احمد الجبوري
03-10-2008, 08:00 PM
(عصائب أهل الحق) وأخواتها.. مقاومة أم (مقامرة) شيعية؟ / أسامة البغدادي
(عصائب أهل الحق) وأخواتها.. مقاومة أم (مقامرة) شيعية؟ / أسامة البغدادي
المختصر/ مجلة العصر / كما هو الحال في لعبة (الكوتشينه) أو ورق المقامرة المعروفة، لابد لكل لاعبٍ من ورقة يستخدمها ليتمكن من الغلبة في الجولة، ويستحوذ على المال المنثور على المنضدة، ولو تطلَّب الأمر الغش لتحقيق الفوز، فلا ضير في ذلك، لأن غاية اللاعب المقامر في السيطرة على الطاولة تسوغ استخدام وسيلة غير مشروعة في قانون اللعبة.
الأمر نفسه يتكرر اليوم في لعبة القمار المتبادلة والمستمرة بين إيران وأميركا، للسيطرة على الطاولة العراقية منذ الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، فمن وقت لآخر، يبرز أحد اللاعبين المحتلين ورقته الخاصة، ليكسب بها جولة الصراع على الكعكة العراقية، والخاسر الوحيد في هذه اللعبة هو العراق وشعبه ...
أحد أوراق المقامرة هذه، والتي استخدمها الإيرانيون ويحاولون بها قلب المنضدة لصالحهم: ورقة ما يسمى بـ(المقاومة الشيعية)، والتي تتخذ تسميات مختلفة تحت غطاء (المقاومة الإسلامية في العراق): (عصائب أهل الحق من العراق) بأجنحتها (كتائب الإمام علي - كتائب الإمام الكاظم - كتائب الإمام الهادي - كتائب الإمام العسكري) و(كتائب حزب الله في العراق) بأجنحتها (كتائب زيد بن علي - كتائب أبي الفضل العباس - كتائب كربلاء)، وما يسمى بـ(الكتائب الخاصة لجيش الإمام المهدي).
* صناعة مقاومة شيعية بعد تشويه الجهاد السني
بَرزت مجاميع (المقاومة الشيعية) ـ من قبل وسائل الإعلام الشيعية ـ بعد أحداث سامراء الأولى عام 2006، وبلغت قمتها في حرب تموز من نفس العام بين (حزب الله) لبنان وإسرائيل، حين تبنت (عصائب أهل الحق) عدة عمليات مصورة في سلسلة سميت بـ(نصرة الوعد الصادق) في ربط واضح مع (حزب الله) اللبناني، وقد كان لهذا التوقيت في إبراز ورقة (المقاومة الشيعية)، أسباب عديدة، نذكر منها:
ـ استثمار ضربات المجاميع الشيعية المسلحة ضد القوات الأميركية، كجزء من منظومة المساومة التي تفاوض بها طهران واشنطن، في ما يخص ملفها النووي، أو كسب الساحة العراقية السياسية والاقتصادية لصالح شيعة العراق الموالين لإيران، أو منع أميركا وحلفائها من استهداف إيران...وبالتالي تتصاعد ضربات (حزب الله) العراقي و(عصائب أهل الحق) وتتنازل تبعاً لانصياع أميركا للمطالب الإيرانية أو امتناعها.
وما يدور حالياً من كلام عن المفاوضات حول الاتفاقية العراقية ـ الأميركية الطويلة الأمد، ما هو إلا غطاء لاتفاقية إيرانية - أميركية سرية، يجري التفاوض حولها، ودور هذه الجماعات المسلحة في ترجيح كفة إيران لم يعد خافياً على أحد، والتصعيد الإعلامي الأميركي باتهام إيران باستمرارها لدعم الجماعات المسلحة، أحد الأدلة على ذلك.
