ مِنْ أملٍ في نجاحِ هذه الخطّةِ الأمريكيَّةِ .
لنأخذْ " ألمانيا " كمثالٍ ؛ اقتصادُ " ألمانيا " هو ثالثُ اقتصادٍ في العالَمِ ، عَزَّزَتْ " ألمانيا " في السنواتِ الأخيرةِ روابَطها مع " روسيا " ، وعَقَدَتْ معها اتفاقياتٍ ؛ لإمدادِها باحتياجاتِها مِنَ الطَّاقةِ .
لكنَّ " روسيا" مُسْتَاءَةٌ مِنَ التَّحالُفِ الألمانيِ الأمريكيِّ في " أفغانستانَ " ، و يعتقدُ " بُوتن " أنَّ أمريكا تحاربُ في المنطقةِ ؛ لتُرَسِّخَ أقدامَها في " آسيا الوُسْطَى " ؛ حتَّى تتحكَّمَ في طرقِ خطوطِ الأنابيبِ ؛ و محاصرةِ " رُوسيا و الصِّينِ " بالقواعدِ العسكريَّةِ ؛ لذلك يسعى " بوتن " إلى الضَّغْطِ على " إنجيلا ميريكل " ؛ لتسحبَ قواتِها مِنْ " أفغانستانَ " ؛ حتى يمكنَه شَنَّ عاصفةٍ ضدَّ التَّحالُفِ الذي تقودُهُ " الولاياتُ المتحدةُ " . و يُدْرِكُ " القادةُ الألمان " أنَّه " مِنَ الغباءِ أنْ تَحُكَّ أَنْفَ مَنْ يُمِدُّونكَ بالطَّاقةِ " ؛ و همُ الرُّوسُ مِنْ أجلِ مغامراتِ " الولاياتِ المتحدةِ " . و إذا انسحبتْ " ألمانيا" مِنَ التَّحالُفِ ؛ فسوفَ يتفكَّكُ " الناتو " ، و ينشأُ تحالُفٌ جديدٌ . كل هذا يعنى ، أنَّ بدايةَ الشُّقوقِ التي ستؤدي إلى تَصَدُّعِ " الناتو " قدْ ظهرتْ في الأُفُقِ .
هكذا يَرَى الحُلَفاءُ الحقيقةَ ، و هكذا تتصوَّرُ " طالبان " نَفْسَها ؛ فَكَسْبُ الحربِ بالنسبةِ لطالبان أمرٌ حَتْمِيٌّ ، و إنْ طالَ أَمَدُهُ . أمَّا الحلفاءُ فلا يختلفُ تَصَوُّرُهم لكَسْبِ الحربِ عَنْ تصوُّرِ" طالبان " . و لقدْ سَجَّلَ " هويتني " هذه الحقيقةَ بقَوْلِهِ : " إنَّ الحلفاءَ سَيَرَوْنَ بالتَّدريجِ أنَّهم مُتَوَرِّطُونَ في حَرْبِ " بوش " ، التي لا يمكنُ كَسْبَها ، و أنَّ استمرارَ القتالِ لا يُجْدِي نفعًا ، و ليسَ هناكَ حلٌّ عسكريٌّ للصِّراعِ في" أفغانستان " ، و الأملُ في الحلولِ السياسيَّةِ ، يبدو كَلَيْلٍ حالكِ السَّوَادِ دائمًا ، هذا بالإضافةِ إلى الإحساسِ النَّامِي بالإحباطِ " . أمَّا " طالبانُ " فهي عدوٌّ متماسِكٌ ، يزدادُ قوةً يومًا بعدَ يومٍ ، و بعدَ أنْ يُدْرِكَ الأوربيونَ عَدَمَ جَدْوَى الحربِ ، سينسحبونَ منها ، و سيكونُ ذلك نهايةَ النّاتو ".
