ابو شجاع
10-21-2007, 03:04 PM
أميركا وإيران والعلاقة المعجمة بينهما
http://www.aljazeera.net/mritems/images/2007/10/8/1_726217_1_34.jpg (http://www.aljazeera.net/NR/exeres/4D73C0CA-E16D-478C-8F5F-CC0933DE33D6.htm#1)
حسن الحسن
يعتبر التضليل السياسي عاملاً أساسياً في إدارة الصراع بين الدول الكبرى وعنصراً فعالاً في إدارة الأزمات المختلفة بينها، وهو ما عبر عنه تشرشل بقوله لستالين أثناء لقائهما في طهران إبان الحرب العالمية الثانية "إن الحقيقة ثمينة إلى درجة أنه لا بد من حمايتها غالباً بحرس من الأكاذيب".
ولذلك تعتبر عملية التضليل هذه فناً من فنون السياسة التي تعتمدها الدول لتحقيق مصالحها وتصبح أكثر أهمية مع تحول العالم إلى قرية إلكترونية متصلة ومتواصلة على مدار الساعة، مما يمنح القوى الكبرى قدرة أكبر في التأثير على عقول الناس وتوجهاتهم.
ولا يعني هذا بحال اعتبار أن كل ما يقع أمام أعيننا مجرد مؤامرة أو عملية تضليل بالضرورة، إنما يعني الحاجة إلى تحليل الواقع وبناء الفهم السياسي على رؤية سياسية تعتمد معطيات سليمة ومعلومات صحيحة حتى لا يقع المرء في شرك الهروب من التضليل فيقع فيه.
ومما يعطل فهم الواقع السياسي على حقيقته غياب المعلومات ذات الأهمية وإبقاؤها طي الكتمان في ملفات مختومة بـ "سري للغاية" لعقود طويلة، أو من خلال تسريب كثيف لمعلومات خاطئة مضللة يربك المراقب للوضع بشكل عام ويجعله أسير الأجواء الرائجة.
وفي سياق بحث العلاقة بين إيران وأميركا نجد الكثير من التناقض والتضارب فيما يشاع عن تلك العلاقة، ولذلك كان لا بد من إخضاعها لقراءة نقدية متجردة عن الأهواء ومما هو شائع في وسائل الإعلام.
فمن جهة تتدافع التسريبات الصحفية والتصريحات الإعلامية منذرة بحرب أميركية وشيكة على إيران، وهو ما رجح وقوعه وزير خارجية فرنسا برنارد كوشنر ملوحاً بقرب شن هجوم صاعق على المنشآت النووية الإيرانية، ومن جهة أخرى تجري مفاوضات علنية بين أميركا وإيران لتسوية الأزمة التي تحياها أميركا في العراق ولمد يد العون لها.
ومن ثم يأتي تصريح الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في هذا السياق معلناً "أن بلاده على استعداد لملء الفراغ الأمني في العراق حال انسحاب القوات الأميركية منه" وهو ما أعاد تأكيده الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي علي لاريجاني بقوله "إن إيران على استعداد لضمان الأمن والاستقرار في العراق في حال ما إذا انسحبت أميركا منه".
وهذا يعني ضمنياً موافقة إيران على لعب دورٍ ما لصالح الولايات المتحدة في العراق، إذ لا يعقل أن تترك أميركا العراق لإيران غنيمة سهلة تصول وتجول فيه هكذا! بعد أن أنفقت مئات المليارات وضحت بالآلاف من جنودها فضلاً عن هيبتها التي ذهبت أدراج الرياح.
ومن ثم لماذا لا تترك أميركا العراق لأحد حلفائها المحسوبين عليها بدل تركه لإيران.. السعودية أو تركيا مثلاً!؟ مما يعني أن ترك أميركا الفرصة لإيران كي تلعب دوراً ما لها في العراق ينبغي أن يكون لقاء تسديد خدمات معينة لها فيه، وأنها تعول عليها في لعب هذا الدور على عكس ما هو رائج.
