المهاجر7
03-06-2008, 05:48 PM
الْمَشَايِخُ الجُدُد
وَدَعْوَتُهُم إِلَى ( الْمُبَاهَلَةِ )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
وفيه بيان وشرح قول ) ابنِ عساكر ) رحمه الله : ( لُحُومُ العُلَمَاءِ مَسْمُومَةٌ )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــ
كتبه الشيخ
عبد الكريم بن صالح الحميد
حفظه الله تعالى
بِسْم الله الرَّحْمَن الرَّحيْم
ـــــــــــــــــــــــــ
المَشايخ الجُدُد !
ـــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين..
أما بعد :
فإنه لَمَّا بَدَأ إنتاجُ التعاليمِ الحادثة التي تُسَمَّى ( نِظَامِيَّة ) وسَلَكَتْ الأمَّةُ طريقاً مُختلِفاً عن الطريق الذي كان عليه سلَفُها الصَّالِح جاء الانحرافُ لابِساً ثيابَ اللَّبْسِ ! ؛ وكون هذه التعاليم تُسَمَّى ( نِظَاميَِّة ) فهذا يوحي بأن التعاليم التي كانت في الماضي ( فوضى ) وهَذَا المعنى يَفْهمه مَن لا يفهم ، أو مَن يفهم على مقتضى هواه لا على المقتضى الشَّرعيِّ الصحيح ؛ وتفاصيل هذا طويلة ، وهي تتلخص فيما يلي :
أولاً : العلم المطلوب تعلُّمُهُ والعمل به هو ميراث رسول الله دون شائبةِ شيءٍ يُسَمَّى عِلْماً ؛ وهذا هُوَ طَرِيقُ الصَّحابةِ وعُلَمَاء الأمة بَعْدَهم .
ثانيا: لَمْ يَكُن يُطْلَبُ هذا العلم إلا لشيءٍ واحدٍ وهو : " العمل به " عُبُودِيَّة للهِ – عزَّ وجل – دون شَارَاتٍ وَرُتَبٍ مُمَيَّزَةٍ على قَدْرِها تأتِي الوظيفة الدراهميِّة للمُتَخَرِّجِ ! ؛ وذَللِكَ هُو طَرِيقُ الصَّحابةِ وعُلَمَـاء الأمـة بَعْدَهم .
ثالثاً : طِلِبُ العِلْم يكون في المسجد تَعبُّداً لله – عزَّ وجل - ، وإن كان خارج المسجد في أماكِن أخرى فإنه يكون كالذي في المسجد تَمَاماً حيث يُتعبَّد الله به ولا يُرجى بطلبه غير الله تعالى ؛ وهذا هُوَ طَرِيقُ الصَّحابةِ وعُلَمَاء الأمة بَعْدَهم .
رابعاً : يَتَولَّى ذلك أهلُ العِلْمِ حَقِيقَةً والصَّلاح حَقِيقَةً ؛ وهذا هُو طَرِيقُ الصَّحابةِ وعُلَمَاء الأمة بَعْدَهم .
هذه أصولٌ أصِيلَةٌ ذَكَرتها وغيرها في بعض كُتُبَي وعلى نَهْجِهَا كانت الأمَّةُ تسير مُنْذُ عهدَ الصحابَةِ الكِرامِ –رضي الله عنهم – إلى أن جاء ما يُسَمَّى : ( الدراسة النظامية ) فجاءت المُخالفةُ للأربعةِ الْمُتَقَدِّمةِ بما يلي :
أولاً : العلم المطلوب تعلمه شَيءٌ من ميراث رسول الله ، وعلوم أخرى بعضها يُعارض عِلْمَ الرَّسولِ وبعضها مُزاحِمٌ مُضْعِفٌ مُنْهِكٌ ! ،
ومن هنا جاء اسم :
( مَعَارِف ) ، وهذا مصطلح حادث يشمل علم الرسول وغيره من العلوم على نهج الفلاسفة ، وهذا الاسم يُطْلِقُه أهلُ الوقت على مدارسهم وعلومهم ، فهذا الأول مُقابل الأوَّل المقدَّم .
