أبو مُحمد
01-30-2008, 12:46 PM
لكاتبه: أبو حازم الكاتب
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
كثيراً ما نجد في بعض المؤلفات والكتابات لا سيما عند المعاصرين استدراكات وتنبيهات وإيراد إشكالات وتناقضات عند أهل العلم المتقدمين فنجد من يقول : ( أخطأ ابن تيمية في كذا ) أو ( تناقض ابن القيم في هذه المسألة ) أو ( هذا مما وهم فيه ابن عبد البر ) أو ( غلط الحافظ ابن حجر ) أو ( هذا الكلام من النووي فيه إشكال ) ونحو ذلك من العبارات .
ثم إذا رجعت إلى نصوص هؤلاء العلماء المحققين لم تجد فيها إشكالاً ولا تناقضاً ولا خطأً ولا غلطاً ولا وهماً ولا ما يوجب الاستدراك وإنما وقع كل ذلك في ذهن المتكلم فظنه كذلك في واقع الحال نظير ما يحدث عند من يعترض على نصوص الكتاب والسنة ويورد عليها الاعتراضات والإشكالات التي تقع في ذهن المرء لا في واقع الأمر وإن كان الوحي لا يرد عليه الخطأ قطعاً لكن وجه الشبه هنا هو في وقوع الخطأ في الفهم لنصوص الوحي ونصوص العلماء .
أما ما يتعلق بنصوص الكتاب والسنة فقد تكلم العلماء في هذا كثيراً وهو مبثوث في كتب التفسير وشروح الأحاديث والمصنفات الخاصة في ذلك كالمؤلفات في مشكل القرآن ومشكل الحديث والجمع بين ما ظاهره التعارض وكتب الناسخ والمنسوخ وغير ذلك .
وأما ما يتعلق بنصوص العلماء فهناك كتب تهتم بمثل ذلك لا سيما كتب العلماء عن الأئمة الأربعة وذلك لكثرة أتباعهم ومع هذا يبقى من يستدرك كما سبق على الأئمة الأربعة وغيرهم بسبب سوء الفهم ولذلك أحببت أن أشير إشارة سريعة إلى ما يعين في هذا الباب ويحمي طالب العلم من الزلل والعجلة في هذا الباب فأقول :
أولاً : يجب على القاريء لكتب أهل العلم أن يكون على مستوى من التحصيل العلمي فيما يريد قراءته من الكتب المتخصصة في علوم الشريعة وذلك بالتتلمذ على أهل العلم ليكون ملماً بمسائل هذا الفن فيدرس متناً معينا أو كتاباً في ذلك الفن ليستوعب أصول مسائله وأبوابه ومباحثه فتكون عنده القدرة بعد ذلك على قراءة الكتب المتخصصة في هذا الفن وهذا لا يتحقق غالباً إلا بالتتلمذ على الشيوخ ؛ لأنه كما قيل : ( كان العلم في صدور الرجال ثم انتقل إلى الكتب ومفاتحه بأيدي الرجال ) والكتب وحدها لا تفيد الطالب منها شيئا دون فتح العلماء وهو مشاهد معتاد ، ولذلك نجد الخطأ يكثر عند من تتلمذ على الكتب دون العلماء أكثر من غيرهم فيحصل عندهم من الشذوذ في الفهم والشذوذ في الفتيا ما لا يحصل عند من تتلمذ على العلماء .
ثانياً : أن يكون عارفاً باصطلاحات ذلك الفن العامة أو الخاصة بمذهب معين يريد قراءة كتاب عالم تابع لذلك المذهب ليدرك المراد بها في كتب أهل العلم مما يريد قراءته فيعرف مثلاً ما المراد بالحديث الصحيح والحسن والضعيف والشاذ والمرسل والمعلق ونحو ذلك من الاصطلاحات إذا كان يقرأ في كتب الحديث وعلومه ، ويكون عارفاً بمعنى واجب ومستحب ومحرم ومكروه ومباح والوجه والصحيح والأصح والظاهر والتخريج والقول والمذهب والمعتمد ونحو ذلك إذا كان يريد قراءة كتاب في الفقه وقل مثلك ذلك في أصول الفقه والعقيدة والتفسير والنحو .