في بيانها السادس في الذكرى السادسة للاحتلال، قالت (كتائب حزب الله) ما نصه: "إننا في المقاومة الإسلامية في العراق، نرى أن الاحتلال بدأ يفقد إرادته القتالية، وبدأ يركز جهده في كيفية حماية فلوله المنهارة، وأن انتشاره الآن في الشارع ما هو إلا تعبير واضح في محاولة منه لحماية تلك القوات المنهكة، لكنه قد وقع في فخ نصبه له أبناء المقاومة الإسلامية، إذ تكبد خلال الأيام الماضية من الخسائر ما لم يتكبده خلال أشهر مرّت، وإننا نرى أنه الآن في حيرة من أمره، فهو الآن فعلاً كما يعبر عنه ولي أمر المسلمين السيد الخامنئي (دام ظله): "إنه كمن غرست قدماه في الوحل، لا يستطيع أن يتقدم، ولا يستطيع أن يتراجع، ولا يستطيع أن يبقى حيث هو"!!!
ـ ضرورة صناعة أنموذج مقاوم شيعي عراقي جديد موالي لإيران، خاصة بعد أن تشوه الأنموذج الأول (جيش المهدي)، الذي عوّلت عليه طهران سابقاً، ليكون ممثل (المقاومة الشيعية)، وفضح دوره الخبيث في استهداف مناطق أهل السنة، بالتهجير وتدمير المساجد وقتل الشباب والنساء والأطفال، فغدا (جيش المهدي) وزعيمه (مقتدى الصدر) رمزاً للجريمة، بعدما كان كثير من المنخدعين ـ على المستويات المحلية والعربية والعالمية ـ يدرجونه ظلماً في قائمة المقاومة والجهاد!!
وخطوة (صناعة الرمز المقاوم الشيعي)، هو جزء من مشروع إيراني قديم، سبق أن بدأ بـ(حزب الله) اللبناني، ولم ينتهِ بالمجاميع الشيعية (الناشطة والخاملة)، والتي سبق أن وجهت أكثر من ضربة في مناطق مختلفة من دول الخليج العربي، والهدف العلني من ذلك: إبراز الشيعة مقاومين للمشاريع الصهيونية والأميركية والبريطانية وللأنظمة المرتبطة معها، أما الهدف غير المعلن، والذي تأخر وضوحه للكثير: إيجاد مواطئ قدم مسلحة إيرانية في منطقة الشرق الأوسط، لغرض فرض السيطرة ولي ذراع بعض الجهات وتحقيق المكاسب على مختلف الأصعدة، وما يجري في لبنان ليس ببعيد!!
ـ إيجاد بديل مناسب لقيادة بعض الجمهور الشيعي العراقي، الساخط على سياسييه، الذين انكشفت حقيقة شعاراتهم الإسلامية الزائفة، وفُضحوا بخلافاتهم وتشرذمهم، ومحاولة رفع الروح المعنوية والنفسية للجمهور الشيعي، بعد نجاح المقاومة السنية في تحقيق ذلك بالنسبة لجماهيرها.
ومن جهة أخرى، فإن ملالي قم وطهران، يحتاجون إلى استهداف الجماهير الشيعية بين فترة وأخرى بضربات دموية، للإبقاء على الحاجة للأحضان الإيرانية، خشية من تسلط (النواصب التكفيريين)!! والمجاميع المسلحة هذه هي أحدى أدوات تنفيذ الضربات الإيرانية الخفية، وبالتالي تزداد الانقسامات بين أبناء الشعب الواحد، ويتخلص الإيرانيون في نهاية المطاف من عراقٍ، طالما أعاق مشروعاتهم وطموحاتهم.
ـ إيجاد أذرع مسلحة إيرانية جديدة، تهدد التيارات الشيعية التي تحاول مخالفة المشروع الإيراني في العراق، أو تريد خلع الثوب الإيراني والارتماء في الأحضان الأميركي بشكل كلي دون تنسيق مع ملالي طهران، وما ينتج من صدامات صدرية - بدرية بين فترة وأخرى، ما هو إلا أنموذج لسياسة قرص الآذان التي تتبعها إيران مع المجلس الأعلى أو حزب الدعوة المتنفذين في الائتلاف الشيعي الحاكم.
