و عند جهينة
09-14-2007, 12:04 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
مبارك علينا وعليكم شهر رمضان الخير والبركة
اعاده الله عليكم بالخير والاسلام في عزة ومنعة ان شاء الله
تقبل الله منا ومنكم صيام هذا الشهر وقيامه وصالح الاعمال
وكل عام وانتم بخير
الركن الرابع من أركان الإسلام ( صوم رمضان ):
من محاسن دين الإسلام وفضائله أنه جمع للمسلم بين الروحانيات والماديات ليجمع له بين سعادة الدنيا والدين . فالأخذ بالماديات وحدها يطغي ويلهي عن الآخرة ، ويبعد عن منازل الصالحين . والأخذ بالروحانيات وحدها يفقد المسلم قدرته على العمل لعمارة الكون الذي أراد الله عمارته ، وتصرف جهوده كلها إلى العمل للآخرة دون أن يكون له نصيب في عمارة الدنيا كما قال تعالى : { وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا } . وقال تعالى حكاية عن المؤمنين من صالحي العباد : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } .
(1/69)
والصوم تدريب على الروحانيات وكبح لجماح النفس عن الملذات والشهوات المباحة مدة من الزمن يأخذ المسلم فيها دروسا عملية لمعاجة الروحانيات والأخذ في مضمارها لكيلا تطغى المادة على نفسه وليخلص من صومه وقد بلغ مستوى أرفع في تعشق المثل العليا والسير على مناهج الصالحين والأخذ في دوربها .
والصوم بطبيعته يحد من طغيان المادة ويعطي للبدن فرصة للتخلص من أوضارها ويرتفع بنفسية الصائم وروحه لكي تصبح أشبه بملاك من حيث الطهر والعفاف والتصون عن الإسفاف .
وصوم رمضان تجربة عملية للأخذ في مدارج التكمل الذاتي والروحي شهرا كاملا من مجموعة شهور العام الاثنى عشر شهرا .
وخص شهر رمضان بالصيام لأنه كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « سيد الشهور » ، ولما اقترن به من مزايا أفضلها نزول القرآن كتاب هداية وإرشاد وهو دستور عالمي صالح لكل زمان ومكان . قال تعالى : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } .
(1/70)
ولقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبشر به أصحابه ويقول : « قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك افترض الله عليكم صيامه ، تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار ، وتغل فيه الشياطين ، فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم » . وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه » . رواه أحمد وأصحاب السنن .
وجاء في الترهيب عن الفطر في رمضان استهتارا ولغير عذر ، في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة ، عليهن أسس الإسلام من ترك واحدة منهن فهو بها كافر حلال الدم شهادة أن لا إله إلا الله ، والصلاة المكتوبة وصوم رمضان » .
وجاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « من أفطر يوما من رمضان في غير رخصة رخصها الله لم يقض عنه صيام الدهر كله وإن صامه » . رواه أبو داود وغيره . ذلك لأن رمضان ليس له مثيل في فضله وشرفه ومزاياه .
فضل الصيام :
ورد في فضل الصيام أحاديث كثيرة نذكر منها ما يأتي :
(1/71)
أولا : حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « قال الله عز وجل : كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فانه لي ، وأنا أجزي به ، والصيام جنة - بضم الجيم ، أي وقاية من المعاصي - فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث - أي لا يفحش في القول - ولا يصخب - أي لا يرفع صوته حتى بالكلام المباح أدبا مع الصيام - ولا يجهل - أي لا يتجنى على أحد بسباب أو قتال - ، فإن شاتمه أحد ، أو قاتله فليقل إني صائم إني صائم ، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك - والخلوف تغير رائحة الفم بسبب الصوم - للصائم فرحتان يفرح بهما : إذا أفطر فرح بفطره ، وإذا لقي ربه فرح بصومه » . أي بالجزاء العظيم الكريم على الصيام ، رواه أحمد والنسائي ومسلم .
ثانيا : حديث عبد الله بن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيام : أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه . ويقول القرآن : منعته النوم فشفعني فيه فيشفعان » . رواه أحمد .
(1/72)
ثالثا : حديث أبي أمامة قال : « أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : مرني بعمل يدخلني الجنة . قال : " عليك بالصوم ، فإنه لا عدل له " . ثم أتيته ثانية فقال : " عليك بالصوم لا مثل له » .