وخُلاصةُ ما انتهى إليه " هويتني " ، أنَّه ما أنْ تُغادرَ " الولاياتُ المتحدةُ و النّاتو " أرضَ " أفغانستانَ " ، و ما أنْ تحلَّ " طالبان " مكانَهما ؛ حتى يُسَجِّلَ التَّاريخُ وَقْفَتَهُ الثَّالثةَ ؛ فالوقفةُ الأولى كانتْ هزيمةُ " الإمبراطوريةِ البريطانيةِ " ، تلك التي لمْ تكنْ تغيبُ عنها الشَّمسُ ، بعدَ انتهاءِ الحروبِ الثلاثةِ " الأنجلو أفغانية " ، على أرضِ " أفغانستان " . أمَّا الوقفةُ الثانيةُ ؛ فكانتْ هزيمةُ " الإمبراطوريةِ السُّوفيتيةِ " منذُ عشرين عامًا ، على نَفْسِ هذه الأرضِ . و تأتي الوقفةُ الثَّالثةُ ؛ و هي نهايةُ الغربِ ، و ستكونُ هذه الوقفةُ الأخيرةُ ، حاشيةٌ يُضِيْفُها الأفغانُ إلى سِجِلاَّت ِتاريخِهمُ الدِّراميِّ ، على حَدِّ قَوْلِ " هويتني " .
http://qawim.net/index.php?option=com_content&task=view&id=2597&Itemid=1
د. أحمد إبراهيم خضر
http://qawim.net/exq.gif الولاياتُ المُتَّحِدَةُ - أكبرُ قُوَّةٍ في العالَمِ – و حُلَفَاؤُها مِنَ الأوربيينَ ، استطاعوا أنْ يُطِيْحُوا بنظامِ "طالبان " ، لكنَّهم لم يستطيعوا القضاءَ عليها تمامًا ، رغمَ سبعِ سنواتٍ مِنَ الحربِ ضدَّها .
لقدِ اعتقدتِ " الولاياتُ المتَّحدةُ " – كما يقولُ الكاتبُ الأمريكيُّ " مايك هويتني " – أنَّ " طالبان " متى رأتْ قمَّةَ تكنولوجيا الحربِ بالليزرِ ؛ فستفرُّ إلي الجبالِ . نَعَمْ فرَّتْ " طالبان " بالفعلِ إلى الجبالِ ، ثم تراجعتْ ، لكنَّها تراجعتْ تراجُعَ المتحرِّفِ للقتالِ ، فانتظرتْ ، ثُمَّ أعادتْ تنظيمَ نَفْسِها ، و تمكَّنتْ مِنْ حَشْدِ تأييدِ قبائلِ " الباشتون " ، ثُمَّ انتقمتْ ؛ حيثُ شَنَّتْ عملياتٍ عسكريةً في العاصمةِ " كابول" ، و احتلَّتْ مواقعَ في : " لوجار"، و" وارداك "، و" غزني " ، و فرضتْ سَيْطَرَتَها على مناطقَ واسعةٍ في : " زابل" و" هلمند " و " أورزجان" و " قندهار" .
حاربتْ " طالبان " وَفْقَ قواعدَ " منهجيةٍ و مُخَطَّطَةٍ " ، أثبتتْ فيها أنَّها تستطيعُ البقاءَ في ظلِّ أصعبِ الظُّروفِ ، و ما زالتْ تحقِّقُ انتصاراتٍ عسكريةً تكتيكيةً على الجيشِ الأكثرِ إعدادًا ، دَافِعِيَّتُها للقتالِ عاليةٌ ، و تعتقدُ أنَّ قضيتَها التي تحاربُ مِنْ أَجْلِها عادلةٌ ، إنَّها لا تقاتلُ مِنْ أَجْلِ احتلالِ أُمَّةٍ أجنبيةٍ ؛ و لكنْ دفاعًا عَنْ أُمَّتِها ؛ و هذا الأمرُ مِنْ شَأْنِهِ أنْ يُقَوِيَ مِنْ عزيمتِها ، و يحافظَ على رُوْحِها المعنويةِ المرتفعةِ ، وذلكَ على حَدِّ قَوْلِ " هويتني": " طالبان" - كما يرى الباحثونَ في الشَّأْنِ الأفغانيِّ - تقومُ على إيديولوجيةٍ ذاتِ ثلاثةِ محاورَ :
- الأول : أنَّ " الإسلامَ " - كعقيدةٍ و منهجِ حياةٍ - لا تحملُهُ إلا صَفْوَةٌ مختارةٌ لا كثرةٌ ، تكونُ هي نَفْسُها سببًا في هزيمتِهِ ، و أنَّ قَدَرَها أنْ تكونَ هي هذه الصَّفْوةَ .
