chidichidi
08-29-2007, 08:09 PM
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا ، من يهده الله فهو المهتد و من يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا . و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمداً عبده ورسوله .
( يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ و لا تَمُوتُنَّ إلا و أَنْتُم مُسْلِمُون )
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَفْسٍ وَاحِدَة وَ خَلَقَ مِنهَا زَوجَهَا وَ بَثَ مِنهُمَا رِجَالاً كَثِيرَاً وَ نِسَاءً ، وَ اتَّقُوا الله الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَ الأرحَام ، إنَّ الله كَانَ عَلَيكُم رَقِيبَاً )
( يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَ قُولُوا قَولاً سَدِيدَاً ، يُصلِح لَكُم أَعمَالَكُم وَ يَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم ، وَ مَن يُطِعِ الله وَ رَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزَاً عَظِيمَاً )
أما بعد …
فإن أصدق الحديث كلام الله و خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه و سلم ، و شر الأمور محدثاتها و كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار .
بهذه الكلمات الطيبات النافعات الآمرات بتقوى الله حتى الموت و مع كل الخلق ، و بيان أن ذلك يكون باتباع هدي خير الخلق محمد بن عبد الله صلى الله عليه و سلم ، و أن ما سوى ذلك بدعة و ضلالة .
و بما أننا في مطلع شهر رمضان المبارك ، فيناسب أن نتكلم عن هذا الركن ، الركن الثالث من أركان الإسلام بعد الشهادتين و الصلاة .
كيف لا و الصوم فضيلة عظيمة ، و خصِّيصة ليست لغيره من العبادات حيث أن الله عزّ و جلّ نسبه لنفسه ، كما قال تعالى في الحديث القدسي :
" الصوم لي و أنا أجزي " – متفق عليه –
و قد فُضِّل الصوم لمعنيين :
أحدهما أنه سرّ و عمل باطنٌ لا يراه الخلق و لا يدخله الرياء
الثاني أنه قهر لعدو الله لأن وسيلة العدو الشهوات و إنما تقوى بالأكل و الشرب [انظر منهاج القاصدين ص 35]
و الصوم لغةً : الإمساك و الكفّ عن الشيء ، منه قوله تعالى على لسان مريم : ( إنِّي نَذَرتُ لِلرَحمَنِ صَومَاً ) … أي إمساك عن الكلام .
أما الصوم في الشرع ، فهو الإمساك بنية طاعة الله عن الطعام و الشراب و سائر المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس .
و قد فرضه الله تعالى على عباده في السّنة الثانية من الهجرة ، رحمةً بهم و مدرسة تعلمهم الصبر و النظام و القدرة على التّحمل و مجاهدة النّفس ، و … مما يوصل للتقوى ، و هو الغاية الأسمى من الصوم كما قال تعالى :
( يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُون )
و إذا وصل الإنسان إلى التقوى فقد وصل إلى كل خير ، إلى الهدى و المحبة و الولاية و المخرج من الهم و الغم ، و الرزق من حيث لا يحتسب و تيسير الأمور و إعظام الأجور و الفلاح … و أخيراً و ليس آخراً دخول الجنة كما قال تعالى :
( إنَّ لِلمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِم جَنّاتِ النّعِيم ) … و الآيات في هذا المعنى كثيرة .
إذا فالصوم يوصل للتقوى ، و التقوى توصل للجنّة . و لكن أي الصوم هو الموصل لذلك ؟
قال تعالى :
( يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُون )
فبيّن الله تعالى لعباده حكمة إيجاب الصّوم عليهم بقوله( لَعَلَّكُم تَتَّقُون )أي لعلكم تنتظمون في سلك المتّقين .
فإن الصيام مدرجة إلى تقوى الله عز وجل من حيث إن الصائم يمنع نفسه عن هواها تعظيماً لأمر مولاه و تعرض له كل رغبة من أكل نفيس و شراب لذيذ و نحو ذلك فيمتنع عنه مع شدة توقه له تعظيماً لأمر من هو مطّلع عليه وناظر إليه فيعتاد على مخالفة النفس فإذا تعاهدها بين رمضان و رمضان بالصوم أحياناً ، ربما تصير ملكة راسخة فينتظم في سلك المتقين و يكون من ورثة جنة النعيم كما قال تعالى : ( تِلكَ الجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِن عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيَّا )
فللصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة و القوى الباطنة ، ففيه استفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها .
فالصوم يحفظ على القلب و الجوارح صحتها و يعيد إليها ما استلبته منها أيادي الشهوات فهو من أكبر العون على التقوى .
و اعلم أخي أن المعاصي تعود إلى الغفلة و الشهوة و الغفلة على نوعين :
غفلة عن عظمة الله ، و لذا قيل : لا تنظر إلى صِغَرِ المعصية و انظر إلى عظمة من عصيت .
و غفلة عن عقاب الله الشديد .
و أما الشهوات فهي كثيرة و أهمها : شهوة البطن و شهوة الفرج . و الصوم يعالج ذلك كله ، فهو يعين الإنسان على مراقبة الله تعالى في كل أعماله ، كيف لا و المسلم ينظر إلى الطعام و الشراب أمامه و نفسه تشتهيه و لكنه يمتنع عن ذلك خوفاً من الله و من عقابه و طمعاً في رضوانه تعالى و في جنّته ؟
بهذا المعنى يكون الصوم دافعاً قوياً و نوراً مضيئاً يسطع ضوءه فينير الدرب أمام المسلم فيسلك هذا الطريق ، طريق الحق ، طريق الخير ، طريق الهداية و التقوى .
و بالصوم كذلك – أخي – نعالج الشهوات ، فهي قائمة على قوة البدن المستمد شدته من الطعام ، فبالصوم نمنع المادة المغذية له ، مما يضعفه فيرتد على صاحبه حيث يستطيع أن يسيطر على نفسه فإن استمر على ذلك تحصّلت له ملكة تعينه على الإمساك بزمام نفسه و تسييرها في الجهة التي ترضي الله تعالى ، و من هنا نفهم كيف أن الصوم يؤدي إلى لتقوى .
و مع ما في الصوم من فضائل و خير إلا أن الله تعالى برحمته لم يترك عباده هملاً بل يسّر لهم ما يعينهم على تحقيق التقوى بالصوم و ذلك بفتح أبواب الجنّة و إغلاق أبواب النيران و تصفيد الشياطين كما قال صلى الله عليه و سلم :
" إذا دخل شهر رمضان : فتحت أبواب السماء ، و غلّقت أبواب النيران ، و سلسلت الشياطين " – متفق عليه -
بعد ما يسر الله تعالى لنا الكلام عن معنى الصوم و الحكمة من فرض الله تعالى له على عباده – و أن ذلك هو التقوى – نقول :
كيف يستقبل الناس هذا الشهر ؟
قال تعالى : ( و إِن تُطِع أَكْثَرَ مَن فِي الأرضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيل الله )
أخي الكريم لو تأملت في حال العالم الإسلامي و يا للأسف وجدت العجب العجاب و البون الشاسع بين الواقع وبين الصواب . فللناس في هذه الأيام ألوان و أشكال في استقبال هذا الشهر العظيم :
- فمنهم من يستقبله بالاحتفالات و الأغاني الشعبية
- و منهم من يستقبله بإعداد برامج السهرة من أفلام و مسلسلات مليئة بالتبرج و السفور بل و الفجور
- و منهم من يستقبله بإعداد الأغاني … و اللقاءات مع المطربين و المطربات و الممثلين و الممثلات …
- و منهم من يستقبله بالنزول إلى الأسواق - شر البقاع في الأرض – و يمضي فيها الأوقات الطويلة لشراء ألوان الطعام و الشراب و غير ذلك
كل ذلك يحدث لاستقبال رمضان شهر الصّيام و شهر القرآن ، شهر القيام ، شهر الطاعة و التوبة و الإنابة ، ويكأن هذا الشهر شهر أكل و شرب و نوم في النهار و سهر على المعاصي في الليل …
لهؤلاء نقول :
يا خادم الجسم كم تشقى لخدمته
أتطلب الربح فيما فيه خُسرانُ
أقبل على النّفس و استكمل فضائلها
فأنت بالنفس لا بالجسم إنسانُ
إن علمنا أن هذه الطرق من استقبال رمضان طرق شيطانية لا ترضي الرحمن و لا تقرّب من الجنان .
