المهاجر7
03-01-2008, 07:04 PM
http://www.tawhed.ws/styles/default/images/print_t_right.gif أينقص الدين وأنا حي؟!
http://www.tawhed.ws/styles/default/images/print_t_left.gif أبو مصعب الزرقاوي رحمه الله
الحمد لله معز الإسلام بنصره، ومذل الشرك بقهره، ومصرف الأمور بأمره، ومستدرج الكافرين بمكره، الذي قدر الأيام دولاً بعدله، وجعل العاقبة للمتقين بفضله، والصلاة والسلام على من أعلى الله منار الإسلام بسيفه.
أمّا بعد...
فإن الله سبحانه وتعالى خلق العباد وهم في درجات الهمة متفاوتون، فمنهم من ترقى به همته لتبلغ به عنان السماء، ومنهم من تقصر به همته حتى تخلد به إلى الأرض.
فيحل ذلك لأرضه بتسفل http://www.tawhed.ws/styles/default/images/star.gif ويحل ذا لسمائه بتصعد
فعالي الهمة يجود بالنفس والنفيس في سبيل تحصيل غايته وتحقيق بغيته، وكلما كانت النفوس أشرف والهمة أعلى كان تعب البدن أوفر وحظه من الراحة أقل.
فتى لا يضم القلب همات قلبه http://www.tawhed.ws/styles/default/images/star.gif ولو ضمها قلبٌ لما ضمه صدر
إن عالي الهمة لا يستوحش من قلة السالكين، ولا يأبه بقلة الناجين، ولا يلتفت إلى كثرة المخذلين، ولا يكترث بمخالفة الناكبين، قلبه لا يعرف التثاؤب ولا الراحة ولا السكون ولا الترف.
وخسيس الهمة؛ كلما همَّ ليسموا للعوالي، وليرتقي في درجات المعالي، ختم الشيطان على قلبه، وعقد على ناصيته وقال له؛ "عليك ليل طويل فارقد!"، وكلما سعى للإرتقاء بهمته وإقالة عثرته عاجلته جيوش التشويش والأماني، ونادته نفسه الأمارة بالسوء؛ أأنت أكبر أم الواقع؟!
وحين ينتكس الإنسان يهوي إلى الدرك الذي لا يهوي إليه مخلوق قط، حين تصبح البهائم أرفع منه وأقوم، حين يرتكس مع هواه إلى درك لا تملك البهيمة أن ترتكس إليه، وإذا ماتت فيه الغيرة على نفسه وعلى المحارم يصبح أسفل من البهائم.
ولا يقيم على ضيم يُراد به http://www.tawhed.ws/styles/default/images/star.gif إلا الأذلان عير الحي والوتد
هذا على الحبل مربوط برمته http://www.tawhed.ws/styles/default/images/star.gif وذا يُشد فلا يدري به أحد
ولقد حاز سلفنا الصالح قصب السبق في علو الهمة وسمو المراد، وقد ضربوا لهم في كل باب من أبواب هذا الدين بسهم، وأخذوا من كل فضل بنصيب.
ففي العبادة؛ لا تراهم إلا راكعين ساجدين، خاشعين باكين مخبتين.
وفي سبيل طلب العلم؛ فارقوا الأهل والأولاد، وتنقلوا في البلاد، وهجروا لذيذ الرقاد، وأنفقوا الطارف والتلاد.
وفي الإنفاق؛ أنفقوا إنفاق من لا يخشى الفقر في دنياه، ويبتغي رضى مولاه.
وأما في الجهاد؛ فالحديث ذو شجون، فإنهم لما عاينوا أن له فضلاً لا يضاهى، وخيراً لا يتناهى، سمت نفوسهم إليه، وعلت هممهم لتحصيله، فشمروا للجهاد عن ساق الاجتهاد، ونفروا لمحاربة أهل الكفر والعناد، فجهزوا جيوشهم وسراياهم، وبذلوا في سبيل ذلك أموالهم وعطاياهم، وباعوا نفوسهم لخالقها وباريها، فجازاهم بذلك من الجنان أعاليها.
وقد حفظ لنا تاريخنا كثيراً من تلكم المواقف والقصص التي تدل على علو همة القوم وسمو مطلبهم.
ففي محنة مانعي الزكاة؛ ادلهم الخطب واشتدت المحنة، والتبس الأمر حتى على كبار الصحابة، فوقف الصديق رضي الله عنه لها بالمرصاد وقال: (والله لا أفرق بين الصلاة والزكاة، ولأقاتلن من فرق بينهما)، قال عمر رضي الله عنه: (فقاتلنا معه، فرأينا ذلك رشدا).
وعن أبي رجاء العطاردي قال: (دخلت المدينة فرأيت الناس مجتمعين، ورأيت رجلاً يقبل رأس رجل وهو يقول؛ أنا فداؤك لولا أنت لهلكنا، فقلت؛ من المُقَبِل ومن المُقَبّل؟ قالوا؛ عمر يقبل رأس أبي بكر في قتاله أهل الردة إذ منعوا الزكاة حتى أتوا بها صاغرين).
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (توفي النبي صلى الله عليه وسلم فنزل بأبي بكر ما لو نزل بالجبال لهاضها، اشرأب النفاق بالمدينة، وارتدت العرب، فوالله ما اختلفوا في نقطة إلا طار أبو بكر بحظها وفنائها في الإسلام).
يومها وقف الصديق - فداه أبي وأمي - كالجبل الأشم سداً منيعاً أمام تيار الردة، صارخاً من أعماق قلبه متوكلاً على ربه قائلاً: (قد انقطع الوحي وتم الدين، أينقص الدين وأنا حي؟!).
"أينقص الدين وأنا حي؟!"؛ يالها من كلمة فاض بها لسانه، ونطق بها جنانه، كلمة ترسم منهجاً واضحاً لما يجب أن يكون عليه كل فرد من أفراد هذه الأمة؛ علو في الهمة، قوة في التوكل، ثبات على الحق.
"أينقص الدين وأنا حي؟!"؛ قالها لسان حال إمام أهل السنة أحمد بن حنبل الشيباني، الصديق الثاني، يوم أن وقف وحده كالطود الأشم في محنة خلق القرآن، فكشف الله به الغمة، وأنقذ به الأمة.
"أينقص الدين وأنا حي؟!"؛ تمثلها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يوم أن قام يحرض الأمة على قتال التتار، وكان رحمه الله لصدق توكله على الله ويقينه بموعوده؛ يقسم بالله - لا يستثني - أن الله ناصرهم على التتار، فيقال له: (قل إن شاء الله!)، فيقول: (تحقيقاً، لا تعليقا)، فرد الله عاديتهم وانقلبوا على أعقابهم خاسرين.
"أينقص الدين وأنا حي؟!"؛ صرخ بها قلب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، فكان يطوف كالوالدة الثكلى بين البلاد، وعيناه تذرفان بالدموع ينادي؛ يا للإسلام! يا للإسلام!.
إن الأحزان والمصائب تشحذ الهمم وتصنع الرجال، فإن لم تحفزنا المصائب وتعلي هممنا الآلام والأحزان فما الذي يُعلينا؟! وما الذي يوقظنا؟!
ياله من دين... لو أن لهُ رجالاً؟!
ها قد دنس عُبّاد الصليب كتاب ربنا وألقوه في مراحيضهم، وفق مخطط محكم لتحطيم هيبة كل ما هو مقدس في نفوس أبناء هذه الأمة، وها قد تجرأ إخوان القردة والخنازير وعُبّاد البقر الهندوس ففعلوا مثل فعلهم.
واحسرتاه على أمتي، إن لم يقم أبناؤها للثأر لكتاب ربهم فمتى يقومون؟! ومتى يستيقضون؟! إن لم تحركهم أمثال هذه الخطوب والمصائب فما الذي يحركهم؟!
يوشك أن تنزل علينا حجارة من السماء، نستنزل النصر من ربنا، وما غِرْنا على كتابه وحرماته!
إن عُبّاد الصليب قد صالوا على ديارنا، واستباحوا حرماتنا، وهتكوا أعراضنا، ونهبوا ثرواتنا، في أكبر حملة صليبية عرفها تاريخنا المعاصر، فما الذي ينتظره أبناء هذه الأمة؟! ومتى يهبون من سباتهم؟!
واحسرتاه... كيف انحطت بهم هممهم إلا من رحم ربي فرضوا بالقعود عن نصرة هذا الدين والذب عن أعراض المسلمين؟
ياله من حرمان؟ ويالها من خسارة؟... قوم قامت سوق الشهادة بأرضهم، وأناخت ركابها ببابهم، وهم مازالوا في سباتهم نائمين، وفي لهوهم سامدين.
ولكن اقتضت سنة الله أن يكون له عباد يصطفيهم على مر السنين لحمل راية هذا الدين وتبليغها للعالمين.
قال صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي، ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله).
فانطلقت صيحات النفير من هاهنا وهاهنا؛ "يا خيل الله اركبي... ويا راية الله ارتفعي... ويا حملة الراية قوموا"...
