المهاجر7
03-17-2008, 01:48 PM
السؤال : حكم الصلاة خلف من يدعو للحكام المبدلين لشرع الله ؟
السؤال : في أحد الدروس لأحد طلبة العلم نقل الإجماع على عدم جواز صلاة الجمعة خلف الإمام الذي يدعوا للحاكم المبدل للشريعة الحاكم بغير ما أنزل الله بالنصر والتمكين ،والخلاف في الدعاء له بالهداية، فما العمل يا شيخ في وقت أكثر الخطباء فيه يفعلون الأمر الأول ،وهل يمكن أن يصلي خلفهم باعتبارهم متأولين لانتشار الإرجاء في أوساط كثير من الدعاة ؟
الجواب : الذي أراه والله أعلم أن على المسلم أن يبحث عن مسجد لا يُدعى فيه لأولئك الحكام المبدلين لشرع الله تعالى ، فإن لم يجد في مدينته أو منطقته إلا من يفعل ذلك فإنه يصلي خلفه ولا شيء عليه إن شاء الله ،لكن عليه أن يتحرى الأمثل فالأمثل بمعنى أنه إن لم يجد إلا خطيبين أحدهما يدعو لهم بالنصر والتمكين ،والآخر يدعو لهم بالهداية فعليه أن يترك الأول ويصلي خلف الثاني .
وتفصيل ذلك أن نقول إنه لا شك أنه لا يجوز الدعاء بالنصر والتمكين لمن بدَّل شرع الله ،لأن الدعاء بذلك معناه الرغبة في استمرار ذلك التبديل ،وحتى الدعاء لهم بالهداية والصلاح فإنه وإن كان الأصل جواز ذلك لما ثبت من دعائه صلى الله عليه وسلم من الدعاء لدوس بالهداية ، إلا أن جعْل ذلك في الخطبة والاستمرار عليه يخشى أن يكون من البدع المحدثات ،وقد ذكر بعض أهل العلم أنه يكره الدعاء للسلاطين على المنابر حتى ولو كانوا من أهل العدل فكيف بهؤلاء ؟
فهذا حكم الدعاء نفسه أما حكم الصلاة خلف أولئك الخطباء الذين يفعلون ذلك ،فلا أدري من أين أتى الأخ الكريم بالإجماع المذكور في السؤال ،أما أنا فلم أقف عليه ولا أعلم مستنده .
والذي نعلمه أن هذه المسألة إنما تندرج في ما ذكره أهل العلم من حكم الصلاة خلف أهل الأهواء والبدع، والذي قرره شيخ الإسلام ابن تيمية في المجلد الثالث والعشرين أنه يفرق بين حالة ما إذا كان الإنسان يمكنه الصلاة خلف إمام غير مبتدع فهنا لا يصلي خلف الإمام المبتدع ،لكن إن صلى خلف المبتدع مع قدرته على الصلاة خلف غيره ففي صحة صلاته نزاع بين العلماء فمذهب الشافعي وأبي حنيفة أنه تصح الصلاة وفي مذهب مالك وأحمد نزاع وتفصيل .
أما إذا لم يمكن الصلاة خلف غير ذلك المبتدع فإنه يصلى خلفه باتفاق أهل السنة والجماعة كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في المجلد المشار إليه ، وقد ذكر بعض أهل العلم أنه يصلي خلفهم ثم يعيد الصلاة لكن رجح الإمام ابن تيمية أنه يصلي ولا يعيد ،واستدل على ذلك بصلاة ابن عمر خلف الحجاج ،وصلاة ابن مسعود وغيره خلف الوليد بن عقبة وكان يشرب الخمر حتى إنه صلى بهم مرة الصبح أربعاً ،وقال : ((أزيدكم )) ، وفي صحيح البخاري أن عثمان رضي الله عنه لما حُصر صلى بالناس شخص ،فسأل سائل عثمان فقال : إنك إمام عامة وهذا الذي يصلي بالناس إمام فتنة ،فقال فقال يا ابن أخي إن الصلاة من أحسن ما يعمل الناس فإن أحسنوا فأحسن معهم ،وإذا أساؤوا فاجتنب إساءتهم ) .
