نظام الدين إبراهيم أوغلو
10-05-2007, 01:40 PM
بسم الله الرّحم الرّحيم
الروح وتركيبه في الدّين الإسلامي
نظام الدين إبراهيم أوغلو
محاضر في جامعة هيتيت ـ تركيا
[email protected]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم وبعد .
تعريف الرّوح: (الرّوح) في الأصل اللغوي تعني (النفس) والبعض يرى بأنَّ (الروح والرّيح) مُشتقّتان مِن معنىً واحد، والنّفخ في الأيات هي الرّيح. وروح الإِنسان ـ التي هي جوهرة مستقلة ـ بهذا الإِسم فذلك لأنّها تشبه النفس والريح من حيث الحركة والحياة، وكونها غير مرئية مثل النفس والريح الرّوح. ويُمكن القول بأنه جسمُ خاصٌّ رقيقٌ وشفّافٌ لايراه أحدٌ سواء أكان هي (أرواح للإنس أوالجن أوالملائكة).
حسب إدّعاء بعض العلماء أنّه مصغّر للعقل الفعّال وهو الله تعالى، لقد زوّده الله تعالى بالنّفس المطلقة، ثمّ وضعه في داخل جسدٍ مزوّدٌ بعقل ضابط لإرادة وتصرّفات الرّوح والنّفس. وهما مُغطّاة بالوجدان والضّمير ونحوه.
وهناك قول أخر يُقال أنّه لايُمكن أن يشبه المخلوق بالخالق قطعاً. وأما نظرة الفلاسفة إلى الإنسان ينظرونه على أنه جسد وروح، وعلى هذه النّظرة تنبنى فكرتهم على عالم الإنسان كلّه، وخاصة موقفهم بين الجبر والإختيار، ويقولون إذا كان الإنسان روحاً وجسداً، فإنه بهذا الوصف ذو طبيعتين : طبيعة روحية بطبيعته حُر مطلق، وطبيعة مادية بطبيعته خاضع لقيود المادة وعليه الإلتزام به، تحت إرادة العقل، والعقل كما نعلم يأخذ علمه إمّا من الله تعالى أو من الشّيطان والتي مركزه في النّفس .
الروح في القرآن الكريم:
يقول الله تعالى (الله يتوفىّ الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيُمسك التي قضى عليها الموت ويُرسل الأخرى إلى أجلٍ مسمىً إنّ في ذلك لأياتٍ لقومٍ يتفكّرون).(يوم يقوم الرّوح والملائكة صفّاً لايتكلّمون إلاّ مَن أذن له الرّحمن وقال صواباً) ، أي أنّ روح الإنسان والجن الذّكر والأنثى يقفون مع روح الملائكة صفّاً واحداّ . (ياأيّها الإنسان إنّكَ كادحٌ الى ربّكَ كدحاً فملاقيه).(ومن يُطع اللهَ والرّسول فأولئك مع الّذين أنعم الله عليهم من النّبيين والصّديقين والشّهداء والصّالحين وحسّن ألئك رفيقاً).( والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا).(فلولا إذ بلغت الحُلقوم، وأنتم حينئذٍ تنظرون). (فأمّا إنْ كانَ مِنَ المُقرّبين فروحٌ وريحانٌ وجنّة نعيمٍ وأمّا إنْ كان مِنَ المكذّبين الضّالّين فنُزُلٌ مِنْ حميمٍ وتصليةُ جحيمٍ).(ياأيتها النّفس المطمئنّة إرجعي الى ربّك راضيةً مرضيّة).(وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس). (وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٍ منه).(ويسئلونك عن الرّوح قُل الرّوح من أمر ربّي وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلاً).(يلقى الرّوح من أمره على من يشاء من عباده ليُنذر يوم التّلاق).(أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروحٍ منه تعرج الملائكة والرّوح إليه في يوم كان مقداره خمسين سنة).(تنزل الملائكة والرّوح فيها بإذن ربهم من كل أمر).(فإذا سوّيته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين).(وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا). (فأرسلنا إليها روحنا فتمثّل لها بشراً سويّاً).(ثم سوّاه ونفخ فيه من روحه) وأنظر آيات النّفخ في سورة ص 72، الحجر 29، الأنبياء 91، التّحريم كذلك.
وهناك أيات على الوحي أيضاً كثيرة تدلّ على معنى أرواح الملائكة والرّوح الأمين وروح القدس :
(إن هو إلاّ وحيٌ يوحى).(فأوحينا إليه أن اصنع الفُلك بأعيننا ووحينا).(وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط).(وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي أنكم متبعون).(يُنزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده).