فاستجاب من استجاب من أبناء هذه الأمة... استجابوا للنداء، وهبوا للنفير ونفضوا عنهم غبار الذل وركام العار، هبّوا مخلفين الدنيا وزينتها وراءهم، نفروا تاركين خلفهم أهلهم وديارهم وأموالهم، ولكل واحد منهم قصة، ولكل فرد منهم مأساة.
شُعثٌ شعورهم، غُبرٌ رؤسهم، قليلة أعدادهم، ضعيفة عُددهم.
لكن... قلوبهم ممتلئة بمحبة هذا الدين، ونفوسهم تواقة لجوار رب العالمين، صدقوا مع الله فصدقهم، فأذاقوا عُبّاد الصليب ألوان الهزيمة، وأصناف العذاب، وحطموا هيبتهم، وكسروا شوكتهم، وأجرى الله على أيديهم من الكرامات ما لم يعد يخفى على كل ذي عينين.
ولما رأى بنو الأصفر حجم المأزق الذي تورطوا فيه، وعِظم خسائرهم وضحاياهم، سارعوا لتشكيل قوات الجيش والحرس الوثني، لتكون الردء الحامي للصليبيين، واليد الضاربة على المجاهدين، فقامت سوق الابتلاء والتمحيص من جديد، فاستجاب لندائهم من خست به همته وباع دينه بآخرته، فكان حكم المجاهدين فيهم واضحاً بيناً لا لبس فيه، وهو وجوب قتالهم وجهادهم لارتدادهم عن الدين وموالاتهم للصليبيين، والتبس أمر هؤلاء على بعض من يوصفون بـ "العلماء" فضلاً عن غيرهم من العامة الدهماء، فأصدروا فتاويهم بعدم جواز قتال هؤلاء، حفاظاً على حرمة "الدم العراقي" وعصمة أهله!
وهذه والله أزمة حقيقية تعيشها كثيرٌ من الجماعات العاملة للإسلام في هذا الزمان، ألا وهي؛ "أزمة التفريق بين العدو الخارجي والعدو الداخلي".
فالعدو الخارجي تُستنهض الأمة لقتاله، وتُستنفذ الطاقات لجهاده، حتى إذا ما خرج من بلادنا وأناب عنه المرتدين من بني جلدتنا، يأتمرون بأمره، ويحكمون بحكمه، ويضربون بسوطه؛ حرُم على الأمة قتالهم وجهادهم، ولو اشتد بلاؤهم.
فإذا كان العدو ذا بشرة شقراء، وعيون زرقاء؛ وجب قتاله، أما إن كان العدو أسمر البشرة أسود العينين؛ فهذا لا يحل قتاله.
فهذا لعمر الله قتال "الوطنيين"، لا قتال الموحدين، وقتال من يريد العاجلة، لا من يروم الآخرة، {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ}.
هؤلاء المرتدون لم ينشئوا جيوشهم أصلاً إلا لمحاربة دين الله سبحانه وتعالى ولتكون اليد الضاربة التي تبطش بالمخلصين من أبناء هذه الأمة، ولا أدل على ذلك من عملياتهم المتواصلة في إبادة أهل السنة - كعملية "البرق" و "الرمح" و "الخنجر" و "السيف"... وغيرها.
هذه الجيوش؛ لا نسمع حسيسها إلا في قتال أهل الإيمان وعساكر الرحمن...
فهذه صولاتهم في باكستان؛ على المجاهدين العرب والأفغان.
وفي الأردن؛ على الأخيار من أهل معان.
وفي الرياض والقصيم ومكة؛ على أهل التوحيد الحق.
ثم هم من بعد سلمٌ للكفار مداهنون للفجار.
ونحن نعلن...
أن الجيش العراقي؛ هو جيش ردة وعمالة، والى الصليبيين، وجاء لهدم الإسلام وحرب المسلمين، وسنحاربه حرب الأمة للتتار، الذين أجلبوا على الأمة بخيلهم ورجلهم وكانوا مع ذلك يستعلنون بالشهادتين، وكان في جيشهم أئمة ومؤذنون، وفيهم مصلون وصائمون؛ حتى اشتبه أمرهم على الناس، وتحير فيهم العلماء، فكيف يقاتلونهم وهم منتسبون للأمة ناطقون بالشهادتين؟!
حتى قيض الله لهذه المحنة شمساً من شموس هذه الأمة ومنارة من مناراتها؛ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، فأفتى بردتهم، ووجوب محاربتهم، لتنكبهم عن تحكيم شريعة الرحمن، وعدولهم عن حكم القرآن، إلى حكم "الياسق" الذي وضعه لهم "جنكيز خان"، والذي جمعه لهم من أحكام التوراة والإنجيل والقرآن وعادات التتار، تماماً كما هو حال دساتير الأنظمة العربية هذه الأيام.
ومما قاله شيخ الإسلام: (إن هؤلاء القوم المسؤول عنهم؛ عسكرهم مشتمل على قوم كفار من النصارى والمشركين، وعلى قوم منتسبين إلى الإسلام، وهم جمهور العسكر، ينطقون بالشهادتين إذا طلبت منهم، ويعظمون الرسول، وليس فيهم من يصلي إلا قليل جداً، وصوم رمضان أكثر فيهم من الصلاة، والمسلم عندهم أعظم من غيره، وللصالحين من المسلمين عندهم قدرهم).
إلى أن قال: (وقتال هذا الضرب واجب بإجماع المسلمين، ولا يشك في ذلك من عرف دين الإسلام وعرف حقيقة أمرهم، فإن هذا السلم الذي هم عليه ودين الإسلام؛ لا يجتمعان أبدا).
وقال: (وإذا كان السلف قد سموا مانعي الزكاة مرتدين - مع كونهم يصومون ويصلون - ولم يكونوا يقاتلون جماعة المسلمين، فكيف بمن صار مع أعداء الله ورسوله قاتلاً للمسلمين؟!)، انتهى كلامه رحمه الله.
ونحن على يقين أننا بقتالنا لجيوش الردة سنواجه باستنكار وامتعاض شديدين من السّذج من أبناء هذه الأمة، إذ في قياسهم القاصر؛ كيف يقاتل المجاهد أخاه وابن عمه وابن عشيرته؟! وما درى هؤلاء أن النبي صلى الله عليه وسلم؛ إنما بدأ أولاً بقتال من وقف حجر عثرة في طريق هذا الدين من قومه، قبل أن يجالد بني الأصفر، وعلى سنته جرى الصحابة رضي الله عنهم.
فهذا أبو عبيدة ابن الجراح؛ قتل أباه يوم أحد.
ومصعب ابن عمير؛ قتل أخاه عبيد بن عمير يوم أحد.
وعمر ابن الخطاب؛ قتل خاله العاص بن هشام يوم بدر.
وعلي وحمزة وعبيدة بن الحارث؛ قتلوا يوم بدر عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد ابن عتبة، وفيهم نزل قوله تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}.
فهذا دربهم وهذه سنتهم لمن أراد اقتفائها.
وخرج بعضهم بتقسيم لم يسبق إليه للجهاد في العراق، فيقول: (إن المقاومة - وهذا مع تحفظنا على هذه الكلمة - تنقسم إلى قسمين؛ مقاومة شريفة، هي التي تقاوم الكافر المحتل، ومقاومة غير شريفة، التي تقاتل العراقيين أياً كانوا).
فنقول لهؤلاء...
إن الذي نعرفه من ديننا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله).
إن "المقاومة" الشريفة هي التي تقاتل على أمر الله، {حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}، لا "المقاومة" التي تشترط لوقف قتالها جدولة انسحاب العدو الخارجي، حتى إذا نصّب بعده حكومة عميلة، تحكم بغير شرع الله وتوالي أعداءه وتعادي أولياءه، انطوينا تحت لوائها وكأن شيئاً لم يكن.
إن "المقاومة" الشريفة؛ هي التي تضحي بدماء أبنائها وتبذل الغالي والنفيس وتتعرض لشتى صنوف الابتلاء وحاديها في ذلك؛ "اللهم خُذ من دمائنا اليوم حتى ترضى... اللهم من حواصل الطير وبطون السباع"، لا "المقاومة" التي تؤثر السلامة، وتقاتل على مبدأ تحقيق مصالح ذاتية، وتتخذ من عملياتها أوراق ضغط على العدو المحتل لتحسين أوضاعها، وإتاحة الفرصة لها بشكل أكبر في المشاركة في الحياة السياسية.
إن "المقاومة" الشريفة؛ هي التي خَلُص توحيدها لله، فوالت من والاه الله ورسوله ولو كان من أبعد الناس، وعادت من عاداه الله ورسوله ولو كان من أقرب الناس.
