من هناك
03-05-2008, 03:48 AM
رافقوني إلى غزة لأخبركم عن جاكلين ومحمد والعثامنة
http://assafir.com/Photos/Photos05-03-2008/36134W11%5B047%5D4.jpg
شاب فلسطيني وقنبلة غاز في بيت لحم (أ. ف. ب.)
امجد سمحان
فلسطين المحتلة:
غزاوي 1
سقطت القذيفة في قلب المنزل وكان الثلاثة ينظرون إلى التلفاز قبل سقوطها بلحظات للتأكد من أن أحداً من أقربائهم لم يصب بضرر. غادر الشقيق إلى غرفة مجاورة يبحث عن حاجته، ودوى انفجار هائل، دخان وغبار، ورائحة الكبريت والدم فاحت في المكان. صرخ الشقيق سائلاً عن شقيقتيه اللتين كانتا قبل لحظات إلى جانبه، بحث في المكان، فوجد شقيقته ممددة: «انهضي انهضي». حرّكها قليلاً فوجد أنها نصف جسد، التفت إلى مكان مجاور باحثاً عن شقيقته الأخرى، فوجدها بقايا جسد. صرخ صوتاً مدوياً، ثم راح في غيبوبة.
غزاوية
جاكلين أبو شباك، 17 عاماً، كانت تقف على مقربة من شرفة المنزل عندما سقطت قذيفة على مقربة من أخيها أياد. رأت في أشلائه بعض الحركة، علّها زفرة الموت الأخيرة التي تنفض الجسد عند هروب روحه إلى السماء، انطلقت بحواسها البشرية الطبيعية التي تعتري شخصاً ملهوفاً على أخيه، اقتربت منه والتصقت بجسده تحاول أن تلملم بقاياه، لم تعرف من أين تبدأ من القدمين، اليدين، أم من بقايا الأمعاء أم ماذا؟؟؟ لكن لن ينفعها ذلك، فقنّاص إسرائيلي يتمركز قريباً منها قد تأكد من أن الفتاة تقطعت ألماً على أخيها المقطع إرباً، فعالجها برصاصة في القلب وأخرى في الرأس، وسقطت فوقه جسداً هامداً بلا حراك.
غزاوي 2
صعد إلى سطح منزله لينظر في قصة إطلاق النار، والمخاوف تسكنه: «اليهود العرب اليهود العرب»، والأسئلة تؤرقه عن هوية هذا الرصاص: فلسطيني ضد فلسطيني أو إسرائيلي ضد فلسطيني أم أنه رصاص أفراح أو رصاص تشييع أو مفرقعات نارية... فوجد أسرةً تحتفل بمولودها الأول، بعد خمس سنوات من المعاناة و«الزراعة» للحصول على بويضة مخصبة، فخرجت جنيناً إلى هذا السجن، وأبت إلا أن تغادره بصمت وسلام، بشظايا قذيفة حوّلت سريره إلى رماد، محمد البرعي ابن الشهور الخمسة، غادر وترك أباً مثقلاً بالهموم وأماً ستظل غارقة بالحزن على طفلها الوحيد. وبعده، سقط 13 طفلاً آخرين، وسيسقط المزيد، وستستمر العملية، وتتواصل الحكايات اليومية، الحكايات «الروتينية».
غزاوي 3
كانت الساعة الثامنة صباحاً، وصل إلى مركز عمله، أرسل رسالة قصيرة: «يا راجل بعدين مع هالعيشة، شو القصة، بدهمش يحلو عن ربنا، قتلونا، قتلوا أطفالنا»... بكى وصمت ثم غادر مركز عمله إلى بيته، في الطريق أصابته نوبة، كادت تودي بحياته. ومن على سريره في مستشفى الشفاء، بعث رسالة أخرى: «تعالوا شوفوا، المستشفى على آخره، ولونه أحمر، لونه دم، ما فيه كهرباء، ما فيه قطن، ما فيه دوا». بكى مجدداً، وغادر إلى سبات عميق ترجى الله أن يجلعه أبدياً.
