عزام
02-26-2008, 10:59 AM
مقال طبعته لنا اخت كريمة
جعله الله في ميزان حسناتها يوم القيامة
عزام
سهل جدا أن ينجب الإنسان طفلاً أما أن يربيه فذاك أمرٌ آخر
أكيد. فالرجل والمرأة ينجبان طبيعياً هكذا (خارج المعوقات البيولوجية المرضية).. عن رغبة أو مصادفة أو قسراً.. أكانا يرغبان بطفلٍ أم لا، يأتي الطفل. وعندها تبدأ قصة التربية. وغالباً ما تكون أشبه بقصصٍ من الخيال أو بحقل اختبار... وأحياناً (أقلّ) تكون تربية، اسمٌ على مسمّى، عن وعي ومعرفة وتثقف مستمر وقلبٍ لا مكان للعنف فيه...
كذلك الأمر بالنسبة للمعلمين والمربين المدرسين والمسؤولين الدينيين رجالاً ونساءً الذين يتولون أدواراً تربوية مختلفة.. هؤلاء نرسل أولادنا إليهم ونضعهم في عهدتهم كي يتربوا. ولكن هل كل من هو معلم ومدير ومسؤول ديني هو مربٍّ وبالإنسانية!؟
إذن مَن يستخدم العنف في التربية يكون عنيفاً؟
من يستخدم العنف نقول عنه ببساطة أنه استخدم العنف. لسنا في معرض تقييم الناس أو الحكم عليهم. ومن الأفضل ألا نقع في التصنيفات... فربما كانت هذه من المرات القليلة التي لجأ فيها الشخص إلى العنف. وربما من عاداته اللجوء إلى العنف مع أنه يعتبره خطأ ويريد التخلص منه. وربما من عاداته اللجوء إلى العنف ويعتبره نافعاً "وبيربّي"... هناك فرق بين هؤلاء الأشخاص. والرد على كل منهم يختلف من شخصٍ إلى آخر ومن حادثةٍ إلى أخرى. مع أن أيّ عنفٍ يبقى عنفاً وكل عنفٍ مرفوض.
العنف يضرّ بالطفل. ولكن ماذا يفعل بصاحبه!؟
هو يضرّ بالدرجة الأولى بصاحبه، أي بمن يرتكب العنف.
حاولي أن تتذكري نفسك مثلاً في حالة عنف / في حادثة مارست فيها عنفاً على أحد: كيف يكون جسدك مشدوداً ومتوتراً وقاسياً وأحياناً مرتجفاً.. ومشاعرك عدائية ونارية.. ووجهك يتقلب بشاعةً من كثرة الغضب والانفعال ورفض الآخر الذي تعنفين.. ودقات قلبك تزداد وتتسارع كلما غرقت في العنف والانفعال وأحياناً الحقد.. وصوتك ونبراتك تهتز أو تشتد وتقسو وتسيل لعاباً مسموماً كغير لعاب المرح واللذة.. العنف "يقتل" صاحبه / مرتكبه قبل أي شخص آخر.. يبدله في لحظة.. يلغي علاقته بالآخر فتتحول إلى حلبة معركة بكل معنى الكلمة... فمن منا يحب أن يكون هكذا أو يطيق نفسه على هذه الصورة!!!
ولكن يقال بأن العنف ينفع وبعضه ضروري؟ وأن الأولاد ما أدراك بمشاغباتهم وعنادهم..
العنف "ينفع"! نعم. حين يُخيف الطفل ويجعله يطيع ويحفظ "ببغائياً".. نعتقد عندها بأنه يعلم ويربي. أليس هذا قصر نظر من قِبلنا؟؟
الطفل يحتاج إلى الكبير الذي منه يستمد الحياة. يحتاج إلى عدم فقدانه حبه له ورضاه عليه. فيُنقذ نفسه ويلبيه في اللحظة العنفية التي "يهجم" فيها عليه.. "يدبر حاله" في اللحظة تلك ويطيعه أو يرضخ له.. وفي تمنياته يتوعد "بالثأر" على طريقته.. أو يستمر في "الطاعة"ـ وفي تخيلاته "يقتله" ألف مرة (من دون أن يجرؤ على البوح بذلك وربما طيلة حياته).