إن يفترق نسبٌ يؤلف بيننا http://www.tawhed.ws/styles/default/images/star.gif دينٌ أقمناه مقام الوالد
قال رجل من المسلمين لخالد بن سعيد رضي الله عنه - وقد كان تهيأ للخروج مع ابي عبيدة -: (لو كنت خرجت مع ابن عمك يزيد بن أبي سفيان كان أمثل من خروجك مع غيره!)، فقال: (ابن عمي أحب إليّ من هذا في قرابته، وهذا أحب إليّ من ابن عمي في دينه، هذا كان أخي في ديني على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ووليي وناصري على ابن عمي قبل اليوم، فأنا به أشد استئناساً وإليه أشد طمأنينة).
إن "المقاومة" الشريفة؛ هي التي تجعل من جهادها جهاداً عالمياً غير مرتبط بلونِ أو عرقٍ أو أرض، فالمؤمنون أمةٌ واحدة تتكافأ دماؤهم وهم يدٌ على من سواهم، {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}، {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}، لا "المقاومة" المزعومة التي تجعل من حدود "سايكس" و "بيكو" منطلقاً لأهدافها وجهادها.
كان أبو الدرداء رضي الله عنه بدمشق، وسلمان رضي الله عنه بالعراق، فكتب أبو الدرداء إلى سلمان: (أن هلُم إلى الأرض المقدسة)، فكتب إليه سلمان: (إن الأرض لا تقدس أحداً، وإنما يُقدسُ المرءَ عمله).
إن "المقاومة" الشريفة؛ هي التي إن أصابها قروح وجراحات ونقص في الكوادر والمعدات نهضت وتحاملت على نفسها وتوكلت على ربها، ولم تفزع إلا إليه، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوم حمراء الأسد، لا "المقاومة" التي إذا ما أصابها فاجعة أو ابتلاء استوحشت الطريق وفزعت إلى من يمد لها يد العون في طريقها، حتى ولو كان ممن يُحادّ الله ورسوله.
إن "المقاومة" الشريفة؛ هي صاحبة أهداف نبيلة سامية، ومقاصد شرعية عظيمة، ولذلك فإن وسائلها كلها شرعية على هدي الكتاب والسنة، لا "المقاومة" التي عندها الغاية تبرر الوسيلة، فلا حرج عندها في التحالف والتعاون مع من حادّ الله ورسوله في سبيل تحقيق بعض المصالح والأغراض.
إن الذين يُقال عنهم بأنهم من غير "المقاومة" الشريفة هم الذين يجاهدون في سبيل الله منذ ما يزيد على العامين، وقد ضحوا بأغلى ما عندهم من أجل رفعة هذا الدين، فقد قدموا علمائهم وقادتهم وكوادرهم.
فعلى أكتاف من قامت معارك القائم؟ ودماء من سالت في الرمادي والفلوجة وحديثة؟ وأعناق من دُقت في تلعفر والموصل؟ وأرواح من أزهقت في معارك بغداد وديالى وسامراء؟
فهل قام بكل هذا إلا أبناء "تنظيم القاعدة" من مهاجرين وأنصار وغيرهم من المجاهدين الصادقين، أصحاب المنهج الصافي، الذين آلوا على أنفسهم ألا يتركوا السلاح وفيهم عينٌ تطرف وعرقٌ ينبض.
ومما يزيد القلب حسرةً وألماً؛ ما آل إليه حال بعض أهل العلم ممن نحسبهم من الصادقين المحبين للجهاد وأهله، فقد بعث إلي بعضهم يشيرون علي بعدم الاستماتة بالقتال في العراق وعدم حشد طاقات الأمة في هذه المعركة.
ويعلم الله كم أصابني من الهم والحزن من مقالتهم، أهذا ما وصلت له أمتنا؟! أهذا ما جادت به قريحة علمائنا؟! إلى متى يبقى أهل العلم معرضون عن ساحات الجهاد يُصدرون أحكامهم ويوجهون نصائحهم بعيدين عن الواقع الذي تعيشه الأمة؟!
فإنه لا بد لصواب الحكم؛ من علم بالشرع وخبرة بالواقع.
يقول سيد رحمه الله: (إن فقه هذا الدين لا ينبثق إلا في أرض الحركة، ولا يؤخذ عن فقيه قاعد حيث تجب الحركة، والذين يعكفون على الكتب والأوراق في هذا الزمان لكي يستنبطوا منها أحكاماً فقهية يجددون بها الفقه الإسلامي أو يطورونه وهم بعيدون عن الحركة التي تستهدف تحرير الناس من العبودية للعباد وردهم إلى العبودية لله وحده بتحكيم شريعة الله وحدها وطرد شرائع الطواغيت، هؤلاء لا يفقهون طبيعة هذا الدين، ومن ثم لا يحسنون صياغة فقه هذا الدين)، انتهى كلامه رحمه الله.
فلو أن جهادنا جهاد طلب واستعصت علينا بعض حصون بني الأصفر، مما يلحق الضرر بجيش المجاهدين، لقلنا؛ إن في الأمر لسعة، ولكننا نقاتل لندفع عن أمتنا وعن ديننا أخطر عدو صال على ديار المسلمين في هذه العصور، فانتهكوا الحرمات واستباحوا الديار ونهبوا ثروات والخيرات، وامتلأت سجونهم بالمسلمين والمسلمات، بل وامتلأت أحشاء المسلمات بنطفهم القذرة.
إن الأمة طالما بقيت تجود بفلذات أكبادها وتريق من دماء أبنائها، ذوداً عن هذا الدين؛ فإن الأمة بخير، وإذا ضنت الأمة عن التضحية بدماء أبنائها في سبيل إعلاء كلمة الله؛ تكالبت عليها الأمم وسيمت الذل والهوان، وتسلط عليها أراذل الناس، فبقدر ما يتقدم المجاهدون بقتالهم مع عدوهم ويحققوا انتصارات ملموسة، بقدر ما يرفع الظلم والضيم عن الأمة، والعكس بالعكس.
فمتى نستميت في الدفاع عن أعراض المسلمين والمسلمات؟ أعندما يدخل عُبّاد الصليب إلى أرض الشام؟ أم إلى مكة والمدينة وينتهكوا أعراضنا فعندها تكون الاستماتة في القتال؟!
فما بال أخواتنا نساء العراق من ذوات الخدور العفيفات الطاهرات، اللواتي يجأرن إلى الله في قعر زلازلهن من ظلم أعداء الله؟!
والله يعلم أن ظفر امرأة من أهل السنة في العراق عامة وأهل الفلوجة خاصة؛ أحب إليّ من الدنيا وما فيها.
فوالله لو أن "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين" يفنى عن بكرة أبيه على أن تحرر النساء من سجون الصليبيين والروافض الحاقدين؛ لما ترددنا في ذلك لحظة واحدة.
كيف والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (فكوا العاني)؟ فكيف بالعانية الضعيفة؟! بل فكيف بالعانية التي ينتهك عرضها صباح مساء؟!
يا حسرة على أمتنا... إن لم نستمت في هذه المواطن فقولوا لي بربكم متى وأين نستميت؟!
قوافل تمضي بين أفواج رضع http://www.tawhed.ws/styles/default/images/star.gif وأحزان ثكلى أو تباريح أيم
وبين صبايا يا لذل دموعها http://www.tawhed.ws/styles/default/images/star.gif وأفواجُ أطفالٍ وأفواجُ يُتم
قوافل تمضي وهي تسحب خطوها http://www.tawhed.ws/styles/default/images/star.gif ذليلاً على شوك مدم وموضم
تكاد عيون الطفل تسأل من أنا http://www.tawhed.ws/styles/default/images/star.gif إلى أين أمضي يا فيافي تكلمي
أتحملني دورٌ للنصارى وبيعة http://www.tawhed.ws/styles/default/images/star.gif وساحات شرك أو منازل سوّم
لتُنزع مني فطرةٌ وطهارةٌ http://www.tawhed.ws/styles/default/images/star.gif ويُغرس بي شركٌ وفتنة مأثم
هل يُعقل أن تكون خير أمة أخرجت للناس أقل غيرة وحمية لأسراها من اليهود؟!
فقد قال القرطبي رحمه الله: (قال علماؤنا؛ كان الله قد أخذ عليهم - أي اليهود - أربعة عهود؛ ترك القتال، وترك الإخراج، وترك المظاهرة، وافتداء أسراهم، فأعرضوا عن كل ما أمروا به إلا الفداء، فوبخهم الله على ذلك توبيخاً يتلى، فقال؛ {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ}، قلت - أي القرطبي -؛ ولعمر الله لقد أعرضنا نحن عن الجميع بالفتن فتظاهر بعضنا على بعض، ليس بالمسلمين بل بالكافرين، حتى تركنا إخواننا أذلاء صاغرين يجري عليهم حكم المشركين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم)، انتهى كلامه رحمه الله.
وبعضهم يريد منا أن نوقف جهادنا في أرض الرافدين، ويزعم أن الجهاد في العراق إنما هو قتال نكاية لا قتال تمكين، وأنه ثم من سيقطف ثمرة هذا الجهاد المبارك ويعتلي سدة الحكم على حساب دماء المجاهدين.