غزاوي 4
يقولون إن المقاومة في غزة تستتر بالمدنيين، وكأن المقاومين الغزيين جاءوا من المريخ. أليسوا هم من غزة، أليس لهم بيوت في مخيمات جباليا والشاطئ وفي بيت حانون وبيت لاهيا وفي رفح؟ ثمة من يقول إنهم جبناء لا يجرؤون على المواجهة، فماذا تسمون الذين يقتلون يومياً على ما يسمى بحدود القطاع، شبان في مقتبل العمر، ببندقية و«آر بي جي»، يقفون في وجه دبابة إسرائيلية مصفحة تحوم من حولها طائرات استطلاع صغيرة تحمل صواريخ، وفوقها طائرات عمودية تحمل الرشاشات والصواريخ، وفوقها طائرات أف 16 تحمل القنابل الطنّية والذكية، وفوقها طائرات التجسس، وأيضاً هناك بطاريات الصواريخ القريبة مما يسمى بالحدود، وإلى جانبها المدافع الثقيلة وفوقها مناطيد للمراقبة، وعلى الأرض أكثر من ألف جندي في كل عملية توغل؟ كيف سيواجه مقاوم غزي كل هذا وحيداً؟ وإن فعل، فهل تطلبون منه أن يبقى على قيد الحياة؟ وإن هرب، فأين سيختبئ؟ هل يغوص في البحر المزكّى بمياه المجاري؟ أو في أصقاع القطاع الذي يعيش في كل متر منه ثمانية من صنف البشر؟
غزاوي 5
كان يدرس الطب في مصر، عاد إلى القطاع ليساعد أهله، ويساهم في «تعمير الوطن». ومع الأيام، جاءت قذيفة، فقتلت 18 من عائلته بين أخ وأم وأب وشقيق، من عائلة العثامنة.
غزاوي 6
كيف تصنع صواريخ القسّام؟ فكّر فكّر فكّر. لم يجد نصف المواد التي يحتاجها لإطلاق قذيفة لا تقتل إلا إذا سقطت على رأس الهدف، وهي قذيفة عمياء صماء، لا تعرف الهدف، وتصيبه صدفة. وبعد طول تفكير، اخترع عقله الوصفة الجديدة، استخدم بدلاً من السكر نشارة الخشب، والكلور بدلاً من الماء المقطر، ولجأ إلى الحشائش والأعشاب الطبيعية ليحاول استخلاص مواد منها تساعد الصاروخ وهو في طريقه إلى الهدف. ولن يقف هذا الرجل عند نقطة عجز، سيظل يحاول ويحاول، حتى «في الآخر تزبط المسألة ويصير الصاروخ يوجعهم متل ما بيوجعونا».
نابلسي
في ما قبل، كان «شيخ الشباب»، فبحمد الله «التجارة ماشية على الآخر تمام، والمصاري بتلعب لعب». فبدأت الانتفاضة، فخسر، ثم خسر، ثم أفلس، ثم صار معدماً: «كنا بنفكر الانتفاضة يعني يومين وبتخلص، بس هيّها خلصت علينا وخلصت مصارينا». هو واحد من بين 40٪ من النابلسيين الذين تحولوا إلى فقراء الانتفاضة نتيجة الحصار الخانق. لكنه رفض أن يخضع، فتحول من «تاجر» إلى «مقاوم» وحمل البندقية ليقاوم، ثم خسر البندقية وتخلى عنها في إطار «تفاهمات السلطة الأمنية مع الحكومة الإسرائيلية»، وعاملوه وكأنه «جاسوس أو حرامي»، فرفض أن يخضع للابتزاز ثم قرر أن يهرب، ثم هرب، ثم رفضت الحكومة الإسرائيلية تمديد العفو عنه، فأعادت مطاردته، ثم هاجمته أعزلاً في وسط المدينة، وقتلته.
رام اللاوي
جلس أمام مكتبة المتواضع بعد قراءة عناوين الصحف التي تحمل أخبار الأمس، دخل موقعاً إلكترونياً محلياً للأخبار: «يا فتاح يا عليم، صبحوا 12 شهيد ومبارح وقبلو ثلاثين». استغفر ربه، وانصرف لمزاولة أعماله. وبين الفينة والأخرى، راح يطلطل على الإنترنت ويعمل «رفرش» للموقع، «لا إله إلا الله صاروا 14»، ثم يعود لمتابعة أعماله. وهكذا دواليك، تنتهي يوميات مواطن عادي يعمل موظفاً في مكان ما في الضفة الغربية، «يرفرش» الموقع قبل أن يغادر إلى بيته فوجد الحصيلة 32 شهيداً، مقابل «قتيلين وإصابات بين الإسرائيليين»، فشتم الأنظمة وشتم الأمة العربية والأمة الإسلامية، وانصرف إلى الحانة، «اليوم سنحتفل بموت الكرامة العربية إلى الأبد ومعها تلك الإسلامية»، واحتسى ما احتسى من نبيذ وجعة، وغادر إلى منزله، ثم فتح موقع الأخبار المنحوس من هاتفه الخلوي قبل النوم، فوجد أن الحصيلة صارت 64 شهيداً في يوم واحد، ثلثهم أطفال.