- الثاني : أنَّ الغربَ- كما ترى طالبان- لا يُطِيْقُ أنْ يَرَى الإسلامَ قائمًا حِيَالَهُ ، و مناقضًا في أصلِ وجودِهِ له ، مخالفًا له مخالفةً جذريةً أصيلةً ، في الصغيرةِ والكبيرةِ مِنْ مناهجِهِ ، يُهَدِّدُ بقاءَهُ بما في طبيعتِهِ مِنَ الحيويَّةِ و الحركةِ لمقاومةِ عدوِّهِ ، و أنَّ الغربَ لا يقعدُ عَنِ الفَتْكِ بالإسلامِ و المسلمينَ ، بلا شَفَقةٍ و لا رحمةٍ ، إلا إذا عَجَزَ عَنْ ذلك ، و أنَّه لا أمانَ له ، و لا عَهْدَ و لا ذِمَّةَ ، و أنَّ هذا هو الخطُّ الأصيلُ ، الذي لا ينحرفُ عنه الغَرْبُ ، إلا لطارئٍ زائلٍ ، ثُمَّ يعودُ فيأخذُ طريقَهُ المرسومَ .
- الثَّالث : أنَّه و إنْ كانَ مِيْزانُ القُوَى بينها و بينَ الغرب غيرَ مُتَكَافِئٍ ، لكنَّ القوَّةَ التي يستندُ إليها الغرب ُ – في نَظَرِ طالبان – هي قوةٌ مُؤَقَّتَةٌ ، تستندُ إلى عواملَ ماديةٍ بَحْتَةٍ ، و هذه العواملُ مِنْ شَأْنِها ألاَّ تَدُومَ ؛ لأنَّ فسادَ الحياةِ الاجتماعيةِ و الشُّعوريةِ عندَ شعوبِها ؛ سيقضي عليها و لو بَعْدَ حينٍ .
أمَّا " العسكريَّةُ الأمريكيَّةُ و الأوربيَّةُ " - كما يرى علماءُ الاجتماعِ العَسْكَرِيِّ - فتعتمدُ أصلاً على التكنولوجيا العاليةِ ؛ لِنِضُوْبِ مَوَارِدِها مِنَ القوةِ البشريَّةِ ؛ بسببِ العقليَّةِ المادِّيةِ التي تحكمُ سكَّانَها ؛ و بسببٍ آخرَ أهمَّ ؛ و هو أنَّ المجنَّدِيْنَ في قواتِها ، يُمَثِّلُونَ أدنى المستوياتِ الاجتماعيةِ ، تلك التي تجدُ في الجيشَ أفضلَ بديلٍ لها ، في سوقٍ يعتمدُ علي المنافسةِ الحُرَّةِ ، و لهذا كان غالبيةُ المجنَّدِيْنَ في الجيشِ الأمريكيِّ مِنَ الريفيين والزُّنوجِ و النِّساءِ ، حتَّى أنَّ المسئولينَ العسكريينَ ، اضْطُرُّوا إلى تخفيفِ مستوياتِ الالتحاقِ بالقواتِ المسلحةِ ، و إلى إعادةِ تجنيدِ هؤلاءِ الذين ثبتَ عدمُ لياقتِهم نفسيًا و عقليًّا ؛ لهذا يكونُ مِنَ المنطقي ، أنْ تكونَ القُوَّةُ التي تستطيعُ أنْ تُحَيِّدَ هذه التكنولوجيا العاليةَ ، و تُجْبِرَ الأمريكيينَ على حَرْبِ الشَّوارعِ و المُدُنِ و الجبالِ - قادرةً على إحراجِ هذا الجيشِ العظيمِ ، و لا تُمَكِّنُهُ مِنْ نَصْرٍ حاسمٍ ، و قدْ أثبتتْ هذه الحقيقةُ صِحَّتَها في العراقِ و أفغانستانَ ، و خَسِرَ الأمريكيونَ - رغمَ الدُّروسِ التي قدمتْها إسرائيلُ لهمْ عَنْ حَرْبِ الشَّوارعِ و المُدُنِ - أربعةَ آلافِ قتيلٍ ، و أكثرَ مِنْ ستينَ ألفَ مُصَابٍ على أقلِّ التَّقديراتِ .