فنقول؛ إن الله سبحانه وتعالى قد فرض على عباده اتباع أمره وتطبيق شرعه، ولم يتعبدهم بما غاب عنهم وخفي حاله عليهم، وإن الله سبحانه قد أمرنا بقتال الكفار حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، وهذا في جهاد الطلب، فما بالك في مثل حالنا؟ والعدو قد صال علينا، قال تعالى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً}.
قال الجصاص في أحكامه: (ومعلوم في اعتقاد جميع المسلمين؛ أنه إذا خاف أهل الثغور من العدو ولم تكن فيهم مقاومة لهم، فخافوا على بلادهم وأنفسهم وذراريهم، أن الفرض على كافة الأمة؛ أن ينفر إليهم من يكف عاديتهم عن المسلمين، وهذا لا خلاف فيه بين الأمة، إذ ليس من قول أحد من المسلمين إباحة القعود عنهم حتى يستبيحوا دماء المسلمين وسبي ذراريهم)، انتهى كلامه رحمه الله.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وإذا دخل العدو بلاد الإسلام؛ فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب، إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة، وأنه يجب النفير إليه بلا إذن والد ولا غريم، ونصوص أحمد صريحة بهذا).
وقال أيضاً: (فالعدو الصائل، الذي يفسد الدين والدنيا، لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه)، انتهى كلامه رحمه الله
فنحن مأمورون بدفع هذا العدو الصائل، بل ونعتقد بناء على ما سبق من كلام أئمتنا؛ أن الأمة آثمة في تخلفها وقعودها عن نصرة المجاهدين - علماؤها ودعاتها وعوامها –
فلو أن كل مسلم أخذ بمقتضى هذه الشبهة لما قامت للإسلام قائمة، وما رفعت للمسلمين راية، وهل يعني الأخذ بهذه المقالة سوى التثبيط عن القتال في سبيل الله وتعطيل الجهاد وإيقافه وتسليم البلاد والعباد للصليبيين وأعوانهم من المرتدين ليفعلوا بهم ما يشاءون؟
وهل القول بأن ثم من سيقطف الثمرة غير المجاهدين إلا رجم من الغيب وضرب من التخمين؟ ومتى كان قطف الثمرة دليلاً على صحة الفعل من عدمه؟!
ففي الصحيحين عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: (هاجرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نريد وجه الله، فوقع أجرنا على الله، فمنا من مضى لم يحصد من أجره شيئاً، منهم مصعب بن عمير؛ قُتل يوم أحد وترك نمرة، فكنا إذا غطينا بها رأسه بدت رجلاه، وإذا غطينا رجليه بدى رأسه، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أن نغطي رأسه ونجعل على رجليه شيئا من إذخر، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهذبها).
إن الذي نعرفه من دين الله؛ أننا أمرنا بامتثال أمره، والنفير خفافاً وثقالاً في سبيله، ثم النتائج مردها إلى الله سبحانه وتعالى وليس إلينا.
فعليك بذر الحب لا قطف الجنى http://www.tawhed.ws/styles/default/images/star.gif والله للساعين خير معين
لقد تمالأت تحالفات الشر وقوى الكفر على المدينة، تريد استئصال شافة المسلمين يوم الأحزاب، وأصاب المسلمين من الخوف ما أصابهم، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا رجل يأتينا بخبر القوم، جعله الله معي يوم القيامة؟)، يكررها مراراً ولا يجيبه أحد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم مع ذلك كله يبشر أصحابه بقصور الحيرة ومدائن كسرى، فيقول المنافقون: (ألا تعجبون؟! يحدثكم ويعدكم ويمنيكم الباطل، يخبر أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى، وأنها تفتح لكم، وأنكم تحفرون الخندق ولا تستطيعون أن تبرزوا!).
إن الواحد منا لا يمكنه أن يعيش معزولاً عن ماضي أسلافه، فتاريخنا المشرق قد حوى لنا مئات الحوادث الناصعة والصفحات المضيئة، التي نستمد منها - بعد الله تعالى - العون والثبات على ما نحن فيه، كما قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}.
وانطلاقاً من هذا؛ أحببت أن أذكر لأمتي قصة من قصص العز والإباء، وصورة من صور الفخر والكبرياء، علها تكون عوناً على نفض غبار الذل الذي تغشانا، وسبيلاً لرفع الضيم والعار الذي نزل بنا، مع مقارنة بسيطة في أحداثها ووقائعها ومواقف أصحابها مع واقع أمتي اليوم ومواقف أبنائها...
(ففي سنة ثلاث وستين وأربعمائة؛ أقبل ملك الروم "أرمانيوس" في جحافل أمثال الجبال من الروم والكرج والفرنج، وعدد عظيمه، وتجمل هائل، ومعه خمسة وثلاثون ألفاً من البطارقة، مع كل بطريق ما بين ألفي فارس إلى خمسمائة فارس، ومعه من الفرنج خمسة وثلاثون ألفاً، ومن الغُزّ الذين يكونون وراء القسطنطينية خمسة عشر ألفاً، ومعه مئة ألف نقاب وحفار، وألف روزجاري، ومعه أربع عجلة تحمل النعال والمسامير، وألفا عجلة تحمل السلاح والسروج والعرابات والمجانيق، منها منجنيق يمده ألف ومائتا رجل، ومن عزمه - قبحه الله - أن يجتث الإسلام وأهله، وقد اقطع بطارقته البلاد حتى بغداد).
أقول: ما أشبه الليلة بالبارحة، أليس هذا هو حال عُباد الصليب اليوم؟ عندما أتوا إلى العراق بكامل عددهم وعدتهم، ببارجاتهم وقاذفاتهم وطائراتهم ودباباتهم ومدرعاتهم، وبما يزيد على مئة وخمسين ألفاً من جنودهم، بمساندة أكثر من ثلاثين دولة من أمم الكفر والإلحاد، في أكبر حملة صليبية تشهدها البلاد، يرومون القضاء على الإسلام وأهله، تحت مسميات "القضاء على الإرهاب والقاعدة"، و "محاربة الأصولية المتشددة"، وغير ذلك مما عاد لا ينطلي إلا على من أعمى الله بصره وختم على قلبه.
(واستوصى نائبها بالخليفة خيراً، فقال له؛ "أرفق بذلك الشيخ فإنه صاحبنا"، ثم إذا استوثقت ممالك العراق وخراسان لهم مالوا على الشام وأهله ميلة واحدة فاستعادوه من أيدي المسلمين، واستنقذوه - فيما يزعمون - والقدر يقول: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ}).
قلت: ألم يكن هذا مخططهم عقب غزوهم لأرض الرافدين؟ أن يميلوا على الشام وأهله، بحجة إيوائها للبعثيين، وعدم منعها لتسلل المقاتلين، لولا أن الله تعالى ردّ كيدهم وأحبط مكرهم عبر ضربات المجاهدين الصادقين، وهم ما زالوا على تنفيذ مخططهم حريصين، وفي سبيل تحقيقه سائرين، للتمكين لدولة إسرائيل من الفرات إلى النيل، ومن يدري فالأيام حبالى وإن غداً لناظره لقريب.
(فالتقاه السلطان "ألب أرسلان" في جيشه وهم قريب من عشرين ألفاً، في يوم الأربعاء لخمس بقين من ذي القعدة، وخاف السلطان من كثرة جند ملك الروم، وكان الملك "ألب أرسلان" التركي سلطان العراق والعجم يومئذ، قد جمع وجوه مملكته، وقال؛ "قد علمتم ما نزل بالمسلمين فما رأيكم؟"، قالوا؛ "رأينا لرأيك تبع، وهذه الجموع لا قبل لأحد بها"، قال؛ "وأين المفر؟ لم يبق إلا الموت، فموتوا كراماً أحسن"، قالوا؛ "أمّا إذ سمحت بنفسك، فنفوسنا لك لفداء"، فعزموا على ملاقاتهم، وقال؛ "نلقاهم في أول بلادي"، فخرج في عشرين ألفاً من الأمجاد الشجعان المنتخبين، فلما ساروا مرحلة عرض على عسكره فوجدهم خمسة عشر ألفاً ورجعت خمسة، فلما سار مرحلة ثانية عرض عسكره فإذ هم اثنى عشر ألفاً، فلما واجههم عند الصباح رأى ما أذهل العقول وحير الألباب، وكان المسلمون كالشامة البيضاء في الثور الأسود، ولما التقى الجمعان، وتراءى الكفر والإيمان، واصطدم الجبلان، طلب السلطان الهدنة، قال "أرمانوس"؛ "لا هدنة إلا ببذل الري" - أي البلاد -).
قلت: ألم يكن هذا حال "أرمانوسهم" - بوش -؟ أول غزوه لأفغانستان والعراق، فكان لا يلوي على شيء، لا يقبل هدنة، ولا يرضى مصالحة، حتى إذا ما أذاقه الله وجنوده طعم الذل والهزيمة على أيدي عباده المجاهدين وأوليائه الصادقين راح ينادي بضرورة فتح باب التحاور وحل المسألة عن طريق التفاوض.