الرّوح في الأحاديث النبوية :
(إنّ روح القدس نفث في روعي لن تموت نفسٌ حتّى تستكمل رزقها فإتّقوا الله وأجملوا في الطّلب) رواه الطّبراني والبزّاز والحاكم . والرّوح لايموت بموت الجسد ، بل يستقرّ في السّماء وروح المؤمن الصّالح أوالشّهيد بعد الموت يستقرّ مع الله وفي الجنّة ويُقال في جنّة العدن ويأكل من ثمر الجنّة، وترد روحهُ الى الجسد للردّ على السّلام وهي في الملأ الأعلى، ويعرِف الموتى بزيارة الأحياء من الأقرباء والأخوان والإستأناس بهم ويرّد عليهم حتى يقوموا وقد يلتقي أرواح المؤمنين بالحي ويُخبره بما لايَعلمه، كل هذا ثابتٌ في القرأن والسّنة يجب الإيمان بهم والذي ينكرهم يكون كافراً . أويفتح لهم روضة من رياض الجنة . أما روح الكافر يفتح له حفرة من النّار ويستقر في الجهنم. (القبرُ إما روضة من رياض الجنّة . أو حُفرة من حُفر النّار) رواه التّرمذي والطّبري عن أبي سعيد بسند ضعيف . (الأرواح جنودٌ مجنّدة ما تعارفَ منها إئتلفَ وما تناكرَ منها إختلفَ). ويقول عبدالحميد كشك في كتابه حقائق وحديث عن الرّوح : المؤمن من لا ينتظر بنفسه إلاّ إحدى الحُسنيين ، إما أن يعيش سيداً عزيزاً ، وإما أن يموت مقرّباً سعيداً ، وتصعد روحهُ الى أعلى عليين ويلحق بالأكرمين والملائكة المقرّبين . وروى حديث الرسول (ص) عن أبي هُريرة (رض) قال (خرجنا مع رسول الله (ص) في جنازة ، فجلس الى قبر منها، فقال ما يأتي على هذا القبر يومٌ، إلاّ وهو يُنادي بصوتٍ ذلقٍ طلقٍ : ياإبن أدم : نسيتني ؟ ألم تعلم اني بيتُ الوحدة ؟ وبيت الغُربة ؟ والوحشة ؟ وبيت الدّود ؟ وبيت الضّيق ؟ إلاّ مَن وسعني الله عليهِ ؟.. والموت خروج الروح إلى السّماء رحمة من الله تعالى ، لحكمة إلهية. وروح الأطفال ولدان مخلّدون وكذلك الشّهداء والمجاهدون إما لعدم إرتكابهم الظلم أو لرفع درجاتهم في مقام الله تعالى (إنّ الله لاينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم) رواه مسلم وإبن ماجة .(كُلّ من يدخل الجنّة على صورة آدم (ع) وطوله ستّون ذراعاً) رواه الشّيخان عن أبي هُريرة والطّبراني بسند صحيح .(من مات من أهل الدّنيا من صغرٍ أو كبيرٍ يردّون أبناء ثلاثٍ وثلاثين سنة في الجنّة ، لايزيدون عليها أبداً وكذلك أهل النّار) رواه التّرمذي .(إنّ الرّوح إذا قبض تبعه البصر) رواه مسلم .(أرواحهم في جوف طير خُضرٍ) رواه إبن حنبل .
ويُمكن تقسيم تركيب روح الإنسان إلى ما يلي :
1ـ الرّوح: التّي يُمثل الجسم الكامل الأوصاف في العقل والتّفكير والحركة والأعمال والصّفات والنّفس ونحو ذلك. فيقول الله تعالى (وإذا النّفوسُ زوّجت) التّكوير، 7. أي عند إندماج الرّوح مع الجسم في يوم القيامة. فالرّوح منذ أن يُنفخ في بطن الأم، فيبدأ عملهُ في العقل والنّفس أو الغرائز، أي يعلّمهُ الله تعالى البيان والأسماء كُلّها يوم النّفخ، ونجد هذا عند تكلم عيسى في المهد وهناك أطفال أذكياء خارق العادة يجيبون على أكثر الأسئلة. وهناك أحاديث نبوية ويقول بأنّ عمر الإنسان في الجنّة (أو عمر روحه) هو 33 سنة وطولهُ 60 ذراع وإن دلّ هذا على شئ فإنّما يدل على أنّ عمر روح الإنسان لا يتغير وكذلك ذكائه الذي في الرّوح إلى يوم القيامة والله أعلم.
والطّفل من أجل وصوله إلى العمر أعلاه عليه أن يتعلم إمّا عن طريق السّماع والقراءة والكشف رويدأ رويداً إلى أن يكون إنساناً كاملاً. وفي تفسير العياشي نقل الإِمام الباقر والصّادق (عليهما السلام) أنّهما قالا في تفسير آية (يسألونك عن الروح) ما نصَّه: «إِنّما الروح خلق مِن خلقه، لهُ بصرٌ وقوّة وتأييد، يجعلهُ في قلوب الرسل والمؤمنين». أنظر كذلك إلى قوله تعالى (وهو الّذي أنشأ لكم السّمع والأبصار والأفئدة) المؤمنون78، أي السمع والتبصرة والتّعقل يكون منبعهم الروح. ( أم تحسب أنّ أكثرهم يسمعون أو يعقلون) الفرقان، 44.
2ـ العقل أوالفؤاد أو القلب الموجود في الرّوح: وهذه القوّة العقليّة والفطرة السّليمة والحاسّة السّادسة، مرتبطة بالعقل المّادّي في المخ والمُخيخ والنّخاع المستطيل ولهُ إرتباط مع القلب والدّم، التي هو فيض من الصّورة الفيّاضة وهو العقل الأوّل أو الفّعال وهو الله تعالى، وقد تمثّل ذلك في الرّوح فهو المركز الإساسي أو المحرّك الأوّل لصدور العلوم المخزونة منها ويُمكن تصويره بالحاسوب. العُلوم المطلقة في الحاسوب يٌمكن أخذه تدريجيّاً بالنّقر أوببعض العمليّات، وعند التّعلم يُمكن إعادة المعلومات من العقل الأصل وهو الرّوح. فعند موت الإنسان لا تضمحل أو تتعطّل برنامج المعلومات المسجّلة في المركز الأصل، بل تتأثر الغطاء أي الجسم وهو لاشيء بالنسبة لى الروح.