وفي الثالثَ عَشَرَ مِنْ فبراير عام 2008م ، نشرَ الكاتبُ الأمريكيُّ " مايك هويتني " مقالاً يحملُ عنوانًا ساخرًا ، هو : " أغنيةُ البَجْعَةِ للناتو : التَّكْلِفَةُ الفعليَّةُ للهزيمةِ في أفغانستانَ " ، بدأ " هويتني " مَقَالَهُ بمُقَدِّمَةٍ قالَ فيها : " مِنَ المُفْتَرَضِ أنْ تكونَ حَرْبُنا في أفغانستانَ حَرْبًا مِنْ أجلِ الخيرِ ، و مِنْ أجلِ التَّحريرِ ، حربًا تَلْفِتُ أنظارَ العالَمِ إلى القوَّةِ العسكريَّةِ الأمريكيَّةِ ، و فنونِها القتاليَّةِ ، و جنودِها العِظَامِ ، إنَّها القوَّةُ العُظْمَى في العالَمِ ، التي لا يمكنُ أنْ تُهْزَمَ أوْ تُقَاوَمَ .
إنَّ " واشنطن " تستطيعُ أنْ تنشرَ قواتِها في العالَمِ ، و تستطيعَ أنْ تُطِيْحَ بأعدائِها في أيِّ وقتٍ تشاءُ" . لكنَّ الحربَ في نَظَرِ " هويتني " ليستْ " سياسةً خارجيةً " ، إنَّها " مَذْبَحَةٌ " ، و لا تزالُ " مَذْبَحَةً " بعدَ سَبْعِ سنواتٍ مَضَتْ . أطاحتْ " طالبان " بهذه التَّصوُّرَاتِ عَنِ القوَّةِ الكُبْرَى في العالَمِ و جيشِها العظيمِ ، و انحرفتْ بالحربِ عمَّا أَسْمَاهُ " هويتني " بـنصوصِ الكتابِ المُقَدَّسِ للبنتاجون .
قالَ " بوش " : " إنَّ الحربَ في أفغانستانَ ، يجبُ أنْ تستمرَّ ، و إلا ستصبحُ البلادُ ملاذًا للمُخَدِّراتِ، و الإرهابِ ، و الجريمةِ . إنَّنا نحاربُ إيديولوجيةً هدَّامةً للتطرُّفِ الإسلاميِّ ، الذي يُهَدِّدُ بأنْ يُصْبِحَ حركةً عالميةً " .
هذه هي نَظْرَةُ " بوش" . أمَّا " طالبانُ و " قبائلُ الباشتون" ، فإنها تنظرُ إلى الأمرِ مِنْ زاويةٍ مختلفةٍ ؛ إنَّهم ينظرونَ إلى الحربِ ضدَّهم ، على أنَّها حربٌ استعماريَّةٌ ، تُزِيدُ مِنْ معاناةِ شَعْبِهم ، الذي يعيشُ أكثرَ مِنْ نِصْفِ سُكَّانِهِ تحتَ خَطِّ الفقرِ ، و سُوْءِ التغذيةٍ ، وانخفاضٍ لمتوسطِ الأعمارِ ، و توقُّفٍ للتعليمِ ، و نُزُوْحٍ للآلافٍ مِنْ قُرَاهُمْ و مُدُنِهم . انتشرتْ تجارةُ المُخَدِّرَاتِ ؛ فالبلاد تنتجُ 90% مِنْ أفيونِ العالَمِ ، يحكمُها جنرالاتُ الحربِ ، و تجَّارُ المُخَدِّراتِ ، و الحكومةُ الموالية للغرب .