ـ سحب البساط من تحت أقدام المقاومة العراقية السنية وقطف ثمرة جهودهم وتضحياتهم لصالح (مقاومة شيعية) مختلقة، خاصةً بعد احتمال سحب القوات الأميركية من العراق باقتراب موسم الانتخابات الرئاسية الأميركية، وكذلك بعد أن عمل نظام الملالي في طهران طوال سنوات الاحتلال على تشويه صورة المقاومة العراقية داخلياً وخارجياً.
إن الدور الكبير الذي قام به مجاهدو العراق، بتكبيد أميركا خسائر غير متوقعة في الأرواح والمعدات، وتعطيل المشروع الاستعماري في المنطقة، دفع ملالي طهران إلى محاولة محاكاة هذا الأنموذج الناجح لتنفيذ كل ما بيناه سابقاً.
* استهداف أهل السنة باطناً... والاحتلال ظاهراً:
من خلال متابعة ما عرضته تلك الجماعات من عمليات وإصدارات، يلاحظ ما يلي:
ـ العمليات منفذة في مناطق شيعية وسط وجنوب العراق، وفي مناطق انتشار وسيطرة ميليشيات جيش المهدي تحديداً، مما يؤكد انتماء عناصر هذه المجاميع لعصابات مقتدى الصدر الإجرامية، وبالتالي فهي تستفيد من الغطاء الأمني الذي توفره قوات الجيش الحكومية أو مغاوير الداخلية، والمشهورة بتغلغل أفراد الميليشيات فيها، بل إن الكثير من الصور فضحت غباء أصحابها، ممن يلبسون زي الشرطة والجيش الحكوميين ويشاركون في تنفيذ هذه العمليات، ونطرح التساؤل الآتي: كيف يمكن أن تُنفذ عملية تفجير عبوة ناسفة على بعد أمتار من حواجز حكومية؟!
ـ أغلب عمليات إطلاق الصواريخ والهاونات المعروضة، يتزامن وقت ومكان إطلاقها مع ما جرى من استهداف للمناطق السنية خلال الفترة الماضية، وعملية الإعداد للإطلاق ليست من السهولة، ولا يمكن تنفيذها إلا بضمان منطقة الإطلاق، والمعروف في أوساط المجاهدين في العراق أن عملية إطلاق الهاونات والصواريخ على القواعد الأميركية، لا يمكن أن تكون إلا من أراضي مفتوحة أو زراعية، وسرعان ما ترد المدفعية الأميركية خلال دقائق معدودة على مكان الإطلاق، وعشرات أفلام الإطلاق للمقاومة العراقية تشهد بذلك ..
ـ تفجير العبوات الناسفة، يتم ـ في معظمه ـ وسط مناطق سكنية وأثناء مرور مركبات مدنية أو وسط الأسواق، مما يطرح التساؤل الآتي بإلحاح: إذا كانت هذه المجاميع قادرة على مثل هذه الأعمال المسلحة داخل المناطق الشيعية، فما الذي ينفي عنها تهمة التفجيرات التي تستهدف المدنيين في المناطق الشيعية لاستثارتها أو في المناطق السنية لتخريبها، خاصة وأن هناك مناطق شيعية لا يمكن لأهل السنة الوصول إليها، تُستهدف بانفجارات ضخمة، وتثبت التهمة كالعادة ضد تنظيم القاعدة، والذي ينكر بدوره صلته بها، مثل ما جرى مؤخراً أوائل شهر شباط 2008م بتفجيري سوق الغزل وبغداد الجديدة، راح ضحيته عشرات القتلى والجرحى، وقبل شهرين من هذين التفجيرين، سبق للاحتلال الأميركي القبض على مجموعة لها صلة بإيران، نفذت تفجيراً مماثلاً بسوق الغزل أيضاً!! والأمثلة على هذا تطول.