وهناك أراء أخرى على ذلك. ويصف عبدالكريم الخطيب القلب في كتابهِ القضاء والقدر ص 112، بأنّه مثل البوصلة يضبط لك الإتّجاه، وهو الجهاز العجيب التي يُقييّم الخير والشّر وتذوق الحسن والقبيح ونحوهُ. وإنّه الحاسّة الخفيّة التي يتذوّق بها الإنسان الفضائل والرّذائل، كما يتذّوق بالّلسان طعوم الحلو والمُر. ويقول محمد إقبال في العقل والقلب في كتابهِ تحديد التّفكير الدّيني الإسلامي ص 7 " بأنّ العقل يُدرك الحقيقة جُزءاً جُزءاً والقلب يُدركها في جُملتها وكلاهما يفتقر إلى الأخر في تجديد قُواه وكلاهما يتلمّس شهوة نفس الحقيقة التي تنكشف لكل منها عل نحو يتلائم ووظيفته في الحياة ".
وآيات كثيرة تفيد معنى العقل والقلب والسمع والبصر التي في الروح: (في قلوبهم مرضٌ فزادهم الله مرضاُ) البقرة 10.(ثمّ قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشدّ قسوةً) البقرة 74. فإنّه نزّلهُ على قلبك بإذن الله لما بين يديهِ وهدىً وبُشرى للمؤمنين) البقرة 97. (ربّنا لاتُزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا) آل عمران 8. (ولكن يُؤاخذكم بما كسبت قلوبكم) البقرة 225. (يُحرّفونه من بعد ما عقلوهُ وهم يعلمون) البقرة 75.(وأكثرهم لايعقلون) المائدة 103. (إنّ السّمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنهُ مسؤلاً) الإسراء 36. (وهو الّذي أنشأ لكم السّمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون) المؤمنون 78.(وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً إن كادت لتُبدي بهِ لولا أن ربطنا لقلبها لتكون من المؤمنين) القصص 10.
3ـ غشاء تربط الجسد بالرّوح: وهي مرتبطة بالعقل الأوّل الله أعلم، وتُسمى بغشاء القلب والبصر والسّمع أو الفراسة ونور العين، ويُمكن أن نُسمي عند كلام النّاس بالوجدان والضّمير والشّعور والإحساس أيضاً. فعند الإنسان المؤمن (تُرفع أو تُرق تتدريجيّاً هذا الغُلف أي الغِشاوة وغطاء أو مفتاح للقلب الفيّاضّة، التي توصل بالرّوح)، وقد رأينا رفعها عند الأنبياء والأولياء، وإذا كان كافراً ظالماً أولم يكُن سميعاً وبصيراً لكلام الله تعالى، فيغلظ أو يتصدّأ قلبهُ، أي لا يُرق ولا يُكشف عنده هذا الغطاء أو الغُلف، كما نرى عند الطّاغين والفاسقين. لذا نراهم عديمي الوجدان والإحساس لأنّهم لايأخذون النّصيحة والكلام الطّيب ولايُحبّون التّفقه في العلوم الإسلاميّة فوصفهم الله تعالى بما يلي (ولقد ذرأنا لجهنّّم كثيراً من الجنّ واإنس لهم قُلوبٌ لا يفقهون بها ولهم أعينٌ لا يُبصرون بها ولهم أذانٌ لا يسمعون بها ألئك كالأنعام بل هُم أضلّ أولئك هُم الغافلون) الأعراف، 179. ويُمكن أنْ نعرّف الضّمير والوجدان، بأنّه سماع الخير بصوت خفي أوكشفه أومعرفته أوالحس بهِ وهذا يتم بسماع النّصيحة أو بالتّفكر في الخالق المطلق أوعند توجّهم إلى تعلم العلوم الإسلاميّة، فيتربّى أولاً في القلب ويقوم بهِ الوازع وبهِ يهتدي إلى الخير. فبعد التّربية يُرفع عندهم هذا الغطاء ويصل إلى الرّوح والفطرة السّليمة بسهولة فيعقل ويعلم الحقائق كما ذكرنا. فيكشف أو يجد كلّ الحقائق ويصل إلى معرفة الله تعالى.كما ذكرنا، ويُمكن أن نصف التّعلم بزيت أو وقود أو ضوء العقل المطلق أو الرّوح المعنوي الّذي يعمل على تحريك وتشغيل وإنارة المحرّك الأساسي. والذي يبتعد عن هذا الحس يكون قاسياً وحاقداً وظالماً ويرى نفسه على الحق أو أنّه الحق. فقال تعالى لهؤلاء الكافرين (وقالوا قُلوبنا غُلف بل لعّنهم الله بكُفرهم) البقرة،2. (وقولهم قُلوبنا غُلفٌ بل طبع الله عليها بكُفرهم) النّساء، 155. أو أنّهم يُغطّون سمعهم حتى لا يسمعوا النّصائح فقال تعالى فيهم آيات كثيرة منها ( ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غِشاوةٌ) البقرة7. (وجعلنا على قلوبهم أكنّة) الأنعام 25، الإسراء 46، الكهف 57..( وفي آذانهم وقراً) الأنعام 25. والأكنّة جمع «كنان» وهي على وَزن « لسان» وَفي الأصل تعني أي غطاء يمكن أن يستر شيئاً ما، أمّا «كِن» على وزن «جِن» فتعني الوعاء الذي يمكن أن نحفظ في داخله شيئاً ما. أمّا جمع « كن» فهو «أكنان» وَقد توسع هَذا المعنى لِيشمل أي شيء يؤدي إِلى التستُّر، كالأستار والبيت والأجسام التي يتستر الإنسان خلفها. أمّا «وَقَر» على وزن «جَبَر» فتعني ثُقل السمع، و «وِقر» على وَزن «رِزق» تعني الحمل الثقيل.
