تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : طروح للنقاش



كلسينا
01-05-2008, 01:02 PM
وصلتني هذه الرسالة من جمعية التجدد الثقافية الأجتماعية بمناسبة مؤتمر الوحدة الإسلامية واحببت أن أطرحها للمناقشة .

من يجرؤ على القول بأن العداء والخصام الطائفي، أو استعلاء طائفة على أخرى، وظلم طائفة لأخرى هي روح الدين في قرآنه وأن هذه هي تعالم الدين السمح؟
أول ما يتنافى من الدين مع التمييز الطائفي هو التعميم في الحكم، فالقرآن حين يستعرض أوجه الاختلاف مع الآخر ، يحرص دائماً على تدوين حالات الاستثناء، فإذا كان الاختلاف والخصام مع القبائل العربيّة المشركة استثنى الذين لم يمارسوا العدوان منهم على المسلمين، ليجعل موضع الاختلاف والخصام محدداً بإطاره المتصف بالعدوان، مبعداً له عن التلبس بصفات التنازع المحتملة الأخرى، كالعشائرية، أو عدم الإيمان ولكن دون تكذيب وحرب وعدوان، وهذا مما لا يزال ملتبساً على الفكر الإسلامي حتى اليوم، فلم يميزوا بين خصومات المسلمين الدينية مع المخالفين المحاربين، عن المخالفين غير المحاربين، بل جعلوا الخلاف عقائديّاً بحتاً، وذلك لدواعي سياسية في الغالب، ولهذا فهم يطمسون بعض الحقائق التاريخية من مثل تحالفه (ص) بعد الحديبيّة ( أو قل إعلان تحالفه بعد الحديبيّة مع قبائل مشركة لا تزال، وإلاّ فإن تحالفه معها كان سابقاً على الصلح ولكنه كان مكتوماً، خاصة تلك القبائل التي كانت في حلف مع جده عبدالمطلب أيام قبل البعثة).

وإذا تحدث عن خصومات اليهود والنصارى، فلا بد أن تجد استثناءً إذا كان هناك من يستحق الاستثناء، من الفئات التي تشترك مع الخصم في الموقف الثقافي والنظري والعقائدي، ولكنها تختلف معه في الموقف السياسي والسلوكي من المسلمين، وقد جرى طمس هذه الحقيقة أيضاً لينظر للخلاف مع أهل الكتاب على أنه خصومه فطرية أبدية عقائدية، لا سلوكية سياسية طارئة على الموقف الأصل، ولأغراض سياسية أيضاً هنا كما هناك مع المشركين، ولهذا فإنك لا تجد عند المسلمين تقديراً لأمثال قوله تعالى(لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ) (آل عمران:113) ولن تقدر على فهم الموقف الحقيقي في الإسلام من أهل الكتاب، وكيف يمكن الجمع بين " ونساء أهل الكتاب حل لكم " و" طعامهم حل لكم " وقبولهم في الدولة على دينهم، ودين كونهم أعداءً دون عدوان، وخصوماً ولو لم يُبدوا خصومة.

لعلك لا تجد نصوصاً دينية في كل العالم شغوفة بالعدل كما تجدها عند المسلمين في كتاب الله، فالعدل في الإسلام المحمدي قيمة لا يُعلى عليها، يتصف الله بها أولاً، ثم دينه ونبيه، وهي منهاج للمؤمن ولو على حساب النفس، فالعدل قيمة معياريّة توزن بها الرجال والمواقف والأفكار، فيكفي لوصف شيء ما بالفساد أن يكون متصفاً بالظلم، أو مريداً له، ولو كان في الظلم والكذب مصلحة النفس والأهل والأقربين، وينبغي التمسك به ولو مع العدو الشانئ الذي لا يستحق في نفسه العدالة، ولكن لأن المؤمن هو أهل للعدل الذي هو من صفاته التي لا ينبغي له أن يغادرها، وإلاّ غادر حقيقة كبرى من حقائق الإيمان .

ولك أن تشرق في القرآن وأن تغرب لتقرأ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المائدة:8)
)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (النساء:135)
(لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8) إلى غير ذلك الكثير الواضح المسلّم به عند الجميع فلا نطيل فيه، وعليه فإن أول ما يصطدم التمييز الطائفي مع الثوابت من الدين هو التعميم في الحكم على طائفة بعينها، وبكل أفرادها، وأنها مستحقة للاعتداء عليها والتميز عليها لمجرد كونها طائفة أخرى مغايرة، لا لأجل أن فئة منهم أو كلهم قد مارسوا علينا العدوان، وحينها ليس لنا الحق إلاّ في رد العدوان بمثل العدوان لا يزيد عنه، فإن كان تنازعنا معهم حول مال وحقوق ظل هذا العنوان هو موضوع التنازع لا ينبغي تعديه لأسباب عرقية أو ثقافية، ولا ينبغي إلباسه لباس الدين كما يفعل السياسيون على مرّ العصور.

