عزام
04-17-2008, 08:13 AM
مقال مطروح للنقاش
عزام
حول الثغرة السنّية في المعارضة اللبنانيّة
وسيم أحمد نابلسي *
الداعية فتحي يكن يؤمّ المصلّين في اعتصام وسط بيروت (أرشيف ــ أ ف ب)تتشابه مسألة الثغرة السنية في المعارضة مع الشائعات الغاطسة. فهي تغوص وتختفي عن الذكر في أوقات الأزمات، لتعود وتُخرج رأسها من الماء عندما يسمح لها الفراغ الذي يحدثه الستاتيكو وقلّة الأحداث بذلك. فبإزاء أزمة ما، تتجاهل قيادات المعارضة موضوع هذه الثغرة، وتنطلق مردّدة أسماء قيادات المعارضة السنية، مستغلة إياها للترويج لفكرة وطنية المعارضة وسياسية الصراع في وجه التطييف والمذهبة.
أمّا في مراحل المراوحة، فنجد أنّ سائر أطياف المعارضة غير السنية تنضم إلى قوى الموالاة في نقد المعارضة السنية، وتحميلها مسؤولية التقصير في اكتساح الشارع السني و«تشليحه» من آل الحريري. وهكذا، كلّما دخلت البلاد مرحلة من المراوحة، استعدّت المعارضة السنية لهجمة جديدة. فمن الاتهام بالتشيّع (من خصومها)، إلى الاتهام بالتقصير بالخدمات (غسان سعود في الأخبار) ، وصولاً إلى حدّ التسليم بعدم جدوى هذه القوى ووجوب العمل على استقطاب الجماعة الإسلامية بأي وسيلة كانت (ابراهيم الأمين) . وهذا الرأي الأخير ينطلق من مسلّمة جرى المرور عليها سريعاً، مفادها أنه: «جرى تقديم بعض المقامات السنية على أساس أنها شريك كامل... لكن ذلك لا يكفي لقلب الصورة». فحتى عندما انبرت إحدى قيادات هذه المعارضة (خلدون الشريف) للدفاع عن الموقع السني في المعارضة، نراه ينظّر لهذا الموقع كرافد وطني للمقاومة «الشيعية».
هكذا نرى أنّ الجميع ينسى أو يتجاهل الموقع الحقيقي والصحيح لسنة المعارضة. سنّة المعارضة هم السنة الميثاقيّون الذين كانوا من مؤسّسي الميثاق اللبناني ومن المدافعين الشرسين عنه على مرّ العقود التي شكّلت عمر الكيان اللبناني. وهم بذلك أم الصبي، وأكثر المدركين أهمية الشعارات التي ترفعها القيادات المركزية في المعارضة اليوم، والتي لم تكن تعنى بها في أي يوم سابق. حتى أن حداثة تبنّي هذه القيادات شعارات التوافقية والميثاقية وعروبة لبنان مع الاحتفاظ بخصوصيته وغيرها، تجعل من الصعب على سنّة الموالاة الاقتناع بصدق متبنيها الجدد. كل هذا يجري في الوقت الذي ما زالت فيه قواعد التيار الوطني الحر ترى إلى قادة المعارضة السنّية كحلفاء سابقين لسوريا ومعادين سابقين للجنرال
ولعودته.