فكيف إذا نستقبل هذا الشهر ؟
نوجز ذلك بعدة أمور :
1-الصوم الصحيح ، و هو الصوم ليس عن الطعام و الشراب فقط بل عن كل ما حرّم الله تعالى من الأقوال و الأفعال كما قال صلى الله عليه و سلم : " من لم يدع قول الزور و العمل به و الجهل ، فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه و شرابه " – رواه البخاري –
و قال صلى الله عليه و سلم : " الصّوم جنّة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث و لا يفسق و لا يجهل ، فإن سابّه أحدٌ فليقل إنّي صائم " – متفق عليه –
2-القيام لله تعالى بالصلاة و التّهجد كما قال صلى الله عليه و سلم : " من قام رمضان إيماناً و احتساباً ، غفر له ما تقدّم من ذنبه " – متفق عليه –
3-الصّدقة على الفقراء و المساكين و غيرهم من المحتاجين ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أجود النّاس و كان أجود ما يكون في رمضان .
4-تفطير الصّائمين ، قال صلى الله عليه و سلم : " من فَطّرَ صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء " – رواه أحمد و النّسائي و هو صحيح –
5-قراءة القرآن و الاجتهاد في تلاوته – و لعلنا إن شاء الله تعالى نفرد رسالة أو أكثر في كيفية قراءة القرآن حسبما كان يقرؤه السلف الصالح –
6-الحرص على الصلوات في المساجد ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذّ بسبعٍ و عشرين درجة " – متفق عليه –
7- الجلوس في المسجد من بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس ثم صلاة ركعتين بعد ارتفاعها كما قال صلى الله عيه و سلم : " من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجّة تامّة تامّة تامّة " – رواه الترمذي و هو حديث حسن –
8-الإكثار من الدعاء و الاستغفار
9- الاعتكاف للقادر عليه
و في الختام نسأل الله تعالى أن يجعلنا من عباده الصالحين الخالصين المخلصين و أن يجعلنا في شهر الخير من عباده الصالحين الذين يعينهم على طاعته حتى يرضى عنّا ، و يغفر لنا و يدخلنا فسيح الجنان . اللهم آمين آمين .
كتبه الشيخ خالد السبع العلمي في عدة رسائل وهو خريج الجامعة الاسلامية في المدينة المنورة كلية الحديث و اعتقد بانه ممن يعدون من علماء طرابلس في الحديث كان قد نقلها قبل الاخ شيركوه
( يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ و لا تَمُوتُنَّ إلا و أَنْتُم مُسْلِمُون )
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَفْسٍ وَاحِدَة وَ خَلَقَ مِنهَا زَوجَهَا وَ بَثَ مِنهُمَا رِجَالاً كَثِيرَاً وَ نِسَاءً ، وَ اتَّقُوا الله الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَ الأرحَام ، إنَّ الله كَانَ عَلَيكُم رَقِيبَاً )
( يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَ قُولُوا قَولاً سَدِيدَاً ، يُصلِح لَكُم أَعمَالَكُم وَ يَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم ، وَ مَن يُطِعِ الله وَ رَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزَاً عَظِيمَاً )
أما بعد …
فإن أصدق الحديث كلام الله و خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه و سلم ، و شر الأمور محدثاتها و كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار .
بهذه الكلمات الطيبات النافعات الآمرات بتقوى الله حتى الموت و مع كل الخلق ، و بيان أن ذلك يكون باتباع هدي خير الخلق محمد بن عبد الله صلى الله عليه و سلم ، و أن ما سوى ذلك بدعة و ضلالة .
و بما أننا في مطلع شهر رمضان المبارك ، فيناسب أن نتكلم عن هذا الركن ، الركن الثالث من أركان الإسلام بعد الشهادتين و الصلاة .
كيف لا و الصوم فضيلة عظيمة ، و خصِّيصة ليست لغيره من العبادات حيث أن الله عزّ و جلّ نسبه لنفسه ، كما قال تعالى في الحديث القدسي :
" الصوم لي و أنا أجزي " – متفق عليه –
و قد فُضِّل الصوم لمعنيين :
أحدهما أنه سرّ و عمل باطنٌ لا يراه الخلق و لا يدخله الرياء
الثاني أنه قهر لعدو الله لأن وسيلة العدو الشهوات و إنما تقوى بالأكل و الشرب [انظر منهاج القاصدين ص 35]
و الصوم لغةً : الإمساك و الكفّ عن الشيء ، منه قوله تعالى على لسان مريم : ( إنِّي نَذَرتُ لِلرَحمَنِ صَومَاً ) … أي إمساك عن الكلام .