يتبع
http://www.tawhed.ws/styles/default/images/print_t_left.gif أبو مصعب الزرقاوي رحمه الله
الحمد لله معز الإسلام بنصره، ومذل الشرك بقهره، ومصرف الأمور بأمره، ومستدرج الكافرين بمكره، الذي قدر الأيام دولاً بعدله، وجعل العاقبة للمتقين بفضله، والصلاة والسلام على من أعلى الله منار الإسلام بسيفه.
أمّا بعد...
فإن الله سبحانه وتعالى خلق العباد وهم في درجات الهمة متفاوتون، فمنهم من ترقى به همته لتبلغ به عنان السماء، ومنهم من تقصر به همته حتى تخلد به إلى الأرض.
فيحل ذلك لأرضه بتسفل http://www.tawhed.ws/styles/default/images/star.gif ويحل ذا لسمائه بتصعد
فعالي الهمة يجود بالنفس والنفيس في سبيل تحصيل غايته وتحقيق بغيته، وكلما كانت النفوس أشرف والهمة أعلى كان تعب البدن أوفر وحظه من الراحة أقل.
فتى لا يضم القلب همات قلبه http://www.tawhed.ws/styles/default/images/star.gif ولو ضمها قلبٌ لما ضمه صدر
إن عالي الهمة لا يستوحش من قلة السالكين، ولا يأبه بقلة الناجين، ولا يلتفت إلى كثرة المخذلين، ولا يكترث بمخالفة الناكبين، قلبه لا يعرف التثاؤب ولا الراحة ولا السكون ولا الترف.
وخسيس الهمة؛ كلما همَّ ليسموا للعوالي، وليرتقي في درجات المعالي، ختم الشيطان على قلبه، وعقد على ناصيته وقال له؛ "عليك ليل طويل فارقد!"، وكلما سعى للإرتقاء بهمته وإقالة عثرته عاجلته جيوش التشويش والأماني، ونادته نفسه الأمارة بالسوء؛ أأنت أكبر أم الواقع؟!
وحين ينتكس الإنسان يهوي إلى الدرك الذي لا يهوي إليه مخلوق قط، حين تصبح البهائم أرفع منه وأقوم، حين يرتكس مع هواه إلى درك لا تملك البهيمة أن ترتكس إليه، وإذا ماتت فيه الغيرة على نفسه وعلى المحارم يصبح أسفل من البهائم.
ولا يقيم على ضيم يُراد به http://www.tawhed.ws/styles/default/images/star.gif إلا الأذلان عير الحي والوتد
هذا على الحبل مربوط برمته http://www.tawhed.ws/styles/default/images/star.gif وذا يُشد فلا يدري به أحد
ولقد حاز سلفنا الصالح قصب السبق في علو الهمة وسمو المراد، وقد ضربوا لهم في كل باب من أبواب هذا الدين بسهم، وأخذوا من كل فضل بنصيب.
ففي العبادة؛ لا تراهم إلا راكعين ساجدين، خاشعين باكين مخبتين.
وفي سبيل طلب العلم؛ فارقوا الأهل والأولاد، وتنقلوا في البلاد، وهجروا لذيذ الرقاد، وأنفقوا الطارف والتلاد.
وفي الإنفاق؛ أنفقوا إنفاق من لا يخشى الفقر في دنياه، ويبتغي رضى مولاه.
وأما في الجهاد؛ فالحديث ذو شجون، فإنهم لما عاينوا أن له فضلاً لا يضاهى، وخيراً لا يتناهى، سمت نفوسهم إليه، وعلت هممهم لتحصيله، فشمروا للجهاد عن ساق الاجتهاد، ونفروا لمحاربة أهل الكفر والعناد، فجهزوا جيوشهم وسراياهم، وبذلوا في سبيل ذلك أموالهم وعطاياهم، وباعوا نفوسهم لخالقها وباريها، فجازاهم بذلك من الجنان أعاليها.
وقد حفظ لنا تاريخنا كثيراً من تلكم المواقف والقصص التي تدل على علو همة القوم وسمو مطلبهم.
ففي محنة مانعي الزكاة؛ ادلهم الخطب واشتدت المحنة، والتبس الأمر حتى على كبار الصحابة، فوقف الصديق رضي الله عنه لها بالمرصاد وقال: (والله لا أفرق بين الصلاة والزكاة، ولأقاتلن من فرق بينهما)، قال عمر رضي الله عنه: (فقاتلنا معه، فرأينا ذلك رشدا).
وعن أبي رجاء العطاردي قال: (دخلت المدينة فرأيت الناس مجتمعين، ورأيت رجلاً يقبل رأس رجل وهو يقول؛ أنا فداؤك لولا أنت لهلكنا، فقلت؛ من المُقَبِل ومن المُقَبّل؟ قالوا؛ عمر يقبل رأس أبي بكر في قتاله أهل الردة إذ منعوا الزكاة حتى أتوا بها صاغرين).
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (توفي النبي صلى الله عليه وسلم فنزل بأبي بكر ما لو نزل بالجبال لهاضها، اشرأب النفاق بالمدينة، وارتدت العرب، فوالله ما اختلفوا في نقطة إلا طار أبو بكر بحظها وفنائها في الإسلام).
يومها وقف الصديق - فداه أبي وأمي - كالجبل الأشم سداً منيعاً أمام تيار الردة، صارخاً من أعماق قلبه متوكلاً على ربه قائلاً: (قد انقطع الوحي وتم الدين، أينقص الدين وأنا حي؟!).
"أينقص الدين وأنا حي؟!"؛ يالها من كلمة فاض بها لسانه، ونطق بها جنانه، كلمة ترسم منهجاً واضحاً لما يجب أن يكون عليه كل فرد من أفراد هذه الأمة؛ علو في الهمة، قوة في التوكل، ثبات على الحق.
"أينقص الدين وأنا حي؟!"؛ قالها لسان حال إمام أهل السنة أحمد بن حنبل الشيباني، الصديق الثاني، يوم أن وقف وحده كالطود الأشم في محنة خلق القرآن، فكشف الله به الغمة، وأنقذ به الأمة.
"أينقص الدين وأنا حي؟!"؛ تمثلها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يوم أن قام يحرض الأمة على قتال التتار، وكان رحمه الله لصدق توكله على الله ويقينه بموعوده؛ يقسم بالله - لا يستثني - أن الله ناصرهم على التتار، فيقال له: (قل إن شاء الله!)، فيقول: (تحقيقاً، لا تعليقا)، فرد الله عاديتهم وانقلبوا على أعقابهم خاسرين.
"أينقص الدين وأنا حي؟!"؛ صرخ بها قلب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، فكان يطوف كالوالدة الثكلى بين البلاد، وعيناه تذرفان بالدموع ينادي؛ يا للإسلام! يا للإسلام!.
إن الأحزان والمصائب تشحذ الهمم وتصنع الرجال، فإن لم تحفزنا المصائب وتعلي هممنا الآلام والأحزان فما الذي يُعلينا؟! وما الذي يوقظنا؟!
ياله من دين... لو أن لهُ رجالاً؟!
ها قد دنس عُبّاد الصليب كتاب ربنا وألقوه في مراحيضهم، وفق مخطط محكم لتحطيم هيبة كل ما هو مقدس في نفوس أبناء هذه الأمة، وها قد تجرأ إخوان القردة والخنازير وعُبّاد البقر الهندوس ففعلوا مثل فعلهم.
واحسرتاه على أمتي، إن لم يقم أبناؤها للثأر لكتاب ربهم فمتى يقومون؟! ومتى يستيقضون؟! إن لم تحركهم أمثال هذه الخطوب والمصائب فما الذي يحركهم؟!
يوشك أن تنزل علينا حجارة من السماء، نستنزل النصر من ربنا، وما غِرْنا على كتابه وحرماته!
إن عُبّاد الصليب قد صالوا على ديارنا، واستباحوا حرماتنا، وهتكوا أعراضنا، ونهبوا ثرواتنا، في أكبر حملة صليبية عرفها تاريخنا المعاصر، فما الذي ينتظره أبناء هذه الأمة؟! ومتى يهبون من سباتهم؟!
واحسرتاه... كيف انحطت بهم هممهم إلا من رحم ربي فرضوا بالقعود عن نصرة هذا الدين والذب عن أعراض المسلمين؟
ياله من حرمان؟ ويالها من خسارة؟... قوم قامت سوق الشهادة بأرضهم، وأناخت ركابها ببابهم، وهم مازالوا في سباتهم نائمين، وفي لهوهم سامدين.
ولكن اقتضت سنة الله أن يكون له عباد يصطفيهم على مر السنين لحمل راية هذا الدين وتبليغها للعالمين.
قال صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي، ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله).
فانطلقت صيحات النفير من هاهنا وهاهنا؛ "يا خيل الله اركبي... ويا راية الله ارتفعي... ويا حملة الراية قوموا"...