ملاحظة: الأطفال كذلك يمرّون بهذه المرحلة إلى سنّ البلوغ وعند أخذ التربية من الأبوبين والأساتذة فينفتحُ عندهم هذا الغطاء بشكل تدريجي.
4ـ النّفس المطلقة: لقد وصفه الله تعالى ب (إنّ النّفس لأمّارة بالسّوء إلاّ ما رحم ربّي) يوسف 53. ويُمكن تعريفه بأنّه الشيء نفسه أي الرّوح أو تركيبٌ مع الرّوح، وهو مركز الحواس الخمسة الموجودة في الجسم ومركز للأعمال والأفعال الشّريرة، ويُقال أنّ الإنسان مّنذ ولادته يأخذ علمهُ وأعمالهُ الطّالحة من الشّيطان، أمّا الرّوح الطّيبة فيأخذ علومه وأعماله وصفاته من الله تعالى. والجسم أو الجسد يكون مطيّة النّفس إذا لم يتحكّم العقل المتعلّم والمفكّر بها. فعند ذلك يفعل ما يأمرهُ نفسها وأخصّ للّذين لاعلاقة لهم في الله تعالى، والنّفس دائماً مأمورة بالسّوء إذا لم تتربّى تربية إيمانيّة. والقرآن الكريم يُرشدنا إلى التّقرب من الله تعالى بالتّعقّل والتّفكر والتّفقه وبالسّمع أو البصر (القراءة)، والعلم بدورهِ يصل إلى المُخ ثُمّ يعطي إيعاز إلى الرّوح الطّيبة، أمّا النّفس (الرّوح الشّريرة) فيأخذ العلوم الضّارة فقط ومن الشّيطان، وللتّعلم والتّربية فوائد كثيرة، وحتى نرى تأثيرهما في تربية الحيوانات الوحشيّة، وإذا لمْ يتربّ تربية صحيحة فيكون كما وصف القرآن الكافرين (صُمّ بُكمٌ عُميٌ فهم لا يعقلون) البقرة 171. والنفس الشّريرة عند الكافرين والشّياطين يُطعن الله كرهاً. فالإنسان السّمح الحليم الّذي يُحب التّعلم والتّفقه والتّفكّر ويحترم أراء الأخرين سوف يصل إلى الله كما ذكرنا.
وهُناك تراكيب أخرى لأرواح المخلوقات: مثل
تركيب الملائكة: يتركّب من الرّوح والعقل، والنّفس معدومة أو مرفوعة عندهُ، ولاندري هل هُم في داخل جسدٍ أم بدون جسد، ولاندري أيّ معلومات أُخرى عنهم. انواعهم كالأتي: 1ـ عزرائيل : الذي يأخذ أرواح الجن والإنس. 2ـ جبريل: الّذي يُبلّغ آيات الله إلى رسولهِ الكرام. 3ـ ميكائيل: وهو مسؤول عن الكون والطّبيعة. 4ـ إسرافيل: وهو مسؤول عن إحياء الأموات وكرام كاتبين. علماً أنّ لكلّ منهم آلاف من الملائكة تحت أوامرهم.
وتركيب الجنّ: مثل الإنسان فيتكوّن من جسد وروح ونفس وعقل وغُلف أو غطاء، وعندهم نمو وتكاثر. أكثرهم كافرون إلاّ نفرٌ منهم قد أسلموا على يد رسول الله.
وأمّا تركيب بقية الكائائنات الحيّة: ففيه إختلاف الفقهاء وأكثرهم يتفقون على أنّ لهم الجسد والنّفس والعقل المحدّد الفطري، وعندهم نمو وتكاثر، ويكون النّمو عندهم حسب نظرية النّشوء والإرتقاء كظهور الزّهرة من البراعم وظهور الشّجرة من البذرة، ومثل ذلك نمو الحيوانات والحشرات من البيض إلى الفرخ وهكذا إلى الموت، وهذه العمليّة الميكانيكيّة الفطريّة يكون بدون وجود الرّوح، لذلك يغلب عليهم النّفس فيكونوا شرهين وشهوانيين. وهناك راي أخر يقول أنّه عندهم الرّوح والعقل والنّفس أي مثل الإنسان والجن إلاّ أن عقولهم فطرية.