ثانياً : أُسِّسَ هذا التعليم الحادث على الوظائف الماليَّةِ والرِّئاساتِ الدُّنيوية ، وهذا الثاني مقابل الثاني المقدَّم .
ثالثاً : الطَّلبُ في مواضع مُنظَّمة على النَّمَط الغربي بحيث يكون كنظام تعليم الكفار في جميع مراحله ، لتكون الحال : ( حذو القُذَّة بالقُذَّة ) ([1]) ! ، وهذا الثالث مقابل الثالث المقدَّم .
رابعاً : يتولى التعليم في هذه المواضع من تَخَرَّج منها وحمل شارتها وشهاداتها دون شرطٍ أو قيدٍ ! .
هذه إشارة والتفاصيل في غير هذا ، لأن المراد هنا معرفة ما حلَّ بالأمة نتيجة هذا التغيير والتخليط والاقتداء بالعجم لِيُعلَمَ أن التشبه بهم هو بلاء الأمة ([2]) .
لقد حلَّت بالأمة العقوبات كَحَتْمٍ ملازم للتغيير فجاءت الفتن والمحن ، وطبيعي أنه ونتيجة لهذا النظام الحادث في التعليم أن يتصدى لحلِّ الفتن والمعضلات المتخرجون من هذا النظام ، كما في البلدان التي جاء منها ؛ لكن المصيبة أنهم يتصدَّرون باسم الشريعة التي اصطبغت بغير صبغتها النقيَّة .
ومن هنا جاءت الثمار من جنس الغرس ، فالشوائب التي سلِمَ منها البند الأول في الأصول الأولى للتعليم –التي ذكرتها قبل قليل في الصفحة الأولى- ودخلت في البند الأول من الأصول الحادثة للتعليم قد أينعت ثمارها التخليطية ، ولا يمكن أن يأتي الثمر إلا على جنس المغروس ؛ ومن الأمثلة لذلك فَقْدُ هذه الحلول للفرقان بل وإقرار الطغيان ! .
فالشعب الفلسطيني مثلاً جعل حَلَِّ قضيته مع اليهود الديمقراطية الانتخابية الكفرية التي يباركها ويُعظِّم أربابها :
(ناصر بن سليمان العمر) حيث قال : ( أيها المجاهدون في حماس ! .. لقد شفى صدورنا وأبهج نفوسنا ونفوس المؤمنين هذا الانتصار الذي تحقَّق بفوز حركة المقاومة الإسلامية " حماس " في
الانتخابات الأخيرة ! )([3]).. إلى آخر تمجيد هذا الشَّعب المُتَنَكِّر للدِّين اللاَّبس ثياب الكفر باسم الإسلام بدخوله ( الديمقراطية ) الطاغوتية وتَخَلِّيه عن حكم الله ! وأنَّى لمن هذه حاله أن ينصره الله .
أما (سلمان بن فهد العودة) فإنه يأمر الفلسطينيين بالاحتكام إلى النظام والقانون وأنهم إذا فعلوا ذلك فإنهم قد صنعوا مستقبلاً أفضل لشعبهم العظيم ! ([4]) .
وآخر ما قرأته عن الفلسطينيين أن الحكومة الفلسطينية الحالية سوف ترسل مُشَرِّعين من ( حماس ) لِيُمَثِّلوها في المؤتمر الدولي الذي تقيمه ( هيئة الأمم المتحدة ) في دويلة ( قَطَر ) حول ( الديمقراطية ) الطاغوتية ! ([5]) ؛ فما يقول(ناصر العمر) في إخوانه الديمقراطيين المُشَرِّعين من ( حماس ) الذين أسبغ عليهم مديحه وثناءه – كما تقدَّم - ؟! ، وقد قال الله تعالى : ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعوا لَهُم مِنَ الدِّينِ مَا لَم يَأذَنْ بِهِ اللهُ ﴾ ([6]) .. أهكذا تتعامل أنت و (سلمان العودة) مع الكفر ؟! .. والمصيبة أنه يُقتَدَى بكم – أراح الله الأمة منكم أيُّها الْمُلبِّسون اللاَّبِسون الحقَّ مع الباطل- ! .