رابعا : حديث سهل بن سعد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « إن للجنة بابا يقال له الريان . يقول يوم القيامة أين الصائمون فإذا دخل آخرهم أغلق ذلك الباب » . رواه البخاري ومسلم .
ثبوت هلال رمضان :
ويثبت هلال رمضان برؤية شخص واحد عدل ، فإن لم تكن رؤية فبإكمال عدة شعبان ثلاثين يوما ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما » رواه البخاري ومسلم .
على من يجب الصوم :
(1/73)
يجب الصوم على المسلم العاقل البالغ الصحيح المقيم . قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ } أي فرض عليكم الصيام { كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }{ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } فالمريض والمسافر بنص هذه الآية رخص الله لهما في الفطر لعذر السفر والمرض مع قضاء الصوم من سائر أيام العام ، على أن لا يؤخر القضاء حتى يأتي رمضان آخر لغير عذر .
ويجب الفطر حتما والقضاء من أيام أخر على الحائض والنفساء ، فالصوم منهما لا يصح ، لحديث أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالت : « كنا نحيض على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة » .
صوم الحبلى والمرضع :
أما صوم الحبلى والمرضع فصحيح ، إلا أن الشرع رخص لهما في الفطر مع القضاء والفدية إن خافتا على ولديهما . وقيل عليهما القضاء ولا فدية سواء خافتا على ولديهما أو على نفسيهما .
من يسقط عنه الصوم وتجب عليه الكفارة :
(1/74)
يسقط الصوم وتجب الكفارة على الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لعجزهما عنه ، وفي حكمهما المريض الذي لا يرجى برؤه . ويجب على هؤلاء الكفارة وهي إطعام مسكين عن كل يوم طعاما يشبعه ، وكان أنس بن مالك - رضي الله عنه - عندما كبر وعجز عن الصوم يصنع ذلك . قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : « رخص للشيخ الكبير أن يفطر ويطعم عن كل يوما مسكينا ولا قضاء عليه » .
الأيام التي يحرم صيامها :
الأيام التي يحرم صيامها هي يوما العيدين ، عيد الفطر وعيد الأضحى لقول عمر - رضي الله عنه - « إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صيام هذين اليومين . أما يوم الفطر ففطركم من صومكم ، وأما يوم الأضحى فكلوا من نسككم » . رواه الإمام أحمد .
الأيام المنهي عن صيامها :
نهى الشارع عن صيام أيام عينها ، وأوضح السبب والحكمة في النهي عن صيامها وهي :
1 - أيام التشريق ، وهي الأيام الثلاثة التي تلي يوم عيد النحر لما روى أبو هريرة « أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث عبد الله بن حذافة يطوف في منى : ألا تصوموا هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب وذكر الله » .
(1/75)
2 - إفراد يوم الجمعة بالصوم لأنه عيد الأسبوع ، والنهي عن صيامه للكراهة لا للتحريم . ففي الصحيحين من حديث جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « لا تصوموا يوم الجمعة إلا وقبله يوم أو بعده يوم » .
3 - النهي عن صوم يوم السبت لأن اليهود يعظمونه .
4 - النهي عن صوم يوم الشك لقول عمار بن ياسر - رضي الله عنه - : « من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم » - ) . ويوم الشك هو اليوم الذي لا يعلم أهو من رمضان أم من شعبان .
وقت الصيام :
يبدأ وقت الصيام من طلوع الفجر الثاني وينتهي بغروب الشمس قال تعالى : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ } أي حتى يبدو نور النهار في ظلمة الليل { ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } أي أكملوا صوم النهار إلى أن يبدو ظلام الليل بغروب الشمس .
الصوم في البلاد التي يطول فيها النهار ويقصر فيها الليل :
(1/76)
الصوم في البلاد التي يطول فيها النهار عن الأيام المعتادة ويقصر فيها الليل كبلاد القطبين ، أو العكس التي يقصر فيها النهار ويطول فيها الليل ، تقدر ساعات الصوم على أقرب بلاد إليهم ، فإذا كان نهار الصوم فيها مثلا سبع ساعات أو أكثر يصوم أهل القطبين هذه الساعات ثم يفطرون ويحسبون ليوم آخر .