هكذا، وقبل أن يُطلب من المعارضة السنية أن «تشلّح» الشارع من آل الحريري، يطرح التساؤل: ما هو الجهد الذي بذلته قيادة التيار الوطني الحر لتعريف جمهورها وناسها بالدور التاريخي الميثاقي والتوافقي للزعامات السنية المعارضة؟ ولماذا يبلغ التحالف مع حزب الله درجة التماهي ويبقى بارداً (إن لم نقل مخجلاً أحياناً) مع سنّة المعارضة؟ وهل جمهور حزب الله مقتنع حقاً بأن سنّة المعارضة يمثّلون 30 إلى 40 في المئة من الشارع السني؟ هل يعرف جمهور المعارضة الأوسع (بشقّيه) حقيقة ما جرى بين عمر كرامي والأمن السوري خلال وجود السوري في لبنان؟ وكم عونيّاً سمع عن إصرار رشيد كرامي على خصوصية لبنان، ليس في وجه السوريين، بل في وجه جمال عبد الناصر نفسه وفي عز أيام الزعيم العروبي (وثائقي حرب لبنان الذي عرض على شاشة الجزيرة)؟ وهل انتبه أحد إلى الأثمان التي تدفعها المعارضة السنّية نتيجة أخطاء الآخرين؟ ماذا عن موقف سنّة المعارضة بعد الخطابات المذهبية للتيار الوطني الحر إبان انتخابات المتن وتباهي سنّة الموالاة، بالمقابل، بأن مسيحيي 14 آذار مجرد تابعين لسعد الحريري؟ ويبقى السؤال الأول والأهم: متى جرى تظهير القيادات السنية كمشاركة حقيقية في قرار المعارضة؟
وإذا كانت الشكوى الأساسية لسنة المعارضة هي ضحالة قدراتهم الإعلامية، فما الذي قدمته وسائل الإعلام المعارضة أو القريبة من المعارضة؟ الإيحاء بأنّ السني بات يرى سمير جعجع أقرب إليه من عمر كرامي؟ أم استخدام صورة نزعتها الرياح لعمر كرامي في مقال عنوانه من نوع: «صور ترفع وصور تهبط»؟
سنّة المعارضة يرون أنفسهم في موقعهم الطبيعي الذي لا يمكن أن يكونوا خارجه ولا يمكن أن يساوموا عليه. وهم في الحقيقة ليسوا رافداً لأطياف المعارضة الأخرى، بل هم أم الصبي في مجمل طروحات المعارضة. وهم بهذا الموقف لا ينتظرون أن يكون أحد ما ممتنّاً لهم، ولا أن يقدّم لهم أحد العون أو المساعدات، ولا حتى أن يجهد أحد نفسه في تظهيرهم كمشارك في صناعة القرار السياسي للمعارضة. وكما يردّد صاحب نظرية الرافد دائماً (خلدون الشريف): «عندما أقف إلى جانب المقاومة، فأنا أقف إلى جانب نفسي ومبادئي أولاً».
وبمثل هذه الوقفة، يتجلّى موقف المعارضة السنية من تهميش الوزراء الشيعة أو من الاستيلاء على صلاحيات رئيس الجمهورية. فهذه المعارضة التي عانت ما عانته على مر العقود منذ الاستقلال، من محاولات انعزالية للتهميش والاستفراد، والتي وقفت حجر العثرة في وجه هذه المشاريع وما كان يترتب عليها في حينها من احتمالات التقسيم والتوطين وسواها مما هو أخطر، هذه القيادات السنية لا يمكن أن تسكت على مشاريع كهذه، ولا سيما إذا ما ارتكبت باسم السنية السياسية المستجدة التي ما كانت الطائفة السنية لولاها لتتحول إلى طائفة ذات ثقافة أقلوية تنازع باقي الطوائف على التوظيفات والتعيينات والانتفاع من المال العام، بعد أن كانت بيضة الميزان في الحراك السياسي اللبناني منذ الاستقلال.
من هنا، يصبح الوقوف في مواجهة تهميش الشيعة ومصادرة المواقع المارونية وقوفاً مع الذات، قبل أن يكون حلفاً غير متجذر مع حزب الله أو مع التيار الوطني
الحر.
للأسف، يبدو أن قادة المعارضة (غير السنية) يفهمون هذا الواقع تماماً، ويتعاملون معه بالطريقة غير المناسبة نفسها، حتى لا نقول أكثر، التي تعامل بها السوريون سابقاً وترتب عليها ما ترتب عند الخروج السوري من
لبنان.
هكذا، وبالبناء على هذا الفهم التام لواقع سنة المعارضة، يأتيك من يريد أن يستقطب الجماعة الإسلامية إلى صفوف المعارضة كبديل سنّي عقائدي عن إسلاميي المستقبل. ونستغرب كيف لا يتساءل صاحب الطرح: ماذا بقي من عقائدية الجماعة بعد كل هذه البراغماتية التي بدأتها حتى قبل الخروج السوري من لبنان عبر تحالفاتها الانتخابية المثيرة للجدل، والتي تضخّمت لاحقاً عقب اغتيال الحريري عندما انضمت بالفعل والمضمون إلى 14 آذار وبقيت تحاول، بخجل، المحافظة على حيادها اللفظي؟ وهل بقي شيء منه بعد خطاب أسعد هرموش وعلي عمار في ساحة الشهداء؟ وهل كانت «فتح الإسلام» لتظهر أو «القاعدة» لتزدهر لو أن الجماعة ما زالت محافظة على نهجها العقائدي القادر على استقطاب شباب هذه الجماعات؟ وهل من جدية حقيقية في طرح إشراك الجماعة في عمليات المقاومة بعد كل ما أثير عن قوات الفجر (وبما يشبه العويل الشيوعي عن احتكار المقاومة)؟
دعونا ننتظر ما ستوصل إليه نظرية «المصلحة الصرفة».