هذان الأمران عامان في قراءة كتب العلماء بدون تحديد ويبقى بعد ذلك النظر في ذلك العالم المعين الذي يريد قراءة كتاب له أو مواضع من كتابه أو مسألة له فينبغي له ما يلي :
1 - أن يكون عالماً بأصول ذلك الإمام التي يعتمد عليها ويرجع إليها في العقيدة وفي الفقه ليدرك كيف فرع تلك المسألة على هذا الأصل فيفهم المسألة فهماً صحيحاً فمثلاً يعرف عقيدة المؤلف هل هو سني أو أشعري أو غير ذلك ؟ وما هو مذهبه الفقهي ؟ وما هي آراؤه الأصولية ؟ وهل هو مقلد في المذهب في أصوله وفروعه أو له آراء واجتهادات فكل هذا يعطي تصوراً لقول ذلك المؤلف في تلك المسألة ويزيل ما قد يظنه مشكلاً .
2 - أن يعرف اصطلاحات المؤلف الخاصة إذ ربما يكون له اصطلاح خاص في الحديث أو الفقه أو الأصول يخالف فيه المشهور وأكثر ما يقع الغلط في فهم كلام العلماء إنما يكون بهذا السبب وهو أن يبني القاريء ما قرأه من كلام العالم على ما يفهمه هو من اصطلاح وهذا كما يقع في كلام أهل العلم يقع في نصوص الكتاب والسنة فينزل بعضهم اصطلاحات المتأخرين على نصوص الكتاب والسنة فيقع الخطأ في فهم النص فكذا في كلام العلماء فينبغي أن يعرف المرء اصطلاحات ذلك العالم في ذلك الفن مثلا ماذا يريد بقوله في الراوي مجهول وماذا يريد بقوله لا أعرفه أو شيخ أو حديث حسن أو مرسل أو شاذ أو الواجب او المكروه أو الإجماع أو غير ذلك في مختلف الفنون .
3 - جمع آراء العالم في تلك المسألة من مجموعة من مؤلفاته فلا يكتفي بأخذ نص في كتاب ربما يكون مجملاً قد فصله في مواضع من كتبه فإن العالم ربما يكتفي بما ذكره في بعض كتبه فيحيل عليها فيجمل في موضع ويفصل في موضع آخر وربما يكون كلامه منصباً على الرد على جزئية فقط في هذا الموضع فيكون كلامه لا على سبيل التقعيد ، والمقصود أنه يقع في كلام العلماء من التقييد والاطلاق والتخصيص والتعميم والبيان والإجمال مثل ما يقع في النصوص الشرعية لا سيما المكثرين من التأليف كابن تيمية وابن القيم وغيرهما ، وبجمع كلام العالم في المسألة يستطيع القاريء أن يتصور رأي هذا العالم في المسألة فلا يقع في الخطأ .
4 - أن ينظر في زمن تأليف الكتاب هل هو متقدم أو متأخر فربما يختار العالم رأياً ثم يرجع عنه في آخر عمره وهذا كثير ؛ لأن العلماء يتغير اجتهادهم في بعض المسائل وعليه فالمعتمد هو القول المتأخر فعلى سبيل المثال الغزالي له كتاب المنخول والمستصفى وهناك مسائل يختلف فيها رأيه في الكتابين لكن المنخول متقدم والمستصفى متأخر ألفه في آخر حياته وعليه فهو المعتمد في آرائه الأصولية .