تبييت نية الصوم :
يشترط للصيام تبييت النية من الليل ، أي قبل أن يطلع فجر يوم الصيام كل ليلة من رمضان ، لحديث صفية قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له » . ومعنى يجمع الصيام أي يحكم العزم عليه . وتصح النية في أي جزء من أجزاء الليل . والنية عقد القلب لا دخل للسان فيها . وحقيقتها قصد الفعل فمن تسحر بالليل قاصدا الصيام تقربا إلى الله وقياما بفريضة الله فقد نوى وصح صيامه .
(1/77)
السحور : يستحب للصيام السحور ، وهي الأكلة التي يتناولها من يعتزم الصيام وقت السحر لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « عليكم بالسحور فإنه الغذاء المبارك » . وأثره تقوية الصائم وتهوين الصيام عليه . ويكفي في السحور ولو جرعة ماء لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « السحور بركة فلا تدعوه ، ولو أن يجرع أحدكم جرعة ماء ، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين » .
ويسن تأخير السحور وتعجيل الفطور لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور » .
ولو شك من يريد الصيام في طلوع الفجر فله أن يأكل أو يشرب حتى يستيقن طلوع الفجر . قال رجل لابن عباس - رضي الله عنهما - ، تسحرت فإذا شككت أمسكت ؟ فقال ابن عباس : ( كل ما شككت حتى لا تشك ) ، أي حتى يستقر في نفسك أنك متيقن لا شاكا في طلوع الفجر .
ما يبطل الصيام :
يبطل الصيام ما يأتي :
1 - الأكل والشرب عمدا .
2 - القيء عمدا لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « من ذرعه القيء - أي غلبه - فليس عليه قضاء . ومن استقاء - أي تعمد القيء واستخرجه عمدا - فليقض » .
3 - الحيض والنفساء .
4 - الاستمناء بأي وسيلة من الوسائل يبطل الصوم ويوجب القضاء .
(1/78)
5 - والأكل والشرب والجماع مع الظن في غروب الشمس أو عدم طلوع الفجر مفسد للصوم وموجب للكفارة والكفارة على الترتيب ، إما عتق رقبة فإن عجز فصيام شهرين متتابعين فإن عجز فإطعام ستين مسكينا . فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : « جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : هلكت يا رسول الله ، قال : " وما أهلكك ؟ " قال : وقعت على امرأتي في رمضان . قال : " هل تجد ما تعتق رقبة ؟ " قال لا . قال : " فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ " قال : لا . قال : " فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا ؟ " قال : لا » . الحديث .
الواجب والمستحب للصائم :
يجب على الصائم صيانة صيامه باجتناب الغيبة والنميمة والكذب ، والشتم، وقول الزور ، وشهادة الزور لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه . فإن شاتمه أحد أو خاصمه فليقل إني صائم » .
(1/79)
ويسن له كثرة قراءة القرآن وذكر الله والصدقة والاجتهاد في العبادة وخاصة في العشر الأواخر من رمضان لقول أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - : « كان يجتهد - وتعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيره » . وروى البخاري ومسلم عنها - رضي الله عنها - « أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر » أي تفرغ للعبادة ؛ لأن في ليالي العشر الأخيرة وأوتارها تطلب ليلة القدر التي تفضل العبادة فيها عبادة ألف شهر كما قال تعالى : { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ }{ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ }{ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ }{ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ }{ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : « من قام ليلة القدر - أي أحياها في العبادة - غفر له ما تقدم من ذنبه » .
(1/80)
الاعتكاف : الاعتكاف مسنون كل وقت بنية غير أنه في العشر الأواخر من رمضان آكد وهو لزوم المسجد لطاعة الله وذكر الله والاشتغال بالقرب وقطع الصلة بالناس ، ويبدأ زمن الاعتكاف في أولى ليالي العشر وينتهي بانتهاء آخر يوم من رمضان ليلة العيد .