وحين يكرر فعلته ونقول عنه "مشاغب أو عنيد أو ما بيفهم أو ما في غير الشدة بتعملو.."، من الأفضل أن نصغي إليه يقول لنا: "فتشوا أولاً عن السبب يا من تربونني، عن أسباب تصرفي وسلوكي وعما أعاني منه، وعندها فقط سيدلكم السبب على طريقة الحل والمعالجة. العنف ليس الحل.."
هناك طفل يرد بالعنف وطفل يخضع للعنف. كيف؟
المفارقة المؤلمة، أن أول عنفٍ يُمارس على الطفل هو عنف أهله ومن يربونه. من أضخم الأمور وأقساها على الإنسان أن يتلقى الأذى على يد من يؤمّن له الحب والأمان والحياة.. من يكون له المثال والقدوة...
ومع الوقت، يصبح للعنف عند الطفل قيمة إيجابية، كونه يأتي من مصدرٍ من المفترض أنه "محب" وأنه هو الذي يفهم وهو الكبير... وتصبح بالمقابل نظرة الطفل إلى نفسه وإلى قيمته كإنسان منقوصة، وأحياناً معدومة على قدر فنون العنف التي تعرّض لها.
التربية بالعنف تزرع فينا وتعلمنا أن: نعطي قيمة أكبر للعنف وللسلطة العنيفة // وبالمقابل نعطي قيمة أقل للذات = قلة أو عدم ثقة بالنفس.
وتسألون بعدها كيف ولماذا يسير الشباب اليوم وبالأمس مثل القطيع خلف "أصواتٍ عليا" وصولاً حتى قتل أنفسهم والآخرين!؟ وكلما اعتاد الإنسان منذ طفولته هذه المشاهد، بات العنف عنده "عاديا"! وصار في صلب مكونات شخصيته الأساسية. وهكذا يكبر خاضعاً أو عنيفاً، لا فرق.. فهما وجهان لعملةٍ واحدة. إنسان تعود الخضوع أو الرد بالعنف، أتدرون كم هو قادرٌ على التدمير والتنكيل بنا حين يكبر!؟
يعني لا مجال للتصحيح؟!
لحسن الحظ أن الحياة ليست جامدة.
من يتعرّض للعنف، تبقى إمكانية ألا يكرر العنف بنفسه ممكنة جداً. إذ ما من سلوكٍ بشريٍّ إلا ويمكن للتربية أن تبدل فيه وتغيره. والأمر يتوقف على الوجهة التي ستعتمدها التربية لإحقاق هذا التغيير. ونحن ندعو التربية كي تنحو باتجاه اللاعنف. وإذا كنا لا نعرف كيف، نسأل ونتثقف ونتدرب "عَ كبر"... وما من لحظةٍ يمكن القول معها أن الأوان قد فات. أبداً.
هل حين ننزع لتشكيل الطفل على هوانا يكون هذا من أشكال التربية العنيفة؟
ليس من الممكن أن نربي أحداً دون أن نضع فيه من أنفسنا بشكلٍ أو بآخر. من ذوقنا، من مفاهيمنا... ولكن كيف؟
وكي لا نكون خياليين أو طالبين للمستحيل، نقول أننا في الحياة أمام مجموعة خيارات ننزع باتجاه أحدها أكثر من غيره. نتوق ونطمح ونسعى لنتجه باتجاه أقل قولبة لشخصية الطفل. وعندما تكون التربية متجهة بهذا الاتجاهـ فإن العنف سيكون حتماً أقل.
وهل من تربية من دون عنفٍ ومن دون أخطاء؟
فلنتثقف، التربية لا يمكن أن تقوم على العنف. لأن في كل عنفٍ إلغاء. إلغاء لشيء ما، لشعور ما، لعلاقة ما، لجزء من محبة، لجزء من شخصية الطفل، لإبداعٍ كان سيتفتح من دون خوفٍ ورجفة وأخطاء... في كل عنفٍ إلغاء. إذا كسرنا قلماً ولو عن خطأ، نكون قد ألغينا منه جزءاً من وجوده ومن قيمته، حتى ولو "عاد وكتب"... فكيف إذا كان الأمر يتعلق بإنسان؟!