هذا الأمر يقودنا أيضاً إلى تسليط الضوء على قضايا خطف الشخصيات والكفاءات العراقية ومنتسبي السفارات العربية والغربية واغتيالاتهم، والتي طالما نسبت في معظمها إلى تنظيم القاعدة، في حين أن (المقاومة الشيعية الإسلامية في العراق)، كما تسمي نفسها، تختطف في آيار 2007 خمسة بريطانيين عاملين في شركة أمنية من وسط مبنى محصن أمنياً وشيعياً (وزارة النفط العراقية) وفي وضح النهار، وتبقيهم محتجزين إلى الآن وتساوم القوات البريطانية من أجل الإفراج عن معتقلين من جيش المهدي!! وتتبنى (عصائب أهل الحق) عملية استهداف السفير البولندي في العراق أوائل تشرين الأول 2007 .. ونعيد السؤال مرة أخرى: إذا كانت (المقاومة الشيعية) تفعل ذلك بشخصيات أمنية أجنبية وفي وسط مناطق شيعية، فمن ذا ينفي عنها تهمة عمليات الاختطاف والاغتيال التي طالت مئات الكفاءات والشخصيات العراقية والعربية؟!
ـ عدد من العمليات المصورة لهذه الجماعات الشيعية مسروقة في أصلها من مجاميع جهادية عراقية معروفة، والمتبحر في عالم المنتديات الجهادية والمتابع الجيد، يعرف حقيقة ذلك، حين يقارن العمليات ببعضها، بل إن (عصائب أهل الحق تتشدق بأنها هي من استهدفت معسكر (فالكون) الأميركي جنوب بغداد في رمضان 1428هـ، في حين أن العملية تبناها الجيش الإسلامي في العراق رسمياً، كما تناقلته وسائل الإعلام وقتها.
* دعم شيعي .. محلي وإقليمي.. سري وعلني:
ـ بصمة (حزب الله) اللبناني واضحة جداً على الأداء العسكري والإعلامي وعلى تدريب عناصر مجموعات (المقاومة الشيعية) المزعومة، بل تكاد قناة (المنار) تنفرد بعرض أخبار وتصوير عمليات هذه المجاميع، برغم أن عمليات المقاومة العراقية السنية قد تجاوزت الألوف، وقد اتهمت أطراف أمنية عراقية وأميركية (حزب الله) لبنان سابقاً بتدريب عناصر جيش المهدي، وثبت الاتهام بإعلان (مقتدى الصدر) الحداد لثلاث أيام بعد اغتيال (عماد مغنية)، القائد العسكري لحزب الله في شباط 2008، ونشرت (عصائب أهل الحق) و(كتائب حزب الله) بيانات نعت فيها (عماد مغنية)، وتبنت حملة ثأراً لمقتله، كان من حصيلتها قصف مناطق سنية، ومما ذُكر في أحد بياناتهم: (نحن في كتائب حزب الله نعاهد القائد الشهيد الحاج عماد مغنية ونعاهد قيادتنا وكافة المجاهدين والمقاومين، بأننا سنبقى على الخط وسيكون كل أخ مجاهد في كتائب حزب الله أخ باراً وفياً لهذا المنهج حتى طرد الأمريكان من منطقتنا)، انظر موقع (كتائب حزب الله): www.alaseb.com.
ـ العلاقة وثيقة ومتينة بين التيار الصدري ـ بممثليه السياسيين أو جناحه العسكري (جيش المهدي) ـ وهذه المجاميع المسلحة الشيعية، والإصدارات المرئية والملصقات والمقالات تبين حقيقة ذلك، فقد أصدرت (عصائب أهل الحق) إصداراً مرئياً، بعنوان: (الوارثين) في ذكرى مقتل محمد صادق الصدر والد مقتدى، وتبنت أواسط 2007م، وبعد تفجير سامراء الثاني، نفذت سلسلة عمليات (ثارات العسكريين) تزامناً مع جرائم جيش المهدي باستهداف مناطق أهل السنة ومساجدهم، ولم نسمع أو نقرأ ـ لا سابقاً ولا لاحقاً ـ من (مكتب الشهيد الصدر) أو من (جيش المهدي) أو من ممثلي التيار الصدري في البرلمان والحكومة، براءةً لما تنشره هذه المجاميع من انتساب لها .