و لا شيءَ يُبْذَلُ مِنْ أَجْلِ التَّخلُصِ منهم . البلادُ في حالةِ خرابٍ ، لا شيءَ يَتَحَسَّنُ ، ليستْ هناك مِنْ خططٍ لإعمارِها ، و تحسينِ مستوى معيشةِ المواطنِ الأفغانيِّ ، كلُّ ذلكَ ناتجٌ مباشرٌ للاحتلالِ الأجنبي ، و لوْ ظلَّ هذا الاحتلالُ قائمًا لمدةِ عشرِ سنواتٍ أُخْرَى ؛ لبقيتِ البلادُ كما هي على حالِها اليومَ ، و رُبَّما أسوأُ . لم يَجْنِ الاحتلالُ على البلادِ سِوَى الفقرِ الطَّاحنِ ، و القتلِ العَشْوَائيِّ ، الذي لا مُبَرِّرَ له .
لمْ تَفِ " الولاياتُ المتحدةُ " بِوُعُوْدِها التي قَطَعَتْها على نَفْسِها : الحريةِ ، الديمقراطيةِ ، السلامِ ، الرخاءِ ، الاستقرار ، لا شيءَ مِنْ هذا كلِّهِ ، استبدلَتْ بكلِّ ذلكَ الاحتلالَ ، ليسَ لَدَيْها خطةٌ احتياطيةٌ لأفغانستانَ و بالأَحْرَى ليستْ هناكَ خطةٌ على الإطلاقِ ، و معَ ذلكَ كلِّهِ لا يلوحُ هناك أيُّ أملٍ في الأُفُقِ.
أصدقاءُ الغربِ مِنَ الأفغانِ الذين ساعدوا " الولاياتِ المتحدةَ " في مشروعِها " القتالُ مِنْ أَجْلِ كَسْبِ عقولِ و قلوبِ الأفغانِ " - اعترفوا بفَشَلِ هذا المشروعِ ، و سَجَّلَ " هويتني" على لسانِ " الهيئةِ الثوريَّةِ لنساءِ أفغانستانِ " الآتي :
1- إنَّ إعادةَ تحالُفِ الشَّمالِ للسُّلطةِ ، لم يحققْ للشَّعبِ الأفغانيِّ الحريةَ و الرخاءَ ، اللذَيْنِ كان يطمحُ إليهما ، و أنَّ سياسةَ الاعتمادِ على عدوٍّ واحدٍ لهزيمةِ آخرَ - سياسةٌ خاطئةٌ ، هذه السِّياسةُ أدَّتْ في نَظَرِ " الهيئةِ المذكورةِ " ، إلى إحكامِ قَبْضَةِ رجالِ التَّحالُفِ الشَّماليِّ على البلادِ .
2- إنَّ ادِّعاءَ إدارةِ " بوش " بالحربِ لهزيمةِ الإرهابِ ، لمْ يَعُدْ لها مطلقًا أيِّ معنى ، و أنَّ الولاياتِ المتحدةَ لا تريدُ هزيمةَ " طالبان و القاعدةِ " ؛ لأنَّها إذا هَزَمَتْهُما ؛ فلنْ يكونَ لها أيِّ مُبَرِّرٍ للبقاءِ في " أفغانستانَ " ، و تحقيقِ أهدافِها الاقتصاديةِ والاستراتيجيةِ في المنطقةِ .
3- بعدَ سَبْعِ سنواتٍ مِنَ الحربِ ، ليسَ هناكَ سلامٌ ، و لا إعادةُ إعمارٍ ، و لا ديمقراطيةٌ ، إنَّه الفقرُ و المعاناةُ ، تزيدُ حِدَّتُهما كلَّ يومٍ .
4- إذا غادرَ الحلفاءُ " أفغانستانَ " فسيكونُ الأفغانُ أكثرَ حُرِيَّةٍ و إنَّ هذه الحريةَ لنْ تتحقَّقَ إلا على يدِ الأفغانِ أَنْفُسِهم .