ولكن، الخطأ هو فعل بشريّ. وليس من الممكن أن نربي من دون أن نخطئ. هذا لا يعني أن "نأخذ راحتنا" أو أن نصدق مقولة "العنف الهادف"! في التربية أخطاء صغيرة، خاصة إذا وقعت نتيجة غضب أو تسرّع. وأخطاء أخرى تحصل لأننا لا نعرف كيف نعالج المشكلة، أو ليست لدينا أفكاراً عن الحلول اللاعنفية. وأخطاء تحصل "عن سابق تصوّر وتصميم"...
والتربية بحدّ ذاتها صعبة، لأن التعاطي مع كل ما هو حيّ يتطلب عناية قصوى. وما من تربية إلا وفيها "جروح" صغيرة أو كبيرة. المهم أن نتعلم من الخطأ. الطفل يتعلم والكبير يتعلم. فالفكر التربوي الإنساني يصرّ على أن يجرّب الطفل ويخطئ والأهم أن يتعلم من خطئه.. لا أن نخيفه منرعبه كلما ارتكب خطأ ما أو أن نعاقبه وأحياناً بقسوة أو أن نلفلف الخطأ ولا نعالجه فيبقى مكانه... التربية التي تقوم على "أوعا الغلط" ليست تربية.
يقال عادة أن الفشل التربوي يأتي من عدم امتثال الصغير للكبير.
الفشل يقع عندما لا تلبّي العائلة أو المدرسة أو المجتمع الطفل، وليس عندما لا يلبّي الطفل أوامر العائلة أو الدين أو المجتمع... التربية تفشل عندما يعجز الكبير عن فهم الصغير، وليس العكس. وإذا لم يفهمه تكون هذه غلطته.
في الأساس، ما الذي نعتبره عنفاً؟
الصورة الأوضح هي في أشكال العنف الجسدي، والتي يجب ألا تسمى أية حركة فيها إلا عنفاً مهما كانت صغيرة. فالعنف عنف.
تريدون "الليستة"! كلنا نعرفها عن ظهر قلب. ومن منا لم يذق ولو طعماً واحداً منها!!!
ثم العنف المعنوي. وهو شقان: نفسي تربوي وإجتماعي سياسي.
في الشق النفسي المعنوي، نختصر ونقول أن الطفل هو "مشروع وجود" لديه مقومات كبيرة ذهنية وعاطفية وسلوكية كامنة بداخله. وظيفة الكبير، أماً وأباً أو معلماً أو أياً كان، أن يفتح الطريق أمام الطفل لينمو ويكتشف مفسه وما يحب أن يكون في الحياة وكيف سيحقق ذاته... وكل ما يعيق ذلك هو عنف معنوي. وكل ما يذل الطفل في تعرفه بنفسه وبخياراته في الحياة، هو عنف معنوي. كل تمييز هو عنف معنوي...
الشق الإجتماعي السياسي قليلاً ما نلتفت إليه ونذكره من ضمن أشكال العنف التربوي. وهو يتعلق بالأفكار التي "ندخلها" في الطفل إلزاماً أو قسراً أو على غفلةٍ منه وهو بعد طفل، وتكون "سموماً" لفكره... مثلاً، كيف يصبح الطفل في لبنان متعصبا لطائفتهً؟ هل يولد هكذا؟ وكيف تصدق البنت أنها أقل من الصبي؟!
لكن العنف قائمٌ في طبيعة البشر. فلم الاستغراب؟!
العنف طبيعي في الإنسان! كلا. بل هو مكتسبٌ وليس حتمياً.
والأصحّ القول أن الإنسان بطبيعته قادرٌ على العنف وقادرٌ على اللاعنف. يمتلك إمكانية العنف واللاعنف معاً. وإذا دفعه المجتمع باتجاه العنف وربيناه هلى العنف وبالعنف، يصبح العنف وكأنه قاعدة الحياة، كأنه في طبيعتنا. نتآلف معه. والأصح أن نستغرب هذا التآلف. أليس كذلك؟!