والله ولي التّوفيق
21.06.2006
الروح وتركيبه في الدّين الإسلامي
نظام الدين إبراهيم أوغلو
محاضر في جامعة هيتيت ـ تركيا
[email protected]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم وبعد .
تعريف الرّوح: (الرّوح) في الأصل اللغوي تعني (النفس) والبعض يرى بأنَّ (الروح والرّيح) مُشتقّتان مِن معنىً واحد، والنّفخ في الأيات هي الرّيح. وروح الإِنسان ـ التي هي جوهرة مستقلة ـ بهذا الإِسم فذلك لأنّها تشبه النفس والريح من حيث الحركة والحياة، وكونها غير مرئية مثل النفس والريح الرّوح. ويُمكن القول بأنه جسمُ خاصٌّ رقيقٌ وشفّافٌ لايراه أحدٌ سواء أكان هي (أرواح للإنس أوالجن أوالملائكة).
حسب إدّعاء بعض العلماء أنّه مصغّر للعقل الفعّال وهو الله تعالى، لقد زوّده الله تعالى بالنّفس المطلقة، ثمّ وضعه في داخل جسدٍ مزوّدٌ بعقل ضابط لإرادة وتصرّفات الرّوح والنّفس. وهما مُغطّاة بالوجدان والضّمير ونحوه.
وهناك قول أخر يُقال أنّه لايُمكن أن يشبه المخلوق بالخالق قطعاً. وأما نظرة الفلاسفة إلى الإنسان ينظرونه على أنه جسد وروح، وعلى هذه النّظرة تنبنى فكرتهم على عالم الإنسان كلّه، وخاصة موقفهم بين الجبر والإختيار، ويقولون إذا كان الإنسان روحاً وجسداً، فإنه بهذا الوصف ذو طبيعتين : طبيعة روحية بطبيعته حُر مطلق، وطبيعة مادية بطبيعته خاضع لقيود المادة وعليه الإلتزام به، تحت إرادة العقل، والعقل كما نعلم يأخذ علمه إمّا من الله تعالى أو من الشّيطان والتي مركزه في النّفس .
الروح في القرآن الكريم:
يقول الله تعالى (الله يتوفىّ الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيُمسك التي قضى عليها الموت ويُرسل الأخرى إلى أجلٍ مسمىً إنّ في ذلك لأياتٍ لقومٍ يتفكّرون).(يوم يقوم الرّوح والملائكة صفّاً لايتكلّمون إلاّ مَن أذن له الرّحمن وقال صواباً) ، أي أنّ روح الإنسان والجن الذّكر والأنثى يقفون مع روح الملائكة صفّاً واحداّ . (ياأيّها الإنسان إنّكَ كادحٌ الى ربّكَ كدحاً فملاقيه).(ومن يُطع اللهَ والرّسول فأولئك مع الّذين أنعم الله عليهم من النّبيين والصّديقين والشّهداء والصّالحين وحسّن ألئك رفيقاً).( والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا).(فلولا إذ بلغت الحُلقوم، وأنتم حينئذٍ تنظرون). (فأمّا إنْ كانَ مِنَ المُقرّبين فروحٌ وريحانٌ وجنّة نعيمٍ وأمّا إنْ كان مِنَ المكذّبين الضّالّين فنُزُلٌ مِنْ حميمٍ وتصليةُ جحيمٍ).(ياأيتها النّفس المطمئنّة إرجعي الى ربّك راضيةً مرضيّة).(وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس). (وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٍ منه).(ويسئلونك عن الرّوح قُل الرّوح من أمر ربّي وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلاً).(يلقى الرّوح من أمره على من يشاء من عباده ليُنذر يوم التّلاق).(أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروحٍ منه تعرج الملائكة والرّوح إليه في يوم كان مقداره خمسين سنة).(تنزل الملائكة والرّوح فيها بإذن ربهم من كل أمر).(فإذا سوّيته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين).(وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا). (فأرسلنا إليها روحنا فتمثّل لها بشراً سويّاً).(ثم سوّاه ونفخ فيه من روحه) وأنظر آيات النّفخ في سورة ص 72، الحجر 29، الأنبياء 91، التّحريم كذلك.
وهناك أيات على الوحي أيضاً كثيرة تدلّ على معنى أرواح الملائكة والرّوح الأمين وروح القدس :
(إن هو إلاّ وحيٌ يوحى).(فأوحينا إليه أن اصنع الفُلك بأعيننا ووحينا).(وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط).(وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي أنكم متبعون).(يُنزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده).