وأمَّا ما اشترك فيه (ناصر بن سليمان العمر( مع )سلمان بن فهد العودة( فهو مؤتمر فندق " البحرين " برئاسة )القرضاوي( المزعوم أنه انتصار للرسول من سخرية " الدنمارك " ؛ وقد قرر هذا المؤتمر : ( إنشاء " مكتب نصرة قانونية " يتولى متابعة قانونية " لاتخاذ " تدابير قانونية لأعمال " النصرة القانونية للمؤتمر " ! ) ، وكذلك طلب اعتذار ثقافي ، وتأكيد المؤتمر أنَّ العلاقة بين المسلمين والغرب ينبغي أن تقوم على الاحترام المتبادل فأين ﴿ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ والْبَغْضَاءُ أَبَدَاً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِالله وَحْدَهُ ﴾ ([7]) ، ويُؤيد المؤتمر تقديم قرار إلى الأمم المتحدة ينصُّ على حظر ازدراء " ألأديان " – هكذا " الأديان " ! - ، ويطالب بالعمل على استصدار تشريعات وقوانين وقرارات دولية تُحرِّم وتُجرِّم الإساءة للأنبياء والمرسلين ؛ إلى آخر مؤتمر فندق " البحرين " ([8]) ؛ وقد سَبق الردُّ عليه – ولله الحمدُ والمِنَّة - ([9]) .
إنَّ هذا التدَيُّن الجديد لهؤلاء الذين يتصدَّوْنَ لقضايا الأمة لائق بهم على الحقيقة لأنهم كما يُقَال : ( مَنْ ضَيَّعَ الأصُولَ حُرِمَ الوُصُولَ ! ) ، وقد تقدَّم بيان أصولهم في العلم .
فأصل الأصول " كلمة التوحيد " النافية المُبطلة المتبرِّئة في شِقِّها الأول مما وقعوا به وزالت عن قلوبهم وحْشته وأعرضت عن النُّفرة منه ومن أهله ، أما الشِّقُّ الثاني فيدخل فيه حتى أهل الشرك وهو العبادة المطلقة دون إفراد من لا يستحقها سواه – سبحانه وبحمده - ، وفي هذا يحصل الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ، فأين الكفر بالطاغوت أولاً – الذي هو : ديمقراطية الانتخابات والبرلمانات التي هي حكم الشَّعب للشَّعب، والقوانين التي هي تشريعات هيئة الأمم المتحدة ، وهو الذي دَانَتْ به حماس ! - .
لقد ضللتم ضلالا بعيداً ، واغترَّ بكم المفتونون ، فأنتم أحوج الناس إلى مراجعة دينكم ؛ وشأن العقيدة ليس كغيره ، وهذا ضلالكم فيه .
وآخر ما وقفت عليه لهؤلاء المتصدِّرين جوابٌ لـ )ناصر العمر( في مقابلة معه فيما تسمى بجريدة ( الرأي العام ) الكويتية ([10]) يُمجِّد فيه " حماس " ويقول : ( أنصح " حماس " أن تثبت على مبادئها، فإنْ تنازلت عن مبادئها فأعتقد أنها ستنتهي عَمَلِيَّا وإن بَقِيَت شكلية ) انتهى .
أقول : كيف تنصحهم بالثبات على الديمقراطية الكافرة ؟! .. هذا والله هو الغِشُّ والضلال المبين ! .
لقد أوقعتم الأمَّة في ضلالة ولَبْس عظيم حيث تزعمون أنَّ ( حَمَاس ) إذا تَمَكَّنَت سوف تُحَكِّم الشريعة ؛ فكيف يكون هذا ؟! ، وهل طريق تحكيم الشريعة الإيمان بالطاغوت أم أنه الكفر به أوَّلاً ؟! ، ومن الذي قال لكم : " إن الشَّرَّ ياتي بالخير " ؟! ومن قال : " إنَّ صَبَّ الطِّيبِ على العَذِرَة يرفع نجاستها ويطهِّرها " ؟! .