أما الصوم في الشرع ، فهو الإمساك بنية طاعة الله عن الطعام و الشراب و سائر المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس .
و قد فرضه الله تعالى على عباده في السّنة الثانية من الهجرة ، رحمةً بهم و مدرسة تعلمهم الصبر و النظام و القدرة على التّحمل و مجاهدة النّفس ، و … مما يوصل للتقوى ، و هو الغاية الأسمى من الصوم كما قال تعالى :
( يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُون )
و إذا وصل الإنسان إلى التقوى فقد وصل إلى كل خير ، إلى الهدى و المحبة و الولاية و المخرج من الهم و الغم ، و الرزق من حيث لا يحتسب و تيسير الأمور و إعظام الأجور و الفلاح … و أخيراً و ليس آخراً دخول الجنة كما قال تعالى :
( إنَّ لِلمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِم جَنّاتِ النّعِيم ) … و الآيات في هذا المعنى كثيرة .
إذا فالصوم يوصل للتقوى ، و التقوى توصل للجنّة . و لكن أي الصوم هو الموصل لذلك ؟
قال تعالى :
( يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُون )
فبيّن الله تعالى لعباده حكمة إيجاب الصّوم عليهم بقوله( لَعَلَّكُم تَتَّقُون )أي لعلكم تنتظمون في سلك المتّقين .
فإن الصيام مدرجة إلى تقوى الله عز وجل من حيث إن الصائم يمنع نفسه عن هواها تعظيماً لأمر مولاه و تعرض له كل رغبة من أكل نفيس و شراب لذيذ و نحو ذلك فيمتنع عنه مع شدة توقه له تعظيماً لأمر من هو مطّلع عليه وناظر إليه فيعتاد على مخالفة النفس فإذا تعاهدها بين رمضان و رمضان بالصوم أحياناً ، ربما تصير ملكة راسخة فينتظم في سلك المتقين و يكون من ورثة جنة النعيم كما قال تعالى : ( تِلكَ الجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِن عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيَّا )
فللصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة و القوى الباطنة ، ففيه استفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها .
فالصوم يحفظ على القلب و الجوارح صحتها و يعيد إليها ما استلبته منها أيادي الشهوات فهو من أكبر العون على التقوى .
و اعلم أخي أن المعاصي تعود إلى الغفلة و الشهوة و الغفلة على نوعين :
غفلة عن عظمة الله ، و لذا قيل : لا تنظر إلى صِغَرِ المعصية و انظر إلى عظمة من عصيت .
و غفلة عن عقاب الله الشديد .
و أما الشهوات فهي كثيرة و أهمها : شهوة البطن و شهوة الفرج . و الصوم يعالج ذلك كله ، فهو يعين الإنسان على مراقبة الله تعالى في كل أعماله ، كيف لا و المسلم ينظر إلى الطعام و الشراب أمامه و نفسه تشتهيه و لكنه يمتنع عن ذلك خوفاً من الله و من عقابه و طمعاً في رضوانه تعالى و في جنّته ؟
بهذا المعنى يكون الصوم دافعاً قوياً و نوراً مضيئاً يسطع ضوءه فينير الدرب أمام المسلم فيسلك هذا الطريق ، طريق الحق ، طريق الخير ، طريق الهداية و التقوى .
و بالصوم كذلك – أخي – نعالج الشهوات ، فهي قائمة على قوة البدن المستمد شدته من الطعام ، فبالصوم نمنع المادة المغذية له ، مما يضعفه فيرتد على صاحبه حيث يستطيع أن يسيطر على نفسه فإن استمر على ذلك تحصّلت له ملكة تعينه على الإمساك بزمام نفسه و تسييرها في الجهة التي ترضي الله تعالى ، و من هنا نفهم كيف أن الصوم يؤدي إلى لتقوى .
