من هناك
12-30-2007, 01:35 AM
العرب وموجبات التوظيف في التنمية البشرية المستدامة
مسعود ضاهر --المستقبل
يمتلك العرب طاقات مالية، وموارد طبيعية هي من الأكثر غنى في العالم. كما أن نسبة الرأسمال البشري، أي الولادات، مرتفعة لدرجة مقلقة. لكن العلاقة بين الرأسمال البشري والرأسمال المالي مختلة تماما. فرغم الطفرة النفطية الهائلة لا يوظف أثرياء العرب سوى نسبة ضئيلة جدا من أموالهم داخل العالم العربي، وبشكل خاص في مجال العمل والإنتاج.
وتشكو المدارس والجامعات العربية نقصا فادحا في الموازنات الثابتة، وهي هزيلة أساسا ولا تصل نسبة ما يوظف منها في البحث العلمي إلى نصف واحد بالمائة من موازنة معظم الدول العربية، وتذهب في الغالب للنفقات الإدارية وليس للبحث العلمي. لذلك تغادر أعداد كبيرة من أصحاب الكفاءة، والخبرة بين الأساتذة الجامعيين العرب، إلى خارج الوطن العربي.
كما أن نسبة ضئيلة جدا من طلبة البعثات التعليمية إلى الخارج، تعود إلى دولها العربية لتستقر فيها وتعمل بصورة دائمة. ونشير هنا بشكل خاص إلى هجرة من امتلك لغات حية، وثقافة عصرية، وتدرب في جامعات ومعاهد علمية وتكنولوجية متطورة في دول أوروبية وأميركية. هذا بالإضافة إلى هجرة شبه دائمة لأعداد كبيرة من المثقفين والإعلاميين العرب الذين استقروا خارج الوطن العربي لأسباب سياسية ناجمة عن نقص في الحريات العامة والخاصة، وانتشار ثقافة الفساد والإفساد على نطاق واسع.
لقد دقت تقارير التنمية الإنسانية العربية الأربعة المتلاحقة منذ العام 2002 ناقوس الخطر حول مستقبل الرأسمال البشري في الوطن العربي من حيث هو القاعدة الموضوعية للتنمية المستدامة. على العكس من ذلك يشهد الوطن العربي زحف الأمية، وانتشارها بنسبة كبيرة في صفوف الرجال والنساء بعد ان عجزت مؤسسات التعليم العربي عن مواكبة ثقافة العولمة وتقنياتها، والتفاعل مع مراكز الأبحاث المتطورة في العالم. وهذه الظاهرة جديرة بالاهتمام الجدي لأنها تجعل العرب عرضة لتأثيرات سلبية لا تقل خطورة عن التأثيرات التي مورست عليهم في عهود الاحتلال المباشر، ومختلف أشكال الحماية والوصاية.
لا تملك الدول العربية، منفردة ومجتمعة، مشاريع جدية للنهوض بالرأسمال البشري إلى مستوى تحديات عصر العولمة. وهي تحديات خطيرة جدا تمنع قيام تنمية مستدامة، وتزيد من مخاطر الانفجار الاجتماعي. كما أن مواجهة العولمة لا تتم بثقافة التلقين والحنين الدائم إلى الماضي الذهبي، بل باعتماد العلوم العصرية، واستيراد التكنولوجيا المتطورة وتوطينها تمهيدا للإبداع فيها. وذلك يتطلب فتح أبواب الحرية، والانفتاح على العلوم الجديدة، والتفاعل الجدي مع ثورة المعلومات التي تضخها الفضائيات والانترنت وباقي وسائل التواصل الحديثة. كما ان تجاهل بناء الرأسمال البشري من حيث هو رأسمال بحاجة إلى التطوير المستمر، أوصل العرب إلى ما هم عليه الآن من الضعف والتفكك والتهميش على المستويين الإقليمي والدولي.
ليس بمقدور مؤسسات التعليم العربية الانغلاق أو تجاهل الثقافات الكونية التي تسهم في توليد مقولات علمية تلعب الدور الأساسي في تحقيق إنجازات علمية كبيرة، غربا وشرقا. ولن تبقى الأنظمة العربية بمأمن من السلبيات الناجمة عن مؤسسات تعليم تفتقر إلى الموازنات الكافية لاستيعاب هذه الطفرة البشرية المتزايدة في جميع الدول العربية. ففي حين تعاني الدول الأوروبية والآسيوية المتطورة من تدني نسبة الإنجاب وتوليد مجتمع المسنين بصورة متزايدة سنوياً، تتمتع المجتمعات العربية بنسبة إنجاب مرتفعة هي بين الأعلى في العالم.