5 - أن يعرف طالب العلم شيوخ وتلاميذ هذا المؤلف أو العالم أما الشيوخ فيستفيد منهم في معرفة تأثيرهم على هذا العالم وتوافقهم في الآراء فيكون المؤلف مثلاً أجمل في ذكر المسألة وقد وافق شيخه وشيخه قد فصل فيها بما يرفع الإشكال فنحن نستعين أحياناً لفهم كلام ابن القيم بكلام شيخه ابن تيمية وكذا العكس نستعين بفهم كلام ابن تيمية مما ورد مجملاً او بصيغة صعبة الفهم بكلام تلميذه ابن القيم فالشيوخ والتلاميذ مفاتيح لفهم كلام العالم الذي يظنه القاريء مشكلاً او خطأ أو لم يستوعب فهمه .
6 - معرفة البيئة التي عاش فيها المؤلف العقدية والفقهية والسياسية والاجتماعية إذ للبيئة تأثير في آراء العالم سواء في باب العقيدة أو باب الفقه ونحن نعلم اختلاف آراء الإمام الشافعي بسبب اختلاف الموطن بين العراق ومصر وربما تكون أصوله لم تتغير وإنما اختلف التفريع أو تحقيق المناط في تلك المسائل كتنزيل العرف أو المصلحة على الحكم وربما يكون الأصل تغير كذلك والمقصود أن لا نأخذ المسألة مجردة عن قرائنها المكانية والحالية التي كانت سبباً لظهور هذا القول أو الرأي ولربما كان رأيه مخالفاً لتلك البيئة لكنه لا يجرؤ على التصريح به لخوف سلطان أو مذهب أو طائفة وهذا يعرف بالقرائن ومن كلام خاصته ومن بعض اختياراته وغير ذلك من القرائن .
7 - عدم الاعتماد الكلي على ما ينقله العلماء من آراء ذلك العالم لا سيما إذا كانت كتبه موجودة ؛ لأننا نرى كثيراً من الأخطاء في النقل إما لسوء الفهم أو لعداوة أو لغير ذلك فقد ينقل بعض المحدثين مثلاً تضعيف ابن معين لراو معين بناء على فهمه لذلك الاصطلاح الذي نطق به ابن معين ويجد القاريء روايات أخرى يوثق فيها ابن معين الراوي فيظن ذلك تناقضاً وتعارضاً بينما يكون فهم الناقل خاطئاً ، ويكون مراد ابن معين بهذا الاصطلاح أمراً آخر يخالف المشهور مما يظنه ذلك الناقل ولربما تابعه النقلة على هذا الخطأ وإذا رجع عند ذلك لنصوص ابن معين التي يوثق فيها ذلك الراوي في غير تلك الرواية لم يحصل عنده ذلك الإشكال وقل مثل ذلك في مسائل الفقه والأصول وغيرهما .
8 - كثرة القراءة في كتب ذلك العالم حتى يقع القاريء على مفتاح ذلك العالم فإن لكل عالم مفتاحاً إن علمه طالب العلم ارتاح كثيراً في فهم نصوص ذلك العالم وهذا إنما يكون بكثرة مطالعة كتب ذلك العالم حتى يعرف نفَسَه وأسلوبه في التأليف حتى إنه يستطيع أن يقول لنص معين هذا من كلام العالم الفلاني وإن لم يره قبل ذلك وربما يقول : ربما يكون رأيه في هذا المسألة كذا بناء على ما علمه من أصوله ومسلكه أو يقول : هذا الرأي غريب لا يتوافق مع منهجه وأسلوبه واختياراته وهذا مثل قول الأئمة النقاد عن بعض الأحاديث هذا يشبه حديث فلان وهذا إنما حصل بالخبرة وكثرة المذاكرة والمدارسة وسبر مرويات ذلك الراوي ولذا نجد ابن تيمية كثيراً ما يقول وهذا القول أشبه بأصول أحمد ، ومنه حصل التخريج على أقوال الأئمة في الفقه وهو قياس كالقياس الشرعي وكله نظر في المعاني التي تؤخذ من نصوص الشريعة ونصوص العلماء مع كثرة المدارسة والقراءة ، ومما يتعلق بهذا أن يستعين المرء بمن هذا وصفه فحينما يجد إشكالاً في كتاب لابن عبد البر يسأل من أدمن قراءة كتب هذا العالم ممن عنده قوة فهم وعندما يجد إشكالاً في كلام ابن حجر كذلك ، وعندها سيجد أن ما ظنه إشكالاً ليش مشكلاً حقيقة وما ظنه تناقضاً ليس متناقضاً حقيقة ؛ لأنه أمام نسخة من شخصية ذلك المؤلف وهو هذا العالم المدمن على قراءة كتبه .