(1/81)
الكتاب : ما يجب أن يعرفه المسلم عن دينه
المؤلف : عبد الله عبد الغني الخياط
الطبعة : الثالثة
الناشر : الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
تاريخ النشر : 1413هـ
عدد الصفحات : 142
عدد الأجزاء : 1
مبارك علينا وعليكم شهر رمضان الخير والبركة
اعاده الله عليكم بالخير والاسلام في عزة ومنعة ان شاء الله
تقبل الله منا ومنكم صيام هذا الشهر وقيامه وصالح الاعمال
وكل عام وانتم بخير
الركن الرابع من أركان الإسلام ( صوم رمضان ):
من محاسن دين الإسلام وفضائله أنه جمع للمسلم بين الروحانيات والماديات ليجمع له بين سعادة الدنيا والدين . فالأخذ بالماديات وحدها يطغي ويلهي عن الآخرة ، ويبعد عن منازل الصالحين . والأخذ بالروحانيات وحدها يفقد المسلم قدرته على العمل لعمارة الكون الذي أراد الله عمارته ، وتصرف جهوده كلها إلى العمل للآخرة دون أن يكون له نصيب في عمارة الدنيا كما قال تعالى : { وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا } . وقال تعالى حكاية عن المؤمنين من صالحي العباد : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } .
(1/69)
والصوم تدريب على الروحانيات وكبح لجماح النفس عن الملذات والشهوات المباحة مدة من الزمن يأخذ المسلم فيها دروسا عملية لمعاجة الروحانيات والأخذ في مضمارها لكيلا تطغى المادة على نفسه وليخلص من صومه وقد بلغ مستوى أرفع في تعشق المثل العليا والسير على مناهج الصالحين والأخذ في دوربها .
والصوم بطبيعته يحد من طغيان المادة ويعطي للبدن فرصة للتخلص من أوضارها ويرتفع بنفسية الصائم وروحه لكي تصبح أشبه بملاك من حيث الطهر والعفاف والتصون عن الإسفاف .
وصوم رمضان تجربة عملية للأخذ في مدارج التكمل الذاتي والروحي شهرا كاملا من مجموعة شهور العام الاثنى عشر شهرا .
وخص شهر رمضان بالصيام لأنه كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « سيد الشهور » ، ولما اقترن به من مزايا أفضلها نزول القرآن كتاب هداية وإرشاد وهو دستور عالمي صالح لكل زمان ومكان . قال تعالى : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } .
(1/70)
ولقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبشر به أصحابه ويقول : « قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك افترض الله عليكم صيامه ، تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار ، وتغل فيه الشياطين ، فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم » . وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه » . رواه أحمد وأصحاب السنن .
وجاء في الترهيب عن الفطر في رمضان استهتارا ولغير عذر ، في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة ، عليهن أسس الإسلام من ترك واحدة منهن فهو بها كافر حلال الدم شهادة أن لا إله إلا الله ، والصلاة المكتوبة وصوم رمضان » .
وجاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « من أفطر يوما من رمضان في غير رخصة رخصها الله لم يقض عنه صيام الدهر كله وإن صامه » . رواه أبو داود وغيره . ذلك لأن رمضان ليس له مثيل في فضله وشرفه ومزاياه .
فضل الصيام :
ورد في فضل الصيام أحاديث كثيرة نذكر منها ما يأتي :
(1/71)
أولا : حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « قال الله عز وجل : كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فانه لي ، وأنا أجزي به ، والصيام جنة - بضم الجيم ، أي وقاية من المعاصي - فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث - أي لا يفحش في القول - ولا يصخب - أي لا يرفع صوته حتى بالكلام المباح أدبا مع الصيام - ولا يجهل - أي لا يتجنى على أحد بسباب أو قتال - ، فإن شاتمه أحد ، أو قاتله فليقل إني صائم إني صائم ، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك - والخلوف تغير رائحة الفم بسبب الصوم - للصائم فرحتان يفرح بهما : إذا أفطر فرح بفطره ، وإذا لقي ربه فرح بصومه » . أي بالجزاء العظيم الكريم على الصيام ، رواه أحمد والنسائي ومسلم .
ثانيا : حديث عبد الله بن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيام : أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه . ويقول القرآن : منعته النوم فشفعني فيه فيشفعان » . رواه أحمد .
(1/72)
ثالثا : حديث أبي أمامة قال : « أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : مرني بعمل يدخلني الجنة . قال : " عليك بالصوم ، فإنه لا عدل له " . ثم أتيته ثانية فقال : " عليك بالصوم لا مثل له » .
