فـاروق
09-27-2007, 01:06 PM
حمزة قبلان المزيني
سبق أن كتبت ـ وكتب غيري ـ عن سيطرة الإخوان المسلمين الذين قدموا للمملكة في الستينيات من القرن الميلادي الماضي على كثير من مراكز التأثير في المجتمع السعودي.
ومن أهم تلك المراكز التعليم الذي نشروا من خلاله ثقافتهم التنظيمية، وتجاوزوا ذلك إلى التأثير في المؤسسة الدينية الرسمية التي كانت تتميز بالمحافظة وعدم الاهتمام بالنشاط السياسي.
ومن الدلائل على الأثر الذي تركوه على الثقافة الدينية المحلية ما كنت أشرت إليه من الاهتمام غير المسبوق بسيد قطب ـ رحمه الله ـ حتى إن كتبه طبعت على نفقة وزارة المعارف وزودت بها مكتبات المدارس، وكانت تهدى في المناسبات الثقافية. ويتذكر من هم في سني قراءة المذيع السوري زهير الأيوبي ـ بإلقائه الجميل ـ لكتاب في ظلال القرآن في إذاعة نداء الإسلام من الإذاعة السعودية.
ويمكن أن نتذكر الاهتمام المحلي الكبير الذي صاحب إعدام سيد قطب وإسباغ لقب "الشهيد" عليه وتسمية المدارس باسمه.
وكان الخطاب الديني المحلي متشبعا بمفهوم "الجهاد" لأسباب تاريخية معروفة. لكن هذا الخطاب كان يتميز بالسكون وكان يشترط شروطا واضحة تقيد القيام بـ"الجهاد"، ومن أهمها اشتراط إذن ولي الأمر مما يحد من أي اجتهاد يمكن أن يستغل هذا المفهوم.
لكن الإخوان المسلمين نجحوا في استغلال هذه الأرض الخصبة واستطاعوا تفعيل هذا المفهوم وإخراج الخطاب المحلي الخاص به من حالة السكون إلى الحركة. وساعدهم على هذا التفعيل غزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان سنة 1978.
ويمكن أن نمثل لجهد الإخوان المسلمين في هذا التفعيل لمفهوم الجهاد بما قام به الحركي الفلسطيني عبد الله عزام. وقد روى بنفسه جهوده في إقناع كبار العلماء السعوديين بفتواه عن وجوب الجهاد على كل مسلم.
يقول في إحدى رسائله: "كثير من الشباب يسألون: ما حكم الجهاد؟!.. الذي خرجت به من خلال النصوص، وما طالعت كتابا خالف هذا النص، وقد وافقني عليه كل العلماء الذين قابلتهم وأخذت إمضاءاتهم عليه، وافقني عليه فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز وفضيلة الشيخ محمد صالح بن عثيمين،...، ووافقني عليه الكثيرون على أنه: إذا وطىء الكفار شبرا من أراضي المسلمين أصبح الجهاد فرض عين على كل مسلم في تلك البقعة حتى تخرج المرأة ـ بمحرم ـ دون إذن زوجها، والعبد دون إذن سيده، والمدين دون إذن دائنه، والولد دون إذن والده، فإن لم يكفوا، أو قصروا، أو تكاسلوا، أو قعدوا توسع فرض العين على من يليهم،... إلى أن يعم فرض العين الأرض كلها، فرضا لا يسعهم تركه كالصلاة والصوم. ولذلك منذ أن سقطت الأندلس، وإلى يومنا هذا؛ الجهاد فرض عين على الأمة المسلمة".
ويروي أطرافا من النقاش الذي دار بينه وبين كبار العلماء السعوديين عن فتواه بأن الجهاد فرض عين. ونظرا لمكانة ابن تيمية في الخطاب الديني المحلي فقد ركز في نقاشه معهم على الاستشهاد بآرائه عن وجوب الجهاد.
ومن ذلك قوله في تلك الرسالة: "الشيخ ابن باز ـ بارك الله لنا في عمره ـ قال: الجهاد الآن في أفغانستان فرض عين، ولكن يجب استئذان الوالدين، فقلت له: يا شيخنا ما سبقك بهذا أحد من الفقهاء، كل الفقهاء يقولون: إنه في فروض العين لا يوجد استئذان. قال: يا شيخ عبد الله الحديث (ففيهما فجاهد). قلت له: الحديث الآخر: (والذي بعثك بالحق لأتركنهما وأجاهد، قال: أنت أعلم). قال: الحديث الأول أقوى. والحديثان جمع بينهما ابن حجر في فتح الباري في شرح البخاري، يقول: الحديث الأول في فرض الكفاية والحديث الثاني في فرض العين، يعني: لا يستأذن في فرض العين، وفي فرض الكفاية يستأذن، وأنا في الحقيقة استحييت أن أواصل معه النقاش، رجل كوالدنا، فقال: يا شيخ عبد الله، أنت اثبت على فتواك وأنا أثبت على فتواي".