ومما يضاف إلى ما سبق أيضاً :
9 - التأكد من صحة نسبة القول للعالم سواء عن طريق السند إن كان ممن ينقل عنه بالإسناد ، أو إثبات نسبة الكتاب إلى مصنفه عن طريق القواعد التي ذكرها أهل العلم في توثيق نسبة الكتب لمصنفيها ، وهي معروفة مشهورة ، وقد وجد أن نُسِب لكثيرٍ من أهل العلم أقوالاً يرد عليها الإشكال ؛ بل نسب إليهم كتب بأكملها لكنها لا تثبت إسناداً عند البحث والنظر .
10 - التحقق من عدم وجود تصحيف أو تحريف أو سقط في النص أو زيادات من النساخ ونحوهم على كتب العالم وذلك بالنظر إلى عدة نسخ للكتاب والمقارنة بينها ، والنظر في كتب الناقلين لأقواله ونصوصه لا سيما كتب تلاميذه والقريبين من عصره ومقارنة ذلك بالنص المشكل .
ولذلك أنصح نفسي وإخواني بعدم الاستعجال في الحكم على مثل هذا النوع من النصوص بالخطأ او الاستدراك أو الحكم بالتناقض حتى يتبين له ذلك بيانا واضحاً لا يدع مجالاً للشك يشاركه فيه أهل العلم المتخصصون في ذلك الفن المطلعون على كتب ذلك العالم .
والله أعلم
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
كثيراً ما نجد في بعض المؤلفات والكتابات لا سيما عند المعاصرين استدراكات وتنبيهات وإيراد إشكالات وتناقضات عند أهل العلم المتقدمين فنجد من يقول : ( أخطأ ابن تيمية في كذا ) أو ( تناقض ابن القيم في هذه المسألة ) أو ( هذا مما وهم فيه ابن عبد البر ) أو ( غلط الحافظ ابن حجر ) أو ( هذا الكلام من النووي فيه إشكال ) ونحو ذلك من العبارات .
ثم إذا رجعت إلى نصوص هؤلاء العلماء المحققين لم تجد فيها إشكالاً ولا تناقضاً ولا خطأً ولا غلطاً ولا وهماً ولا ما يوجب الاستدراك وإنما وقع كل ذلك في ذهن المتكلم فظنه كذلك في واقع الحال نظير ما يحدث عند من يعترض على نصوص الكتاب والسنة ويورد عليها الاعتراضات والإشكالات التي تقع في ذهن المرء لا في واقع الأمر وإن كان الوحي لا يرد عليه الخطأ قطعاً لكن وجه الشبه هنا هو في وقوع الخطأ في الفهم لنصوص الوحي ونصوص العلماء .
أما ما يتعلق بنصوص الكتاب والسنة فقد تكلم العلماء في هذا كثيراً وهو مبثوث في كتب التفسير وشروح الأحاديث والمصنفات الخاصة في ذلك كالمؤلفات في مشكل القرآن ومشكل الحديث والجمع بين ما ظاهره التعارض وكتب الناسخ والمنسوخ وغير ذلك .