رابعا : حديث سهل بن سعد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « إن للجنة بابا يقال له الريان . يقول يوم القيامة أين الصائمون فإذا دخل آخرهم أغلق ذلك الباب » . رواه البخاري ومسلم .
ثبوت هلال رمضان :
ويثبت هلال رمضان برؤية شخص واحد عدل ، فإن لم تكن رؤية فبإكمال عدة شعبان ثلاثين يوما ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما » رواه البخاري ومسلم .
على من يجب الصوم :
(1/73)
يجب الصوم على المسلم العاقل البالغ الصحيح المقيم . قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ } أي فرض عليكم الصيام { كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }{ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } فالمريض والمسافر بنص هذه الآية رخص الله لهما في الفطر لعذر السفر والمرض مع قضاء الصوم من سائر أيام العام ، على أن لا يؤخر القضاء حتى يأتي رمضان آخر لغير عذر .
ويجب الفطر حتما والقضاء من أيام أخر على الحائض والنفساء ، فالصوم منهما لا يصح ، لحديث أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالت : « كنا نحيض على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة » .
صوم الحبلى والمرضع :
أما صوم الحبلى والمرضع فصحيح ، إلا أن الشرع رخص لهما في الفطر مع القضاء والفدية إن خافتا على ولديهما . وقيل عليهما القضاء ولا فدية سواء خافتا على ولديهما أو على نفسيهما .
من يسقط عنه الصوم وتجب عليه الكفارة :
(1/74)
يسقط الصوم وتجب الكفارة على الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لعجزهما عنه ، وفي حكمهما المريض الذي لا يرجى برؤه . ويجب على هؤلاء الكفارة وهي إطعام مسكين عن كل يوم طعاما يشبعه ، وكان أنس بن مالك - رضي الله عنه - عندما كبر وعجز عن الصوم يصنع ذلك . قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : « رخص للشيخ الكبير أن يفطر ويطعم عن كل يوما مسكينا ولا قضاء عليه » .
الأيام التي يحرم صيامها :
الأيام التي يحرم صيامها هي يوما العيدين ، عيد الفطر وعيد الأضحى لقول عمر - رضي الله عنه - « إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صيام هذين اليومين . أما يوم الفطر ففطركم من صومكم ، وأما يوم الأضحى فكلوا من نسككم » . رواه الإمام أحمد .
الأيام المنهي عن صيامها :
نهى الشارع عن صيام أيام عينها ، وأوضح السبب والحكمة في النهي عن صيامها وهي :
1 - أيام التشريق ، وهي الأيام الثلاثة التي تلي يوم عيد النحر لما روى أبو هريرة « أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث عبد الله بن حذافة يطوف في منى : ألا تصوموا هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب وذكر الله » .
(1/75)
2 - إفراد يوم الجمعة بالصوم لأنه عيد الأسبوع ، والنهي عن صيامه للكراهة لا للتحريم . ففي الصحيحين من حديث جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « لا تصوموا يوم الجمعة إلا وقبله يوم أو بعده يوم » .
3 - النهي عن صوم يوم السبت لأن اليهود يعظمونه .
4 - النهي عن صوم يوم الشك لقول عمار بن ياسر - رضي الله عنه - : « من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم » - ) . ويوم الشك هو اليوم الذي لا يعلم أهو من رمضان أم من شعبان .
وقت الصيام :
يبدأ وقت الصيام من طلوع الفجر الثاني وينتهي بغروب الشمس قال تعالى : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ } أي حتى يبدو نور النهار في ظلمة الليل { ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } أي أكملوا صوم النهار إلى أن يبدو ظلام الليل بغروب الشمس .
الصوم في البلاد التي يطول فيها النهار ويقصر فيها الليل :
(1/76)
الصوم في البلاد التي يطول فيها النهار عن الأيام المعتادة ويقصر فيها الليل كبلاد القطبين ، أو العكس التي يقصر فيها النهار ويطول فيها الليل ، تقدر ساعات الصوم على أقرب بلاد إليهم ، فإذا كان نهار الصوم فيها مثلا سبع ساعات أو أكثر يصوم أهل القطبين هذه الساعات ثم يفطرون ويحسبون ليوم آخر .