* محام لبناني
عزام
حول الثغرة السنّية في المعارضة اللبنانيّة
وسيم أحمد نابلسي *
الداعية فتحي يكن يؤمّ المصلّين في اعتصام وسط بيروت (أرشيف ــ أ ف ب)تتشابه مسألة الثغرة السنية في المعارضة مع الشائعات الغاطسة. فهي تغوص وتختفي عن الذكر في أوقات الأزمات، لتعود وتُخرج رأسها من الماء عندما يسمح لها الفراغ الذي يحدثه الستاتيكو وقلّة الأحداث بذلك. فبإزاء أزمة ما، تتجاهل قيادات المعارضة موضوع هذه الثغرة، وتنطلق مردّدة أسماء قيادات المعارضة السنية، مستغلة إياها للترويج لفكرة وطنية المعارضة وسياسية الصراع في وجه التطييف والمذهبة.
أمّا في مراحل المراوحة، فنجد أنّ سائر أطياف المعارضة غير السنية تنضم إلى قوى الموالاة في نقد المعارضة السنية، وتحميلها مسؤولية التقصير في اكتساح الشارع السني و«تشليحه» من آل الحريري. وهكذا، كلّما دخلت البلاد مرحلة من المراوحة، استعدّت المعارضة السنية لهجمة جديدة. فمن الاتهام بالتشيّع (من خصومها)، إلى الاتهام بالتقصير بالخدمات (غسان سعود في الأخبار) ، وصولاً إلى حدّ التسليم بعدم جدوى هذه القوى ووجوب العمل على استقطاب الجماعة الإسلامية بأي وسيلة كانت (ابراهيم الأمين) . وهذا الرأي الأخير ينطلق من مسلّمة جرى المرور عليها سريعاً، مفادها أنه: «جرى تقديم بعض المقامات السنية على أساس أنها شريك كامل... لكن ذلك لا يكفي لقلب الصورة». فحتى عندما انبرت إحدى قيادات هذه المعارضة (خلدون الشريف) للدفاع عن الموقع السني في المعارضة، نراه ينظّر لهذا الموقع كرافد وطني للمقاومة «الشيعية».
هكذا نرى أنّ الجميع ينسى أو يتجاهل الموقع الحقيقي والصحيح لسنة المعارضة. سنّة المعارضة هم السنة الميثاقيّون الذين كانوا من مؤسّسي الميثاق اللبناني ومن المدافعين الشرسين عنه على مرّ العقود التي شكّلت عمر الكيان اللبناني. وهم بذلك أم الصبي، وأكثر المدركين أهمية الشعارات التي ترفعها القيادات المركزية في المعارضة اليوم، والتي لم تكن تعنى بها في أي يوم سابق. حتى أن حداثة تبنّي هذه القيادات شعارات التوافقية والميثاقية وعروبة لبنان مع الاحتفاظ بخصوصيته وغيرها، تجعل من الصعب على سنّة الموالاة الاقتناع بصدق متبنيها الجدد. كل هذا يجري في الوقت الذي ما زالت فيه قواعد التيار الوطني الحر ترى إلى قادة المعارضة السنّية كحلفاء سابقين لسوريا ومعادين سابقين للجنرال
ولعودته.