(عصائب أهل الحق) وأخواتها.. مقاومة أم (مقامرة) شيعية؟ / أسامة البغدادي
المختصر/ مجلة العصر / كما هو الحال في لعبة (الكوتشينه) أو ورق المقامرة المعروفة، لابد لكل لاعبٍ من ورقة يستخدمها ليتمكن من الغلبة في الجولة، ويستحوذ على المال المنثور على المنضدة، ولو تطلَّب الأمر الغش لتحقيق الفوز، فلا ضير في ذلك، لأن غاية اللاعب المقامر في السيطرة على الطاولة تسوغ استخدام وسيلة غير مشروعة في قانون اللعبة.
الأمر نفسه يتكرر اليوم في لعبة القمار المتبادلة والمستمرة بين إيران وأميركا، للسيطرة على الطاولة العراقية منذ الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، فمن وقت لآخر، يبرز أحد اللاعبين المحتلين ورقته الخاصة، ليكسب بها جولة الصراع على الكعكة العراقية، والخاسر الوحيد في هذه اللعبة هو العراق وشعبه ...
أحد أوراق المقامرة هذه، والتي استخدمها الإيرانيون ويحاولون بها قلب المنضدة لصالحهم: ورقة ما يسمى بـ(المقاومة الشيعية)، والتي تتخذ تسميات مختلفة تحت غطاء (المقاومة الإسلامية في العراق): (عصائب أهل الحق من العراق) بأجنحتها (كتائب الإمام علي - كتائب الإمام الكاظم - كتائب الإمام الهادي - كتائب الإمام العسكري) و(كتائب حزب الله في العراق) بأجنحتها (كتائب زيد بن علي - كتائب أبي الفضل العباس - كتائب كربلاء)، وما يسمى بـ(الكتائب الخاصة لجيش الإمام المهدي).
* صناعة مقاومة شيعية بعد تشويه الجهاد السني
بَرزت مجاميع (المقاومة الشيعية) ـ من قبل وسائل الإعلام الشيعية ـ بعد أحداث سامراء الأولى عام 2006، وبلغت قمتها في حرب تموز من نفس العام بين (حزب الله) لبنان وإسرائيل، حين تبنت (عصائب أهل الحق) عدة عمليات مصورة في سلسلة سميت بـ(نصرة الوعد الصادق) في ربط واضح مع (حزب الله) اللبناني، وقد كان لهذا التوقيت في إبراز ورقة (المقاومة الشيعية)، أسباب عديدة، نذكر منها:
ـ استثمار ضربات المجاميع الشيعية المسلحة ضد القوات الأميركية، كجزء من منظومة المساومة التي تفاوض بها طهران واشنطن، في ما يخص ملفها النووي، أو كسب الساحة العراقية السياسية والاقتصادية لصالح شيعة العراق الموالين لإيران، أو منع أميركا وحلفائها من استهداف إيران...وبالتالي تتصاعد ضربات (حزب الله) العراقي و(عصائب أهل الحق) وتتنازل تبعاً لانصياع أميركا للمطالب الإيرانية أو امتناعها.
وما يدور حالياً من كلام عن المفاوضات حول الاتفاقية العراقية ـ الأميركية الطويلة الأمد، ما هو إلا غطاء لاتفاقية إيرانية - أميركية سرية، يجري التفاوض حولها، ودور هذه الجماعات المسلحة في ترجيح كفة إيران لم يعد خافياً على أحد، والتصعيد الإعلامي الأميركي باتهام إيران باستمرارها لدعم الجماعات المسلحة، أحد الأدلة على ذلك.