يقول " هويتني" في المقالِ الذي أَشَرْنَا إليه : " لمْ تحصلِ الولاياتُ المتحدةُ على أيِّ شيءٍ مِنْ غَزْوِها لأفغانستانَ ، إنَّ الجنودَ الأمريكيينَ لمْ يًسَيْطِرُوا – تمامًا - على كيلومترٍ مربعٍ واحدٍ مِنْ تربةِ
" أفغانستان " ، و في اللحظةِ التي يرفعُ هؤلاءِ الجنودُ فيها أقدامَهم عَنْ هذه الأرضِ ؛ ستعودُ هذه الأرضُ لطالبان " . أشار " هويتني " إلى تصريحِ القائدِ العَسْكَرِيِّ الأمريكيِّ الجنرالِ " دان ماكنيل" ، الذي قالَ فيه : " تحتاجُ " الولاياتُ المتحدةُ " لكَسْرِ مقاومةِ " الباشتون " ، إلى أربعمائةِ ألفِ جنديٍّ ، في حين أنَّ للأمريكيينَ و حِلْفِ الناتو - الآنَ - ستةً و ستينَ ألفَ جنديٍّ ، و يرفضُ الحلفاءُ إرسالَ جنودٍ أكثرَ ، إنَّ النَّصرَ على المستوى اللوجستي البَحْتِ مستحيلٌ ".
حاولَ وزيرُ الدفاعِ الأمريكيِّ " روبرت جيتس " ، التَمَلُّقَ للحُلَفاءِ ، ودَعْوَتَهم إلى إرسالِ المزيدِ مِنَ القواتِ إلى " أفغانستانَ " ، لكنَّ دَعْوَتَهُ قُوْبِلَتْ بمقاومةٍ جافَّةٍ ؛ قالَ الوزيرُ : " رُبَّما لا يدركُ الكثيرونَ مِنْ سكانِ القارَّةِ الأوربيَّةِ ، حَجْمَ التَّهديدِ المباشرِ الذي يتعرَّضُ له الأمنُ الأوربيُّ ، يجبُ علينا ألاَّ ننقسمَ إلى قِسْمَيْنِ : قسمٍ يريدُ الحربَ ، و آخرَ لا يريدُها ، إنَّ هذا الأمرَ لو تَفَاقَمَ بكلِّ أهميتِهِ لأَمْنِنَا المشتركِ ؛ فسوفَ يُحَطِّمُ التَّحالفَ بالفِعْلِ " .
الحُلَفاءُ الأوربيُّونَ لهمْ نَظْرَةٌ مختلفةٌ ؛ إنَّهم يَرَوْنَ أنَّ احتمالاتِ الحربِ في أوربا ضعيفةٌ، و الأوربيونَ لا يحتاجونَ إلى احتلالِ بلادٍ أخرى لاستيفاءِ احتياجاتِهم مِنَ الطَّاقةِ ؛ إنَّ بلادَهم مُزْدَهرةٌ ؛ و يستطيعونَ تَحَمُّلَ شراءِ الوقودِ مِنَ السُّوقِ المفتوحةِ ، " فالولاياتُ المتَّحدةُ " فقطْ هي التي تريدُ الحربَ ، و الحربُ جزءٌ مِنِ استراتيجيتها الكُبْرَى ؛ لفَرْضِ هَيْمَنَتِها على المنطقةِ ؛ للتَّحَكُّمِ في مصادرِها . و يرى الحُلَفاءُ أنَّه ليسَ هناكَ مِنْ أملٍ في نجاحِ هذه الخطّةِ الأمريكيَّةِ .
لنأخذْ " ألمانيا " كمثالٍ ؛ اقتصادُ " ألمانيا " هو ثالثُ اقتصادٍ في العالَمِ ، عَزَّزَتْ " ألمانيا " في السنواتِ الأخيرةِ روابَطها مع " روسيا " ، وعَقَدَتْ معها اتفاقياتٍ ؛ لإمدادِها باحتياجاتِها مِنَ الطَّاقةِ .
