من هناك
04-15-2008, 11:08 PM
قرار المحكمة الدستورية في تركيا قبول النظر في الدعوى المرفوعة إليها، من المدعي العام التركي بهدف حل حزب العدالة والتنمية الحاكم ومنع سبعين من أعضائه البارزين بمن فيهم رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، من ممارسة العمل السياسي لخمس سنوات، بدعوى أن الحزب يمارس سياسة تتعارض مع علمانية الدولة، وأن مقراته أصبحت أوكاراً للنشاطات الدينية، يطعن بمصداقية القضاء التركي المسيس خصوصا وأن أعضاء المحكمة قد عيّن معظمهم الرئيس التركي السابق والخصم اللدود لحزب اردوغان نجدت سيزر.
مسألة قيام القضاء التركي بحل حزب ومنع سياسيين من ممارسة العمل السياسي تكررت في الماضي ومع جميع الأحزاب التي أسسها الزعيم الإسلامي، نجم الدين أربكان بما في ذلك حزب الرفاه، والذي كان حزب الكتلة البرلمانية الأكبر في انتخابات 1996، مما مكن أربكان من رئاسة حكومة ائتلافية. أربكان نفسه منع قضائياً ومنذ سنوات من ممارسة العمل السياسي, بل أن اردوغان نفسه تعرض لعقوبة مشابهة، منعته من الترشح لمقعد برلماني في انتخابات 2002م، والتي حقق خلالها حزبه فوزه التاريخي الكبير.
الدعوى كانت مفاجأة كبرى خصوصا وأن حزب اردوغان حصل على تأييد شعبي غير مسبوق ومنذ عقود في الانتخابات التركية بعد أن نجاحات حكومته الأولى. الإعلان عن الدعوة القضائية هذه المرة أثار ضجة كبيرة داخل تركيا وخارجها وصلت أصداؤها إلى الأوساط والسياسية والإعلامية والمالية، حيث شهدت البورصة التركية خسائر كبيرة. رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان علق على الأمر بأن قرار المدعي العام يصطدم بالإرادة الشعبية لملايين الأتراك الذين منحوا الحزب ثقتهم في الانتخابات العامة الأخيرة ، رافضا الادعاء بأن حزبه يعارض أو يهدد الأسس العلمانية للدولة.
فماذا الذي يريده غلاة العلمانية في تركيا؟ هل يريدون علمانية متطرفة تفرض على جموع الشعب التركي بفوقية واستعلاء؟ وهي بالمناسبة علمانية فريدة من نوعها تحارب قيم شعبها وتناقض تعاليم دينه. وهل يعتبر علمانيو تركيا مذهبهم مقدس لا يجوز تحويره ولا يمكن تطويره؟ إذا كانت تلك العلمانية أسلوبا للحياة ومنهجا في الحكم الدنيوي وليست تعاليم ثيوقراطية, فيجب بالتالي أن تخضع وضمن المبادئ العلمية والتي اشتقت العلمانية من مسماها لقانون التجربة وتقويم الممارسة. فماذا فعلت علمانيتهم المقدسة بتركيا وأين وضعتها -بعد ما يربو على قرن من تبنيها- اقتصاديا وعلميا وصناعيا وتنمويا؟ اقترن اسم تركيا في تلك المراحل بالاضطراب السياسي وبتمردات كردية دموية وبتكرار الانقلابات العسكرية, وباقتصاد ضعيف وبدور هامشي محدود. العلمانية التي يريدون لتركيا أن تتجمد عند أفكارها المعلنة من عقود, في عالم يتطور بسرعة مذهلة, قذفت بتركيا للوراء وعلى كافة الأصعدة وسلخت عن تركيا هويتها فما عادت بدولة إسلامية ولم تصبح غربية ففقدت مكانها ومكانتها.
حزب العدالة والتنمية وفي خلال سنوات معدودة وبالرغم من أنه مقيد بأغلال علمانيتهم البائسة وموضوع تحت مجهر مراقبة جنرالات الكمالية, استطاع أن يتقدم بتركيا خطى ثابتة في تنمية كبرى وأن يقفز بها للأمام في التصنيع والتنمية والتصدير, فانتعش الاقتصاد وبرزت تركيا قوة إقليمية يحسب لها حساب ويسمع لقولها.
كلما حل القضاء التركي الأحزاب التي تعكس قيم وطموحات قطاع عريض من الشعب التركي, عادت تلك الأحزاب من بعد التضييق والحظر أقوى عودا وأوسع انتشار. غير أن الموضوع هذه المرة مختلف تماما, فالبلاد نعمت بالاستقرار والأتراك تذوقوا طعم النجاح وتمتعوا بأحاسيس الاعتزاز الوطنية وهم يرون قيادتهم صلبة وواثقة في التعاطي مع الولايات المتحدة والإتحاد الأوربي وتتعامل معاملة الند والنظير بعد أن كان دورها منحصر بالتبعية والشراكة الدونية. اغتيال هذه الانجازات والارتداد بتركيا إلى مجاهيل الاضطرابات والانتكاسات الاقتصادية من خلال حظر الحزب الحاكم والذي قاد كل ذلك, سيطلق مشاعر شعبية غاضبة عارمة تجاه المسؤولين عن تلك الخطوات البائسة وغير المبررة والتي تخالف أبجديات الديمقراطية وتناقض كل معاني العلمانية وتستخف بخيار شعبي واضح وناضج أدى لتقدم الأمة التركية وازدهارها.