الرّوح في الأحاديث النبوية :
(إنّ روح القدس نفث في روعي لن تموت نفسٌ حتّى تستكمل رزقها فإتّقوا الله وأجملوا في الطّلب) رواه الطّبراني والبزّاز والحاكم . والرّوح لايموت بموت الجسد ، بل يستقرّ في السّماء وروح المؤمن الصّالح أوالشّهيد بعد الموت يستقرّ مع الله وفي الجنّة ويُقال في جنّة العدن ويأكل من ثمر الجنّة، وترد روحهُ الى الجسد للردّ على السّلام وهي في الملأ الأعلى، ويعرِف الموتى بزيارة الأحياء من الأقرباء والأخوان والإستأناس بهم ويرّد عليهم حتى يقوموا وقد يلتقي أرواح المؤمنين بالحي ويُخبره بما لايَعلمه، كل هذا ثابتٌ في القرأن والسّنة يجب الإيمان بهم والذي ينكرهم يكون كافراً . أويفتح لهم روضة من رياض الجنة . أما روح الكافر يفتح له حفرة من النّار ويستقر في الجهنم. (القبرُ إما روضة من رياض الجنّة . أو حُفرة من حُفر النّار) رواه التّرمذي والطّبري عن أبي سعيد بسند ضعيف . (الأرواح جنودٌ مجنّدة ما تعارفَ منها إئتلفَ وما تناكرَ منها إختلفَ). ويقول عبدالحميد كشك في كتابه حقائق وحديث عن الرّوح : المؤمن من لا ينتظر بنفسه إلاّ إحدى الحُسنيين ، إما أن يعيش سيداً عزيزاً ، وإما أن يموت مقرّباً سعيداً ، وتصعد روحهُ الى أعلى عليين ويلحق بالأكرمين والملائكة المقرّبين . وروى حديث الرسول (ص) عن أبي هُريرة (رض) قال (خرجنا مع رسول الله (ص) في جنازة ، فجلس الى قبر منها، فقال ما يأتي على هذا القبر يومٌ، إلاّ وهو يُنادي بصوتٍ ذلقٍ طلقٍ : ياإبن أدم : نسيتني ؟ ألم تعلم اني بيتُ الوحدة ؟ وبيت الغُربة ؟ والوحشة ؟ وبيت الدّود ؟ وبيت الضّيق ؟ إلاّ مَن وسعني الله عليهِ ؟.. والموت خروج الروح إلى السّماء رحمة من الله تعالى ، لحكمة إلهية. وروح الأطفال ولدان مخلّدون وكذلك الشّهداء والمجاهدون إما لعدم إرتكابهم الظلم أو لرفع درجاتهم في مقام الله تعالى (إنّ الله لاينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم) رواه مسلم وإبن ماجة .(كُلّ من يدخل الجنّة على صورة آدم (ع) وطوله ستّون ذراعاً) رواه الشّيخان عن أبي هُريرة والطّبراني بسند صحيح .(من مات من أهل الدّنيا من صغرٍ أو كبيرٍ يردّون أبناء ثلاثٍ وثلاثين سنة في الجنّة ، لايزيدون عليها أبداً وكذلك أهل النّار) رواه التّرمذي .(إنّ الرّوح إذا قبض تبعه البصر) رواه مسلم .(أرواحهم في جوف طير خُضرٍ) رواه إبن حنبل .
ويُمكن تقسيم تركيب روح الإنسان إلى ما يلي :
1ـ الرّوح: التّي يُمثل الجسم الكامل الأوصاف في العقل والتّفكير والحركة والأعمال والصّفات والنّفس ونحو ذلك. فيقول الله تعالى (وإذا النّفوسُ زوّجت) التّكوير، 7. أي عند إندماج الرّوح مع الجسم في يوم القيامة. فالرّوح منذ أن يُنفخ في بطن الأم، فيبدأ عملهُ في العقل والنّفس أو الغرائز، أي يعلّمهُ الله تعالى البيان والأسماء كُلّها يوم النّفخ، ونجد هذا عند تكلم عيسى في المهد وهناك أطفال أذكياء خارق العادة يجيبون على أكثر الأسئلة. وهناك أحاديث نبوية ويقول بأنّ عمر الإنسان في الجنّة (أو عمر روحه) هو 33 سنة وطولهُ 60 ذراع وإن دلّ هذا على شئ فإنّما يدل على أنّ عمر روح الإنسان لا يتغير وكذلك ذكائه الذي في الرّوح إلى يوم القيامة والله أعلم.
والطّفل من أجل وصوله إلى العمر أعلاه عليه أن يتعلم إمّا عن طريق السّماع والقراءة والكشف رويدأ رويداً إلى أن يكون إنساناً كاملاً. وفي تفسير العياشي نقل الإِمام الباقر والصّادق (عليهما السلام) أنّهما قالا في تفسير آية (يسألونك عن الروح) ما نصَّه: «إِنّما الروح خلق مِن خلقه، لهُ بصرٌ وقوّة وتأييد، يجعلهُ في قلوب الرسل والمؤمنين». أنظر كذلك إلى قوله تعالى (وهو الّذي أنشأ لكم السّمع والأبصار والأفئدة) المؤمنون78، أي السمع والتبصرة والتّعقل يكون منبعهم الروح. ( أم تحسب أنّ أكثرهم يسمعون أو يعقلون) الفرقان، 44.
2ـ العقل أوالفؤاد أو القلب الموجود في الرّوح: وهذه القوّة العقليّة والفطرة السّليمة والحاسّة السّادسة، مرتبطة بالعقل المّادّي في المخ والمُخيخ والنّخاع المستطيل ولهُ إرتباط مع القلب والدّم، التي هو فيض من الصّورة الفيّاضة وهو العقل الأوّل أو الفّعال وهو الله تعالى، وقد تمثّل ذلك في الرّوح فهو المركز الإساسي أو المحرّك الأوّل لصدور العلوم المخزونة منها ويُمكن تصويره بالحاسوب. العُلوم المطلقة في الحاسوب يٌمكن أخذه تدريجيّاً بالنّقر أوببعض العمليّات، وعند التّعلم يُمكن إعادة المعلومات من العقل الأصل وهو الرّوح. فعند موت الإنسان لا تضمحل أو تتعطّل برنامج المعلومات المسجّلة في المركز الأصل، بل تتأثر الغطاء أي الجسم وهو لاشيء بالنسبة لى الروح.
