مقاوم
08-28-2007, 11:23 AM
خطـر حقيــقي!
حامد بن عبدالله العلي
بجهود إيران الخاصة ، وبمساعدة دول أخرى ، مثل روسيا ، والصين ، وباكستان وكوريا الشمالية ، أقامـت إيران صناعات عسكرية ضخمة جدا ، ومعقّدة ، يعمل فيها جيش من المهندسين ، تعدادهـم أكثر من 200 ألف مهندس.
،
ووفـق المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن ، فقـد صنعت إيران نحـو ألفي نوع من التجهيزات العسكرية ، وسفن قاذفة للصواريخ ، كما استوردت تجهيزات حربية من أكثر من ثلاثين بلدا ، منها سبع دول أوروبية.
،
وتصف دراسة صادرة عن : اي.اي.اس.اس، حـول ( الميزان العسكري) ، القدرات العسكرية الإيرانية ، قائلة : إنه وفي عهد الشاه أنشأت كلّ من شركة بل- ليتون- ثورت تروب في إيران ، مصنعا لتجميع الطائرات, والحوامات,وصواريخ موجهة, وكذلك جاهزة الكترونية ، ودبابات ، وتم تطوير تلك القاعدة الصناعية بشكل واسع ، تحت إشراف الحرسالجمهوري ، ووزارة الدفاع ، خلال الحرب الإيرانية العراقية ، وطورت إيران صناعة الصواريخ ، بحيث باتت تمتلك حاليا ترسانة من الصواريخ يصل مداها حتى 2000 كم
وانتهت الدراسة إلى القول (لقد صنعت السنوات الثماني للحرب الإيرانية العراقية من الإيرانيين عسكريين متمرسين ، امتلكوا صناعة عسكرية متطورة ، ومبتكرة, لقد أسسوا لبنية تحتية صناعية ، قادرة على تلبية كافة مستلزمات القوات العسكرية الإيرانية).
،
وهذا يعني أن مع نهاية حرب الخليج الأولى ، كانت إيران تملك ترسانة عسكرة ضخمـة ، وهائلة ، وقـد تضاعفت هذه الترسانة بلا ريب في المدّة بعد تلك الحـرب إلى الإحتلال الأمريكي للعراق ،
،
ولهذا يقول كوردزمان ـ في كتابه تطور القدرات العسكرية الإيرانية ، واشنطن، دي. سي.: مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (2005) الطبعة الأولىـبعد أن ذكر جوانب الضعف في القدرات العسكرية الإيرانية : ( إلاّ أن جوانب الضعف هذه لا تلغي حقيقة أن إيران تمتلك أكبر قوة عسكرية في منطقة الخليج، فلديها نحو 540 ألف مقاتل، وأكثر من 350 ألف جندي في الاحتياطي، ونحو 1600 دبابة قتال رئيسة، و1500 مركبة قتال مدرعة، و3200 قطعة مدفعية، و306 طائرات قتال، و50 طائرة هليكوبتر مسلحة، و3 غواصات، و59 سفينة حربية، و10 سفن إبرار بحري
،
ومؤخرا ،، عرض (أبي زيد) الذي يشرف على القوات الأميركية في المنطقة ، خلال لقاء مع صحافيين عسكريين ، استمر ساعة، القدرات العسكرية الإيرانية ، التي يتحتم على المخططين العسكريين الأميركيين أخذها في الحسبان ، وقال : ( أولا لديهم قدرة بحرية على إغلاق مضيق هرمز مؤقتا، ثانيا لديهم قوة صاروخية كبيرة يمكنها إلحاق ضرر كبير بأصدقائنا وشركائنا في المنطقة، ولديهم ثالثا سلاح إرهابي قوي يتحرك نيابة عنهم ويمكنه في حال نشوب مواجهات التسبب بمشكلات ليس في الشرق الأوسط فحسب بل في العالم ).
وقال أيضا : ( رابعا لديهم قوات برية كبيرة قادرة بالتأكيد على خوض قتال غير متوازن ولو إن قدرتها الهجومية لا تبعث على القلق ) .
هذا إضافة إلى المشروع النووي الذي وصل إلى مراحـل تسبب قلقا كبير لدى الغرب .