هذا والحال متعلق بغير فئات المسلمين، من طوائف الأديان الأخرى، وأعراق الناس ومللهم ونحلهم، فلا بد أن يكون الحال أجلى وأوضح وأمتن بين طوائف المسلمين ومذاهبهم، ولو كان الاستعلاء بالظلم جائزاً على أحد من مكونات المسلمين لجاز على المنافقين، والذين كان كيانهم في مجمل مجموعه معروفاً ومشخصاً، حيث كانوا يتحلقون حول عبد الله بن سلول الشيخ الأعظم لقبيلتي الأوس والخزرج في الجاهلية، والذي لعظم شخصيّتة فيهم قبلوه عليهم وهما الحيان الخصمان سيداً ومتوجاً مسموع الرأي، فكانت له مجالسه وكان له أتباعه ومريدوه، وكم قد شاقّوا الله ورسوله باتخاذ المواقف الخاذلة والموهنة والمشككة والمفرقة بين جماعة المسلمين، ويخطئ من يظن أن الكتلة العظمى منهم لم تكن معروفة، اعتماداً على قول القائل أنهم كانوا يظهرون الإيمان، فليس هذا صحيحاً فهم كأي كتلة أخرى لهم سمات ومواقف مرصودة ومتوقعة، وكان عامة المسلمين واعين لأفرادهم ومواقفهم، ويتوقعونها منهم، فهم يسيرون على نمط من السلوك والحركة الاجتماعية مميزة ومتوقعة ، ومع كل هذا لم يعاملهم النبي (ص) بالظلم، بل حفظ لهم حقوقهم فيما لم يخالفوا فيه الحق، وحاسب أو تجاوز فيما خالفوا فيه، وبشكل فردي لا جماعي، وبهذا الوعي نجح في أن لا يبرزهم طائفة خارجة عن نسيج المسلمين، بل أذاب خصوصيتهم في نهر المسلمين، مع كل التميز الذي كان متجليّاً فيهم، واستطاع أن يحتّ منهم وينقص، بحيث تحول النفاق في المآل إلى مواقف فرديّة، فلم تعد تسمع بكتلة له متميزة ومترابطة كما كانت أيام ابن سلول، ومن بقي منهم اضطر للعمل على الفساد ضمن المسلمين ، ولكنه كان مضطرا في أكثر الحالات للقيام بواجبه تجاه الإسلام ولو على حساب نفسه وماله، فكم من منافق كان في صفوف المسلمين يقاتل رغما عن نفسه، وكم منهم من بذل ماله وهو كاره ، وهكذا سخروا للخدمة وبلا أجر!.

ولو أن النبي (ص) تشدد وتصلب في التعامل معهم كطائفة متماثلة آخذاً البريء منهم بالمذنب، والضعيف بالقوى، لما زادهم إلاّ تكتلاً وتراصاً، ولبقيت فئتهم مع الوقت لتشكل قطاعاً مستمراً يتآزر ويتكاتف ويحاول أن يفلسف موقفه فكريّاً، ويمارس صناعة القول والتنظير ليؤطر له مذهباً في المذاهب، كما فعل اللاحقون من الزنادقة والدهريين، الذين اتصلوا بثقافات فارس واليونان.

لقد ارتكب المنافقون جنايات وأطلقوا كلمات ذكرها القرآن، ووصفها بأنها كلمات كفر، ومع هذا رفض النبي (ص) أن يقتلهم كما أشار عليه أصحابه في أكثر من مرة، وقال قولته المشهورة " اكره أن تتحدث العرب أن محمداً يقتل أصحابه "، بمعنى أنه كره أن يسمع العرب " الأعداء " أن في المسلمين فتنة داخلية وانشقاقا على الرسول (ص)، وأنهم افترقوا عليه فرقاً فقام بقتل من خالفه، فيكون الفساد في هذا أشد من الفساد في ذاك الذي خشيه المسلمون من وجود منافقين واربوا بكلمات الكفر، فالحفاظ على الوحدة ظاهراً، خير من هتك غلالتها الحافظة لجماعة مجتمع المسلمين عن الفرقة والتشتت فالهوان في أعين الأعداء.

ولكن المسلمين بعد ما اغتروا بأنفسهم، وأنهم أصحاب الإيمان، وفيهم العدد والعدة، ظنوا أن معالجة النبي (ص) لأهل النفاق، ومعالجته للمؤلفة قلوبهم، كانت معالجة المضطر مرحليّاً، وأنهم ليسوا الآن كما كانوا بالأمس، يخافون أن يتخطفهم الناس من حولهم، فكاشفوا المنافقين بالحرب والاحتقار، مما أسهم في فرز كل فئة استجدت في الإسلام، متخذة موقفاً سياسيّاً أو عقائديّاً مغايراً ولو جزئياً، وحوّلها إلى مذهب ثم طائفة، وحجب كل من يستحق قلبه أن يؤلف ليؤمن بوعي عن هذه الفرصة، لأنه لم توجد في المسلمين حكمة رسولهم في التعامل مع الآخر، ولو أن المسلمين لم يتعاملوا فيما بينهم بطريقة العزل والحرب والتفسيق والتدابر حينما يختلفون في الفكر أو في السياسة، لما تحولت مذاهب الرجال إلى طوائف، و لما اجتمع كل أتباع مذهب حول بعضهم ليكوّنوا خطاً دفاعياً، كما يتمترس الجنود خلف خطوط الدفاع، فلا يتزاوجون ولا يتساكنون إلا مع أنفسهم فقط ولا يعطون السمع إلاّ لرجالهم، ولكن مخالفة الحكمة النبوية، واتخاذ نهج التعصب الديني والسياسي جرَّ المسلمين لكل هذا التمزق من الفرق والطوائف.