فاستجاب من استجاب من أبناء هذه الأمة... استجابوا للنداء، وهبوا للنفير ونفضوا عنهم غبار الذل وركام العار، هبّوا مخلفين الدنيا وزينتها وراءهم، نفروا تاركين خلفهم أهلهم وديارهم وأموالهم، ولكل واحد منهم قصة، ولكل فرد منهم مأساة.
شُعثٌ شعورهم، غُبرٌ رؤسهم، قليلة أعدادهم، ضعيفة عُددهم.
لكن... قلوبهم ممتلئة بمحبة هذا الدين، ونفوسهم تواقة لجوار رب العالمين، صدقوا مع الله فصدقهم، فأذاقوا عُبّاد الصليب ألوان الهزيمة، وأصناف العذاب، وحطموا هيبتهم، وكسروا شوكتهم، وأجرى الله على أيديهم من الكرامات ما لم يعد يخفى على كل ذي عينين.
ولما رأى بنو الأصفر حجم المأزق الذي تورطوا فيه، وعِظم خسائرهم وضحاياهم، سارعوا لتشكيل قوات الجيش والحرس الوثني، لتكون الردء الحامي للصليبيين، واليد الضاربة على المجاهدين، فقامت سوق الابتلاء والتمحيص من جديد، فاستجاب لندائهم من خست به همته وباع دينه بآخرته، فكان حكم المجاهدين فيهم واضحاً بيناً لا لبس فيه، وهو وجوب قتالهم وجهادهم لارتدادهم عن الدين وموالاتهم للصليبيين، والتبس أمر هؤلاء على بعض من يوصفون بـ "العلماء" فضلاً عن غيرهم من العامة الدهماء، فأصدروا فتاويهم بعدم جواز قتال هؤلاء، حفاظاً على حرمة "الدم العراقي" وعصمة أهله!
وهذه والله أزمة حقيقية تعيشها كثيرٌ من الجماعات العاملة للإسلام في هذا الزمان، ألا وهي؛ "أزمة التفريق بين العدو الخارجي والعدو الداخلي".
فالعدو الخارجي تُستنهض الأمة لقتاله، وتُستنفذ الطاقات لجهاده، حتى إذا ما خرج من بلادنا وأناب عنه المرتدين من بني جلدتنا، يأتمرون بأمره، ويحكمون بحكمه، ويضربون بسوطه؛ حرُم على الأمة قتالهم وجهادهم، ولو اشتد بلاؤهم.
فإذا كان العدو ذا بشرة شقراء، وعيون زرقاء؛ وجب قتاله، أما إن كان العدو أسمر البشرة أسود العينين؛ فهذا لا يحل قتاله.
فهذا لعمر الله قتال "الوطنيين"، لا قتال الموحدين، وقتال من يريد العاجلة، لا من يروم الآخرة، {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ}.
هؤلاء المرتدون لم ينشئوا جيوشهم أصلاً إلا لمحاربة دين الله سبحانه وتعالى ولتكون اليد الضاربة التي تبطش بالمخلصين من أبناء هذه الأمة، ولا أدل على ذلك من عملياتهم المتواصلة في إبادة أهل السنة - كعملية "البرق" و "الرمح" و "الخنجر" و "السيف"... وغيرها.
هذه الجيوش؛ لا نسمع حسيسها إلا في قتال أهل الإيمان وعساكر الرحمن...
فهذه صولاتهم في باكستان؛ على المجاهدين العرب والأفغان.
وفي الأردن؛ على الأخيار من أهل معان.
وفي الرياض والقصيم ومكة؛ على أهل التوحيد الحق.
ثم هم من بعد سلمٌ للكفار مداهنون للفجار.
ونحن نعلن...
أن الجيش العراقي؛ هو جيش ردة وعمالة، والى الصليبيين، وجاء لهدم الإسلام وحرب المسلمين، وسنحاربه حرب الأمة للتتار، الذين أجلبوا على الأمة بخيلهم ورجلهم وكانوا مع ذلك يستعلنون بالشهادتين، وكان في جيشهم أئمة ومؤذنون، وفيهم مصلون وصائمون؛ حتى اشتبه أمرهم على الناس، وتحير فيهم العلماء، فكيف يقاتلونهم وهم منتسبون للأمة ناطقون بالشهادتين؟!
حتى قيض الله لهذه المحنة شمساً من شموس هذه الأمة ومنارة من مناراتها؛ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، فأفتى بردتهم، ووجوب محاربتهم، لتنكبهم عن تحكيم شريعة الرحمن، وعدولهم عن حكم القرآن، إلى حكم "الياسق" الذي وضعه لهم "جنكيز خان"، والذي جمعه لهم من أحكام التوراة والإنجيل والقرآن وعادات التتار، تماماً كما هو حال دساتير الأنظمة العربية هذه الأيام.
ومما قاله شيخ الإسلام: (إن هؤلاء القوم المسؤول عنهم؛ عسكرهم مشتمل على قوم كفار من النصارى والمشركين، وعلى قوم منتسبين إلى الإسلام، وهم جمهور العسكر، ينطقون بالشهادتين إذا طلبت منهم، ويعظمون الرسول، وليس فيهم من يصلي إلا قليل جداً، وصوم رمضان أكثر فيهم من الصلاة، والمسلم عندهم أعظم من غيره، وللصالحين من المسلمين عندهم قدرهم).
إلى أن قال: (وقتال هذا الضرب واجب بإجماع المسلمين، ولا يشك في ذلك من عرف دين الإسلام وعرف حقيقة أمرهم، فإن هذا السلم الذي هم عليه ودين الإسلام؛ لا يجتمعان أبدا).
وقال: (وإذا كان السلف قد سموا مانعي الزكاة مرتدين - مع كونهم يصومون ويصلون - ولم يكونوا يقاتلون جماعة المسلمين، فكيف بمن صار مع أعداء الله ورسوله قاتلاً للمسلمين؟!)، انتهى كلامه رحمه الله.
ونحن على يقين أننا بقتالنا لجيوش الردة سنواجه باستنكار وامتعاض شديدين من السّذج من أبناء هذه الأمة، إذ في قياسهم القاصر؛ كيف يقاتل المجاهد أخاه وابن عمه وابن عشيرته؟! وما درى هؤلاء أن النبي صلى الله عليه وسلم؛ إنما بدأ أولاً بقتال من وقف حجر عثرة في طريق هذا الدين من قومه، قبل أن يجالد بني الأصفر، وعلى سنته جرى الصحابة رضي الله عنهم.
فهذا أبو عبيدة ابن الجراح؛ قتل أباه يوم أحد.
ومصعب ابن عمير؛ قتل أخاه عبيد بن عمير يوم أحد.
وعمر ابن الخطاب؛ قتل خاله العاص بن هشام يوم بدر.
وعلي وحمزة وعبيدة بن الحارث؛ قتلوا يوم بدر عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد ابن عتبة، وفيهم نزل قوله تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}.
فهذا دربهم وهذه سنتهم لمن أراد اقتفائها.
وخرج بعضهم بتقسيم لم يسبق إليه للجهاد في العراق، فيقول: (إن المقاومة - وهذا مع تحفظنا على هذه الكلمة - تنقسم إلى قسمين؛ مقاومة شريفة، هي التي تقاوم الكافر المحتل، ومقاومة غير شريفة، التي تقاتل العراقيين أياً كانوا).
فنقول لهؤلاء...
إن الذي نعرفه من ديننا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله).
إن "المقاومة" الشريفة هي التي تقاتل على أمر الله، {حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}، لا "المقاومة" التي تشترط لوقف قتالها جدولة انسحاب العدو الخارجي، حتى إذا نصّب بعده حكومة عميلة، تحكم بغير شرع الله وتوالي أعداءه وتعادي أولياءه، انطوينا تحت لوائها وكأن شيئاً لم يكن.
إن "المقاومة" الشريفة؛ هي التي تضحي بدماء أبنائها وتبذل الغالي والنفيس وتتعرض لشتى صنوف الابتلاء وحاديها في ذلك؛ "اللهم خُذ من دمائنا اليوم حتى ترضى... اللهم من حواصل الطير وبطون السباع"، لا "المقاومة" التي تؤثر السلامة، وتقاتل على مبدأ تحقيق مصالح ذاتية، وتتخذ من عملياتها أوراق ضغط على العدو المحتل لتحسين أوضاعها، وإتاحة الفرصة لها بشكل أكبر في المشاركة في الحياة السياسية.
إن "المقاومة" الشريفة؛ هي التي خَلُص توحيدها لله، فوالت من والاه الله ورسوله ولو كان من أبعد الناس، وعادت من عاداه الله ورسوله ولو كان من أقرب الناس.
