ابو شجاع
09-30-2007, 06:39 PM
خطاب مفتوح لمؤتمر ( نحو إسلام ديموقراطي مدنيّ ) المنعقد في عمان
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدي رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
السادة المشاركين في مؤتمر نحو إسلام ديمقراطي مدني، الذي عقد في عمان، السلام عليكم ورحمة الله
إنّي أخاطبكم عملا بقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: " الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم " ، ولأننا نحرص عليكم أن لا تجدفوا عكس تيار الأمة المتدفق بغزارة نحو إسلامها ، وحرصا عليكم أن لا تقعوا فريسة المشروع الأمريكي الاستعماري للسيطرة على العالم، ولأننا نربؤ بكم أن ترددوا نفس الاسطوانة التي يتغنى بها المحافظون الجدد ، حتى وهم ينحدرون نحو هاوية أوصلوا العالم كله فيها إلى درك الشقاء.
لقد تعرضتم في بيانكم الختامي إلى أفكار كثيرة تستحق تسويد الصفحات في بيان تهافتها والردّ عليها وبيان موقف الإسلام منها ، إلا أنني آثرت أن أكتفي بالردّ على موضوعين أساسيين :
أما أولهما فهو موضوع الديمقراطية ، وأما الثاني فهو أن الخلافة هي شكل الحكم الوحيد في الإسلام.
أيها السادة :
إنه لمما يدمي القلب أن يكون فيكم ممثلين لحركات إسلامية ، ومفكرين ، وصحفيين ، الأصل فيهم أن يكونوا نبض الأمة ، وطليعتها في معركة التغيير، منطلقين من مفاهيم تنهض بالأمة الاسلامية من ارتكاستها، وتأخذ بيدها إلى معراج المكانة التي تستحقها بين الأمم ، ولكننا نراكم لا ترضون لها إلا التبعية المحضة للحضارة الغربية ، تلك الحضارة التي يقول فيها فيلسوف فرنسا أندري ماكرو: " إن حضارتنا هي الحضارة الوحيدة في التاريخ التي تجيب على سؤال: ما معنى حياتنا؟ بـ لا أعرف ".
- حضارة قيم السوق ، تلك التي قامت على أشلاء البشرية ، تلك الحضارة التي كتبت بحبر من دماء الشعوب غير البيضاء، فكتب التاريخ شاهدة على أن الأوروبيين هم الذين قتلوا تسعة من كل عشرة أفارقة ليستعبدوا عاشرهم ، وكان عدد من استجلبوهم من الرقيق عشرة ملايين، مما يعني أنهم قتلوا تسعين مليونا .! وهم الذين أبادوا الهنود الحمر في أمريكا الشمالية ، فقد أقدمت الحكومات الأمريكية المتعاقبة على إبادة قبائل الأنكا التي فقدت ٨٠ % من عددها بسبب التصفية العرقية ، وأعطى جورج واشنطن الدرس نفسه لقبائل الايروكواس ، عندما كلف جيشه بتدمير مجتمعها وسحق حضارتها...
- يكفينا أن نذكر أنه في عام 1730م أصدرت الجمعية التشريعية ( البرلمان) الأمريكي لمن يسمون أنفسهم (البروتستانت الأطهار) تشريعا يبيح عملية الإبادة لمن تبقى من الهنود الحمر ، فأصدرت قرارا بتقديم مكافأة مقدارها 40 جنيها مقابل كل فروة مسلوخة من رأس هندي أحمر، و40 جنيها مقابل أسر كل واحد منهم ، وبعد خمسة عشر عاما ارتفعت المكافأة إلى 100 جنيه ، و50 جنيه مقابل كل فروة رأس إمرأه أو فروة رأس طفل (هذه هي الحضارة الأمريكية التي يتشدق بها بعض المفكرين).
- وفي عام 1763م أمر القائد الأمريكي (البريطاني الأصل) جفري أهرست برمي بطانيات كانت تستخدم في مصحات علاج الجدري إلى الهنود الحمر، بهدف نشر المرض بينهم مما أدى إلى انتشار الوباء الذي نتج عنه موت الملايين من الهنود، ونتج عن ذلك شبه إفناء للسكان الأصليين في القارة الأمريكية.