وقبل أن يغفو، تلقى رسالة على هاتفه تقول: «عاجل: أنباء عن سقوط شهداء وجرحى في غارة على منزل في جباليا قبل قليل». غضب، ثم بكى، ونام.
مجهول
خرج إلى البحر في رجلة فشعر بالملل لأن البحر يجاور منزله وفي كل يوم يراه، فقرر التغيير. ذهب إلى مدينة الثلج التي صنعتها الأموال «المتضخمة»، فملّ، وذهب إلى الصحراء ليشاهد سباق الجمال فملّ، ثم خرج بسيارته الفخمة التي اشتراها بفضل تسهيلات مصرفية هائلة، وتوجه إلى فيلاه الفاخرة، ثم أخذ «دوشاً» في حمام «الجاكوزي»، ومع حلول الليل ذهب إلى البار، احتسى ما احتسى، ******* ، ثم عاد إلى منزله «قرفان»، فقرر أن يشاهد التلفاز، وبينما هو يقلب القنوات، عثر على قناة «معادية» تبث أخباراً «محمومة مثيرة للفتن»، ووجد خبراً عاجلاً عن استشهاد ثلاثة فلسطينيين بصاروخ استهدفهم خلال تنزههم في قطاع غزة المحتل المحاصر.
غضب وقال: «يعني ليه يروحوا نزهة، لو ضلوا في بيتوهم ما كان ماتوا!». ثم تثاءب، ثم قال:« الله لا يردّهم»، قبل أن يملأ صوت شخيره فضاء الغرفة. شخير برائحة «الزفر».
http://assafir.com/Photos/Photos05-03-2008/36134W11%5B047%5D4.jpg
شاب فلسطيني وقنبلة غاز في بيت لحم (أ. ف. ب.)
امجد سمحان
فلسطين المحتلة:
غزاوي 1
سقطت القذيفة في قلب المنزل وكان الثلاثة ينظرون إلى التلفاز قبل سقوطها بلحظات للتأكد من أن أحداً من أقربائهم لم يصب بضرر. غادر الشقيق إلى غرفة مجاورة يبحث عن حاجته، ودوى انفجار هائل، دخان وغبار، ورائحة الكبريت والدم فاحت في المكان. صرخ الشقيق سائلاً عن شقيقتيه اللتين كانتا قبل لحظات إلى جانبه، بحث في المكان، فوجد شقيقته ممددة: «انهضي انهضي». حرّكها قليلاً فوجد أنها نصف جسد، التفت إلى مكان مجاور باحثاً عن شقيقته الأخرى، فوجدها بقايا جسد. صرخ صوتاً مدوياً، ثم راح في غيبوبة.
غزاوية
جاكلين أبو شباك، 17 عاماً، كانت تقف على مقربة من شرفة المنزل عندما سقطت قذيفة على مقربة من أخيها أياد. رأت في أشلائه بعض الحركة، علّها زفرة الموت الأخيرة التي تنفض الجسد عند هروب روحه إلى السماء، انطلقت بحواسها البشرية الطبيعية التي تعتري شخصاً ملهوفاً على أخيه، اقتربت منه والتصقت بجسده تحاول أن تلملم بقاياه، لم تعرف من أين تبدأ من القدمين، اليدين، أم من بقايا الأمعاء أم ماذا؟؟؟ لكن لن ينفعها ذلك، فقنّاص إسرائيلي يتمركز قريباً منها قد تأكد من أن الفتاة تقطعت ألماً على أخيها المقطع إرباً، فعالجها برصاصة في القلب وأخرى في الرأس، وسقطت فوقه جسداً هامداً بلا حراك.