سياسة الاعتزال والعزل:
لا يحق لأحد أن يتخذ غير سبيل التوحد والوحدة الجامعة مع سائر مكونات أمة الإسلام، وهذا لا يعني بطبيعة الحال أن لا يختلف المسلمون في آرائهم ومواقفهم، لأن الاختلاف سنة الحياة، ولكن أن لا يعتبر الاختلاف إذا حدث خروجاً عن إطار الوحدة، فهناك إطار عام يجتمع فيه كل المختلفين وهو الإيمان بالله وحده وبرسالة محمد (ص) الخاتمة وبالقرآن كتاباً هادياً، ثم مهما كان هناك من اختلاف في فهم هذه الأصول أو فروعها فهو لا يخرج عن إطار الوحدة أو هكذا ينبغي أن نفهم ونتعامل.

إن الذين يخرجون المخالف لهم عن الدين والملة بدعوى أنهم يمثلون الأمة في نقائها وكما أراد لها الله، هم خنجر يمزق جسد هذه الأمة ويوزعها أشلاء، والذين يعتزلون جماعة المسلمين لأنهم قد رأوا أن الأمة قد فارقت الحق، وأنهم روح الأمة الصافي بزعمهم، هم أيضاً يمزقون الأمة فرقا، ويمارسون عملاً لم يأذن به الله لأحد من المؤمنين أن يعتزل المؤمنين، وأما أن تقول فئة نحن خوارج شُراة خرجنا لله وشرينا أنفسنا له، نعتزل الأمة الضالة، أو تقول فئة نحن نعتزل الناس ذهابا عن ضلالهم، فليس لهم ذلك، وليس لأحد أن يعزلهم عن الجسد الكبير للأمة، بل لكل طرف الحق وعليه الواجب، أن يظل ضمن إطار الوحدة يمارس خلافه واختلافه، لأن هذا هو الأسلم والأبقى والأنفع لكل الأطراف، فمع الاستمرار والتلاقي يزيل كل طرف متطرف موقفه الفكري والسلوكي ويعود التقارب والتفهم بين الجميع ممكناً.

إن القرآن الكريم يؤكد أن إمكانية حدوث الاختلاف بين المؤمنين هو فرض واقعي، لا بل قد يصل الأمر إلى التقاتل، فأوجب على المسلمين السعي بينهم بالصلح ثم قتال الباغي حتى يعود إلى جسد الجماعة، وقرر القرآن الكريم أن الاختلاف في تقييم المواقف إلى حد التناقض هو أمر محتمل وفرضية واقعية، تحدث حتى بين الأنبياء كما سرد من خبر أخذ موسى عليه السلام برأس أخيه هارون يجره إليه. هذا على مستوى الأنبياء فما بالك بغيرهم.

دعوى النقاء الفكري والفرقة الناجية:
وحدهما الغرور والتعصب يدفعان لاعتقاد كل طرف من المسلمين بامتلاك كل الحقيقة وأن الآخر ليس على شيء، وهذا هو الموجه الأكبر ذاتياً نحو الميل للانعزال والتكتل في طائفة، ومن ثم النظر باستعلاء وازدراء للآخرين الذين لا يملكون الحقيقة من المغضوب عليهم أو الضالين.