- والديمقراطيون الغربيون في عصر التنوير، هم من ارتكب هذه الفظائع التي لم يقم منظـِّرٌ واحدٌ من منظري حضارتهم الكبار أو مفكريهم وفلاسفتهم ، بالتصريح بمقولة تستنكر هذه الجرائم ، بل إن بعضهم باركها واعتبرها حقا طبيعيا للجنس الأبيض، وما زال هذا دأبهم في كل عصر، أفلا تستغربون صمت منظري الديمقراطية الكبار عن مثل هذه الجرائم التي تقوم بها الدول التي بشروا بها، ونظّروا للأفكار التي عليها أن تسير عليها؟
- لقد حدد وودرو ويلسون قائلاً : " واجبنا الخاص " تجاه كل شعب مستعمر هو " أن نعيد لهذا الشعب النظام والسيادة ". و" ندربه على القانون والتعود عليه وإطاعته " . هذا يعني من الناحية العلمية الخضوع لـ " حقنا " في سرقة هذا الشعب واستغلاله . وشرح ويلسون باختصار الدور الذي تلعبه القوة الأمريكية في هذا المشروع قائلاً : " انطلاقا من حقيقة أن التجارة ليس لها حدود قومية ، وانطلاقا من أن الصناعي يريد امتلاك العالم من أجل الأسواق ، فان على علم بلاده أن يتبعه أينما ذهب ، وعلى الأبواب المغلقة للأمم الأخرى أن تُخلع ، وعلى وزراء الولايات المتحدة أن يحموا امتيازات أصحاب رؤوس الأموال ، حتى ولو أدى ذلك إلى انتهاك سيادة الأمم الأخرى المتمردة . يجب خلق المستعمرات أو الحصول عليها ، بحيث لا نهمل أو نتغاضى عن أصغر زاوية في العالم ". وقد طبّق ويلسون عقيدته هذه عندما أصبح رئيساً للجمهورية بعد بضع سنين ، فقام بغزو المكسيك وجزيرة اسبانيولا التي تشكل هاييتي وجمهورية الدومينكان.
- ومما يشهد على وضاعة الحضارة الديمقراطية جواب مادلين أولبرايت عن سؤال ليزلي ستال من قناة سي بي أس عندما سألها: " هل تعتبرين دم نصف مليون طفل عراقي، إبادة كل تلك الضحايا ثمنا يستحق العملية ؟، فأجابت المتعجرفة الديمقراطية أولبرايت: أعتقد أن هذا اختيار في منتهى الصعوبة، لكن الثمن كما نرى يستحق ".
- وعند انتخاب جورج باباندريو رئيسا لوزراء اليونان في 1964م ، لم تلق شهرته الليبرالية استحسانا في واشنطن. فسارت الأمور من سيئ إلى أسوأ عندما أزعجت اليونان الولايات المتحدة بالتشاحن مع تركيا على قبرص ، واعتراضها على خطط الولايات المتحدة بتقسيم الجزيرة. عندها استدعى الرئيسُ الأمريكي ليندون جونسون السفيرَ اليوناني ليلقنه درسا موجزا في السياسة قائلا له بكل وقاحة : " لتنكح (.....) برلمانك ودستورك ... أمريكا ما هي إلا فيل ... وقبرص برغوث ... لو استمر هذان البرغوثان في إزعاج الفيل ، فلا ينتظرا سوى ضربة ساحقة من قدم الفيل تسحقهما سحقا تاما ... إننا ندفع كمية طيبة من رزم الدولارات الأمريكية لليونان ، أيها السيد السفير: لو حدثني رئيس وزرائك عن الديموقراطية ، والبرلمان ، والدساتير ، لن يمكث هو ولا برلمانه ولا دستوره طويلا جدا."