غزاوي 2
صعد إلى سطح منزله لينظر في قصة إطلاق النار، والمخاوف تسكنه: «اليهود العرب اليهود العرب»، والأسئلة تؤرقه عن هوية هذا الرصاص: فلسطيني ضد فلسطيني أو إسرائيلي ضد فلسطيني أم أنه رصاص أفراح أو رصاص تشييع أو مفرقعات نارية... فوجد أسرةً تحتفل بمولودها الأول، بعد خمس سنوات من المعاناة و«الزراعة» للحصول على بويضة مخصبة، فخرجت جنيناً إلى هذا السجن، وأبت إلا أن تغادره بصمت وسلام، بشظايا قذيفة حوّلت سريره إلى رماد، محمد البرعي ابن الشهور الخمسة، غادر وترك أباً مثقلاً بالهموم وأماً ستظل غارقة بالحزن على طفلها الوحيد. وبعده، سقط 13 طفلاً آخرين، وسيسقط المزيد، وستستمر العملية، وتتواصل الحكايات اليومية، الحكايات «الروتينية».
غزاوي 3
كانت الساعة الثامنة صباحاً، وصل إلى مركز عمله، أرسل رسالة قصيرة: «يا راجل بعدين مع هالعيشة، شو القصة، بدهمش يحلو عن ربنا، قتلونا، قتلوا أطفالنا»... بكى وصمت ثم غادر مركز عمله إلى بيته، في الطريق أصابته نوبة، كادت تودي بحياته. ومن على سريره في مستشفى الشفاء، بعث رسالة أخرى: «تعالوا شوفوا، المستشفى على آخره، ولونه أحمر، لونه دم، ما فيه كهرباء، ما فيه قطن، ما فيه دوا». بكى مجدداً، وغادر إلى سبات عميق ترجى الله أن يجلعه أبدياً.
غزاوي 4
يقولون إن المقاومة في غزة تستتر بالمدنيين، وكأن المقاومين الغزيين جاءوا من المريخ. أليسوا هم من غزة، أليس لهم بيوت في مخيمات جباليا والشاطئ وفي بيت حانون وبيت لاهيا وفي رفح؟ ثمة من يقول إنهم جبناء لا يجرؤون على المواجهة، فماذا تسمون الذين يقتلون يومياً على ما يسمى بحدود القطاع، شبان في مقتبل العمر، ببندقية و«آر بي جي»، يقفون في وجه دبابة إسرائيلية مصفحة تحوم من حولها طائرات استطلاع صغيرة تحمل صواريخ، وفوقها طائرات عمودية تحمل الرشاشات والصواريخ، وفوقها طائرات أف 16 تحمل القنابل الطنّية والذكية، وفوقها طائرات التجسس، وأيضاً هناك بطاريات الصواريخ القريبة مما يسمى بالحدود، وإلى جانبها المدافع الثقيلة وفوقها مناطيد للمراقبة، وعلى الأرض أكثر من ألف جندي في كل عملية توغل؟ كيف سيواجه مقاوم غزي كل هذا وحيداً؟ وإن فعل، فهل تطلبون منه أن يبقى على قيد الحياة؟ وإن هرب، فأين سيختبئ؟ هل يغوص في البحر المزكّى بمياه المجاري؟ أو في أصقاع القطاع الذي يعيش في كل متر منه ثمانية من صنف البشر؟
غزاوي 5
كان يدرس الطب في مصر، عاد إلى القطاع ليساعد أهله، ويساهم في «تعمير الوطن». ومع الأيام، جاءت قذيفة، فقتلت 18 من عائلته بين أخ وأم وأب وشقيق، من عائلة العثامنة.
غزاوي 6
كيف تصنع صواريخ القسّام؟ فكّر فكّر فكّر. لم يجد نصف المواد التي يحتاجها لإطلاق قذيفة لا تقتل إلا إذا سقطت على رأس الهدف، وهي قذيفة عمياء صماء، لا تعرف الهدف، وتصيبه صدفة. وبعد طول تفكير، اخترع عقله الوصفة الجديدة، استخدم بدلاً من السكر نشارة الخشب، والكلور بدلاً من الماء المقطر، ولجأ إلى الحشائش والأعشاب الطبيعية ليحاول استخلاص مواد منها تساعد الصاروخ وهو في طريقه إلى الهدف. ولن يقف هذا الرجل عند نقطة عجز، سيظل يحاول ويحاول، حتى «في الآخر تزبط المسألة ويصير الصاروخ يوجعهم متل ما بيوجعونا».