،
وهذه القدرة العسكرية الإمبراطورية ، يضاف إليها ، الإمكانيات البشرية ، والاقتصادية ، والجيوبوليتيكية ، والشعور القومي الفارسي المتطلّع للتوسع والهيمنـة.
،
وقـد واكبــت ضعفا وهزالا في أنظمة الحكـم العربية ، فهي أشبه بالهياكل على جميع المستويات : على مستوى حـمل الرسالة الأمميّة ، والإلتزام الجاد بالهويّة الإستقلالية ، والبرامج الطموحة ، ومواكبة التطـور على المستويات الحيوية ، فالنظام العربي بشكل عام فاشـل ، وقادته فاقدون للمشروع ، عاجزون حتى عن فهم واستيعاب خطورة المرحلة فضلا عن الإرتقاء إلى مستوى أحداثها ، أما صناعـة تاريخهـا فبينهم وبين ذلك خرط القتاد.
وقد ساعد إيران أيضا ، ضعف البلدان الأخرى المجاورة لإيران ، فبلدان آسيا الوسطى التي استقلَّت عن الاتحاد السوفييتي ، غـدت بلاداً ضعيفة ،ومفتوحة للتأثير الخارجي ، وإنشغلـت أفغانستان بمشاكلها، بعـد أن قدمت إيران خدمات للولايات المتحدة ، لإسقاط نظام طالبان السني ، ليكون لها دور في مستقبل أفغانستان، ويد في سياساته.
،
وقد سنحت لإيران أعظم فرصة تاريخية بتراجع دورالعراق بعد حرب الخليج الثانية ، ثــمّ لمـّا قدمت إيران كلّ ما تملك ، من مساعدات ، لإسقاط النظام العراقي بقيادة صدام حسين ، تـمّ لها المخطط التوسعي بإيجـاد دور مؤثّر في النظام الذي يرث العراق ، إضافة إلى هيمنته على جنوب العراق بأسـره .
،
ومع تنامي التيارات الإسلامية ، وغيرها ، تلك التيارات السياسية المعارضة لخنوع النظام العربي وفشله ،وإنتشار السخـط والتململ في شعوب المنطقـة من حالة إهتـزاز الهويـّة ، والإحباط العام .
ومع المأزق الأمريكي في أفغانستان ، والمستنقع الأمريكي في العراق الذي كان لإيران ، ولا يزال ، دورٌ عظيم فيه أيضا ،
ومع تخبـّط السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط عموماً ،وضعف ، أو إنعدام أي مشروع كبيـر مستقـلّ يسـد الفراغ .
،
كلّ هذه العوامل ، اجتمعـت لنظام لاتنقصه الحنكة ، ولا الخبرة ، ولا ثراء التجارب التاريخيـة ، ولا الحماسة القومية ، ولا الطمـوح الإمبراطوري ، ليتحـوّل إلى أحـد أكبر المؤثـّرات في أحداث المنطقـة ، والشريك الفعّال في تقرير مصيـرها ، كما سيبقى كذلك إلى أمـد ، وإذا لم ينكفئ فسيقتسم مقدراتها مع القوى الإستعمارية الأُخرى ، فتقع كارثة لـم يسبق لها مثيل في تاريخ الإسلام .
،
ولاجـرم ،، فقد أخـذ ـ إبّان إنشغال الحكام العرب بقمع الشعـوب ، والإمعان في الإستبداد ، ومعادة النخـب ، وتكديس الثروة الشخصية والعائلية ـ أخذ النظام الإيراني يجمـع الشروط الموضوعية لتحقيق القوّة الذاتية ، فالتوسّع والهيمنـة ، منذ انتهاء الحرب العراقية الإيرانية،
،
فبـدأ ببناء قوة عسكرية ذاتيـة ، هائلة ، على أسس متطورة عصرية .
وأحكم القبضـة على الداخـل.
،
ووضع يـده على مقدّرات لم يكن يحلم بها من أرض العراق ، وأقام تحالفا صلبا مع النظام السوري ، سمح له بالإمتداد الشعبي حتى على مستوى نشر التشيـّع في الشام ، بصورة لم يسبق لها مثيل.