- ومن تلك المآثر الديموقراطية، صرخة رونالد ريغان الرئيس الأمريكي الأسبق، التي أطلقها عام 1981م في المؤتمر الصحفي الذي جرى في أكتوبر داخل البيت الابيض والتي قال فيها: " إن الولايات المتحدة لن تسمح بأن تخرج المملكة العربية السعودية من المعسكر الغربي ... إن على واشنطن منذ اليوم تحديد النظام الذي يجب أن يكون في هذا البلد، وأية حكومة يجب أن تحكمه". قد تكون هذه مفاجأة للذين يسبّحون بحمد الولايات المتحدة، ولكن المراقبين السياسيين والمطلعين على حقيقة السياسة الامريكية، يعرفون أن هذه الصرخة ما هي إلاّ تذكير بأن الولايات المتحدة لم تغير ولن تغير سياستها تجاه الشعوب، تلك السياسة الاستعمارية التي ورثتها عن كل الديمقراطيات الأوروبية من قبل.
- يقول بول نيتش رئيس جهاز التخطيط في وزارة الخارجية الأمريكية عام 1950م : " تمتلك الولايات المتحدة قوة كونية ، لهذا سيكون من الضروري أن نحدد لنا عدواً كونياً ، وعلينا أن نضفي على هذا العدو كل صفات الشيطان ، بحيث يصبح كل تدخل أو عدوان للولايات المتحدة مبرراً مسبقاً ، وكأنه عمل دفاعي تجاه خطر يشمل الأرض كلها ".
أيها السادة :
هذا غيض من فيض الحضارة الغربية ، أما أكذوبة (الديمقراطية وحقوق الانسان) الكبرى التي ما زالت تنادي بها الولايات المتحدة، فإن جورج كينان رئيس جهاز التخطيط في وزارة الخارجية الامريكية عام 1948م يكشف لنا حقيقتها بقوله: " نحن نملك 50% من ثروات العالم ولكننا لا نشكل اكثر من 6.3% من سكان الارض ، وفي مثل هذا الوضع يبدو أنه لا مناص من أن نكون موضع غيرة وحسد الآخرين ، وسيكون جهدنا الاساس في الحقبة المقبلة تطوير نظام من العلاقات، يسمح لنا بالاحتفاظ بهذا الوضع المتّسم بعدم المساواة ، دون أن نعرّض أمننا القومي للخطر ، ويجب علينا لتحقيق ذلك أن نتخلص من العاطفة تماماً ، وأن نتوقف عن أحلام اليقظة. يجب أن يتركز انتباهنا في كل مكان على أهدافنا الوطنية الراهنة ، علينا أن لا نخدع انفسنا، ولا نستطيع أن نسمح لأنفسنا اليوم بالغوص في ترف التفكير بالإيثار وعمل الخير على مستوى العالم. علينا التوقف عن الحديث عن مواضيع غامضة أو غير ممكنة التحقيق تتعلق بالشرق الاقصى ، مثل حقوق الانسان ، أو تحسين مستوى المعيشة ، أو إحلال النظام الديمقراطي. ولن يكون بعيداً ذلك اليوم الذين سنجد فيه أنفسنا مضطرين للتحرك بصراحة من خلال علاقات القوة. وبقدر ما يكون ارتباكنا بسبب الشعارات المثالية أقل بقدر ما يكون ذلك أفضل".
ولمن أراد منكم المزيد فليراجع ما كتبه روجيه غارودي في كتابيه : الولايات المتحدة طليعة الانحطاط ، وحفارو القبور.
أيها السادة :
لم يكن القيام بهذه البشاعات والانتهاكات حكراً على الولايات المتحدة حاملة لواء الديمقراطية في العالم هذه الأيام، بل لقد ارتكبت جلّ دول أوروبا فظاعات مماثلة قديماً وحديثاً ، وكلّها تحمل لواء الديمقرطية ، وهذا يبيّن أن الاستعمار والنهب والإفساد في الأرض كلها جزء لا يتجزأ من النظام الديمقراطي من حيث هو، مارسته بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال وهولندا وبلجيكا وكندا ... هذا وغيره الكثير يكفي لوصم الديمقراطية بشكل قاطع ، بأنها هي النظام الأشد إفساداً الذي عرفته البشرية عبر عصورها المتعاقبة على وجه هذه الأرض، وإنه لمن السخرية أن تقوم ثلاث وأربعون دولة ديمقراطية بمقاضاة دكتاتور واحد، في الوقت التي تتجاوز مخازي هؤلاء القضاة عشرات أضعاف مخازيه، فلا يقدم مجرم واحد منهم للمحاكمة أمام شرعة هذه الديمقراطية، لأنه ببساطة مجرم ديمقراطي.
