فـاروق
01-28-2008, 11:39 PM
السلفية التي نعرف ونحب - 1
الشيخ محمد الغزالي
الهداة المبلغون عن الله جمّ غفير من بدء الخليقة إلى ختام النبوات بصاحب الرسالة العظمى، تلك الرسالة التي سوف تصحب العالم حتى يومه الأخير..
وهؤلاء الهداة تتفاوت أنصبتهم فيما أحرزوا من نجاح، وفيما أُوتوا من مواهب، مثلما تتفاوت نجوم السماء قدرًا وسنى..!!
نعم، هناك نبي دعا فما استجاب له أحد، وهناك من دعا فلباه نفر قلائل، وهناك من نجح في هداية قرية متوسطة العمران والسكان، وهناك من قدر على تربية جيل مضى على الدرب قليلاً ثم أدركه الإعياءُ فتوقف..
وهناك من بلغ الحق واستحفظه صحبه، وما هي إلا سنون طويلات أو قصيرات حتى تسرب الحق من أيديهم، فتلاشى مع الزمن، وحل مكانه باطل خدّاع..
ولكن من خمسة عشر قرنًا ظهر إنسان فذّ، رمق ببصيرته القرون الماضية والقرون الآتية، وأمده الله بروح من عنده، فإذا هو يتحرك في صحراء الجزيرة حاملاً البلاغ المبين، كانت الظلمة كثيفة والخصومة ملتهبة، وكسف الضلالة تتراكم في الشرق والغرب، وكأنما نجح إبليس في إغواء البر والبحر فما يبدو بصيص أمل.
على أن الرسول العربي الملهم، بدأ عمله بعزم يفل الحديد، وشرع في تكوين الرجال الذين يؤمنون به، ويجاهدون معه، وأفلست كل المقاومات في ثنيه عن وجهته، لقد مزق الحجب المسدلة على الفطرة، وانتعش العقل من غيبوبة رضّته بالوثنية المخرّفة، وصاح في القلب الإنساني: ألا تستحي من البعد عن الذي خلق فسوى وقدر فهدى..وأبصر الرجال من حوله الطريق، فالتقوا به واستمدوا من صلابته بأسًا في إحقاق الحق وإبطال الباطل:
(كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلوا عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب) (الرعد:30)
وتلاوة الرسوم ليست قراءة مجردة على نحو ما نألف!، إن تلاوته دليل عمل ورسم منهج وإيضاح خطة، كما يعلن في زماننا أي حزب عن برنامجه العام وإن كان الفرق بعيدًا.
ومنهاج الرسالة الخاتمة تغيير العالم أجمع، والعُدة من روحه، وفقّههم في كتابه، وجعل منهم – صلى الله عليه وسلم – أساتذة أُولئك الأصحاب الذين نفخ فيهم محمد صلى الله عليه وسلم فن الحكم، ورعاية الجماهير، وحماية الحقوق، وتزكية السرائر، وبناء الأخلاق الحسنة، ودعم التقاليد الجميلة. وذلك كله في سياج من التوحيد المحض والعبادة النقية..
هذا الجيل القوي الوفي الزكي!، لا يدري أحد كيف صنع محمد صلى الله عليه وسلم ، ماذا سكب في أفئدتهم من تقوى وفداء، وشهود لعظمة الله وإقبال على الدار الآخرة، لا يدري أحد قوة الدفع وراء هذا الجيل الذي هزم فتن الحياة، وكيد الجبابرة، واستطاع بعظمة رائعة أن يُسلّم القرآن الكريم للأجيال التابعة دينًا ودولة، وأن يجنّبه ما عرا الكتب الأولى من تحريف وتصحيف.
أولئك هم سلفنا الصالح، الصالح لقيادة الحياة، وإرث الآخرة، عن جدارة لا عن دعوى..أُصارح أنني معجب بمحمد صلى الله عليه وسلم بتربيته لهم وبجهادهم معه ومن بعده لاستبقاء الحق في الأرض، ونفع العالمين به. وما أكبر دينهم في رقابنا! ألا ما أعظم صحابة وأتباع محمد صلى الله عليه وسلم في الأوّلين والآخرين.