أول عتبات الانفصال والتطيف هو دعوى النقاء الفكري وأن ما ذهب إليه فلان وفلان هو خروج عن ربقة الإيمان والدين، وأنه مستحق للعذاب في الدنيا والآخرة، وهذا الإدعاء هو في الحقيقة خروج عن القرآن في أدبه وسمته العام مع المختلفين غير المعتدين، فليس هناك اختلاف يمكن تصوره في دائرة أهل الأديان هو أشد من الاختلاف مع أهل الكتاب، فيما خالفوا فيه شرعتهم الصحيحة على ما ذكر القرآن عنهم، ولكن مع كل ذلك التنكير عليهم فيما حرفوا وستروا وغيروا، إلا أنه لم يخرجهم بها عن دائرة أحكام أهل الكتاب، شركاء المسلمين في الاعتقاد الأوسع الشامل للإيمان بالله وأصل إرسال الرسل وبعث الأنبياء وإنزال الكتب السماوية والبعث والنشور في اليوم الآخر، وهي تمثل الخط العريض الجامع لكل أهل الأديان السماوية، وعلى أساسها قبلهم الإسلام على دينهم وشريعتهم، وأذن بالزواج منهم، والأكل من طعامهم، والإحسان إليهم، واعتبرهم قسماً مقبولاً في مجتمع المسلمين، فإذا كان الأمر كذلك مع أهل الكتاب فما هو المدى الذي يختلف فيه مسلمان حول حقائق الإسلام والإيمان يبلغ ما بلغوه؟ فلماذا يتسارع المسلمون إما إلى العزل أو الاعتزال، اللذين هما مفتاح التمذهب والتطيف، فليكن باب قبول الاختلاف بيننا واسعاً دون التطاول بدعوى الخروج عن الدين والإيمان، والمناداة بالطرد والعزل والتكفير، فكل فكرة إذا بقيت ضمن تدافع الحواضر ولم ينعزل أهلها أكاديمياً أو جغرافياً، فإنها لا تلبث أن تأكل من غيرها وتتآكل به، لتتحول عبر الجدل والحوار إلى شيء آخر غير ما بدأت به، فما أكثر ما تقارب علماء الكلام المتأخرين عن علماء الكلام المتقدمين، حتى يكاد أن يكون الاختلاف في النهاية شكلياً أكثر منه موضوعيّاً.

يقال أن النبي (ص) قد أعطى للمسلمين جردة حساب ختامية فقال إن أمته ستفترق على 73 فرقة كلها في النار إلاّ واحدة، ومنذ ذلك وكل فرقة تفترق عن جسد الجماعة ( الأمة ) لتدعى أنها هي الفرقة الناجية، وأن سواها في النار، فيسلون أنفسهم بمثل هذا الذي يقولون، وكأن هذا الحديث هو تشجيع على التفرق لا تحذير منه على فرض صحته، وكأن النبي (ص) قد قال لكل مسلم انج بنفسك واترك أخاك للنار، وهذا لعمرك من خيانة حقوق الأخوة، فمن هي الفرقة الناجية؟ ومن هم الفرق الهالكة؟ هل الخوارج من الهالكين، وهم الفئة التي تكاثر من يعتبرهم كذلك، فانظر إلى قول أمير المؤمنين فيهم، أنهم أرادوا الحق فأخطأوه، على عكس الذي أراد الباطل فأدركه، فهل يحق لنا أن نخرج الخوارج عن دائرة الإسلام والإيمان وهم يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر لمجرد أنهم قد فارقونا في فهم نقاط في الدين قلّت أو كثرت؟ وهل خلافهم هذا يسقط حقوقهم كمسلمين حرام دمهم ومالهم وعرضهم؟ كلا وألف كلا، فإن أي فرقة من فرق المسلمين هي أعظم شرفاً من المنافقين. فهل يجوز لأحدٍ أن يكفر أو يخون أو يزعم استحقاق النار لفئة من المسلمين اختلفت أو اشتبهت أو أخطأت أو ضلت عما هو حق في الإسلام؟ عوضاً عن أن يكون اختلافها إنما هو عن فهم فرقاء آخرين ؟

إن القرآن قد أجلى الموقف من الاختلاف في الأديان، فجعل الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن ودعا إلى قول التي هي أحسن دفعا لنزغ الشيطان بينهم، ثم جعل الحكم بين الناس في الآخرة هو شأن ربوبي، فانظر إلى أهل الأديان والمذاهب هل يلتزمون بهذا المنهاج، و ما عليك إلاّ أن تقرأ كتب الخلاف أو تتصفح مواقع " الشجار" ، وستعرف حينها متى ومن أين تبدأ الحروب الأهلية!
أعتذر لطولها ولكنني نقلتها كما هي لأنها مطروحة للمناقشة كاملة .

كلسينا
01-05-2008, 01:06 PM
تابع الطائفية رشد أو طاغوت :

(لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:256)

(اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة:257)
التبين مفردة كررها القرآن الكريم نحواً من مائتين وخمسة وسبعين مرة في تراكيبها المختلفة، وجعلها الهدف من إرسال الرسل، وإنزال الكتب، والطريق للهداية والتفريق بين الرشد والغي، والأساس لاستحقاق الإنسان الثواب والعقاب، فلا عقاب إلاّ بعد بيان، وهي تمثل الاحترام والتوقير الرباني للإنسان؛ وأنه مخلوق مكرَّمٌ أهلٌ، وقادرٌ على التمييز عن وعي، بعد عملية البيان والتبيين، وبالتالي تحمل نتائج مواقفه الدنيوية والأخروية، وعلى هذا قام الدين كله.