فإن قائل لعل هذا في من لم تكن بدعته مكفرة ،أما تبديل الشرائع فهو كفر، قلنا قد بين شيخ الإسلام ابن تيمية أنه يدخل في أهل البدع الذين يصلى خلفهم عند عدم التمكن من الصلاة خلف غيرهم بعض من تقرر عند أهل العلم أن قولهم كفر ؛فقد قال بعد أن ذكر ما نقلناه عنه آنفاً : (( وهذا كله يكون فيمن ظهر منه فسق أو بدعة تظهر مخالفتها للكتاب والسنة كبدعة الرافضة والجهمية ونحوهم، ومن أنكر مذهب الروافض وهو لا يصلي الجمعة والجماعة ،بل يكفر المسلمين فقد وقع في مثل مذهب الروافض ،فإن من أعظم ما أنكره أهل السنة عليهم تركهم الجمعة والجماعة وتكفير الجمهور )) .
وقد ثبت عن الإمام أحمد رحمه الله أنه صلى خلف بعض الجهمية كما في مجموع الفتاوى (7/507) مع أنه رحمه الله كان يكفر الجهمية لأن مناقضتهم لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم مناقضة ظاهرة بينة .
وسر المسألة هو ما أشرنا إليه في أكثر من موضع من التفرقة بين كفر النوع وكفر المعين ، فالذين كان يصلي الإمام أحمد وراءهم من الجهمية لم يكن يكفر أعيانهم ، مع اعتقاده أن قولهم كفر مخرج من الملة، لعلمه أنهم لم يتبين لهم أنهم مكذبون بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ،وإنما تأولوا فأخطؤوا وقلدوا من قال لهم بذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((... مع أن أحمد لم يكفر أعيان الجهمية،ولا كل من قال: إنه جهمي كفره، ولا كل من وافق الجهمية في بعض بدعهم، بل صلى خلف الجهمية الذين دعوا إلى قولهم،وامتحنوا الناس وعاقبوا من لم يوافقهم بالعقوبات الغليظة، لم يكفرهم أحمد وأمثاله، بل كان يعتقد إيمانهم،وإمامتهم، ويدعو لهم، ويرى الائتمام بهم في الصلوات خلفهم، والحج والغزو معهم، والمنع من الخروج عليهم ما يراه لأمثالهم من الأئمة. وينكر ما أحدثوا من القول الباطل الذي هو كفر عظيم، وإن لم يعلموا هم أنه كفر، وكان ينكره ويجاهدهم على رده بحسب الإمكان .....)). مجموع الفتاوى: (7/507(.
ولا شك أن من قامت عليه الحجة من أهل البدع المكفرة فإنه يحكم بكفره ولا يصلى خلفه ، فمن تبين له أن شخصاً بعينه قد بين له الأمر وعُرِّف أن التشريع من دون الله كفر أكبر ومع ذلك أصر على ما هو عليه فإنه يحكم بكفره ،ولا يصلى خلفه ، لكن الظاهر من حال الخطباء المسؤول عنهم أنهم متأولون بل لا يبعد أن يكونوا جهالاً بهذه المسائل أصلاً ،وليس معنى أنهم خطباء أو أنهم درسوا بعض العلوم الإسلامية أن لا يعذروا بجهلهم أو تأويلهم ،فقد قال شيخ الإسلام عن بعض مَن ناظرهم من الجهمية : (كنت أقول للجهمية من الحلولية والنفاة الذين نفوا أن الله فوق العرش لما وقعت محنتهم : أنا لو وافقتكم كنت كافراً ؛لأني أعلم أن قولكم كفر وأنتم عندي لا تكفرون ؛لأنكم جهال ،وكان هذا خطاباً لعلمائهم وقضاتهم وشيوخهم وأمرائهم ،وأصل جهلهم شبهات عقلية حصلت لرؤوسهم في قصور معرفة المنقول الصحيح والمعقول الصريح الموافق له). [الرد على البكري ص: 620]
كما أن التكفير في مثل الحالة المسؤول عنها هو تكفير باللازم لأن الدعاء بحد ذاته ليس كفراً ،إنما يلزم منه أنه الداعي يرضى بما يفعله أولئك القوم من تبديل لشرع الله ،وقد أشرنا مراراً إلى أن لازم المذهب ليس بمذهب إلا أن يلتزمه صاحبه ،وقد ذكرنا في مقال سابق أنه قد ثبت بالأسانيد الصحيحة أن علياً رضي الله عنه لم يكفر الخوارج مع أن لازم قولهم الكفر .
فلذا لا يمكننا تكفير هؤلاء الأئمة ، ويظلون في دائرة أهل البدع الذين قلنا إنه يجب الصلاة خلفهم إن لم يوجد غيرهم والله تعالى أعلم .