والآن بعد مسيرة طويلة للإنسانية أنظر إلى نفسي ومن حولي، فأجد الشبه قريبًا بين أعداء محمد في الأولين وأتباعه في الآخرين. على حين أجد الشبه بعيدًا بين أتباع محمد في الأولين وأتباعه في الآخرين.
إنهم عندما قدموا كلمة التوحيد للناس قدموها على أنها فكاك لأعناقهم من الوثنيات الدينية والاجتماعية والسياسية، فلا مكان في ظل الإسلام لفرعونية حاكمة، ولا قارونية كانزة، ولا كهنوتية موجهة، ولا جماهير ذلول الظهر لكل راكب أو مستغل، ومن خلال تعاليم الكتاب والسنة أدرك الناس دون تكلف ولا تقعر أن الحريات موطدة وأن الحقوق مصونة، وأن العقل ينبغي أن يفكر دون قيد، وأن أشواق الفطرة تلبي دون حرج، وأن الدولة في الإسلام مع المظلوم حتى ينتصف وعلى الظالم حتى يعتدل، وأن الصيحة الوحيدة التي يصحو عليها النائم ليصلي، ويصغي إليها المرهق قبل أن يدلف إلى فراشه ليرقد هي “الله أكبر الله أكبر” فجرًا وعشاءً.
هذه هي الدنيا كما فهمناها من ديننا، بيد أن العالم الإسلامي لا يعرف هذه المعالم في دنياه، وقد يسمع عن شيءٍ منها في العالم الذي لا يعرف الإسلام.
ومما يثير الدهشة أن ناسًا من المتحدثين في الإسلام لا يعرفون عن هذه المعالم شيئًا يُذكر، وعندما يتكلمون في الدعوة الإسلامية لا يعرجون من قريب ولا بعيد على هذه المعالم..
إنني لا أُكلفهم باعتراض أوضاع فاسدة فهم دون ذلك!
وإنما أكلفهم ببيان الحقائق العلمية، وشرح المقررات الإسلامية وحسب!
منذ أيام قُدِّمَ استجواب في “الكنيست” اليهودي عن مقتل شاب عربي في إحدى المظاهرات، ويظهر أن مقدم الاستجواب من العرب الشيوعيين في “دولة إسرائيل”..
ووقف “مناحم بيجن” يرد في غضب شديد ويقول: تريدون أن تقيموا الدنيا وتقعدوها لمقتل شاب عربي؟! على حين خيم الصمت التام بعد مقتل عشرة آلاف في “مدينة عربية مجاورة” وتسوية ثلث مساكنها بالأرض؟؟
وشعرت بالخزي وأنا أسمع الإجابة، وقلت لرجل يسمع معي” إن “بيجن” هنا ينطبق عليه الحديث المشهور: “صدقك وهو كذوب”.
وإذا كانت مجزرة “هذه المدينة” محنة تقشعر منها الجلود، وتتقرّح العيون، فإن الصمت-الذي لفت نظر السفاح اليهودي “مناحم بيجن” بعد وقوعها- محنة أنكى وأقسى..وقرأتُ في الصحف نبأ هذا الكاثوليكي الذي تبنى ثلاثين ألف طفل مسلم في الصومال لينشئهم على النصرانية بداهة، وقلت: إن جزءًا من المال العربي الضائع في أندية القمار كان يمكن أن يحفظ مستقبل هؤلاء.
وما أكثر يتامانا الذين استولت عليهم مؤسسات التنصير جراء هذا التفريط. الغرابة ليست في وقوع هذه الجرائم على فداحتها! الغرابة في ذهول ناس من المتحدثين في الإسلام عنها، وعن المقدمات النفسية والفكرية التي أدت إليها. إنني أرتاب في عقل هؤلاء أو دينهم
الشيخ محمد الغزالي
الهداة المبلغون عن الله جمّ غفير من بدء الخليقة إلى ختام النبوات بصاحب الرسالة العظمى، تلك الرسالة التي سوف تصحب العالم حتى يومه الأخير..