نابلسي
في ما قبل، كان «شيخ الشباب»، فبحمد الله «التجارة ماشية على الآخر تمام، والمصاري بتلعب لعب». فبدأت الانتفاضة، فخسر، ثم خسر، ثم أفلس، ثم صار معدماً: «كنا بنفكر الانتفاضة يعني يومين وبتخلص، بس هيّها خلصت علينا وخلصت مصارينا». هو واحد من بين 40٪ من النابلسيين الذين تحولوا إلى فقراء الانتفاضة نتيجة الحصار الخانق. لكنه رفض أن يخضع، فتحول من «تاجر» إلى «مقاوم» وحمل البندقية ليقاوم، ثم خسر البندقية وتخلى عنها في إطار «تفاهمات السلطة الأمنية مع الحكومة الإسرائيلية»، وعاملوه وكأنه «جاسوس أو حرامي»، فرفض أن يخضع للابتزاز ثم قرر أن يهرب، ثم هرب، ثم رفضت الحكومة الإسرائيلية تمديد العفو عنه، فأعادت مطاردته، ثم هاجمته أعزلاً في وسط المدينة، وقتلته.
رام اللاوي
جلس أمام مكتبة المتواضع بعد قراءة عناوين الصحف التي تحمل أخبار الأمس، دخل موقعاً إلكترونياً محلياً للأخبار: «يا فتاح يا عليم، صبحوا 12 شهيد ومبارح وقبلو ثلاثين». استغفر ربه، وانصرف لمزاولة أعماله. وبين الفينة والأخرى، راح يطلطل على الإنترنت ويعمل «رفرش» للموقع، «لا إله إلا الله صاروا 14»، ثم يعود لمتابعة أعماله. وهكذا دواليك، تنتهي يوميات مواطن عادي يعمل موظفاً في مكان ما في الضفة الغربية، «يرفرش» الموقع قبل أن يغادر إلى بيته فوجد الحصيلة 32 شهيداً، مقابل «قتيلين وإصابات بين الإسرائيليين»، فشتم الأنظمة وشتم الأمة العربية والأمة الإسلامية، وانصرف إلى الحانة، «اليوم سنحتفل بموت الكرامة العربية إلى الأبد ومعها تلك الإسلامية»، واحتسى ما احتسى من نبيذ وجعة، وغادر إلى منزله، ثم فتح موقع الأخبار المنحوس من هاتفه الخلوي قبل النوم، فوجد أن الحصيلة صارت 64 شهيداً في يوم واحد، ثلثهم أطفال.
وقبل أن يغفو، تلقى رسالة على هاتفه تقول: «عاجل: أنباء عن سقوط شهداء وجرحى في غارة على منزل في جباليا قبل قليل». غضب، ثم بكى، ونام.
مجهول
خرج إلى البحر في رجلة فشعر بالملل لأن البحر يجاور منزله وفي كل يوم يراه، فقرر التغيير. ذهب إلى مدينة الثلج التي صنعتها الأموال «المتضخمة»، فملّ، وذهب إلى الصحراء ليشاهد سباق الجمال فملّ، ثم خرج بسيارته الفخمة التي اشتراها بفضل تسهيلات مصرفية هائلة، وتوجه إلى فيلاه الفاخرة، ثم أخذ «دوشاً» في حمام «الجاكوزي»، ومع حلول الليل ذهب إلى البار، احتسى ما احتسى، ******* ، ثم عاد إلى منزله «قرفان»، فقرر أن يشاهد التلفاز، وبينما هو يقلب القنوات، عثر على قناة «معادية» تبث أخباراً «محمومة مثيرة للفتن»، ووجد خبراً عاجلاً عن استشهاد ثلاثة فلسطينيين بصاروخ استهدفهم خلال تنزههم في قطاع غزة المحتل المحاصر.
غضب وقال: «يعني ليه يروحوا نزهة، لو ضلوا في بيتوهم ما كان ماتوا!». ثم تثاءب، ثم قال:« الله لا يردّهم»، قبل أن يملأ صوت شخيره فضاء الغرفة. شخير برائحة «الزفر».