"لا إكراه في الدين" نفي لمطلق الإكراه ابتداء، أيّاً كان نوعه، وعلى أيٍّ وقع، فإذا ما حدث شيءٌ منه فهو خارج المنظومة الدينية الإلهية الحقّة، ثم لا يهم عن أيٍّ صدر، وباسم من أعلن، " قد تبين الرشد من الغي" قد أوضح الله ورسوله وكتابه للإنسان، أين هي طرق الرشد الموصلة للسلامة، وأين هي طرق الغي الآيلة للضلالة، هذا هو الصراط المستقيم للدين في معاملة الإنسان، "فمن يكفر بالطاغوت" وهو الطغيان والتطرف والتشدد، فلا يكره المؤمنين على الكفر إن كان كافراً طاغوتاً، ولا يكره غير المسلمين على الإسلام والإيمان إن كان مسلماً طاغوتاً،"فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها"، فإن في عدم الإكراه ثباتاً واستمراراً لفاعلية المبادئ واستمرار العمران وعدم البوار والخراب، لأن الطغيان بنفسه سواءً من المؤمنين على غيرهم أو من الكافرين على المؤمنين هو عامل الانفصام لعروة المجتمع وتماسكه، والسماح للحق بعد ما تبين أن يتغلغل في النفوس جيلاً فجيلاً، فانتشار الإيمان في العمران أرجى من توقع انتشاره مع الطغيان، لأن الطغيان عامل هدم ورفض وكراهية، وهو ليس من الدين.
"ويؤمن بالله" فلا يتعدى الحدود التي حددها له بعدم إكراه الناس في الدين، والبقاء على حدود البيان والتبيين، فهذه هي طريق العروة التي لا انفصام لها ، وهي المؤذنة باستمرار الدين والعمران والمجتمع في طريق الرشد، ومجانبة طريق الغي شيئاً فشيئاً، وهي السبيل التي اختارها الله سبحانه حينما خلق الإنسان مخيرا بين الطاعة والمعصية، ولو شاء ربك لهدى الناس جميعا،(أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)(يونس: من الآية99)..

هكذا أرادت هذه الآية الكريمة إبعاد الناس جميعاً، مؤمنين وكافرين عن التعامل بالإكراه والطغيان فيما بينهم، وأن سبيل البيان والتبين كفيل بحمد الله بإيصال المؤمنين إلى النور وإخراجهم من الظلمات، وكفيل بفرز من أراد من الناس الكفر عن وعي واختيار، والخروج من النور إلى الظلمات، متحملاً عواقب موقفه الأخروية، حيث لا عقوبات قانونية تشريعية في الدنيا على الإيمان والكفر، اللهم إلاّ العقوبات القدرية الربانية، أو أن يتحول الأمر إلى البغي والعدوان، فأذن الله للمؤمنين بالقتال دفاعا لا عدوانا، وإلى أن يتوقف العدوان وتنقطع مادته..

ولكننا سرنا في الطريق المعاكس للآية تماماً، حينما تساءلنا عن الطاغوت من هو؟ فكان كل شيء يعادينا إلاّ أنفسنا وهي العدو الأكبر لنا، فقالوا هي العُزى، هو الكاهن، هو الشيطان، هو المارد من الجن، هم رؤوس الضلال، هو كل ما عبد من دون الله، هم مردة أهل الكتاب، هو كل صارف عن الإسلام، فكانت الآية عندنا باب إذكاء للعداوة والعدوان، لا باب ابتعاد عنهما.

الرشد هو ما ينبغي للأمم التمسك به، والرشد ليس هو الدين وليس هو الإيمان وإن كان الدين والإيمان يتصفان بالرشد متى كانا كذلك دون تحريف، بل الرشد هو إصابة الوجه الصحيح في الأمر، وهو الطريق الموصل للغاية بالسلامة، والرشيد هو الذي يحسن تقدير الأمور، والغي على عكسه في كل ذلك.

الرشد هو التفكير الموضوعي العلمي، ثم اتخاذ المواقف على أساس من ذلك، فقد يكون المؤمن راشداً وقد لا يكون، وقد يكون غير المسلم راشداً وقد لا يكون، والرشد يتجزأ، فقد يرشد الإنسان في ناحية ويضل في أخرى على تفاوت، فلا يقال لمن لم يؤمن أنه لا رشد له بالمطلق، بل قد يكون راشداً في الدنيا بأكثر من المؤمنين، الرشد أمر لا ينبغي على أمة من الأمم أن تتخلى عنه، لأن في التخلي عنه دمارها وهلاكها، مهما تمتعت به من المبادئ المعنوية والقدرات المادية، فبمجرد أن تغادر رشدها إلى الغي، فقد بدأت في الانحدار نحو الهاوية.

الطغيان هو أحد أبرز وجوه مخالفة الرشد في الأمم، بالتوجه نحو الإكراه والاستبداد والقهر ، سواءً في أمور الدين والعقيدة والفكر، أو في التفاوت في الدرجات الاجتماعية والطبقية، أو في احتكار السلطة والمال والثروة، وبحسب الحق - وكل حق فهو إسلام - كل من مارس طغياناً فهو طاغوت، وهو يسهم وبشدة في انفصام عُرى الدين والقيم والمجتمع، ويقوده نحو الهلاك والتفكك والتشرذم، حتى لو كانوا على أحسن حال من الإيمان قبل ذلك.