إنَّ من يدخل انتخابات وبرلمان ( الديمقراطية ) يريد ان يستأذن ( إبليس ) بتحكيم الشريعة بدُعائه والتضرُّع إليه أن يسمح بذلك ! ، إن تحكيم الشريعة يكون بالكفر بما دخلوا به أوَّلاً وهو ( الديمقراطية ) .
إنكم تبْنُونَ أنتمْ و ( حَمَاسُكُم ) على أصول فاسدة ؛ قال تعالى : ﴿ أفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلَى تَقْوى منَ الله وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾([11])
إنَّ النصيحة للفلسطينيين هي أن يتوبوا ممَّا دخلوا به من ( الديمقراطية ) بحيث يكفرون بها ، ويرجعون إلى الله حقيقةً ، وذلك بإقامة دينه كما أراد سبحانه بمتابعة رسوله وُيطهِّروا نفوسهم وديارهم من نجاسات الكفر والضلال والمعاصي ، ولا يتشبهوا بـ ( اليهود ) وإخوانهم ( النصارى ) .
وفي مقابل مدحه لـ ( حماس ) وحثِّه لها لتثبت على مبدئها ( الديمقراطي ) يقول )ناصر العمر( في نفس المقابلة التي قال فيها مدحه لحماس وذلك لَمَّا سُئِل عن الأخبار الأخيرة التي تشير إلى استعادة إمارة ( طالبان ) لشيءٍ من عافيتها ، قال : ( الناس الآن في " أفغانستان " شعروا أن الدولة التي كانت توفِّر لهم الأمان ليست الحكومة العميلة الحالية ، وإنما حكومة " طالبان " بِغضِّ النظر عن تحفُّظنا عن بعض سياستها ) انتهى .
وجواب هذا : أنه معلوم أنَّ الذي جاء ببشائر عودة " طالبان " هو من أخرجها من حُكْمِها ابتلاءً وامتحاناً لَهُم ولغيرهم ليميز الله الخبيث من الطَّيِّب ، فهو سبحانه الملك وهو مُدبِّر المُلْك .
وما كان الله ليفعل إلا عودتهم أحسن مما كانوا ، فهو سبحانه لا يضيع عَمَل عامل ، فهم في حكمهم طبَّقوا الشريعة وأقاموا حدودها ، وحَسْبهم تكسير صنم " بوذا " والله – سبحانه وبحمده – هو الذي وفَّقهم أولاً ويثيبهم ثانياً ؛ فكل الخير منه سبحانه ، وما كنتُ – ولله الحمد – في شَكٍّ من عودتهم لحكمهم من حين أن أُخرجوا من حكمهم ، والحمد لله الذي عافانا من أن نقول ما قاله الظَّانون بالله ظن السوء : ( طالبان وحالِمَان ) و ( انتقلت " طالبان " من الجغرافيا إلى التاريخ ) وأمثال ذلك من أقوال من أمرهم فُرُطاً حيث نشروا هذه الكلمات وظنونهم السوء في جرائدهم .. ﴿ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أكْبَرُ ﴾ ([12]) .
وكنت قد دعوتُ – ولِلَّه الحَمْد – إلى ( الْمُبَاهَلَة ) برجوع ( الطَّالِبَان ) لحكمها وسلطانها قريباً أقوى وأعظمَ وأحسنَ ممَّا كانت في حكمها السَّابق الذي عُزِلَت عنه ابتلاءً من مَالكِ الْمُلك – سبحانه وبحمده - ؛ وهذا لا يعني أنّني أعلم الغيب ، ولكنِّي أعرف ما يليق بربِّي –جلَّ جلاله- ، وأعلم صدقَ مَوْعوُدِهِ بِنصْرِ من ينصُرُه وقد قال – وقوله الحقُّ - : ﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾ ([13]) ، وقال سبحانه : ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ ([14]) ؛ بل أباهل على أنَّ الله – عزّ وجل – سينصر المجاهدين في ( العِراق ) ما داموا يجاهدون في سبيله لتكون كلمته هي العليا ([15])
يتبع
وَدَعْوَتُهُم إِلَى ( الْمُبَاهَلَةِ )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
وفيه بيان وشرح قول ) ابنِ عساكر ) رحمه الله : ( لُحُومُ العُلَمَاءِ مَسْمُومَةٌ )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــ
كتبه الشيخ
عبد الكريم بن صالح الحميد
حفظه الله تعالى
بِسْم الله الرَّحْمَن الرَّحيْم
ـــــــــــــــــــــــــ
المَشايخ الجُدُد !
ـــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين..
أما بعد :
فإنه لَمَّا بَدَأ إنتاجُ التعاليمِ الحادثة التي تُسَمَّى ( نِظَامِيَّة ) وسَلَكَتْ الأمَّةُ طريقاً مُختلِفاً عن الطريق الذي كان عليه سلَفُها الصَّالِح جاء الانحرافُ لابِساً ثيابَ اللَّبْسِ ! ؛ وكون هذه التعاليم تُسَمَّى ( نِظَاميَِّة ) فهذا يوحي بأن التعاليم التي كانت في الماضي ( فوضى ) وهَذَا المعنى يَفْهمه مَن لا يفهم ، أو مَن يفهم على مقتضى هواه لا على المقتضى الشَّرعيِّ الصحيح ؛ وتفاصيل هذا طويلة ، وهي تتلخص فيما يلي :
أولاً : العلم المطلوب تعلُّمُهُ والعمل به هو ميراث رسول الله دون شائبةِ شيءٍ يُسَمَّى عِلْماً ؛ وهذا هُوَ طَرِيقُ الصَّحابةِ وعُلَمَاء الأمة بَعْدَهم .
ثانيا: لَمْ يَكُن يُطْلَبُ هذا العلم إلا لشيءٍ واحدٍ وهو : " العمل به " عُبُودِيَّة للهِ – عزَّ وجل – دون شَارَاتٍ وَرُتَبٍ مُمَيَّزَةٍ على قَدْرِها تأتِي الوظيفة الدراهميِّة للمُتَخَرِّجِ ! ؛ وذَللِكَ هُو طَرِيقُ الصَّحابةِ وعُلَمَـاء الأمـة بَعْدَهم .
ثالثاً : طِلِبُ العِلْم يكون في المسجد تَعبُّداً لله – عزَّ وجل - ، وإن كان خارج المسجد في أماكِن أخرى فإنه يكون كالذي في المسجد تَمَاماً حيث يُتعبَّد الله به ولا يُرجى بطلبه غير الله تعالى ؛ وهذا هُوَ طَرِيقُ الصَّحابةِ وعُلَمَاء الأمة بَعْدَهم .
رابعاً : يَتَولَّى ذلك أهلُ العِلْمِ حَقِيقَةً والصَّلاح حَقِيقَةً ؛ وهذا هُو طَرِيقُ الصَّحابةِ وعُلَمَاء الأمة بَعْدَهم .
هذه أصولٌ أصِيلَةٌ ذَكَرتها وغيرها في بعض كُتُبَي وعلى نَهْجِهَا كانت الأمَّةُ تسير مُنْذُ عهدَ الصحابَةِ الكِرامِ –رضي الله عنهم – إلى أن جاء ما يُسَمَّى : ( الدراسة النظامية ) فجاءت المُخالفةُ للأربعةِ الْمُتَقَدِّمةِ بما يلي :
أولاً : العلم المطلوب تعلمه شَيءٌ من ميراث رسول الله ، وعلوم أخرى بعضها يُعارض عِلْمَ الرَّسولِ وبعضها مُزاحِمٌ مُضْعِفٌ مُنْهِكٌ ! ،
ومن هنا جاء اسم :
( مَعَارِف ) ، وهذا مصطلح حادث يشمل علم الرسول وغيره من العلوم على نهج الفلاسفة ، وهذا الاسم يُطْلِقُه أهلُ الوقت على مدارسهم وعلومهم ، فهذا الأول مُقابل الأوَّل المقدَّم .