وإنتقل من حالة إظهار العداء مع الدول العربية ، إلى تأسيس الأحزاب الداخلية التابعـة التي تعمل على تحويـل شعوب البلاد العربية إلى رصيد في مشروعه الإمبراطوري، تمهيدا للإطاحة بأنظمة الحكم فيها ، واستبدالها بأنظمة موالية .
،
ويتجلّى هذا في لبنان بوضوح ، فهي مثال حيّ للمخطط الإيراني التوسعي على صعيد العمـق الشعبي العربي، استغلالا للطوائف الشيعية .
وأقام علاقات قوية ، مع المقاومة الإسلامية الفلسطينية ، فاستطاع أن يوظّف هذه العلاقة ، في موقف هذه المنظمات من الأحداث ، وتكرس هذا جدا بعد فوز حماس في الانتخابات.
،
وفي الجمـلة فالمشروع الإيراني بات حاضـرا بقوّة ، ويشكّل صداعا مزمنا لأمريكا القوة العظمى المتحكّمة في مصير المنطقة ، ففي التقرير الصادر عن خدمة أبحاث الكونغرس يوليو 2006م ـ وهو مركز أبحاث تابع للكونغرس الأميركي تتميز تقاريره بالموضوعية والشمولية وبالنفوذ في دوائر صنع السياسة بواشنطن ـ هذه العبارة : أمريكا "لا تواجه تهديدا أعظم من بلد واحد أكثر من (تهديد) إيران"، ويعزو التقرير السبب إلى أن تعدد الملفات الإيرانية المزعجة ، كعملية السلام العربية الصهيونية، وعلاقة إيران بالعراق ، وبدول الخليج، وعلاقتها بدول وسط آسيا الإسلامية وأفغانستان، وملف الأسلحة النووية .
،
يقول التقرير في جزئه الأوّل إن الحكومة الإيرانية الراهنة –تحت قيادة الرئيس أحمدي نجاد– تبدو مستقرة سياسيا، كما أنها تبدو مستقرة اقتصاديا بحكم ارتفاع أسعار النفط، وبحكم سياسات نجاد التي وجهت نحو مساعدة الفقراء كإلغاء بعض ديون الفلاحين.
،
يقول التقرير إن سياسة تغيير النظام الإيراني التي تبناها الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش في عام 2002 ، تبدو بعيدة المنال ، على المدى القصير ، نظرا لضعف جماعات المعارضة الإيرانية، ولأن الدعم الأميركي لهذه الجماعات يضعف من الدعم الشعب الإيراني لها، ولكن ذلك لن يمنع الإدارة والكونغرس من الاستمرار في دعم ومساندة الجماعات الساعية لتغيير النظام الإيراني.
،
كما رأى التقرير أن القيام بهجوم عسكري شامل لتغيير النظام بإيران هو أمر لا تضعه الإدارة الأميركية "محل اعتبار جاد" في الوقت الراهن ، نظرا لانشغال القوات الأميركية في العراق، ولقوة المقاومة الإيرانية الداخلية المحتملة، وللمعارضة الدولية الشديدة لمثل هذا العمل، خاصة من قبل روسيا ، والصين ، وآخرين ، لم يسمهم التقرير.
،
غيـر أنّ التقرير رأي أنّ فكرة القيام بهجوم عسكري محدود ، تبدو فكرة قابلة للاختبار من قبل بعض الخبراء، ولكنّه حذّر من صعوبة استهداف جميع الأهداف الإيرانيـّة ، الواجب استهدافها في مثل هذا الهجوم ، والتي قدرها أحد الخبراء بحوالي 400 هدف ، من بينها 75 هدفا تحت الأرض،
،
كما حذّر من رد فعل إيران الانتقامي في حالة تعرضها لمثل هذا الهجوم، وأشار التقرير لمطالبة بعض أعضاء الكونغرس الرئيس الأميركي بالرجوع للكونغرس للحصول على موافقته قبل القيام بمثل هذا الهجوم ـ المصدر الجزيرة .