إن كل الأمم التي بادت كان ذلك بسبب إساءة استخدام رشدها وطغيانها على مبادئها، فكان أن تسبب لها ذلك في الهلاك والدمار:
<LI dir=rtl>فمنهم من أهلكه الجمود والتقليد وترك الإبداع والتجديد، وهذا من أكبر الأسباب في هلاك الأمم، وأجلاها في مفارقة الرشد، حيث تقدس الأمة ماضيها، وتصر على إتباع الآباء دونما تمحيص لصلاح ما كانوا عليه أو فساده، ودونما تحكيم في مناسبته للواقع المستجد أو قصوره عنه، فلا تلبث أن تواجه بالجديد المتطور، والصحيح المناسب فلا تقبله، وتصر على مجانبته أو محاربته، فيكون مآلها الهزيمة والهلاك الفوري أو التدريجي.
<LI dir=rtl>ويرصد القرآن مخالفة الرشد بالطغيان في التمييز الطبقي كعامل من عوامل هلاك الأمم، فيصف فرعون مصر بأنه كان طاغية عالياً في الأرض(إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (القصص:4)
ومنها الطغيان في التعصب الديني، فالتعصب الديني هو وجه من وجوه الهلاك عبر التفكك والاختلاف الذي قد يكون قومياً أو عنصرياً أو قبلياً وعشائرياً، فالانشقاق الديني هو أحد وجوه الاختلاف والفرقة بين الأمم.

وتعدد أسبابه بين المتدينين، فمنهم من يدعى الحرص على نقاء الحقيقة الدينية، فيرفض مكفراً كُلَّ من اختلف معه في مفهوم من مفاهيمها، لا بل في تفصيل من تفاصيلها، وهذا هو الوجه الأكبر في اختلاف المتشددين من أهل الأديان، بحيث أن كلّ دين قد بدأ واحداً ثم مع الزمن يتحول إلى فرق ومذاهب متعددة، كلٌ منها لا يرى الحقيقة إلاّ عنده، كما هو الشأن في فرق اليهود والنصارى والمسلمين.

ومنهم من يَدَّعي كذب الآخر وافتراءه على الله، وأنه ليس بدين أصلاً ولم ينزل من السماء، كما قالت اليهود في دين عيسى وكما قالت اليهود والنصارى في دين محمد (ص)، فمع إقرار النصرانية بكل أنبياء بني إسرائيل وكتابهم التوراة، إلاّ أن اليهود رفضوا الإقرار لعيسى بأنه منهم جاءهم مصلحاً ومخففاً، وحال النصارى مع المسلمين كحالهم عند اليهود، فمع أن القرآن الكريم أقرَّ بكل السابقين من الأنبياء ما قبل إبراهيم وموسى وما بعده، إلاّ أن اليهود والنصارى رفضوا الإقرار بنبوة محمد (ص). ومع أن القرآن أقر باليهودية والنصرانية والمجوسية والصابئة وبكل دين يتبع نبياً من السماء، إلاّ أن المسلمين رفضوا الإقرار بهذا القبول، وقالوا بأنها أديان منسوخة بالإسلام المحمدي الذي جاء خاتماً للدين كله ومهيمناً عليه، مع أن الحق أن القرآن الكريم لم ينسخ أيّاً من الأديان السابقة لا عقيدة ولا شريعة، وإنما جاء مصححاً لما فسد من عقيدتها وما أدخل في شريعتها كذباً، وما دس في كتبها تحريفاً، وكان بالإمكان لولا التعصب أن يعود جميع أهل أديان السماء إلى عقيدة التوحيد الصافية القائمة على الإيمان بالله وكتبه ورسله وملائكته واليوم الآخر، ثم بقاء كل أصحاب شريعة على صحيح شريعتهم وعبادتهم، وهذا مما أقره القرآن والمسلمون لهم حقاً في مجتمع المسلمين.

لقد تفرق أهل الأديان وبغى بعضهم على بعض لتعصبهم وتمسك كل فريق بما عنده، ورفضه المطلق لما عند غيره ثم القيام على حربه وتكذيبه والسخرية منه، والأمر الذي ظل القرآن يرفضه لا من المسلمين وحدهم بل وبين أهل الكتاب أنفسهم، لأنه لا يخرجهم عن دائرة المخاطبين به في شأن دينهم الذي هم عليه، فقال (قَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ)(البقرة: من الآية113) فالقرآن يرفض هذا الرفض المطلق لكل أصحاب دين للدين الآخر، ويقر بأنها كلها أديان من عنده، ويقول صراحة أن الإسلام المحمدي ليس ديناً جديداً وإنما هو دين الحنيفية الإبراهيميّة، قد أقره عقيدة لأهل الأديان ( مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ )(الحج: من الآية78)، بل وأخذ من بعض شرائعه التي ظلت سارية في عرب الجزيرة حتى البعثة، لم يتنكر لذلك بل أقره وافتخر به.