من فتاوى العلامة بن باز رحمه الله
السؤال : في أحد الدروس لأحد طلبة العلم نقل الإجماع على عدم جواز صلاة الجمعة خلف الإمام الذي يدعوا للحاكم المبدل للشريعة الحاكم بغير ما أنزل الله بالنصر والتمكين ،والخلاف في الدعاء له بالهداية، فما العمل يا شيخ في وقت أكثر الخطباء فيه يفعلون الأمر الأول ،وهل يمكن أن يصلي خلفهم باعتبارهم متأولين لانتشار الإرجاء في أوساط كثير من الدعاة ؟
الجواب : الذي أراه والله أعلم أن على المسلم أن يبحث عن مسجد لا يُدعى فيه لأولئك الحكام المبدلين لشرع الله تعالى ، فإن لم يجد في مدينته أو منطقته إلا من يفعل ذلك فإنه يصلي خلفه ولا شيء عليه إن شاء الله ،لكن عليه أن يتحرى الأمثل فالأمثل بمعنى أنه إن لم يجد إلا خطيبين أحدهما يدعو لهم بالنصر والتمكين ،والآخر يدعو لهم بالهداية فعليه أن يترك الأول ويصلي خلف الثاني .
وتفصيل ذلك أن نقول إنه لا شك أنه لا يجوز الدعاء بالنصر والتمكين لمن بدَّل شرع الله ،لأن الدعاء بذلك معناه الرغبة في استمرار ذلك التبديل ،وحتى الدعاء لهم بالهداية والصلاح فإنه وإن كان الأصل جواز ذلك لما ثبت من دعائه صلى الله عليه وسلم من الدعاء لدوس بالهداية ، إلا أن جعْل ذلك في الخطبة والاستمرار عليه يخشى أن يكون من البدع المحدثات ،وقد ذكر بعض أهل العلم أنه يكره الدعاء للسلاطين على المنابر حتى ولو كانوا من أهل العدل فكيف بهؤلاء ؟
فهذا حكم الدعاء نفسه أما حكم الصلاة خلف أولئك الخطباء الذين يفعلون ذلك ،فلا أدري من أين أتى الأخ الكريم بالإجماع المذكور في السؤال ،أما أنا فلم أقف عليه ولا أعلم مستنده .
والذي نعلمه أن هذه المسألة إنما تندرج في ما ذكره أهل العلم من حكم الصلاة خلف أهل الأهواء والبدع، والذي قرره شيخ الإسلام ابن تيمية في المجلد الثالث والعشرين أنه يفرق بين حالة ما إذا كان الإنسان يمكنه الصلاة خلف إمام غير مبتدع فهنا لا يصلي خلف الإمام المبتدع ،لكن إن صلى خلف المبتدع مع قدرته على الصلاة خلف غيره ففي صحة صلاته نزاع بين العلماء فمذهب الشافعي وأبي حنيفة أنه تصح الصلاة وفي مذهب مالك وأحمد نزاع وتفصيل .
أما إذا لم يمكن الصلاة خلف غير ذلك المبتدع فإنه يصلى خلفه باتفاق أهل السنة والجماعة كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في المجلد المشار إليه ، وقد ذكر بعض أهل العلم أنه يصلي خلفهم ثم يعيد الصلاة لكن رجح الإمام ابن تيمية أنه يصلي ولا يعيد ،واستدل على ذلك بصلاة ابن عمر خلف الحجاج ،وصلاة ابن مسعود وغيره خلف الوليد بن عقبة وكان يشرب الخمر حتى إنه صلى بهم مرة الصبح أربعاً ،وقال : ((أزيدكم )) ، وفي صحيح البخاري أن عثمان رضي الله عنه لما حُصر صلى بالناس شخص ،فسأل سائل عثمان فقال : إنك إمام عامة وهذا الذي يصلي بالناس إمام فتنة ،فقال فقال يا ابن أخي إن الصلاة من أحسن ما يعمل الناس فإن أحسنوا فأحسن معهم ،وإذا أساؤوا فاجتنب إساءتهم ) .