تبييت نية الصوم :
يشترط للصيام تبييت النية من الليل ، أي قبل أن يطلع فجر يوم الصيام كل ليلة من رمضان ، لحديث صفية قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له » . ومعنى يجمع الصيام أي يحكم العزم عليه . وتصح النية في أي جزء من أجزاء الليل . والنية عقد القلب لا دخل للسان فيها . وحقيقتها قصد الفعل فمن تسحر بالليل قاصدا الصيام تقربا إلى الله وقياما بفريضة الله فقد نوى وصح صيامه .
(1/77)
السحور : يستحب للصيام السحور ، وهي الأكلة التي يتناولها من يعتزم الصيام وقت السحر لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « عليكم بالسحور فإنه الغذاء المبارك » . وأثره تقوية الصائم وتهوين الصيام عليه . ويكفي في السحور ولو جرعة ماء لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « السحور بركة فلا تدعوه ، ولو أن يجرع أحدكم جرعة ماء ، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين » .
ويسن تأخير السحور وتعجيل الفطور لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور » .
ولو شك من يريد الصيام في طلوع الفجر فله أن يأكل أو يشرب حتى يستيقن طلوع الفجر . قال رجل لابن عباس - رضي الله عنهما - ، تسحرت فإذا شككت أمسكت ؟ فقال ابن عباس : ( كل ما شككت حتى لا تشك ) ، أي حتى يستقر في نفسك أنك متيقن لا شاكا في طلوع الفجر .
ما يبطل الصيام :
يبطل الصيام ما يأتي :
1 - الأكل والشرب عمدا .
2 - القيء عمدا لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « من ذرعه القيء - أي غلبه - فليس عليه قضاء . ومن استقاء - أي تعمد القيء واستخرجه عمدا - فليقض » .
3 - الحيض والنفساء .
4 - الاستمناء بأي وسيلة من الوسائل يبطل الصوم ويوجب القضاء .
(1/78)
5 - والأكل والشرب والجماع مع الظن في غروب الشمس أو عدم طلوع الفجر مفسد للصوم وموجب للكفارة والكفارة على الترتيب ، إما عتق رقبة فإن عجز فصيام شهرين متتابعين فإن عجز فإطعام ستين مسكينا . فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : « جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : هلكت يا رسول الله ، قال : " وما أهلكك ؟ " قال : وقعت على امرأتي في رمضان . قال : " هل تجد ما تعتق رقبة ؟ " قال لا . قال : " فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ " قال : لا . قال : " فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا ؟ " قال : لا » . الحديث .
الواجب والمستحب للصائم :
يجب على الصائم صيانة صيامه باجتناب الغيبة والنميمة والكذب ، والشتم، وقول الزور ، وشهادة الزور لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه . فإن شاتمه أحد أو خاصمه فليقل إني صائم » .
(1/79)
ويسن له كثرة قراءة القرآن وذكر الله والصدقة والاجتهاد في العبادة وخاصة في العشر الأواخر من رمضان لقول أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - : « كان يجتهد - وتعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيره » . وروى البخاري ومسلم عنها - رضي الله عنها - « أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر » أي تفرغ للعبادة ؛ لأن في ليالي العشر الأخيرة وأوتارها تطلب ليلة القدر التي تفضل العبادة فيها عبادة ألف شهر كما قال تعالى : { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ }{ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ }{ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ }{ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ }{ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : « من قام ليلة القدر - أي أحياها في العبادة - غفر له ما تقدم من ذنبه » .
(1/80)
الاعتكاف : الاعتكاف مسنون كل وقت بنية غير أنه في العشر الأواخر من رمضان آكد وهو لزوم المسجد لطاعة الله وذكر الله والاشتغال بالقرب وقطع الصلة بالناس ، ويبدأ زمن الاعتكاف في أولى ليالي العشر وينتهي بانتهاء آخر يوم من رمضان ليلة العيد .
(1/81)
الكتاب : ما يجب أن يعرفه المسلم عن دينه
المؤلف : عبد الله عبد الغني الخياط
الطبعة : الثالثة
الناشر : الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
تاريخ النشر : 1413هـ
عدد الصفحات : 142
عدد الأجزاء : 1