لكن الأجيال الشابة تفتقر إلى مؤسسات تعليمية عصرية، وبرامج تدريب طويلة الأمد، وإلى مؤسسات إنتاج عصرية في مختلف مجالات الزراعة، والصناعة، والخدمات، والأبحاث، وغيرها. فالتعاون بين العرب وباقي شعوب العالم لا يمكن أن يتعزز إلا على على أساس الرأسمال البشري العربي المزود بالمعارف الحديثة، والعلوم العصرية والتكنولوجيا المتطورة.
وتلعب مؤسسات التعليم العصرية دورا أساسيا في توليد أجيال جديدة من الطلبة العرب المزودين بثقافة عصر العولمة لكي يساهموا في تعزيز موقع العرب على المستوى الكوني، ومشاركة العرب الفاعلة عبر الأمم المتحدة والمنظمات الثقافية الدولية، ومنظمات حقوق الإنسان، والطاقة الذرية. ومن خلال التعاون الإيجابي بين الرأسمال البشري والرأسمال المادي يتم توليد جيل عربي جديد قادر على امتلاك ثقافة عصرية تمنع الجماهير الشعبية من الانزلاق نحو الأعمال الإرهابية، داخل العالم العربي وخارجه. وتساهم التنمية البشرية في حماية البيئة، وتناضل من أجل سلم عادل ودائم في منطقة الشرق الأوسط والعمل على تحويلها إلى منطقة خالية من كل أسلحة الدمار الشامل.
ختاما، إن تشجيع التنمية البشرية المستدامة هو المدخل الأساسي لحل مشكلات الفقر، والبطالة، والأمية في الوطن العربي. وهي التي تعزز فاعلية الدور العربي في الحركة العالمية المناهضة للعولمة الراهنة وبناء عولمة أكثر إنسانية. لكن الوصول إلى تلك الأهداف رهن بتأسيس مؤسسات تربوية وثقافية عربية قادرة على توليد أجيال متعاقبة من الباحثين العرب وتأمين الشروط الضرورية لبقائهم داخل دولهم العربية. والعرب بأمس الحاجة إلى الجمع بين التنمية البشرية والتنمية الاقتصادية المستدامة، وإلى توظيف قسم كبير من مواردهم النفطية لنشر العلوم العصرية والتكنولوجيا المتطورة، ومساعدة الشباب العربي على العلم والعمل والإنتاج.
التنمية الاقتصادية مقياس التقدم، والتنمية البشرية حجر الأساس في أي تنمية مستدامة.
مسعود ضاهر --المستقبل
يمتلك العرب طاقات مالية، وموارد طبيعية هي من الأكثر غنى في العالم. كما أن نسبة الرأسمال البشري، أي الولادات، مرتفعة لدرجة مقلقة. لكن العلاقة بين الرأسمال البشري والرأسمال المالي مختلة تماما. فرغم الطفرة النفطية الهائلة لا يوظف أثرياء العرب سوى نسبة ضئيلة جدا من أموالهم داخل العالم العربي، وبشكل خاص في مجال العمل والإنتاج.
وتشكو المدارس والجامعات العربية نقصا فادحا في الموازنات الثابتة، وهي هزيلة أساسا ولا تصل نسبة ما يوظف منها في البحث العلمي إلى نصف واحد بالمائة من موازنة معظم الدول العربية، وتذهب في الغالب للنفقات الإدارية وليس للبحث العلمي. لذلك تغادر أعداد كبيرة من أصحاب الكفاءة، والخبرة بين الأساتذة الجامعيين العرب، إلى خارج الوطن العربي.
كما أن نسبة ضئيلة جدا من طلبة البعثات التعليمية إلى الخارج، تعود إلى دولها العربية لتستقر فيها وتعمل بصورة دائمة. ونشير هنا بشكل خاص إلى هجرة من امتلك لغات حية، وثقافة عصرية، وتدرب في جامعات ومعاهد علمية وتكنولوجية متطورة في دول أوروبية وأميركية. هذا بالإضافة إلى هجرة شبه دائمة لأعداد كبيرة من المثقفين والإعلاميين العرب الذين استقروا خارج الوطن العربي لأسباب سياسية ناجمة عن نقص في الحريات العامة والخاصة، وانتشار ثقافة الفساد والإفساد على نطاق واسع.
لقد دقت تقارير التنمية الإنسانية العربية الأربعة المتلاحقة منذ العام 2002 ناقوس الخطر حول مستقبل الرأسمال البشري في الوطن العربي من حيث هو القاعدة الموضوعية للتنمية المستدامة. على العكس من ذلك يشهد الوطن العربي زحف الأمية، وانتشارها بنسبة كبيرة في صفوف الرجال والنساء بعد ان عجزت مؤسسات التعليم العربي عن مواكبة ثقافة العولمة وتقنياتها، والتفاعل مع مراكز الأبحاث المتطورة في العالم. وهذه الظاهرة جديرة بالاهتمام الجدي لأنها تجعل العرب عرضة لتأثيرات سلبية لا تقل خطورة عن التأثيرات التي مورست عليهم في عهود الاحتلال المباشر، ومختلف أشكال الحماية والوصاية.