وقد أطلق القرآن على داعي التفرق الديني هذا بغياً، فلم يقرَّهم على ادعاء طلب النقاء أو الاشتباه، بل صرح بها في وجههم جهاراً، أن مرَّد ذلك كله البغي، فقال(وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ)(آل عمران: من الآية19
وعلى نفس المنوال وإن بشكل أكثر حدة أنقسم المسلمون فرقاً ومذاهب في الإسلام نفسه، وأكثرها مِن فعل البغي بينهم، وتعصب كل لرأيه، ورفضه الرأي الآخر، رفضاً تبلغ درجته التكفير واستباحة المال والدم والعرض، على خلاف صريح لوصية رسول الله (ص) للمسلمين يوم حجة الوداع والتي أمر أن يبلغها الشاهد للغائب، لعلمه بخطورة الأمر البالغة.
لاشك أن المراد الأول للدين هو وحدة الناس على الحق لو كان ذلك يدرك، أو كان بالإمكان بقاؤه بعد إدراكه، ولكن الأمر لم يكن كذلك ولسبب أو لآخر ظل الناس يختلفون ، وسيظلون كذلك، وهذه هي الطبيعة فيهم، ولن يحدث التمييز بينهم بدون هذه القدرة على الاختلاف، وهي من طبيعتهم العقلية أيضا، فالعقل الإنساني خطاء وخلاق في نفس الوقت، والنفس البشرية مجبولة على حب ذاتها والتعلق بما يصدر عنها،فمجمل التكوين النفسي والعقلي للإنسان يجره نحو الاختلاف، ولذلك فلابد من منهجية عقلانية يستفيد بها الناس من ذلك ويتجنبون أكثر ما يمكن من ضرره، ويمكن أن نرصد منهجا من خطوات في سبيل ذلك:
<LI dir=rtl>فأولا ينبغي السعي نحو عدم الاختلاف أصلا ، وذلك بتجنب دواعيه من البغي والتعصب والجمود.
<LI dir=rtl>ثم ثانيا بقبوله كواقع لا مفر منه إن حصل، مع عدم القطع بأن المختلف في الدين ليس على شيء، ليبقى الاختلاف في حدوده التي لا تنفي المشترك المتفق عليه.
ثم حصر الوسيلة في التعامل معه بالجدال بالتي هي أحسن، وتأجيل حسم الخلاف في الدين لله دنيا أو آخرة، من دون أن ينتج عن ذلك عدوان أو تحقير أو تنجيس أو ما شابه ذلك، وذلك بفصل الأفكار عن أشخاصها، فيكون النقد والرفض والتوهين والتخطئة والتضليل للأفكار دون معتقديها.
إن قسوة أهل الأديان، وظلمهم لبعضهم، تكاد تبلغ قمة السلم في درجات القسوة والحقد والحسد والتحامل، حتى قتلت به بنو إسرائيل زكريا ويحي، وعيسى لولا أن رفعه إليه، وطعنت في شرف أمه، وأوغلت في الغدر بمحمد (ص)، وكذا فعل المسيحيون ببعضهم وبغيرهم لما تمكنوا من السلطان، فما أكثر ما قتلوا وصلبوا وشردوا وقاطعوا وعزلوا من إخوانهم في دينهم لما بغي بعضهم على بعض في شأن المسيح، ولا يزالون على هذا إلى اليوم عوضاً عن حربهم الطويلة للمسلمين، وكذلك فعل المسلمون خلفاء وعلماء وعوام بمخالفيهم في المذاهب، أكثر بكثير من مخالفيهم في الدين، وكثيراً ما حرَّض علماء الدين السلاطين على إخوانهم ونظرائهم، إمعاناً في البغي على مخالفيهم في الفرق أو المذاهب الفقهية والكلامية، وكثيراً ما تضخم مقولة في جزئية دينية لتصبح هي الدين كله، إن قبلت قبل ما سواها وإن ردت رد ما سواها، فلا يكاد عالم أو فقيه أو عارف أو متصوف اَلمعي إلاّ وقد ذاق السجن أو الطرد والتشريد والحرمان والضرب وغيرها من أصناف الأذى، حتى قد تبلغ القتل والصلب بدعوى الكفر والزندقة، ثم يمر التاريخ فيعود ينصف ذلك العالم ويجله ويعظم آثاره، فكأنما هذه الأمة موكلة بالقضاء على عظمائها لتندبهم بعد ذلك!

إن التنازع الديني والفرقة والاختلاف، يظل سبباً من أوضح الأسباب في شرخ بنية الأمم السياسية والاجتماعية، فهو كالصدع الزلزالي الذي بلحظة عين يشطر الأمة شطرين أو أكثر، ثم لا يعود الالتئام بينهما ممكناً مهما بذل من جهد، فحتى لو ضغطتهما الظروف القاهرة فسيظل مكان الصدع مؤشراً على الصدود بينهما، وسيظل يمثل دالة على مواضع عورة في المجتمع وفكره وعقيدته، بحيث يمكن لأي قاصد مغرض أن يعاود صدعه.