لكنَّ " روسيا" مُسْتَاءَةٌ مِنَ التَّحالُفِ الألمانيِ الأمريكيِّ في " أفغانستانَ " ، و يعتقدُ " بُوتن " أنَّ أمريكا تحاربُ في المنطقةِ ؛ لتُرَسِّخَ أقدامَها في " آسيا الوُسْطَى " ؛ حتَّى تتحكَّمَ في طرقِ خطوطِ الأنابيبِ ؛ و محاصرةِ " رُوسيا و الصِّينِ " بالقواعدِ العسكريَّةِ ؛ لذلك يسعى " بوتن " إلى الضَّغْطِ على " إنجيلا ميريكل " ؛ لتسحبَ قواتِها مِنْ " أفغانستانَ " ؛ حتى يمكنَه شَنَّ عاصفةٍ ضدَّ التَّحالُفِ الذي تقودُهُ " الولاياتُ المتحدةُ " . و يُدْرِكُ " القادةُ الألمان " أنَّه " مِنَ الغباءِ أنْ تَحُكَّ أَنْفَ مَنْ يُمِدُّونكَ بالطَّاقةِ " ؛ و همُ الرُّوسُ مِنْ أجلِ مغامراتِ " الولاياتِ المتحدةِ " . و إذا انسحبتْ " ألمانيا" مِنَ التَّحالُفِ ؛ فسوفَ يتفكَّكُ " الناتو " ، و ينشأُ تحالُفٌ جديدٌ . كل هذا يعنى ، أنَّ بدايةَ الشُّقوقِ التي ستؤدي إلى تَصَدُّعِ " الناتو " قدْ ظهرتْ في الأُفُقِ .
هكذا يَرَى الحُلَفاءُ الحقيقةَ ، و هكذا تتصوَّرُ " طالبان " نَفْسَها ؛ فَكَسْبُ الحربِ بالنسبةِ لطالبان أمرٌ حَتْمِيٌّ ، و إنْ طالَ أَمَدُهُ . أمَّا الحلفاءُ فلا يختلفُ تَصَوُّرُهم لكَسْبِ الحربِ عَنْ تصوُّرِ" طالبان " . و لقدْ سَجَّلَ " هويتني " هذه الحقيقةَ بقَوْلِهِ : " إنَّ الحلفاءَ سَيَرَوْنَ بالتَّدريجِ أنَّهم مُتَوَرِّطُونَ في حَرْبِ " بوش " ، التي لا يمكنُ كَسْبَها ، و أنَّ استمرارَ القتالِ لا يُجْدِي نفعًا ، و ليسَ هناكَ حلٌّ عسكريٌّ للصِّراعِ في" أفغانستان " ، و الأملُ في الحلولِ السياسيَّةِ ، يبدو كَلَيْلٍ حالكِ السَّوَادِ دائمًا ، هذا بالإضافةِ إلى الإحساسِ النَّامِي بالإحباطِ " . أمَّا " طالبانُ " فهي عدوٌّ متماسِكٌ ، يزدادُ قوةً يومًا بعدَ يومٍ ، و بعدَ أنْ يُدْرِكَ الأوربيونَ عَدَمَ جَدْوَى الحربِ ، سينسحبونَ منها ، و سيكونُ ذلك نهايةَ النّاتو ".
وخُلاصةُ ما انتهى إليه " هويتني " ، أنَّه ما أنْ تُغادرَ " الولاياتُ المتحدةُ و النّاتو " أرضَ " أفغانستانَ " ، و ما أنْ تحلَّ " طالبان " مكانَهما ؛ حتى يُسَجِّلَ التَّاريخُ وَقْفَتَهُ الثَّالثةَ ؛ فالوقفةُ الأولى كانتْ هزيمةُ " الإمبراطوريةِ البريطانيةِ " ، تلك التي لمْ تكنْ تغيبُ عنها الشَّمسُ ، بعدَ انتهاءِ الحروبِ الثلاثةِ " الأنجلو أفغانية " ، على أرضِ " أفغانستان " . أمَّا الوقفةُ الثانيةُ ؛ فكانتْ هزيمةُ " الإمبراطوريةِ السُّوفيتيةِ " منذُ عشرين عامًا ، على نَفْسِ هذه الأرضِ . و تأتي الوقفةُ الثَّالثةُ ؛ و هي نهايةُ الغربِ ، و ستكونُ هذه الوقفةُ الأخيرةُ ، حاشيةٌ يُضِيْفُها الأفغانُ إلى سِجِلاَّت ِتاريخِهمُ الدِّراميِّ ، على حَدِّ قَوْلِ " هويتني " .
http://qawim.net/index.php?option=com_content&task=view&id=2597&Itemid=1