إن يفترق نسبٌ يؤلف بيننا http://www.tawhed.ws/styles/default/images/star.gif دينٌ أقمناه مقام الوالد
قال رجل من المسلمين لخالد بن سعيد رضي الله عنه - وقد كان تهيأ للخروج مع ابي عبيدة -: (لو كنت خرجت مع ابن عمك يزيد بن أبي سفيان كان أمثل من خروجك مع غيره!)، فقال: (ابن عمي أحب إليّ من هذا في قرابته، وهذا أحب إليّ من ابن عمي في دينه، هذا كان أخي في ديني على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ووليي وناصري على ابن عمي قبل اليوم، فأنا به أشد استئناساً وإليه أشد طمأنينة).
إن "المقاومة" الشريفة؛ هي التي تجعل من جهادها جهاداً عالمياً غير مرتبط بلونِ أو عرقٍ أو أرض، فالمؤمنون أمةٌ واحدة تتكافأ دماؤهم وهم يدٌ على من سواهم، {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}، {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}، لا "المقاومة" المزعومة التي تجعل من حدود "سايكس" و "بيكو" منطلقاً لأهدافها وجهادها.
كان أبو الدرداء رضي الله عنه بدمشق، وسلمان رضي الله عنه بالعراق، فكتب أبو الدرداء إلى سلمان: (أن هلُم إلى الأرض المقدسة)، فكتب إليه سلمان: (إن الأرض لا تقدس أحداً، وإنما يُقدسُ المرءَ عمله).
إن "المقاومة" الشريفة؛ هي التي إن أصابها قروح وجراحات ونقص في الكوادر والمعدات نهضت وتحاملت على نفسها وتوكلت على ربها، ولم تفزع إلا إليه، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوم حمراء الأسد، لا "المقاومة" التي إذا ما أصابها فاجعة أو ابتلاء استوحشت الطريق وفزعت إلى من يمد لها يد العون في طريقها، حتى ولو كان ممن يُحادّ الله ورسوله.
إن "المقاومة" الشريفة؛ هي صاحبة أهداف نبيلة سامية، ومقاصد شرعية عظيمة، ولذلك فإن وسائلها كلها شرعية على هدي الكتاب والسنة، لا "المقاومة" التي عندها الغاية تبرر الوسيلة، فلا حرج عندها في التحالف والتعاون مع من حادّ الله ورسوله في سبيل تحقيق بعض المصالح والأغراض.
إن الذين يُقال عنهم بأنهم من غير "المقاومة" الشريفة هم الذين يجاهدون في سبيل الله منذ ما يزيد على العامين، وقد ضحوا بأغلى ما عندهم من أجل رفعة هذا الدين، فقد قدموا علمائهم وقادتهم وكوادرهم.
فعلى أكتاف من قامت معارك القائم؟ ودماء من سالت في الرمادي والفلوجة وحديثة؟ وأعناق من دُقت في تلعفر والموصل؟ وأرواح من أزهقت في معارك بغداد وديالى وسامراء؟
فهل قام بكل هذا إلا أبناء "تنظيم القاعدة" من مهاجرين وأنصار وغيرهم من المجاهدين الصادقين، أصحاب المنهج الصافي، الذين آلوا على أنفسهم ألا يتركوا السلاح وفيهم عينٌ تطرف وعرقٌ ينبض.
ومما يزيد القلب حسرةً وألماً؛ ما آل إليه حال بعض أهل العلم ممن نحسبهم من الصادقين المحبين للجهاد وأهله، فقد بعث إلي بعضهم يشيرون علي بعدم الاستماتة بالقتال في العراق وعدم حشد طاقات الأمة في هذه المعركة.
ويعلم الله كم أصابني من الهم والحزن من مقالتهم، أهذا ما وصلت له أمتنا؟! أهذا ما جادت به قريحة علمائنا؟! إلى متى يبقى أهل العلم معرضون عن ساحات الجهاد يُصدرون أحكامهم ويوجهون نصائحهم بعيدين عن الواقع الذي تعيشه الأمة؟!
فإنه لا بد لصواب الحكم؛ من علم بالشرع وخبرة بالواقع.
يقول سيد رحمه الله: (إن فقه هذا الدين لا ينبثق إلا في أرض الحركة، ولا يؤخذ عن فقيه قاعد حيث تجب الحركة، والذين يعكفون على الكتب والأوراق في هذا الزمان لكي يستنبطوا منها أحكاماً فقهية يجددون بها الفقه الإسلامي أو يطورونه وهم بعيدون عن الحركة التي تستهدف تحرير الناس من العبودية للعباد وردهم إلى العبودية لله وحده بتحكيم شريعة الله وحدها وطرد شرائع الطواغيت، هؤلاء لا يفقهون طبيعة هذا الدين، ومن ثم لا يحسنون صياغة فقه هذا الدين)، انتهى كلامه رحمه الله.
فلو أن جهادنا جهاد طلب واستعصت علينا بعض حصون بني الأصفر، مما يلحق الضرر بجيش المجاهدين، لقلنا؛ إن في الأمر لسعة، ولكننا نقاتل لندفع عن أمتنا وعن ديننا أخطر عدو صال على ديار المسلمين في هذه العصور، فانتهكوا الحرمات واستباحوا الديار ونهبوا ثروات والخيرات، وامتلأت سجونهم بالمسلمين والمسلمات، بل وامتلأت أحشاء المسلمات بنطفهم القذرة.
إن الأمة طالما بقيت تجود بفلذات أكبادها وتريق من دماء أبنائها، ذوداً عن هذا الدين؛ فإن الأمة بخير، وإذا ضنت الأمة عن التضحية بدماء أبنائها في سبيل إعلاء كلمة الله؛ تكالبت عليها الأمم وسيمت الذل والهوان، وتسلط عليها أراذل الناس، فبقدر ما يتقدم المجاهدون بقتالهم مع عدوهم ويحققوا انتصارات ملموسة، بقدر ما يرفع الظلم والضيم عن الأمة، والعكس بالعكس.
فمتى نستميت في الدفاع عن أعراض المسلمين والمسلمات؟ أعندما يدخل عُبّاد الصليب إلى أرض الشام؟ أم إلى مكة والمدينة وينتهكوا أعراضنا فعندها تكون الاستماتة في القتال؟!
فما بال أخواتنا نساء العراق من ذوات الخدور العفيفات الطاهرات، اللواتي يجأرن إلى الله في قعر زلازلهن من ظلم أعداء الله؟!
والله يعلم أن ظفر امرأة من أهل السنة في العراق عامة وأهل الفلوجة خاصة؛ أحب إليّ من الدنيا وما فيها.
فوالله لو أن "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين" يفنى عن بكرة أبيه على أن تحرر النساء من سجون الصليبيين والروافض الحاقدين؛ لما ترددنا في ذلك لحظة واحدة.
كيف والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (فكوا العاني)؟ فكيف بالعانية الضعيفة؟! بل فكيف بالعانية التي ينتهك عرضها صباح مساء؟!
يا حسرة على أمتنا... إن لم نستمت في هذه المواطن فقولوا لي بربكم متى وأين نستميت؟!
قوافل تمضي بين أفواج رضع http://www.tawhed.ws/styles/default/images/star.gif وأحزان ثكلى أو تباريح أيم
وبين صبايا يا لذل دموعها http://www.tawhed.ws/styles/default/images/star.gif وأفواجُ أطفالٍ وأفواجُ يُتم
قوافل تمضي وهي تسحب خطوها http://www.tawhed.ws/styles/default/images/star.gif ذليلاً على شوك مدم وموضم
تكاد عيون الطفل تسأل من أنا http://www.tawhed.ws/styles/default/images/star.gif إلى أين أمضي يا فيافي تكلمي
أتحملني دورٌ للنصارى وبيعة http://www.tawhed.ws/styles/default/images/star.gif وساحات شرك أو منازل سوّم
لتُنزع مني فطرةٌ وطهارةٌ http://www.tawhed.ws/styles/default/images/star.gif ويُغرس بي شركٌ وفتنة مأثم
هل يُعقل أن تكون خير أمة أخرجت للناس أقل غيرة وحمية لأسراها من اليهود؟!
فقد قال القرطبي رحمه الله: (قال علماؤنا؛ كان الله قد أخذ عليهم - أي اليهود - أربعة عهود؛ ترك القتال، وترك الإخراج، وترك المظاهرة، وافتداء أسراهم، فأعرضوا عن كل ما أمروا به إلا الفداء، فوبخهم الله على ذلك توبيخاً يتلى، فقال؛ {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ}، قلت - أي القرطبي -؛ ولعمر الله لقد أعرضنا نحن عن الجميع بالفتن فتظاهر بعضنا على بعض، ليس بالمسلمين بل بالكافرين، حتى تركنا إخواننا أذلاء صاغرين يجري عليهم حكم المشركين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم)، انتهى كلامه رحمه الله.
وبعضهم يريد منا أن نوقف جهادنا في أرض الرافدين، ويزعم أن الجهاد في العراق إنما هو قتال نكاية لا قتال تمكين، وأنه ثم من سيقطف ثمرة هذا الجهاد المبارك ويعتلي سدة الحكم على حساب دماء المجاهدين.