،
وبعد هذه الخلاصـة ، لايبقى مجال للشـك أنّ الخطـر المحـدق القادم من النظام الإيرانـي ، لايماثلـه خطر ، وقـد كفانا عناء الاحتجاج على ذلك ، بما فعله في العـراق من عـداء لايوصف لهذه الأمّة ، وجميع موروثها ومكتسباتها ،
،
ولايمكن لعاقل أن يجـد سبيلا لإيقافـه إلاّ بحركة أمميـّة عامـّة تشمل المنطقـة كلّها ، تجيـّش لها كلّ الطاقـات ، ويجمع لها كلّ الأسباب المادية والمعنوية ، إذ هـو خطـر حضاري عام ، لا يردّه في سنن الله تعالى إلاّ ارتـداد حضـاري مضـاد لـه ، يُحطّمه ، أو يجـبره على الإرتداع ، والإنكفاف.
،
ولهذا فالواجـب على قادة الوعـي ، من العلماء وغيرهم ، أن يمنحوا مساحة أكبـر من الفكـر لتوجيه الرأي العام للإستعداد لهذا الخطر ، والقفز به إلى الأوليّات المقدّمة على غيرها .
،
وأن يقوموا بدورهم في التواصل مع النخب العاقلة في الشعب الإيراني ، لتتحرك لردع النظام عن مخططاته الكارثية .
،
وعلى الحركة الجهادية أن تكون على وعـي تام بحقيقة حجمها ، ومدى قدرتها على التأثـيـر حسب المرحـلة ، فتتفهـم حقيقة معادلة الصـراع في المشهـد العالمـي والإقليمي ، ولا تسمح للقوى الكبـرى المتصارعـة بإستغلالها ، كما حذرنا سابقا في التعليق على أحداث لبنان.
ولاريب أن المرحلة القادمة ستشهـد مزيدا من السخونـة والتوتـر ، ثـمّ إن التطورات القريبة ، حتى وإن رمت بالمواجهة الحتميـة إلى أجـل ، غيـر أنها تقـود إليها ، بيـد أنّ اليقين لا يتزعزع بحسن العاقبة للإسلام والمسلمين على كلّ الأحوال ، ومهما الأمـد طال ، والله أعـلم
حامد بن عبدالله العلي
بجهود إيران الخاصة ، وبمساعدة دول أخرى ، مثل روسيا ، والصين ، وباكستان وكوريا الشمالية ، أقامـت إيران صناعات عسكرية ضخمة جدا ، ومعقّدة ، يعمل فيها جيش من المهندسين ، تعدادهـم أكثر من 200 ألف مهندس.
،
ووفـق المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن ، فقـد صنعت إيران نحـو ألفي نوع من التجهيزات العسكرية ، وسفن قاذفة للصواريخ ، كما استوردت تجهيزات حربية من أكثر من ثلاثين بلدا ، منها سبع دول أوروبية.
،
وتصف دراسة صادرة عن : اي.اي.اس.اس، حـول ( الميزان العسكري) ، القدرات العسكرية الإيرانية ، قائلة : إنه وفي عهد الشاه أنشأت كلّ من شركة بل- ليتون- ثورت تروب في إيران ، مصنعا لتجميع الطائرات, والحوامات,وصواريخ موجهة, وكذلك جاهزة الكترونية ، ودبابات ، وتم تطوير تلك القاعدة الصناعية بشكل واسع ، تحت إشراف الحرسالجمهوري ، ووزارة الدفاع ، خلال الحرب الإيرانية العراقية ، وطورت إيران صناعة الصواريخ ، بحيث باتت تمتلك حاليا ترسانة من الصواريخ يصل مداها حتى 2000 كم
وانتهت الدراسة إلى القول (لقد صنعت السنوات الثماني للحرب الإيرانية العراقية من الإيرانيين عسكريين متمرسين ، امتلكوا صناعة عسكرية متطورة ، ومبتكرة, لقد أسسوا لبنية تحتية صناعية ، قادرة على تلبية كافة مستلزمات القوات العسكرية الإيرانية).