في بيانها السادس في الذكرى السادسة للاحتلال، قالت (كتائب حزب الله) ما نصه: "إننا في المقاومة الإسلامية في العراق، نرى أن الاحتلال بدأ يفقد إرادته القتالية، وبدأ يركز جهده في كيفية حماية فلوله المنهارة، وأن انتشاره الآن في الشارع ما هو إلا تعبير واضح في محاولة منه لحماية تلك القوات المنهكة، لكنه قد وقع في فخ نصبه له أبناء المقاومة الإسلامية، إذ تكبد خلال الأيام الماضية من الخسائر ما لم يتكبده خلال أشهر مرّت، وإننا نرى أنه الآن في حيرة من أمره، فهو الآن فعلاً كما يعبر عنه ولي أمر المسلمين السيد الخامنئي (دام ظله): "إنه كمن غرست قدماه في الوحل، لا يستطيع أن يتقدم، ولا يستطيع أن يتراجع، ولا يستطيع أن يبقى حيث هو"!!!
ـ ضرورة صناعة أنموذج مقاوم شيعي عراقي جديد موالي لإيران، خاصة بعد أن تشوه الأنموذج الأول (جيش المهدي)، الذي عوّلت عليه طهران سابقاً، ليكون ممثل (المقاومة الشيعية)، وفضح دوره الخبيث في استهداف مناطق أهل السنة، بالتهجير وتدمير المساجد وقتل الشباب والنساء والأطفال، فغدا (جيش المهدي) وزعيمه (مقتدى الصدر) رمزاً للجريمة، بعدما كان كثير من المنخدعين ـ على المستويات المحلية والعربية والعالمية ـ يدرجونه ظلماً في قائمة المقاومة والجهاد!!
وخطوة (صناعة الرمز المقاوم الشيعي)، هو جزء من مشروع إيراني قديم، سبق أن بدأ بـ(حزب الله) اللبناني، ولم ينتهِ بالمجاميع الشيعية (الناشطة والخاملة)، والتي سبق أن وجهت أكثر من ضربة في مناطق مختلفة من دول الخليج العربي، والهدف العلني من ذلك: إبراز الشيعة مقاومين للمشاريع الصهيونية والأميركية والبريطانية وللأنظمة المرتبطة معها، أما الهدف غير المعلن، والذي تأخر وضوحه للكثير: إيجاد مواطئ قدم مسلحة إيرانية في منطقة الشرق الأوسط، لغرض فرض السيطرة ولي ذراع بعض الجهات وتحقيق المكاسب على مختلف الأصعدة، وما يجري في لبنان ليس ببعيد!!
ـ إيجاد بديل مناسب لقيادة بعض الجمهور الشيعي العراقي، الساخط على سياسييه، الذين انكشفت حقيقة شعاراتهم الإسلامية الزائفة، وفُضحوا بخلافاتهم وتشرذمهم، ومحاولة رفع الروح المعنوية والنفسية للجمهور الشيعي، بعد نجاح المقاومة السنية في تحقيق ذلك بالنسبة لجماهيرها.
ومن جهة أخرى، فإن ملالي قم وطهران، يحتاجون إلى استهداف الجماهير الشيعية بين فترة وأخرى بضربات دموية، للإبقاء على الحاجة للأحضان الإيرانية، خشية من تسلط (النواصب التكفيريين)!! والمجاميع المسلحة هذه هي أحدى أدوات تنفيذ الضربات الإيرانية الخفية، وبالتالي تزداد الانقسامات بين أبناء الشعب الواحد، ويتخلص الإيرانيون في نهاية المطاف من عراقٍ، طالما أعاق مشروعاتهم وطموحاتهم.
ـ إيجاد أذرع مسلحة إيرانية جديدة، تهدد التيارات الشيعية التي تحاول مخالفة المشروع الإيراني في العراق، أو تريد خلع الثوب الإيراني والارتماء في الأحضان الأميركي بشكل كلي دون تنسيق مع ملالي طهران، وما ينتج من صدامات صدرية - بدرية بين فترة وأخرى، ما هو إلا أنموذج لسياسة قرص الآذان التي تتبعها إيران مع المجلس الأعلى أو حزب الدعوة المتنفذين في الائتلاف الشيعي الحاكم.