وهؤلاء الهداة تتفاوت أنصبتهم فيما أحرزوا من نجاح، وفيما أُوتوا من مواهب، مثلما تتفاوت نجوم السماء قدرًا وسنى..!!
نعم، هناك نبي دعا فما استجاب له أحد، وهناك من دعا فلباه نفر قلائل، وهناك من نجح في هداية قرية متوسطة العمران والسكان، وهناك من قدر على تربية جيل مضى على الدرب قليلاً ثم أدركه الإعياءُ فتوقف..
وهناك من بلغ الحق واستحفظه صحبه، وما هي إلا سنون طويلات أو قصيرات حتى تسرب الحق من أيديهم، فتلاشى مع الزمن، وحل مكانه باطل خدّاع..
ولكن من خمسة عشر قرنًا ظهر إنسان فذّ، رمق ببصيرته القرون الماضية والقرون الآتية، وأمده الله بروح من عنده، فإذا هو يتحرك في صحراء الجزيرة حاملاً البلاغ المبين، كانت الظلمة كثيفة والخصومة ملتهبة، وكسف الضلالة تتراكم في الشرق والغرب، وكأنما نجح إبليس في إغواء البر والبحر فما يبدو بصيص أمل.
على أن الرسول العربي الملهم، بدأ عمله بعزم يفل الحديد، وشرع في تكوين الرجال الذين يؤمنون به، ويجاهدون معه، وأفلست كل المقاومات في ثنيه عن وجهته، لقد مزق الحجب المسدلة على الفطرة، وانتعش العقل من غيبوبة رضّته بالوثنية المخرّفة، وصاح في القلب الإنساني: ألا تستحي من البعد عن الذي خلق فسوى وقدر فهدى..وأبصر الرجال من حوله الطريق، فالتقوا به واستمدوا من صلابته بأسًا في إحقاق الحق وإبطال الباطل:
(كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلوا عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب) (الرعد:30)
وتلاوة الرسوم ليست قراءة مجردة على نحو ما نألف!، إن تلاوته دليل عمل ورسم منهج وإيضاح خطة، كما يعلن في زماننا أي حزب عن برنامجه العام وإن كان الفرق بعيدًا.
ومنهاج الرسالة الخاتمة تغيير العالم أجمع، والعُدة من روحه، وفقّههم في كتابه، وجعل منهم – صلى الله عليه وسلم – أساتذة أُولئك الأصحاب الذين نفخ فيهم محمد صلى الله عليه وسلم فن الحكم، ورعاية الجماهير، وحماية الحقوق، وتزكية السرائر، وبناء الأخلاق الحسنة، ودعم التقاليد الجميلة. وذلك كله في سياج من التوحيد المحض والعبادة النقية..
هذا الجيل القوي الوفي الزكي!، لا يدري أحد كيف صنع محمد صلى الله عليه وسلم ، ماذا سكب في أفئدتهم من تقوى وفداء، وشهود لعظمة الله وإقبال على الدار الآخرة، لا يدري أحد قوة الدفع وراء هذا الجيل الذي هزم فتن الحياة، وكيد الجبابرة، واستطاع بعظمة رائعة أن يُسلّم القرآن الكريم للأجيال التابعة دينًا ودولة، وأن يجنّبه ما عرا الكتب الأولى من تحريف وتصحيف.
أولئك هم سلفنا الصالح، الصالح لقيادة الحياة، وإرث الآخرة، عن جدارة لا عن دعوى..أُصارح أنني معجب بمحمد صلى الله عليه وسلم بتربيته لهم وبجهادهم معه ومن بعده لاستبقاء الحق في الأرض، ونفع العالمين به. وما أكبر دينهم في رقابنا! ألا ما أعظم صحابة وأتباع محمد صلى الله عليه وسلم في الأوّلين والآخرين.