،
وهذا يعني أن مع نهاية حرب الخليج الأولى ، كانت إيران تملك ترسانة عسكرة ضخمـة ، وهائلة ، وقـد تضاعفت هذه الترسانة بلا ريب في المدّة بعد تلك الحـرب إلى الإحتلال الأمريكي للعراق ،
،
ولهذا يقول كوردزمان ـ في كتابه تطور القدرات العسكرية الإيرانية ، واشنطن، دي. سي.: مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (2005) الطبعة الأولىـبعد أن ذكر جوانب الضعف في القدرات العسكرية الإيرانية : ( إلاّ أن جوانب الضعف هذه لا تلغي حقيقة أن إيران تمتلك أكبر قوة عسكرية في منطقة الخليج، فلديها نحو 540 ألف مقاتل، وأكثر من 350 ألف جندي في الاحتياطي، ونحو 1600 دبابة قتال رئيسة، و1500 مركبة قتال مدرعة، و3200 قطعة مدفعية، و306 طائرات قتال، و50 طائرة هليكوبتر مسلحة، و3 غواصات، و59 سفينة حربية، و10 سفن إبرار بحري
،
ومؤخرا ،، عرض (أبي زيد) الذي يشرف على القوات الأميركية في المنطقة ، خلال لقاء مع صحافيين عسكريين ، استمر ساعة، القدرات العسكرية الإيرانية ، التي يتحتم على المخططين العسكريين الأميركيين أخذها في الحسبان ، وقال : ( أولا لديهم قدرة بحرية على إغلاق مضيق هرمز مؤقتا، ثانيا لديهم قوة صاروخية كبيرة يمكنها إلحاق ضرر كبير بأصدقائنا وشركائنا في المنطقة، ولديهم ثالثا سلاح إرهابي قوي يتحرك نيابة عنهم ويمكنه في حال نشوب مواجهات التسبب بمشكلات ليس في الشرق الأوسط فحسب بل في العالم ).
وقال أيضا : ( رابعا لديهم قوات برية كبيرة قادرة بالتأكيد على خوض قتال غير متوازن ولو إن قدرتها الهجومية لا تبعث على القلق ) .
هذا إضافة إلى المشروع النووي الذي وصل إلى مراحـل تسبب قلقا كبير لدى الغرب .
،
وهذه القدرة العسكرية الإمبراطورية ، يضاف إليها ، الإمكانيات البشرية ، والاقتصادية ، والجيوبوليتيكية ، والشعور القومي الفارسي المتطلّع للتوسع والهيمنـة.
،
وقـد واكبــت ضعفا وهزالا في أنظمة الحكـم العربية ، فهي أشبه بالهياكل على جميع المستويات : على مستوى حـمل الرسالة الأمميّة ، والإلتزام الجاد بالهويّة الإستقلالية ، والبرامج الطموحة ، ومواكبة التطـور على المستويات الحيوية ، فالنظام العربي بشكل عام فاشـل ، وقادته فاقدون للمشروع ، عاجزون حتى عن فهم واستيعاب خطورة المرحلة فضلا عن الإرتقاء إلى مستوى أحداثها ، أما صناعـة تاريخهـا فبينهم وبين ذلك خرط القتاد.
وقد ساعد إيران أيضا ، ضعف البلدان الأخرى المجاورة لإيران ، فبلدان آسيا الوسطى التي استقلَّت عن الاتحاد السوفييتي ، غـدت بلاداً ضعيفة ،ومفتوحة للتأثير الخارجي ، وإنشغلـت أفغانستان بمشاكلها، بعـد أن قدمت إيران خدمات للولايات المتحدة ، لإسقاط نظام طالبان السني ، ليكون لها دور في مستقبل أفغانستان، ويد في سياساته.
،
وقد سنحت لإيران أعظم فرصة تاريخية بتراجع دورالعراق بعد حرب الخليج الثانية ، ثــمّ لمـّا قدمت إيران كلّ ما تملك ، من مساعدات ، لإسقاط النظام العراقي بقيادة صدام حسين ، تـمّ لها المخطط التوسعي بإيجـاد دور مؤثّر في النظام الذي يرث العراق ، إضافة إلى هيمنته على جنوب العراق بأسـره .