بل إن هذا الصدع الديني سيظل يمثل نظرة جديدة، واختلافاً حول المبادئ ذاتها، وتصدعاً في بنية الفكر والعقيدة لا يقف على نقطة البدء، بل يستمر عميقاً خالقا إجابات مختلفة ومتباعدة حول قضايا واحدة، فإن كان اختلاف النصارى بدأ في تحديد طبيعة المسيح، فإنه لم يقف عند نقطة الاختلاف بل امتد عميقاً ليلامس الممارسات اليومية من طرق العبادة والأعياد والمناسبات والتشريعات وغيرها.

إن أمة الإسلام مبادئها قوية، ولها كتاب متفق عليه مصدراً للفكر والعمل، ولكن حينما ظهرت المذاهب والفرق ودب البغي بينهم، تسببت في شرخ هذه الأمة عميقاً، حتى امتازت فرقاً جليّة التصدع، ولقد كانت قضية الاختلاف في الإمامة بعد رسول الله (ص) هي حجر الزاوية في اختلاف المسلمين في البداية، ولكن هل ظل اختلافهم لا يتعداها، كلا بل امتد عميقاً في صدع زلزالي مستمر لا يكاد يمر بقضية إلاّ اظهر فيها رأيين وأكثر، فامتد ليشمل يوميات الناس في عبادتهم وأعيادهم وأحكامهم وزواجهم وإرثهم، فكأنهم لا يهتدون بكتاب واحد يقولون جميعاً بحاكميته على كل قول، بل ظل مثل هذا الكلام مجرد لقلقة يدعيها كل طرف، ولكن الواقع أن المذاهب قد امتلكت الساحة وحكمت على القرآن وتحكمت فيه، فأمَّته ولم تأتم به، وتحكمت به ولم تحتكم إليه، فهو عند كل فريق لا يدل إلا على ما ذهب إليه.

من هناك
01-05-2008, 04:56 PM
السلام عليكم،
لا ادري لم لم يعلق احد بعد :)

اخي كلسينا، يبدو انك اصبحت مقتنعا بفكر جمعية التجديد وهي عملياً تجدد القديم كي يبدو جديداً ولكن لا جديد فيما يقولن لأنه خطاب موجه لفئة واحدة وينسون ان يوجههوه للفئة التي عندهم.

اولاً، مؤسف جداً ان يبخلوا على النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه
ثانياً، إن رأيهم معتبر بالنسبة لأهل الكتاب غير المعتدين ولكن كيف يمكن التمييز هذه الأيام بين كتابي معتد وكتابي مسالم وكتابي ساجد ويخشى الله.
بالنسبة لي الأمر ابسط من هذا، يمكن التعامل معهم جميعاً بطريقة واحدة اول الأمر وبالحسنى لمعرفة المعتدي من المسالم وبعد ذلك يقرر الإنسان المسلم بحسب موقعه وموقفه كيف يتابع معهم.

بالنسبة للمنافقين، لا ادري اي مذهب حالي يشبهه بالمنافقين. ما رأيك

كلسينا
01-05-2008, 05:36 PM
أخي بلال أنا ليس عندي اي خلفية عنهم . وأستغربت ورود الرسالة على ميلي ، ولذلك طرحت الموضوع للنقاش . ولكن لا أخفي عليك الموضوع لفت نظري لأنني أتفق معه بالكلية . أما بالنسبة لأهل الكتاب المعادين وغير المعادين فالأمر واضح في أيامنا هذه وعلينا قبل النظر للمعادين النظر في ألفة ووحدة صفوفنا فعدائنا لأنفسنا أشد بكثير من أي عداء لنا .

من هناك
01-05-2008, 08:22 PM
ولكن يا حاج
هناك مشكلة في التفاعل بين المذاهب الإسلامية وقد بلغ الشحن عنان السماء ولا بد قبل الخوض في التقريب وتوحيد الصفوف من النظر في الخط الذي يجب ان يقف عليه الصف المتوحد.
الشباب في جمعية التجديد من البحرين والله اعلم ولديهم ايضاً فتن داخلية مذهبية وعرقية وعشائرية ويحاولون ان يخفوا هذه الصورة بالكلام المنمق فقط بدل ان يغوصوا في العمل ويحاولوا ان يبحثوا عن حل لما يعانون منه

كلسينا
01-06-2008, 10:17 AM
هذه الحالة علينا أن نستفيد من أقوالهم ونوظفها ونعمل عليها بدل الإنضمام لهم وهذه طبعاً قواعد العمل التي نسير بها فأنا كما تعرف مع الحق والمسار ولست مع شخص أو جمعية على العمياني بكل ما يقرر وما يعمل .

من هناك
01-06-2008, 02:48 PM
جوزيت خيراً ونحن خلفك ولولا انني بايعت مقاوماً لكنت بايعتك :)

كلسينا
01-06-2008, 06:50 PM
لا يهمك أبو الليل كلنا على طريق واحد بإذن الله ورا مقاوم جنب مقاوم قدام مقاوم المهم بإذن الله الوجهة واحدة وسنكون كلنا على نفس الطريق . ونسأل الله أن يبلغنا غاياتنا بالدنيا والآخرة