ثم يروي ما حدث له في زيارته للقصيم ونقاشه مع الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله. فيقول إن "خطبة الشيخ ابن عثيمين (في يوم الجمعة الذي زار فيه القصيم) كانت عن الجهاد. ثم تكلمت والناس بقوا بعد الصلاة، الناس يريدون أن يذهبوا إلى الغداء، ظل المسجد أكثر من نصفه لا يريدون أن يخرجوا وطال الكلام، ثم ذهبنا بعد أن تكلمت حوالي ساعة ونصف تغدينا عند الشيخ ابن عثيمين فقلنا له: ما رأيك في هذا الجهاد أنت؟، قال: واجب، يعني فرض، الواجب والفرض نفس الشيء، قلت له: استئذان الوالدين؟ قال: إن كان برهما يتوقف على استئذانهما فلا بد أن يستأذنا، قلت له: فصِّل، قال: يعنى: إن كان وحيد والديه، وهما بحاجة إليه فليستأذنهم وإلا فلا إذن لهم".
وقال: "أيها الناس إن الجهاد الأفغاني فرض عين على المسلمين باتفاق السلف والخلف وباتفاق المحدثين والفقهاء والأصوليين والمفسرين وهذه نصوصهم، وكتبنا بذلك فتوى سميناها (الدفاع عن أراضي المسلمين أهم فروض الأعيان) وقد أخذت هذا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية: إن دفع العدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا ليس أوجب بعد الإيمان من دفعه...".
وقد أثمرت مثل تلك الجهود الكبيرة التي يبدو فيها الإخوان المسلمون كأنهم يقولون للعلماء السعوديين إن كنتم صادقين في اتخاذ ابن تيمية مرجعية فها نحن نحتج عليكم بما يقوله وهو ما يلزمكم بالحركة.
وأنتج هذا الجهد إحياء خطاب الجهاد في المملكة ونقله من حال السكون إلى الحركة، كما قدمت. وهناك تراث ضخم للخطب التي كانت تلقى والمحاضرات التي كان يؤمها مئات "الشباب" وكان موضوعها الجهاد.
ومن الخطب التي يمكن عدها نموذجا لخطاب التجييش والحث على الجهاد الذي كان سببا في خروج آلاف من "الشباب" السعوديين إلى أفغانستان خطبة ألقاها أحدهم بعد مقتل عبد الله عزام.
يقول: "كان رحمه الله جسراً متيناً بيننا وبين الجهاد، كنا لا نعرف أخبار الجهاد والمجاهدين، وولايات أفغانستان وأخبارها العسكرية، والتموينية، والدعوة في تلك الصفوف إلا عبر مجلته الجهاد، وعبر المجلات التي كانت على نفس الصف والمنوال، البنيان المرصوص، والمجاهد، ولهيب المعركة، والملتقى، كان له دور عاطر واضح فيها... ".
وبعد ثناء عريض عليه يحض مستمعيه على الجهاد قائلا:
"أين الأم التي كان ولدها يسافر إلى مانيلا وإلى بانكوك وهي تحزم أمتعته وملابسه وتودعه، ولمّا منّ الله عليه بالهداية وقال: يا أمي! أريد أن أذهب إلى الجهاد في سبيل الله قالت: لا. لا يا ولدي، إني أخاف عليك، أتخافين أن يموت؟! يوم أن كنت تحزمين أمتعته وتعدين ملابسه وتعدين متاعه يسافر إلى تلك الدول ما قلت: أخاف عليك أن تموت موتة سيئة، أو أن يختم لك بسوء الخاتمة، ويوم أن أراد الجهاد تقفين له وتقولين: لا يجوز الجهاد إلا برضى الوالدين، نعم. نحن نقر وندين الله جل وعلا أنه لا يجوز الجهاد إلا برضى الوالدين، ولكن كيف تأذنين له وترضين بسفره هناك، والآن تمنعينه وتقفين أمامه يوم أن أراد أن يموت شهيداً في سبيل الله؟ إذا مات شهيداً كان شافعاً لك عند الله جل وعلا. عباد الله: اعلموا أنها سنة الله في الحياة، واعلموا أن جثة الشيخ بقيت سليمة لم تتناثر ولم تتجزأ، انشطرت السيارة وتناثرت أشلاء من معه، إلا جثته وحده رحمه الله، فبقيت سليمة صحيحة، ما تناثر منها شيء".