جعله الله في ميزان حسناتها يوم القيامة
عزام
سهل جدا أن ينجب الإنسان طفلاً أما أن يربيه فذاك أمرٌ آخر
أكيد. فالرجل والمرأة ينجبان طبيعياً هكذا (خارج المعوقات البيولوجية المرضية).. عن رغبة أو مصادفة أو قسراً.. أكانا يرغبان بطفلٍ أم لا، يأتي الطفل. وعندها تبدأ قصة التربية. وغالباً ما تكون أشبه بقصصٍ من الخيال أو بحقل اختبار... وأحياناً (أقلّ) تكون تربية، اسمٌ على مسمّى، عن وعي ومعرفة وتثقف مستمر وقلبٍ لا مكان للعنف فيه...
كذلك الأمر بالنسبة للمعلمين والمربين المدرسين والمسؤولين الدينيين رجالاً ونساءً الذين يتولون أدواراً تربوية مختلفة.. هؤلاء نرسل أولادنا إليهم ونضعهم في عهدتهم كي يتربوا. ولكن هل كل من هو معلم ومدير ومسؤول ديني هو مربٍّ وبالإنسانية!؟
إذن مَن يستخدم العنف في التربية يكون عنيفاً؟
من يستخدم العنف نقول عنه ببساطة أنه استخدم العنف. لسنا في معرض تقييم الناس أو الحكم عليهم. ومن الأفضل ألا نقع في التصنيفات... فربما كانت هذه من المرات القليلة التي لجأ فيها الشخص إلى العنف. وربما من عاداته اللجوء إلى العنف مع أنه يعتبره خطأ ويريد التخلص منه. وربما من عاداته اللجوء إلى العنف ويعتبره نافعاً "وبيربّي"... هناك فرق بين هؤلاء الأشخاص. والرد على كل منهم يختلف من شخصٍ إلى آخر ومن حادثةٍ إلى أخرى. مع أن أيّ عنفٍ يبقى عنفاً وكل عنفٍ مرفوض.
العنف يضرّ بالطفل. ولكن ماذا يفعل بصاحبه!؟
هو يضرّ بالدرجة الأولى بصاحبه، أي بمن يرتكب العنف.
حاولي أن تتذكري نفسك مثلاً في حالة عنف / في حادثة مارست فيها عنفاً على أحد: كيف يكون جسدك مشدوداً ومتوتراً وقاسياً وأحياناً مرتجفاً.. ومشاعرك عدائية ونارية.. ووجهك يتقلب بشاعةً من كثرة الغضب والانفعال ورفض الآخر الذي تعنفين.. ودقات قلبك تزداد وتتسارع كلما غرقت في العنف والانفعال وأحياناً الحقد.. وصوتك ونبراتك تهتز أو تشتد وتقسو وتسيل لعاباً مسموماً كغير لعاب المرح واللذة.. العنف "يقتل" صاحبه / مرتكبه قبل أي شخص آخر.. يبدله في لحظة.. يلغي علاقته بالآخر فتتحول إلى حلبة معركة بكل معنى الكلمة... فمن منا يحب أن يكون هكذا أو يطيق نفسه على هذه الصورة!!!
ولكن يقال بأن العنف ينفع وبعضه ضروري؟ وأن الأولاد ما أدراك بمشاغباتهم وعنادهم..
العنف "ينفع"! نعم. حين يُخيف الطفل ويجعله يطيع ويحفظ "ببغائياً".. نعتقد عندها بأنه يعلم ويربي. أليس هذا قصر نظر من قِبلنا؟؟
الطفل يحتاج إلى الكبير الذي منه يستمد الحياة. يحتاج إلى عدم فقدانه حبه له ورضاه عليه. فيُنقذ نفسه ويلبيه في اللحظة العنفية التي "يهجم" فيها عليه.. "يدبر حاله" في اللحظة تلك ويطيعه أو يرضخ له.. وفي تمنياته يتوعد "بالثأر" على طريقته.. أو يستمر في "الطاعة"ـ وفي تخيلاته "يقتله" ألف مرة (من دون أن يجرؤ على البوح بذلك وربما طيلة حياته).