ثانياً : أُسِّسَ هذا التعليم الحادث على الوظائف الماليَّةِ والرِّئاساتِ الدُّنيوية ، وهذا الثاني مقابل الثاني المقدَّم .
ثالثاً : الطَّلبُ في مواضع مُنظَّمة على النَّمَط الغربي بحيث يكون كنظام تعليم الكفار في جميع مراحله ، لتكون الحال : ( حذو القُذَّة بالقُذَّة ) ([1]) ! ، وهذا الثالث مقابل الثالث المقدَّم .
رابعاً : يتولى التعليم في هذه المواضع من تَخَرَّج منها وحمل شارتها وشهاداتها دون شرطٍ أو قيدٍ ! .
هذه إشارة والتفاصيل في غير هذا ، لأن المراد هنا معرفة ما حلَّ بالأمة نتيجة هذا التغيير والتخليط والاقتداء بالعجم لِيُعلَمَ أن التشبه بهم هو بلاء الأمة ([2]) .
لقد حلَّت بالأمة العقوبات كَحَتْمٍ ملازم للتغيير فجاءت الفتن والمحن ، وطبيعي أنه ونتيجة لهذا النظام الحادث في التعليم أن يتصدى لحلِّ الفتن والمعضلات المتخرجون من هذا النظام ، كما في البلدان التي جاء منها ؛ لكن المصيبة أنهم يتصدَّرون باسم الشريعة التي اصطبغت بغير صبغتها النقيَّة .
ومن هنا جاءت الثمار من جنس الغرس ، فالشوائب التي سلِمَ منها البند الأول في الأصول الأولى للتعليم –التي ذكرتها قبل قليل في الصفحة الأولى- ودخلت في البند الأول من الأصول الحادثة للتعليم قد أينعت ثمارها التخليطية ، ولا يمكن أن يأتي الثمر إلا على جنس المغروس ؛ ومن الأمثلة لذلك فَقْدُ هذه الحلول للفرقان بل وإقرار الطغيان ! .
فالشعب الفلسطيني مثلاً جعل حَلَِّ قضيته مع اليهود الديمقراطية الانتخابية الكفرية التي يباركها ويُعظِّم أربابها :
(ناصر بن سليمان العمر) حيث قال : ( أيها المجاهدون في حماس ! .. لقد شفى صدورنا وأبهج نفوسنا ونفوس المؤمنين هذا الانتصار الذي تحقَّق بفوز حركة المقاومة الإسلامية " حماس " في
الانتخابات الأخيرة ! )([3]).. إلى آخر تمجيد هذا الشَّعب المُتَنَكِّر للدِّين اللاَّبس ثياب الكفر باسم الإسلام بدخوله ( الديمقراطية ) الطاغوتية وتَخَلِّيه عن حكم الله ! وأنَّى لمن هذه حاله أن ينصره الله .
أما (سلمان بن فهد العودة) فإنه يأمر الفلسطينيين بالاحتكام إلى النظام والقانون وأنهم إذا فعلوا ذلك فإنهم قد صنعوا مستقبلاً أفضل لشعبهم العظيم ! ([4]) .
وآخر ما قرأته عن الفلسطينيين أن الحكومة الفلسطينية الحالية سوف ترسل مُشَرِّعين من ( حماس ) لِيُمَثِّلوها في المؤتمر الدولي الذي تقيمه ( هيئة الأمم المتحدة ) في دويلة ( قَطَر ) حول ( الديمقراطية ) الطاغوتية ! ([5]) ؛ فما يقول(ناصر العمر) في إخوانه الديمقراطيين المُشَرِّعين من ( حماس ) الذين أسبغ عليهم مديحه وثناءه – كما تقدَّم - ؟! ، وقد قال الله تعالى : ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعوا لَهُم مِنَ الدِّينِ مَا لَم يَأذَنْ بِهِ اللهُ ﴾ ([6]) .. أهكذا تتعامل أنت و (سلمان العودة) مع الكفر ؟! .. والمصيبة أنه يُقتَدَى بكم – أراح الله الأمة منكم أيُّها الْمُلبِّسون اللاَّبِسون الحقَّ مع الباطل- ! .