ثم يمجد سيد قطب في سياق حض الشباب على الجهاد فيقول: "كم من شخص لم يُعرف فكره وصدقُ نيته وصلاحه إلا بعد أن واراه التراب، انتشر وعرف وعلم شأنه وقدره، سيد قطب رحمه الله كان معلوماً لديكم، وقع أن قدم للإعدام في المشنقة، وطلب منه أن يعتذر أو أن يقول كلاماً ليرضي به من حوله، ولكي يخفف عنه الإعدام إلى السجن المؤبد، أو نحو ذلك، فماذا قال؟ إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في كل يوم خمس مرات، يرفض أن يعتذر للطغاة، الله أكبر يا عبد الله! هكذا تنتشر الأديان، هكذا ينتشر الدين وتنتشر العقائد، وبدون ذلك لا تنتشر فكرة ما لم يروها أبناؤها بدمائهم".
هذه شواهد من التاريخ القريب تفسر الأسباب التي جعلت شبابنا ينخرطون في معارك كثيرة تحت مسمى الجهاد. ومن الواضح أنها تعود إلى أثر الإخوان المسلمين الذين نجحوا نجاحا منقطع النظير في إنتاج ثقافة جهادية تتلمذ عليها كثير من السعوديين. وقد قام هؤلاء التلاميذ النجباء بتوطين هذه الثقافة وتنميتها ونشرها وتفعيلها.
إن الخروج من هذا المأزق يوجب العمل على فك الارتباط بين الخطاب الديني المحلي وخطاب الإخوان المسلمين الحركي. وقد بدأت بشائر هذا الانفكاك عن طريق الفتاوى التي تصدرها الهيئات الدينية الرسمية وتؤكد الضوابط السلفية المنظمة للجهاد ومن أهمها إناطة أمره بولي الأمر.
*نقلاً عن صحيفة "الوطن" السعودية
سبق أن كتبت ـ وكتب غيري ـ عن سيطرة الإخوان المسلمين الذين قدموا للمملكة في الستينيات من القرن الميلادي الماضي على كثير من مراكز التأثير في المجتمع السعودي.
ومن أهم تلك المراكز التعليم الذي نشروا من خلاله ثقافتهم التنظيمية، وتجاوزوا ذلك إلى التأثير في المؤسسة الدينية الرسمية التي كانت تتميز بالمحافظة وعدم الاهتمام بالنشاط السياسي.
ومن الدلائل على الأثر الذي تركوه على الثقافة الدينية المحلية ما كنت أشرت إليه من الاهتمام غير المسبوق بسيد قطب ـ رحمه الله ـ حتى إن كتبه طبعت على نفقة وزارة المعارف وزودت بها مكتبات المدارس، وكانت تهدى في المناسبات الثقافية. ويتذكر من هم في سني قراءة المذيع السوري زهير الأيوبي ـ بإلقائه الجميل ـ لكتاب في ظلال القرآن في إذاعة نداء الإسلام من الإذاعة السعودية.
ويمكن أن نتذكر الاهتمام المحلي الكبير الذي صاحب إعدام سيد قطب وإسباغ لقب "الشهيد" عليه وتسمية المدارس باسمه.
وكان الخطاب الديني المحلي متشبعا بمفهوم "الجهاد" لأسباب تاريخية معروفة. لكن هذا الخطاب كان يتميز بالسكون وكان يشترط شروطا واضحة تقيد القيام بـ"الجهاد"، ومن أهمها اشتراط إذن ولي الأمر مما يحد من أي اجتهاد يمكن أن يستغل هذا المفهوم.
لكن الإخوان المسلمين نجحوا في استغلال هذه الأرض الخصبة واستطاعوا تفعيل هذا المفهوم وإخراج الخطاب المحلي الخاص به من حالة السكون إلى الحركة. وساعدهم على هذا التفعيل غزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان سنة 1978.
ويمكن أن نمثل لجهد الإخوان المسلمين في هذا التفعيل لمفهوم الجهاد بما قام به الحركي الفلسطيني عبد الله عزام. وقد روى بنفسه جهوده في إقناع كبار العلماء السعوديين بفتواه عن وجوب الجهاد على كل مسلم.