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدي رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
السادة المشاركين في مؤتمر نحو إسلام ديمقراطي مدني، الذي عقد في عمان، السلام عليكم ورحمة الله
إنّي أخاطبكم عملا بقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: " الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم " ، ولأننا نحرص عليكم أن لا تجدفوا عكس تيار الأمة المتدفق بغزارة نحو إسلامها ، وحرصا عليكم أن لا تقعوا فريسة المشروع الأمريكي الاستعماري للسيطرة على العالم، ولأننا نربؤ بكم أن ترددوا نفس الاسطوانة التي يتغنى بها المحافظون الجدد ، حتى وهم ينحدرون نحو هاوية أوصلوا العالم كله فيها إلى درك الشقاء.
لقد تعرضتم في بيانكم الختامي إلى أفكار كثيرة تستحق تسويد الصفحات في بيان تهافتها والردّ عليها وبيان موقف الإسلام منها ، إلا أنني آثرت أن أكتفي بالردّ على موضوعين أساسيين :
أما أولهما فهو موضوع الديمقراطية ، وأما الثاني فهو أن الخلافة هي شكل الحكم الوحيد في الإسلام.
أيها السادة :
إنه لمما يدمي القلب أن يكون فيكم ممثلين لحركات إسلامية ، ومفكرين ، وصحفيين ، الأصل فيهم أن يكونوا نبض الأمة ، وطليعتها في معركة التغيير، منطلقين من مفاهيم تنهض بالأمة الاسلامية من ارتكاستها، وتأخذ بيدها إلى معراج المكانة التي تستحقها بين الأمم ، ولكننا نراكم لا ترضون لها إلا التبعية المحضة للحضارة الغربية ، تلك الحضارة التي يقول فيها فيلسوف فرنسا أندري ماكرو: " إن حضارتنا هي الحضارة الوحيدة في التاريخ التي تجيب على سؤال: ما معنى حياتنا؟ بـ لا أعرف ".
- حضارة قيم السوق ، تلك التي قامت على أشلاء البشرية ، تلك الحضارة التي كتبت بحبر من دماء الشعوب غير البيضاء، فكتب التاريخ شاهدة على أن الأوروبيين هم الذين قتلوا تسعة من كل عشرة أفارقة ليستعبدوا عاشرهم ، وكان عدد من استجلبوهم من الرقيق عشرة ملايين، مما يعني أنهم قتلوا تسعين مليونا .! وهم الذين أبادوا الهنود الحمر في أمريكا الشمالية ، فقد أقدمت الحكومات الأمريكية المتعاقبة على إبادة قبائل الأنكا التي فقدت ٨٠ % من عددها بسبب التصفية العرقية ، وأعطى جورج واشنطن الدرس نفسه لقبائل الايروكواس ، عندما كلف جيشه بتدمير مجتمعها وسحق حضارتها...
- يكفينا أن نذكر أنه في عام 1730م أصدرت الجمعية التشريعية ( البرلمان) الأمريكي لمن يسمون أنفسهم (البروتستانت الأطهار) تشريعا يبيح عملية الإبادة لمن تبقى من الهنود الحمر ، فأصدرت قرارا بتقديم مكافأة مقدارها 40 جنيها مقابل كل فروة مسلوخة من رأس هندي أحمر، و40 جنيها مقابل أسر كل واحد منهم ، وبعد خمسة عشر عاما ارتفعت المكافأة إلى 100 جنيه ، و50 جنيه مقابل كل فروة رأس إمرأه أو فروة رأس طفل (هذه هي الحضارة الأمريكية التي يتشدق بها بعض المفكرين).
- وفي عام 1763م أمر القائد الأمريكي (البريطاني الأصل) جفري أهرست برمي بطانيات كانت تستخدم في مصحات علاج الجدري إلى الهنود الحمر، بهدف نشر المرض بينهم مما أدى إلى انتشار الوباء الذي نتج عنه موت الملايين من الهنود، ونتج عن ذلك شبه إفناء للسكان الأصليين في القارة الأمريكية.