وأما ما يتعلق بنصوص العلماء فهناك كتب تهتم بمثل ذلك لا سيما كتب العلماء عن الأئمة الأربعة وذلك لكثرة أتباعهم ومع هذا يبقى من يستدرك كما سبق على الأئمة الأربعة وغيرهم بسبب سوء الفهم ولذلك أحببت أن أشير إشارة سريعة إلى ما يعين في هذا الباب ويحمي طالب العلم من الزلل والعجلة في هذا الباب فأقول :
أولاً : يجب على القاريء لكتب أهل العلم أن يكون على مستوى من التحصيل العلمي فيما يريد قراءته من الكتب المتخصصة في علوم الشريعة وذلك بالتتلمذ على أهل العلم ليكون ملماً بمسائل هذا الفن فيدرس متناً معينا أو كتاباً في ذلك الفن ليستوعب أصول مسائله وأبوابه ومباحثه فتكون عنده القدرة بعد ذلك على قراءة الكتب المتخصصة في هذا الفن وهذا لا يتحقق غالباً إلا بالتتلمذ على الشيوخ ؛ لأنه كما قيل : ( كان العلم في صدور الرجال ثم انتقل إلى الكتب ومفاتحه بأيدي الرجال ) والكتب وحدها لا تفيد الطالب منها شيئا دون فتح العلماء وهو مشاهد معتاد ، ولذلك نجد الخطأ يكثر عند من تتلمذ على الكتب دون العلماء أكثر من غيرهم فيحصل عندهم من الشذوذ في الفهم والشذوذ في الفتيا ما لا يحصل عند من تتلمذ على العلماء .
ثانياً : أن يكون عارفاً باصطلاحات ذلك الفن العامة أو الخاصة بمذهب معين يريد قراءة كتاب عالم تابع لذلك المذهب ليدرك المراد بها في كتب أهل العلم مما يريد قراءته فيعرف مثلاً ما المراد بالحديث الصحيح والحسن والضعيف والشاذ والمرسل والمعلق ونحو ذلك من الاصطلاحات إذا كان يقرأ في كتب الحديث وعلومه ، ويكون عارفاً بمعنى واجب ومستحب ومحرم ومكروه ومباح والوجه والصحيح والأصح والظاهر والتخريج والقول والمذهب والمعتمد ونحو ذلك إذا كان يريد قراءة كتاب في الفقه وقل مثلك ذلك في أصول الفقه والعقيدة والتفسير والنحو .
هذان الأمران عامان في قراءة كتب العلماء بدون تحديد ويبقى بعد ذلك النظر في ذلك العالم المعين الذي يريد قراءة كتاب له أو مواضع من كتابه أو مسألة له فينبغي له ما يلي :
1 - أن يكون عالماً بأصول ذلك الإمام التي يعتمد عليها ويرجع إليها في العقيدة وفي الفقه ليدرك كيف فرع تلك المسألة على هذا الأصل فيفهم المسألة فهماً صحيحاً فمثلاً يعرف عقيدة المؤلف هل هو سني أو أشعري أو غير ذلك ؟ وما هو مذهبه الفقهي ؟ وما هي آراؤه الأصولية ؟ وهل هو مقلد في المذهب في أصوله وفروعه أو له آراء واجتهادات فكل هذا يعطي تصوراً لقول ذلك المؤلف في تلك المسألة ويزيل ما قد يظنه مشكلاً .
2 - أن يعرف اصطلاحات المؤلف الخاصة إذ ربما يكون له اصطلاح خاص في الحديث أو الفقه أو الأصول يخالف فيه المشهور وأكثر ما يقع الغلط في فهم كلام العلماء إنما يكون بهذا السبب وهو أن يبني القاريء ما قرأه من كلام العالم على ما يفهمه هو من اصطلاح وهذا كما يقع في كلام أهل العلم يقع في نصوص الكتاب والسنة فينزل بعضهم اصطلاحات المتأخرين على نصوص الكتاب والسنة فيقع الخطأ في فهم النص فكذا في كلام العلماء فينبغي أن يعرف المرء اصطلاحات ذلك العالم في ذلك الفن مثلا ماذا يريد بقوله في الراوي مجهول وماذا يريد بقوله لا أعرفه أو شيخ أو حديث حسن أو مرسل أو شاذ أو الواجب او المكروه أو الإجماع أو غير ذلك في مختلف الفنون .