يقول في إحدى رسائله: "كثير من الشباب يسألون: ما حكم الجهاد؟!.. الذي خرجت به من خلال النصوص، وما طالعت كتابا خالف هذا النص، وقد وافقني عليه كل العلماء الذين قابلتهم وأخذت إمضاءاتهم عليه، وافقني عليه فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز وفضيلة الشيخ محمد صالح بن عثيمين،...، ووافقني عليه الكثيرون على أنه: إذا وطىء الكفار شبرا من أراضي المسلمين أصبح الجهاد فرض عين على كل مسلم في تلك البقعة حتى تخرج المرأة ـ بمحرم ـ دون إذن زوجها، والعبد دون إذن سيده، والمدين دون إذن دائنه، والولد دون إذن والده، فإن لم يكفوا، أو قصروا، أو تكاسلوا، أو قعدوا توسع فرض العين على من يليهم،... إلى أن يعم فرض العين الأرض كلها، فرضا لا يسعهم تركه كالصلاة والصوم. ولذلك منذ أن سقطت الأندلس، وإلى يومنا هذا؛ الجهاد فرض عين على الأمة المسلمة".
ويروي أطرافا من النقاش الذي دار بينه وبين كبار العلماء السعوديين عن فتواه بأن الجهاد فرض عين. ونظرا لمكانة ابن تيمية في الخطاب الديني المحلي فقد ركز في نقاشه معهم على الاستشهاد بآرائه عن وجوب الجهاد.
ومن ذلك قوله في تلك الرسالة: "الشيخ ابن باز ـ بارك الله لنا في عمره ـ قال: الجهاد الآن في أفغانستان فرض عين، ولكن يجب استئذان الوالدين، فقلت له: يا شيخنا ما سبقك بهذا أحد من الفقهاء، كل الفقهاء يقولون: إنه في فروض العين لا يوجد استئذان. قال: يا شيخ عبد الله الحديث (ففيهما فجاهد). قلت له: الحديث الآخر: (والذي بعثك بالحق لأتركنهما وأجاهد، قال: أنت أعلم). قال: الحديث الأول أقوى. والحديثان جمع بينهما ابن حجر في فتح الباري في شرح البخاري، يقول: الحديث الأول في فرض الكفاية والحديث الثاني في فرض العين، يعني: لا يستأذن في فرض العين، وفي فرض الكفاية يستأذن، وأنا في الحقيقة استحييت أن أواصل معه النقاش، رجل كوالدنا، فقال: يا شيخ عبد الله، أنت اثبت على فتواك وأنا أثبت على فتواي".
ثم يروي ما حدث له في زيارته للقصيم ونقاشه مع الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله. فيقول إن "خطبة الشيخ ابن عثيمين (في يوم الجمعة الذي زار فيه القصيم) كانت عن الجهاد. ثم تكلمت والناس بقوا بعد الصلاة، الناس يريدون أن يذهبوا إلى الغداء، ظل المسجد أكثر من نصفه لا يريدون أن يخرجوا وطال الكلام، ثم ذهبنا بعد أن تكلمت حوالي ساعة ونصف تغدينا عند الشيخ ابن عثيمين فقلنا له: ما رأيك في هذا الجهاد أنت؟، قال: واجب، يعني فرض، الواجب والفرض نفس الشيء، قلت له: استئذان الوالدين؟ قال: إن كان برهما يتوقف على استئذانهما فلا بد أن يستأذنا، قلت له: فصِّل، قال: يعنى: إن كان وحيد والديه، وهما بحاجة إليه فليستأذنهم وإلا فلا إذن لهم".
وقال: "أيها الناس إن الجهاد الأفغاني فرض عين على المسلمين باتفاق السلف والخلف وباتفاق المحدثين والفقهاء والأصوليين والمفسرين وهذه نصوصهم، وكتبنا بذلك فتوى سميناها (الدفاع عن أراضي المسلمين أهم فروض الأعيان) وقد أخذت هذا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية: إن دفع العدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا ليس أوجب بعد الإيمان من دفعه...".
وقد أثمرت مثل تلك الجهود الكبيرة التي يبدو فيها الإخوان المسلمون كأنهم يقولون للعلماء السعوديين إن كنتم صادقين في اتخاذ ابن تيمية مرجعية فها نحن نحتج عليكم بما يقوله وهو ما يلزمكم بالحركة.