هكذا، وقبل أن يُطلب من المعارضة السنية أن «تشلّح» الشارع من آل الحريري، يطرح التساؤل: ما هو الجهد الذي بذلته قيادة التيار الوطني الحر لتعريف جمهورها وناسها بالدور التاريخي الميثاقي والتوافقي للزعامات السنية المعارضة؟ ولماذا يبلغ التحالف مع حزب الله درجة التماهي ويبقى بارداً (إن لم نقل مخجلاً أحياناً) مع سنّة المعارضة؟ وهل جمهور حزب الله مقتنع حقاً بأن سنّة المعارضة يمثّلون 30 إلى 40 في المئة من الشارع السني؟ هل يعرف جمهور المعارضة الأوسع (بشقّيه) حقيقة ما جرى بين عمر كرامي والأمن السوري خلال وجود السوري في لبنان؟ وكم عونيّاً سمع عن إصرار رشيد كرامي على خصوصية لبنان، ليس في وجه السوريين، بل في وجه جمال عبد الناصر نفسه وفي عز أيام الزعيم العروبي (وثائقي حرب لبنان الذي عرض على شاشة الجزيرة)؟ وهل انتبه أحد إلى الأثمان التي تدفعها المعارضة السنّية نتيجة أخطاء الآخرين؟ ماذا عن موقف سنّة المعارضة بعد الخطابات المذهبية للتيار الوطني الحر إبان انتخابات المتن وتباهي سنّة الموالاة، بالمقابل، بأن مسيحيي 14 آذار مجرد تابعين لسعد الحريري؟ ويبقى السؤال الأول والأهم: متى جرى تظهير القيادات السنية كمشاركة حقيقية في قرار المعارضة؟
وإذا كانت الشكوى الأساسية لسنة المعارضة هي ضحالة قدراتهم الإعلامية، فما الذي قدمته وسائل الإعلام المعارضة أو القريبة من المعارضة؟ الإيحاء بأنّ السني بات يرى سمير جعجع أقرب إليه من عمر كرامي؟ أم استخدام صورة نزعتها الرياح لعمر كرامي في مقال عنوانه من نوع: «صور ترفع وصور تهبط»؟
سنّة المعارضة يرون أنفسهم في موقعهم الطبيعي الذي لا يمكن أن يكونوا خارجه ولا يمكن أن يساوموا عليه. وهم في الحقيقة ليسوا رافداً لأطياف المعارضة الأخرى، بل هم أم الصبي في مجمل طروحات المعارضة. وهم بهذا الموقف لا ينتظرون أن يكون أحد ما ممتنّاً لهم، ولا أن يقدّم لهم أحد العون أو المساعدات، ولا حتى أن يجهد أحد نفسه في تظهيرهم كمشارك في صناعة القرار السياسي للمعارضة. وكما يردّد صاحب نظرية الرافد دائماً (خلدون الشريف): «عندما أقف إلى جانب المقاومة، فأنا أقف إلى جانب نفسي ومبادئي أولاً».
وبمثل هذه الوقفة، يتجلّى موقف المعارضة السنية من تهميش الوزراء الشيعة أو من الاستيلاء على صلاحيات رئيس الجمهورية. فهذه المعارضة التي عانت ما عانته على مر العقود منذ الاستقلال، من محاولات انعزالية للتهميش والاستفراد، والتي وقفت حجر العثرة في وجه هذه المشاريع وما كان يترتب عليها في حينها من احتمالات التقسيم والتوطين وسواها مما هو أخطر، هذه القيادات السنية لا يمكن أن تسكت على مشاريع كهذه، ولا سيما إذا ما ارتكبت باسم السنية السياسية المستجدة التي ما كانت الطائفة السنية لولاها لتتحول إلى طائفة ذات ثقافة أقلوية تنازع باقي الطوائف على التوظيفات والتعيينات والانتفاع من المال العام، بعد أن كانت بيضة الميزان في الحراك السياسي اللبناني منذ الاستقلال.
من هنا، يصبح الوقوف في مواجهة تهميش الشيعة ومصادرة المواقع المارونية وقوفاً مع الذات، قبل أن يكون حلفاً غير متجذر مع حزب الله أو مع التيار الوطني
الحر.
للأسف، يبدو أن قادة المعارضة (غير السنية) يفهمون هذا الواقع تماماً، ويتعاملون معه بالطريقة غير المناسبة نفسها، حتى لا نقول أكثر، التي تعامل بها السوريون سابقاً وترتب عليها ما ترتب عند الخروج السوري من
لبنان.
هكذا، وبالبناء على هذا الفهم التام لواقع سنة المعارضة، يأتيك من يريد أن يستقطب الجماعة الإسلامية إلى صفوف المعارضة كبديل سنّي عقائدي عن إسلاميي المستقبل. ونستغرب كيف لا يتساءل صاحب الطرح: ماذا بقي من عقائدية الجماعة بعد كل هذه البراغماتية التي بدأتها حتى قبل الخروج السوري من لبنان عبر تحالفاتها الانتخابية المثيرة للجدل، والتي تضخّمت لاحقاً عقب اغتيال الحريري عندما انضمت بالفعل والمضمون إلى 14 آذار وبقيت تحاول، بخجل، المحافظة على حيادها اللفظي؟ وهل بقي شيء منه بعد خطاب أسعد هرموش وعلي عمار في ساحة الشهداء؟ وهل كانت «فتح الإسلام» لتظهر أو «القاعدة» لتزدهر لو أن الجماعة ما زالت محافظة على نهجها العقائدي القادر على استقطاب شباب هذه الجماعات؟ وهل من جدية حقيقية في طرح إشراك الجماعة في عمليات المقاومة بعد كل ما أثير عن قوات الفجر (وبما يشبه العويل الشيوعي عن احتكار المقاومة)؟
دعونا ننتظر ما ستوصل إليه نظرية «المصلحة الصرفة».
* محام لبناني