3 - جمع آراء العالم في تلك المسألة من مجموعة من مؤلفاته فلا يكتفي بأخذ نص في كتاب ربما يكون مجملاً قد فصله في مواضع من كتبه فإن العالم ربما يكتفي بما ذكره في بعض كتبه فيحيل عليها فيجمل في موضع ويفصل في موضع آخر وربما يكون كلامه منصباً على الرد على جزئية فقط في هذا الموضع فيكون كلامه لا على سبيل التقعيد ، والمقصود أنه يقع في كلام العلماء من التقييد والاطلاق والتخصيص والتعميم والبيان والإجمال مثل ما يقع في النصوص الشرعية لا سيما المكثرين من التأليف كابن تيمية وابن القيم وغيرهما ، وبجمع كلام العالم في المسألة يستطيع القاريء أن يتصور رأي هذا العالم في المسألة فلا يقع في الخطأ .
4 - أن ينظر في زمن تأليف الكتاب هل هو متقدم أو متأخر فربما يختار العالم رأياً ثم يرجع عنه في آخر عمره وهذا كثير ؛ لأن العلماء يتغير اجتهادهم في بعض المسائل وعليه فالمعتمد هو القول المتأخر فعلى سبيل المثال الغزالي له كتاب المنخول والمستصفى وهناك مسائل يختلف فيها رأيه في الكتابين لكن المنخول متقدم والمستصفى متأخر ألفه في آخر حياته وعليه فهو المعتمد في آرائه الأصولية .
5 - أن يعرف طالب العلم شيوخ وتلاميذ هذا المؤلف أو العالم أما الشيوخ فيستفيد منهم في معرفة تأثيرهم على هذا العالم وتوافقهم في الآراء فيكون المؤلف مثلاً أجمل في ذكر المسألة وقد وافق شيخه وشيخه قد فصل فيها بما يرفع الإشكال فنحن نستعين أحياناً لفهم كلام ابن القيم بكلام شيخه ابن تيمية وكذا العكس نستعين بفهم كلام ابن تيمية مما ورد مجملاً او بصيغة صعبة الفهم بكلام تلميذه ابن القيم فالشيوخ والتلاميذ مفاتيح لفهم كلام العالم الذي يظنه القاريء مشكلاً او خطأ أو لم يستوعب فهمه .
6 - معرفة البيئة التي عاش فيها المؤلف العقدية والفقهية والسياسية والاجتماعية إذ للبيئة تأثير في آراء العالم سواء في باب العقيدة أو باب الفقه ونحن نعلم اختلاف آراء الإمام الشافعي بسبب اختلاف الموطن بين العراق ومصر وربما تكون أصوله لم تتغير وإنما اختلف التفريع أو تحقيق المناط في تلك المسائل كتنزيل العرف أو المصلحة على الحكم وربما يكون الأصل تغير كذلك والمقصود أن لا نأخذ المسألة مجردة عن قرائنها المكانية والحالية التي كانت سبباً لظهور هذا القول أو الرأي ولربما كان رأيه مخالفاً لتلك البيئة لكنه لا يجرؤ على التصريح به لخوف سلطان أو مذهب أو طائفة وهذا يعرف بالقرائن ومن كلام خاصته ومن بعض اختياراته وغير ذلك من القرائن .