غير أن اللافت للنظر أيضاً هو أنه أمام مطالبة أميركا الدؤوبة لإيران بالتعاون معها في العراق، نجدها تنذر الجميع من أنها في حال انسحابها من ذلك البلد فإنه سيصبح أرضاً مستباحة لإيران، وفي نفس الوقت تشيع أجواء دعائية غير مريحة عنها، مما يخلق تعارضاً بين الاحتمالين؟
ومن هنا نتساءل: هل تريد أميركا فعلاً استعمال إيران لتأمين مصالحها في العراق لقاء بعض الفتات، أم أنها تفتعل كل ذلك لتهديد مناوئيها في المنطقة ولتشتيت قوى المقاومة في العراق، حيث تضع أميركا تلك الأطراف أمام خيارين هما: إما أن تفتح أبواب الحوار معها وتسلم لها بمشروعها في العراق، وإلا فإنها ستسلم البلد لإيران مما سيجتذب أطرافاً بطبيعة الحال إلى المفاوضة معها فتصطدم مع من يرفض، ليتم بهذا إغراق المقاومة في صراعات فيما بينها، بعد أن يتم توجيه أبصارها نحو إيران بدلاً من أميركا!
وهذا قد آتى بعض أكله فعلاً، إذ قام بعض المحسوبين على المقاومة بعقد صفقات مع أميركا، وتحول بعض ساسة العراق المنادين بانسحاب أميركا إلى المطالبة ببقائها وترتيب الأوضاع أمنياً وسياسياً بالتنسيق معها بحجة منع حدوث فراغ تستثمره إيران لصالحها.
وربما تكون تلك التصريحات مقدمة لأكثر من سيناريو في نفس الوقت، بمعنى إذا فشل المشروع السياسي الأميركي في العراق تماماً، وفقدت أميركا الأمل من استيعاب المقاومة في العراق، وأصابتها انتكاسات كبيرة لم تقو على تحملها، عندئذ فإن التعاقد مع إيران هو السبيل الأمثل لضمان مصالحها في المنطقة، لاسيما أن "البعبع" الإيراني سيكون لازماً لضمان عدم تفلت دول الخليج من تحت هيمنتها أيضا، تلك الدول التي بدأت تتململ علناً من سياسات الولايات المتحدة الأميركية.
http://www.aljazeera.net/mritems/images/2007/10/8/1_726217_1_34.jpg (http://www.aljazeera.net/NR/exeres/4D73C0CA-E16D-478C-8F5F-CC0933DE33D6.htm#1)
حسن الحسن
يعتبر التضليل السياسي عاملاً أساسياً في إدارة الصراع بين الدول الكبرى وعنصراً فعالاً في إدارة الأزمات المختلفة بينها، وهو ما عبر عنه تشرشل بقوله لستالين أثناء لقائهما في طهران إبان الحرب العالمية الثانية "إن الحقيقة ثمينة إلى درجة أنه لا بد من حمايتها غالباً بحرس من الأكاذيب".
ولذلك تعتبر عملية التضليل هذه فناً من فنون السياسة التي تعتمدها الدول لتحقيق مصالحها وتصبح أكثر أهمية مع تحول العالم إلى قرية إلكترونية متصلة ومتواصلة على مدار الساعة، مما يمنح القوى الكبرى قدرة أكبر في التأثير على عقول الناس وتوجهاتهم.
ولا يعني هذا بحال اعتبار أن كل ما يقع أمام أعيننا مجرد مؤامرة أو عملية تضليل بالضرورة، إنما يعني الحاجة إلى تحليل الواقع وبناء الفهم السياسي على رؤية سياسية تعتمد معطيات سليمة ومعلومات صحيحة حتى لا يقع المرء في شرك الهروب من التضليل فيقع فيه.
ومما يعطل فهم الواقع السياسي على حقيقته غياب المعلومات ذات الأهمية وإبقاؤها طي الكتمان في ملفات مختومة بـ "سري للغاية" لعقود طويلة، أو من خلال تسريب كثيف لمعلومات خاطئة مضللة يربك المراقب للوضع بشكل عام ويجعله أسير الأجواء الرائجة.
وفي سياق بحث العلاقة بين إيران وأميركا نجد الكثير من التناقض والتضارب فيما يشاع عن تلك العلاقة، ولذلك كان لا بد من إخضاعها لقراءة نقدية متجردة عن الأهواء ومما هو شائع في وسائل الإعلام.