وهناك أراء أخرى على ذلك. ويصف عبدالكريم الخطيب القلب في كتابهِ القضاء والقدر ص 112، بأنّه مثل البوصلة يضبط لك الإتّجاه، وهو الجهاز العجيب التي يُقييّم الخير والشّر وتذوق الحسن والقبيح ونحوهُ. وإنّه الحاسّة الخفيّة التي يتذوّق بها الإنسان الفضائل والرّذائل، كما يتذّوق بالّلسان طعوم الحلو والمُر. ويقول محمد إقبال في العقل والقلب في كتابهِ تحديد التّفكير الدّيني الإسلامي ص 7 " بأنّ العقل يُدرك الحقيقة جُزءاً جُزءاً والقلب يُدركها في جُملتها وكلاهما يفتقر إلى الأخر في تجديد قُواه وكلاهما يتلمّس شهوة نفس الحقيقة التي تنكشف لكل منها عل نحو يتلائم ووظيفته في الحياة ".
وآيات كثيرة تفيد معنى العقل والقلب والسمع والبصر التي في الروح: (في قلوبهم مرضٌ فزادهم الله مرضاُ) البقرة 10.(ثمّ قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشدّ قسوةً) البقرة 74. فإنّه نزّلهُ على قلبك بإذن الله لما بين يديهِ وهدىً وبُشرى للمؤمنين) البقرة 97. (ربّنا لاتُزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا) آل عمران 8. (ولكن يُؤاخذكم بما كسبت قلوبكم) البقرة 225. (يُحرّفونه من بعد ما عقلوهُ وهم يعلمون) البقرة 75.(وأكثرهم لايعقلون) المائدة 103. (إنّ السّمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنهُ مسؤلاً) الإسراء 36. (وهو الّذي أنشأ لكم السّمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون) المؤمنون 78.(وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً إن كادت لتُبدي بهِ لولا أن ربطنا لقلبها لتكون من المؤمنين) القصص 10.
3ـ غشاء تربط الجسد بالرّوح: وهي مرتبطة بالعقل الأوّل الله أعلم، وتُسمى بغشاء القلب والبصر والسّمع أو الفراسة ونور العين، ويُمكن أن نُسمي عند كلام النّاس بالوجدان والضّمير والشّعور والإحساس أيضاً. فعند الإنسان المؤمن (تُرفع أو تُرق تتدريجيّاً هذا الغُلف أي الغِشاوة وغطاء أو مفتاح للقلب الفيّاضّة، التي توصل بالرّوح)، وقد رأينا رفعها عند الأنبياء والأولياء، وإذا كان كافراً ظالماً أولم يكُن سميعاً وبصيراً لكلام الله تعالى، فيغلظ أو يتصدّأ قلبهُ، أي لا يُرق ولا يُكشف عنده هذا الغطاء أو الغُلف، كما نرى عند الطّاغين والفاسقين. لذا نراهم عديمي الوجدان والإحساس لأنّهم لايأخذون النّصيحة والكلام الطّيب ولايُحبّون التّفقه في العلوم الإسلاميّة فوصفهم الله تعالى بما يلي (ولقد ذرأنا لجهنّّم كثيراً من الجنّ واإنس لهم قُلوبٌ لا يفقهون بها ولهم أعينٌ لا يُبصرون بها ولهم أذانٌ لا يسمعون بها ألئك كالأنعام بل هُم أضلّ أولئك هُم الغافلون) الأعراف، 179. ويُمكن أنْ نعرّف الضّمير والوجدان، بأنّه سماع الخير بصوت خفي أوكشفه أومعرفته أوالحس بهِ وهذا يتم بسماع النّصيحة أو بالتّفكر في الخالق المطلق أوعند توجّهم إلى تعلم العلوم الإسلاميّة، فيتربّى أولاً في القلب ويقوم بهِ الوازع وبهِ يهتدي إلى الخير. فبعد التّربية يُرفع عندهم هذا الغطاء ويصل إلى الرّوح والفطرة السّليمة بسهولة فيعقل ويعلم الحقائق كما ذكرنا. فيكشف أو يجد كلّ الحقائق ويصل إلى معرفة الله تعالى.كما ذكرنا، ويُمكن أن نصف التّعلم بزيت أو وقود أو ضوء العقل المطلق أو الرّوح المعنوي الّذي يعمل على تحريك وتشغيل وإنارة المحرّك الأساسي. والذي يبتعد عن هذا الحس يكون قاسياً وحاقداً وظالماً ويرى نفسه على الحق أو أنّه الحق. فقال تعالى لهؤلاء الكافرين (وقالوا قُلوبنا غُلف بل لعّنهم الله بكُفرهم) البقرة،2. (وقولهم قُلوبنا غُلفٌ بل طبع الله عليها بكُفرهم) النّساء، 155. أو أنّهم يُغطّون سمعهم حتى لا يسمعوا النّصائح فقال تعالى فيهم آيات كثيرة منها ( ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غِشاوةٌ) البقرة7. (وجعلنا على قلوبهم أكنّة) الأنعام 25، الإسراء 46، الكهف 57..( وفي آذانهم وقراً) الأنعام 25. والأكنّة جمع «كنان» وهي على وَزن « لسان» وَفي الأصل تعني أي غطاء يمكن أن يستر شيئاً ما، أمّا «كِن» على وزن «جِن» فتعني الوعاء الذي يمكن أن نحفظ في داخله شيئاً ما. أمّا جمع « كن» فهو «أكنان» وَقد توسع هَذا المعنى لِيشمل أي شيء يؤدي إِلى التستُّر، كالأستار والبيت والأجسام التي يتستر الإنسان خلفها. أمّا «وَقَر» على وزن «جَبَر» فتعني ثُقل السمع، و «وِقر» على وَزن «رِزق» تعني الحمل الثقيل.