- والديمقراطيون الغربيون في عصر التنوير، هم من ارتكب هذه الفظائع التي لم يقم منظـِّرٌ واحدٌ من منظري حضارتهم الكبار أو مفكريهم وفلاسفتهم ، بالتصريح بمقولة تستنكر هذه الجرائم ، بل إن بعضهم باركها واعتبرها حقا طبيعيا للجنس الأبيض، وما زال هذا دأبهم في كل عصر، أفلا تستغربون صمت منظري الديمقراطية الكبار عن مثل هذه الجرائم التي تقوم بها الدول التي بشروا بها، ونظّروا للأفكار التي عليها أن تسير عليها؟
- لقد حدد وودرو ويلسون قائلاً : " واجبنا الخاص " تجاه كل شعب مستعمر هو " أن نعيد لهذا الشعب النظام والسيادة ". و" ندربه على القانون والتعود عليه وإطاعته " . هذا يعني من الناحية العلمية الخضوع لـ " حقنا " في سرقة هذا الشعب واستغلاله . وشرح ويلسون باختصار الدور الذي تلعبه القوة الأمريكية في هذا المشروع قائلاً : " انطلاقا من حقيقة أن التجارة ليس لها حدود قومية ، وانطلاقا من أن الصناعي يريد امتلاك العالم من أجل الأسواق ، فان على علم بلاده أن يتبعه أينما ذهب ، وعلى الأبواب المغلقة للأمم الأخرى أن تُخلع ، وعلى وزراء الولايات المتحدة أن يحموا امتيازات أصحاب رؤوس الأموال ، حتى ولو أدى ذلك إلى انتهاك سيادة الأمم الأخرى المتمردة . يجب خلق المستعمرات أو الحصول عليها ، بحيث لا نهمل أو نتغاضى عن أصغر زاوية في العالم ". وقد طبّق ويلسون عقيدته هذه عندما أصبح رئيساً للجمهورية بعد بضع سنين ، فقام بغزو المكسيك وجزيرة اسبانيولا التي تشكل هاييتي وجمهورية الدومينكان.
- ومما يشهد على وضاعة الحضارة الديمقراطية جواب مادلين أولبرايت عن سؤال ليزلي ستال من قناة سي بي أس عندما سألها: " هل تعتبرين دم نصف مليون طفل عراقي، إبادة كل تلك الضحايا ثمنا يستحق العملية ؟، فأجابت المتعجرفة الديمقراطية أولبرايت: أعتقد أن هذا اختيار في منتهى الصعوبة، لكن الثمن كما نرى يستحق ".
- وعند انتخاب جورج باباندريو رئيسا لوزراء اليونان في 1964م ، لم تلق شهرته الليبرالية استحسانا في واشنطن. فسارت الأمور من سيئ إلى أسوأ عندما أزعجت اليونان الولايات المتحدة بالتشاحن مع تركيا على قبرص ، واعتراضها على خطط الولايات المتحدة بتقسيم الجزيرة. عندها استدعى الرئيسُ الأمريكي ليندون جونسون السفيرَ اليوناني ليلقنه درسا موجزا في السياسة قائلا له بكل وقاحة : " لتنكح (.....) برلمانك ودستورك ... أمريكا ما هي إلا فيل ... وقبرص برغوث ... لو استمر هذان البرغوثان في إزعاج الفيل ، فلا ينتظرا سوى ضربة ساحقة من قدم الفيل تسحقهما سحقا تاما ... إننا ندفع كمية طيبة من رزم الدولارات الأمريكية لليونان ، أيها السيد السفير: لو حدثني رئيس وزرائك عن الديموقراطية ، والبرلمان ، والدساتير ، لن يمكث هو ولا برلمانه ولا دستوره طويلا جدا."
- ومن تلك المآثر الديموقراطية، صرخة رونالد ريغان الرئيس الأمريكي الأسبق، التي أطلقها عام 1981م في المؤتمر الصحفي الذي جرى في أكتوبر داخل البيت الابيض والتي قال فيها: " إن الولايات المتحدة لن تسمح بأن تخرج المملكة العربية السعودية من المعسكر الغربي ... إن على واشنطن منذ اليوم تحديد النظام الذي يجب أن يكون في هذا البلد، وأية حكومة يجب أن تحكمه". قد تكون هذه مفاجأة للذين يسبّحون بحمد الولايات المتحدة، ولكن المراقبين السياسيين والمطلعين على حقيقة السياسة الامريكية، يعرفون أن هذه الصرخة ما هي إلاّ تذكير بأن الولايات المتحدة لم تغير ولن تغير سياستها تجاه الشعوب، تلك السياسة الاستعمارية التي ورثتها عن كل الديمقراطيات الأوروبية من قبل.