فمن جهة تتدافع التسريبات الصحفية والتصريحات الإعلامية منذرة بحرب أميركية وشيكة على إيران، وهو ما رجح وقوعه وزير خارجية فرنسا برنارد كوشنر ملوحاً بقرب شن هجوم صاعق على المنشآت النووية الإيرانية، ومن جهة أخرى تجري مفاوضات علنية بين أميركا وإيران لتسوية الأزمة التي تحياها أميركا في العراق ولمد يد العون لها.
ومن ثم يأتي تصريح الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في هذا السياق معلناً "أن بلاده على استعداد لملء الفراغ الأمني في العراق حال انسحاب القوات الأميركية منه" وهو ما أعاد تأكيده الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي علي لاريجاني بقوله "إن إيران على استعداد لضمان الأمن والاستقرار في العراق في حال ما إذا انسحبت أميركا منه".
وهذا يعني ضمنياً موافقة إيران على لعب دورٍ ما لصالح الولايات المتحدة في العراق، إذ لا يعقل أن تترك أميركا العراق لإيران غنيمة سهلة تصول وتجول فيه هكذا! بعد أن أنفقت مئات المليارات وضحت بالآلاف من جنودها فضلاً عن هيبتها التي ذهبت أدراج الرياح.
ومن ثم لماذا لا تترك أميركا العراق لأحد حلفائها المحسوبين عليها بدل تركه لإيران.. السعودية أو تركيا مثلاً!؟ مما يعني أن ترك أميركا الفرصة لإيران كي تلعب دوراً ما لها في العراق ينبغي أن يكون لقاء تسديد خدمات معينة لها فيه، وأنها تعول عليها في لعب هذا الدور على عكس ما هو رائج.
غير أن اللافت للنظر أيضاً هو أنه أمام مطالبة أميركا الدؤوبة لإيران بالتعاون معها في العراق، نجدها تنذر الجميع من أنها في حال انسحابها من ذلك البلد فإنه سيصبح أرضاً مستباحة لإيران، وفي نفس الوقت تشيع أجواء دعائية غير مريحة عنها، مما يخلق تعارضاً بين الاحتمالين؟
ومن هنا نتساءل: هل تريد أميركا فعلاً استعمال إيران لتأمين مصالحها في العراق لقاء بعض الفتات، أم أنها تفتعل كل ذلك لتهديد مناوئيها في المنطقة ولتشتيت قوى المقاومة في العراق، حيث تضع أميركا تلك الأطراف أمام خيارين هما: إما أن تفتح أبواب الحوار معها وتسلم لها بمشروعها في العراق، وإلا فإنها ستسلم البلد لإيران مما سيجتذب أطرافاً بطبيعة الحال إلى المفاوضة معها فتصطدم مع من يرفض، ليتم بهذا إغراق المقاومة في صراعات فيما بينها، بعد أن يتم توجيه أبصارها نحو إيران بدلاً من أميركا!
وهذا قد آتى بعض أكله فعلاً، إذ قام بعض المحسوبين على المقاومة بعقد صفقات مع أميركا، وتحول بعض ساسة العراق المنادين بانسحاب أميركا إلى المطالبة ببقائها وترتيب الأوضاع أمنياً وسياسياً بالتنسيق معها بحجة منع حدوث فراغ تستثمره إيران لصالحها.
وربما تكون تلك التصريحات مقدمة لأكثر من سيناريو في نفس الوقت، بمعنى إذا فشل المشروع السياسي الأميركي في العراق تماماً، وفقدت أميركا الأمل من استيعاب المقاومة في العراق، وأصابتها انتكاسات كبيرة لم تقو على تحملها، عندئذ فإن التعاقد مع إيران هو السبيل الأمثل لضمان مصالحها في المنطقة، لاسيما أن "البعبع" الإيراني سيكون لازماً لضمان عدم تفلت دول الخليج من تحت هيمنتها أيضا، تلك الدول التي بدأت تتململ علناً من سياسات الولايات المتحدة الأميركية.