و مع ما في الصوم من فضائل و خير إلا أن الله تعالى برحمته لم يترك عباده هملاً بل يسّر لهم ما يعينهم على تحقيق التقوى بالصوم و ذلك بفتح أبواب الجنّة و إغلاق أبواب النيران و تصفيد الشياطين كما قال صلى الله عليه و سلم :
" إذا دخل شهر رمضان : فتحت أبواب السماء ، و غلّقت أبواب النيران ، و سلسلت الشياطين " – متفق عليه -
بعد ما يسر الله تعالى لنا الكلام عن معنى الصوم و الحكمة من فرض الله تعالى له على عباده – و أن ذلك هو التقوى – نقول :
كيف يستقبل الناس هذا الشهر ؟
قال تعالى : ( و إِن تُطِع أَكْثَرَ مَن فِي الأرضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيل الله )
أخي الكريم لو تأملت في حال العالم الإسلامي و يا للأسف وجدت العجب العجاب و البون الشاسع بين الواقع وبين الصواب . فللناس في هذه الأيام ألوان و أشكال في استقبال هذا الشهر العظيم :
- فمنهم من يستقبله بالاحتفالات و الأغاني الشعبية
- و منهم من يستقبله بإعداد برامج السهرة من أفلام و مسلسلات مليئة بالتبرج و السفور بل و الفجور
- و منهم من يستقبله بإعداد الأغاني … و اللقاءات مع المطربين و المطربات و الممثلين و الممثلات …
- و منهم من يستقبله بالنزول إلى الأسواق - شر البقاع في الأرض – و يمضي فيها الأوقات الطويلة لشراء ألوان الطعام و الشراب و غير ذلك
كل ذلك يحدث لاستقبال رمضان شهر الصّيام و شهر القرآن ، شهر القيام ، شهر الطاعة و التوبة و الإنابة ، ويكأن هذا الشهر شهر أكل و شرب و نوم في النهار و سهر على المعاصي في الليل …
لهؤلاء نقول :
يا خادم الجسم كم تشقى لخدمته
أتطلب الربح فيما فيه خُسرانُ
أقبل على النّفس و استكمل فضائلها
فأنت بالنفس لا بالجسم إنسانُ
إن علمنا أن هذه الطرق من استقبال رمضان طرق شيطانية لا ترضي الرحمن و لا تقرّب من الجنان .
فكيف إذا نستقبل هذا الشهر ؟
نوجز ذلك بعدة أمور :
1-الصوم الصحيح ، و هو الصوم ليس عن الطعام و الشراب فقط بل عن كل ما حرّم الله تعالى من الأقوال و الأفعال كما قال صلى الله عليه و سلم : " من لم يدع قول الزور و العمل به و الجهل ، فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه و شرابه " – رواه البخاري –
و قال صلى الله عليه و سلم : " الصّوم جنّة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث و لا يفسق و لا يجهل ، فإن سابّه أحدٌ فليقل إنّي صائم " – متفق عليه –
2-القيام لله تعالى بالصلاة و التّهجد كما قال صلى الله عليه و سلم : " من قام رمضان إيماناً و احتساباً ، غفر له ما تقدّم من ذنبه " – متفق عليه –
3-الصّدقة على الفقراء و المساكين و غيرهم من المحتاجين ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أجود النّاس و كان أجود ما يكون في رمضان .
4-تفطير الصّائمين ، قال صلى الله عليه و سلم : " من فَطّرَ صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء " – رواه أحمد و النّسائي و هو صحيح –
5-قراءة القرآن و الاجتهاد في تلاوته – و لعلنا إن شاء الله تعالى نفرد رسالة أو أكثر في كيفية قراءة القرآن حسبما كان يقرؤه السلف الصالح –
6-الحرص على الصلوات في المساجد ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذّ بسبعٍ و عشرين درجة " – متفق عليه –
7- الجلوس في المسجد من بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس ثم صلاة ركعتين بعد ارتفاعها كما قال صلى الله عيه و سلم : " من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجّة تامّة تامّة تامّة " – رواه الترمذي و هو حديث حسن –
8-الإكثار من الدعاء و الاستغفار
9- الاعتكاف للقادر عليه
و في الختام نسأل الله تعالى أن يجعلنا من عباده الصالحين الخالصين المخلصين و أن يجعلنا في شهر الخير من عباده الصالحين الذين يعينهم على طاعته حتى يرضى عنّا ، و يغفر لنا و يدخلنا فسيح الجنان . اللهم آمين آمين .
كتبه الشيخ خالد السبع العلمي في عدة رسائل وهو خريج الجامعة الاسلامية في المدينة المنورة كلية الحديث و اعتقد بانه ممن يعدون من علماء طرابلس في الحديث كان قد نقلها قبل الاخ شيركوه