،
ومع تنامي التيارات الإسلامية ، وغيرها ، تلك التيارات السياسية المعارضة لخنوع النظام العربي وفشله ،وإنتشار السخـط والتململ في شعوب المنطقـة من حالة إهتـزاز الهويـّة ، والإحباط العام .
ومع المأزق الأمريكي في أفغانستان ، والمستنقع الأمريكي في العراق الذي كان لإيران ، ولا يزال ، دورٌ عظيم فيه أيضا ،
ومع تخبـّط السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط عموماً ،وضعف ، أو إنعدام أي مشروع كبيـر مستقـلّ يسـد الفراغ .
،
كلّ هذه العوامل ، اجتمعـت لنظام لاتنقصه الحنكة ، ولا الخبرة ، ولا ثراء التجارب التاريخيـة ، ولا الحماسة القومية ، ولا الطمـوح الإمبراطوري ، ليتحـوّل إلى أحـد أكبر المؤثـّرات في أحداث المنطقـة ، والشريك الفعّال في تقرير مصيـرها ، كما سيبقى كذلك إلى أمـد ، وإذا لم ينكفئ فسيقتسم مقدراتها مع القوى الإستعمارية الأُخرى ، فتقع كارثة لـم يسبق لها مثيل في تاريخ الإسلام .
،
ولاجـرم ،، فقد أخـذ ـ إبّان إنشغال الحكام العرب بقمع الشعـوب ، والإمعان في الإستبداد ، ومعادة النخـب ، وتكديس الثروة الشخصية والعائلية ـ أخذ النظام الإيراني يجمـع الشروط الموضوعية لتحقيق القوّة الذاتية ، فالتوسّع والهيمنـة ، منذ انتهاء الحرب العراقية الإيرانية،
،
فبـدأ ببناء قوة عسكرية ذاتيـة ، هائلة ، على أسس متطورة عصرية .
وأحكم القبضـة على الداخـل.
،
ووضع يـده على مقدّرات لم يكن يحلم بها من أرض العراق ، وأقام تحالفا صلبا مع النظام السوري ، سمح له بالإمتداد الشعبي حتى على مستوى نشر التشيـّع في الشام ، بصورة لم يسبق لها مثيل.
وإنتقل من حالة إظهار العداء مع الدول العربية ، إلى تأسيس الأحزاب الداخلية التابعـة التي تعمل على تحويـل شعوب البلاد العربية إلى رصيد في مشروعه الإمبراطوري، تمهيدا للإطاحة بأنظمة الحكم فيها ، واستبدالها بأنظمة موالية .
،
ويتجلّى هذا في لبنان بوضوح ، فهي مثال حيّ للمخطط الإيراني التوسعي على صعيد العمـق الشعبي العربي، استغلالا للطوائف الشيعية .
وأقام علاقات قوية ، مع المقاومة الإسلامية الفلسطينية ، فاستطاع أن يوظّف هذه العلاقة ، في موقف هذه المنظمات من الأحداث ، وتكرس هذا جدا بعد فوز حماس في الانتخابات.
،
وفي الجمـلة فالمشروع الإيراني بات حاضـرا بقوّة ، ويشكّل صداعا مزمنا لأمريكا القوة العظمى المتحكّمة في مصير المنطقة ، ففي التقرير الصادر عن خدمة أبحاث الكونغرس يوليو 2006م ـ وهو مركز أبحاث تابع للكونغرس الأميركي تتميز تقاريره بالموضوعية والشمولية وبالنفوذ في دوائر صنع السياسة بواشنطن ـ هذه العبارة : أمريكا "لا تواجه تهديدا أعظم من بلد واحد أكثر من (تهديد) إيران"، ويعزو التقرير السبب إلى أن تعدد الملفات الإيرانية المزعجة ، كعملية السلام العربية الصهيونية، وعلاقة إيران بالعراق ، وبدول الخليج، وعلاقتها بدول وسط آسيا الإسلامية وأفغانستان، وملف الأسلحة النووية .
،
يقول التقرير في جزئه الأوّل إن الحكومة الإيرانية الراهنة –تحت قيادة الرئيس أحمدي نجاد– تبدو مستقرة سياسيا، كما أنها تبدو مستقرة اقتصاديا بحكم ارتفاع أسعار النفط، وبحكم سياسات نجاد التي وجهت نحو مساعدة الفقراء كإلغاء بعض ديون الفلاحين.