ملاحظة: الأطفال كذلك يمرّون بهذه المرحلة إلى سنّ البلوغ وعند أخذ التربية من الأبوبين والأساتذة فينفتحُ عندهم هذا الغطاء بشكل تدريجي.
4ـ النّفس المطلقة: لقد وصفه الله تعالى ب (إنّ النّفس لأمّارة بالسّوء إلاّ ما رحم ربّي) يوسف 53. ويُمكن تعريفه بأنّه الشيء نفسه أي الرّوح أو تركيبٌ مع الرّوح، وهو مركز الحواس الخمسة الموجودة في الجسم ومركز للأعمال والأفعال الشّريرة، ويُقال أنّ الإنسان مّنذ ولادته يأخذ علمهُ وأعمالهُ الطّالحة من الشّيطان، أمّا الرّوح الطّيبة فيأخذ علومه وأعماله وصفاته من الله تعالى. والجسم أو الجسد يكون مطيّة النّفس إذا لم يتحكّم العقل المتعلّم والمفكّر بها. فعند ذلك يفعل ما يأمرهُ نفسها وأخصّ للّذين لاعلاقة لهم في الله تعالى، والنّفس دائماً مأمورة بالسّوء إذا لم تتربّى تربية إيمانيّة. والقرآن الكريم يُرشدنا إلى التّقرب من الله تعالى بالتّعقّل والتّفكر والتّفقه وبالسّمع أو البصر (القراءة)، والعلم بدورهِ يصل إلى المُخ ثُمّ يعطي إيعاز إلى الرّوح الطّيبة، أمّا النّفس (الرّوح الشّريرة) فيأخذ العلوم الضّارة فقط ومن الشّيطان، وللتّعلم والتّربية فوائد كثيرة، وحتى نرى تأثيرهما في تربية الحيوانات الوحشيّة، وإذا لمْ يتربّ تربية صحيحة فيكون كما وصف القرآن الكافرين (صُمّ بُكمٌ عُميٌ فهم لا يعقلون) البقرة 171. والنفس الشّريرة عند الكافرين والشّياطين يُطعن الله كرهاً. فالإنسان السّمح الحليم الّذي يُحب التّعلم والتّفقه والتّفكّر ويحترم أراء الأخرين سوف يصل إلى الله كما ذكرنا.
وهُناك تراكيب أخرى لأرواح المخلوقات: مثل
تركيب الملائكة: يتركّب من الرّوح والعقل، والنّفس معدومة أو مرفوعة عندهُ، ولاندري هل هُم في داخل جسدٍ أم بدون جسد، ولاندري أيّ معلومات أُخرى عنهم. انواعهم كالأتي: 1ـ عزرائيل : الذي يأخذ أرواح الجن والإنس. 2ـ جبريل: الّذي يُبلّغ آيات الله إلى رسولهِ الكرام. 3ـ ميكائيل: وهو مسؤول عن الكون والطّبيعة. 4ـ إسرافيل: وهو مسؤول عن إحياء الأموات وكرام كاتبين. علماً أنّ لكلّ منهم آلاف من الملائكة تحت أوامرهم.
وتركيب الجنّ: مثل الإنسان فيتكوّن من جسد وروح ونفس وعقل وغُلف أو غطاء، وعندهم نمو وتكاثر. أكثرهم كافرون إلاّ نفرٌ منهم قد أسلموا على يد رسول الله.
وأمّا تركيب بقية الكائائنات الحيّة: ففيه إختلاف الفقهاء وأكثرهم يتفقون على أنّ لهم الجسد والنّفس والعقل المحدّد الفطري، وعندهم نمو وتكاثر، ويكون النّمو عندهم حسب نظرية النّشوء والإرتقاء كظهور الزّهرة من البراعم وظهور الشّجرة من البذرة، ومثل ذلك نمو الحيوانات والحشرات من البيض إلى الفرخ وهكذا إلى الموت، وهذه العمليّة الميكانيكيّة الفطريّة يكون بدون وجود الرّوح، لذلك يغلب عليهم النّفس فيكونوا شرهين وشهوانيين. وهناك راي أخر يقول أنّه عندهم الرّوح والعقل والنّفس أي مثل الإنسان والجن إلاّ أن عقولهم فطرية.
والله ولي التّوفيق
21.06.2006