لا تملك الدول العربية، منفردة ومجتمعة، مشاريع جدية للنهوض بالرأسمال البشري إلى مستوى تحديات عصر العولمة. وهي تحديات خطيرة جدا تمنع قيام تنمية مستدامة، وتزيد من مخاطر الانفجار الاجتماعي. كما أن مواجهة العولمة لا تتم بثقافة التلقين والحنين الدائم إلى الماضي الذهبي، بل باعتماد العلوم العصرية، واستيراد التكنولوجيا المتطورة وتوطينها تمهيدا للإبداع فيها. وذلك يتطلب فتح أبواب الحرية، والانفتاح على العلوم الجديدة، والتفاعل الجدي مع ثورة المعلومات التي تضخها الفضائيات والانترنت وباقي وسائل التواصل الحديثة. كما ان تجاهل بناء الرأسمال البشري من حيث هو رأسمال بحاجة إلى التطوير المستمر، أوصل العرب إلى ما هم عليه الآن من الضعف والتفكك والتهميش على المستويين الإقليمي والدولي.
ليس بمقدور مؤسسات التعليم العربية الانغلاق أو تجاهل الثقافات الكونية التي تسهم في توليد مقولات علمية تلعب الدور الأساسي في تحقيق إنجازات علمية كبيرة، غربا وشرقا. ولن تبقى الأنظمة العربية بمأمن من السلبيات الناجمة عن مؤسسات تعليم تفتقر إلى الموازنات الكافية لاستيعاب هذه الطفرة البشرية المتزايدة في جميع الدول العربية. ففي حين تعاني الدول الأوروبية والآسيوية المتطورة من تدني نسبة الإنجاب وتوليد مجتمع المسنين بصورة متزايدة سنوياً، تتمتع المجتمعات العربية بنسبة إنجاب مرتفعة هي بين الأعلى في العالم.
لكن الأجيال الشابة تفتقر إلى مؤسسات تعليمية عصرية، وبرامج تدريب طويلة الأمد، وإلى مؤسسات إنتاج عصرية في مختلف مجالات الزراعة، والصناعة، والخدمات، والأبحاث، وغيرها. فالتعاون بين العرب وباقي شعوب العالم لا يمكن أن يتعزز إلا على على أساس الرأسمال البشري العربي المزود بالمعارف الحديثة، والعلوم العصرية والتكنولوجيا المتطورة.
وتلعب مؤسسات التعليم العصرية دورا أساسيا في توليد أجيال جديدة من الطلبة العرب المزودين بثقافة عصر العولمة لكي يساهموا في تعزيز موقع العرب على المستوى الكوني، ومشاركة العرب الفاعلة عبر الأمم المتحدة والمنظمات الثقافية الدولية، ومنظمات حقوق الإنسان، والطاقة الذرية. ومن خلال التعاون الإيجابي بين الرأسمال البشري والرأسمال المادي يتم توليد جيل عربي جديد قادر على امتلاك ثقافة عصرية تمنع الجماهير الشعبية من الانزلاق نحو الأعمال الإرهابية، داخل العالم العربي وخارجه. وتساهم التنمية البشرية في حماية البيئة، وتناضل من أجل سلم عادل ودائم في منطقة الشرق الأوسط والعمل على تحويلها إلى منطقة خالية من كل أسلحة الدمار الشامل.
ختاما، إن تشجيع التنمية البشرية المستدامة هو المدخل الأساسي لحل مشكلات الفقر، والبطالة، والأمية في الوطن العربي. وهي التي تعزز فاعلية الدور العربي في الحركة العالمية المناهضة للعولمة الراهنة وبناء عولمة أكثر إنسانية. لكن الوصول إلى تلك الأهداف رهن بتأسيس مؤسسات تربوية وثقافية عربية قادرة على توليد أجيال متعاقبة من الباحثين العرب وتأمين الشروط الضرورية لبقائهم داخل دولهم العربية. والعرب بأمس الحاجة إلى الجمع بين التنمية البشرية والتنمية الاقتصادية المستدامة، وإلى توظيف قسم كبير من مواردهم النفطية لنشر العلوم العصرية والتكنولوجيا المتطورة، ومساعدة الشباب العربي على العلم والعمل والإنتاج.
التنمية الاقتصادية مقياس التقدم، والتنمية البشرية حجر الأساس في أي تنمية مستدامة.