،
يقول التقرير إن سياسة تغيير النظام الإيراني التي تبناها الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش في عام 2002 ، تبدو بعيدة المنال ، على المدى القصير ، نظرا لضعف جماعات المعارضة الإيرانية، ولأن الدعم الأميركي لهذه الجماعات يضعف من الدعم الشعب الإيراني لها، ولكن ذلك لن يمنع الإدارة والكونغرس من الاستمرار في دعم ومساندة الجماعات الساعية لتغيير النظام الإيراني.
،
كما رأى التقرير أن القيام بهجوم عسكري شامل لتغيير النظام بإيران هو أمر لا تضعه الإدارة الأميركية "محل اعتبار جاد" في الوقت الراهن ، نظرا لانشغال القوات الأميركية في العراق، ولقوة المقاومة الإيرانية الداخلية المحتملة، وللمعارضة الدولية الشديدة لمثل هذا العمل، خاصة من قبل روسيا ، والصين ، وآخرين ، لم يسمهم التقرير.
،
غيـر أنّ التقرير رأي أنّ فكرة القيام بهجوم عسكري محدود ، تبدو فكرة قابلة للاختبار من قبل بعض الخبراء، ولكنّه حذّر من صعوبة استهداف جميع الأهداف الإيرانيـّة ، الواجب استهدافها في مثل هذا الهجوم ، والتي قدرها أحد الخبراء بحوالي 400 هدف ، من بينها 75 هدفا تحت الأرض،
،
كما حذّر من رد فعل إيران الانتقامي في حالة تعرضها لمثل هذا الهجوم، وأشار التقرير لمطالبة بعض أعضاء الكونغرس الرئيس الأميركي بالرجوع للكونغرس للحصول على موافقته قبل القيام بمثل هذا الهجوم ـ المصدر الجزيرة .
،
وبعد هذه الخلاصـة ، لايبقى مجال للشـك أنّ الخطـر المحـدق القادم من النظام الإيرانـي ، لايماثلـه خطر ، وقـد كفانا عناء الاحتجاج على ذلك ، بما فعله في العـراق من عـداء لايوصف لهذه الأمّة ، وجميع موروثها ومكتسباتها ،
،
ولايمكن لعاقل أن يجـد سبيلا لإيقافـه إلاّ بحركة أمميـّة عامـّة تشمل المنطقـة كلّها ، تجيـّش لها كلّ الطاقـات ، ويجمع لها كلّ الأسباب المادية والمعنوية ، إذ هـو خطـر حضاري عام ، لا يردّه في سنن الله تعالى إلاّ ارتـداد حضـاري مضـاد لـه ، يُحطّمه ، أو يجـبره على الإرتداع ، والإنكفاف.
،
ولهذا فالواجـب على قادة الوعـي ، من العلماء وغيرهم ، أن يمنحوا مساحة أكبـر من الفكـر لتوجيه الرأي العام للإستعداد لهذا الخطر ، والقفز به إلى الأوليّات المقدّمة على غيرها .
،
وأن يقوموا بدورهم في التواصل مع النخب العاقلة في الشعب الإيراني ، لتتحرك لردع النظام عن مخططاته الكارثية .
،
وعلى الحركة الجهادية أن تكون على وعـي تام بحقيقة حجمها ، ومدى قدرتها على التأثـيـر حسب المرحـلة ، فتتفهـم حقيقة معادلة الصـراع في المشهـد العالمـي والإقليمي ، ولا تسمح للقوى الكبـرى المتصارعـة بإستغلالها ، كما حذرنا سابقا في التعليق على أحداث لبنان.
ولاريب أن المرحلة القادمة ستشهـد مزيدا من السخونـة والتوتـر ، ثـمّ إن التطورات القريبة ، حتى وإن رمت بالمواجهة الحتميـة إلى أجـل ، غيـر أنها تقـود إليها ، بيـد أنّ اليقين لا يتزعزع بحسن العاقبة للإسلام والمسلمين على كلّ الأحوال ، ومهما الأمـد طال ، والله أعـلم