7 - عدم الاعتماد الكلي على ما ينقله العلماء من آراء ذلك العالم لا سيما إذا كانت كتبه موجودة ؛ لأننا نرى كثيراً من الأخطاء في النقل إما لسوء الفهم أو لعداوة أو لغير ذلك فقد ينقل بعض المحدثين مثلاً تضعيف ابن معين لراو معين بناء على فهمه لذلك الاصطلاح الذي نطق به ابن معين ويجد القاريء روايات أخرى يوثق فيها ابن معين الراوي فيظن ذلك تناقضاً وتعارضاً بينما يكون فهم الناقل خاطئاً ، ويكون مراد ابن معين بهذا الاصطلاح أمراً آخر يخالف المشهور مما يظنه ذلك الناقل ولربما تابعه النقلة على هذا الخطأ وإذا رجع عند ذلك لنصوص ابن معين التي يوثق فيها ذلك الراوي في غير تلك الرواية لم يحصل عنده ذلك الإشكال وقل مثل ذلك في مسائل الفقه والأصول وغيرهما .
8 - كثرة القراءة في كتب ذلك العالم حتى يقع القاريء على مفتاح ذلك العالم فإن لكل عالم مفتاحاً إن علمه طالب العلم ارتاح كثيراً في فهم نصوص ذلك العالم وهذا إنما يكون بكثرة مطالعة كتب ذلك العالم حتى يعرف نفَسَه وأسلوبه في التأليف حتى إنه يستطيع أن يقول لنص معين هذا من كلام العالم الفلاني وإن لم يره قبل ذلك وربما يقول : ربما يكون رأيه في هذا المسألة كذا بناء على ما علمه من أصوله ومسلكه أو يقول : هذا الرأي غريب لا يتوافق مع منهجه وأسلوبه واختياراته وهذا مثل قول الأئمة النقاد عن بعض الأحاديث هذا يشبه حديث فلان وهذا إنما حصل بالخبرة وكثرة المذاكرة والمدارسة وسبر مرويات ذلك الراوي ولذا نجد ابن تيمية كثيراً ما يقول وهذا القول أشبه بأصول أحمد ، ومنه حصل التخريج على أقوال الأئمة في الفقه وهو قياس كالقياس الشرعي وكله نظر في المعاني التي تؤخذ من نصوص الشريعة ونصوص العلماء مع كثرة المدارسة والقراءة ، ومما يتعلق بهذا أن يستعين المرء بمن هذا وصفه فحينما يجد إشكالاً في كتاب لابن عبد البر يسأل من أدمن قراءة كتب هذا العالم ممن عنده قوة فهم وعندما يجد إشكالاً في كلام ابن حجر كذلك ، وعندها سيجد أن ما ظنه إشكالاً ليش مشكلاً حقيقة وما ظنه تناقضاً ليس متناقضاً حقيقة ؛ لأنه أمام نسخة من شخصية ذلك المؤلف وهو هذا العالم المدمن على قراءة كتبه .
ومما يضاف إلى ما سبق أيضاً :
9 - التأكد من صحة نسبة القول للعالم سواء عن طريق السند إن كان ممن ينقل عنه بالإسناد ، أو إثبات نسبة الكتاب إلى مصنفه عن طريق القواعد التي ذكرها أهل العلم في توثيق نسبة الكتب لمصنفيها ، وهي معروفة مشهورة ، وقد وجد أن نُسِب لكثيرٍ من أهل العلم أقوالاً يرد عليها الإشكال ؛ بل نسب إليهم كتب بأكملها لكنها لا تثبت إسناداً عند البحث والنظر .
10 - التحقق من عدم وجود تصحيف أو تحريف أو سقط في النص أو زيادات من النساخ ونحوهم على كتب العالم وذلك بالنظر إلى عدة نسخ للكتاب والمقارنة بينها ، والنظر في كتب الناقلين لأقواله ونصوصه لا سيما كتب تلاميذه والقريبين من عصره ومقارنة ذلك بالنص المشكل .
ولذلك أنصح نفسي وإخواني بعدم الاستعجال في الحكم على مثل هذا النوع من النصوص بالخطأ او الاستدراك أو الحكم بالتناقض حتى يتبين له ذلك بيانا واضحاً لا يدع مجالاً للشك يشاركه فيه أهل العلم المتخصصون في ذلك الفن المطلعون على كتب ذلك العالم .
والله أعلم