وحين يكرر فعلته ونقول عنه "مشاغب أو عنيد أو ما بيفهم أو ما في غير الشدة بتعملو.."، من الأفضل أن نصغي إليه يقول لنا: "فتشوا أولاً عن السبب يا من تربونني، عن أسباب تصرفي وسلوكي وعما أعاني منه، وعندها فقط سيدلكم السبب على طريقة الحل والمعالجة. العنف ليس الحل.."
هناك طفل يرد بالعنف وطفل يخضع للعنف. كيف؟
المفارقة المؤلمة، أن أول عنفٍ يُمارس على الطفل هو عنف أهله ومن يربونه. من أضخم الأمور وأقساها على الإنسان أن يتلقى الأذى على يد من يؤمّن له الحب والأمان والحياة.. من يكون له المثال والقدوة...
ومع الوقت، يصبح للعنف عند الطفل قيمة إيجابية، كونه يأتي من مصدرٍ من المفترض أنه "محب" وأنه هو الذي يفهم وهو الكبير... وتصبح بالمقابل نظرة الطفل إلى نفسه وإلى قيمته كإنسان منقوصة، وأحياناً معدومة على قدر فنون العنف التي تعرّض لها.
التربية بالعنف تزرع فينا وتعلمنا أن: نعطي قيمة أكبر للعنف وللسلطة العنيفة // وبالمقابل نعطي قيمة أقل للذات = قلة أو عدم ثقة بالنفس.
وتسألون بعدها كيف ولماذا يسير الشباب اليوم وبالأمس مثل القطيع خلف "أصواتٍ عليا" وصولاً حتى قتل أنفسهم والآخرين!؟ وكلما اعتاد الإنسان منذ طفولته هذه المشاهد، بات العنف عنده "عاديا"! وصار في صلب مكونات شخصيته الأساسية. وهكذا يكبر خاضعاً أو عنيفاً، لا فرق.. فهما وجهان لعملةٍ واحدة. إنسان تعود الخضوع أو الرد بالعنف، أتدرون كم هو قادرٌ على التدمير والتنكيل بنا حين يكبر!؟
يعني لا مجال للتصحيح؟!
لحسن الحظ أن الحياة ليست جامدة.
من يتعرّض للعنف، تبقى إمكانية ألا يكرر العنف بنفسه ممكنة جداً. إذ ما من سلوكٍ بشريٍّ إلا ويمكن للتربية أن تبدل فيه وتغيره. والأمر يتوقف على الوجهة التي ستعتمدها التربية لإحقاق هذا التغيير. ونحن ندعو التربية كي تنحو باتجاه اللاعنف. وإذا كنا لا نعرف كيف، نسأل ونتثقف ونتدرب "عَ كبر"... وما من لحظةٍ يمكن القول معها أن الأوان قد فات. أبداً.
هل حين ننزع لتشكيل الطفل على هوانا يكون هذا من أشكال التربية العنيفة؟
ليس من الممكن أن نربي أحداً دون أن نضع فيه من أنفسنا بشكلٍ أو بآخر. من ذوقنا، من مفاهيمنا... ولكن كيف؟
وكي لا نكون خياليين أو طالبين للمستحيل، نقول أننا في الحياة أمام مجموعة خيارات ننزع باتجاه أحدها أكثر من غيره. نتوق ونطمح ونسعى لنتجه باتجاه أقل قولبة لشخصية الطفل. وعندما تكون التربية متجهة بهذا الاتجاهـ فإن العنف سيكون حتماً أقل.
وهل من تربية من دون عنفٍ ومن دون أخطاء؟
فلنتثقف، التربية لا يمكن أن تقوم على العنف. لأن في كل عنفٍ إلغاء. إلغاء لشيء ما، لشعور ما، لعلاقة ما، لجزء من محبة، لجزء من شخصية الطفل، لإبداعٍ كان سيتفتح من دون خوفٍ ورجفة وأخطاء... في كل عنفٍ إلغاء. إذا كسرنا قلماً ولو عن خطأ، نكون قد ألغينا منه جزءاً من وجوده ومن قيمته، حتى ولو "عاد وكتب"... فكيف إذا كان الأمر يتعلق بإنسان؟!