- يقول بول نيتش رئيس جهاز التخطيط في وزارة الخارجية الأمريكية عام 1950م : " تمتلك الولايات المتحدة قوة كونية ، لهذا سيكون من الضروري أن نحدد لنا عدواً كونياً ، وعلينا أن نضفي على هذا العدو كل صفات الشيطان ، بحيث يصبح كل تدخل أو عدوان للولايات المتحدة مبرراً مسبقاً ، وكأنه عمل دفاعي تجاه خطر يشمل الأرض كلها ".
أيها السادة :
هذا غيض من فيض الحضارة الغربية ، أما أكذوبة (الديمقراطية وحقوق الانسان) الكبرى التي ما زالت تنادي بها الولايات المتحدة، فإن جورج كينان رئيس جهاز التخطيط في وزارة الخارجية الامريكية عام 1948م يكشف لنا حقيقتها بقوله: " نحن نملك 50% من ثروات العالم ولكننا لا نشكل اكثر من 6.3% من سكان الارض ، وفي مثل هذا الوضع يبدو أنه لا مناص من أن نكون موضع غيرة وحسد الآخرين ، وسيكون جهدنا الاساس في الحقبة المقبلة تطوير نظام من العلاقات، يسمح لنا بالاحتفاظ بهذا الوضع المتّسم بعدم المساواة ، دون أن نعرّض أمننا القومي للخطر ، ويجب علينا لتحقيق ذلك أن نتخلص من العاطفة تماماً ، وأن نتوقف عن أحلام اليقظة. يجب أن يتركز انتباهنا في كل مكان على أهدافنا الوطنية الراهنة ، علينا أن لا نخدع انفسنا، ولا نستطيع أن نسمح لأنفسنا اليوم بالغوص في ترف التفكير بالإيثار وعمل الخير على مستوى العالم. علينا التوقف عن الحديث عن مواضيع غامضة أو غير ممكنة التحقيق تتعلق بالشرق الاقصى ، مثل حقوق الانسان ، أو تحسين مستوى المعيشة ، أو إحلال النظام الديمقراطي. ولن يكون بعيداً ذلك اليوم الذين سنجد فيه أنفسنا مضطرين للتحرك بصراحة من خلال علاقات القوة. وبقدر ما يكون ارتباكنا بسبب الشعارات المثالية أقل بقدر ما يكون ذلك أفضل".
ولمن أراد منكم المزيد فليراجع ما كتبه روجيه غارودي في كتابيه : الولايات المتحدة طليعة الانحطاط ، وحفارو القبور.
أيها السادة :
لم يكن القيام بهذه البشاعات والانتهاكات حكراً على الولايات المتحدة حاملة لواء الديمقراطية في العالم هذه الأيام، بل لقد ارتكبت جلّ دول أوروبا فظاعات مماثلة قديماً وحديثاً ، وكلّها تحمل لواء الديمقرطية ، وهذا يبيّن أن الاستعمار والنهب والإفساد في الأرض كلها جزء لا يتجزأ من النظام الديمقراطي من حيث هو، مارسته بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال وهولندا وبلجيكا وكندا ... هذا وغيره الكثير يكفي لوصم الديمقراطية بشكل قاطع ، بأنها هي النظام الأشد إفساداً الذي عرفته البشرية عبر عصورها المتعاقبة على وجه هذه الأرض، وإنه لمن السخرية أن تقوم ثلاث وأربعون دولة ديمقراطية بمقاضاة دكتاتور واحد، في الوقت التي تتجاوز مخازي هؤلاء القضاة عشرات أضعاف مخازيه، فلا يقدم مجرم واحد منهم للمحاكمة أمام شرعة هذه الديمقراطية، لأنه ببساطة مجرم ديمقراطي.