غالبية الشعب التركي ستنظر إلى أولئك العلمانيين بسخط وغضب, وسيرون أنه من الأفضل لتركيا حاضرا ومستقبلا أن يمنعوا هم – غلاة العلمانيين- من أي نشاط تدميري ويعزلوا كما تعزل الخلايا السرطانية الفتاكة. ألمضي باتجاه عزل وحل الحزب الحاكم سيكون بمثابة انتحار سياسي لمن يقدم عليه, وسيدخل التاريخ التركي الحديث كصانع للكوارث ومدمر للانجازات.
ياسر سعد
مسألة قيام القضاء التركي بحل حزب ومنع سياسيين من ممارسة العمل السياسي تكررت في الماضي ومع جميع الأحزاب التي أسسها الزعيم الإسلامي، نجم الدين أربكان بما في ذلك حزب الرفاه، والذي كان حزب الكتلة البرلمانية الأكبر في انتخابات 1996، مما مكن أربكان من رئاسة حكومة ائتلافية. أربكان نفسه منع قضائياً ومنذ سنوات من ممارسة العمل السياسي, بل أن اردوغان نفسه تعرض لعقوبة مشابهة، منعته من الترشح لمقعد برلماني في انتخابات 2002م، والتي حقق خلالها حزبه فوزه التاريخي الكبير.
الدعوى كانت مفاجأة كبرى خصوصا وأن حزب اردوغان حصل على تأييد شعبي غير مسبوق ومنذ عقود في الانتخابات التركية بعد أن نجاحات حكومته الأولى. الإعلان عن الدعوة القضائية هذه المرة أثار ضجة كبيرة داخل تركيا وخارجها وصلت أصداؤها إلى الأوساط والسياسية والإعلامية والمالية، حيث شهدت البورصة التركية خسائر كبيرة. رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان علق على الأمر بأن قرار المدعي العام يصطدم بالإرادة الشعبية لملايين الأتراك الذين منحوا الحزب ثقتهم في الانتخابات العامة الأخيرة ، رافضا الادعاء بأن حزبه يعارض أو يهدد الأسس العلمانية للدولة.
فماذا الذي يريده غلاة العلمانية في تركيا؟ هل يريدون علمانية متطرفة تفرض على جموع الشعب التركي بفوقية واستعلاء؟ وهي بالمناسبة علمانية فريدة من نوعها تحارب قيم شعبها وتناقض تعاليم دينه. وهل يعتبر علمانيو تركيا مذهبهم مقدس لا يجوز تحويره ولا يمكن تطويره؟ إذا كانت تلك العلمانية أسلوبا للحياة ومنهجا في الحكم الدنيوي وليست تعاليم ثيوقراطية, فيجب بالتالي أن تخضع وضمن المبادئ العلمية والتي اشتقت العلمانية من مسماها لقانون التجربة وتقويم الممارسة. فماذا فعلت علمانيتهم المقدسة بتركيا وأين وضعتها -بعد ما يربو على قرن من تبنيها- اقتصاديا وعلميا وصناعيا وتنمويا؟ اقترن اسم تركيا في تلك المراحل بالاضطراب السياسي وبتمردات كردية دموية وبتكرار الانقلابات العسكرية, وباقتصاد ضعيف وبدور هامشي محدود. العلمانية التي يريدون لتركيا أن تتجمد عند أفكارها المعلنة من عقود, في عالم يتطور بسرعة مذهلة, قذفت بتركيا للوراء وعلى كافة الأصعدة وسلخت عن تركيا هويتها فما عادت بدولة إسلامية ولم تصبح غربية ففقدت مكانها ومكانتها.
حزب العدالة والتنمية وفي خلال سنوات معدودة وبالرغم من أنه مقيد بأغلال علمانيتهم البائسة وموضوع تحت مجهر مراقبة جنرالات الكمالية, استطاع أن يتقدم بتركيا خطى ثابتة في تنمية كبرى وأن يقفز بها للأمام في التصنيع والتنمية والتصدير, فانتعش الاقتصاد وبرزت تركيا قوة إقليمية يحسب لها حساب ويسمع لقولها.
كلما حل القضاء التركي الأحزاب التي تعكس قيم وطموحات قطاع عريض من الشعب التركي, عادت تلك الأحزاب من بعد التضييق والحظر أقوى عودا وأوسع انتشار. غير أن الموضوع هذه المرة مختلف تماما, فالبلاد نعمت بالاستقرار والأتراك تذوقوا طعم النجاح وتمتعوا بأحاسيس الاعتزاز الوطنية وهم يرون قيادتهم صلبة وواثقة في التعاطي مع الولايات المتحدة والإتحاد الأوربي وتتعامل معاملة الند والنظير بعد أن كان دورها منحصر بالتبعية والشراكة الدونية. اغتيال هذه الانجازات والارتداد بتركيا إلى مجاهيل الاضطرابات والانتكاسات الاقتصادية من خلال حظر الحزب الحاكم والذي قاد كل ذلك, سيطلق مشاعر شعبية غاضبة عارمة تجاه المسؤولين عن تلك الخطوات البائسة وغير المبررة والتي تخالف أبجديات الديمقراطية وتناقض كل معاني العلمانية وتستخف بخيار شعبي واضح وناضج أدى لتقدم الأمة التركية وازدهارها.
غالبية الشعب التركي ستنظر إلى أولئك العلمانيين بسخط وغضب, وسيرون أنه من الأفضل لتركيا حاضرا ومستقبلا أن يمنعوا هم – غلاة العلمانيين- من أي نشاط تدميري ويعزلوا كما تعزل الخلايا السرطانية الفتاكة. ألمضي باتجاه عزل وحل الحزب الحاكم سيكون بمثابة انتحار سياسي لمن يقدم عليه, وسيدخل التاريخ التركي الحديث كصانع للكوارث ومدمر للانجازات.
ياسر سعد