ـ سحب البساط من تحت أقدام المقاومة العراقية السنية وقطف ثمرة جهودهم وتضحياتهم لصالح (مقاومة شيعية) مختلقة، خاصةً بعد احتمال سحب القوات الأميركية من العراق باقتراب موسم الانتخابات الرئاسية الأميركية، وكذلك بعد أن عمل نظام الملالي في طهران طوال سنوات الاحتلال على تشويه صورة المقاومة العراقية داخلياً وخارجياً.
إن الدور الكبير الذي قام به مجاهدو العراق، بتكبيد أميركا خسائر غير متوقعة في الأرواح والمعدات، وتعطيل المشروع الاستعماري في المنطقة، دفع ملالي طهران إلى محاولة محاكاة هذا الأنموذج الناجح لتنفيذ كل ما بيناه سابقاً.
* استهداف أهل السنة باطناً... والاحتلال ظاهراً:
من خلال متابعة ما عرضته تلك الجماعات من عمليات وإصدارات، يلاحظ ما يلي:
ـ العمليات منفذة في مناطق شيعية وسط وجنوب العراق، وفي مناطق انتشار وسيطرة ميليشيات جيش المهدي تحديداً، مما يؤكد انتماء عناصر هذه المجاميع لعصابات مقتدى الصدر الإجرامية، وبالتالي فهي تستفيد من الغطاء الأمني الذي توفره قوات الجيش الحكومية أو مغاوير الداخلية، والمشهورة بتغلغل أفراد الميليشيات فيها، بل إن الكثير من الصور فضحت غباء أصحابها، ممن يلبسون زي الشرطة والجيش الحكوميين ويشاركون في تنفيذ هذه العمليات، ونطرح التساؤل الآتي: كيف يمكن أن تُنفذ عملية تفجير عبوة ناسفة على بعد أمتار من حواجز حكومية؟!
ـ أغلب عمليات إطلاق الصواريخ والهاونات المعروضة، يتزامن وقت ومكان إطلاقها مع ما جرى من استهداف للمناطق السنية خلال الفترة الماضية، وعملية الإعداد للإطلاق ليست من السهولة، ولا يمكن تنفيذها إلا بضمان منطقة الإطلاق، والمعروف في أوساط المجاهدين في العراق أن عملية إطلاق الهاونات والصواريخ على القواعد الأميركية، لا يمكن أن تكون إلا من أراضي مفتوحة أو زراعية، وسرعان ما ترد المدفعية الأميركية خلال دقائق معدودة على مكان الإطلاق، وعشرات أفلام الإطلاق للمقاومة العراقية تشهد بذلك ..
ـ تفجير العبوات الناسفة، يتم ـ في معظمه ـ وسط مناطق سكنية وأثناء مرور مركبات مدنية أو وسط الأسواق، مما يطرح التساؤل الآتي بإلحاح: إذا كانت هذه المجاميع قادرة على مثل هذه الأعمال المسلحة داخل المناطق الشيعية، فما الذي ينفي عنها تهمة التفجيرات التي تستهدف المدنيين في المناطق الشيعية لاستثارتها أو في المناطق السنية لتخريبها، خاصة وأن هناك مناطق شيعية لا يمكن لأهل السنة الوصول إليها، تُستهدف بانفجارات ضخمة، وتثبت التهمة كالعادة ضد تنظيم القاعدة، والذي ينكر بدوره صلته بها، مثل ما جرى مؤخراً أوائل شهر شباط 2008م بتفجيري سوق الغزل وبغداد الجديدة، راح ضحيته عشرات القتلى والجرحى، وقبل شهرين من هذين التفجيرين، سبق للاحتلال الأميركي القبض على مجموعة لها صلة بإيران، نفذت تفجيراً مماثلاً بسوق الغزل أيضاً!! والأمثلة على هذا تطول.