ولكن، الخطأ هو فعل بشريّ. وليس من الممكن أن نربي من دون أن نخطئ. هذا لا يعني أن "نأخذ راحتنا" أو أن نصدق مقولة "العنف الهادف"! في التربية أخطاء صغيرة، خاصة إذا وقعت نتيجة غضب أو تسرّع. وأخطاء أخرى تحصل لأننا لا نعرف كيف نعالج المشكلة، أو ليست لدينا أفكاراً عن الحلول اللاعنفية. وأخطاء تحصل "عن سابق تصوّر وتصميم"...
والتربية بحدّ ذاتها صعبة، لأن التعاطي مع كل ما هو حيّ يتطلب عناية قصوى. وما من تربية إلا وفيها "جروح" صغيرة أو كبيرة. المهم أن نتعلم من الخطأ. الطفل يتعلم والكبير يتعلم. فالفكر التربوي الإنساني يصرّ على أن يجرّب الطفل ويخطئ والأهم أن يتعلم من خطئه.. لا أن نخيفه منرعبه كلما ارتكب خطأ ما أو أن نعاقبه وأحياناً بقسوة أو أن نلفلف الخطأ ولا نعالجه فيبقى مكانه... التربية التي تقوم على "أوعا الغلط" ليست تربية.
يقال عادة أن الفشل التربوي يأتي من عدم امتثال الصغير للكبير.
الفشل يقع عندما لا تلبّي العائلة أو المدرسة أو المجتمع الطفل، وليس عندما لا يلبّي الطفل أوامر العائلة أو الدين أو المجتمع... التربية تفشل عندما يعجز الكبير عن فهم الصغير، وليس العكس. وإذا لم يفهمه تكون هذه غلطته.
في الأساس، ما الذي نعتبره عنفاً؟
الصورة الأوضح هي في أشكال العنف الجسدي، والتي يجب ألا تسمى أية حركة فيها إلا عنفاً مهما كانت صغيرة. فالعنف عنف.
تريدون "الليستة"! كلنا نعرفها عن ظهر قلب. ومن منا لم يذق ولو طعماً واحداً منها!!!
ثم العنف المعنوي. وهو شقان: نفسي تربوي وإجتماعي سياسي.
في الشق النفسي المعنوي، نختصر ونقول أن الطفل هو "مشروع وجود" لديه مقومات كبيرة ذهنية وعاطفية وسلوكية كامنة بداخله. وظيفة الكبير، أماً وأباً أو معلماً أو أياً كان، أن يفتح الطريق أمام الطفل لينمو ويكتشف مفسه وما يحب أن يكون في الحياة وكيف سيحقق ذاته... وكل ما يعيق ذلك هو عنف معنوي. وكل ما يذل الطفل في تعرفه بنفسه وبخياراته في الحياة، هو عنف معنوي. كل تمييز هو عنف معنوي...
الشق الإجتماعي السياسي قليلاً ما نلتفت إليه ونذكره من ضمن أشكال العنف التربوي. وهو يتعلق بالأفكار التي "ندخلها" في الطفل إلزاماً أو قسراً أو على غفلةٍ منه وهو بعد طفل، وتكون "سموماً" لفكره... مثلاً، كيف يصبح الطفل في لبنان متعصبا لطائفتهً؟ هل يولد هكذا؟ وكيف تصدق البنت أنها أقل من الصبي؟!
لكن العنف قائمٌ في طبيعة البشر. فلم الاستغراب؟!
العنف طبيعي في الإنسان! كلا. بل هو مكتسبٌ وليس حتمياً.
والأصحّ القول أن الإنسان بطبيعته قادرٌ على العنف وقادرٌ على اللاعنف. يمتلك إمكانية العنف واللاعنف معاً. وإذا دفعه المجتمع باتجاه العنف وربيناه هلى العنف وبالعنف، يصبح العنف وكأنه قاعدة الحياة، كأنه في طبيعتنا. نتآلف معه. والأصح أن نستغرب هذا التآلف. أليس كذلك؟!