فنقول؛ إن الله سبحانه وتعالى قد فرض على عباده اتباع أمره وتطبيق شرعه، ولم يتعبدهم بما غاب عنهم وخفي حاله عليهم، وإن الله سبحانه قد أمرنا بقتال الكفار حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، وهذا في جهاد الطلب، فما بالك في مثل حالنا؟ والعدو قد صال علينا، قال تعالى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً}.
قال الجصاص في أحكامه: (ومعلوم في اعتقاد جميع المسلمين؛ أنه إذا خاف أهل الثغور من العدو ولم تكن فيهم مقاومة لهم، فخافوا على بلادهم وأنفسهم وذراريهم، أن الفرض على كافة الأمة؛ أن ينفر إليهم من يكف عاديتهم عن المسلمين، وهذا لا خلاف فيه بين الأمة، إذ ليس من قول أحد من المسلمين إباحة القعود عنهم حتى يستبيحوا دماء المسلمين وسبي ذراريهم)، انتهى كلامه رحمه الله.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وإذا دخل العدو بلاد الإسلام؛ فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب، إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة، وأنه يجب النفير إليه بلا إذن والد ولا غريم، ونصوص أحمد صريحة بهذا).
وقال أيضاً: (فالعدو الصائل، الذي يفسد الدين والدنيا، لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه)، انتهى كلامه رحمه الله
فنحن مأمورون بدفع هذا العدو الصائل، بل ونعتقد بناء على ما سبق من كلام أئمتنا؛ أن الأمة آثمة في تخلفها وقعودها عن نصرة المجاهدين - علماؤها ودعاتها وعوامها –
فلو أن كل مسلم أخذ بمقتضى هذه الشبهة لما قامت للإسلام قائمة، وما رفعت للمسلمين راية، وهل يعني الأخذ بهذه المقالة سوى التثبيط عن القتال في سبيل الله وتعطيل الجهاد وإيقافه وتسليم البلاد والعباد للصليبيين وأعوانهم من المرتدين ليفعلوا بهم ما يشاءون؟
وهل القول بأن ثم من سيقطف الثمرة غير المجاهدين إلا رجم من الغيب وضرب من التخمين؟ ومتى كان قطف الثمرة دليلاً على صحة الفعل من عدمه؟!
ففي الصحيحين عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: (هاجرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نريد وجه الله، فوقع أجرنا على الله، فمنا من مضى لم يحصد من أجره شيئاً، منهم مصعب بن عمير؛ قُتل يوم أحد وترك نمرة، فكنا إذا غطينا بها رأسه بدت رجلاه، وإذا غطينا رجليه بدى رأسه، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أن نغطي رأسه ونجعل على رجليه شيئا من إذخر، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهذبها).
إن الذي نعرفه من دين الله؛ أننا أمرنا بامتثال أمره، والنفير خفافاً وثقالاً في سبيله، ثم النتائج مردها إلى الله سبحانه وتعالى وليس إلينا.
فعليك بذر الحب لا قطف الجنى http://www.tawhed.ws/styles/default/images/star.gif والله للساعين خير معين
لقد تمالأت تحالفات الشر وقوى الكفر على المدينة، تريد استئصال شافة المسلمين يوم الأحزاب، وأصاب المسلمين من الخوف ما أصابهم، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا رجل يأتينا بخبر القوم، جعله الله معي يوم القيامة؟)، يكررها مراراً ولا يجيبه أحد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم مع ذلك كله يبشر أصحابه بقصور الحيرة ومدائن كسرى، فيقول المنافقون: (ألا تعجبون؟! يحدثكم ويعدكم ويمنيكم الباطل، يخبر أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى، وأنها تفتح لكم، وأنكم تحفرون الخندق ولا تستطيعون أن تبرزوا!).
إن الواحد منا لا يمكنه أن يعيش معزولاً عن ماضي أسلافه، فتاريخنا المشرق قد حوى لنا مئات الحوادث الناصعة والصفحات المضيئة، التي نستمد منها - بعد الله تعالى - العون والثبات على ما نحن فيه، كما قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}.
وانطلاقاً من هذا؛ أحببت أن أذكر لأمتي قصة من قصص العز والإباء، وصورة من صور الفخر والكبرياء، علها تكون عوناً على نفض غبار الذل الذي تغشانا، وسبيلاً لرفع الضيم والعار الذي نزل بنا، مع مقارنة بسيطة في أحداثها ووقائعها ومواقف أصحابها مع واقع أمتي اليوم ومواقف أبنائها...
(ففي سنة ثلاث وستين وأربعمائة؛ أقبل ملك الروم "أرمانيوس" في جحافل أمثال الجبال من الروم والكرج والفرنج، وعدد عظيمه، وتجمل هائل، ومعه خمسة وثلاثون ألفاً من البطارقة، مع كل بطريق ما بين ألفي فارس إلى خمسمائة فارس، ومعه من الفرنج خمسة وثلاثون ألفاً، ومن الغُزّ الذين يكونون وراء القسطنطينية خمسة عشر ألفاً، ومعه مئة ألف نقاب وحفار، وألف روزجاري، ومعه أربع عجلة تحمل النعال والمسامير، وألفا عجلة تحمل السلاح والسروج والعرابات والمجانيق، منها منجنيق يمده ألف ومائتا رجل، ومن عزمه - قبحه الله - أن يجتث الإسلام وأهله، وقد اقطع بطارقته البلاد حتى بغداد).
أقول: ما أشبه الليلة بالبارحة، أليس هذا هو حال عُباد الصليب اليوم؟ عندما أتوا إلى العراق بكامل عددهم وعدتهم، ببارجاتهم وقاذفاتهم وطائراتهم ودباباتهم ومدرعاتهم، وبما يزيد على مئة وخمسين ألفاً من جنودهم، بمساندة أكثر من ثلاثين دولة من أمم الكفر والإلحاد، في أكبر حملة صليبية تشهدها البلاد، يرومون القضاء على الإسلام وأهله، تحت مسميات "القضاء على الإرهاب والقاعدة"، و "محاربة الأصولية المتشددة"، وغير ذلك مما عاد لا ينطلي إلا على من أعمى الله بصره وختم على قلبه.
(واستوصى نائبها بالخليفة خيراً، فقال له؛ "أرفق بذلك الشيخ فإنه صاحبنا"، ثم إذا استوثقت ممالك العراق وخراسان لهم مالوا على الشام وأهله ميلة واحدة فاستعادوه من أيدي المسلمين، واستنقذوه - فيما يزعمون - والقدر يقول: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ}).
قلت: ألم يكن هذا مخططهم عقب غزوهم لأرض الرافدين؟ أن يميلوا على الشام وأهله، بحجة إيوائها للبعثيين، وعدم منعها لتسلل المقاتلين، لولا أن الله تعالى ردّ كيدهم وأحبط مكرهم عبر ضربات المجاهدين الصادقين، وهم ما زالوا على تنفيذ مخططهم حريصين، وفي سبيل تحقيقه سائرين، للتمكين لدولة إسرائيل من الفرات إلى النيل، ومن يدري فالأيام حبالى وإن غداً لناظره لقريب.
(فالتقاه السلطان "ألب أرسلان" في جيشه وهم قريب من عشرين ألفاً، في يوم الأربعاء لخمس بقين من ذي القعدة، وخاف السلطان من كثرة جند ملك الروم، وكان الملك "ألب أرسلان" التركي سلطان العراق والعجم يومئذ، قد جمع وجوه مملكته، وقال؛ "قد علمتم ما نزل بالمسلمين فما رأيكم؟"، قالوا؛ "رأينا لرأيك تبع، وهذه الجموع لا قبل لأحد بها"، قال؛ "وأين المفر؟ لم يبق إلا الموت، فموتوا كراماً أحسن"، قالوا؛ "أمّا إذ سمحت بنفسك، فنفوسنا لك لفداء"، فعزموا على ملاقاتهم، وقال؛ "نلقاهم في أول بلادي"، فخرج في عشرين ألفاً من الأمجاد الشجعان المنتخبين، فلما ساروا مرحلة عرض على عسكره فوجدهم خمسة عشر ألفاً ورجعت خمسة، فلما سار مرحلة ثانية عرض عسكره فإذ هم اثنى عشر ألفاً، فلما واجههم عند الصباح رأى ما أذهل العقول وحير الألباب، وكان المسلمون كالشامة البيضاء في الثور الأسود، ولما التقى الجمعان، وتراءى الكفر والإيمان، واصطدم الجبلان، طلب السلطان الهدنة، قال "أرمانوس"؛ "لا هدنة إلا ببذل الري" - أي البلاد -).
قلت: ألم يكن هذا حال "أرمانوسهم" - بوش -؟ أول غزوه لأفغانستان والعراق، فكان لا يلوي على شيء، لا يقبل هدنة، ولا يرضى مصالحة، حتى إذا ما أذاقه الله وجنوده طعم الذل والهزيمة على أيدي عباده المجاهدين وأوليائه الصادقين راح ينادي بضرورة فتح باب التحاور وحل المسألة عن طريق التفاوض.
يتبع