هذا الأمر يقودنا أيضاً إلى تسليط الضوء على قضايا خطف الشخصيات والكفاءات العراقية ومنتسبي السفارات العربية والغربية واغتيالاتهم، والتي طالما نسبت في معظمها إلى تنظيم القاعدة، في حين أن (المقاومة الشيعية الإسلامية في العراق)، كما تسمي نفسها، تختطف في آيار 2007 خمسة بريطانيين عاملين في شركة أمنية من وسط مبنى محصن أمنياً وشيعياً (وزارة النفط العراقية) وفي وضح النهار، وتبقيهم محتجزين إلى الآن وتساوم القوات البريطانية من أجل الإفراج عن معتقلين من جيش المهدي!! وتتبنى (عصائب أهل الحق) عملية استهداف السفير البولندي في العراق أوائل تشرين الأول 2007 .. ونعيد السؤال مرة أخرى: إذا كانت (المقاومة الشيعية) تفعل ذلك بشخصيات أمنية أجنبية وفي وسط مناطق شيعية، فمن ذا ينفي عنها تهمة عمليات الاختطاف والاغتيال التي طالت مئات الكفاءات والشخصيات العراقية والعربية؟!
ـ عدد من العمليات المصورة لهذه الجماعات الشيعية مسروقة في أصلها من مجاميع جهادية عراقية معروفة، والمتبحر في عالم المنتديات الجهادية والمتابع الجيد، يعرف حقيقة ذلك، حين يقارن العمليات ببعضها، بل إن (عصائب أهل الحق تتشدق بأنها هي من استهدفت معسكر (فالكون) الأميركي جنوب بغداد في رمضان 1428هـ، في حين أن العملية تبناها الجيش الإسلامي في العراق رسمياً، كما تناقلته وسائل الإعلام وقتها.
* دعم شيعي .. محلي وإقليمي.. سري وعلني:
ـ بصمة (حزب الله) اللبناني واضحة جداً على الأداء العسكري والإعلامي وعلى تدريب عناصر مجموعات (المقاومة الشيعية) المزعومة، بل تكاد قناة (المنار) تنفرد بعرض أخبار وتصوير عمليات هذه المجاميع، برغم أن عمليات المقاومة العراقية السنية قد تجاوزت الألوف، وقد اتهمت أطراف أمنية عراقية وأميركية (حزب الله) لبنان سابقاً بتدريب عناصر جيش المهدي، وثبت الاتهام بإعلان (مقتدى الصدر) الحداد لثلاث أيام بعد اغتيال (عماد مغنية)، القائد العسكري لحزب الله في شباط 2008، ونشرت (عصائب أهل الحق) و(كتائب حزب الله) بيانات نعت فيها (عماد مغنية)، وتبنت حملة ثأراً لمقتله، كان من حصيلتها قصف مناطق سنية، ومما ذُكر في أحد بياناتهم: (نحن في كتائب حزب الله نعاهد القائد الشهيد الحاج عماد مغنية ونعاهد قيادتنا وكافة المجاهدين والمقاومين، بأننا سنبقى على الخط وسيكون كل أخ مجاهد في كتائب حزب الله أخ باراً وفياً لهذا المنهج حتى طرد الأمريكان من منطقتنا)، انظر موقع (كتائب حزب الله): www.alaseb.com.
ـ العلاقة وثيقة ومتينة بين التيار الصدري ـ بممثليه السياسيين أو جناحه العسكري (جيش المهدي) ـ وهذه المجاميع المسلحة الشيعية، والإصدارات المرئية والملصقات والمقالات تبين حقيقة ذلك، فقد أصدرت (عصائب أهل الحق) إصداراً مرئياً، بعنوان: (الوارثين) في ذكرى مقتل محمد صادق الصدر والد مقتدى، وتبنت أواسط 2007م، وبعد تفجير سامراء الثاني، نفذت سلسلة عمليات (ثارات العسكريين) تزامناً مع جرائم جيش المهدي باستهداف مناطق أهل السنة ومساجدهم، ولم نسمع أو نقرأ ـ لا سابقاً ولا لاحقاً ـ من (مكتب الشهيد الصدر) أو من (جيش المهدي) أو من ممثلي التيار الصدري في البرلمان والحكومة، براءةً لما تنشره هذه المجاميع من انتساب لها .