فإن قائل لعل هذا في من لم تكن بدعته مكفرة ،أما تبديل الشرائع فهو كفر، قلنا قد بين شيخ الإسلام ابن تيمية أنه يدخل في أهل البدع الذين يصلى خلفهم عند عدم التمكن من الصلاة خلف غيرهم بعض من تقرر عند أهل العلم أن قولهم كفر ؛فقد قال بعد أن ذكر ما نقلناه عنه آنفاً : (( وهذا كله يكون فيمن ظهر منه فسق أو بدعة تظهر مخالفتها للكتاب والسنة كبدعة الرافضة والجهمية ونحوهم، ومن أنكر مذهب الروافض وهو لا يصلي الجمعة والجماعة ،بل يكفر المسلمين فقد وقع في مثل مذهب الروافض ،فإن من أعظم ما أنكره أهل السنة عليهم تركهم الجمعة والجماعة وتكفير الجمهور )) .
وقد ثبت عن الإمام أحمد رحمه الله أنه صلى خلف بعض الجهمية كما في مجموع الفتاوى (7/507) مع أنه رحمه الله كان يكفر الجهمية لأن مناقضتهم لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم مناقضة ظاهرة بينة .
وسر المسألة هو ما أشرنا إليه في أكثر من موضع من التفرقة بين كفر النوع وكفر المعين ، فالذين كان يصلي الإمام أحمد وراءهم من الجهمية لم يكن يكفر أعيانهم ، مع اعتقاده أن قولهم كفر مخرج من الملة، لعلمه أنهم لم يتبين لهم أنهم مكذبون بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ،وإنما تأولوا فأخطؤوا وقلدوا من قال لهم بذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((... مع أن أحمد لم يكفر أعيان الجهمية،ولا كل من قال: إنه جهمي كفره، ولا كل من وافق الجهمية في بعض بدعهم، بل صلى خلف الجهمية الذين دعوا إلى قولهم،وامتحنوا الناس وعاقبوا من لم يوافقهم بالعقوبات الغليظة، لم يكفرهم أحمد وأمثاله، بل كان يعتقد إيمانهم،وإمامتهم، ويدعو لهم، ويرى الائتمام بهم في الصلوات خلفهم، والحج والغزو معهم، والمنع من الخروج عليهم ما يراه لأمثالهم من الأئمة. وينكر ما أحدثوا من القول الباطل الذي هو كفر عظيم، وإن لم يعلموا هم أنه كفر، وكان ينكره ويجاهدهم على رده بحسب الإمكان .....)). مجموع الفتاوى: (7/507(.
ولا شك أن من قامت عليه الحجة من أهل البدع المكفرة فإنه يحكم بكفره ولا يصلى خلفه ، فمن تبين له أن شخصاً بعينه قد بين له الأمر وعُرِّف أن التشريع من دون الله كفر أكبر ومع ذلك أصر على ما هو عليه فإنه يحكم بكفره ،ولا يصلى خلفه ، لكن الظاهر من حال الخطباء المسؤول عنهم أنهم متأولون بل لا يبعد أن يكونوا جهالاً بهذه المسائل أصلاً ،وليس معنى أنهم خطباء أو أنهم درسوا بعض العلوم الإسلامية أن لا يعذروا بجهلهم أو تأويلهم ،فقد قال شيخ الإسلام عن بعض مَن ناظرهم من الجهمية : (كنت أقول للجهمية من الحلولية والنفاة الذين نفوا أن الله فوق العرش لما وقعت محنتهم : أنا لو وافقتكم كنت كافراً ؛لأني أعلم أن قولكم كفر وأنتم عندي لا تكفرون ؛لأنكم جهال ،وكان هذا خطاباً لعلمائهم وقضاتهم وشيوخهم وأمرائهم ،وأصل جهلهم شبهات عقلية حصلت لرؤوسهم في قصور معرفة المنقول الصحيح والمعقول الصريح الموافق له). [الرد على البكري ص: 620]
كما أن التكفير في مثل الحالة المسؤول عنها هو تكفير باللازم لأن الدعاء بحد ذاته ليس كفراً ،إنما يلزم منه أنه الداعي يرضى بما يفعله أولئك القوم من تبديل لشرع الله ،وقد أشرنا مراراً إلى أن لازم المذهب ليس بمذهب إلا أن يلتزمه صاحبه ،وقد ذكرنا في مقال سابق أنه قد ثبت بالأسانيد الصحيحة أن علياً رضي الله عنه لم يكفر الخوارج مع أن لازم قولهم الكفر .
فلذا لا يمكننا تكفير هؤلاء الأئمة ، ويظلون في دائرة أهل البدع الذين قلنا إنه يجب الصلاة خلفهم إن لم يوجد غيرهم والله تعالى أعلم .
من فتاوى العلامة بن باز رحمه الله