وأنتج هذا الجهد إحياء خطاب الجهاد في المملكة ونقله من حال السكون إلى الحركة، كما قدمت. وهناك تراث ضخم للخطب التي كانت تلقى والمحاضرات التي كان يؤمها مئات "الشباب" وكان موضوعها الجهاد.
ومن الخطب التي يمكن عدها نموذجا لخطاب التجييش والحث على الجهاد الذي كان سببا في خروج آلاف من "الشباب" السعوديين إلى أفغانستان خطبة ألقاها أحدهم بعد مقتل عبد الله عزام.
يقول: "كان رحمه الله جسراً متيناً بيننا وبين الجهاد، كنا لا نعرف أخبار الجهاد والمجاهدين، وولايات أفغانستان وأخبارها العسكرية، والتموينية، والدعوة في تلك الصفوف إلا عبر مجلته الجهاد، وعبر المجلات التي كانت على نفس الصف والمنوال، البنيان المرصوص، والمجاهد، ولهيب المعركة، والملتقى، كان له دور عاطر واضح فيها... ".
وبعد ثناء عريض عليه يحض مستمعيه على الجهاد قائلا:
"أين الأم التي كان ولدها يسافر إلى مانيلا وإلى بانكوك وهي تحزم أمتعته وملابسه وتودعه، ولمّا منّ الله عليه بالهداية وقال: يا أمي! أريد أن أذهب إلى الجهاد في سبيل الله قالت: لا. لا يا ولدي، إني أخاف عليك، أتخافين أن يموت؟! يوم أن كنت تحزمين أمتعته وتعدين ملابسه وتعدين متاعه يسافر إلى تلك الدول ما قلت: أخاف عليك أن تموت موتة سيئة، أو أن يختم لك بسوء الخاتمة، ويوم أن أراد الجهاد تقفين له وتقولين: لا يجوز الجهاد إلا برضى الوالدين، نعم. نحن نقر وندين الله جل وعلا أنه لا يجوز الجهاد إلا برضى الوالدين، ولكن كيف تأذنين له وترضين بسفره هناك، والآن تمنعينه وتقفين أمامه يوم أن أراد أن يموت شهيداً في سبيل الله؟ إذا مات شهيداً كان شافعاً لك عند الله جل وعلا. عباد الله: اعلموا أنها سنة الله في الحياة، واعلموا أن جثة الشيخ بقيت سليمة لم تتناثر ولم تتجزأ، انشطرت السيارة وتناثرت أشلاء من معه، إلا جثته وحده رحمه الله، فبقيت سليمة صحيحة، ما تناثر منها شيء".
ثم يمجد سيد قطب في سياق حض الشباب على الجهاد فيقول: "كم من شخص لم يُعرف فكره وصدقُ نيته وصلاحه إلا بعد أن واراه التراب، انتشر وعرف وعلم شأنه وقدره، سيد قطب رحمه الله كان معلوماً لديكم، وقع أن قدم للإعدام في المشنقة، وطلب منه أن يعتذر أو أن يقول كلاماً ليرضي به من حوله، ولكي يخفف عنه الإعدام إلى السجن المؤبد، أو نحو ذلك، فماذا قال؟ إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في كل يوم خمس مرات، يرفض أن يعتذر للطغاة، الله أكبر يا عبد الله! هكذا تنتشر الأديان، هكذا ينتشر الدين وتنتشر العقائد، وبدون ذلك لا تنتشر فكرة ما لم يروها أبناؤها بدمائهم".
هذه شواهد من التاريخ القريب تفسر الأسباب التي جعلت شبابنا ينخرطون في معارك كثيرة تحت مسمى الجهاد. ومن الواضح أنها تعود إلى أثر الإخوان المسلمين الذين نجحوا نجاحا منقطع النظير في إنتاج ثقافة جهادية تتلمذ عليها كثير من السعوديين. وقد قام هؤلاء التلاميذ النجباء بتوطين هذه الثقافة وتنميتها ونشرها وتفعيلها.
إن الخروج من هذا المأزق يوجب العمل على فك الارتباط بين الخطاب الديني المحلي وخطاب الإخوان المسلمين الحركي. وقد بدأت بشائر هذا الانفكاك عن طريق الفتاوى التي تصدرها الهيئات الدينية الرسمية وتؤكد الضوابط السلفية المنظمة للجهاد ومن أهمها إناطة أمره بولي الأمر.
*نقلاً عن صحيفة "الوطن" السعودية