وأمَّا ما اشترك فيه (ناصر بن سليمان العمر( مع )سلمان بن فهد العودة( فهو مؤتمر فندق " البحرين " برئاسة )القرضاوي( المزعوم أنه انتصار للرسول من سخرية " الدنمارك " ؛ وقد قرر هذا المؤتمر : ( إنشاء " مكتب نصرة قانونية " يتولى متابعة قانونية " لاتخاذ " تدابير قانونية لأعمال " النصرة القانونية للمؤتمر " ! ) ، وكذلك طلب اعتذار ثقافي ، وتأكيد المؤتمر أنَّ العلاقة بين المسلمين والغرب ينبغي أن تقوم على الاحترام المتبادل فأين ﴿ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ والْبَغْضَاءُ أَبَدَاً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِالله وَحْدَهُ ﴾ ([7]) ، ويُؤيد المؤتمر تقديم قرار إلى الأمم المتحدة ينصُّ على حظر ازدراء " ألأديان " – هكذا " الأديان " ! - ، ويطالب بالعمل على استصدار تشريعات وقوانين وقرارات دولية تُحرِّم وتُجرِّم الإساءة للأنبياء والمرسلين ؛ إلى آخر مؤتمر فندق " البحرين " ([8]) ؛ وقد سَبق الردُّ عليه – ولله الحمدُ والمِنَّة - ([9]) .
إنَّ هذا التدَيُّن الجديد لهؤلاء الذين يتصدَّوْنَ لقضايا الأمة لائق بهم على الحقيقة لأنهم كما يُقَال : ( مَنْ ضَيَّعَ الأصُولَ حُرِمَ الوُصُولَ ! ) ، وقد تقدَّم بيان أصولهم في العلم .
فأصل الأصول " كلمة التوحيد " النافية المُبطلة المتبرِّئة في شِقِّها الأول مما وقعوا به وزالت عن قلوبهم وحْشته وأعرضت عن النُّفرة منه ومن أهله ، أما الشِّقُّ الثاني فيدخل فيه حتى أهل الشرك وهو العبادة المطلقة دون إفراد من لا يستحقها سواه – سبحانه وبحمده - ، وفي هذا يحصل الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ، فأين الكفر بالطاغوت أولاً – الذي هو : ديمقراطية الانتخابات والبرلمانات التي هي حكم الشَّعب للشَّعب، والقوانين التي هي تشريعات هيئة الأمم المتحدة ، وهو الذي دَانَتْ به حماس ! - .
لقد ضللتم ضلالا بعيداً ، واغترَّ بكم المفتونون ، فأنتم أحوج الناس إلى مراجعة دينكم ؛ وشأن العقيدة ليس كغيره ، وهذا ضلالكم فيه .
وآخر ما وقفت عليه لهؤلاء المتصدِّرين جوابٌ لـ )ناصر العمر( في مقابلة معه فيما تسمى بجريدة ( الرأي العام ) الكويتية ([10]) يُمجِّد فيه " حماس " ويقول : ( أنصح " حماس " أن تثبت على مبادئها، فإنْ تنازلت عن مبادئها فأعتقد أنها ستنتهي عَمَلِيَّا وإن بَقِيَت شكلية ) انتهى .
أقول : كيف تنصحهم بالثبات على الديمقراطية الكافرة ؟! .. هذا والله هو الغِشُّ والضلال المبين ! .
لقد أوقعتم الأمَّة في ضلالة ولَبْس عظيم حيث تزعمون أنَّ ( حَمَاس ) إذا تَمَكَّنَت سوف تُحَكِّم الشريعة ؛ فكيف يكون هذا ؟! ، وهل طريق تحكيم الشريعة الإيمان بالطاغوت أم أنه الكفر به أوَّلاً ؟! ، ومن الذي قال لكم : " إن الشَّرَّ ياتي بالخير " ؟! ومن قال : " إنَّ صَبَّ الطِّيبِ على العَذِرَة يرفع نجاستها ويطهِّرها " ؟! .