والآن بعد مسيرة طويلة للإنسانية أنظر إلى نفسي ومن حولي، فأجد الشبه قريبًا بين أعداء محمد في الأولين وأتباعه في الآخرين. على حين أجد الشبه بعيدًا بين أتباع محمد في الأولين وأتباعه في الآخرين.
إنهم عندما قدموا كلمة التوحيد للناس قدموها على أنها فكاك لأعناقهم من الوثنيات الدينية والاجتماعية والسياسية، فلا مكان في ظل الإسلام لفرعونية حاكمة، ولا قارونية كانزة، ولا كهنوتية موجهة، ولا جماهير ذلول الظهر لكل راكب أو مستغل، ومن خلال تعاليم الكتاب والسنة أدرك الناس دون تكلف ولا تقعر أن الحريات موطدة وأن الحقوق مصونة، وأن العقل ينبغي أن يفكر دون قيد، وأن أشواق الفطرة تلبي دون حرج، وأن الدولة في الإسلام مع المظلوم حتى ينتصف وعلى الظالم حتى يعتدل، وأن الصيحة الوحيدة التي يصحو عليها النائم ليصلي، ويصغي إليها المرهق قبل أن يدلف إلى فراشه ليرقد هي “الله أكبر الله أكبر” فجرًا وعشاءً.
هذه هي الدنيا كما فهمناها من ديننا، بيد أن العالم الإسلامي لا يعرف هذه المعالم في دنياه، وقد يسمع عن شيءٍ منها في العالم الذي لا يعرف الإسلام.
ومما يثير الدهشة أن ناسًا من المتحدثين في الإسلام لا يعرفون عن هذه المعالم شيئًا يُذكر، وعندما يتكلمون في الدعوة الإسلامية لا يعرجون من قريب ولا بعيد على هذه المعالم..
إنني لا أُكلفهم باعتراض أوضاع فاسدة فهم دون ذلك!
وإنما أكلفهم ببيان الحقائق العلمية، وشرح المقررات الإسلامية وحسب!
منذ أيام قُدِّمَ استجواب في “الكنيست” اليهودي عن مقتل شاب عربي في إحدى المظاهرات، ويظهر أن مقدم الاستجواب من العرب الشيوعيين في “دولة إسرائيل”..
ووقف “مناحم بيجن” يرد في غضب شديد ويقول: تريدون أن تقيموا الدنيا وتقعدوها لمقتل شاب عربي؟! على حين خيم الصمت التام بعد مقتل عشرة آلاف في “مدينة عربية مجاورة” وتسوية ثلث مساكنها بالأرض؟؟
وشعرت بالخزي وأنا أسمع الإجابة، وقلت لرجل يسمع معي” إن “بيجن” هنا ينطبق عليه الحديث المشهور: “صدقك وهو كذوب”.
وإذا كانت مجزرة “هذه المدينة” محنة تقشعر منها الجلود، وتتقرّح العيون، فإن الصمت-الذي لفت نظر السفاح اليهودي “مناحم بيجن” بعد وقوعها- محنة أنكى وأقسى..وقرأتُ في الصحف نبأ هذا الكاثوليكي الذي تبنى ثلاثين ألف طفل مسلم في الصومال لينشئهم على النصرانية بداهة، وقلت: إن جزءًا من المال العربي الضائع في أندية القمار كان يمكن أن يحفظ مستقبل هؤلاء.
وما أكثر يتامانا الذين استولت عليهم مؤسسات التنصير جراء هذا التفريط. الغرابة ليست في وقوع هذه الجرائم على فداحتها! الغرابة في ذهول ناس من المتحدثين في الإسلام عنها، وعن المقدمات النفسية والفكرية التي أدت إليها. إنني أرتاب في عقل هؤلاء أو دينهم