إنَّ من يدخل انتخابات وبرلمان ( الديمقراطية ) يريد ان يستأذن ( إبليس ) بتحكيم الشريعة بدُعائه والتضرُّع إليه أن يسمح بذلك ! ، إن تحكيم الشريعة يكون بالكفر بما دخلوا به أوَّلاً وهو ( الديمقراطية ) .
إنكم تبْنُونَ أنتمْ و ( حَمَاسُكُم ) على أصول فاسدة ؛ قال تعالى : ﴿ أفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلَى تَقْوى منَ الله وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾([11])
إنَّ النصيحة للفلسطينيين هي أن يتوبوا ممَّا دخلوا به من ( الديمقراطية ) بحيث يكفرون بها ، ويرجعون إلى الله حقيقةً ، وذلك بإقامة دينه كما أراد سبحانه بمتابعة رسوله وُيطهِّروا نفوسهم وديارهم من نجاسات الكفر والضلال والمعاصي ، ولا يتشبهوا بـ ( اليهود ) وإخوانهم ( النصارى ) .
وفي مقابل مدحه لـ ( حماس ) وحثِّه لها لتثبت على مبدئها ( الديمقراطي ) يقول )ناصر العمر( في نفس المقابلة التي قال فيها مدحه لحماس وذلك لَمَّا سُئِل عن الأخبار الأخيرة التي تشير إلى استعادة إمارة ( طالبان ) لشيءٍ من عافيتها ، قال : ( الناس الآن في " أفغانستان " شعروا أن الدولة التي كانت توفِّر لهم الأمان ليست الحكومة العميلة الحالية ، وإنما حكومة " طالبان " بِغضِّ النظر عن تحفُّظنا عن بعض سياستها ) انتهى .
وجواب هذا : أنه معلوم أنَّ الذي جاء ببشائر عودة " طالبان " هو من أخرجها من حُكْمِها ابتلاءً وامتحاناً لَهُم ولغيرهم ليميز الله الخبيث من الطَّيِّب ، فهو سبحانه الملك وهو مُدبِّر المُلْك .
وما كان الله ليفعل إلا عودتهم أحسن مما كانوا ، فهو سبحانه لا يضيع عَمَل عامل ، فهم في حكمهم طبَّقوا الشريعة وأقاموا حدودها ، وحَسْبهم تكسير صنم " بوذا " والله – سبحانه وبحمده – هو الذي وفَّقهم أولاً ويثيبهم ثانياً ؛ فكل الخير منه سبحانه ، وما كنتُ – ولله الحمد – في شَكٍّ من عودتهم لحكمهم من حين أن أُخرجوا من حكمهم ، والحمد لله الذي عافانا من أن نقول ما قاله الظَّانون بالله ظن السوء : ( طالبان وحالِمَان ) و ( انتقلت " طالبان " من الجغرافيا إلى التاريخ ) وأمثال ذلك من أقوال من أمرهم فُرُطاً حيث نشروا هذه الكلمات وظنونهم السوء في جرائدهم .. ﴿ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أكْبَرُ ﴾ ([12]) .
وكنت قد دعوتُ – ولِلَّه الحَمْد – إلى ( الْمُبَاهَلَة ) برجوع ( الطَّالِبَان ) لحكمها وسلطانها قريباً أقوى وأعظمَ وأحسنَ ممَّا كانت في حكمها السَّابق الذي عُزِلَت عنه ابتلاءً من مَالكِ الْمُلك – سبحانه وبحمده - ؛ وهذا لا يعني أنّني أعلم الغيب ، ولكنِّي أعرف ما يليق بربِّي –جلَّ جلاله- ، وأعلم صدقَ مَوْعوُدِهِ بِنصْرِ من ينصُرُه وقد قال – وقوله الحقُّ - : ﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾ ([13]) ، وقال سبحانه : ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ ([14]) ؛ بل أباهل على أنَّ الله – عزّ وجل – سينصر المجاهدين في ( العِراق ) ما داموا يجاهدون في سبيله لتكون كلمته هي العليا ([15])
يتبع